أدبيات الحروب ـ الجزء الخامس

بسم الله الرحمن الرحيم

من عيون الشعر ـ أدب الحروب ـ الجزء الثاني ـ

خير الدين الزركلي:

لِكُلِّ أمر حين
خَلِّ البكا حينا
هاتي صلاح الدين
ثانية فينا
الشامخ العرنين
عزّاً وتمكينا
وجدّدي حطين
أو شيه حطينا



خير الدين الزركلي:

وأنظر إلى الآلافِ من بسلائهم
يغزوهم مئة من الثوار

بدوي الجبل:

ولَرّبما هزَّ اللواء مُظفرٌ
ماضي العزيمةِ أصيدَ بهلول
من آلِ يعرب لا تلين قناته
أنف أشمّ وساعد مفتول

عمر أبو ريشة:

كيفَ مالتْ بكِ الليالي وألوَتْ
بالبقايا من العهودِ الغوابرِ
ما حملنا ذُلَّ الحياةِ وفي القو
سِ نبالٌ وفي الأكفِّ بواترُ
يصفعُ الذئبُ جبهةَ الليثِ ضعفاً
إن تلاشتْ أنيابهُ والأظافرُ


عمر أبو ريشة:

دفقت موجة الهدى تغسل الشرك
وتروي النفوس بالتوحيد
وتبثُ الوئام والحبّ والرحم
ة ما بين سيّد ومَسودِ
مذهب ضجّت الأعاجمُ منه
وتعاموا عن شرعهِ المحمودِ
ورأوا فيه ما يدكُّ عروشاً
شيدوها بالظلمِ والتهديدِ
فرمت بالكتائب الخرسروما
وبأبطالها الغزاة الصيد
وطغى الهول والكتائب ماجت
في خضم من القنا والبنودِ
فأطلت تلك الفلول من العر
ب بعزم النبوّة المشدودِ




وأغارت ترمي الفوارس رمياً
وتحزُّ الوريد أثر الوريدِ
كلّما انهارَ حائط من جنود
أتبعتهُ بحائط من جنودِ
وضفاف

اليرموك

ترسل منها
زمزمات الحداء لإبن الوليد
جولة ترعف الصوارم فيها
وتصيحُ الأكفّ هل من مزيدِ
جولة كفّنت بها الروم حلماً
بين أنقاض صرحها المهدود
وكأن اندحارها لم يرد

الفرس

عن نشر بغيها المعهودِ
سخرت كل فيلق كسروي
لم يذق قبل نكبة التشريد
مزّقتهُ في القادسية تلك الب
يض والسّمرُ في أكفِّ الأسودِ



عمر أبو ريشة:
في الفاتحين العرب:

وتَطلّعوا صَوبَ الشموسِ وأسرجوا
للفتحِ صهوةَ كل مُهرٍ ضامرِ
ومضوا إلى غاياتهم ثم انثنوا
وعلى خدودِ النجمِ وشمُ حوافرِ




أنور العطار:

وانهضي للجهاد في نصرة الحقِّ
وبُثي رسالة التوحيد
من يُرد فرحة النعيم المُرجّى
يصدق الله في ظلالِ البنودِ
ودعي اسم النبيِّ تعبق به الدن
يا وترفع في عالم من سُعودِ





أنور العطار:
يتخطّى بعزمهِ كل هول
ويخوضُ الوغى بقلب حديدِ
هاتفاً بالحياة غيري غُرّي
صارخاً بالخطوبِ غيري كيدي





أنور العطار:
قلبه راكض إلى الموت يهفو
غير ما جازع ولا رعديد
يالهُ قاحماً نمتهُ البطولا
ت وألقت إليه بالإقليدِ
والبطولات شعلة الأمل السا
طع في ظلمة الليالي السود

عصام العطار:

إنّا إذا ما دعا الدّاعي فأسمعنا
ثُرنا شيوخاً إلى الداعي وشبانا
كلُّ يُسابقُ للجلّى فلا أحدٌ
لم يرضَهُ المجدُ إقداماً وإحسانا



أمجد الطرابلسي:

أروعٌ أينَ من عزيمتهِ السّي
فُ ومن جودِ كفّهِ الأنواءُ
ما يدومُ العمى إذا أسفرَ الحقُّ
ولا النورُ والظلامُ سواء

عبد المعين الملوحي:

إذا الموتُ أقبلَ سِرنا إليهِ
فَمُتنا رجالاً وعشنا رجالاً
صمدنا بكلِّ فتىً ثائرٍ
إذا زالتِ الشمسُ والأرضُ زالا
ويعرفُ أنَّ المماتَ الحياةُ
وأن سوفَ يُبعثُ من حيثُ صالا



فؤاد الخطيب(
الرسالة العدد925):

والتفَ حولك أبطال غطارفة
شُمُّ الأنوفِ يرون الموت مغتنما
فاصدم بهم حدثان الدّهرِ مخترقاً
سداً من الظلمِ إن تعرض له انهدما
إيه بني العربِ الأحرارِ إن لكم
فجراً أطلَّ على الأكوانِ مُبتسما
يستقبلُ الناس من أنفاسهِ أرج
ما هبّ في الشرقِ حتى أنشر الرمما
من ذلك البيت نت تلك البطاح على
تلك الطريق مشت أجدادنا قدما
لستم نبيهم ولستم من سلالتهم
إن لم يكن سعيكم من سعيهم أمما



فؤاد الخطيب:

يا شيخنا اسلم وذرنا نحن في محن
ماذا يضيرك أن نستقصي المحنا
تالله ما الموت إلا العيش في ضَعة
من يرض بالثوب يجعل ثوبه الكفنا
إن يعوز العرب في بنيان دولتهم
هدم الحياة بذلت الروح والبدنا
وليجعلوا من بقايانا ومن دمنا
طيناً وماءً فيبنوا الملك والوطنا

عبد الرحيم محمود:

كَشّري ما شئتِ يا سود الليالي
فأبو الطيب لا يخشى العوالي
إن تقاعستُ عن الحربِ فإنّي
مجرم يقعد عن شأو المعالي
غايتي ألقى المنايا عاجلاً
في مجالِ العلمِ أو ساحِ النضالِ
فابتسمي يا أمّ عبد إنّهُ
زفَّ للحور وولّى وهو عالِ



الأخطل الصغير:

ملاعبُ الصِّيدِ من حَمدانَ ما نسلوا
إلا الأهلّةَ والأشبالَ والقُضُبا
الخالعينَ على الأوطانِ بَهجتها
والرافعينَ على أرماحها القصَبا
حُسامُهمُ ما نبا في وجهِ من ضَربوا
ومُهرهم ما كبا في إثرِ من هربا
ما جرّدَ الدّهرُ سيفاً مثلَ

سيفهم

ربُّ القوافي على الإطلاقِ شاعرُهم
يُجري به الدَّمَ أو يُجري به الذّهبا
الخلدُ والمجدُ في آفاقهِ اصطحبا
سيفان في قبضةِ الشهباءِ لا ثَلما
وقد شَرّفا العُربَ،بل قد شَرّفا الأدبا

الأخطل الصغير:

يكادُ يغتالهُ فرطُ النُّحولِ،فلا
تدري أشخصاً رأت عيناكَ أم شبحا
حتى إذا انقضَّ قلتَ السيفُ مُنجردا
والليثُ مُحتدما،والسيلُ مُكتسحا



الأخطل الصغير:

يا لهولِ الحربِ في ويلاتها
رمتْ الكون بخطب جلل
تلهم المليون لا يشبعها
ومتى تطعم أخاه تأكل
كم شموس في سما الماضي وكم
من نجوم في سما المستقبل
ويتيمات فنون جمّة
حسبت من معجزات الأول

إيليا أبو ماضي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى:

زالت الحرب وولّت،إنّما
ليسَ للذعرِ من الحربِ انقضاء
إن صحونا ،فأحاديث الوغى
في الحمى الآهل والأرض العراء
وإذا نمنا،تراءت في الكرى
صور الهول وأشباح الفناء
فهي في الأوراق جد هائج
وعلى الراديو، فحيح الكهرباء
نتقّي في يومنا شرُّ غدٍ
وإذا الصبحُ انطوى خفنا المساء


عجباً،والحرب باب للردى
وطريق لدماء وعفاء
كيف يهواها بنو الناس،فهل
كرهوا في هذه الدنيا البقاء

الياس قنصل:

ماذا تهمُّ طوارِقُ الحدثان
خُلقَ الجهادُ لكلِّ ذي وجدان
الحقُّ شرعُكَ فامضِ فيه مؤملاً
ما آبَ غيرُ البطلِ بالخذلانِ
عميت نفوسُ الناسِ من أهوائها
فأعِدْ جمالَ النورِ للعميانِ
لا فرقَ بينَ مُلّففٍ بضلالةٍ
ومُلففٍ بنواصعِ الأكفانِ


معروف الرصافي:


هي المنى كثغورِ الغيد تبتسم
دعِ الأماني أو رمهن من ظبة
إذا تطربها الصمصامة الخذم
فإنّما هن من غير الظبا حلم
والمجدُ لا يبتنى إلا على أسس
والحقُّ لا يجتنى إلا بذي شطب
من الحديد وإلا فهو منهدم
ماء المنيّة في غربيه منسجم
فللحسام صليل يرتمي شرراً
مفتقاً أذن من في أذنه صمم
وإنّما العيشُ للأقوى فمن ضعفت
أركانهُ فهو في الثاوين مختوم
والمجدُ يأثل حيث البأس يدعمه
حتى إذا زال زالَ المجد والكرم



معروف الرصافي في سقوط مدينة أدرنة التركية على يد البلغار:

أدرْنِةُ مهلاً فإنَّ الظُّبى
سترعى لكِ العهدَ والموثقا
وداعاً لمغناك زاهي الرُّبا
وداعاً ولكن إلى الملتقى
عزاءً لمسجدكِ الجامع
أفارقَ محرابهُ المِنبرا
وهل في مُصلاهُ من راكع
يُجيبُ المؤذن إن كبّرا
فيا لسقوطك من فاجعٍ
وقبر النبوة في يثربا
بهِ فجعَ الدهرُ أمَّ القرى
ومثوى ضجيعيه مثوى التُّقى
ومن في البقيع ومن في قُبا
ومن شهدوا الفتح والخندقا
رويداً أدرنة لا تجزعي
وإن قد أمضّكِ هذا الأذى
إذا أنتِ بالسيفِ لم ترجعي
فلا حبّذا العيش لا حبّذا

جميل صدقي الزهاوي:

وشتان بين الجند قد هبَّ زاحفاً
وجند تولّى وهو بالخزي يعثرُ



جميل صدقي الزهاوي:

ما أكثر الوحش في الآجام واغلة
وما بها كل ذي ناب بمغوارِ
قد كنت أحمي عريني أن يطوف به
وحش وأني ذاك القسور الضاري
إن كنتُ أقتل ذا شر يهاجمني
فقد قتلتُم الوفا غير أشرارِ
بالسيف،بالنار،بالغازات خانقة
وبابتعاث الوباء الفاتك الساري
ونحن إما أردنا البطش ننذركم
وتفتكون بنا من غير إنذار
ندنو فنقتل بالأنياب من كثب
وتقتلون برغم البعد بالنارِ
بلى أضرُّ إذا ما وجعت مفترساً
لكنّي لست في شبعي بضرارِ
لا أوثر القتل حُبّاً في محاسنهِ
بل إن في حاجتي بعثاً لإيثاري

محمد بهجة الأثري:

يبنونَ مجدَهم على قهرِ الورى
والمجدُ يبرأُ منهم والسؤددُ!
الفتحُ عندهُمُ هوى وتعسفٌ
وممالكٌ تهوي وأخرى تخمدُ
أسراءُ أهواءِ النفوسِ فحمدُهُمْ
يومٌ،وأما ذمُّهُم فمؤبَّدُ
لم يظهروا إلا ليخفوا مثلما
تبدو فقاقيعُ السّيولِ وتهمدُ
من معجزاتِ الدين في أخلاقهم
خُصّوا بصنعِ المعجزاتِ وأُفردوا
من كلِّ وضّاحِ الجبينِ كأنّهُ
ينشقُّ في الظلماءِ عنهُ الفرقدُ
يمشي بهم للفتحِ يحدو شوقهم
دينٌ يتوبُ لآيةِ المُتشدِّدُ




مفدي زكريا:
نحنُ جندٌ في سبيلِ الحقِّ ثُرنا
وإلى استقلالنا في الحربِ قُمنا
لم يكن يُصغى لنا لما نطقنا
فاتخذنا رنةَ البارود وزنا
وعزفنا نغمة الرشاشِ لحنا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

محمد إقبال:

بمعابدِ الإفرنج كان آذاننا
قبل الكتائبِ يفتحُ الأمصارا
لم تنسَ أفريقيا ولا صحراؤها
سجداتنا،والأرضُ تقذفُ نارا
كنّا نقدّم للسيوف صدورنا
لم نخشَ يوماً غاشماً جبارا
وكأن ظل السيفِ ظلّ حديقة
خضراء تنبت حولنا الأزهارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهد
مها ونهدم فوقها الكفارا

دِ
ف
اً

و
ز

و

ب
و


من قصائد النصر:

العماد الأصفهاني يمدح صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين:

استوحش القلبُ مذ غبتم فما أنسا
ولأظلم اليومُ مذ بنتم فما شمسا
ما طبتُ نفساً ولا استحسنتُ بعدكمُ
شيئاً نفيساً ولا استعذبتُ لي نُفَسا
قلبي وصبري وغمضي والشباب وما
ألفتم من نشاطي كله خلسا
وكيف يصبحُ أو يُمسي محبكم
وشوقكم يتولاهُ صباح مِسا
وكنتُ أحدسَ منكم كل داهيةٍ
وما دهانا من الهجرانِ ما حدسا
لما هدت نارُ شوقي ضيفَ طيفكمُ
قريهُ بالكرى أذرارَ مقتبسا
ورمتُ تأنيسهُ حتى وهبتُ له
إنسان عيني أفديه فما أنِسا
أنا الخيالُ نحولاً فالخيالُ إذا
ما زارني كيفَ يلقى من بهِ التبسا
لهفي على زمنٍ قضيتهُ طرباً
إذ لم أكن من صروفِ الدهرِ مُحترسا
عسى يعود شبابي ناضراً ومتى
أرجو نضارةَ عودِ للشبابِ عسى
وشادنٍ يغرسُ الآسادَ ناظرهُ
فديتهُ شادناً للأسدِ مفترسا
في العطفِ لينٌ وفي أخلاقهِ شَوسٌ
يا لينَ عطفيهِ جَنبُ خُلقه الشوسا
إن بانَ لبسٌ مضينا لا جئين إلى ال
فتى الحسام بن لاجينَ بنابلسا
يميتُ أعداءَهُ بأساً ونائلهُ
يُحيى رجاءَ الذي من نجمهِ يأسا
ممزق المازق المنسوج عثيره
وقد محا اليوم ليل النقع فانطمسا
لا زلتَ مستوياً فوقَ الحصانِ وفي
حصنِ الحفاظِ ومن عاداكَ منتكسا
قلْ للمليك صلاح الدين أكرم من
يمشي على الأرضِ أو من يركبِ الفرسا
من بعدِ فتحكَ بيت المقدس ليس سوى
صورٍ فأن فُتحت فاقصد طرابلسا
أثرَ على يوم انطرسوسَ ذا لجبٍ
وابعث إلى ليلِ أنطاكية العسسا
وأخلِ ساحلَ هذا الشام أجمعه
من العداةِ ومن في دينهِ وكؤسا
ولا تدع منهم نفساً ولا نَفَساً
فإنهم يأخذونَ النفسَ والنَفَسا
نزلتَ بالقدسِ فاستفتحتهُ ومتى
تقصدُ طرابلساً فانزل على قَلسا
يا يومَ حطينَ والأبطالُ عابسةٌ
وبالعجاجةِ وجهُ الشمسِ قد عبسا
رأيتُ فيه عظيمَ االكفرِ محتقراً
مُعفراً خدّهُ والأنفُ قد تَعسا
يا طهرَ سيفٍ برى رأسَ البرنسِ فقد
أصابَ أعظمَ من بالشركِ قد نجسا
وغاصَ إذ طارَ ذاكَ الرأسُ في دمهِ
كأنهُ ضفدعٌ في الماءِ قد عطسا
مازالَ يعطسُ مزكوماً بغدرتهِ
والقتلُ تشميتُ من بالغدرِ قد عطسا
عرى ظُبالهُ من ااغمادِ مهرقة
أدماً من الشركِ رداها به وَكَسا
من سيفهُ في دملءِ القوم منغمسٌ
من كلّ من لم يزلْ في الكفرِ منغمسا
أفناهم قتلهم والأسرِ فانتكوا
وبيتُ كفرهم من خبثهم كُنسا
أطيبُ بأنفاسٍ تطيبُ لكم نَفَساً
وتعتاضُ من ذكراكمُ وحشتي أُنسا
وأسألُ عنكم عافياتٍ دوارسٍ
غدتْ بلسانِ الحالِ ناطقةً خَرسا
معاهدكم ما بالها كعهودكم
وقد كررتَ من درسٍ آثارها دَرَسا
وقد كان في حَسي لكم كل طارقٍ
ومت جئتمُ من هجركم خالفَ الحَدسا
أرى حَدثانَ الدهرِ يُنسى حديثُهُ
وأما حديثُ الغدرِ منكم فلا يُنسى
تزولُ الجبالُ الراسياتُ وثابتٌ
رسيسُ غرامٍ في فؤادي لكم أرسى
حسبتُ حبيبي قاسيَ القلبِ وحدَهُ
وقلبُ الذي يهوى يحمل الهوى أقسى
أما لكم يا مالكي الرق رقة
يطيبُ بها مملوككم منكم نَفسا
وإن سروري كنتُ أسمعُ حسّهُ
فمذ سرتُ عنكم ما سمعتُ له حسا
وإنّ نهاري صارَ ليلاً لبعدكم
فمت أبصرت عيني صباحاً ولا شمسا
بكيتُ على مستودعاتِ قلوبكم
كما قد بكت قدماً على صخرها الخنسا
فلا تحبسوا عني االجميلَ فإنني
جعلتُ على حُبي لكم مهجتي حَبسا
رأيتُ صلاحَ الدينِ أفضلَ من غدا
وأشرفَ من أضحى وأكرمَ من أمسى
وقيلَ لنا في الأرضِ سبعةُ أبحرٍ
ولسنا نرى إلا أناملهُ الخمسا
سجيتهُ الحُسنى وشيمتهُ الرضا
وبطشتهُ الكبرى وعزمتهُ القعسا
فلا عدمتُ أيامنا منه مشرقاً
ينيرُ بما يولي ليالينا الدمسا
جنودكَ أملاكُ السماءِ وظنهمُ
عداتُكَ جنُالارضِ في الفتكِ لا الإنسا
فلا يستحقُ القدسَ غيركَ في الورى
فأنتَ الذي من دونهم فتحَ القُدسا
ومن قبلِ فتحِ القدسِ كنتَ مقدساً
فلا عدمتْ أخلاقُكَ اطهرَ والقُدسا
وطهرتهُ من رجسهم بدمائهم
فأذهبتَ بالرجسِ الذي ذهبَ الرجسا
نزعتَ لباسَ الكفرِ عن قُدسِ أرضها
وألبستها الذين الذي كشفَ اللّبسا
وعادتْ ببيتِ الله أحكامُ دينه
فلا بطركاً أبقيتَ فيها ولا قسا
وقد شاعَ في الآفاقِ عنكَ بشارةٌ
بان أذان القدسِ قد أبطلَ النقسا
جرى بالذي تهوى القضاءُ وظاهرت
ملائكةُ الرحمنِ أجنادكَ الحُمسا
وكم لبني أيوبَ عبدٌ كعنترٍ
فإن ذُكروا بالبأسِ لا يذكروا عبسا
وقد طابَ رياناً على طبريةٍ
فيا طيبها مغنىً ويا حسنها مرسى
وعكا وما عكا فقد كان فتحها
لإجلائهم عن مدن ساحلهم كَنسا
وصيدا وبيروتُ وتبنينُ كلّها
بسيفكَ ألفى أنفهُ الرّغمَ والتعسا
ويافا وأرسوفٌ وتُبنى وغزةٌ
تخذتَ بها بين الطلّى والظُبى عُرسا
وفي عسقلانَ الكفرُ ذلَّ بملككم
فمنظرهُ بل أمرُهُ اربدَّ وأرجسا
وصار بصورٍ عصبة يرقبونكم
فلا تُبطنوا عنها وحسّوهم حسا
توكلْ على الله الذي لكَ أصبحت
كلاءتهُ درعاً وعصمتهُ ترسا
ودمر على الباقين واجتثَّ أصلهم
فإنّكَ قد صيّرتَ دينارهم فَلسا
ولا تنسَ شركَ الشرقِ غربك مروياً
بماءِ الطُلى من صادياتِ الظبى الخمسا
وإنّ بلادَ الشرقِ مظلمةٌ فخذْ
خراسانَ والنهرين والتركَ والفُرسا
وبعد الفرنجِ الكركَ فاقصد بلادهم
بعزمكَ واملأ من دمائهمُ الرّمسا
أقامتْ بغابِ الساحلين جنودكم
وقد طردتَ عنهُ ذئابهمُ الطُلسا
سحبتَ على الأردنِ رُدناً من القنا
رُدينيةٌ مُلَداً وخَطيّةٌ مُلسا
حططتَ على حطينُ قدرَ ملوكهم
ولم تُبقِ من أجناسِ كفرهم جِنسا
ونعمَ مجالُ الخيلِ حطينُ لم تكن
معاركها للجُردِ ضرساً ولا دهسا
غداةَ أسودُ الحربِ معتقلوا القنا
أساودُ تبغي من نحورِ العدا نهسا
أتوا شُكسَ الأخلاقِ خُشناً فليّنتْ
حدودُ الرّقاقِ الخشنُ أخلاقها الشُكسا
طردتهم في الملتقى وعكستهم
مُجيداً بحكم العزمِ طردكَ والعكسا
فكيفَ مكستَ المشركينَ رؤوسهم
ودأبُكَ في الإحسانِ أن تُطلقَ المكسا
كسرتهم إذ صحّ عزمُكَ فيهمُ
ونكستهم إذ صارَ سهمهم نكسا
بواقعةٍ رجّتْ بها الرضُ جيشهم
دماراً كما بُست جبالهم بَسا
بطونُ ذئابِ الأرض صارت قبورهم
ولم ترضَ أرضٌ أن تكونَ لهم رَمسا
وطارت على نارِ المواضي فراشُهم
صلاءً فزادت من خمودهمُ قبسا
وقد خشعت أصواتُ أبطالها فما
يعي السمعَ إلا من صليلِ الظُبى همسا
تُقادُ بداً ماء الدماءِ ملوكهم
أسارى كسفنِ اليمِ نُطّت بها القلسا
سبايا بلادُ الله مملوؤةٌ بها
وقد شُريتْ بخساً وقد عُرضتْ نَخسا
يُطافُ بها الأسواقُ لا راغبٌ لها
لكثرتها كم كثرةٍ تُوجبُ الوكسا
شكا يَبساً رأسُ البرنسِ الذي به
تنّدى حسامٌ حاسمٌ ذلكَ اليُبسا
حسا دمهُ ماضي الغرارِ لقدره
وما كان لولا غدرهُ دمهُ يُحسى
فلله ما أهدى فتكت به
وأطهرَ سيفاً معدماً رجسهُ النجسا
نسفتَ بهِ رأسَ البرنسِ بضربةٍ
فأشبهَ رأسي رأسهُ العهنَ والبُرسا
تبوّغَ في أوداجهِ دمُ بغيهِ
فصالَ عليه السيفُ يلحسهُ لحسا
بعثتَ إمام أمةِ النارِ نحوها
وللهِ نصُّ النصرِ جاءَ لنصلهِ

فزارَ إمام أرناطها ذلكَ الحبسا
فلا قُونساً أبقى لرأسٍ ولا قَنسا
حكى عنقَ الداويَّ صُلَّ بضربةٍ
أيوم وغىً تدعوهُ أم يوم نائلٍ

طريرُ الشبا عوداً لمضرابهِ حسا
وأنتَ وهبتَ الغانمينَ به الخُمسا
وقد طابَ رياناً على طبريةٍ
فيا طيبها رياً ويا حسنها مرسى

ابن القيسراني يمدح نور الدين زنكي بعد انتصاره على الصليبيين:

هذي العزائمُ لا ما تدّعي القُضبُ
وذي المكارمُ لا ما قالتِ الكتبُ
أغرتْ سيوفكَ بالإفرنجِ راجفةٌ
فؤادُ روميّةَ الكبرى لها يَجِبُ
غضبتَ للدين لم يفتك رضاً
وكانَ دينُ الهدى مرضاتهُ الغضبُ
فانهض إلى المسجدِ الأقصى بذي لجبٍ
يُوليك أقصى المنى فالقدسُ مُرتقبُ
وائذن لموجك في تطهيرِ ساحلهِ
فإنّما أنتَ بحرٌ لُجةُّ لَجبُ
هذي العزائمُ لا ما تدّعي القُضبُ
وذي المكارمُ لا ما قالتِ الكتبُ
أغرتْ سيوفكَ بالإفرنجِ راجفةٌ
فؤادُ روميّةَ الكبرى لها يَجِبُ
غضبتَ للدين لم يفتك رضاً
وكانَ دينُ الهدى مرضاتهُ الغضبُ
فانهض إلى المسجدِ الأقصى بذي لجبٍ
يُوليك أقصى المنى فالقدسُ مُرتقبُ
وائذن لموجك في تطهيرِ ساحلهِ
فإنّما أنتَ بحرٌ لُجةُّ لَجبُ

ابن القيسراني يمدح عماد الدين زنكي بعد انتصاره على الصليبيينواستيائه على حصن الرها:

هوَ السيفُ لا يُغنيك إلا جِلادهُ
وهل طوّقَ الأملاكَ إلا نِجادهُ
سَمتْ قبلةَ الإسلامِ فخراً ببأسهِ
ولم يك يسمو الدينُ لولا عِمادهُ
فيا ظفراً عمَّ البلادَ رشادهُ
بمن كان قد عمَّ البلادَ فسادهُ
فلا مُطلقٌ إلا وشُدَّ وثاقهُ
ولا مُوثقٌ إلا وحُلَّ صِفادهُ
ولا منبرٌ إلا ترنحَ عودهُ
ولا مُصحفٌ إلا أنارَ امتدادهُ
فقلْ لملوكِ الكفر تُسلمُ بعدها
ممالكها إن البلادَ بلادهُ

بهاء الدين زهير بعد انتصار السلطان الكامل على الصليبيين في مصر:

بِكَ اهتزَّ عِطفُ الدينِ في حُللِ النصرِ
ورُدّتْ على أعقابها مِلّةُ الكفرِ
فقد أصبحت والحمدُ لله نعمةً
يُقصّرُ عنها قُدرةُ الحمدِ والشكرِ
يَقِلُّ بها بذلُ النفوسِ بشارةً
ويصغرُ فيها كلُّ شىءٍ من النذرِ
ألا فليقلْ ما شاءَ من هو قائلٌ
ودونكَ هذا موضعُ النظمِ والنثرِ
وجدتُ محلاً للمقالةِ قابلاً
فمالكَ إن قصّرتَ في ذاكَ من عُذرِ
لكَ الله من مولىً إذا جادَ أو سطا
فناهيكَ من عُرفٍ وناهيكَ من نُكرِ
تميسُ بهِ الأيامُ في حُللِ الصبا
وترفلُ منهُ في مطارفهِ الخضرِ
أياديهِ بيضٌ في الورى موسَويّةٌ
ولكنها تسعى على قدمِ الخِضرِ
ومن أجلهِ أضحى المُقطمُ شامخاً
يُنافسُ حتى طورَ سيناءَ في القدرِ
تدينُ لهُ الأملاكُ بالكُرهِ والرضى
وتخدمهُ الأفلاكُ في النهي والأمر
فيا مَلكاً سامى الملائكَ رِفعةً
ففي الملأ الأعلى لهُ أطيبُ الذكرِ
ليهنكَ ما أعطاكَ ربُّكَ إنّها
مواقفُ هُنَّ الغُرُّ في موقفِ الحشرِ
ومافرحتْ مصرٌ بذا الفتحِ وحدها
لقد فرحتْ بغدادُ أكثرَ من مصرِ
فلو لم يَقم بالله حقّ قيامهِ
لما سلمت دارُ السلامِ من الذعرِ
وأُقسمُ لولا هِمّةٌ كامليّةٌ
لخافت رجالٌ بالمقامِ وبالحجرِ
فمن مُبلغٌ هذا الهناءَ لمكّةٍ
ويثربَ تُنهيهِ إلى صاحبِ القبرِ
فقلْ لرسولِ الله إنّ سَميّهُ
حمى بيضةَ الإسلام من نوبِ الدهرِ
هوَ الكاملُ المولى الذي إن ذكرتهُ
فيا طربَ الدنيا ويا فرحَ العصرِ
بهِ ارتجعت دمياطُ قهراً من العدى
وهرّها بالسيبفِ والمِلّة الطُهرِ
وردَّ على المحرابِ منها صلاتهُ
وكم باتَ مشتاقاً إلى الشفعِ والوِترِ
وأُقسمُ إن ذاقت بنو الاصفرِ الكرى
فلا حلمتْ إلا بأعلامهِ الصفرِ
عجبتُ لبحرٍ جاءَ فيهِ سفينهمُ
ألسنا نراهُ عندنا مَلكَ الغَمرِ
ألا إنها من فعلهِ لكبيرةٍ
سيطلبُ منها عفو حلمكَ واليُسرِ
ثلاثةَ أعوامٍ أقمتَ وأشهراً
تُجاهدُ فيهم لا بزيدٍ ولا عمرو
صبرتَ إلى أن أنزلَ الله نصرَهُ
لذلكَ قد أحمدتَ عاقبةَ الصبرِ
وليلةِ غزوٍ للعدوِّ كأنها
بكثرةِ من أرديتهُ ليلةُ النحرِ
فيا ليلةً قد شرّفَ الله قدرها
ولالا غرَ إن سميتها ليلةَ القدرِ
سدَدتَ سبيلَ البرِّ والبحرِ عنهمُ
بسابحةٍ دُهمٍ وسابحةٍ غُرِّ
أساطيلُ ليست في أساطيرِ من مضى
بكلِّ غُرابٍ راحَ أفتكَ من صقرِ
وجيشٍ كمثلِ الليلِ هولاً وهَيبةً
وإن زانهُ ما فيه من أنجمٍ زُهرِ
وكُلِّ جوادٍ لم يكن قطُّ مثلُهُ
لآلِ زهيرٍ ولا لبني بدرِ
وباتت جنودُ الله فوقَ ضوامرٍ
بأوضاحها تُغني السُراةَ عن الفجرِ
فما زلتَ حتى أيّدَ الله حزبهُ
وأشرقَ وجهُ الأرضِ جذلانَ بالنصرِ
فروّيت منهم ظامىء البيضِ والقنا
وأشبعتَ منهم طاويَ الذئبِ والنَسرِ
وجاءَ ملوكُ الرومِ نحوكَ خُضّعاً
تُجررُ أذيالَ المهانةِ والصُغرِ
أتوا ملكاً فوقَ السِماكِ محلّهُ
فمن جودهِ ذاكَ السحابُ الذي يسري
فمنَّ عليهم بالأمانِ تكرّماً
على الرغمِ من بيضِ الصوارمِ والسُمرِ
كفى اللهُ دمياطَ المكارهَ إنّها
لَمن قبلةِ الإسلامِ في موضعِ النحرِ
وما طابَ ماءُ النيلِ إلا لأنّهُ
يحُلُّ محلَّ الريقِ من ذلكَ الثغرِ
فللهِ يومُ الفتحِ يومُ دخولها
وقد طارتِ الأعلامُ منها على وكرِ
لقد فاقَ أيامَ الزمانِ بأسرها
وأنسى حديثاً عن حُنينٍ وعن بدرِ
ويا سعدَ قومٍ أدركوا فيهِ حظَّهم
لقد جمعوا بين الغنيمةِ والأجرِ
وإنّي لمرتاحٌ إلى كلِّ قادمٍ
إذا كان من ذاكَ الفُتوحِ على ذِكرِ
فيطربني ذاكَ الحديثُ وطيبُهُ
ويفعلُ بي ماليسَ في قُدرةِ الخمرِ
وأُصغي إليهِ مستعيداً حديثُهُ
كأنّي ذو وقرٍ ولستُ بذي وقرِ
يقومُ مقامَ الباردِ العذبِ في الظما
ويُغني عن الأزوةادِ في البلدِ القفرِ
فكم مرَّ لي يومٌ إذا ما سمعتهُ
أقرَّ بهِ سمعي وأذكرهُ فكري
وها أنا ذا حتى إلى اليوم ربّما
أكذبُ عنهُ بالصحيحِ من الأمرِ
لكَ الله من أثنى عليكَ فإنّما
من القتلِ قد أنجيتهُ أو من الأسرِ
يُقصّرُ عنكَ المدحُ من كلّ مادحٍ
ولو جاءَ بالشمسِ المنيرةِ والبدرِ

محمد بن أسعد نقيب أشراف مصر بعد فتح بيت المقدس في 27 رجب عام 538هجري الموافق 1187م وذلك بعد 88 سنة من احتلال الصليبيون لبيت المقدس:

أتُرى مناماً ما بعيني أبصرُ
القدسُ يُفتحُ والفرنجةُ تُكسرُ
وقمامة قُمت من الرجسِ الذي
بزوالهِ وزوالها يتطهرُ
ومليكهم في القيدِ مصفودٌ ولم
يُرَ قبل ذاك لهم مليك يُؤسرُ
قد جاء نصرُ الله والفتح الذي
وعد الرسولُ فسبحوا واستغفروا
فُتح الشام وطهر القدس الذي
هو في القيامةِ للأنامِ المحشرُ
من كان هذا فتحهُ لمحمد
ماذا يُقال له وماذا يُذكرُ
يا يوسف الصديق أنت لفتحها
فاروقها عمرُ الإمام الأطهرُ
ولأنت عثمان الشريعة بعده
ولانت في نصرِ النبوة حيدرُ
ملك غدا الإسلام من عجب به
يختالُ والدنيا به تتبخترُ
نثرٌ ونظمٌ طعنهُ وضرابهُ
فالرمحُ ينظمُ والمهندُ ينشرُ
حيث الرّقاب خواضع حيث
العيون خواشع حيث الجباه تُعفرُ
غاراتهُ جُمعٌ فإن خطبت له
فيها السيوف فكلّ هامٍ منبرُ
إذ لا ترى إلا طلى بسنابك
تُحدى نعالاً أو دماءً تُهدرُ
تمشي على جثث العِدى عُرجا
ولا عرج بها لكنها تتعثرُ

الشاعر الجلياني في فتح بيت المقدس:

أبا المُظهّر أنت المحتبى لهدى
أخرى الزمان على حُبرٍ بخبرته
فلو رآك وقد حزت العلا عمر
في قُلّة التل قضّى كنه عبرته
ورآك وأهلُ القدسِ في ولهٍ
أبو عبيدة فدّى من مسرتهِ
غداةَ جزّوا النواصيَ في قمامته
وأعولوا بالتباكي حول صخرته
دارت بك المِلّة الحسن فنحن على
عهد الصحابةِ في استمرارِ مرّته
وأنت كاسمكَ صدّيقٌ وصاحبه
الملك المظفر سام في مبرّته
وفي السلالة عثمانٌ يؤيده
عُلا عليّ على إيثار نُصرته
وكم لديك ذوي قربى رقوا
وكم بعيد رأى الزُّلفى بهجرته
أما رأيت معالي يوسف نُسقت
حتى رمت كل ذي مُلكٍ بحسرته
أضحى لنشر الهدى في فتح منهجه
وبات يطوي العدى في سدّ ثُغرته
واستقبح الرُجس ممنّوا بمشهده
فاستفتح القدس محشواً بزمرته
لكنّ بأسَ صلاح الدين أذهلهم
بوقعةِ التلِّ واستشرى بسورته
تعيا الجوارح والفرسانُ وهو على
بدء النشاط عشياً مثل بُكرته
يا فاتحَ المسجدِ الأقصى على بُهمٍ
وقائص الجيش لا يُحصى بقفزته
أبشر بملك كظهر الشمس مُطلع
على البسيطة فتّاح بشرته
حتى يكون لهذا الدين ملحمةٌ
تحكي النبوة في أيام فَترته

أبو علي الحسن بن علي الجويني في فتح بيت المقدس:

جندُ السماء لهذا الملك أعوان
من شكَّ فيهم فهذا الفتحُ برهان
متى رأى الناس ما نحكيه في زمن
وقد مضت قبل أزمان وأزمان
هذي الفتوح فتوح الأنبياء وما
لها سوى الشكر بالأفعال أثمان
أضحت ملوك الفرنج الصيد في يده
صيداً وما ضعفوا يوماً وما هانوا
كم من فحول ملوك غُودروا وهم
خوف الفرنجة ولدان ونسوان
هذا وكم ملك من بعده نظر إلى
الإسلام يُطوى ويُحوى وهو سكران
تسعون عاماً بلاد الله تصرخ
والإسلام نُصّارهُ صمٌّ وعميان
فالآن لبّى صلاح الدين دعوتهم
بأمر من هو للِمعوان معوان
للناصر ادّخرت هذي الفتوح وما
سمت لها هِممُ الأملاك مذ كانوا
حباه ذو العرش بالنصر العزيز
فقال الناس داود هذا أم سليمان
في نصف شهر غدا للشرك مصطلماً
فطهرت منه أقطار وبلدان
فأين مسلمةٌ عنها وأخوته
بل أين والدهم بل أين مروان
وعدَّ عما سواه فالفرنجة لم
يبذهم من ملوك الارض إنسان
لو أنّ ذا الفتح في عصر النبي لقد
تنزلت فيه آيات وقرآن
يا قُبح أوجه عباد الصليب وقد
غدا يُبرقعها شؤم وخذلان
خزنتَ عند إله العرش سائر ما
ملكتهُ وملوك الارض خُزّان
فالله يُبقيك للإسلام تحرسهُ
من أن يضام ويُلفى وهو حيران
وهذه سِنّةٌ أكرم بها سنة
فالكفرُ في سنةٍ والنصرُ يقظان
يا جامعاً كلمة الإيمان قامع مَن
معبوده دون ربّ العرش صلبان
إذا طوى الله ديوان العباد فما
يطوى لأجر صلاح الدين ديوان

أبو الحسن علي بن محمد الساعاتي في فتح القدس:

عصفت به ريح الخطوب زعازعاً
فلقينَ طوداً لا تخفّ أناته
هو منقذ البيت المقدس بعدما
طالت فما وجد الشفاء شكاته
بيتٌ تأسسَ بالسكون وإنما
عند الزحافِ تحركات سكناته
أمُشتّت الأعداء وهي جحافل
عن شمل دين جُمعت أشتاته
أوتيت عزماً في الحروب مسدداً
لا زيغهُ يُخش ولا هفواته
أحسنت بالبيت العتيق ويثرب
ولك الفعال كثيرة حسناته
هذي سيوفك محرمات دونه
لبكائهنَّ تبسّمت جحراته

الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن مفرج النابلسي في فتح بيت المقدس:

لقد فتحت عصياً من ثغورهم
لولاك ما هدّ من أركانها حجرُ
تجل علياه عن دح يحيط به
وصف وإن نظم المداح أو نثروا
هذا الفتوح الذي جاء الزمان به
إليك من هفوات الدهر يعتذر
هذا الذي كانت الآمال تنتظرُ
فليوفِ لله أقوام بما نذروا
الآن قرّت جنوب في مضاجعها
ونام من لم يزل حِلفاً لهُ السهرُ
يا بهجةَ القدس إذ أضحى به علم الإسلام
من بعد طيٍّ وهو منتشر
يا نور مسجده الأقصى وقد رُفعت
بعد الصليب به الآيات والسورُ
شتان ما بين ناقوس يدان به
وبين ذي منطق يُصغي له الحجرُ
الله أكبر صوتٌ تقشعر له
شُمُّ الذرى وتكاد الارض تنفطر

الغربة والحنين إلى الوطن ـ الجزء الرابع ـ

الغربة والحنين إلى الوطن

الجزء الرابع

ابن زيدون

يا ناسياً لي على عرفانهِ تلفي
ذكرُكَ مني بالأنفاسِ موصولُ
وقاطعاً صلتي من غيرِ ما سببٍ
تالله إنّكَ على روحي لمسؤولُ
ما شئتَ فاصنَعهُ كلٌّ منكَ مُحتمَلٌ
والذنبُ مُغتفرٌ والعذرُ مقبولُ
لو كنتَ حظّي لم أطلب بهِ بدلاً
أو نلتُ منكَ الرضا لم يبقَ مأمولُ
ما للأحبّة دانوا بالنوى ورأوا
تعريضَ عهد اللقا بالبعدِ حينَ نأوا
رعاهمُ الله كانوا للعهودِ رَعوا
فغيّرتهم وشاةٌ بالفسادِ سعوا
ستبلغها عنّا الشّمالُ تحيةً
نوافحُ أنفاسِ الجنوبِ لها ردُّ
فما نُسيَ الإلفُ الذي كانَ بيننا
لطولِ تنائينا ولا ضُيّعَ العهدُ
لا يأسَ رُبَّ دُنو دار جامعٍ
للشّملِ قد أدى إليهِ بعادُ
إن أغتربْ فمواقعَ الكرم الذي
في الغربِ شِمتُ بروقهُ أرباد
المجدُ عذرٌ في الفراقِ لمن نأى
ليرى المصانعَ منهُ كيفَ تُشادُ
بِنتمْ وبِنّا فما ابتلّتْ جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفّتْ مآقينا
نكادُ حينَ تُناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الاسى لولا تأسينا
حالتْ لفقدكمْ أيامنا فغدتْ
سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يُغيّرنا
أن طالما غيّرَ النأيُ المحبينا
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ واسقِ بهِ
من كان صرفَ الهوى والودِّ يسقينا
واسأل هنالك: هل عَنّى تذكرنا
إلفاً،تذكرهُ أمسى يُغنينا
ويا نسيمَ الصَّبا بلّغْ تحيتنا
من لو على البعدِ حيّا كانَ يُحيينا
ألا وقد حانَ صُبحُ البينِ ،صَبّحنا
حَينٌ،فقامَ بنا للحَينِ ناعينا
من مُبلغُ الملبسينا بانتزاحهمُ
إنّ الزمانَ الذي قد كان يُضحكنا

حُزناً مع الدهرِ لا يبلى ويُبلينا
أنساُ بقربهم قد عاد يُبكينا
وقد نكونُ،وما يُخشى تفرّقنا
فاليومَ نحنُ،وما يُرجى تلاقينا
إنّا قرأنا الأسى يوم النّوى سوراً
مكتوبة وأخذنا الصبرَ تلقينا
إنا قرأنا الأسى،يوم النوى،سوراً
مكتوبةً،وأخذنا الصبرَ يكفينا
معاهدُ لذّاتٍ،وأوطانُ صبوةٍ
أجلت المعلى في الأماني بها قدحا
ألا هل إلى الزهراء أوبةُ نازحٍ
تقّضى تنائيها مدامعهُ نَزحا
محلُّ ارتياحٍ يذكرُ الخلدَ طيبهُ
إذا عزَّ أن يصدى الفتى فيه أو يضحى
أجل! إنّ ليلي ،فوقَ شاطىء نيطةٍ
لاقصرُ من ليلي بآنة فالبطحا
ويا فؤادي!آنَ أن تذوبا
قد ملأَ الشوقُ الحشا ندوبا
في الغربِ إذ رحتُ بهِ غريبا

غريبٌ بأقصى الشّرقِ يشكرُ للصَّبا
تحملّها منهُ السلامَ إلى الغربِ
وما ضرَّ أنفاس الصَّبا في احتمالها
سلامَ هوىً،يُهديه جسمٌ إلى قلبِ
ومنازل بالسفحِ غُيّر رسمها
بمدامعِ العشّاقِ والأنواءِ
لم يبقَ لي غيرَ انتشاقِ نسيمها
يا طولَ خيبةِ قانعٍ بهواءِ
يا نازحاً وضميرُ القلبِ مثواهُ
أنستكَ دُنياكَ عبداً أنتَ مولاهُ
ألهتكَ عنهُ فكاهاتٌ تلذُّ بها
فليسَ يجري ببالٍ منكَ ذكراهُ
علّ الليالي تبقيني إلى أملٍ
الدهرُ يعلمُ والايامُ معناهُ
هوايَ وإن تناءت عنكِ داري
كمثلِ هوايَ في حالِ الجوارِ
مُقيمٌ لا تغيره عوادٍ
تُباعدُ بينَ أحيانِ المزارِ
رأيتُكَ قلتَ إنَّ الهجرَ بدرٌ
متى خلتَ البدورُ من السرارِ
ورابكَ أنني جَلدٌ صبورٌ
وكم صبرٍ يكونُ عن اصطبارِ
ولم أهجر لعتبٍ غير أنّي
أضرّتْ بي مُعاقرةُ العقارِ
وهل أنسى لديك نعيم عيشٍ
كَوشي الخدِّ طُرّزَ بالعِذارِ
وكنتَ على البعادِ أجلَّ شىء
لدي فكيفَ إذ أصبحت جاري
لحى الله يوماً لستُ فيهِ بملتقي
مُحيّاكِ من أجلِ النوى والتفرّقِ
وهلْ كبدٌ حَرّى لبينكِ تُنقعُ
وهل للياليكِ الحميدةِ مرجِعُ

لسان الدين الخطيب

سقى الله من غرناطة متبوىء
الألى لهم حقّ عليّ كريم
ضمنت لها حفظ العهود وإنما
ضمنت لها أن لا أزال أهيمُ
ربوعُ أحبائي ومنشأ صبوتي
ومعهد أنسي إن ذا لعظيمُ
أحبّ الحِمى من أجلِ من سكنَ الحمى
حديثُ حديث في الهوى وقديم
بلادٌ عهدنا في قرارتها الصبا
يقلُّ لذاكَ العهدِ أن يألفَ العهدا
إذا ما النسيمُ اعتلَّ في عَرصاتها
تناولَ فيها البانَ والشيحَ والرندا
إذا استشعرتها النفسُ عاهدتِ الجوى
إذا التمحتها العينُ عاقدتِ السهدا
ومن عاشقٍ حرٍّ إذا ما استمالهُ
حديثُ الهوى العُذريّ صيّرهُ عبدا
سقى الله نجداًرما نضحتُ بذكرها
على كبدي إلا وجدتُ لها بردا
وآنسَ قلبي فهو للعهدِ حافظ
وقلَّ على الأيام من يحفظُ العهدا
صبورٌ وإن لم يبقَ إلا ذبالةٌ
إذا استقبلتها مسرى الصبا اشتعلت وقدا
وقد كنتُ جَلداً قبل أن يُذهبَ النوى
ذَمائي وأن يستأصلَ العظمَ والجلدا
لي الله كم أهذي بنجدٍ وحاجرٍ
وأكنّي بدعدٍ في غرامي أو سُعدى
وما هو إلا الشوقُ ثارَ كمينهُ
فاذهلَ نفساً لم تُبن عنده قصدا
ناديتُ دمعي إذ جدَّ الرحيلُ بهم
والقلبُ من فَرَقِ التوديعِ قد وجبا
سقطتَ يا دمعُ من عيني غداة نأى
عني الحبيبُ ولم تقضِ الذي وجبا
حينَ ساروا عني وقد خنقتني
عبراتٌ قد أعربت عن ولوعي
صحتُ من ينصرُ الغريبَ فلما
لم أجدنا أحداً بلعتُ دموعي
إذا فاتني ظلُّ الحمى ونعيمُهُ
فحسبُ فؤادي أن يَهُبَّ نسيمُهُ
ويُقنعني أنّي بهِ متكّنفٌ
فزمزمهُ دمعي،وجسمي حطيمهُ
يعود فؤادي ذكرُ من سكنَ الغضا
فيُقعدهُ فوقَ الغضا ويُقيمهُ
ولم أرَ شيئاً كالنسيمِ إذا سرى
شفى سقمَ القلبِ المشوقِ سقيمهُ
نُعلّلُ بالتذكارِ نفساً مشوقةً
نُديرُ عليها كأسَهُ ونديمُهُ
كمْ ليومِ الفراقِ من غُصّهْ
في فؤادِ العميدْ
نرفعُ الامرَ فيهِ والقصهْ
للولي الحميدْ
رحل الرّكبُ يقطعُ البيدا
بسفينِ النياق
كلُّ وجناء تُتلعُ الجيدا
وتبذُّ الرفاق
حسبتْ ليلة اللقا عيدا
فهي ذاتُ اشتياقْ
تذكرتُ العقيقَ فسال دمعي
عقيقاً من تذكرّه فذابا
أقولُ لنسمةٍ مرّتْ صباحاً
يُعطّرُ عَرْفها القفرَ اليبابا
ألا يا هذهِ كوني رسولي
وكوني إن رجعتِ ليّ الجوابا
نشدُتكِ بَلّغي صحبي سلامي
إذا جئتِ المعاهدَ والقبابا
يلومني العواذلُ في اشتياقي
إذا ما القلبُ من وجدي تصابى
وكم بينَ الأباطحِ من مهاةٍ
تروعُ بلحظها الأسدَ الغضابا
رمتني ثم قالت وهي تُزري
ولم تحذر بفتكتها العقابا

ابن دراج القسطلي

فيا حبذا تلكَ الرسوم وحبذا
نوافحٌ تهديها إلى صباها
دعوت لها سقيا الحيا ودعا الهوى
وبرح الهوى دمعي لها فسقاها
قالت وقد مزجَ الفراقُ مدامعاً
بمدامعٍ،وترائباً بترائبِ
أتفرقٌ،حتى بمنزل غربةٍ
أم نحن للأيامِ نُهبةَ ناهبِ
ولئن جنيتُ عليكِ نزحةَ راحلٍ
فأنا الزعيمُ لها بفرحةِ آيبِ
هل أبصرتْ عيناكِ بدراً طالعاً
في الأفقِ إلامن هلالٍ غاربِ
نجومُ الصِّبا،أينَ تلكَ النجوم؟
نسيم الصَّبا،أينَ ذاكَ النسيم؟
أمّا في التخيّل منها ضياءٌ
أمّا في التَنشُّقِ منها شميم؟
لقد شطَّ روضلإ إليه أحنُّ
وغادتْ مياهٌ إليها أهيم
ليالي إذ لا حبيبٌ يصدُّ
وعهدي إذ لا عذولُ يلوم
ولمّا تدانتْ للوداعِ،وقد هفا
بصبري منها أنّةٌ وزفيرُ
تُناشدُني عهدَ المودّةِ والهوى
وفي المهدِ مبغومُ النداءِ صغيرُ
عَيٌّ بمرجوعِ الخطاب،ولفظهُ
بموقعِ أهواء النفوسِ خبيرُ
عصيتُ شفيعَ النفسِ فيهِ وقادني
وطار جناحُ البينِ بي وهفت بها

رواحٌ لتدآبِ السرى وبكورُ
جوانح من ذعر الفراق تطيرُ
لئن ودّعتْ مني غيوراً فإنّني
ولو شهدتني والهواجرُ تلتظي
أسلط حرّ الهاجرات إذا سطا
وأستنشق النكباء وهي بوارح
وللموت في عين الجبان تلون

على عزمتي من شجوها لغيورُ
علي ورقراق السراب يمور
على حرِّ وجهي والأصيلُ هجير
وأستوطىء الرمضاء وهي تفور
وللذعر في سمع الجرىء صفير
أبُنيَّ لا تذهب بنفسك حسرة
عن غولِ رحلي منجداً أو مُغورا
فلئن تركتُ الليل فوقي داجياً
فلقد لقيتُ الصبحَ بعدكَ أزهرا
وحللتُ أرضاً بُدّلت حصباؤها
ذهباً يرفُّ لنا ظريَّ وجواهرا
وطارَ جناحُ البينِ وهفت بها
جوانحُ من ذُعرِ الفراقِ تطيرُ

ابن شهيد الأندلسي

فراق وشجون واشتياق وذلة
وجبار حفاظ علي عتيد
خليليَّ ما انفكَّ الأسى منذُ بينهمْ
حبيبي حتى حلَّ بالقلبِ فاختطّا
أريدُ دنواً من خليليَّ وقد نأى
وأهوى اقتراباً من مرارٍ وقد شطّا
وإنّي لتعروني الهموم لذكرهم
هُدواً فلا أسطيعُ قبضاً ولا بسطا

ابن حزم الأندلسي

كأنْ لم يكنْ بَينٌ إذا كانَ بعدَهُ
تلاقٍ ولكن لا إخالُ تلاقيا

ابن خفاجة الأندلسي

يا أهلَ أندلُسٍ لله دركمُ
ماءٌ وظلٌ وأنهارٌ وأشجارُ
ما جنّةُ الخلدِ إلا في دياركمُ
ولو تخيّرتُ هذى كنت أختارُ
لا تخشوا بعد ذا أن تدخلوا سَقراً
فليسَ تُدخل بعد الجنة النارُ
فيا عَرْفِ ريحٍ عاجَ عن بطنِ لعلعٍ
يجرُّ على الأنداءِ فضلَ زِمامِ
تلذّذْ بدارِ القصْفِ عني ساعةً
وأبلغْ نداماها أعمَّ سلامِ

ابن هانىء لأندلسي

قفا بي فلا مسرىً سرينا ولا نسري
وإلا نرى مشيَ القطا الوارد الكُدرِ
قفا نتبين أينَ ذا البرقُ منهمُ
ومن أينَ تأتي الريحُ طيبةَ النشرِ
لعلّ ترى الوادي الذي كنتَ مرةً
أزورهم فيهِ تضوّعَ للسّفرِ
وهل عجبوا أني أُسائلُ عنهمُ
وهم بين أحناءِ الجوانحِ والصدرِ
وهل علموا أنّي أُيمُ أرضهم
ومالي بها غيرُ التعفِ من خُبرِ
ولي سَكنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ
فيبعدُ عن عيني ويقربُ من فكري
إذا ذكرتهُ النفسُ جاشتْ بذكرهِ
كما عثرَ لساني بجامٍ من الخمرِ
يا حُرقةَ البينِ كويتِ الحشا
حتى أذبتِ القلبَ في أضلعهْ
أذكيتِ فيهِ النارَ حتى غدا
ينسابُ ذاك الذّوبُ من مدمعه
يا سُؤلَ هذا القلبِ حتى متى
يؤسى برشفِ الرِّيقِ من منبعه
فإنّ في الشهدِ شفاءَ الورى
ولا سيما إن مُصَّ من مكرعه
والله يُدني منكمُ عاجلاً
ويُبلغُ القلبَ إلى مطمعه

المعتمد ابن عباد

اقنعْ بحظِّكَ في دنياكَ ما كانا
وعَزِّ نفسكَ إن فارقتَ أوطانا
في الله من كلِّ مفقودٍ عِوضٌ
فأشعرِ القلبَ سلواناً وإيمانا
أكلمّا سنحتْ ذكرى طربتَ لها
مَجّتْ دموعُكَ في خدّيكَ طوفانا
أمّا سمعتَ بسلطانٍ شبيهُكَ قد
بزّتهُ سودُ خطوبِ الدهرِ سلطانا
وَطِّنْ على الكره وارقبْ إثره فرجاً
واستغفِ الله تغنمْ منهُ غفرانا

أبو العباس أحمد المقري التلمساني

فنلتقي ،وعوادي الدهر غافلة
عما نروم،وعقد البينِ محلول
والدارُ آسنة والشمل مجتمع
والطير صادحة والروض مطلول
شربت حميا البينِ صرفا وطالما
جلوت محيا الوصل وهو وسيم
فميعادُ دمعي أن تنوحَ حمامة
وميقاتُ شوقي أن يهبَّ نسيمُ
ذكرتني الورقاء أيام أنس
سالفات فبتّ أذرى الدموعا
ووصلت السهاد شوقاً لحبّي
وغراماً،وقد هجرت الهجوعا
كيف يخلو قلبي من الذكر يوماً
وعلى حبّهم حنيتُ الضلوعا؟
كلما أولعَ العذول بعتبي
في هواهم ،يزداد قلبي ولوعا

ابن سهل الأندلسي

ودّعتها فجنيتُ من مُرِّ النّوى
حُلوَ الوداعِ مُنّعماً ومُعذّبا
شملٌ تجمعَ حينَ حانَ شتاتهُ
ويزيدُ إشراقُ السّراجِ إذا خبا

محمد بن عمار الأندلسي

كساها الحيا بُردَ الشّبابِ فإنّها
بلادٌ بها عَقَّ الشّبابُ تمائمي
ذكرتُ بها عهدَ الصِّبا فكأنّما
قدحتُ بنارِ الشّوقِ بينَ الحيازمِ
لياليَ لا ألوي على رُشدِ ناصحٍ
عناني ولا أثنيهِ عن غَيِّ لائمِ
أنالُ سُهادي من عيونٍ نواعسٍ
وأجني مرادي من غصونِ نواعمِ
وبتنا ولا واشٍ نخافُ كأنّما
حللنا مكانَ السرِّ من صدرِ كاتمِ

ابن اللبانة الأندلسي

حانَ الوداع فضّجتْ كلّ صارخة
وصارخٍ من مُفداه ومن فادي
سارتْ سفائنهم والنوحُ يتبعها
كأنها إبلٌ يحدو بها الحادي
كم سالَ في الاءِ من دمعٍ وكم حملت
تلكَ القطائع من قطعات أكباد

أبو بكر بن زهر الأندلسي

كلّما فكر بالبينِ بكى
ويحهُ يبكي لما لم يقع
ولي واحدٌ مثلُ فَرخِ القطاة
صغيرٌ تخلّفَ قلبي لديه
وأُفرِدتُ عنهُ،فيا وحشتي
لذاك الشُخيص وذاكَ الوُجيه
تشوّقني وتشوّقته
فيبكي عليَّ وأبكي عليه
وقد تعبَ الشوقُ ما بيننا
فمنهُ إليَّ ومني إليه

ابن حمديس الصقلي

فارقتكم وفراقكم صعبُ
لا الجسمُ يحملهُ ولا القلبُ
قُتِلَ البعادُ فما أشيرَ بهِ
حتى تمزّقَ بيننا القُربُ
يا يومَ مرجعهم إلى أوطانهم
أرجعتَ أرواحاً إلى أبدان
نزلت بك الأفراح في عرصاتهم
وبها يكون ترّحل الأحزان
فلذا القلوب إلى القلوب تراجعت
في ملتقى الآباءِ بالولدان
والأمهات على البنات عواطف
والمشفقات على اللدات حوان
سُرَّ القرابة بالقرابة منهم
وتأنّسَ الجيرانُ بالجيران
وتزاور الأحبابُ بعد قطيعة
دخلت بذكر الودِّ في النسيان
في كلّ بيت نغمة ومسرة
شربوا سلافتها بلا كيسان
ودعاؤهم لك في السماء محلق
حتى لضاق بعرضه الأفقان
كحجيج مكة في ارتفاع عجيجهم
وطوافهم بالبيت ذي الأركان
صيرت في الدنيا حديثك فيهم
فخر يقيم إلى القيامة ذكره

مثلاً يمر بأهل كل زمان
مثل الشنوف تناط بالأذان

ابن بشري الصقلي

بدا البرق من نحو الحجاز مذكراً
بسلمى وسعدى والتذكر ينصب
يلوح على لون الدجى فكأنه
سيوف على زرق الثياب تقلب
فلله برق عذب القلب لمعه
أكل محب بالبروق معذب؟

ابن خاتمة الأنصاري الأندلسي

أيامنا بالحمى ما كانَ أحلاكِ
كمْ بتُّ أرعاهُ إجلالاً وأرعاكِ
لا تُنكري وقفتي ذلاً بمغناكِ
يا دارُ لولا أحبائي ولولاكِ
لما وقفتُ وقوفَ
الهائم الباكي
يا بدرُ تِمٍّ تناءت عنهُ أربعنا
ولم تزلْ تحتويه الدهر أضلعنا
ما للنوى بضروبِ البينِ تُوجعنا
إذا تذكرتُ دهراً كانَ يجمعنا
تقطرت كبدي
شوقاً لمرآكِ

ابن قلاقس

أرى الدهرَ أشجاني ببعدِ وسرّني
بقرب فأخطأ مرة وأصابا
فإن أرتشف شهد الدنو فإنني
تجرّعتُ للبينِ المشتت صابا

ابن زمرك

يا أهلَ نجد سقى الوسميّ ربعكم
غيثاً يُنيلُ غليل الترب ما اقترحا
ما للفؤاد إذا هبّت يمانية
تهديهِ أنفاسها الأشجان والبرحا
يا حبذا نسمة من أرضكم نفحت
وحبذا ربرب من جوّكم سنحا
خليليَّ إني يومَ طارقةِ النوى
شقيتُ بمن لو شاء أنعمَ باليا
أجيرتنا بالرملِ والرملُ منزلٌ
مضى العيشُ فيهِ بالشبيبةِ حاليا
ولم أرَ ربعاً منهُ أقضى لُبانةً
وأشجى حماماتٍ ،وأحلى مجانيا
أبثكم أني على النأي حافظٌ
ذمامَ الهوى لو تحفظونَ ذماميا
أناشدكم والحرُّ أوفى بعهدهِ
ولن يعدمَ الإحسانُ والخيرُ جازيا
هل الودُّ إلا ماتحاماهُ كاشِحٌ
وأخفقَ في مسعاهُ من جاءَ واشيا
لولا تألقُّ بارقِ التذكارِ
ما صابَ واكفُ دمعي المدرارِ
لكنّهُ مهما تعرّضَ خافقاً
قدحتْ يدُ الاشواقِ زندَ أُواري
وعلى المشوقِ إذا تذكرَ معهداً
أن يُغري الأجفانَ باستعبارِ
أمُذكري غرناطةً حلّت بها
أيدي السحابِ أزرّةَ النّوارِ
فلكم أقمتُ غداةَ زُمتْ عيسهم
أبغي القرارَ ولاتَ حينَ قرارِ
وطفقتُ أستقري المنازل بعدهم
يمحو البكاءُ مواقعَ الآثار
إنا بني الآمالِ تخدعنا المنى
فنخادعُ الآمالَ بالتسيارِ
نتشجمُ الأهوالَ في طلبِ العلا
ونروعُ سربَ النومِ بالافكارِ
لا يحرزُ المجدَ الخطيرَ سوى امرىءٍ
يُمطي العزائمَ صهوةَ الأخطارِ
مُستبصرٌ مرمى العواقبِ واصلٌ
في حملهِ الإيرادَ بالإصدارِ
أسائلُ عن نجدٍ ومرمى صبابتي
ملاعبُ غزلانِ الصريم بِنعمان
وأُبدي إذا ريحُ الشّمالِ تنّفستْ
شمائلَ مرتاحِ المعاطفِ نشوانِ
عرفتُ بهذا الحبّ لم أدرِ سلوةً
وإنّي لمسلوبِ الفؤادِ بِسلوانِ
ومّما شجاني أن سرى الركبُ مَوهناً
تقادُ به هوجُ الرياحِ بأرسان
على كلِّ نضوٍ مثله فكأنما
رمى منهما صدرَ المفازةِ سهمانِ
نشاوى غرامٍ يستميلُ رؤوسهم
من النومِ والشوق المُبرّح سُكران
أجابوا نداءَ البينِ طوعَ غرامهم
وقد تبلغُ الأوطار فرقة أوطان

ابن الزقاق البلنسي

هات حديثاً عن مغاني اللّوى
فعهدكَ اليومَ بها أقربُ
إيهٍ وإن عذّبني ذِكرُها
فمن عذابِ النفسِ ما يَعذُبُ
غفرتُ للأيام ذنب الفراق
أن فزتُ في توديعهم بالعناق
ما أنسَ لا أنسَ لهم وقفةً
كالشهدِ والعلقم عند المذاق
كم ليلة لي بعقيق الحمى
قصرتها باللثمِ والإعتناق
ما ادرع الليل بظلمائه
حتى كساه الصبح منه رواق
فانخفرت أنجمهُ يشتكي
للبعض منها البعضُ وشك الفراق
وانتبه الصبح بُعيدَ الكرى
كذي هوىً من غشيّة قد أفاق
في روضةٍ علّم أغصانها
أهل الهوى العذريّ كيف العناق
هبّت بها ريحُ الصَّبا سُحرةً
فالتفّتِ الأغصانُ ساقاً بساق

ابن زريق البغدادي

لا تعذليهِ فإنّ العذلَ يؤلمهُ
قد قلتِ حقاً، ولكن ليسَ يسمعهُ
جاوزتِ في لومهِ حدّاً أضرَّ بهِ
من حيثُ قدّرتِ أنَّ اللومَ ينفعهُ
فاستعملي الرفقَ في تأنيبهِ، بدلاً
يكفيه من لوعةِ التشتيتِ أنّ له
ما آبَ من سَفرٍ إلا وأزعجهُ
كأنّما هو في حلٍّ ومرتحلٍ

من عُنفهِ فهو مُضنى القلبِ مُوجعهُ
من النّوى، كلّ يومٍ مايروِّعه
عزمٌ إلى سَفرٍ،بالرغمِ يُزمعهُ
مُوِّكلٌ بفضاءِ الله يذرعهُ
والله قسّمَ بينَ الخلق رزقهمُ
لم يخلق الله مخلوقاً يُضيّعهُ
أستودع الله في بغدادَ لي قمراً
ودّعتهُ وبودِّي لو يُودّعني

بالكرخِ من فلكِ الازرارِ مطلعهُ
صفو الحياةِ وأنّي لا أودّعهُ
وكم تشّفعَ أنّي لا أفارقهُ
وكمْ تشبّثَ بي يوم الرحيلِ ضحىً
إنّي أُوسِّعُ عذري في جنايتهِ

وللضروراتِ حالٌ لا تُشفّعهُ
وأدمعي مستهلاتٌ وأدمعهُ
بالبينِ عنه،وقلبي لا يُوسِّعه
أعطيت مُلكاً فلم أحسن سياستهُ
كذاك من لايسوس الملك يخلعهُ
ومن غدا لابساً ثوبَ النعيمِ بلا
كم قائلٍ لي ذنبُ البينِ قلتُ له
وكنتُ من ريبِ دهري جازعاً فَرِقاً

شكرِ الإله فعنهُ الله ينزعهُ
الذنب والله ذنبي لستُ أدفعهُ
فلم أُوقَ الذي كنتُ أجزعه
ما كنتُ أحِسبُ أن الدهرَ يُفجعني
علماً بأنّ اصطباري مُعقبٌ فرجاً

به ولا أن بي الأيام تُفجعهُ
فأضيقُ الامر إن فكرّتَ أوسعه
ومن يُصدعُ قلبي ذكرهُ وإذا
علَّ الليالي التي أضنت بفرقتنا
إن تنلْ أحداً منا منيّتهُ
وإن يدم أبداً هذا الفراقُ لنا

جرى على قلبهِ ذكري يُصدعهُ
جسمي ستجمعني يوماً وتجمعهُ
لابدّ في غدهِ الثاني سيتبعه
فما الذي بقضاء الله يصنعهُ

ابن القيسراني

مررنا بجو فهاج الجوى
على مهجة شرقت بالنوى
وأذهلني الوجد عنها فما
ذكرت سوى عهدكم في سوى
وفي الرِكبِ صَبّ إذا اشتاقكم
لوى جيدهُ نحوكم فالتوى
يجودُ بعين لو أن الركاب
تغمر في دمعها لارتوى
مررنا في ديارِ بني عدي
يُجاذبُ لوعتي شرق وغرب
يتيمني بأرضِ الشام حبّ
ويعطفني على بغداد حبّ

عبد الرحمن الداخل

تبدّتْ لنا وسطَ الرّصافة نخلةٌ
تناءت بأرضِ الغربِ عن بلد النخل
فقلتُ: شبيهي في التغرُّبِ والنّوى
وطولِ التنائي عن بنيّ وأهلي
نشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبةٌ
فمثلُكِ في الإقصاءِ والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المُزنِ في المنتأى الذي
يسعُّ ويستمري السّماكينِ بالوبلِ
أيّها الراكبُ المُيّممُ أرضي
أقرَ مني بعض السلامِ لبعضي
إنّ جسمي كما علمتَ بأرضٍ
وفؤادي ومالكيهِ بأرضِ
قُدّر البينُ بيننا فافترقنا
وطوى البينُ عن جفوني غمضي
قد قضى الله بالفراقِ علينا
فعسى باجتماعنا سوفَ يقضي

السيد البطليوسي

هُمْ سلبوني حُسنَ صبري إذ بانوا
بأقمارِ أطواقِ مطالعها بانُ
لئن غادروني باللّوى،إنَّ مهجتي
مُسايرةٌ أظعانهم حيثما كانوا
سقى عهدهم بالخَيفِ عهد غمائم
ينازعها مُزنٌ من الدمعِ هتّانُ
أأحبابنا،هل ذلك العهدُ راجعٌ
وهلْ لي عندكم آخرَ الدهرِ سُلوانُ
ولي مقلةٌ عبرى وبينَ جوانحي
فؤادٌ إلى لقياكم الدهرَ حنّانُ
تنّكرتِ الدنيا لنا بعدَ بُعدكمْ
وحلّتْ بنا من مُعضلِ الخطب ألوانُ

ابن بسام الأندلسي

وضاعف ما بالقلب يوم رحيلهم
على ما به منهم حنين الأباعر
وأصبر عن أحباب قلب ترّحلوا
ألا إنّ قلبي سائر غير صابر

ابن عبدون

أذهبنَ من فَرَقِ الفراقِ نفوساً
ونثرنَ من درِّ الدموعِ نفيسا
فتبعتها نظرَ الشجيِّ فحدّقتْ
رقباؤها نحوي عيوناً شوسا
وحللنَ عَقدَ الصبرِ إذ ودّعنني
فحللنَ أفلاكَ الخدورِ شموسا

الشمس ابن جابر

عَرِّجْ على بانِ العُذيب ونادي
وانشد فديتُك أينَ حلَّ فؤادي
وإذا مررتَ على المنازلِ بالحمى
فاشرحْ هنالك لوعتي وسهادي
إيهٍ فديتُكِ يانُسيمةَ خبرّي
كيفَ الأحبةُ والحمى والوادي

أبو عبد الله محمد بن خميس

تلمسانُ جادتكِ السحابُ الروائحُ
وأرستْ بواديكِ الرياحُ اللواقحُ
يطيرُ فؤادي كلّما لاحَ لامعٌ
وينهلُّ دمعي كلما ناحَ صادحُ
ففي كلّ شفرٍ من جفوني مائحٌ
وفي كلِّ شطرٍ من فؤادي قادحُ
فما الماءُ إلا ما تسحُّ مدامعي
ولا النارُ إلا ما تُجنُّ الجوانحُ
خليليَّ لا طيفٌ لعلوةَ طارقٌ
بليلٍ ولا وجهٌ لصبحيَ لائحُ
نظرتُ فلا ضوءٌ من الصبحِ ظاهرٌ
لعيني ولا نجمٌ إلى الغربِ جانحُ
بحقّكما كُفا الملامَ وسامحا
فما الخلُّ كلُّ الخلٍّ إلا المُسامحُ

ابن فضيلة المعافري المرّي

سرتْ ريحُ نجدٍ من رُبى أرضِ بابلِ
فهاجتْ إلى مسرى سُراها بلابلي
وذكرّني عَرفُ النسيمِ الذي سرى
معاهدَ أحبابٍ سراةٍ أفاضلِ
فأصبحتُ شغوفاً بذكرِ منازلٍ
ألفتُ، فواشوقي لتلك المنازلِ
فيا ريحُ هُبّي بالبطاحِ وبالرُبى
ومُرّي على أغصان زهرِ الخمائلِ
وسيري بجسمي للتي الروحُ عندها
فَروحي لديها من أجلِّ الوسائلِ
وقولي لها عنّي مُعنّاكِ بالنوى
لهُ شوقُ معمودٍ وعبرةُ ثاكلِ

ابن الصائغ

ضربوا القبابَ على أقاحي روضةٍ
خطرَ النسيمُ بها ففاحَ عبيرا
وتركتُ قلبي سارَ بين حُمولهم
دامي الكلومِ يسوقُ تلك العيرا
هلّا سألتَ أميرهم هل عندهم
عانٍ يُفَكُّ ولو سألت غيورا
لا والذي جعلَ الغصونَ معاطفاً
لهم وصاغَ الأقحوان ثغورا
ما مرَّ بي ريحُ الصَّبا من بعدهم
إلا شهقتُ لهُ فعاد سعيرا

ابن خلدون:

أسرفنَ في هجري وفي تعذيبي
وأطلنَ موقفَؤ عبرتي ونحيبي
وابينَ يومَ البينِ وقفة ساعةٍ
لودعِ مشغوفِ الفؤادِ كئيبِ
لله عهدُ الظاعنينَ وغادروا
قلبي رهينَ صبابةٍ ووجيبِ
غَربت ركائبهم ودمعي سافحٌ
فشرقتُ بعدهمُ بماءِ غروبي
يا ناقعاً بالعَتبِ غُلّةَ شوقهم
رُحماكَ في عَذلي وفي تأنيبي
يستعذبُ الصبُّ الملامَ وإنني
ماءُ الملامِ لديَّ غير شريبِ
ما هاجني طربٌ ولا اعتاد الجوى
لولا تذكرُ منزلٍ وحبيبِ
إيهٍ على الصبرِ الجميلِ فإنهُ
ألوى بدينِ فؤادي المنهوبِ
حَيِّ المعاهدَ كانت قبلُ تُحييني
بواكفِ الدمعِ يُرويها ويُظميني
إن الألى نزحتْ داري ودارُهم
تحملوا القلبَ في آثارهم دوني
وقفتُ أنشدُ صبراً ضاعَ بعدهمُ
فيهم وأسألُ رسماً لا يُناجيني
أُمثّلُ الرّبعَ من شوقٍ وألثمهُ
وكيفَ والفكرُ يُدنيهِ ويقصيني
وينهبُ الوجدُ مني كلّ لؤلؤةٍ
مازالَ جفني عليها غيرَ مأمونِ
سقت جفوني مغاني الرّبعِ بعدهمُ
فالدمعُ وقفٌ على أطلالهِ الجونِ
قد كان للقلبِ عن داعي الهوى شغلٌ
لو أنّ قلبي إلى السلوان يدعوني
أحبابنا هل لعهدِ الوصلِ مذكَرٌ
منكم وهل نسمةٌ منكم تُحييني
مالي وللطيفِ لا يعتادُ زائرهُ
وللنسيمِ عليلاً لا يُداويني
يا نازحاً والمنى تُدنيهِ من خَلدي
حتى لأحسبهُ قرباً يناجيني
أسلى هواك فؤادي عن سواك وما
سواك يوماً بحالٍ عنكَ يُسليني
من مُبلغٌ عني الصحبَ الألى جهلوا
ودّي وضاع حماهم إذ أضاعوني
إني أويتُ من العليا إلى حَرمٍ
كادت مغانيهِ بالبشرى تُحييني
وأنني ظاعناً لم ألقَ بعدهمُ
دهراً أشاكي ولا خصماً يشاكيني
لا كالتي أخفرت عهدي لياليَ إذ
أقلبُ الطرفَ بين الخوفِ والهونِ
سقياً ورَعياً لأيامي التي ظفرت
يدايَ منها بحظٍّ غير مغبونِ
أرتادُ منها مليّاً لا يماطلني
وعداً وأرجو كريماً لا يُعَنّيني

أبو عبد الله ابن الأبار

أقلّوا ملامي أو فقولوا وأكثروا
مَلومكم عمّا بهِ ليسَ يُقصرُ
وهل غيرُ صبٍّ ماتني عبراته
إذا صعدت أنفاسهُ تتحدرُ
يحنُّ وما يُجدي عليهِ حنينُهُ
إلى أربُعٍ معروفها متنكرُ
تغيرَ ذاكَ العهدُ بعدي وأهله
ومن ذا على الايامِ لا يتغيّرُ
أقولُ لساري البرقِ في جنح ليلة
كلانا بها قد يبات يبكي ويسهرُ
أتأوي لقلبٍ مثل قلبك خافقٍ
ودمع سفوح مثل قطرك يقطرُ
وتحملُ أنفاساً كومضكَ نارها
إذا رُفعت تبدو لمن يتنوّرُ
يقرُّ بعيني أن أُعاين من نأى
لما أبصرته منكَ عينايَ تبصرُ
وأن يتراءى الخليطُ الذين هم
بقلبي وإن غابوا عن العينِ حُضّرُ
وأنّ كلينا مشوقٍ وشائقٍ
بنارِ اغتراب في حشاهُ تسعرُ

ابن المعتز

مازلتُ أدعو بضوءِ الصبحِ مُغترباً
يفري دجى الليل منهُ شخصُ حرّان
أزالهُ الدهرُ عن أهلٍ وأبدلهُ
أهلاً بأهلٍ وجيراناً بجيران
لا مثل منزلة الدويرة منزلٌ
يا دار جادك وابلٌ وسقاكِ
بؤساً لدهر غيّرتك صروفه
لم يمحُ من قلبي الهوى ومحاكِ
لم يحلُ للعينينِ بعدك منظرٌ
ذُمَّ المنازل كلهنَّ سواكِ
أيّ المعاهد منك أندب طيبهُ
ممساك بالآصالِ أم مغداك
أم برد ظلّك ذي الغصون وذي الجنى
أم أرضك الميثاء أم ريّاكِ
لاحَ لهُ بارِقٌ فأرّقهُ
فباتَ يرعى النجومَ مكتئبا
يُطيعه الطرفُ عند دمعته
حتى إذا حاول الرقاد أبى
إنّا على البعادِ والتفرُّقِ
لنلتقي بالذكرِ إن لم نلتقِ

إبراهيم بن العباس الصولي

باتت تُشوّقني برجعِ حنينها
وأزيدها شوقاً برجعِ حنيني
نِضوان مُغتربانِ عند تهامة
طويا الضلوع على جوى مكنون

ابن الخياط

بَكيتُكَ للبينِ قبلَ الحِمامِ
وأينَ من الثكل حرُّ الغرام
وما كانَ ذاكَ الفراقُ المُ
شتُ إلا دخاناً لهذا الضرام
فَعُوّضتُ بعد الحنينِ الأنينَ
وبُدّلتُ بعد الجوى بالسقام
إذا قتلَ البعدُ أهلَ الهوى
فأقتلُ لي منهُ موتُ الكرام
ولولا الرّدى ما كان بالعيش وصمةٌ
ولولا النّوى ما كان بالحبِّ من باسِ
تُحرّقني بناركَ مؤذناً لي
بما أنا فيكَ يوم البينِ لاقِ
ونيرانُ الصّبابة بالغاتٌ
مُرادكَ فيَّ من قبلِ الفراقِ
فيا ليتني أبقى ليَّ الهجرُ عبرةً
فأقضي بها حقَّ النّوى وأُريقها
هيَ الديارُ فَعُجْ في رسمها العاري
إن يخلُ طرفكَ من سُكانها فيها

إن كانَ يُغنيك تعريجٌ على دارِ
ما يملأ القلب من شوقٍ وتذكارِ
سقوهُ كأسَ فرقتهم دِهاقا
وأسكرهُ الوداعُ فما أفاقا
خذا من صَبا نجدٍ أماناً لقلبهِ
وإياكما ذاكَ النسيم فإنّهُ
إذا خطرتْ من جانبِ الرملِ نفحةٌ
خليليَّ لو أجبتُما لعلمتا
تذكر:والذكرى تشوقُ،وذو الهوى
غرامٌ على يأسِ الهوى ورجائهِ

فقد كادَ ريّاها يطيرُ بلبّهِ
متى هبَّ كانَ الوجدُ أيسر خطبهِ
تضَّمنَ منها داؤُهُ دون صحبهِ
محلَّ الهوى من مُغرمِ القلبِ صَبّه
يتوقُ،ومن يعلقْ بهِ الحبّ يُصبه
وشوقٌ على بُعدِ المزارِ وقربه
ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
يُرَّوحني بالغوطتينِ نسيمُ
وقفتُ أداري الوجد خوفَ مدامع
تُبيحُ من السرِّ المُمنّعِ ما أحمي
أغالبُ بالشكِ اليقينَ صبابة
وأدفعُ من صدرِ الحقيقة بالوهمِ
فلما أبى إلا البكاء ليَ الاسى
بكيتُ فما أبقيتُ للرسمِ من رسمِ
كأنّي بأجزاعِ النقيبة مُسلمٌ
إلى ثائر لا يعرف الصفح عن جُرمِ
لقد وجدت وجدي الديار بأهلها
ولو لم تجد وجدي لما سقمت سقمي
عليهنَّ وسمٌ للفراقِ وإنما
عليَّ له ماليسَ للنارِ من وسمِ
وكم قسّمَ البين الضنى بين منزل
وبيني ولكن الهوى جائر القسم
يا نسيمً الصَّبا الولوعَ بوجدي
حبذا أنت لو مررتَ بنجدِ
أجِرْ ذكري نعمتَ وأنعتْ غرامي
بالحمى ولتكن يداً لك عندي
لئن عداني زمانُ عن لقائكمُ
لما عداني عن تذكارِ ما سلفا
وفي الرّكبِ مطوي الضلوع على جوى
متى يدعه داعي الغرام يُلبّه
إذا خطرتْ من جانبِ الرملِ نفحة
تناول منها داءه دون صحبه
ومحتجب بين الأسنّة معرض
وفي القلب من إعراضه مثل حجبه
أغارُ إذا آنست في الحيّ أنّه
حذاراً عليه أن تكون لحبه
ما وَجدُ من فارقَ القومَ الألى ظعنوا
كَوجدِ من فارقَ العلياءِ والشّرفا
لأعزينَّ بذمِّ البينِ بعدكمُ
وكيفَ تحمدُ نفسُ التالفِ التلفا
وبالجزعِ حيٌّ كلّما عَنَّ ذكرهمْ
أماتَ الهوى مني فؤاداً وأحياهُ
تمنيّتهم بالرقمتين ودارُهم
بوادي الغضا يا بُعدَ ما أتمناهُ

صالح بن عبد القدوس

وإذا رأيتَ الرزقَ عَزَّ ببلدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ الله واسعةُ الفضا
طولاً وعرضاً شرقها والمغربُ
فلقد نصحتُكَ إن قبلتَ نصيحتي
فالنصُحُ أغلى مما يُباعُ ويُوهبُ
لا ألفينّكَ ثاوياً في غربةٍ
إنّ الغريبَ بكلِّ سهمٍ يُرشَقُ

أبو حيّة النميري

قلْ لحادي المطيّ خفِّضْ قليلاً
نجعل العيسَ سيرهنَّ ذَميلا
لا تقفها على السبيلِ ودعها
يهدها شوقُ من عليها السبيلا

ابن حيوس الدمشقي

ونبا بيَ الوطنُ القديمِ وإنني
في البُعدِ عمّنْ حَلَّهُ لسعيد
هل للخليط المستقل إيابُ
أم هل لأيامٍ مضتْ أعقابُ
فراقٌ قضى ألا تأسيَّ بعد أن
مضى منجداً صبري وأوغلت متهما
وفجعةُ بينٍ مثل صرعة مالك
ويقبح بي أن لا أكون متمما
خليليَّ إن لم تسعداني على الأسى
فما أنتما مني ولا أنا منكما
وحَسنتما لي سلوةً وتناسياً
ولم تذكرا كيفَ السبيلُ إليهما
لقد رُفعنا إلى حالينِ لستُ أرى
ما بينَ ذاكَ وهذا حظُّ مختارِ
إمّا المُقامُ على خوفٍ ومسبغةٍ
أو الرحيل عن الاوطانِ والدارِ
والموتُ أيسرُ من هذا وذاكَ وما
كربُ المماتِ ولا في الموتِ من عارِ
سأتركُ ذي البلادَ بلا اختيارٍ
وأهجرُ أهلها لا عن تقالِ
بحالٍ لو تأملها عدوي
لساهمني الرزيّة أو رثى لي

ابن عنين

هجرتُ الأكابرَ في جِلّقٍ
ورعتُ الوضيعَ بسبِّ الرفيع
وأُخرجتُ منها ولكنني
رجعتُ على رغمِ أنفِ الجميع
ولو أني خُيّرتُ في هذه الدن
يا لما اخترتُ غير أهلي وداري

ابن حجة الحموي

لي في ابتدا مدحكمْ يا عُربَ ذي سَلَمِ
براعةٌ تستهلُّ الدمعَ في العَلَمِ
بالله سِرْ بي فَسِرْبي أطلقوا وطني
وركّبوا في ضلوعي مُطلقَ السّقمِ
شَدتْ بكمُ العُشاقُ لمّا ترّنموا
فغنّوا وقد طابَ المقامُ وزمزمُ
وضاعَ شذاكمُ بينَ سَلعٍ وحاجرٍ
فكانَ دليلَ الظاعنينَ إليكمُ
ولمّا روى أخبارَ نشرِ ثُغوركمْ
أراكُ الحمى جاءَ الهوى يتنسّمُ

ابن النبيه المصري

يا ساكني السفحِ كم عينٍ بكم سفحت
نزحتم فهي بعد البعد قد نزحت
يا بارقاً أذكرَ الحشا شَجنهْ
منزلنا بالعقيقِ منْ سكنه
بلّغْ حديثَ الحمى وساكنه
لِمغرمٍ أنحلَ الهوى بدنه
أشقى المحبين عادمٌ وطراً
فكيفَ إن كانَ عادماً وطنه
سُقياً لأيامنا التي سلفتْ
كانتْ بطيبِ الوصالِ مقترنه
لو بيعَ يومٌ منها وكيف به
كنتُ بعمري مسترخصاً ثمنه

الشافعي

إذا ضاقَ صدرُكَ من بلادٍ
ترّحل طالباً أرضاً سواها
عجبتُ لمن يقيمُ بدارِ ذُلٍ
وأرضُ الله واسعةً فضاها
فذاكَ من الرجالِ قليل
عقل بليد ليس يعلم من بناها
فنفسُكَ فُز بها إن خفتَ ضيماً
وخلِّ الدارَ ومن بناها
فإنّكَ واجدُ أرضاً بأرضٍ
ونفسُكَ لم تجد نفساً سواها
ومن كانت منيّتهُ بأرضٍ
فليسَ يموتُ في أرضٍ سواها
أُخيَّ أرى نفسي تتوقُ إلى مصرِ
ومن دونها أرضُ المهامةِ والقفرِ
فوالله ما أدري أللفوزِ والغنى
أُساقُ إليها أم أُساقُ إلى قبري
تَغرّبْ عن الأوطانِ في طلبِ العلا
وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائد
تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشةٍ
وعلم وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
سافرْ تجدْ عوضاً عمّنْ تفارقه
وانصبْ فإن لذيذَ العيشِ في النَصَبِ
ما في المقام لذي لُبٍ وذي أدبٍ
معزةٌ فاترك الأوطانَ واغتربِ
إني رأيتُ وقوفِ الماءِ يُفسده
والتبر كالترب ملقى في أماكنه
الأسد لولا فراق الغاب ما افترست

إن ساحَ طابَ وإن لم يجرِ لم يطبِ
والعودُ في أرضه نوع من الحطبِ
والسهمُ لولا فراق القوس لم يُصب
سأصبرُ للحِمامِ وقد أتاني
وإلا فهو آتٍ بعد حين
وإن أسلمْ يمتُ قبلي حبيبٌ
وموتُ أحبّتي قبلي يسؤني
ارحلْ بنفسكَ عن أرض تُضامُ بها
من ذلَّ بين أهاليه ببلدته

ولا تكنْ من فراقِ الأهلِ في حُرقِ
فالاغترابُ له من أحسن الخلق
فالعنبرُ الخام روث في مواطنه
وفي التغرُّبِ محمولٌ على العنقِ
والكحلُ نوعٌ من الاحجارِ تنظرهُ
في أرضهِ وهو مرميٌّ على الطرقِ
لمّا تغرّبَ حازَ الفضلَ أجمعهُ
فصارَ يحمل بين الجفنِ والحدقِ
وأنزلني طولُ النوى دارَ غربةٍ
إذا شئتُ لاقيتُ امرأً لا أشاكله
فحامقتهُ حتى يُقالَ سجيّةٌ
ولو كانَ ذا عقلٍ لكنتُ أعاقله
إذا قيلَ في الأسفارِ ذلّ ومحنة
وقطعُ الفيافي واقتحامُ الشدائدِ
فموتُ الفتى خيرٌ لهُ من حياتهِ
بدارِ هوانٍ بينَ واشٍ وحاسدِ
إنّ الغريبَ لهُ مخافةُ سارقٍ
وخضوعُ مديونٍ وذلة موثقِ
فإذا تذكرَ أهلهُ وبلادهُ
ففؤادُهُ كجناحِ طيرٍ خافقِ

ابن الفارض

وبما جرا في موقفِ التوديعِ من
ألم النوى شاهدت هول الموقفِ
فلا تُنكروا إن مسّني ضرُّ بينكم
عليَّ سؤالي كشفَ ذاكَ ورحمتي
واقرَ السلامَ عُريبَ ذيّاكَ اللّوى
من مُغرمٍ دنفٍ كئيبٍ ناءِ
صَبٍّ متى قفلَ الحجيجُ تصاعدتْ
زفراتهُ بتنفُّسِ الصُّعداءِ
كَلَمَ السُّهادُ جفونَهُ فتبادرتْ
عبراتهُ ممزوجةٌ بدماءِ
وأبعدني عن أربعي بعدُ أربعٍ:
شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي
فلي بعد أوطاني سكونٌ إلى الفلا
وبالوحشِ أُنسي إذ من الانسِ وحشتي
نَعمْ بالصَّبا قلبي صَبا لأحبّتي
فيا حبذا ذاكَ الشّذا حينَ هبّتِ
سَرتْ فأسرّتْ للفؤادِ غُدَيّةً
أحاديثَ جيرانِ العُذيبِ فسرّتِ
تذكرني العهدَ القديمَ لأنّها
حديثةُ عهدٍ من أُهيلُ مودّتي
رعى الله أياماً بظلِّ جنابها
سرقتُ بها في غفلةِ البينِ لذّتي
وما دارَ هجرُ البعدِ عنها بخاطري
لديها بوصلِ القربِ في دار هجرتي
يا أهل وُدّي هل لراجي وصلِكمْ
طمعٌ فينعمْ بالهُ استرواحا
مُذْ غبتمُ عن ناظري لي أنّةٌ
ملأت نواحي أرضِ مصرَ نُواحا
وإذا ذكرتكم أميلُ كأنّني
من طيبِ ذكركمُ سُقيتُ الرّاحا
وإذا دُعيتُ إلى تناسي عهدكمْ
ألفيتُ أحشائي بذاك شِحاحا
حيّا الحيا تلكَ المنازلَ والرُّبى
وسقى الوليُّ مواطنَ الألاءِ
وسقى المشاعرَ والمُحصبَ من منىً
سَحّاً وجادَ مواقفَ الأنضاءِ
ورعى ليالي الخَيفِ ماكانت سوى
حلمٌ مضى مع يقظةِ الإغفاءِ
تناءتْ فكانتْ لذةُ العيشِ وانقضتْ
بعمري فأيدي البينِ مُدّتْ لِمُدّتي
وبانتْ فأما حسنُ صبري فخانني
وأما جفوني بالبكاءِ فوّفتِ
فلم يرَ طرفي بعدها ما يسرّني
فنومي كصبحي حيثُ كانت مسرّتي
يا ساكني البطحاءِ هلْ من عودة
أحيا بها يا ساكني البطحاءِ
إن ينقضي صبري فليسَ بِمُنقضٍ
وجدي القديم بكم ولا بُرحائي
واحسرتي ضاعَ الزمانُ ولم أفزْ
منكم أُهيل مودّتي بلقاءِ
أرجُ النسيم سرى من الزوراءِ
سَحَراً فأحيا ميتَ الأحياءِ
أهدى لنا أرواحَ نجدٍ عَرْفُهُ
فالجوُّ منهُ مُعنبرُ الأرجاءِ
وروى أحاديثَ الأحبّةِ مُسنداً
عن إذخرٍ بأذاخرٍ وسخاءِ
فسكرتُ من رَيّا حواشي بُردهِ
وسرتْ حُمَيّا البُرءِ في أدوائي
نأيتُم،فغير الدمع لم أر وافيا
سوى زفرةٍ من حرِّ الجوى تغلو
فسهدي حي،في جفوني مخلّد
ونومي بها ميت ودمعي له غسلُ
يا راحلاً وجميل الصبرِ يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك جفوني وهي دامية
ولا وفّى لك قلبي وهو يحترق
سائق الأظعان يطوي البيد طيّ
منعماً عرّجْ على كثبان طي

صفي الدين الحلي

ويومَ وقفنا للوداع وقد بدا
بوجه يحاكي البدرَ عندَ تمامهِ
شكوتُ الذي ألقى فظلَّ مقابلاً
بُكايَ وشكوى حالتي بابتسامه
بدمعٍ يُحاكي لفظهُ في انتثارهِ
وعتبٍ يُحاكي ثغرهُ في انتظامه
فما رقّ من شكوايَ غير خدودهِ
ولا لانَ من نجوايَ غير قوامه
أبعدتُ عن أرضِ العراقِ ركائبي
علماً بأنّ الحزمَ نعم المُقتنى
لا أخشى من ذلةٍ أو قلّةٍ
عزّي لساني والقناعةُ لي غنى
جبتُ البلادَ ولستُ متخذاً بها
سكناً ولم أرضَ الثريا مسكنا
حتى أنختُ بماردينَ مطيتي
فهناك قال لي الزمانُ :لكَ الهنا
تنّقلْ فلذّاتُ الهوى في التنقلِ
ورِدْ كلّ صافٍ لا تقف عنه منهل
ففي الأرض أحبابٌ وفيها منازل
فلا تبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل
فإذا رُميتَ بحادثٍ في بلدةٍ
جرّدْ حسامكَ صائلاً أو فارحلِ
إن جئتَ سلعاً فسلْ عن جيرةِ العلم
واقرَ السلام على عرب بذي سَلم
بالله لا تقطعوا عنا رسائلكم
فإنّ فيها شفاء القلبِ والبصرِ
وآنسونا بها إن عزَّ قربكم
فالأنسُ بالسّمعِ مثل الأنسُ بالنظر
قد كنتُ أصبرُر والديارُ بعيدةٌ
فاليومَ قد قربت وصبري قاني
ماذاك من عكسِ القياسِ وإنّما
لتضاعف الحسراتِ بالحرمان
رعى الله من فارقت يومَ فراقهم
حُشاشةَ نفسٍ ودّعت يومَ ودّعوا
ومن ظعنت روحي وقد سارَ ظعنهم
فلمأدرِ أيّ الظاعنينَ أُشيّعُ
تُعيّرني الأعداءُ بالبينِ عنهمُ
وما كانَ حكمُ الدهرِ بالبينِ إذني

عبد الصمد بن المعذل

تُرّجي قفولي لها بالغنى
لعلّ المنيّة دونَ القفولِ
رأتْ عَدمي فاسترثت رحيلي
سبيلك إنّ سواها سبيلي

بكر بن النطاح

تطاولَ ليلي بالحجاز ولم أزلْ
وليلي قصيرٌ من الغدواتِ
فيا حبذا برُّ العراقِ وبحرها
وما يجتنى فيه من الثمرات

سعيد بن حميد الكاتب

عَذُبَ الفراقُ لنا غداةَ وداعنا
ثمّ اجترعناهُ كَسُمٍ ناقعِ
فكأنما أثرُ الدموعِ بخدّها
طَلٌّ سقيطٌ فوقَ وردٍ يافعِ
كظاعنةٍ ضَنَتْ بها غربةُ النّوى
علينا ولكن قد يُلمُّ خيالها
تُقرّبها الآمالُ ثمّ تعوقها
مماطلةُ الدنيا بها واعتلالها
ولكنها أمنيّةٌ فلعلّها
يجودُ بها صَرفُ النّوى وانتقالُها

أبو المظفر الأبيوردي

أقولُ لسعدٍ وهو خلّيّ بطانة
وأيّ عظيم لم أنبه له سعدا
إذا نكبت نجداً مطاياك لم أبل
بعيش وإن صادفته خضلاً رغدا
فإنك إن أعرقت والقلب منجد
ندمتَ ولم تشمم عراراً ولا رندا
ولم تردِ الماء الذي زادك النوى
وقد ذقتَ ماء الرافدين به وجدا
وترمي بنا أرضُ الأعاجم ضلّة
فتزداد عمن نشتهي قربه بُعدا
وها أنا أخشى والحوادثُ جمّة
إذا زرتها أن لانرى بعدها نجدا
تقولُ ابنة السعدي وهي تلومني
أما لك عن الدار الهوان رحيل؟
فإن عناءَ المُستنيم إلى الاذى
بحيث يذل الأكرمون طويل
فثِبْ وثبة فيها المنايا أو المنى
فكلّ مُحب للحياةِ ذليلُ
بِمنشط الشيحِ من نجد لنا وطنٌ
لم تجر ذكراه إلا حنَّ مغترب
إذا رأى الأفق بالظلماءِ مختمراً
أمسى وناظرهُ بالدمعِ منتقب
ونشقةٌ من عرار هزَّ لمته
رويحة في سراها كسّها لغبُ
تشفي غليلاً بصدري لا يزحزحه
دمع تهيبُ به الأشواق منسكبُ
والنارُ بالماءِ نُطفاً والهموم لها
في القلب نارٌ بماء الدمع تلتهبُ
أعائدةٌ تلكَ الليالي بذي الغضى
ألا لا وهل يُثنى من الدهرِ ما مضى
إذا ذكرتها باتت كأنّها
على حدِّ سيفٍ بين جنبيَ يُنتضى
فَحِنْ رويداً أيها القلبُ واصطبرْ
فلا يدفعُ الأقدارَ سُخطٌ ولا رضى
تولّى الصِّبا والمالكيةُ أعرضت
وزالَ التصابي والشّبابُ قد انقضى

ابن جزي

وما أنسى الأحبّةَ حينَ بانوا
تخوضُ مطيّهمُ بحرَ الدموعِ
وقالوا: اليومَ منزلنا الحنايا
فقلتُ:نعم،ولكن من ضلوعي

ذو الوزارتين ابن الحكم

ذكرَ اللّوى شوقاً إلى أقمارهِ
فقضى أسىً أو كادَ من تذكارهِ
وعلا زفيرُ حريقِ نارِ ضلوعهِ
فرمى على وجناتهِ بشرارهِ

الخطيب ابن مرزوق

أُودّعكم وأُثني ثمّ أُثني
على ملكٍ تطاولَ بالجميلِ
وأسألُ رغبةً منكم لربّي
بتيسيرِ المقاصدِ والسبيلِ
سلامُ الله يشملنا جميعاً
فقد عزمَ الغريبُ على الرحيل

ابن نباتة المصري

ومنازل بالسفحِ غُيّر رسمها
بمدامعِ العشّاقِ والأنواءِ
لم يبقَ لي غيرَ انتشاقِ نسيمها
يا طولَ خيبةِ قانعٍ بهواءِ
وهل إلى أرضِ مصر زَورةٌ لِشَجٍ
بسائلٍ من دموعِ الشّوقِ مِلحاحِ
وهل أُباكرُ بحرَ النيلِ مُنشرحاً
فأشربُ الحُلوَ من أكوابِ ملّاحِ
وأشتكي النأيَ في بابِ العلاءِ إلى
نِعمَ الملّي بإنجائي وإنجاحي
أمّا زمانُ على مع شذا كِلمي
فقد تجانسَ نَفاعٌ بنّفاحِ
قسماً ما حلتُ عن عهدِ الوفاءِ
بعدَ مصلارَ لا ولا نيلَ بكائي
حبّها تحتي وفوقي ويميني
وشمالي وأمامي وورائي
فهي ستي من جهاتي ولديها
سيدي من حيث ودّي وولائي
يا جفن لست أراك تعرف ما الكرى
فعلام تشكو منه مرّ جفاء
كانت ليالي لذّةٍ فتقلصت
بيدِ الفراقِ تقلص الأفياء
فأبكي حسرةً حيثُ التنائي
وأبكي فرحةً حيثُ اللقاءِ
كأنَّ بكايَ لي عبدٌ مُجيبٌ
فما فرجي إذاً إلا البكاء
أعدْ لي يا رجاءُ زمانَ قرب
بروضتهِ أعد لي يا رجاء
ولثم حصىً لتربتهِ ذكيٌّ
كأنَّ شذاهُ في نفسي كباء
وشكوى كربة فرجت وكانت
من اللاتي يمدّ بها العناءِ
ونفس ذنبها كالنيل مداً
وما لوعود توبتها وفاء
مشوقةٌ متى وعدت بخير
ثقل سينٌ وواوٌ ثم فاء
ولكن حبّها وشهادتاها
من النيرانِ نعمَ الأكفياء

ابن نباتة السعدي

ولّما وقفنا للوداعِ عشيّةً
ولم يبقَ إلا شامتٌ وغيورُ
وقفنا فمنْ باكٍ يكفكفُ دمعهُ
وملتزمٍ قلباً يكادُ يطيرُ
يا حبذا زمنُ الجرعاءِ من زمنٍ
كلّ الليالي فيه ليلةُ العُرسِ

القاضي الجرجاني

لِلمحبينَ من حذارِ الفراقِ
عبراتٌ تجولُ بينَ المآقي
فإذا ما استقلّتْ العيسُ للبَينِ
وسارتْ حُداتُها بالرفاقِ
استهلّتْ على الخدودِ انحداراً
كانحدارِ الجُمان في الاتساق
كمْ مُحبٍ يرى التجلّدَ ديناً
فهو يثخفي من الهوى ما يُلاقي
ازدهاهُ النّوى فأعربَ بالوجدِ
لسانٌ عن دمعهِ المهراق
مالي ومالك يافراق
أبداً رحيل وانطلاق
وانحدارُ الدموعِ في موقفِ البينِ
على الخدِّ آيةُ العُشّاقِ
هَوّن الخطبَ لستَ أوّل صَبٍّ
فضحتهُ الدموعُ يومَ الفراقِ

القاضي الفاضل

ومن عجبٍ أنّي أحنُّ إليهم
وأسألُ شوقاً عنهم وهم معي
وتبكيهم عيني وهم في سوادها
ويشكو النوى قلبي وهم بينَ أضلعي

الشريف المرتضى

ولا تقمْ على الاذى في وطنٍ
فحيث يعدوك الاذى هو الوطن

المهذب بن الزبير

ومالي إلى ماءٍ سوى النيلِ غُلّةٌ
ولو أنّهُ أ أستغفر الله ـ زمزمُ
ولما وقفنا للوداعِ وترجمت
لعينيَ عمّا في الضمائرِ عيناها



يا ربعُ أين ترى الأحبّة يمّموا
هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا
نزلوا من العين السوادَ،وإن نأوا
ومن الفؤادِ مكانَ ما أنا أكتمُ
رحلوا وفي القلب المُعَنّى بعدهم
وجدٌ على مَرِّ الزمانِ مُخيِّمُ
وتعوّضتُ بالأنسِ روحي وحشةٌ
لا أوحشَ الله المنازلَ منهمُ

مطيع بن إياس

أسعِداني، يا نخلتي حُلوانِ
وابكيا لي من ريبِ هذا الزمان
واعلما أن رَيبهُ لم يزل يف
رُق بين الأُلافِ والجيرانِ
ولعمري ،لو ذقتما ألم الفُر
قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أنّ نحساً
سوفَ يلقاكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي
بفراقِ الأحبابِ والخلّانِ

اسحاق الموصلي

صبُّ يحثُّ مطاياهُ بذكركمُ
وليسَ ينساكمُ إن حلَّ أو سارا
لو يستطيعُ طوى الأيامَ نحوكمُ
حتى يبيعَ بعمرِ القُربِ أعمارا
يرجو النجاة من البلوى بقربكمُ
والقربُ يُلهبُ في أحشائهِ نارا
طَربتَ إلى الأُصيبية الصغار
وهاجكَ منهم قربُ المزار
وأبرحُ ما يكونُ الشّوقُ يوماً
إذا دنتِ الديارُ من الديار
ما كنتُ أعرفُ ما في البينِ من حُزنِ
حتى تنادوا بأن قد جىء بالسُّفنِ
قامت تُودّعني والعينُ تغلبها
فجمجمت بعض ما قالت ولم تُبنِ
مالت عليَّ تفدّيني وترشفني
كما يميلُ نسيمُ الريحِ بالغصنِ
وأعرضت ثم قالت وهي باكيةٌ
ياليتَ معرفتي إياكَ لم تكُنِ
لمّا افترقنا على كرهٍ لفرقتها
أيقنتُ أني رهينُ الهمِّ والحَزنِ

تَقّضتْ لباناتٌ وجدَّ رحيلُ
ولم يُشفَ من أهلِ الصفاءِ غليلُ
ومُدّتْ أكفٌّ للوداعِ فصافحت
وفاضتْ عيونٌ للفراقِ تسيلُ
ولابدّ للآلافِ من فيضِ عبرةٍ
إذا ما خليلٌ بانَ عنهُ خليلُ
غداةَ جعلتُ الصبرَ شيئاً نسيتهُ
وأعولتُ لو أجدى عليَّ عويلُ
ولم أنسَ منها نظرةً هاجَ لي بها
هوى منهُ بادٍ ظاهرٌ ودخيلُ
ولمّا رأينَ البينَ قد جدّ جِدّهُ
ولم يبقَ إلا أن تبينَ الركائبُ
دنونا فسلّمنا سلاماً مُخالساً
فردّت علينا أعينٌ وحواجبُ
تصدُّ بلا بُغضٍ ونخلسُ لمحةً
إذا غفلت عنا العيونُ الرواقبُ

أبو الشِّيص

أشاقكَ والليلُ مُلقي الجِرانِ
غرابٌ ينوحُ على غصنِ بانِ
أحمُّ الجناحِ شديد الصياحِ
يُبكي بعينينِ لا تهملانِ
وفي نعباتِ الغراب اغترابٌ
وفي البان بَينٌ بعيدُ التدانِ
لَعمري لئن فزعت مقلتاك
إلى دمعة قَطرُها غيرُ وانِ
فَحقَّ لعينيك ألا تجفَّ
دموعهما وهما تطرفان
ومن كانَ في الحيِّ بالامسِ منك
قريبَ المكانِ بعيدُ المكانِ
فهل لك ياعيشُ من رَجعةٍ
بأيّامكَ المؤنقاتِ الحسان
فيا عيشنا،والهوى مورِقٌ
لهُ غصنٌ أخضر العود دانِ

الخليل بن أحمد الفراهيدي

يقولونَ لي :دارُ الأحبّةِ قد دنتْ
وأنتَ كئيبٌ،إنّ ذا لعجيبُ
فقلت:وما تُغني الديارُ وقربُها
إذا لم يكن بين القلوب قريب؟
إذا ضاقَ بابُ الرزقِ عنك ببلدةٍ
فثمّ بلادٌ رزقها غير ضيّق
وإياكَ والسكنى بدارِ مذلّةٍ
فتسقى بكأسِ الذلّةِ المتدفقِ
فما ضاقت الدنيا عليك برحبها
ولا باب رزق الله عنك بأضيق

خالد الكاتب

شيّعتهمْ فاسترابوني فقلتُ لهم:
إنّي بُعثتُ مع الأجمالِ أحدوها
قالوا:فلم تتنفس هكذا صُعُدا
وما لعينيك ما ترقأ مآقيها؟
قلت:التنفسُ من إدمانِ سيركمُ
والعينُ تسفحُ دمعاً من قذىً فيها

الكيواني(شاعر دمشقي)

كفى حَزناً طولَ اغترابٍ ووحشةٍ
وقلّةُ أعوانٍ وإخفاقُ آمالِ

أمية بن الأسكر

لمن شيخان قد نشدا كلاباً
كتاب الله إن ذكر الكتابا
أناديه ويعرض لي حنينٌ
فلا وأبي كلابٌ ما أصابا
تركت أباك مرعشةً يداه
وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإن أباك حين تركت شيخٌ
يطارد أينقاً شرباً جذابا
إذا رُتعن إرقالاً سراعاً
أثرنَ بكلّ رابيةٍ ترابا
طويلاً شوقه يبكيك فرداً
على حزنٍ ولا يرجو الإيابا
إذا غنت حمامة بطن وجّ
على بيضاتها ذكرا كلابا

عبد الله بن رواحة

عصيتمْ رسولَ الله،أفٍّ لدينكم
وأمركمُ لبسىء الذي كان غاويا
فإنّي وإن عنّفتموني لقائلٌ:
فِدىً لرسولِ الله أهلي وماليا
أطعناهُ لم نعدلهُ فينا بغيرهِ
شهاباً لنا في ظلمة الليلِ هاديا

حبيب بن خدره الهلالي

ألا حبذا عصرُ اللّوى وزمانهُ
إذ الدهرُ سَلْمٌ والجميعُ حلولُ
وإذ للصِّبا حوضٌ من اللهو مُترعٌ
لنا علَلٌ من وردهِ ونهولُ
وإذ نحنُ لم يَعرِض لألفهِ بيننا
تناءً ولا ملَّ الوصالَ ملولُ

وجيه الدولة ابن حمدان

وقد كانَ شكّي للفراقِ يروعني
فكيفَ يكون اليوم وهو يقينُ

الخطيب الحصكفي

ساروا وأكبادنا جرحى وأعيننا
قرحى،وأنفسنا سكرى من القلق
تشكو بواطننا من بعدهم حُرقاً
لكنْ ظواهرنا تشكو من الغَرقِ
يا موحشي الدار مذ بانوا كما أنستْ
بقربهم لا خلتْ من صبيبٍ غَدقِ
إن غبتمْ لم تغيبوا عن ضمائرنا
وإن حضرتم حملناكم على الحدقِ

ابن الطفيل

يا باكياً فرقةَ الأحبابِ عن شَحَطٍ
هلا بكيت فراقَ الروحِ للبدن

شمس الدين الكوفي

عندي لأجلِ فراقكم آلام
فإلام أُعذل فيكم وأُلام

الكمال التنوخي

كم ليلةٍ قد بتها أرعى السّها
جزعاً لفرقتهم بمقلةِ أرمدِ
قضيتها مابينَ نومٍ نافرٍ
وزفير مهجورٍ وقلبٍ مُكمدِ

عبد المهيمن الحضرمي

نفسي الفداءُ لأنسٍ كنتُ أعهدهُ
وطيبِ عيشٍ تقّضى كلّهُ كرمُ
وجيرةٍ كانَ لي إلفٌ بوصلهمُ
والأنسُ أفضلُ ما بالوصل نعتهم
بالشآمِ خلّفتهم ثم انصرفتُ إلى
سواهمُ فاعتراني بعدهم ألمُ
كانوا نعيمَ فؤادي والحياة لهُ
والآنَ كلّ وجودٍ بعدهم عدمُ

مالك بن الريب

فإن تنصفونا يا آل مروانَ نقترب
إليكم وإلا فأذنوا ببِعادِ
فإنَ لنا منكم مراحاً ومزحلاً
بعيسٍ إلى ريح الفلاةِ صوادي
وفي الأرضِ عن دارِ المذلة مذهبٌ
وكلّ بلادٍ أوطنت كبلادي

مجد الملك جعفر بن محمد شمس الخلافة

يا زمانَ الهوى عليكَ السّلامُ
وعليَّ السلوُّ عنكَ حرامُ
أيُّ عيشٍ قطعتهُ فيك لو دا
مَ وهل يُرتجى لظلِّ دوامُ
كنت حِلماً والعيشُ فيكَ خيالاً
وسريعاً ما تنقضي الأحلامُ
لهفَ نفسي على ليالٍ تقّضتْ
سلبتني بُرودها الأيامُ
فطمتني الأقدارُ عنها وليداً
وشديدٌ على الوليدِ الفطامُ
لا تلمني على البكاء عليها
من بكى شجوهُ فليسَ يُلامُ

ابن أبي الإصبع

أكثرتَ عذلي كأنّي كنتُ أوّلَ من
بكى على مسكنٍ أو حنَّ للسكنِ
لا تَلْحَ إنَّ من الإيمانِ عند ذوي
الإيمانِ منا حنينَ النفسِ للوطنِ

ابن الوردي

حبُّكَ الأوطان عجز ظاهر
فاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بدلْ
فبمكثُ الماء يبقى آسناً
وسرى البدر به البدرُ اكتمل
ودّعتني يومَ الفراقِ وقالت
وهي تبكي من لوعة الإفتراق:
ماذا أنتَ صانعٌ بعد بُعدي
قلت قولي هذا لمن هو باقي
رعى الله عيشاً بالمعرة لي مضى
حكاه ابتسام البرق إذ هو أومضا
فما المنحنى ،ما البان،مالسفح، ما النقا
وما رامة عند المعرة ،ما الغضا
فوالله لا فضلّتُ في الأرضِ بقعة
عليها سوى ما فضلّ الله وارتضى
منازلُ كانت مرتعي زمن الصِّبا
فأبعدني المقدور عنها وأنهضا
مراتع آرام،مراتع جيرة
مراتع غزلان معاهد تُرتضى
فلله هاتيك الرُّبى وسفوحها
ولله عمرٌ في سواها ليَ انقضى
وما عن رضىً كانت سواها بديلةً
لها غيرأنّ الدهر مازال مدحضا

أبو الطمحان القيني

أقولُ لقمقام بن زيدٍ ألا ترى
إلى البرقِ يبدو للعيونِ النواظرِ
فإن تبكي للبرقِ الذي هيّجَ البكا
أعنكَ وإن تصبر فلستُ بصابرِ
ألا حنت المرقال واشتاق ربّها
تذكر أرماماً وأذكر معشري

إياس بن القائف

إذا جئتُ أرضاً بعد طولِ اجتنابها
فقدتُ صديقي والبلادُ كما هيا

أبو طاهر الخطيب الموصلي

حَيّ نجداً عنّي ومن حلَّ نجدا
أربُعاً هِجنَ لي غراماً ووجدا
آه والهفتي على طيبِ عيشٍ
كنتُ قطعتهُ وصالاً وودّا
حيثُ عودُ الشّبابِ غضٌّ نضيرٌ
ويدُ المكرماتِ بالجودِ تندى
والخليلُ الودودُ يُنعم إسعافاً
وصَرفُ الزمانِ يزدادُ بُعدا
والليالي مُساعداتٌ على الوصلِ
وعينُ الرقيبِ إذ ذاكَ رمدا

العجاج

واستعجلَ الدهرُ وفيهِ كافِ
لفرقةِ الأحبابِ والآلافِ

أبو دلف العجلي

ولمّا دنتْ عيسُهم للنوى
وظلّتْ بأحداجها ترتِكُ
وكادتْ دموعي يفضحنني
وخِلت دمي عندها يُسفَكُ
ضحكتُ من البينِ مُستعجباً
وشرُّ الشدائدِ ما يُضحِكُ
ومقامُ العزيزِ في بلد الهو
نِ إذا أمكنَ الرحيلُ محال

معقل أخو أبي دلف

لَعمري لئنْ قرّتْ بقربك أعينٌ
لقد سخنت بالبينِ عنك عيونُ
فَسرْ أو أقِمْ وقفٌ عليك مودّتي
مكانك من قلبي عليك مصونُ

أبو بكر الزبيدي

ويحك يا سلم لا تراعي
لابدّ للبينِ من زماعِ
لا تحسبيني صبرت إلا
كصبرِ ميتٍ على النزاعِ
ما خلقَ الله من عذابٍ
أشدّ من وقفةِ الوداعِ

الموفق الإربلي البحراني

رُبَّ دارٍ بالغضى طالَ بلاها
عكف الرّكبُ عليها فبكاها
درستْ إلا بقايا أسطر
سمح الدهر بها ثمّ محاها
كان لي فيها زمانٌ وانقضى
فسقى الله زماني وسقاها
وقفتْ فيها الغوادي وقفة
ألصقتْ حرَّ حياها بثراها
وبكت أطلالها نائبة
عن جفوني أحسنَ الله جزاها
قل لجيران مواثيقهم
كلما أحكمنها رثت قواها
كنتُ مشغوفاً بكم إذ كنتم
لا تبيتُ الليلَ إلا حولها

شجراً لا تبلغُ الطيرُ ذراها
حرسٌ ترشحُ بالموتِ ظباها
وإذا مُدّت إلى أغصانها
كفُّ جانٍ قُطعت دون جناها
فتراخى الامرُ حتى أصبحت
هملاً يطمعُ فيها من يراها
تُخصبُ الارضُ فلا أطرقها
رائداً إلا إذا عزَّ حِماها

ابن مقبل

أأليومَ بانَ الحيُّ أم واعدوا غدا؟
وقد كان حادي البينِ بالبينِ أوعدا

علي بن مقرب

وما غربةٌ عن دارِ ذلٍ بغربةٍ
لو أنّ الفتى أكدى وغثّتْ مآكله
وللموتُ أحلى من حياةٍ ببلدةٍ
يرى الحرُّ فيها الغبنَ ممّنْ يُشاكله

محيى الدين بن عربي

قِفْ بالطلولِ الدارسات بلعلع
واندبْ أحبّتنا بذاك البلقع
قِفْ بالديارِ وناجها متعجباً
منها بحسنِ تلطف وتفجعِ
عهدي بمثلك عند بانك قاطعاً
ثمر الخدود وورد روض أينع

الشريف بركات

هذي المنازلُ أنِخْ يا سائقَ الإبلِ
وانزل بعيسكَ بين البانِ والاسلِ
وانشدْ فؤاداً غدا صبّاً بكاظمةٍ
بينَ الظبا صرعتهُ أسهمُ المُقلِ
ناشدتُكَ الله يا من لحّ في عذلي
وقادني حبّهُ طوعاً إلى أجلي
لا ترحلنَّ فما أبقيتَ من جَلدي
ما أستطيعُ بهِ توديعَ مُرتحلِ
ولا من النوم ما ألقى الخيالُ بهِ
ولا من الدمعِ ما أبكي على طللِ
أقسمتُ بالبيتِ والأركانِ قاطبةً
والمشعرينِ ومن لبّى على الجبلِ
لأنتَ عندي ولو ساءت ظنونكَ بي
أحلى من الأمنِ عند الخائفِ الوجلِ

أبو زرعة الدمشقي

رحلوا فعاجَ على الربوعِ
يبكي إلى وقتِ الرجوعِ
ما ودّعوا بل أودعوا
ناراً توّقدُ في الضلوعِ
هجروا فغادَ بِمُقلةٍ
ممنوعةٍ طيبَ الهجوعِ
والعينُ تنظرُ لحظها
بينَ التلفتِ والدموعِ

أبو عامر بن الحمارة

أركبانَ أنضاءِ السِّفارِ ألا قفوا
رسومَ المطايا في رسومِ المنازلِ
نُسائلُ متى عهدَ الديارِ سكنها
وإن كُنَّ خرساً ما يبنَّ لسائلِ
ألا ليتَ شعري هل تعود كعهدنا
ليالٍ طويناهُنَّ طيَّ المراحلِ
إذا ذكرتها النفسُ كادت من الاسى
تسرّبُ في أولى الدموع الهوامل

أبو الفرج بن هندو

قَوِّضْ خيامكَ عن دارٍ ظُلمتَ بها
وجانبِ الذلَّ،إنّ الذلَّ يُجتنبُ
وارحلْ إذا كانت الأوطانُ منقصةٌ
فالمندلُ الرّطبُ في أوطانهِ حطبُ

الشاهيني القبرسي الدمشقي

رحلتُ عنهم ولي في كلِّ جارحةٍ
مني لسانٌ عليهم يشتكي وفمُ

أبو الغول(شاعر عباسي)

إذا الريحُ من نحوِ الحبيبِ تَنّسمتْ
بُعيدَ صلاةِ العصرِ طابَ نسيمها
وهَبّتْ بأحزانٍ لنا،وتذكرتْ
بها النفسُ أشجاناً توالى همومها
وظلَّ يدقُّ القلبُ أن نسمت لهُ
وفاضَ لها عينٌ طويلٌ سُجومها
وحنّتْ بناتُ القلب مني وأقبلتْ
عليّ حديثاتُ الهوى وقديمها

العباس الناشىء

بكت للفراقِ فقد راعني
بكاءُ لبحبيبِ لِبعدِ الديار

مكلف بن نميلة المزني

تذكرَ ليلى أمَّ بكرٍ وذِكرها
جوىً بينَ أطلاحِ الضلوعِ وداءُ
وما ذِكرُ ليلى أمِّ بكرٍ إذا نأتْ
بها الدارُ إلا حسرةٌ وعناءُ

سيف الدولة الحمداني

رُبّ هجرٍ يكونُ من خوفِ هجرٍ
وفراقٍ يكونُ خوفَ فراقِ
وعرفتُ أيامَ السرورِ فلم أجدْ
كرجوعِ مشتاقٍ إلى مشتاق

هبة الله بن عزم

لا عزَّ للمرءِ إلا في مواطنهِ
والذلُّ أجمعُ يلقاهُ من اغتربا

ابن عبد ربه

إنّ يومَ الفراقِ أفظع يوم
ليتني متُّ قبلَ يومِ الفراقِ

ابن الهبارية

قالوا أقمتَ وما رُزقتَ وإنّما
بالسيرِ يكتسبُ اللبيبُ ويرزقُ
فأجبتهم ما كلّ سيرٍ نافعاً
الحظُّ ينفعُ لا الرحيلُ المعلقُ
كم سفرةٍ تعقب وأخرى مثلها
ضرّت ويكتسبُ الحريصُ ويخفقُ

سابق البربري

لا ألفينكَ ثاوياً في غربةٍ
إنّ الغريبَ بكل سهمٍ يُرشقُ

علي عبد العزيز الفقيه الشافعي

يا نفسُ موتي بعدهم
فكذا يكونُ الاشتياق

علي بن مهدي الكسروي

ومودِّعٍ يومَ الفراقِ بلحظهِ
شَرِقٍ من العبراتِ ما يتكلمُ

مروان بن أبي الجنوب

سقى الله نجداً والسلامُ على نجد
ويا حبذا نجدٌ على القُربِ والبُعدِ

يحيى بن طالب الحنفي

إذا ارتحلت نحوَ اليمامةِ رفقةٌ
دعاك الهوى واهتاجَ قلبُكَ للذكرِ
كأنّ فؤادي كلّما مرَّ راكبٌ
جناحُ غرابٍ رامَ نهضاً إلى وكرِ
أقولُ لموسى والدموع كأنّها
جداولُ ماءٍ في مساربها تجري
ألا هل لشيخٍ وابنِ ستين حِجّةً
بكى طرباً نحو اليمامة من عذرِ؟
تعزَّيتُ عنها كارهاً فتركتها
وكان فراقيها أمرَّ من الصّبرِ

أبو سليمان الخطابي

وما غربة الإنسان في شقة النوى
ولكنها والله في عدمِ الشَكلِ
وإنّي غريب بين بست وأهلها
وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

ابن بسام البغدادي

وإن نبا منزلٌ بِحرٍ
فمن مكانٍ إلى مكانِ
لا يثبتُ الحرُّ في مكانٍ
يُنسبُ فيه إلى الهوان

عبد الوهاب البغدادي المالكي

سلامٌ على بغداد في كلّ موطنٍ
وحقّ لها مني سلامٌ مضاعفُ
فوالله ما فارقتها عن قِلىً لها
وإنّي بشطّي جانبيها لعارِفُ
ولكنّها ضاقتْ عليَّ بأسرها
ولم تكن الأرزاقُ فيها تساعفُ
وكانتْ كَخِلٍ كنت أهوى دنوهُ
وأخلاقهُ تنأى به وتخالفُ

أبو المطاع بن حمدان

وقد كانَ شكّي في الفراقِ يروعني
فكيفَ أكون اليوم وهو يقينُ؟
فوالله ما فارقتكم قالياً لكم
ولكن مايُقضى فسوف يكونُ

نجم الدين الحرّاني

وأشتاقكم يا أهلَ ودّي وبيننا
كما زعم البينُ المُشتُّ فراسخ
فأمّا الكرى عن ناظري فَمُشرّد
وأما هواكمْ في فؤادي فراسخ

ولادة بنت المستكفي

تمرُّ الليالي ولا أرى البينَ ينقضي
ولا الصّبرَ من رِقِّ التشوقِ مُعتقي
سقى الله أرضاً قد غدتْ لك منزلاً
بكلِّ سكوبٍ هاطلِ الوبلِ مُعذقِ

تميم بن المعز الفاطمي

قالت وقد نالها للبينِ أوجعه
والبينُ صعبٌ على الاحبابِ موقعه
اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت
قواهُ عن حملِ مافيهِ وأضلعه
كأنني يوم ولّت ـ حسرةً وأسفاً ـ
غريقُ بحرٍ يُرى الشاطىء ويُمنعه

محمد بن بشير الخارجي

ماذا تُعاتبُ من زمانكَ إذ
ظعنَ الحبيبُ وحلَّ بي كمده

عبد الله الإدكاوي

عقيقُ دمعي غدا في الجزع كالديمِ
مذ بانَ سكانُ بانِ الحيِّ والعَلمِ
وانهلّ منسجماً من نار مضطرم
ملآن وجداً إلى خِشفٍ بذي سَلَمِ

الحسن بن شاور

قلدّتُ يومَ البينِ جيدَ مودّعي
دُرراً نظمتُ عقودها من أدمعي
وحدا بهم حادي المطيِّ فلم أجدْ
قلبي ولا جَلَدي ولا صبري معي
يا نفسُ قد فارقتِ يومَ فراقهم
طيبَ الحياةِ ففي البقا لا تطمعي
هيهاتَ يرجعُ شملنا بالاجرعِ
ويعود أحبابي الألى كانوا معي
فلقد عدمتُ الصبر يوم فراقكم
وتضرَمتُ نار الأسى في أضلعي
يا نازحينَ فهل لكم من عودةٍ
نزحَ التفرّقُ ما بقي من مدمعي
لو لم تعودوا للديارِ وترجعوا
لهلكتُ من شوقي وفرط توجعي

عبد الله الجعدي

فإن تجف عني أو تزرني إهانة
أجد عنكَ في الأرض العريضة مذهب

عبد العزيز الماجشون

لله باكٍ على أحبابهِ جزعا
قد كنت أحذر هذا قبل أن يقعا
ما كانَ والله شؤم الدهر يتركني
حتى يُجرّعني من بعدهم جرعا
إن الزمان رأى إلف السرور لنا
فدبَّ بالبينِ فيما بيننا وسعى
فليصنع الدهر بي ماشاءَ مجتهداً
فلا زيادة شىء فوق ما صنعا

عمر بن أحمد

أتى الرحيلُ فحين جد ترحلّت
مهجُ النفوسِ له عن الأجسادِ
من لم يبت والبين يصدّع قلبه
لم يدرِ كيفَ تفتت الأكباد

عبد اللطيف البغدادي (من فلاسفة الإسلام وله كتاب قوانين البلاغة)

قالت وقد نالها للبين أوجعه
والبينُ صعب على الأحباب موقعه
اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت
قواه عن حملِ مافيهِ وأضلعه
واعطف على المطايا ساعة فعسى
من شتت شمل الهوى بالبين يجمعه
كأنني يوم ولّت حسرةً وأسىً
غريق بحر يرى الشاطىء ويُمنعه

ابن البديري

قفا حاديى ليلى فإني وامق
ولا تعجلا يوماً على من يفارق
وزُما مطاياها قبيل مسيرها
ليلتذ منها بالتزود عاشق
ولاتزجروا بالسوق أظعان عيسها
فإن حبيبي للظعائن سائق
ولما التقينا والغرام يذيبنا
ونحن كلانا في التفكر غارق
وقفنا ودمع العين يحجب بيننا
تسارقني في نظرةٍ وأسارق
فلا تسألا ما حلّ بالبينِ بيننا
ولا تعجبا أنّا مشوق وشائق
ولم أستطع يوم النوى ردّ عبرة
فؤادي أسى من حرّها يتقطّع
فقالخليلي إذ رأى الدمع دائماً
يفيضُ دماً من مقلتي ليس يُدفع
لئن كان هذا الدمعُ يجري صبابة
على غير ليلى فهو دمع مضيّع

ابن جبير الشاطبي

لاتغترب عن وطنٍ
واذكر تصاريفَ النوى
أما ترى الغصنَ إذا
ما فارقَ الاصلَ ذوى

الجويرية العبدي

سلّمنَ نحوي مُودّعينَ بمقلةٍ
فكأنما نظرت…
وقرأن نحوي مودعين تحيةً
كادت تُكلمنا وإن لم تعربِ

المُهوّل

وكلُّ مصيبلت الزمان وجدتها
سوى فرقةِ الأحباب هينةُ الخطبِ

المأموني الشاعر

يا ربع لو كنت دمعاً فيك منسكباً
قضيت نحبي،ولم أقض الذي وجبا
لا ينكرون ربعك البالي بِلى جسدي
فقد شربت بكأس الحب ما شربا
ولو أفضت دموعي حسب واجبها
أفضت من كلّ عضو مدمعاً سربا
عهدي بعهدك للذات مرتبعاً
فقد غدا لفؤادي السحب منتحبا

خليل شيبوب

هواك بصدري حادث وقديم
وعهدك عهدي راحل ومقيم
وأنت كما شاء الجمال حبيبه
وأمّ كما شاء الحنان رؤوم
فلو نطقت فيك الحجارة حدّثت
عن المجد مرفوع اللواء عظيم

الأرقط بن دعبل

نهنه دموعك من سحّ وتسجام
البين أكثر من شوقي وأسقامي
وما أظن دموع العين راضية
حتى تسحّ دماً هطلاً بتسجام

عبد الغني النابلسي

هذي حماةُ التي ما مثلها بلدٌ
لِكُلِّ دانٍ من الأهلينَ أو قاصي
ترقُّ قلباً لأحوال الغريب بها
حتى نواعيرها تبكي على العاصي

عبد الله بن نمير

تعزَّ بصبر لا وجدِّك لن ترى
عراص الحمى إحدى الليالي الغوابر
كأنَّ فؤادي من تذكره الحمى
وأهل الحمى يهفو به ريش طائر

عمارة بن عقيل

لَعمرُكَ ما النائي البعيد بنازحٍ
إذا قَرُبتْ ألطافهُ ونوافلهْ
ولكنّما النائي البعيد مُحَجبٌ
قريبٌ ولا تُهدى إلينا رسائله
وما ضرّنا أنّ السِّماكَ مُحلّقٌ
بعيدٌ إذا جادت علينا هواطله

أحدهم

سأرحلُ عن دارِ الهوانِ مُشمراً
إلى حيثُ لا ذلاً أخافُ ولا ظلما
ولما تبدّت للرحيلِ جمالنا
وجَدَّ بنا سير وفاضت مدامع
تبدّتْ لنا مذعورة من خبائها
وناظرها باللؤلؤ الرطب دامع
أشارتْ بأطرافِ البنان وودّعت
وأومت بعينيها متى أنت راجع
فقلت لها والله ما من مسافر
يسير ويدري ما به الله صانع
فشالت نقاب الحسن من فوق وجهها
فسالت من الطرف الكحيل مدامع
وقالت إلهي كن عليه خليفة
فيا ربّ ما خابت لديك الودائع
لئن بكيتُ دماً والعزمُ من شيمي
على الخليطِ فقد يبكي الحسام دما
يا زمانَ الخَيفِ هل من عودةٍ
يسمح الدهر بها من بعد ضَنِّ
أرَضينا بِثنيات اللوى
عن زرود؟يالها من صفقة غبن!
سلْ أراكَ الجزع هل جادت به
مزنةٌ روّت ثراها مثل جفني
وأحاديث الغضى هل علمت
أنها تملك قلبي قبل أذني
لستُ أرتاعُ لخطبٍ نازلٍ
إنما الخوفُ لقلب مطمئن
مددتُ إلى التوديعِ كفاً ضعيفة
وأخرى على الرمضاءِ فوق فؤادي
فلا كان هذا آخر العهد منكمُ
ولا كان ذا التوديع آخر زادي
إذا دنت المنازل زاد شوقي
ولا سيما إذا بدت الخيام
فلمح العين دون الحيِّ شهرٌ
ورجع الطرف دون السير عام
وقفتُ يزمَ النوى منهم على بعد
ولم أودّعهم وجداً وإشفاقاً
إني خشيتُ على الأظعانِ من نفسي
ومن دموعي إحراقاً وإغراقا
أذكرْ مجالسَ من بني أسدٍ
بعدوا فحنَّ إليهمُ القلبُ
الشّرقُ منزلهم ومنزلنا
غربٌ وآنّى الشرق والغربُ
وقالت نساءُ الحيِّ أينَ ابن أختنا
ألا خبرونا عنهُ حُييتم وفدا
رعاه ضمان الله هل في بلادكم
أخو كرم يرعى لذي حسب عهدا
فإن الذي خلفتموه بأرضكم
فتى ملأ الأحشاء هجرانه وجدا
أبغداد كم تنسيه أروند مربعاً
ألا خابَ من يشري ببغداد أروندا
فدتهن نفسي لو سمعن بما أرى
رمى كل جيدٍ من تنهده عقدا
ودّعتهم من حيثُ لم يعلموا
ورُحتُ والقلبُ بهم مُغرمُ
سألتهم تسليمة منهمُ
عليَّ إذا راحوا…فما سلّموا
واستحسنوا ظلمي فمن أجلهم
أحبَّ قلبي كلَّ من يظلمُ
ألا خلّني أمضي لشأني ولا أكنْ
على الأهلِ كَلاً إن ذا لشديد
تهينني ريب المنون ولم أكن
لأهرب عما ليس منه محيد
فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي
وقيل إذا أخطأت أنت رشيد
فدعني أجول الأرض عمري لعلّه
يسرُّ صديق أو يُغاظ حسود
جفني لطيبِ الكرى يا صاح قد هجرا
ودمعُ عيني دماً يومَ الفراقِ جرى
ومقلتي من جفا الأحبابِ باكيةً
ترعى النجومَ وباتت ليلها سهرا
وإذا الديارُ تنكرّتْ عن أهلها
فدعِ الديارَ وبادر التحويلا
ليسَ المُقامُ عليكَ فرضاً واجباً
في منزلٍ يدعُ العزيزَ ذليلا
وإذا المسافرُ آب مثلي مفلساً
صفر اليدين من الذي رجّاهُ
وخلا من الشىء الذي يهديه
للأخوان عند لقائهم إياه
لم يفرحوا بقدومه وتثّقاوا
بوروده وتكرّهوا لقياه
وإذا أتاهم قادماً بهدية
كان السرور بقدر ما أهداه
بأبي امرؤٌ،والشامُ بيني وبينهُ
أتتني ببشرى،بردهُ ورسائله
ألا بلّغَ الله الحمى من يُريدهُ
وبلّغَ أكنافَ الحِمى من يُريدها
ودارُ هوانٍ أنفتُ المُقامَ
بها فحللتُ محلاً كريماً
تَغرّبَ يبغي اليُسرَ،ليسَ لنفسهِ
خصوصاً،ولكن لإبنِ عمٍ وصاحبِ
رأى العجزَ في طولِ الثواءِ بلا غنىً
فأعملَ فيهِ يَعملاتِ الركائبِ
يا ديارَ السّرورِ لازالَ يبكي
فيكِ إذ تضحكُ الرياضُ غمام
رُبَّ عيشٍ صَحبتهُ فيكِ غضٍّ
وعيونُ الفراقِ عنّا نيامُ
في ليالٍ كأنهنَّ أمانٍ
في زمانٍ كأنّهُأحلامُ
وكأنّ الأوقاتَ فيكِ كؤوسٌ
دائراتٌ وأنسهنَّ مُدامُ
زمنٌ مُسعدٌ وإلفٌ وَصولٌ
ومنىً تستلذها الأوهام
فهل من مُعيرٍ طرفَ عينٍ جَليّةٍ
فإنسانُ طرفِ العامريّ سقيمُ
رمى قلبهُ البرقُ المُلالي رميّةً
بذكرِ الحِمى وهناً فباتَ يهيمُ
فلم تنأ دارٌ من مُرجىً إيابهُ
وتنأى بمن رُصَتْ عليهِ الصفائحُ
يَسُبُّ غرابَ البينِ ظلماً معاشرٌ
وهم آثروا بُعدَ الحبيبِ على القُربِ
سنرجعُ إن عشنا ونقضي أذمّةً
فكم من فراق كانَ داعيةَ الوصلِ
سلوا مِضجعي هلْ قَرَّ من بعدِ بُعدكم
وهلْ عرفت طعمَ الرّقادِ جفوني
سهرنا بنعمانٍ ونمتم ببابلٍ
فيا لعيونٍ،ما وفتْ لعيونِ
فإن يكُنِ الفراقُ عدا علينا
ففاقمَ شَعبنا بعدَ اتفاقِ
فكلُّ هوىً يصيرُ إلى انقضاءٍ
كما صارَ الهلالُ إلى محاقِ
فإن تكُ قد نأتْ ونأيتُ عنها
وفرّقَ بيننا حدثُ الشّقاقِ
فكلُّ قرينة وقرينِ إلفٍ
مصيرُهما إلى آمدِ الفراقِ
ولما برزنا لتوديعهم
بكوا لؤلؤاً وبكينا عقيقاً
أداروا علينا كؤوسَ الفراقِ
وهيهاتَ من سكرها أن نفيقا
تولّوا فأتبعتهم أدمعي
فصاحوا الغريق وصحتُ الحريقا
لئن عادَ جمعُ الشّملِ في ذلكَ الحمى
غفرتُ لدهري كلّ ذنبٍ تقدّما
وإن لم يعدْ منيّتُ نفسي بعودةٍ
وماذا عسى تُجدي الأماني وقلّما
يحقُّ لقلبي أن يذوبَ صبابةً
وللعينِ أن تجري مدامعها دماً
على زمنٍ ماضٍ بهم قد قطعتهُ
لبستُ بهِ ثوبَ المسرّة مُعلما
كتمتُ شأنَ الهوى يومَ النوى فوشى
بِسرّهِ من جفوني أيّ نمامِ
كانت لياليَّ بيضاً في دنوهمُ
فلا تسلْ بعدهم عن حالِ أيامي
ضنيتُ وجداً بهم والناسُ تحسبُ بي
سُقماً فأُبهمَ حالي عند لُوّامي
وليسَ أصلُ ضنى جسمي النحيل سوى
فرط اشتياقي لأهل الغربِ والشام
وقفنا فسلّمنا سلامَ مُودعٍ
فردّتْ علينا أعينٌ وحواجبُ
لم أنسَ أياماً مضتْ ولياليا
سلفتْ وعيشاً بالصريم تصرّما
إذ نحنُ لا نخشى الرقيبَ ولم نحف
صرفَ الزمانِ ولا نُطيعُ اللّوما
والعيشُ غضٌّ والحواسدُ نُوّمٌ
عنا وعينُ البينِ قد كُحلت عمى
صبا الربقُ نجدياً فهاجَ صبابتي
كأنّي لنجديِّ البروقِ نسيبُ
إذا هاجَ برقُ الغَورِ غورِ تهامةٍ
تهيّجَ من شوقي عليَّ ضروبُ
سلامٌ على أهلِ الودادِ وعهدهم
إذا الأنسُ روضٌ والسرورُ فتونُ
رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرَبوا
ففاضت لروعاتِ الفراقِ عيونُ
سأبعدُ ضارباً في الأرضِ حتى
أفوتَ الفقر،أو يفنى الطريقُ



ولا ألفى على الإخوانِ كَلاً
يُلُّهمُ غُدويِّ والطروقُ
تذكرتُ قومي خالياً فبكيتهم
بشجوٍ،ومثلي بالبكاءِ جديرُ
فعزّيتُ نفسي وهي إذا جرى
لها ذكرُ قومي آنةٌ وزفيرُ
لا تكترثْ بِفراقِ أوطانِ الصِّبا
فعسى تنالُ بغيرهنَّ سُعودا
فالدرُّ يُنظمُ عند فقدِ بحارهِ
بجميلِ أجيادِ الحسانِ عقودا
وإن بلدة أعيا عليّ طلابها
صرفتُ لأخرى رحلتي وركابي
بلادي التي أهلي بها وأحبّتي
وقلبي وروحي والمنى والخواطرُ
تُذكرّني أنجادُها ووهادُها
عهوداً مضتْ لي وهيَ خضرٌ نواضرُ
إذا العيشُ صافٍ والزمانُ مساعدٌ
فلا العيشُ مملولٌ،ولا الدهرُ جائرُ
بحيثُ ليالينا كَغضِّ شبابنا
وأيامنا سلكٌ ونحنُ جواهرُ
ليالي كانت للشبيبة دولةٌ
بها مَلِكُ اللذاتِ ناهٍ وآمرُ
سلامٌ على تلكَ العهودِ فإنها
موارِدُ أفراحٍ تلتها مصادرُ
همّ يشوقني إلى طلبِ المنى
وهوى يشوقني إلى الأوطانِ
تُذَكِّرُ صيفاً قد مضى بعدَ مربعٍ
مضى قبلَهُ سُقياً لتلكَ المرابعِ
فلا تذهبنَّ النّفسُ وجداً وحسرةً
على عُصُرٍ ليست لنا برواجعِ
ألا قاتلَ الله النّوى كيفَ أصبحت
ألحَّ عليها يا بُثينَ صريرُها
حنينٌ وتلكَ الدارُ نُصبَ عيونِنا
فكيفَ إذا سرنا مع صحبنا شهرا؟
أأحبابنا بِنتم عن الدارِ فاشتكتْ
لِبُعدكم آصالها وضحاها
وفارقتُم الدارَ الانيسة فاستوتْ
رسومُ مبانيها وفاحَ كلاها
كأنّكم يومَ الفراقِ رحلتم
بنومي فعيني لا تُصيبُ كراها
وكنتُ شحيحاً من دموعي بقطرة
فقد صرتُ سمحاً بعدكم بِدماها
يراني بسّاماً خليلي يظن بي
سروراً وأحشاي السقام ملاها
وكم ضحكة في القلب منها حرارة
يشبّ لظاها لو كشفتُ غطاها
رعى الله أياماً بطيبِ حديثكم
نقضت وحياها الحيا وسقاها
فما قلت إيها بعدها لمسامر
من الناسِ إلا قال قلبي آها
وما جزعاً من خشيّةِ البينِ أخضلت
دموعي،ولكن الغريب غريب
إذا نبا بي منزلٌ جُزتهُ
واعتضتُ منهُ منزلاً أسهلا
وإن سئمتُ المكثَ في بلدةٍ
قوّضتُ عن ساحتها الارحلا
قلْ لحادي المطيِّ رفقاً قليلاً
يجعلُ العيسَ سيرهنَّ ذَميلا
لا تسقها على السبيلِ ودعها
يهدها شوقُ من عليها السبيلا
بلادٌ بها حلَّ الشّبابُ تمائمي
وأول أرض مسَّ جلدي ترابها
ومُشتت العزماتِ لا يأوي إلى
سَكنٍ ولا أهلٍ ولا جيرانِ
ألِفَ النوى حتى كا،َّ رحيلَهُ
للبينِ رحلتهُ إلى الأوطانِ
رُحتُ يومَ الفراقِ أضحكُ حُزناً
ولفيضِ السرورِ يبكي المُروعُ
وكذا في اللقاءِ أبكي هناءً
ولفرطِ السرورِ تهمى الدموعُ
ولقد ندمتُ على تفرّقِ شملنا
دهراً وفاضَ الدمعُ من أجفاني
ونذرتُ إن عاد الزمانُ يلمنا
لا عدت أذكر فرقة بلساني
هجمَ السرورُ عليَّ حتى أنّهُ
من فرطِ ما قد سرّني أبكاني
يا عينُ صارَ الدمعُ منك سجيّة
تبكينا من فرحٍ ومن أحزانِ
يا ربعُ مالكَ لا تُجيبُ مُتيّماً
قد عاجَ نحوكَ زائراً ومُسلّما
جادتكَ كلُّ سحابةٍ هطّالةٍ
حتى ترى عن زهرهِ مُتبسما
لو كنت تدري من دعاكَ أجبتهُ
وبكيت من حُرقٍ عليهِ إذاً دما
يا نسيماً هبَّ من وادي قبا
خبرينيكيف حال الغربا
كم سألتُ الدهرَ أن يجمعنا
مثل ما كنا عليه فأبى
لا تُعِدْ قصةَ الفراقِ كثيراً
وتسلَّ عنها تجد فؤادكَ سالي
رُوِّعتُ بالبينِ حتى ما أُراعَ لهُ
وبالمصائبِ في أهلي وجيراني
لم يترك الدهرُ عِلقاً أضنُّ بهِ
إلا اصطفاني بنأيٍ أو بهجرانِ
رُوِّعتُ حتى ما أُراعُ من النوى
وإن بانَ جيرانٌ عليَّ كرامُ
فقد جعلتْ نفسي على النأي تنطوي
وعيني على فقدِ الحبيبِ تنامُ
لَعمرُكَ ما الهجرانُ أن تبعدَ النوى
بإلفينِ دهراً ثمَّ يلتقيان
ولكنّما الهجرانُ أن تجمعَ النوى
ويُمنعُ مني من أرى ويراني
وما زلت مذ شطّت بك الدارُ باكياً
أُؤمل منك العطف حين تؤوبُ
فأضعفت ما بي حين أُبتَ وزدتني
عذاباً وإعراضاً وأنتَ قريبُ
ومن ينأى عن دارِ الهوى يُكثر البكا
وقولَ لعليَّ أو عسى سيكونُ
وما اخترتُ نأيّ الداترِ عنك لسلوةٍ
ولكن مقاديرٌ لهنَّ شؤونُ
ليسَ ارتحالُكَ ترتادُ الغنى سفراً
بل المُقام على خَسفٍ هو السفر
لمّا أناخوا قُبيلَ الصُبحِ عيسهمُ
وحملّوها وسارتْ بالهوى الإبلُ
وقلّبتْ من خلالِ السّجفِ ناظرها
ترنو إليَّ ودمعُ العينِ منهملُ
وودّعتْ ببنانٍ عَقدهُ عَنَمٌ
ناديتُ لا حملتْ رجلاكَ يا جملُ
ويلي من البينِ ماذا حلَّ بي وبها
يا نازحَ الدار حلَّ البينُ وارتحلوا
يا راحلَ العيسِ عرّجْ كي أوّدعهم
يا راحلَ العيسِ في ترحالكِ الأجلُ
إنّي على العهدِ لم أنقض موّدتهم
يا ليتَ شعري بطولِ العهدِ ما فعلوا
غريبُ الدارِ ليسَ لهُ صديقٌ
جميعُ سؤالهِ:كيفَ الطريق؟
تعلّق بالسؤالِ بكلِّ شىءٍ
كما يتعلقُ الرجلُ الغريقُ
أزِفَ الفِراقُ فأعلني جزعاً
ودعي العتابَ فإننا سَفرُ
إنّ المُحبَّ يصدُّ مقترباً
فإذا تباعدَ شفّهُ الذِكرُ
مامنْ غريبٍ وإن أبدى تجلّدهُ
إلا تذكرَ عند الغربةِ الوطنا
إذا ما قفلنا نحو نجدٍ وأهلِهِ
فَحسبي من الدنيا قفولي إلى نجدِ
وباكيةٍ للبينِ قلتُ لها اصبري
فللموت خيرٌ من حياةٍ على عُسرِ
سأكسبُ مالاً أو أموت ببلدةٍ
يقلّ بها فيض الدموعِ على قبري
كأن لم يكنْ بينَ الحجونِ إلى الصّفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامرُ
بل نحن كنّا أهلها فأبادنا
صروفُ الليالي والجدودُ العواثر
فصرنا أحاديثاً وكنّا بغبطةٍ
كذلكَ عضّتنا السنونُ الغوابرُ
لولا الدموعُ وفيضهنَّ لأحرقتْ
أرض الوداعِ حرارةُ الأكباد
يُسرُ الفتى وطنٌ لهُ
والفقرُ في الأوطانِ غربة
إنّ الغريبَ إذا ينادي موجعاً
عند الشدائدِ كانَ غير مُجابِ
فغذا نظرتَ إلى الغريبِ فَكنْ لهُ
متراحماً لتباعدِ الأحبابِ
ودواءُ مالا تشتهيه
النفسُ تعجيلُ الفراق
إنّ الغريبَ ولو يكون ببلدةٍ
يُجبى إليه خراجها لغريبُ
وأقلّ ما يلقى الغريبُ من الاذى
أن يستذلّ وقولهُ مكذوبُ
أزِفَ الرحيلُ فحينَ جدَّ ترحلّتْ
مهجُ النفوسِ لهُ عن الأجسادِ
من لم يبتْ والبينُ يصدعُ قلبهُ
لم يدرِ كيفَ تفتتُ الأكبادِ
مددتُ إلى التوديعِ كفّاً ضعيفةً
وأخرى على الرّمضاءِ فوق فؤادي
فلا كانَ هذا آخرُ العهدِ منكمُ
ولا كانَ ذا التوديع آخر زادي
بلادي وإن جارتْ عليَّ عزيزةٌ
وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كرامُ
أما الخيامُ فإنّها كخيامهم
وأرى نساءَ الحيِّ غير نسائها
ذكرتُ بلادي فاستهلّت مدامعي
بشوقي إلى عهد الصّبا المتقادمِ
حننتُ إلى أرضٍ بها اخضر شاربي
وقطع عني قبل عقد التمائمِ
شخوص الفتى عن منزل الضيم واجب
وإن كان فيه أهلهُ والأقارب
وللحرِّ أهل إن نأى عنه أهله
وجانب عزّ إن نأى عنه جانب
ومن يرض دار الضيم داراً لنفسه
فذلك في دعوى التوكل كاذب
كفى حزناً أني مقيمٌ ببلدةٍ
أخلايَّ عنها نازح فبعيد
أُقلّبُ طرفي في الديارِ فلا أرى
وجوه أحبائي الذين أريد
قريشي منكمُ وهوايَ معكم
وإن كانت زيارتكم لِماما
ألا يانخلة من ذاتِ عِرقٍ
بَرودِ الظلِّ شاعكم السلام
تذكرَ نجداً والحديث شجون
فَجُنّ اشتياقاً والجنونُ فنونُ
وما الدهرُ إلا هكذا فاصطبر له
رزيئة مالٍ أو فراقُ حبيبِ
والقَطرُ منهملٌ يسّحُ كأنّهُ
دمعُ المودّع إثرَ إلفٍ سائرِ
فيا وجدَ قلبي يوم أتبعتُ ناظري
سليمى وجادتْ بعدها عبراتي
أُلامُ على فيضِ الدموعِ وإنني
بفيضِ الدموعِ الجاريات جديرُ
أيبكي حَمامُ الأيكِ من فقدِ إلفهِ
وأصبرُ عنها إنني لصبورُ
وما زلتُ أقطع عَرضَ الفلاة
من المشرقين إلى المغربين
وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً
وأستمطرُ الجَديَ والفرقدين
وأطوي وأنشرُ ثوبَ الهموم
إلى أن رجعتُ بِخُفيِّ حنين
فقيراً وقيراً أخا عُسرةٍ
بعيداً من الخيرِ صفرَ اليدين
كئيبَ الصديق بهيجَ العدو
طويل الشّقاءِ زاني الوالدين
ولو قضى الله للمنونِ بحتفٍ
صيّرَ البينَ للمنونِ مَنونا
بلدٌ طابَ لي بهِ الأنسُ حيناً
وصفا العَودُ فيهِ والإبداءُ
فسقت عهده العهادُ وروّت
منهُ تلكَ النوادي الأنداء
ولنا بهاتيك الديارِ مواسمٌ
كانت تُقامُ لطيبها الأسواقُ
فأباننا عنها الزمانُ بسرعةٍ
وغدتْ تُعللنا بالأشواقِ
ناداهما بفراق بينهما الزمان فأسرعا
وكذاك لم يزل الزمانت مفرقاً ما جمعا
أحِنُ إذا خلوتُ إلى زمانٍ
تقضّى لي بأفنية الربوع
وأذكرُ طيبَ أيامٍ تولّت
لنا فتفيضُ من أسفٍ دموعي
لم أنسَ يومَ الوداعِ موقفها
وطرفها من دموعها غرق
وقولها والركاب سائرة
تتركنا هنا وتنطلق
نأت دار ليلى وشطّ المزار
فعيناك ما تطمعان الكرى
ذراني من نجدٍ فإنَّ سِنينهُ
لعبنَ بنا شِيباً وشيّبنا مُردا

من شوارد الشواهد ـ شعراء الشام في العصر الحديث

من شوارد الشواهد

الجزء الثاني والعشرين

شعراء الشام في العصر الحديث

بدوي الجبل

بدوي الجبل يرثي إبراهيم هنانو:

أغفى أبو طارقبعد السُّهادِ به
وخلّفَ الهمَّ والبلوى لمن سهدوا
ضاوٍ من السُّقمِ ضجّتْ في شمائله
عواصفُ الحقّ والأمواجُ والزبدُ
إذا أُثيرَ نضا عنه مواجعه
كما تفلّتَ من أشراكه الاسدُ
يروع في مقلتيهِ بارق عجب
وعالم عبقري السحر منفردُ
يُغالب البشر أسقاماً نزلن به
أبى له الكبرُ أن يأسى لها أحدُ
داءٌ ملحّ ونفسٌ لا تذلُّ له
حرب تكافأ فيها اليأس والعدد
تلك البشاشة أبلى الداءُ نضرتها
فراحَ يلمحُ في نعمائها الكمدُ
لا يبعد الله أحباباً فُجعت بهم
وما علالة قلبي بعدما بعدوا
أذكىأبو طارقفي الشرق جمرتها
حمراء تلتهم الجُلّى وتزدردُ
إذا ونتْ وهتفنا باسمه جمعت
تعيدُ سيرتها الأولى وتطرّدُ
فذكره الأملُ الهادي إذا انتبهوا
وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا

بدوي الجبل:
حيِّ عنّي سعدا وقبّل مُحيّا
وأبا أسعد سقته دموعي

كالضحى باهر السنى مرموقا
وسليمان”والنديم” الصدوقا
واسق(قدري) و(عادلا) و(جميلا)
من حنيني طيبَ الهوى والرحيقا
واشكُ حزني(لمظهر) و(نجيب)
راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبورِ الغوالي
ويوفّى قبر الكريم الحقوقا

في الثرى من أحبّتي ولِداتي
ظفر أبلج وفتح جليل
نزلت بالقبور أسمى اللبانات
وطاف الرجاء والتأميل
شامةُ الفتح نام(فارسك) النجد
وحقّ الوفاءُ أن يستفيقا
سبقتهُ أحبابه للمنايا
فرحمت المُجلّى المسبوقا
ونعم عدت(للعقيق)
ولكن فارق الأهل واللدات(العقيقا)

وفاؤُكَ،لا عُسر الحياة ولا اليُسرُ
وهمُّكَ لا الداءُ الملّح ولا العمرُ
تأبى الشماتةَ في الضعيفِ شمائلي
وأنا الذي وسع الهموم حنانه

وتعفُ عن شِلوِ الجراحِ صفاحي
وبكى لكلِّ معذب ملتاح
أشقى لمن حملوا الشقاء كأنّما
أتراحُ كل أخي هوى أتراحي

في غربة أنا والإباءُ المرّ والأدبُ اللباب
طود أشمّ فكيف ترشقني السهام ولا أصاب
يخفى البُغاثُ فلا تلم به ولا يخفى العقاب
الكبرُ عندي للعظيم إذا تكبرَ لا العتاب
لا تشك من قصر الحياة فربما
أغنت إشارتها عن الإيضاح
سفر الحياة إذا اكتفيت بمتنه
أغناك موجزه عن الشراح
وأخر لنفسك ميتة مرموقة
بين النجوم على الأديم الصاحي

زهوةُ الفتحِ والشّبابِ النجيدِ
من سقى الفجرَ من دماءِ الشهيدِ
كبريائي فوق النجوم،ولولاها
طبعي الحب والحنان فما أعرف

لما كنت بالنجوم خليقا
للمجد غير حبّي طريقا
يُعذرُ الحر حين لا يُخطىء العزم
وإن كان أخطأ التوفيقا

يا لَنسرٍ تقحّمَ الشمس حتى
ملَّ عِزَّ الشموسِ والتحليقا
يطوي الزمان النابغين فينطوي
لذهابهم أمم ويهلك جيل
والناسُ أسياف،فمنها مُغمد
صدىء،ومنها الصارم المسلول
لا تنكروا حقّ الحياةِ لأمّة
فيها النبوغُ على الحياةِ دليلُ
ما قلّ فينا النابغون وإنّما
عدد الأولى قدروا النبوغ قليل

وما أكبرت نفسي سوى الحقِّ قوة
وإن كان في الدنيا له النهي والأمرُ
أيُّها الكافرونَ هذي دموعي
من رسالات وحيها الإيمان
أيها المذنبون هذا فؤادي
من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في
دنيا أساه ويهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على
البعث ومنها المدّله السهران

من همومي ما يغمر الكون بالعطر
ومنها مزاهر وقيان
وهمومي معطرّات عليها
من شبابي الطموح والريعان
كالغواني،لكلِّ عذراء لون
من جمال ونفحة وافتنان
يا صاحب النصر في الهيجاء كيف غدا
نصر المعارك عند السّلم خذلانا
ترى السياسة لوناً واحداً ويرى
لها حليفُك أشكالاً وألوانا
لا تسأل القوم إيماناً مزوّقةً
فقد عيينا بهم عهداً وأيمانا
أكرمت مجدك عن عتب همت به
لو شئته أوسعتهُ جهراً وتبيانا

تطوفُ عينُكَ في الزوراءِ سائلةً
عن الحبيبِ الذي ولّى وتفتقِدُ
رب!نعماك أن تنضّر قلبي رب!
قلبي زيّنتهُ لحميّاك

بِمحيّاكَ فهو صاد محيل
فمُر تنسكب بقلبي الشمول
هيئت في سريرتي لك ربي
سدرة المنتهى وطابَ النزولُ
جوهرُ القلب وهو إبداع كفّيك
على ما بهِ كريم أصيل
وبقلبي رضوان يهفو لمرآك
وندى سريرتي جبريلُ

بدوي الجبل:
إذا تبلّجَ فجرُ النصرِ بعدَ دجى
وقرَّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاعُ على صمت بطولته
وجرجرت ناقة واستأسدت نقد
سكبتُ في الكأسِ أشجاني فتلكَ يدي
من عبءِ ما حملتهُ الكأسُ ترتعدُ
أين الذوائب من قومي وما اقتحموا
من الفتوحِ وما حلّوا وما عقدوا

هواجسي فيك إيمان وغالية
وأنجم وفراش تعبّد اللهبا
وسالفات رؤى حين اشتهيت لنا
في …

السمراء والكثبا
ما شكتْ جرحها على البُعد إلا
رفَّ قلبي على الجراحِ يسيلُ
ولثمتُ الجراحَ فهي ثغور
يشتهي عطورها التقبيل
هادرات بخطبة المجد بتراء
ويؤذي البلاغة التطويلُ
حلف القيد أنّهُ من نضار
كلُّ قيد على الرقابِ ثقيلُ

بدوي الجبل:
فوارحمتاه للنائمينَ على الطوى
تهدّهم الصحراءُ هدّاً وللردى

وأتخم من قتلاهم الذئب والنسر
سلاحان في البيد:الهواجرُ والقرُّ
ولا ماء إلا ما يزوّره بها
سراب نديّ اللمحِ منبسط غمرُ
إذا سقطوا صرعى الجراحِ تحاملوا
على أنفسهم واستؤنف الكرُّ والفرُّ
ولو آثروا الدنيا لقد كان جاهها
تليداً لديهم والقسامة والوفرُ

بدوي الجبل:
غرّبتنا العلى قبوراً وأحياء
واغتراب القبور من حيل الموتِ

وعاثت بشملنا تفريقا
ليخفى كنوزه والعلوقا
تسمع الرّيح حين تُصغي حنيناً
من فؤادي على الثرى وشهيقا
ما لقومي غالَ الحِمامُ فريقاً
منهم والعقوق غالَ فريقا
ظلم الكنز أهله فتمنّى
أن يكون المُبدّد المسروقا

لا ترقبوا مني تناسي عهدكم
إنَّ الوفاءَ المحضّ من أخلاقي
أنا كالحُسام إذا جلاهُ صاقل
يزدادُ إشراقاً على إشراقِ
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة
إنَّ الندامى على عهد الحبيب بهم

للشاربين وهذا الشاعر الغرِد
لا جانبوا النشوة الكبرى ولا زهدوا
لا أوحش الله قلبي من مواجعه
ولا شفى الله جرحاً في سريرته

ولا تحوّل عن نعمائها الحسدُ
نديان ينطف منه الخمرُ والشّهدُ
فجرّت قلبي رثاء ما وفين به
حقّ للزعيم قواف كالضحى شردُ
الناقلات إلى الأجيالِ ما ظلموا
من الأباة وما راعوا وما اضطهدوا

سرُّ السعادةِ في الدنيا وإن خَفيتْ
تجلوهُ منكَ على الأكوانِ عينانِ
حوّطتُ بالله العقيدة من أذىً
خرقاء فاجرة اليمين وقاحِ
سكرت على كرم النديِّ وعربدت
فاليوم لا خمري ولا أقداحي
لهو العيون ولا أقول قذاتها
وكل تكلّف زهوة المجتاحِ
مترنّح العطفين من خيلائه
ماذا تركت لغارة وكفاحِ

رُبَّ فتح ترويه للدهرِ
أشلاءُ فتاة وصارم مغلول
ويا رب عند القبر قبر محمد
بجمرِ هوى عند الحجيج لمكّة

دعاءُ قريح المقلتينِ سليب
ونبع على طهر المقام سكوب
بشوق على نغماه ضمّ جوانح
ووجد على ريّاه زرّ جيوب
ترفّقْ بقومي واحمهم من ملّمة
وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى

لقد نشبت أو آذنت بنشوب
فقد ترجع الأحلام بعد عزوب
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند
من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

ولقد يُرّجى السيفُ وهو ملثّم
ولقد يُهابُ الليث وهو مُصفّد
ألمّت بي الأيام حمراً نيوبها
فما شابَ لي قلب ولا شابَ لي شعر
دروبُ العلى للسالكين عديدة
وأقربها للغاية الموحش الوعر
فلا تقنطوا من غاية المجد لا يرى
لها العقل إمكاناً فقد ينبع الصخر

لا تغرّنكَ ضحكة من حزين
ضحكات البروق سرّ الرعود
مقلتي يستحمُّ في دمعها الطيف
وتحنو فلا يموت غريقا
ينزلُ الجرح من فؤادي على الحُبِّ
ويلقى التدليل والتشويقا

وأُسِرُّ الشكوى حياءً وكبراً
رُبَّ شكوى إسرارُها إعلانُ
الله يعلمُ ما أردت شماتة
بمصرعين من العياء وطلاح
تأبى الشماتة في الضعيفِ شمائلي
وتعف عن شلوِ الجريحِ صفاحي

خيرُ العقائد في هواي عقيدة
شمّاء ذات توثّب وجماح
حملته هفهافة العطر نشوان
إلى جنّة الخيال البعيد
همدت ثورة الشهيد وقرّتْ
يا دوياً مجلجلاً في الهمود

تبني الحياة على هدى إيمانها
والعقلُ مثبت غيرها والماحي
ما للمنيةِ أدعوها وتبتعدُ
أمرُّ من كلّ حتف بعضُ ما أجدُ
ظمآن أشهدُ وِردَ الموتِ عن كثبٍ
والواردون أحبائي ولا أرِدُ
عللّتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسى
بالجمرِ من نفحاتِ الجمرِ يبتردُ

كبريائي فوق النجوم ولولاها
لما كنتُ بالنجومِ خليقا
إن سيفاً أرداكَ غدراً
لم يذد في الوغى عدواً ولم

لهو بين الظُبى دعيّ دخيل
يهززه في الروعِ ساعد مفتول
مغمد في معارك الحق ناب
وعلى الحقِّ مصلت مصقول
شاهت العرب تحت كل سماء
حين أغضت وشلوك المأكول

قد كان لي أرب طاح الزمان به
فيا شقاء فتى يحيا بلا أرب
وكان لي مقول كالسيفِ مُنصلتا
فحطمَ الظلم حدّ المقول الذرب
لا ترقبوا مني تناسي عهدكم
إنَّ الوفاء المحضّ من أخلاقي
أنا لست أخلف بالنوى ميثاقكم
أو تخلفون على النوى ميثاقي
ويريق أدمعي الصدود وإن يكن
دمعي لهول الموت غير مُراقِ
أنا كالحسام إذا جلاه صاقل
يزداد إشراقاً على إشراقِ

جمرة الحقد في السرائر لولا
ذل أصحابها لشبّتْ حريقا
قد أرقدنا دمائنا فسلوه
أي دمع من مقلتيه أريقا
يقولون:جَدُّ اليعربيين نائم!
لقد وهموا،فالسعيُ لا الجدُّ نائمُ
وما الناسُ إلا اثنان مهما تخالفوا
ميولاً:فمهزومٌ ضعيفٌ وهازِمُ
وما الحقُّ إلا للقويُّ،ولا العلى
لغيرِ الذي يغشى الوغى وهو يُصادمُ
فقلْ لضعيفٍ راح يسأل رحمة:
رويدكَ،ما للضعيفِ في الناسِ راحِمُ

شَفّعتُ عندكَ حُبّي في مواجعهِ
وما تمزّق من قلبي وما سلبا
أخفيت ظلمكَ عن نفسي لأرحمها
ثم ابتدعتُ له الأعذار والسيبا
عندي الوسيم من الغفران أسكبه
عطراً على كل مت آذوا ومن حقدوا
أكبرتُ عن أدمعي من كان مضطهداً
ورحتُ أبكي لمن يطغى ويضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها
لولا الذي زرعوا بالأمسِ ما حصدوا

يروعني العيدُ ديّاناً لأمتهِ
من أغضبَ العيدَ حتى صارَ ديّانا
تغرّبَ العيد في قومي وأنكرهم
على الميادين أحراراً وعبدانا
يشكى إليك وأنت رهن منيّة
وتزارُ في عنتِ الخطوبِ وتُقصدُ
ولقد يُرّجى السيفُ وهو مُلثمٌ
ولقد يُهابُ الليثِ وهو مُصفّدُ
فاذهب كما ذهبَ الربيعُ على الربى
منهُ يد وعلى القلوبِ له يدُ

وما لمحتُ سياطَ الظلم دامية
إلا عرفت عليها لحم أسرانا
ولا نموت على حدّ الظبى أنفاً
حتى لقد خجلت منا منايانا
لا تسلها،فلن تُجيب الطلولُ
المغاويرُ مثخنٌ أو قتيلُ
موحشاتٌ يطوفُ في صمتها الدهرُ
فللدهرِ وحشةٌ وذهولُ
غابَ عند الثرى أحبّاءُ قلبي
فالثرى وحدهُ الحبيبُ الخليلُ

وما رضيت جزاء مودتكم
لا يعدم الحرّ أقواتاً وأكفانا
طفْ بقلبي تجد به ألف دنيا
لا يُلاقي الشقيقُ فيها الشقيقا
سكنتهُ الشموس من كلِّ أفق
وتحدى أشتاتها أن يضيقا
حفي الفكر في عوالمها الفيح
ولم يبلغ المكان السحيقا
كل أفق تضيق فيه أسيراً
سعة الأفق أن تكون طليقا

ننضّر البؤس عند البائسين منى
والعقلُ عاطفة والثكل إيمانا
وكلُّ ذنبٍ سوى الطغيان ننزله
على جوانحنا حُبّاً وغفرانا
وهَمُّ كلُّ عفاةِ الأرض نحملهُ
كأننا أهلهُ هماً وحرمانا
نشاركُ الناس بلواهم وإن بعدوا
ولا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّتْ محبتنا الأشتاتَ واتسعتْ
تحنو على الكونِ أجناساً وأديانا

لوعةُ الحرّ حين أفرده الدّهر
فمن يتقيه حين يصول
وما رضيت بغير الله معتصماً
ولا رأيت لغير الله سلطانا
ولا عكفتُ بقرباني على صنم
أكرمت شعري لنور الله قربانا
قلب شكا للخيال السمح وحشته
فراح يغمره نعمى وأشجانا

شامةُ الفتح نام فارسك النجد
وحقّ الوفاء أن يستفيقا
سبقتهُ أحبابهُ للمنايا
فرحمت المجلّى المسبوقا
غاب عند الثرى أحبّاءُ قلبي
فالثرى وحده الحبيب الخليل
وسقوني على الفراق دموعي
كيف يروى من الجحيم الغليل
خيّمتْ وحشةُ الفراغ على ال
أحياء فالقبرُ وحده المأهول
إن ّ موت العظيم محنة تاريخ
ودنيا تفنى وكون يزول

صلى الإله على قبر يطوف بهِ
كبيتِ بكة من حجّوا ومن قصدوا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين
فالأصيلُ العتيق يأنفُ شوطاً

سمّواً بحقّنا ووثوقا
لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقاً
ذل شوط يكون بين البراذين
فلا سابقاً ولا مسبوقا
لم تُحمحم تختال بالحسن والقوة
بل حمحمت تريد العليقا
ما نزلنا عن السروج عياء
ولنا السبق فامسحوا غرر

لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا
الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا

ومن الهونِ أن يُقيم كريم
في مكانٍ هانتْ به الكرماء
يا صاحب التاج دنيا الله ما عرفت
لم يقبل الله إلا في محبتكم

إلا عمائمكم في الشرقِ تيجانا
يا آل فاطمة إسلاماً وإيمانا
غنيّتُ جدّكَ أشعاري ونُحتُ بها
في مصرعِ الشّمسِ إعوالاً وإرنانا
أصفيتُ آل رسول الله عاطفتي
وكنتُ شاعركم نعمى وأحزانا
وما رضيتُ جزاءَ مودّتكم
لا يعدمُ الحرُّ أقواتاً وأكفانا

إذا الحرُّ لم تخلطهُ بالحُرِّ شيمة
فخيرٌ من الدنيا وسكانها القبرُ
نغماتُ عُودي لا تُملُّ لأنها
نغماتُ عودي لا تُملُّ لأنها

شعرٌ يفيضُ عواطفاً وشعوراً
لغةُ الملائك إذ تُناجي الحورا
همست بها الأرواحُ في ملكوتها
شدّواً أرقّ من الصبا وزفيرا

بدوي الجبل:
يا لِدات الشّباب لو ينفع الد
مع جزتكم مدامعي والعويل
وكهولاً أبلت شبابهم الجلّى
فهم في الصبا الوسيم كهولُ
روّعت سربنا المنايا وأمّ
المجدِ في الغوطتينِ أمّ ثكولُ
راعَ قلبي الرحيل حتى تولّيتم
فأشهى المنى إليَّ الرحيلُ
لوعتي ـ والثرى يهال عليكم ـ
كوفائي،مقيمة لا تحولُ
لوعةُ الحرّ حينَ أفردهُ الدهرُ
فمن يتقيه حينَ يصولُ
وأناجي قبوركم أعذب النجوى
وأشكو معاتباً وأطيلُ
وكأنّ القبور تسمع شكواي
وتدري حصباؤها ما أقول

بدوي الجبل:
لا يبعد الله أحباباً فُجعت بهم
وما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة
تقيّلوا الرمل في الصحراءِ واتسدّوا
تلكَ الجسوم التي حزّ الحرير بها
حريرها في العراء الموحش الزرد
صادين للموت إيماناً وموجدة
فكلّما لاحَ منه منهل وردوا
على الصحاصح هامات معطرّة
وفي الرمالِ بنان أفردت ويدُ
في كلِّ منزلة قبر تلمّ بهِ
هوج الرياح وينأى الأهلُ والولدُ
مشتتين فمن أجسادهم مِزق
على الا>يمِ ومن مُرّانهم قصدُ
مصارع بعطور الحقّ زاكية
كأنّما سكبوا فيها ما اعتقدوا
حنا السرابُ عليها وهي ظامئة
حرّى الجوانحِ لا غمر ولا ثمدُ
بِموحش من رمالِ البيدِ مُنبسط
يضلّ في شاطئيهِ الصبر والجلدُ
مسحت دمعي من ذكراهم بيدٍ
وأمسكتُ كبدي ألا تذوب يدِ




يُعذَرُ الحُرُّ حينَ لا يُخطىءُ العَزمَ
وإن كانَ أخطأ التوفيقا
لم يُرْدِهِ ألفُ جُرحٍ من فواجعهِ
إن نحملُ الحزنَ لا شكوى ولا مَللٌ

حتى أُصيبَ بسهمٍ منكِ أرداهُ
غدرُ الأحبّةِ حُزنٌ ما احتملناهُ
ليتَ الذينَ وهبناهمْ سرائرَنا
في زحمةِ الخَطبِ أغلوا ما وهبناهُ
حسبُ الأحبّةِ ذُلاً عارُ غَدرِهِمُ
وحسبنُا عِزّةً أنا غفرناهُ
صحا الفؤادُ الذي قَطّعتهُ مِزقاً
حرَّى الجِراحِ ولَملمنا بقاياهُ

ولا فوقَ نعماءِ المحبّةِ جَنّةٌ
ولا فوقَ أحقادِ النفوسِ جحيمُ
هوَ الحُبُّ حتى يُكرِمَ العُدْمَ موسرٌ
ويأسى الأحزانِ الغنيّ عديمُ
وهيهاتِ ما لومُ الكريمِ سَجيّتي
ولا بُغضهُ عندَ الجَفاءِ نصيبي
نقلتُ إلى قلبي حياءً وعِفّةً
أساريرَ وجهي من أسىً وقُطوبِ
وعَرَّتني الأيامُ ممّنْ أُحبّهمْ
كأيكٍ ـ تحاماهُ الربيعُ ـ سليبِ

عَلَّلتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسىً
بالجمرِ من نفحاتَ الجمرِ يبترِدُ
وللمجدِ أعباءٌ ولكنّها مُنىً
وللمكرُماتِ الغالياتِ هُمومُ
وخاصمني من كنتُ أرجو وفاءَهُ
وللشمسِ بَينَ النيِّراتِ خصومُ

ورُبَّ بعيدٍ عنكَ أحلى من المنى
ورُبَّ قريبِ الدارِ غيرُ قريبِ
يُلاقي العظيمُ الحقدَ في كلِّ أُمّةٍ
فلمْ ينجُ من حِقدِ الطَّغامِ عظيمُ
ويقذى بِنورِ العبقرية حاسدٌ
ويخزى بمجدِ العبقريّ لئيمُ

لَعَمرُكَ للِضعفِ الخفاءُ وكيدُهُ
وللقوّةِ الكبرى الصراحةُ والجهرُ
إنّي لأرحمُ خصمي حينَ يشتمني
وكنتُ أُكبرهُ لو عَفَّ منتقدا
قرّتْ عيونُ العدى والأصفياء معاً
فلستُ أملِكُ إلا العِطرَ والشّهدا

أرُدُّ رشقَ الظُبى عن مهجتي بيدٍ
وتَمسحُ الدّمعَ من نَزْفِ الجراحِ يدُ
سبحان من أبدع الدنيا فكانَ لنا
أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا
ولا نعيما ولا حورا وولدانا
يفنى الجميع ويبقى الله منفرداً
فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له
وسوف يشكو الخلود المرّ أبقانا

سكبتُ في الكأسِ أشجاني فتلكَ يدي
من عبءِ ما حملتهُ الكأسُ ترتعِدُ
أكُلّما أنَّ أخو لوعة
أكُلّما ناحَ محبّ أسى

كلّفتني الحزن وطول الأنين
حشرتني في زمرة النائحين
أكُلّما مرّتْ على خاطري
أشقى مع الأيتام مستعبرا

صورة بؤس رحتُ في البائسين
وأسهر الليل مع العاشقين
كتبت آيات العذاب الأليم
غضون همّ فوق هذا الجبين
تتُلى ولا يُخطئها قارىء
فيا لآيات الأسى

والخيرُ في الكونِ لو عَرَّيتَ جوهرهُ
رأيتهُ أدمُعاً حرّى وأحزانا
عندي كنوزُ حنانٍ لا نفاذ لها
أنهبتها كُلَّ مظلومٍ ومقهورِ
أعطي بذلّة مقهور فوالهفي
لسائلٍ يغدق النعماء منهور

والحزنُ في النفسِ نبعٌ لا يَمرُّ بهِ
صادٍ من النفسِ إلا عادَ رَيّانا
أرخصتُ للدمعِ جفني ثم باكرَهُ
في هدأةِ الفجرِ طيفٌ منكِ أغلاهُ
وأسكرتني دموعي بعدَ زَورتهِ
أطيفُ ثغرِكِ ساقاها حُميَّاهُ
طيفٌ لشقراءِ كأسٍ من متارفهِ



لو لم أصنُهُ طغى وجدي فَعرَّاهُ

يشهدُ الله ما بقلبيَ حقدٌ
شَفَّ قلبي كما يشفُّ الغديرُ
غَمَرتِ قلبي بأسرارٍ مُعطرةٍ
وما امتحنتُ خفاياهُ لأجلوها

والحبُّ أملَكهُ للرُّوحِ أخفاهُ
ولا تمنيتُ أن تُجلى خفاياهُ
الخافقانِ ـ وفوقَ العقلِ ـ سِرُّهما
كلاهما للغيوبِ:الحبُّ واللهُ
كلاهما انسكبتْ فيهِ سرائرُنا
وما شهدناهُ لكنّا عبدناهُ


لقد ساءني غاد عليه ورائحُ
فمن كبدي فوق الثرى قطع همر
ولو قدرت صانته عيني كرامة
كما صين في أغلى خزائنه الدرّ
ضلَّ الذي زعم الأنام عن القديم تقدّموا
الناسُ في كلِّ العصورِ كما علمت همُ همُ
يشقى الضعيفُ ويستبدُّ به الكميُّ المعلم
وتحلّل الأطماع ما تختارهُ وتُحرِّمُ
دولٌ تدولُ وغيرها تُبنى على أنقاضها
وممالك مرضت فحارَ الطبُّ في أمراضها
قُصّت قوادمها فمن يحنو على منهاضها
ترمي الليالي الخطوب ونحن من أغراضها

سيذكرني بعد الفِراقِ أحبّتي
ويبقى من المرءِ الأحاديثُ والذِكرُ
ورودُ الرُّبى بعدَ الربيعِ بعيدةٌ
ويُدنيكَ منها في قواريرهِ العِطرُ
طاحَ الزمانُ بإخواني وأوردهم
على الحتوفِ فلا عينٌ ولا أثر
أصبحتُ بعدهم حيران منفرداً
والريح معولة والليل معتكر
أحنو على كلِّ قبر من قبورهم
أبكيه حتى بكى من لوعتي الحجر

بدوي الجبل:
عدنان عندك في النعمى ولي كبد
أحبابنا في جنان الله قد نعموا

عليه بالجمر والأحزان يتقدّ
لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا
هشّوا إلى ابن أخيهم وهو بينهم
بحاليات صباه كوكب يقد
يا للنجوم قديمات السّنى نزلت
على قراها نجوم طلّع جدد

وأقعدني عنكَ الضنى فبعثتها
شوارد شعر لم ترع بضريب
وترشدها أطياب قبرك في الدُّجى
فتعصمها من حيرة ونكوبِ
وعند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناءِ كسوب
أدعو قبور أحبائي لتسمعني
قبر بضاحية الشهباء طاف به

وهل تُجيبُ دعاءَ الثاكل الحفر؟
فلملم الطيب من حصبائه السحر
واستودعت حمص قبراً لو مررت به
لَهشَّ لي منه حب مترف عطر
ولي قبور على الفيحاء غافية
زوارها الطيرُ والأشواقُ والقمرُ

لا تسلها فلن تُجيب الطلول
ألمغاوير مثخن أو قتيل
موحشات يطوف في صمتها
الدهر،فللدهرِ وحشة وذهول
غاب عند الثرى أحبّاء قلبي
فالثرى وحدهُ الحبيبُ الخليل
ما نزلنا عن السروج عياء
لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا
ولنا السّبقُ فامسحوا غرر
الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا
أيها الزاعمون أنّا فرقنا
صائد الليث لا يكون فروقا
كيف يرمى بالخوف من زحم
الأسد وأعيا أنيابها والحلوقا

الليلُ بعد الراحلينَ طويلُ
أو ما لصبغكَ يا ظلامُ نصولُ
يطوي الزمانُ النابغينَ فتنطوي
لذهابهم أمم ويهلك جيلُ
ولَرُبَّ نعش غابَ في طياته
فتحٌ أغرّ وموطنٌ وقبيل
شَببنا على محضِ الوفاءِ وصفوه
وحب رمته في اللهيب لصهره

كذلكَ آبائي وآباؤكم شبّوا
صروف الليالي والقطيعة والذنب
وكأس تساقينا ثلاثين حجّة
عذوبتها طبعٌ وتقطيبها كسبُ
أشمُّ عبيراً من ترابك عاطراً
أمنك استعار العطر والنضرة التراب
قحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا
وجادته بالسّقيا يمينك لا السّحبُ

تَقسَّمَ الناسُ دُنياهُمْ وفتنتَها
وقد تَفرّدَ من يهوى بِدنياهُ
ما فارقَ الرِيُّ قلباً أنتَ جذوتهُ
ولا النعيمُ مُحبّاً أنتِ بلواهُ
يا فتنة الدنيا يذُمّك معشرٌ
والحقُّ كلّ الحقِّ في أن يحمدوا
ألهب نبوغك في الحياة وحبّها
وأنا الضمينُ بأنّهُ لا يخمدُ
الكنز بين يديك فانثر درّه
إني أراه يزيدُ حين يبدّدُ

إنَّ موتَ العظيمِ محنةُ تاريخٍ
ودنيا تفنى وكونٌ يزولُ
تأنَّقَ الدوحُ يُرضي بُلبلاً غَرِداً
يطيرُ ما انسجما حتى إذا اختلفا

من جَنَّةِ الله قلبانا جناحاهُ
هوى،ولم تُغْنِ عن يُسراهُ يُمناهُ
الخافقانِ معاً فالنجمُ أيكُهما
وسِدرةُ المنتهى والحبُّ: أشباهُ
أسمى العبادة ربٌ لي يُعذبني
بلا رجاءٍ وأرضاهُ وأهواهُ
وأينَ من ذلّةِ الشكوى ونشوتها
عندَ المُحبينَ عزُّ المُلكِ والجاهُ

أبا طارق هذي سراياك أقبلت
يرفُّ على أعلامها العزّ والنصر
أأكرم حبّنا أصفى وأسمى
على عتت الخطوب من العتاب
وما عزّيت حين ألمَّ خطب
مصابكَ في جلاته مصابي
وأنت إذا تحدتك الرزايا
ضياء الشمس يسخر بالسحاب

يا بني أمّ والحياة زحام
ذلَّ والله من يخاف الزحاما
يا نديمي إلى متى الإغفاء
بسم الكون حين حيّت ذكاء
لا تمل بي إلى الرجاء فقد
أودى بنفسي طموحها والرجاء
ودعِ اليأس ينتحيني ففي اليأسِ
لداءِ النفسِ الطموح دواء
فقد رضيتُ الأكواخَ وهي نعيم
وهجرتُ القصورَ وهي شقاء

تهاووا تِباعاً واحداً بعد واحد
عليه انفراطُ العقد وهو نظيم
تساقوا مناياهم ضحى العمر وانطوى
شبابهم الرّيان وهو تميم
هواي سَجيّة وشباب قلب
وجلَّ صبا القلوبِ عن التصابي
خضبت بلون سمرتك المصفّى
حياتي والمحبّب من رغابي
ولامك عندنا قوم وعابوا
يجلّ النور عن لوم وعابِ
وأنت النور في عيني وقلبي
على حاليك من شهد وصابِ
سريرتُكَ الضياء بلا غروب
وقفتُ ببابِ جاهك مطمئناً

وعيناك الغيوب بلا حجابِ
كأنَّ الدهر والدنيا ببابي

وأسرِفُ في الذكرى لأنزح نبعها
ولكنَّ نبع الذكرياتِ جموم
إذا قلتُ غاضتْ بعد لأيٍّ تدّفقتْ
وللموجِ فيها كرّةٌ وهجومُ
اليوم معركة الحياة فما الذي
أعددت من عُدّد ليوم صدامها
من ليسَ يمنعُ حقّهُ في حربها
هيهاتَ يمنعُ حقّهُ بسلامها
للأقوياءِ شريعةٌ مكتوبةٌ
بالسّيفِ شيب حلالها بحرامها

فيا لكنز شكت منه جواهرهُ
وضاعَ عن نفسهِ لمّا أضعناهُ
صحا الفؤادُ الذي قطّعتهُ مِزقاً
حرّى الجراح ولملمنا بقاياهُ
ما للِمنيّةِ أدعوها وتبتعِدُ
أمَرُّ منْ كُلِّ حُتْفٍ بعضُ ما أجِدُ
ظمآنُ أشهدُ وِرْدَ الموتِ عن كَثَبٍ
عَلَّلتُ بالصّبرِ أحزاني فيا لأسىً

والوارِدونَ أحبائي ولا أرِدُ
بالجمرِ من نفحاتِ الجمرِ يبترِدُ
دعوتُ خِدنيَّ منْ دمعٍ ومن جَلَدٍ
فأسعفَ الدّمعُ لكن خانني الجَلَدُ
أصبحتُ أعزلَ والهيجاءُ دائرةٌ
لا السيفُ ردَّ الأذى عني ولا الزّردُ

إنّ عنفَ العتابِ يؤذي أحبا
ي وأحلاهُ ما يكونُ رقيقاً
أشامِتٌ عندَ جُلّانا وما نزلتْ
إلا على الحُبِّ والإيثارِ جُلّاهُ
هانٍ ومحنتي العصماءُ داميةٌ
راوٍ ومن لوعتي الشّماءِ سُقياهُ
ما ضجَّ في قلبهِ جُرْحٌ فكابدهُ
ولا ألمَّ به وجدٌ فعاناهُ
تَضنُّ باللهفةِ الحرّى جوانِحهُ
والقلبُ أخصبَهُ بالنورِ أسخاهُ

إنَّ نعمى الكريم دين على
الحُرِّ وتجزى من اللئيم عقوقا
فما ترشَّفتُ إيماناً بمعبدهِ
ولا شممتُ طيوباً في مُصلّاهُ
ناءٍ عن النارِ لو طافَ اللهيبُ بهِ
لوهَجّتْ هذه الدنيا شظاياهُ
قد هانَ حتى سَمتْ عنهُ ضغينتُنا
فما حقدنا عليهِ بل رحمناهُ
يُرضيهِ أن يتشّفى من مدامعنا
لم نبكِ منهُ ولكنّا بكيناهُ

لا يُهينُ الشّعوبَ إلا رِضاها
رضيَ الناسُ بالهوانِ فهانوا
من راحَ يحمل في جوانحهِ الضحى
هانت عليهِ أشعةُ المصباحِ
البغي عند الأقوياء سجيّة
والمكرُ في الزهادِ والصلاحِ
هوّن عليكَ ففي النفوس بقيّة
من رجمة ومروءة وسماح
خلف الهجيرِ وعنفه ولهيبه
ما شئت من ظلّ وطيبِ نفاحِ

أأكرم ما تضوّعت الغوالي
بأعطر منك مأثرة وعرفا
صهرت من الخطوب فزدت قدرا
وتلك سجيّة الذهب المُصّفى
وخاصمني من كنتُ أرجو وفاءه
وللشمسِ بين النيّراتِ خصومُ
يُلاقي العظيم الحقد في كلِّ أمّة
فلم ينج من حقد الطغام عظيمُ
ويفدى بنور العبقرية حاسد
ويخزى بمجد العبقري لئيمُ
وتشقى على الحقد النفوس كما انطوت
قلوب على جمر الغضا وحلومُ

أأكرم حبّنا أصفى وأسمى
على عتت الخطوب من العتابِ
وما عزّيت حين ألمَّ خطب
مصابك في جلاته مصابي
وأنت إذا تحدتك الرزايا
ضياء الشمس يسخر بالسحاب
ولم يدر نعماء الكرى جفن حاقد
وهل قرَّ عيناً بالرّقادِ سليم
ويزعم أن الحقد يبدع نعمة
وهيهات من نعمى البنين عقيم
وما بنيت إلا على الحبِّ أمة
ولا عزَّ إلا بالحنان زعيم
ولا فوق نعماء المحبّة جنّة
ولا فوق أحقاد النفوس جحيمُ

هو الحبُّ حتى يكرم العدم موسر
ويأسى لأحزانِ الغني عديمُ
وحتى يريح الذنب من حمل وزره
حنان بغفران الذنوب زعيم
ويا ربِّ قلبي ما علمت محبّة
وعطر ووهج من سناك صميمُ
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها
حمراء تلتهم الجلّى وتزدرد
إذا ونتْ وهتفنا باسمهِ جمحت
تعيد سيرتها الأولى وتطرّد
فذكرهُ الأملُ الهادي إذا انتبهوا
وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا
زعامةُ الحقّ لا شوهاء يرفعها
على الرّمالِ الهوى والزور والفند

قُلْ لِمنْ يَحسُدُ العظيمَ تَرّفقْ
إنَّ خلفَ الأمجادِ هَمّاً وسُهدا
يَجمعُ الحقَّ والبيانَ على الخَصمِ
فلما تملّكَ الأمرَ شدّا
يطعنُ الطعنةَ العفيفة لا
تدمي ولكنّهُ أبادَ وأردى
يا عُصبةَ الصِّيدِ الغطاريفِ الألى
حفظوا الجدود وخلّدوا آثارها
هذي سيوف الفاتحينَ من البِلى
قد صُنتم أجفانها وشِفارها
جدّدتم عهد الحفاظِ لأمّةٍ
الله طهّرَ خيمها ونجارها
أرجعتُم صور العروبةِ غضّة
فكأنّكم أرجعتُم إعصارها

طفل فإن نال ضيم من كرامته
ما البحرُ يزأر،ما البركان ينفجر
ذنوبه خفرات من براءته
أحلى الغواية ما يندى به الخفر
“أبا طارق” هذي سراياك أقبلت
لقد قُدتها حيّاً وميتاً فما ثنى

يرفُّ على أعلامها العزُّ والنصرُ
شكيمتها عنف ولا هدّها ذُعرُ
فَمُرْ تُسمع الدنيا هواك وينطلق
إلى الفتحِ بعد الفتحِ عسكرك المَجرُ
ومُرْ يتمزّق كلُّ قيد أبيتَهُ
ويسرف في طغيانه الحطمُ والكسرُ
تبرأتَ في دُنياكَ من كلِّ واهن
ذليل،فلا عرف لديه ولا نُكرُ

هوَ من أريحيّة الله ما شئنا
رحيقاً صفواً ومِسكاً فتيتا
منْ كَسعد وللشباب هواهُ
قدرة تتعب الخيال وزهدا
يا صفيَّ الأحزان تسقي البرايا
كأسها مرّة وتسقيك شهدا
رضيت نفسك الهموم رفيقاً
بوركَ الهمّ عبقرياً جواداً

أريّحياً على الشدائدِ جَلدا
لا كَهم أعطى قليلاً وأكدى
قلْ لمن يحسد العظيمَ ترّفقْ
إنَّ خلف الأمجادِ همّاً وسهدا

بدوي الجبل:
سقتهم كفّ إبراهيم صافية
ففي الدماء سعير من سلافتها

من خمرة الحقِّ تروي كلّ من يَرِد
عجلان يهدأ أحياناً ويتئد
بين الجوانحِ إلا أنّهُ أنف أذكى
أبو طارق في الشرقِ جمرتها

وفي الشمائلِ إلا أنّهُ صيد
حمراء تلتهم الجُلّى وتزدرد
إذا ونتْ وهتفنا باسمهِ جمحت
فذكرهُ الأملُ الهادي إذا انتبهوا

تعيدُ سيرتها الأولى وتطرّد
وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا
زعامةُ الحقِّ لا شوهاء يرفعها
على الرمالِ الهوى والزور والفند

بدوي الجبل:
أبا طارق أبقيتَ للحقِّ سنّة
بنيت عليها كتلة وطنية

هي العزة القعساء والفتكة البكر
من الصيدِ ما خانوا هواكَ ولا فرّوا
لقد حملوا عنكَ الجهاد وما ونى
فإن أقسموا أن يفتدوا بنفوسهم

وحقّك ناب للخطوب ولا ظفر
أمانتكَ الكبرى لديهم فقد برّوا
نماك وسيف الدولة الدار والهوى
وأقسم بالبيتِ المحرّم ما احتمتْ

وغناكما أندى ملاحمه الشعر
بأمنعَ من كفّيكما البيضُ والسّمرُ
فإن تفخر الشهباء فالكون منصت
وحقّ بسيفي دولتيهما لها الفخر

بدوي الجبل:
منْ كَسعدٍ وللنّدى احتدامُ
جرة الحرب عنفواناً ووقدا
حِممٌ كالجحيمِ مستعرات
ردّها حلمهُ سلاماً وبردا
ما حملت الجراح داءً ملّحاً
بل حملتَ الجراحَ غدراً وصَدّا
حزَّ في قلبكَ الوفيّ صديق
صارَ في الندوةِ الخصيم الألدّا

بدوي الجبل:
تذكرّت الشام أخاك سعداً
ومن ذكرَ الحبيب فلا جناحا
أرق الناس عاطفةً وطبعاً
وأعنفهم على الطاغي جماحا
ينافح،لا تروعه المنايا
إذا بكت الشام أخاك سعداً

فإن شتم اللئيم فلا نفاحا
فقد بكت المروءة والسماحا
زحمنا النجم منه على جناح
وفيأنا مروءته وهوى صراحا

سألَ الصبحُ عن أخيه المُفدّى
أيها الصبحُ لن تشاهد سعدا
غيّبَ الدهرُ من سيوفِ معدّ
مشرفياً حمى وزانَ معدّا
كلّما عارضوا الصوارم فيه
كان أمضى شبا وأصفى فرندا
رموكَ غدراً ولو صالوا مجابهة
سلاحُكَ النور والإسلام وحدهما

لمزّقَ الصائدين الضيغم الحرد
ومنهما العون عند الفتح والمدد
رسالة من أبي الزهراء خالدة
عديدك الفاتح المنصور والعدد
حتى إذا انهزمت شتّى فلولهم
ومرّغَ الجبن زهو الحقّ والصيد
أشرفت والدم شمس راح يحجبها
بكفّهِ ويواري وجهها الرمد

أمّاه،دمعُك تبكي من مواجعه
شُمّ البواذخ والأفلاكُ ترتعد
أمّاه لم يبقَ لي روح فأغدقه
على أساكِ ولا دمع ولا كبد
تطوفُ عيناكِ في الزوارِ سائلة
عن الحبيبِ الذي ولّى وتفتقد
في غربةٍ أنا والإباءُ المُرُّ والأدبُ اللُبابُ كالسيفِ حَلّتهُ الفتوحُ ورُبما بَليَ القِرابُ
طَودٌ أشَمٌ فكيفَ ترشقُني السهامُ ولا أصابُ يخفى البُغاثُ فلا تُلمُّ به ولا يخفى العقابُ
الكبرُ عندي للعظيم إذا تكبّر لا العتابُ عندي له زُهدٌ يُدلُّ على الكواكب واجتنابُ
أغلى المروءة شيمةٌ طُبعت وأرخصها اكتساب

بدوي الجبل في الطفولة الرائعة:
فيا للصِّبي الهاني! شجاني أنّهُ
حزين،ومن طبعِ الصِّبي اللهو واللعبُ
فيا ربِّ !لا راع الطفولة رائع
ويا ربِّ !لا ألوى بنعمائها كربُ
ويا ربِّ للأطيار والفجر والندى
إذا شئتَ، لا للعاصفِ الغصنُ الرطبُ
إذا عبراتُ الطفل مرت بِمجدب
من النفسِ روّته ففارقهُ الجدبُ

دموعٌ كعفوِ الله لو مرَّ بَردُها
على الرّملة الحرّى لنضرّها العشبُ
ويا ربِّ مُرْ تصبح نسيماً مُعطراً
على كلِّ محزونٍ زعازعها النكبُ
ويا ربِّ عندي من كنوزك حفنةٌ
من الحبِّ،أذريها ولكنها تربو
أريد حياة الناس خيراً ونعمة
وتأبى السيوف المشرفية والقضب
أرى الفرد لا يبقى وإن طال حكمه
ويبقى بقاء الحق والزمن الشعبُ
وأشهد أن الظلم يردي فلو طغى
على السفحِ هضب شامخ زلزل الهضب
شكت جبروت الكثب حبات رملها
إلى الله،فانهارت مع العاصف الكثب

نعيتم فلم يخلص إلى القلبِ نعيكم
ولم تتقبلهُ البصيرةُ واللبّ
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي
أساريرَ بشر عليهنَّ أم رعبُ
لعل الذي ينعاكم كان كاذباً
فيا نعمة قد كان يحملها الكذبُ

بدوي الجبل يرثي فارس الخوري:

أترعي الكأسَ أدمعاً ورحيقا
حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا
يا شآمي:يا قبلة الله في الدنيا
ويا راحها المصفى العتيقا
ما أدرتُ الكؤوس إلا لتروي
كبدي من هواك لا لتذوقا
كبريائي فوق النجوم،ولولاها
لما كنتُ بالنجومِ خليقا
وأخا لي سقيته الودّ صرفاً
فسقاني من ودّه الممزوقا

بدوي الجبل:
لي قبور كنزت فيها شبابي
وصبوحي على المنى والغبوقا
يا قبور اللِدات:كلّ شقيق
حاضن في الثرى أخاهُ الشقيقا
وسعت هذه القبورُ فؤادي
كيفَ تشكو وهي في السماوات ضيقا
كيفَ لا تنبت الرياحين والشوق
وقلبي على ثراها أريقا

سَلي الجمرَ هل غالى وجنّ وعذّبا
كفرت به حتى يشوق ويعذبا
ولا تحرميني جذوة بعد جذوةٍ
فما اخضلَّ هذا القلب حتى تلهّبا

بدوي الجبل:

أبا أحمد هل يرفع الستر مرة
عن الملأ الأعلى وتنكشف الحجب
طيوف من النور المحجب لمحت
تقريها عين،ويندى لها قلب
وكشف للأخرى صفاء معطر
حبيب إلى قلبي ولكنه صعب
فلحت لنا في عالم الحق بدعة
من النور يخبو كل حسن،ولا يخبو
فرحنا نحيى من نحب تحية
تنازعها الشوق المبرح والعتب
أتنأى؟فهلا وقفة يشتفي بها
خليل ويقضي حق لوعته صبّ
أتنأى؟وما ودعت أهلاً ولا حِمىً
فأين الحنانُ السمح والخلق الرحب؟
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت
يضيقُ بها شرق المنازل والغرب
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد
فللعين من نعمى طلاقته شرب
فتاك الذي علمته البأس والندى
ففله عضب راح يخلفه عضب
أبا أحمد في ذمة الله صارم
من الحقّ لا يشكو الضراب ولا ينبو
يمان محلى فهو في السلم زينة
وتكشف عنف الموت في حده الحرب
سقى الله بالذكرى على غير حاجة
ولا حاد عن أطيابها الغدق السكب
عهوداً لنا كالنور أما نعيمها
فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب
لبسن الصبى بردا فلا خز فارس
يدل،ولا الديباج والوشي والعصب
عهوداً نحيبات الأصايل والضحى
وإن قل في الإنسان والزمن النجب
ولله ما أحلى مرابع لهونا
ينادم ترباً في خمائلها ترب
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم
وتصهل في أفيائها الضمر القب
أحن إذا فارقتني بعض ساعة
وتحمد في الحي اللجاجة لا الغب
شببنا على محض الوفاء وصفوه
كذلك آبائي وآباؤكم شبوا
ويجمعنا نجر قريب سمت به
لغسان أقيال غطارفة نجب
وحب رمته في اللهيب لصهره
صروف الليالي والقطيعة والذنب
وكأس تساقينا ثلاثين حجة
عذوبتها طبع،وتقطيبها كسب
أشم عبيراً من ترابك عاطراً
أمنك استعار العطر والنضرة الترب

فحيت ثراك المزن كفك لا الحيا
وجادتهُ بالسقيا يمينك لا السحب
عاد الغريب ولم تظمأ سريرته
فقد حملت بها في غربتي بردى
من روع البلبل الهاني وأجفله
عن أبكيه وسقاه الحتف لو وردا
جلاني الظلم أشلاء ممزّقة
واحتزّ أكرمهنّ:القلب والولدا

أنا أبكي لليلِ أوحشهُ البدر
وللقلبِ هدّهُ الحرمان
أنا أبكي للهَمِّ يأوي إلى القلبِ
فيقسو على الغريبِ المكان
ويا ربّ في ضيقِ الزمان وعسره
أرى الصّبرَ آفاقاً أعز وأرحبا
صليبٌ على غمز الخطوبِ وعسفها
ولولا زغاليل القطا كنت أصلبا

الشرعُ ما سنَّ القويُّ بسيفهِ
فلسيفهِ التحريم والتحليلُ
لإن قال صدّقه الزمان فقوله
وحي وزور حديثه تنزيلُ
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا
يرفُّ عليهِ النور والظلُّ والخِصبُ
أراكم على بُعدِ المزارِ فيا لهُ
حنيناً تلاقى عندهُ البعدُ والقربُ

تُبنى الشعوبُ على قُربى ومرحمة
وما بنى الحقدُ لا شعباً ولا رَغدا
على طيفكم أغمضتُ عيني والتقى
صياناً له في مقلتي الهدب والهدب
جلوتُ القذى عنها وفاءً لطيفكم
فأحلامها نعمى ومدمعها عذبُ

أحبّايَ لو غير الردى حال بيننا
دنا البرّ في عينيَّ وانكشف البحر
بأسماعكم وقر وقد رحتُ شاكياً
وحاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر
أُعيذُ من اليأس المرير نفوسكم
تلاقى على إعاناتها الظلمُ والقهرُ
إذا ركدت بعد الهبوبِ فإنها
لكالبحرِ من أخلاقهِ المدّ والجزرُ

فيمَ التنكر للآلام قاسية
إذا تباعد في ميدانها الأمد
لا يُبعد الله أحباباً فُجعتُ بهم
وما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة
تقيّلوا الرمل في الصحراءِ واتسدّوا

لم ألن للدّهرِ لكن زعمت
عادياتُ الدّهرِ أنّي سألين
وإذا الحزينُ بكى ولم يك شاعراً
فالشعرُ ما نطقت به عبراته

ونفسي لو أنَّ الجمر مسَّ إباءها
على بشرها الرّيان لأحترق الجمرُ
ألِفتُ حَرَّكِ لا شكوى ولا سهد
يا جمرة في حنايا الصّدرِ تتقِدّ
مُرَّي على كبدي حمراء دامية
يبقى الحنين إذا تسلم الكبد

فتحتُ عيني على حبٍّ صفا وزكا
فصنتهُ لضياءِ العين إنسانا
وفاؤُكَ لا عسرُ الحياة ولا اليسر
وهَمُّكَ لا الدّاءُ الملّحُ ولا العمر
إذا المرءُ لم يملك وثوباً على الأذى
فمن بعض أسماء الرّدى الحقّ والصبر

وياربِّ
:
صن بالحبِّ قومي مؤلفاً
شتات قلوب لا شتات دروب
ويا ربّ
:
لا تقبل صفاءَ بشاشة
إذا لم يصاحبهُ صفاء قلوب
تداووا من الجُلّى بِجلّى

وخلّفوا
وراءهم الإسلام خيرَ طبيب

بدوي الجبل في رثاء سعد الله الجابري:

سألَ الصبحُ عن أخيهِ المُفدّى
أيها الصبحُ لن تشاهد سعدا
طلعةً تُفرحُ العيون وتسبيها
وتغزو القلوب كِبراً ومجدا
وحديثٌ كأنّهُ قِطعُ الروض
تنوعنَ أُقحواناً ووردا
بدعةُ الظرفِ والأناقةِ يُرضيك
دُعاباً عفّا ويُرضيكَ جدّا
تنهلُ العين من بشاشة سعدٍ
ريّها والعيونُ تروى وتصدى
رضيتْ نفسُكَ الهمومَ رفيقاً
أريّحياً على الشدائدِ جَلدا
قُلْ لمن يحسد العظيمَ ترّفقْ
إنَّ خلفَ الأمجادِ همّاً وسُهدا
ما حملتَ الجراحَ داءً مُلّحاً
بل حملتَ الجراحَ غدراً وصدّا
حزَّ في قلبكَ الوفيّ صديقُ
صارَ في الندوةِ الخصيمَ الألدا
يجمعُ الحقَّ والبيانَ على الخصم
فلما تملّكَ الأمرَ شدّا
ما لسعدٍ في الموتِ يزدادُ قرباً
من فؤادي ما ازداد هجراً وبُعدا
أنتَ في خاطري وعيني وقلبي
وعلى الهجر لا أرى منك بُدّا
ما وفيناكَ بعضَ حقّكَ فاعذرْ
إنّ عُذرَ الكريمِ أسمى وأجدى

فصلُ الخطابِ دنا فأيّد أمّة
لم تبغِ إلا حقّها بقيامها
واسمح لنصركَ أن يُرفرف فوقها
ويُطاول الجوزاء في أعلامها
إنّي لأرحم خصمي حينَ يشتمني
وكنتُ أُكبرهُ لو عفَّ مُنتقدّا
عانيت جهد محبّ في الوفاءِ له
والغدرُ بي كلَّ ما عانى وما جهدا
قرّت عيون العدى والأصفياءِ معاً
فلستُ أملكُ إلا العطرَ والشّهدا

وأُسِرُّ الشكوى حياءً وكبراً
رُبَّ شكوى إسرارها إعلان
نقلتُ إلى قلبي حياءً وعفّةً
أسارير وجهي من أسى وقطوب
وعرّتني الأيام ممّن أحبهم
كأيك ـ تحاماه الربيع ـ سليب
ورُبَّ بعيد عنك أحلى من المنى
ورُبَّ قريبِ الدّارِ غير قريب

أيها المذنبون هذا فؤادي
من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في
دنيا أساهُ ويهنأ الوجدان
من غوالي دموعنا الخمر والعطر
ونعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى
نبت الضرب في الربى والطعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت
ويشقى سرج ويشكو عنان
ليس خلف البرود إلا هباء
فاحكم الناس أيها الطيلسان

بدوي الجبل:
وعلّمت المروءة فهي عطر
من الفردوس يسكرنا نفاحا
وعلّمت العروبة فهي عرض
لربّك لن يهان ولن يُباحا
أساح المجد حسبك لن تكوني
لغير شبابك المأمول ساحا
خذي ما شئت واقترحي علينا
كرائم هذه الدنيا اقتراحا

بدوي الجبل:
لا تعذلوني حين أبكي أسى
سبّب لي هذا الشعورُ الأسى

العدلُ كلّ العدل أن أُعذر
مصيبة الإنسان أن يشعرا
من يشتريه منكم خاسراً
أولّى بشاري الدمع أن يخسرا
قضى عليَّ الدّهر وا شقوتي
بالدّهر أن أبكي وأن أسهرا
من يشتري منّي عقود النظيم
من يشتري الشّعر وألحانه

ببسمة تُسلّمني للكرى
ببسمة واحدة في الحيا

بدوي الجبل:
أطلّ على الدنيا عزيزاً:أضمنّي
إليهِ ظلامُ السجنِ أم ضمنّي القصرُ
وما حاجتي للنورِ والنورُ كامن
بنفسي لا ظلَّ عليهِ ولا سترُ
وما حاجتي للأفق ضحيان مشرقاً
ونفسي الضحى والأفق والشّمسُ والبدرُ
وما حاجتي للكائناتِ بأسرها
وفي نفسي الدنيا وفي نفسي الدّهرُ

بدوي الجبل:
لامنا اللائمون في حبّ حسناء
ملول وكلّ نعمى ملول
لا تحاسب أخا هوى في هواه
كلّ ثغر على الهوى معسول
أيّ بدع في ثورة من محبّ
قد يثورُ المقيّد المكبول
لك مني الهوى كما رنّح الفجر
نسيم في غوطتيك عليل

بدوي الجبل:
لم أضِقْ بالهموم قلباً وهلْ
ضاقَ بشتّى عطورهِ البستان
والهموم الحسان تفعل في الأنفسِ
ما تفعلُ الغواني الحسان
وأنا الوالدُ الرحيم وأبنائي
هموم الحياة والأشجان
وأعيرُ الحزين سحر بياني
فيعزيّهِ لو يُعار البيان

عقنّي الأقربون من غمرة الخطب
وعقّ اللّات والإخوان
سوف يملي التاريخ عني ما يُملي
فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقري دهر فَسيّان
وفى أصفياؤه أم خانوا
فيا لك من عمى وسلمت عيناً
ويا لك حيرة عرضت لموسى

لو اختارت لما تركت عماها
فضلّ سبيل غايتها وتاها
أراد جلاءها نفر كريم
فجلّلها الغموض وما جلاها
فتحت سريرتي صفحات نور
وزحزحت الحجاب عن الخفايا

وقد خبر الصحيفة من تلاها
وقلنا شقوة بلغت مداها

بدوي الجبل:
أنا أبكي لليلِ أوحشهُ البدر
وللقلبِ هدّهُ الحرمان
أنا أبكي للهمِّ يأوي إلى القلب
فيقسو على الغريبِ المكان
أنا أبكي لكلِّ طاغٍ فما يستر
إلا الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن
وللحسن فاته الإحسان

أنا أرثي للمترفين فما يُبدع
إلا الشّقاء والأحزان
وأنا المترف الأنيق ولكن
ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فابكي
لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السماء أنجمها
الزهر وفي البحر درّه والجمان

بدوي الجبل:
الليل بعد الراحلين طويلُ
يطوي الزمانُ النابغينَ فتنطوي

أو ما لصبغك يا ظلامُ نصولُ
لذهابهم أممٌ ويهلك جيلُ
ولَرُبَّ نعشٍ غابَ في طيّاتهِ
فتحٌ أغرّ وموطن وقبيلُ
والناسُ أسياف فمنها مُغمد
صدىء ومنها الصارمُ المسلولُ
والخطبُ خطبُ النابغينَ فحقّهُ
بالمشرقينِ تفجّعٌ وعويلُ

يُشكى إليك وأنت رهن منيّة
وتُزارُ في عنت الخطوبِ وتُقصدُ
ولقد يُرّجى السيفُ وهو مُثّلم
ولقد يُهابُ الليثِ وهو مُصّفدُ
فاذهب كما ذهبَ الربيع على الربى
منه يد وعلى القلوبِ له يدُ
ويا رب:في قلبي ندوب جديدة
تريد القرى من سالفات ندوبِ
يريد حسابي ظالم بعد ظالم
وما غيرُ جبّار السماءِ حسيبي
ويارب:صنْ بالحبِّ قومي مؤلفاً
شتات قلوب لا شتات دروبِ
ويا رب:لا تقبل صفاء بشاشة
إذا لم يصاحبه صفاء قلوبِ

بدوي الجبل:
يحبُّ قلبي خباياه ويعبدها
طفولة الروح أغلى ما أدِلُّ بهِ

إذا تبرأ قلب من خباياه
والحبُّ أعنفهُ عندي وأوفاهُ
قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته
غرّ وأرفع ما فيه غرارته

أحلى من النور نعماه وبؤساه
وأنذل الحب ـ جلّ الحبّ ـ أدهاه
ما الحسن إلا لبنات منمقة
لكن يؤلهه أنّا عشقناهُ
لم يرده ألف جرح من فواجعه
حتى أصيب بسهم منك أرداه

بدوي الجبل:
أي لوم على الكهول وخاضوا
ما لأبنائنا تجنّوا علينا

غمرات العلى شبولاً وأسدا
وغفرنا ما كان سهواً وعمدا
حاسبونا على هَنات المعالي
نحن روادكم طلعنا الثنايا

ثم غابوا بها حساباً وعدّا
وزحمنا الصعاب غوراً ونجدا
وبنينا لكم ونعلم أنّا
لن نملّى به بقاءً وخلدا
أيها النازلُ المقيم تعهد
بالرضى والحنان ركباً مُجدّا

بدوي الجبل:
وتنكرّي للنائمين على الطوى
ما كان جودك للسعادة ضامناً

الله قد خلق المنى لتديلا
صدقاً وبخلك بالشقاء كفيلا
هذي الحياة عنت لبأسك رهبة
فتسمعي لجباً بها وصهيلا
وزماجراً قامت على غمائها
من حكمك العاتي القوي دليلا
ملكت يداك هواءها وبحارها
والكون أجمع عرضه والطولا

تضيعُ في نفسي الجُلّى وقد نزلت
من كبريائي آفاقاً وأكوانا
وما رضيت بغير الله معتصماً
ولا رأيت لغير الله سلطانا
ولا عكفتُ بقرباني على صنم
أكرمتُ شعري لنورِ الله قربانا
أدموعاً تريدها أم رحيقا
لا ونعماك ما عرفت العقوقا
تتجلّى عند المغيبِ لعيني
ضياء عذب الحنان رقيقا
وجلاك الشروق حتى تبيّنت
وتزور البروق تخبرني عنك

محياك فاحتضنت الشروقا
ولولاكَ ما استزرت البروقا

ما للسفينة لم ترفع مراسيها؟
ألم تهىء لها الأقدارُ ربّانا؟
ضُمي الأعاريب من بدو ومن حضر
إني لألمحُ خلف الغيم طوفانا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين
سمّوا بحقنا ووثوقا
فالأصيل العتيق يأنف شوطاً
لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقا
ذلّ شوط يكون بين البراذين
فلا سابقاً ولا مسبوقا
لم تحمحم تختال بالحسن والقوة
بل حمحمت تريد العليقا

الخافقان وفوق العقل سرّهما
كلاهما للغيوب
:
الحبّ والله
كلاهما انسكبت فيه سرائرنا
وما شهدناه لكنّا عبدناه
إن الذي خلق الحقيقة علقما
تتصارعان ولا ترى إحداهما

خلق المنى للواردين شمولا
ظفراً لتبسط حكمها وتطولا
تدعو المنى زمر القلوب وأختها
والكون بين الضرّتين مقسّم

تدعو بصائر في الوغى وعقولا
فاشهد قبيلاً يستبيح قبيلا
واعذر على البغي القلوب فطالما
قيدت وذلّل صعبها تذييلا
أما الدجى والفجرُ من أعدائه
فاقد بصرت به يخرّ جديلا

إنَّ شرَّ الأمورِ ظلم الجماهير
وأهون بالظلمِ إن كان فردا
برئت إلى الحقيقة من غواة
تفرُّ من الصباح إلى دجاها
تريد رضاك تقييداً وأسراً
وأين رضاك ربي من رضاها
وأنكر قدرة الخلاق روح
رأى صور الجمال ومن اشتهاها
لمن جليت بزينتها عروساً
وفيم أحبها ولمن براها

جمرة الحقدِ في السرائر لولا
قد أرقنا دماؤنا فسلوه
ذلّ أصحابها لشبّت حريقا
أي دمع من مقلتيه أريقا
حمّلوهُ ما لا يطيق وكانت
بدعة تخجل العلى أن تطيقا
دعكَ من زحمة العواصف واترك
للعقاب السماء والتحليقا
خلق الله للعظائم والمجد
فريقاً وللصَغارِ فريقا
تقسّمَ الناسُ دنياهم وفتنتها
وقد تفرّدَ من يهوى بدنياه
ما فارقَ الريّ قلباً أنت جذوتهُ
ولا النعيمُ مُحباً أنتَ بلواهُ
غمرت قلبي بأسرار معطرّة
والحبُّ أملكه للروح أخفاهُ
وما امتحنت خفاياه لأجلوها
ولا تمنيت أن تجلى خفاياه

ألِفتُ حَرَّكِ لا شكوى ولا سُهدِ
يا جمرةً في حنايا الصدرِ تتقدّ
نطل من أفق الدنيا على غدرها
فنتجلّى الراسيات الشمّ كثبانا
وما دهتنا من الجبار عادية
إلا جزينا على الطغيان طغيانا
أديم حصبائنا در وغالية
ما أفقر الناس للنعمى وأغنانا
وأيّ نعمى نرّجيها لدى البشر
والله قرّبنا منهُ وأدنانا

ليت الذين وهبناهم سرائرنا
في زحمةِ الخطبِ أغلوا ما وهبناهُ
ولا وفاء لقلب حين نؤثره
حتى تكون رزايانا رزاياه
يا صفي الأحزان تسقي البرايا
كأسها مُرة،وتسقيك شهدا
رضيت نفسكَ الهموم رفيقاً
أريحياً على الشدائد جلدا
غابَ سعد عن العيون وما
غابَ ضياء يهدي القلوب فتهدى

وكل ذنب سوى الطغيان ننزله
على جوانحنا حبّاً وغفرانا
طبعي الحبُّ والحنانُ فما أعرف
للمجدِ غير حُبّي طريقا
لم يضِقْ بالعدوِّ حلمي وغُفراني
وأفدي بمقلتي الصديقا
لا أريدُ الإنسان إلا رحيماً
بإختلافِ الهوى وإلا شفيقا

مسلمٌ كلّما سجدتُ لربي
فاحَ من سجدتي الهدى والعبيرا
وسِعتْ هذي القبورُ فؤادي
كيفَ تشكو وهي السماوات ضيقا
كيف لا تُنبتُ الرياحينَ والشّوق
وقلبي على ثراها أريقا
مُقلتي يستجّمُ في دمعها الطيفُ
وتحنو فلا يموتُ غريقا

أدعو قبورَ أحبائي لتسمعني
وهل تُجيبُ دعاءَ الثاكل
أحنو على قبرٍ من قبورهمُ
أبكيه حتى بكى من لوعتي الحفرُ
لي قبور كنزت فيها شبابي
يا قبور اللدات:كل شقيق

وصبوحي على المنى والغبوقا
حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي
كيف تشكو وهي في السماوات ضِيقا
كيف لا تنبت الرياحين والشوق
وقلبي على ثراها أريقا

تلك القبورُ فلو أني أُلِمُّ بها
لم تعدُ عينايَ أحباباً وإخوانا
أنا أبكي للعينِ لا تُدركُ الحسنَ
وللحُسنِ فاتهُ الإحسان

تنكّروا لقديمِ المجدِ وهو ضحىً
يؤذي العيونَ ولا يؤذي الضحى الرمدُ
رمقتكَ العيونُ حُباً ووجداً
وفتحنا قلوبنا لك مهدا

رنتِ العيونُ إلى جلالكِ خُشعاً
والبدرُ يُلثمُ في العيون ويُرمقُ
كلّما عارضوا الصوارم فيه
كان أمضى شباً وأصفى فرندا
ما على العبد أن يسوّد عار
بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا

أبا جميل
..
وقربى بيننا اتصلّت
إلى الجنان
..
فدان وهو مبتعد
وأناجي قبوركم أعذب النجوى
وأشكو معاتباً وأُطيل
وكأنَّ القبور تسمعُ شكواي
وتدري حصباؤها ما أقول

يتمت بعدك القوافي وضجَتْ
باكياتٍ بيومك المشهود
غَيّبَ القبر منك شمّاء مجد
وعرة تزحم النجوم سحوقا
يتلقاك(هاشم) في ربى عدن
ويستقبل المشوق المشوقا

وللأهلِ أبصارٌ روانٍ تعلّقت
بعينيه إيجابٌ هنالك أم سلب
لي قبور كنزت فيها شبابي
يا قبور اللدات:كل شقيق

وصبوحي على المنى والغبوقا
حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي
كيف تشكو وهي في السماوات ضِيقا
كيف لا تنبت الرياحين والشوق
وقلبي على ثراها أريقا

وفزنا من النورِ المصونِ بلمحةٍ
تُقرّيها عينٌ ويندى بها قلبُ
نغماتُ عودي لا تُملّ لأنها
لغةُ الملائكِ إذ تُناجي الحورا
يُدني إليَّ من الخيالِ شوارداً
ويهزُّ أعطافي هوىً وسرورا
في ظلمةِ الأحزان من نغماته
نفسي الحزينة تستعيرُ النورا

من رأى روعة الحنانِ أطلّتْ
من عيونٍ ولألات في خدودِ
إذا الزعيمُ تولّى عن شبولتها
حمى الشبولة إخوان له نجد
أما الشبابُ فما خانوا رسالته
عند الكفاحِ ولا حادوا ولا جحدوا
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة
سقّ الدُّجى كوكب من ذكره يقدُ

نمْ بعيني إذا اصطفيتَ رؤاها
همّ عيني أن تُصطفى وتروقا
فلو درت الضلوع صنيع قلبي
لما غفرت جريرته الضلوع
يطيعُ أحبّة جاروا عليه
ويأمره الزمان فلا تطيع
تشفّع في ذنوبهم وفائي
ففاز الحبّ وانتصر الشفيع

تنهل العين من بشاشةِ سعدٍ
ريّها والعيونُ تروى وتصدى
أعيذ من اليأس المرير نفوسكم
إذا ركدت بعد الهبوب فإنّها

تلاقى على إعاناتها الظلم والقهرُ
لكالبحر من أخلاقه المدّ والجزرُ
أرى العفو والنسيان من خلق الصّبا
ولم ينس عند الشيبِ حقد ولا ثأر
وما أكرم النسيان والعفو منكم
إذا لم يضع حق ولم يحتسب وترُ
وأنتم على دلّ الشبابِ وزهوه
وأهوائهِ ركن القضية والذخرُ

غابَ سعدٌ عن العيونِ وما
غابَ ضياءً يهدي القلوب فتُهدى
أفدي القبورَ التي طافَ الرجاءُ بها
طوتْ جفونُ الردى بيضاً غطارفةً

يا للقبورِ غدتْ تُرجى وتُفتقدُ
لو أنهم ماجدوا شمسَ الضحى مجدوا
أحبّتي الصيدُ شلَّ الموتُ سرحهم
وقد حننتُ إلى الوِردِ الذي وردوا
لم أعرف الحقدَ إلا في مصارعهم
ولم أُجزْ قبلها أعذارَ من حقدوا
ترفّقي يا خطوبَ الدهرِ واتئدي
لا تجعلي النومَ في أجفان من سهدوا

وإن حجبوا عن عينه الكونَ ضاحكاً
أضاءَ لهُ كونٌ بعيدٌ هو الفكرُ
أحبّاي لو غير الردى حال بيننا
دنا البرّ في عينيَّ وانكشف البحر
بأسماعكم وقر وقد رحتُ شاكياً
وحاشا ففي سمع الثرى وحده الوقرُ
وأوحشتم الدنيا كأنّ لم تدس بكم
على الهام في الرّوعِ المحجّلة الشقرُ
وحتى كأنَّ الرمل لم يروهِ دم
كريمُ المُصفّى لا أجاج ولانزر


لم يكن موته فراقاً ولكن
هذه آوبة الخيال البعيد
أصفيتُكَ الحبّ لا منّاً ولا كدرا
ومن هناتِ المحبّ المنّ والكدر
وما اصطفيتُك عن خوف وعن ملق
ولا لأني إلى نعماك أفتقر
لكن وفاء لنعمى منك سابقة
وأنك الكنز للأوطان يدّخرُ

كيف تسمو القلوب لولا المروءات
وتغفو على المنى الأجفان
والعبقريّ وإن جلّت مواهبهُ
طفلُ السريرة لا حقد ولا حذرُ
طفل فإن نال ضيم من كرامته
ما البحرُ يزأر،ما البركان ينفجرُ
ذنوبهُ خفرات من براءته
أحلى الغواية ما يندى به الخفرُ

وبلبل النوح يرضيه بأيكته
سرّ الجمال،ويرضي غيره الثمر
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها
فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا

يقولون
:
جدَّ اليعربيين نائم
!
لقد وهموا،فالسعيُ لا الجدَّ نائم
وما الناسُ إلا اثنان مهما تخالفوا
ميولاً
:
فمهزومٌ ضعيف،وهازمُ
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم
لغو من الناس لا ذمّوا ولا حمدوا
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا
حزن المحبين في البلوى ولا وجدوا
الظامئون وظنوا أنهم ثملوا
والغائبون وظنوا أنهم شهدوا

فيا شقاء فتى آماله رجعت
لأمسه وانطوى يوم ومات غد
ويا سامر الأحباب طيف ولا كرى
وسكر ولا راح وريّا ولا زهر
كلانا على ما كلف النفس من رضى
أضرّ به نأي الأحبّة والهجر

فاعذر إذا لم أوفِ مجدك حقّهُ
لجج الخضّمِ طغت على السّباح
والخيرُ في الكون لو عَرَّيت جوهرهُ
رأيتهُ أدمعاً حرّى وأحزانا

بدوي الجبل:
في رثاء الألوسي والمنفلوطي:
الليل بعد الراحلين طويل
أو ما لصبغك يا ظلام نصولُ
يطوي الزمان النابغين فينطوي
لذهابهم أمم ويهلك جيلُ
ولُربّ نعش غاب في طياتهِ
فتح أغرّ وموطنُ وقبيلُ
والناسُ أسياف فمنها مُغمد
صدىءٌ ومنها الصارمُ المسلولُ
في كل يوم للجزيرة كوكب
يهوي وسيف يعتريه فلولُ
قبر بعاصمة الرشيد وأخر
في مصر حقّ ستوره التقبيلُ
بدران قد بكر الأفول عليهما
ولكلّ بدر طلعة وأفولُ
ومشيعان إلى القبور بموكب
يرتد عنه الطرف وهو كليلُ

بدوي الجبل:
في رثاء الألوسي والمنفلوطي:
فيه رعيل من ملائكة العلا
ومن الجدود الأكرمين رعيلُ
عيسى وأحمد والكليم عصابة
فيها الأمين المنتقى جبريلُ
ما للجزيرة أين نور نبوغها
الزيت جفّ وأُطفىء القنديلُ
بغداد شاكية ومصر حزينة
والشام حاسرة القناع ثكولُ
تلك الأقانيم الثلاثة واحد
بردى وشاطىء دجلة والنيلُ
لا تنكروا حقّ الحياة لأمة
فيها النبوغ على الحياة دليلُ
لم تخب أنوار النبوغ وإنما
مرعى النوابغ في البلاد وبيلُ
ما قلّ فينا النابغون وإنما
عدد الألى قدروا النبوغ قليلُ

رُزىء الشعر فيك عبد الحميد
عبقريّ القديم عذب الجديد
غزل يسكر النفوس ويُدني
ما نأى من خيالها المنشود
هواك عندي مقيم في مواطنه
فإن تحوّلَ عن نعمائها اغتربا
أحبك الحبّ تأليها خلعت به
على تدلّهي الإجلالَ والرهبا
سكبت في دربك الأطياب والهة
وجلّ كأسك عن عطري الذي انسكبا
لعله والخطى السمراء تسلكه
يعلّها من حنيني بعض ما شربا

بدوي الجبل:
أغليت نعمى الهوى عندي ومحنته
فحبّ ما مرّ منه حبّ ما عذبا
مدامعي فيك لو أكرمت جوهرها
أكرمتُ فيها الهوى والشعر والعربا
أجلّ بابك عن طول الوقوف به
فقر الكريم تجلّى صمته طلبا

بدوي الجبل:


أدعو قبور أحبائي لتسمعني
قبر بضاحية الشهباء طاف به

وهل تجيبُ دعاءَ الثكل الحفر
فلملم الطيب من حصبائه السحر
واستودعت حمص قبراً لو مررت به
ولي قبور على الفيحاء غافية

لهشَّ لي منه حبّ مترف عطر
زوارها الطير والأشواق والقمر
ظمأى ويندى ثراها لوعة وهوى
إذا ألمَّ بها من غربتي خبر
تلك المصارع ردَّ الموت نجدتها
عني فكاد الأديم السمح يعتذر

بدوي الجبل:
أعيذ مؤنس روحي بعد وحشتها
أن يستردَّ من النعماء ما وهبا
يا ضيعة النغم الأسمى ولوعته
إذا محى الخالق الفنان ما كتبا
شفعت عندك حبي في مواجعهِ
وما تمزّق من قلبي وما سلبا
أخفيت ظلمك عن نفسي لأرحمها
ثم ابتدعت له الأعذار والسببا

بدوي الجبل:
طاح الزمان بإخواني وأوردهم
أصبحت بعدهم حيران منفرداً

على الحتوف فلا عين ولا أثر
والريح معولة والليل معتكر
أحنو على كلّ قبر من قبورهم
قد عقّني الصحب حتى لا أضيق به

أبكيه..حتى بكى من لوعتي الحجر
إن عقّني الأقربان السمع والبصر
ألوّن الخطب أضواء وغالية
وأبدع الفقر غراً حين أفتقر
وما وفى لي ممن كنت أؤثرهم
إلا القبور وإلا الأيك والنهر

ثناني عن لقائك يا أميري
عثار الجدّ والقدم الوجيع
فخفَّ من الجموعِ إليك قلبي
يرافقها وما درت الجموع
ومزّقه الحنين فكل جرح
هوى يشكو وغالية تضوع
أميري هذه شكوى ألحّت
فضاق بجمرها الصدر الوسيع
وعندك مثلها ولدى كلينا
لأسرار العلى حرم منيع
وأهلاً بالأمير فكل قلب
على لقياك خفّاق نزوع
نزلت مع الربيع على ربانا
فقال الناس:أيّكما الربيع

بدوي الجبل:
ما للمنيّة أدعوها وتبتعد
ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب

أمرّ من كل حتف بعض ما أجد
والوارد ون أحبائي ولا أرِد
عللّتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسى
دعوتُ خدنيّ من دمع ومن جلد

بالجمرِ من نفحات الجمرِ يبترد
فأسعف الدمعُ لكن خانني الجلد
أصبحت أعزل والهيجاء دائرة
لا السيف ردّ الاذى عني ولا الزرد
أرد رشق الظبى عن مهجتي بيد
وتمسح الدمع من نزف الجراح يد

بدوي الجبل:
الضحى والشجاع حلفا كفاح
وما احتمى بالظلام إلا جبان
حرنوا والشعوب في موكب السّبق
ومن شيمةِ الهجين الحران
يعثر الدهر والشعوب تشقى
قبروا في المهود ما سلّ سيف

بالمناكير أمة وزمان
في رداهم لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنية ظلما
ولدوا قبل أن يحين الأوان

بعض الخطوب ظلام لا صباح له
وبعضها الفجر فيه النور والرشد
هتف الهاتفون:أينَ رياض
وبكت أمّة وأجهش تاريخ

فانتخى في الثرى حسام صقيل
وناحَ القرآن والإنجيل
يا لستينَ في الكفاحِ طوال
حاليات وكلّ جلّى تطولُ
من رآهُ يخرّ في فجأة الغدر
رأى الراسيات كيفَ تميلُ
إنّ موتَ العظيم محنة التاريخ
وجنيا تفنى وكونٌ يزول

وهيهات ما لوم الكريم سجيتي
ولا بغضه عند الجفاء نصيبي
طوت جفونُ الرّدى بيضاً غطارفةً
لو أنهم ماجدوا شمس الضحى مجدوا
مصارع الصيد ؤمن قومي فكل ثرى
بدر وكل أديم موحش أُحدُ
أحبّتي الصّيد شلّ الموت سرحهم
وقد حننتُ إلى الوردِ الذي وردوا
يصونهم من حتوف الناس مجدهم
كأنهم من جلالِ المجدِ ما فُقدوا

لا يعذب الوصل إلا أن يخامره
خوف المحبين من نأي وهجران
ولا هناء بنعمى لا تخاف لها
فقداً ولا تبتلى منها بحرمان
حال بيني وبين دنياي أنّي
وأراكم حتى لأسأل نفسي

بكم في سريرتي مشغول
أيقين رؤاي أم تخييل
بوركت نعمة الخيال ويرضيني
خداع الخيال والتعليل
أجهدتنا الضحى على زحمة الرّوع
فهل يسعد الطلاح الأصيل
أين أين الرعيل من أهل بدر
طوي الفتح واستبيح الرعيل

تلفت لا شملي جميع ولا الهوى
قريب ولا فرع الصبى عبق نضر
ويا سامر الأحباب مالك موحشاً
معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذكر
وإذا النصر كان عاراً فأرضى
للمروءاتِ أنكَ المخذول
لقطاف الوغى شمائل كالناس
فنصر وغد ونصر نبيل

يا مانح النور من تاهت دروبهم
ومانح الحبِّ والغفران من حقدوا
يفنى المزّور من مجد ومن خدعت
به الشعوب وتبقى أنت والأبد
لا الأمس يسلبك الخلود ولا الغد
هيهات أنت على الزمان مُخلّد
تتجدد الدنيا وقلبك وحده
دنيا تعيد شبابها وتجدد

وآمنتُ أنَّ الحُبَّ خيرٌ ونعمة
ولا خير عندي في وغى وحروب

بدوي الجبل يرثي سعد الله الجابري:

أدُموعاً تُريدَها أم رحيقا
لا ونَعماكَ ما عرفتُ العقوقا
نَمْ بقلبي ولو قدرتُ منعتُ
القلبَ حتى تقرَّ فيهِ الخفوقا
نمْ بقلبي وحُرمةٌ لك لن
تسمع مني تأوُّهاً وشهيقا
نمْ بعيني فقد فرشتُ لكَ الأحلامَ
مُخضّلة الورودِ طريقا
كيفَ تغفو ألم ترَ الشامَ في
النزعِ وتشهد لواءها المخنوقا
مزِّقِ القبرَ فالشامُ تُناديكَ
وتبكي مكانكَ المرموقا

بدوي الجبل يرثي فارس الخوري:
أترِعي الكأسَ أدمعاً ورحيقاً
حقُّ بعضِ الهمومِ أن لا نفيقا
سَلِمَ الجمرُ لي وعاشَ بقلبي
أرِيَحيَّ اللهيبِ عذباً أنيقا
يا شآمي يا قبلةَ الله للدنيا
ويا راحتها المُصّفى العتيقا
أُترِعُ الكأسَ من هواكِ لِتروى
كبدي من هواكِ لا لتذوقا
لملمَ الفجرُ ذكرياتي دماً سكباً
ومجداً غَمراً وعهداً وثيقا

لم ينلْ من عزمكَ اليأسُ ولا
عنتُ الدهرِ ولا الداءُ العَياء
رضي الله عن أخٍ لكَ كالسيفِ
المُحلّى يروعُ نصلاً وغمدا
أين سعد؟ولا ألوم الليالي
وهب الدّهرُ غالياً واستردّا
أي بِدع إذا بكيت لسعد
إن بكى السيفُ حدّه ما تعدّى
لو رأى هذه الدموعُ الغوالي
لَبكى رحمة وحيّا وفدّى
غابَ سعد عن العيون وما
غابَ ضياء يهدي القلوب فتهدى
ثورة في الحياة والموت جلّت
ثورةُ الحقّ أن تقرَّ وتهدأ

يا لسنين في الكفاح طوال
حاليات وكل جلّى تطول
من رآهُ يخرُّ فجأة الغدر
رأى الراسيات كيف تميل

بدوي الجبل في المجمع العلمي الدمشقي:

يا “مجمع” الصيد الغطاريف الأولى
هذي سيوف الفاتحين من البلى
أرجعتم صور الحضارة غضّة
حفظوا الجدود وخلدوا آثارها
قد صنتم أجفانها وشفارها
فكأنكم أرجعتم أعصارها
وبعثتم أمم الجزيرة بعد ما أنطقتم
الصور الجماد فخبرت

طويت وحلل فذكم أطوارها
عن شأنها ورويتم أخبارها
وسللتم صمصامها من غمده
متألقاً وجلوتم دينارها
ورفعتم ركن القضية عالياً
بجهادكم وكشفتم أسرارها

بدوي الجبل في رثاء رياض الصلح:
غابَ عندَ الثرى أحبّاءُ قلبي
فالثرى وحدَهُ الحبيبُ الخليلُ
وسقوني على الفراقِ دموعي
كيفَ يَروى من الجحيمِ الغليلُ
هتفَ الهاتفون:أينَ رياضٌ
فانتخى في الثرى حسامٌ صقيلُ
وبكتْ أمةٌ وأجهشَ تاريخٌ
وناحَ القرآنُ والإنجيلُ

بدوي الجبل:
يا رفاقي بكيتُ فيكم شبابي
من تملّى بقلبهِ الضاحك الهاني

كلّ عيشٍ بعدَ الشّبابِ فضولُ
فقلبي المُمزّق المتبولُ
أين سعد وعادل ورياض؟
ونجيب وأينَ مني نجيب؟

ما لركبِ الردى المجدّ قفولُ
غالَ قومي من المنيّة غولُ
كيفَ أغفى أبو رياض وحقي
في الشام المضيّع المخذول
وتلاقيتم على البعدِ في قلبي
فلا روعِ اللداتِ رحيلُ

بدوي الجبل:
لن يعدم القبر لا ريّا ولا عبقا
فلي جفون ندّيات ولي كبد
أحنو على دمك المطلول ألثمهُ
أزكى من الوردِ ما جادت به الورد
دماءُ قلبك إيمان وغاليه
فليسَ ينكرها بدر ولا أحد
دماءُ قلبك ما من قطرة نزفت
إلا تمنت سناها نجمة تقدُ

بدوي الجبل:
حمّلتُ عدنان أطيابَ الحنين فهل
أدى أمانة ما أشكو وما أجد
لم أرثهِ وهو روحي فارقت جسدي
وكيفَ يبكي ويرثي روحه الجسد
ألمّ بالقبرِ أغليه وألثمهُ
وحولي الساخران:الغيبُ والأبد
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم
هتفتُ:لا تبتعدوا عني وقد بعدوا

بدوي الجبل:
يا رفاقي بكيت فيكم شبابي
كلّ عيش بعد الشّبابِ فضول
من تملّى بقلبهِ الضاحك الهاني
فقلبي المُمزّق المتبول
أين سعد وعادل ورياض
ما لركبِ الردى المجدّ قفول
ونجيب وأين مني نجيبُ
وكيفَ أغفى أبو رياض وحقي

غالَ قومي من المنيّة غولُ
في الشام المضيّع المخذول
وتلاقيتم على البعدِ في قلبي
فلا روّع اللدات رحيلُ

بدوي الجبل:
غيّبَ القبر منكَ شمّاء مجد
يتلقاك(هاشم) في ربى عدن

وعرة تزحم النجوم سحوقا
ويستقبل المشوق المشوقا
حيِّ عنّي سعداً وقبّلْ محيّا
وأبا أسعد سقته دموعي

كالضحى باهر السنى مرموقا
وسليمان و(النديم) الصدوقا
واسق(قدري)و(عادلا)و(جميلا)
من حنيني طيب الهوى والرحيقا
واشكُ حزني(المظهر) و(نجيب)
راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبورِ الغوالي
ويوّفى قبر الكريم الحقوقا

بدوي الجبل:
ما لسعد في الموتِ يزداد قرباً
من فؤادي ما ازداد هجراً وبعدا
وإذا رفّ طيفهُ في خيالي
رفّ ريحانة من الله تهدى
أنتَ في خاطري وعيني وقلبي
وعلى الهجرِ لا أرى منك بداً
صور لو ينال من حسنها النور
لكانت بنور عيني تُفدى
وأصون الطيوف بين جفوني
لو تطيق الجفون للطيفِ ردّا

بدوي الجبل:
أبا طارق هذي سراياك أقبلت
يرفّ على أعلامها العزّ والنصرُ
لقد قدتها حيّاً وميتاً فما ثنى
شكيمتها عنفٌ ولا هدّها ذعرُ
فمر تسمع الدنيا هواك وينطلق
إلى الفتح بعد الفتح عسكرك المجر
ومُرْ يتمزق كلّ قيد أبيته
ويسرف على طغيانه الحطم والكسرُ

أبا أحمد في ذمّة الله صارم
من الحقِّ لا يشكو الضرابَ ولا ينبو
يمان مجلّى فهو في السلم زينة
وتكشف عنف الموت في حدّة الحرب
لِدات طفولتي ذهبوا تباعاً
وعاقتني الخطوب عن الذهابِ
أُسائلُ عنهم فأرى وجوماً
فأُغضي،وقد عثرت على الجوابِ
وأسمعُ للقبورِ صدى وجيعاً
حنين الغائبين إلى الإياب
سقى تلك القبور دمي ودمعي
وجلّ القبر عن سقيا السحاب
ومن فوق التراب فدى بدور
خبا لالأؤها تحت التراب

فتحت عيني على حبٍّ صفا وزكا
فصنته لضياء العين إنسانا
في الثرى من أحبتي ولِداتي
ظفر أبلج وفتح جليل
نزلت بالقبور أسمى اللّبانات
وطافَ الرجاءُ والتأميلُ
وتهبّ القبول تحمل أشواقي
فهل رشّت الطيوب القبول

يشهد الله ما بقلبي حقدٌ
شفّ قلبي كما يشفُّ الغدير
فما عرفت إلا قبور أحبّتي
وإلا لِداتي في دجى الموت غُيّبا
وما لمتُ في سكبِ الدموعِ فلم تكن
خلقت دموعُ العينِ إلا لتُسكبا
ولكن لي في صون دمعي مذهبا
فمن شاء عاناه ومن شاء نكّبا

وآمنتُ أنّ الحبّ والنور واحدٌ
ويكفر بالألاء كلّ مريب
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى
وغابَ تحت منهم شموس هدى
لداتي الصيد،شلّ الموت سرحهم
ليت النجوم وروحي لِلدات فدى
الراقدونَ وجفني من طيوفهم
في سامر ضجَّ في جفني فما رقدا

طبعيَ الحبُّ والحنانُ فما أعرف
للمجد غيرَ حبي طريقا
لا أريدُ الإنسانَ إلا رحيماً
باختلافِ الهوى وإلا شفيقا
وما بُنيت إلا على الحبِّ أمةٌ
وما عزَّ إلا بالحنان زعيمُ
ولا فوق نعماء المحبة جنةٌ
ولا فوق أحقادِ النفوسِ جحيمُ
ويا ربّ قلبي ما علمتَ محبةٌ
وعطرٌ ووهجٌ من سناك صميمُ

الكون في أسراره وكنوزه
للفكر لا لوغىً ولا لسلاحِ
وأنا الذي وسِعَ الهمومَ حنانُهُ
وبكى لكلّ معذّب ملتاح
أشقى لمن حمل الشقاء كأنما
أتراحُ كلّ أخي هوىً أتراحي
ووددت حين هوى جناحُ حمامةٍ
لو حلّقت من خافقي بجناحِ
حبٌ قد انتظم الوجودَ بأسره
أسد الشّرى وحمامةَ الأدواح

والظلمُ من طبعِ الجبانِ
وكلُّ طاغيةٍ جبانُ
إذا ملكوا الدنيا على الحرِّ عنوةً
ففي نفسهِ دنيا هي العزُّ والكبرُ
وإن حجبوا عن عينه الكون ضاحكاً
أضاءَ له كونٌ بعيدٌ هو الفكرُ

أرى الفرد لا يبقى وإن طال حكمه
ويبقى بقاءَ الحق والزمن الشعبُ
عروبة الشام يا لبنان صافية
سمحاءُ كالنورِ لا مكرٌ ولا عقدُ
تنزّه الحب عن مَنٍّ وعن نكدٍ
وقد يُنّغِص حسن النعمة النكدُ
نحن المحبين نهواكم ونؤثركم
هل كان من دلّلوا القربى كمن وأدوا
نحن الظماءَ ونسقي الحب أرزكم
الحبُّ في الشام لا نزرٌ ولا ثَمَدُ

ليس بين العراق والشام حدٌّ
هدم الله ما بنوا من حدود
تَحِنُّ لكَ الربوعُ ولستُ أدري
لمنْ تشكو مُصيبتها الربوعُ
تَنّمرَ كلُّ خوّانٍ لئيمٍ
وتاهَ النذلُ واختالَ الوضيعُ
نزلتَ مع الربيعِ على رُبانا
فقال الناسُ:أيّكما الربيعُ

تطوّحني الأسفار شرقاً ومغرباً
ولكنّ قلبي بالشآم مقيمُ
لقد زعموا أني بِجلّق هائمٌ
أجل،والهوى إني بجلّق هائمُ

بدوي الجبل يرثي كامل مروة صاحب جريدة الحياة:
أبا جميلٍ سلامُ الله لا كُتبٌ
إليكَ تحملُ أشواقي ولا بُرُدُ
لقيتَ في الحقِّ ما لاقى بهِ نفرٌ
من الهداةِ وما عانوا وما جَهَدوا
والعبقريّ غريبٌ في مواطنهِ
يدورُ حيثُ يدورُ الحقدُ والحَسدُ
يا مُبدع السحرِ إلا أنه كَلِمٌ
وساقي الرأي إلا أنهُ شهَدُ
يا مانِحَ النورِ من تاهت دروبهمُ
ومانِحَ الحُبِّ والغفرانِ من حقدوا

بدوي الجبل:
يا قبور في الشام رُبّ قبور
أنزلتها النوى مكاناً سحيقاً
موحشات:إلا غريفاً نت الجنِّ
يرجّ الدّجى وإلا نعيقا
هائمات كالنور طارت صبابا
تي إليها فما استطعنَ اللحوقا
غرّبتنا العلى قبوراً وأحياء
وعاثت بشملنا تفريقا
واغتراب القبور من حيل الموت
ليخفى كنوزه والعلوقا
تسمع الريح حين تصغي حنينا
من فؤادي على الثرى وشهيقا

حسدوه على المزايا فكان ال
موت بين الأهواءِ والحقِّ حَدّا
إنّ من ينكرونهُ وهو حيٌّ
ربما ألّهوهُ رمزاً ولحدا
أفدي القبور التي طاف الرجاء بها
يا للقبور غدت ترجى وتُفتقد
ولي قبور على الصحراء موحشة
فلا تُزار ولا يدري بها أحد
تلك القبور وقلبي لا يضيق بها
ضاقت بزحمتها الأغوارُ والنجدُ
مصارعُ الصيدِ من قومي فكلّ ثرى
بدر وكلّ أديم موحش أحد

وأنت أمّ جميل أيّ نازلة
لم تُبق رفداً لحزن جاء يرتفد
ما قبل يومك يوم رحت أشهدهُ
له لواء على الأحزان مُنعقد
أبا جميل أناجي فيك حالية
تحوّلت أفقاً غير الذي عرفوا

من الشمائل أغليها وأفتقد
وأنجماً في الدّجى غير التي رصدوا
فسّلم الفلك الأسمى على فلك
فيه الكواكب والأس والرأد

أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم
وقد حننتُ إلى الوِردِ الذي وردوا
السالكون من العلياء أخشنها
والقاحمون وغير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة وهوى
وللأماني طريق هيّن جدد
ستنامين ملءَ صدري وتصحين
على لحن خفقة المرتاحِ
ويعود الزمان طيباً ونحسو
من كؤوس الحياة أعذب راحِ
فتعالي،نسل رحيقاً على الوردِ
وعطراً على شفاهِ الأقاحي
بين ظل ساج،وماء فرات،
ونسيم،وبلبل صداح
وبجفني سأمسح الترب أن يعلق
بأطرافِ برك الفياح
فتعالي،نمر ضياء من البدر
ونغمر ذوائب الأدواحِ
ونغن الشروق ملحمة الحب
فيشذى بنشرها الفواح
وتلون وجه العيشة باللهو
ونكحل جفن الضحى بالمراحِ
ونعل الصبا سلاف تناجينا
ونرم النجوم بالأقداحِ
ونحر الشفاه بالقبل الهوج
ونكثر منها بغير جناحِ
حلم في دمي يلون إحنائي
ويغزو يدي بكلّ سلاحِ
حلم يعقد الجناح من السحر
فيعنو له عتو الجناح
حلم لم تلده أخيلة العصر
برغم المسود الجحجاح
ما لجفني تحنو عليه الخيالات
وتحدوه روعة الأشباح
ويحه لم يزل بإحنائه الدمع
وشيكاً لمستحث البراح
كيف يسمو على يد الأفق شدوي
وعلى الأفق رعدة من نواحي؟!
وتقولين:لا أراك أمخشي هوانا
ونحن أهل السماح
أم تداويت عن هوانا ـ حنانيك
أيمحو الهوى من القلبِ ماحي؟
لا ومن سلسل الشعاع ونقاه
واسقي به حدود الملاح
ما أهلت عيني،وما طرفت شوقاً
إلى غير وجهك الوضاح
بلغ اليأس بي مداه وفاتت
غاية الوهم في الهوى أتراحي
أنا فجع مجرح في لهى البيد
وثكل مشلع في البطاح
أنا آه حيران في حدد الأرض
وتيه يزجيه لهب الجماح
أنا دمع منثر في الصحارى
وأنين مفتت في الرياح
أنا رجع محطم واحتضار
في ضلوعِ الأمساء والأصباح
أنا ميت أجر جثة نفسي
بين عطفِ ألحاني ولحن اللاحي
آه ما للسماء تدجو وتنهار
وصدري ينهدُّ تحت وشاحي؟




بدوي الجبل يرثي أحدهم(
القيثارة بتاريخ الأول من كانون الثاني عام 1947
م):
لهيب من الذكرى،وحقّك لا يخبو
متى يتلاقى بعد نأيهم الصحبُ؟
أحبّة قلبي إن بعدتم فما نأى
عن القلب لا الوجدُ الملّحُ ولا الحبُّ
على طيفكم أغمضت جفني وانطوى
صياناً لهُ في مقلتي الهدب والهدبُ
جلوتُ القذى عنها وفاء لطيفكم
فأحلامها نعمى،ومدمعها عذبُ
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلاً
يرفُّ عليه النور والظلُّ والخصبُ
أراكم على بعدِ المزارِ فيا له
حنيناً تلاقى عنده البعدُ والقربُ
ويُدنيكم مني خيال مجنح
أراقت عليهِ نورها الأنجمُ الشّهبُ
خيال يجوز الكون والدهر والمنى
ويطوي الغيوب النائيات ولا يكبو
فيا بعدها من غاية لم ترح بها
مطي،ولا حطّ الرحال بها ركبُ
ولله ما أوفى الخيال،فبيننا
وبينكم منه الرسائلُ والكتبُ
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي

يولم تتقبله البصيرة واللبُّ
أساريره،بشر عليهن أم رعب؟
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذباً
يجسّ الطبيبُ النبضَ حيرانَ ذاهلاً

فيا نعمة قد كان يحملها الكذب!
وهيهاتَ لا يغني الطبيبُ ولا الطبُّ
ويرجو على اليأسِ المرير،وأنّه
خداعُ الأماني والتعلّة والحبُّ

عمر أبو ريشة للأخطل الصغير:
عفواً،بشارة،بعض البوح ضقت به
فسالَ فوق فمي،حرّان يستعر
خنقت بالدمعة الخرساء أكثرهُ
وأقتلُ الدمع من لا يلمح البصرُ

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:

عمر أبو ريشة في شهيد حماة سعيد العاص الذي أستشهد في فلسطين:

نامَ في غيهبِ الزمانِ الماحي
جبلُ المجدِ والنّدى والسماحِ
أسكرتهُ أجيالُ نعمته البكرِ
بفيضِ الأعراسِ والأفراحِ
حين أنفاسهُ تموجُ على الكونِ
بِعبقِ النبوة الفوّاحِ
وترفّ الحياة فيه على آثار
عيسى من غدوة ورواحِ
تحفظُ البيد ذكريات لياليه
وتهفو لعهده النّزاحِ
وتحنُ الغياض في الشام شوقاً
لتثنيّه مثقلاً بالسلاح

عمر أبو ريشة:
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا
ولا غاضبا إن غاب مسراي عائب
فكم جبل يغفو على النجمِ خدّه
وأذياله للسائماتِ ملاعب
نظرت إلى الدنيا فلم ألف عندها
كبيراً أداري أو صغيراً أعاتب
وما هانَ لي في موقف العزِّ موقف
ولا لانَ لي في جانبِ الحقّ جانبِ
فيا غربة الأحرار ما أطول السّرى
وملءُ غيابات الدروبِ غياهب

عمر أبو ريشة:
أترقصُ الطير في أشراكِ صائدها
حلمٌ تناثرَ أطيافاً منضرة

ويحرسُ الذئبُ في أعطانها الغنما
ما كانَ أكرمهُ لو لم يكن حلماً
وما المواثيق إن فاهَ القوي بها
ونصّب الختلَ في أقداسها حكما؟
ما كانَ أغناهُ عن تزوير غايتهِ
من يحمل السيفَ لا يبري به قلما

عمر أبو ريشة:
إنّهُ الدّهرُ كم يُريكَ عزيزاً
جَدَعتْ أنفَهُ الصروفُ القواهِرْ
ما حملنا ذُلَّ الحياةِ وفي القو
سِ نِبالٌ،أو في الأكفِّ بواترْ
يصفعُ الذئبُ جبهةَ الليثِ صفعاً
إن تلاشتْ أنيابهُ والأظافرْ

عمر أبو ريشة:(
الرسالة العدد191)
حثثتُ خطاي الحمر عن هيكل القدس
وفي حمأةِ الأرجاسِ كفرّتُ عن رجسي
وما استعذبت نفسي الشقاء وإنّما
وجدتُ عزاءَ النفسِ أقتل للنفسِ
دعوني أعبّث السّمَ من أكؤس الملا
واقضي على تلك البقية من حسّي

عمر أبو ريشة:(
الرسالة العدد191)
كفاني نفضت الكفَّ من يانعِ المنى
وبعت صبايَ الغضّ بالثمنِ البخسِ
يؤرقني الماضي فأنشر طرسه
وألسنةُ الآلامِ تقرأ في الطرسِ
وأهجسُ والأشباحُ تعتامُ ناظري
فيرتدُ إشفاقاً فأقصر من هجسِ

عمر أبو ريشة:
والحبُّ قرّبناهُ منه وعلّمنا
رمى بنا القفرُ وافتضَّ السرابَ به

ما قدَّسَ الله لا ما دَنَّسَ البشرُ
فأين ـ لا أين ـ منه الوِردُ والصَّدرُ
خصاصةُ العيشِ ما مدَّت لنا يدها
إلا وأقدامنا من سعينا حُمُرُ
فكم عثرنا ولم تعثر إباءتُنا
وكم نهضنا ولم يشمتْ بنا خَوَرُ
وكم لدى صَلَفِ الحرمانِ من غُصص
نُمنا عليها ولم تكشف لنا سُتُرُ

عمر أبو ريشة:
ونحن من حولها أنضاءُ غُربتنا
وأنتَ عنا وراءَ الغيبِ مستترُ
نُبدي لها غير ما نُخفي ولوعتُنا
تكادُ في صمتها للشوقِ تعتذِرُ
فلا تَلمها إذا لم تخبُ بسمتُها
ولم يعكّر صدى ألحانها كدرُ
لم يبلغِ الخبرُ الناعي مسامعَها
عن مثلِ هذي اليتامى يُكتمُ الخَبرُ

عمر أبو ريشة:
تتساءلين علامَ يحيا هؤلاء الأشقياء؟
المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء
الواجمونَ الذاهلون أمام نعش الكبرياء
الصابرون على الجراحِ المطرقون على الحياء
أنستهُم الأيام ما ضحك الحياة وما البكاء
أزرت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء
تتساءلين وكيف أدري ما يرون على البقاء؟
امضي لشأنكِ، اسكتي، أنا واحد من هؤلاء

عمر أبو ريشة:
ربِّ ضاقت ملاعبي
أنا عمر مخضب

في الدروب المقيدة
وأمانٍ مشردة
ونشيد خنقت في
ربِّ ما زلت ضارباً

كبريائي تنهده
من زماني تمرده
صغر اليأس لن يرى
بين عيني مقصده
بسماتي سخية
وجراحي مضمدة

عمر أبو ريشة:
قفي قدمي! إنّ هذا المكان
يغيبُ به المرءُ عن حسّهِ
رمالٌ وأنقاضُ صرح هوت
أعاليهِ تبحثُ عن أُسهِ
أقلبُ طرفي بهِ ذاهلاً
وأسألُ يومي عن أمسهِ
أكانت تسيل عليه الحياة
وتغفو الجفون عن أُنسهِ
وتشدو البلابلُ في سعده
وتجري المقاديرُ في نحسهِ
أأستنطقُ الصخر عن ناحيته
وأستنهضُ الميت في رمسه؟
حوافرُ خيل الزمان المُشّت
تكادُ تُحدّثُ عن بؤسهِ

فما يرضع الشوكُ من صدرهِ
ولا يغيبُ البومُ في رأسه
وتلك العناكبُ مذعورةٌ
تريدُ التفلت من حبسهِ
لقد تعبت منه كفّ الدماء
وباتت تخاف أذى لمسهِ
هنا ينفضُ الوهمُ أشباحهُ
وينتحرُ الموت في يأسهِ

عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
أصبح السفحُ ملعباً للنسور
فاغضبي يا ذرى الجبالِ وثوري
إنَّ للِجرحِ صيحةً فابعثيها
في سماعِ الدّنى فحيحَ سعير
واطرحي الكبرياءَ شِلواً مُدّمىً
تحت أقدامِ دهركِ السِكير
لملمي يا ذرى الجبالِ بقايا الن
سرْ،وارمي بها صدورَ العصور

عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
إنه لم يعد يكحِّل جفنَ الن
جمْ تيهاً بريشهِ المنثور
هجرَ الوكرَ ذاهلاً وعلى عي
نهِ شيءٌ من الوداعِ الأخير
تاركاً خلفهُ مواكبَ سُحبٍ
تتهاوى من أفقها المسحور
كم أكبت عليه وهي تندّي
فوقه قبلة الضحى المخمور

عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
هبط السفحَ طاوياً من جناحي
هِ على كل مطمح مقبور
فتبارت عصائبُ الطير ما بي
ن شَرودٍ من الأذى ونفور
لا تطيري جوّابة السفح فالنس
رُ،إذا ما ضرته لم تطيري

عمر أبو ريشة:
يا لذكرى تلفت المجدُ ما بين
يوم هزّ البدوي معوله الصلد

يديها إلى ربيع زمانهْ
وأهوى على أوثانه
والمروءات وهج جبهته السم
راء والأمنياتُ فيضُ بنانهْ
فإذا الشرقُ للعروبة طود
تتشّظى النجوم فوق رعانه
ما انتهى ارثنا الرفيع ولا سكت
طيوف النبي عن قرآنهْ

عمر أبو ريشة:
فَولّتْ أمانيَّ العِذاب تلاشياً
كما يتلاشى الثلجُ في قبلة الشمسِ
وضاقتْ بي الدنيا فهمتُ طريدةً
أفتشُ عن سعدي فيلطمني نحسي
فما لاحَ لي إلا دمٌ متلاطِمٌ
ففي لُجّهِ أغدو وفي لُجّهِ أمسي
أرى عندَهُ للثأرِ من فتكةِ الورى
مناهلُ تنسي ما أجرعُ من بؤسي

عمر أبو ريشة:
فَرُبَّ فتىً ما دنسَّ الخِزيُ قلبه
تمطّيتُ لاستغوائهِ فتثاءبتْ

نصبتُ له سهمَ الإساءة في القوسِ
بعينيَّ أفواهُ الدعارةِ والرّجسِ
إذا أنَّ هزّتْ رعشةُ الأنس أضلعي
وأفرحني أن لاح في صفرةِ الورسِ
فصرتُ إذا ما اشتدَّ دائي تركتهُ
لِيُعدي وإن أبصرتُ من خلفهِ رمسِ
كما النحلةُ الغضبى لدى وخز خصمها
تموتُ،ولكن وهي مرتاحةُ النفسِ

عمر أبو ريشة:
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا
فكم جبل يغفو على النجمِ خدّه

ولا غاضباً إن عابَ مسراي عاتب
وأذيالهُ للسائمات ملاعب
نظرتُ إلى الدنيا فلم ألف عندها
كبيراً أداري أو صغيراً أعاتبُ
وما هانَ لي في موقف العز موقفٌ
ولا لانَ لي في جانبِ الحقّ جانبُ
فيا غربة الأحرارِ ما أطول السرى
وملءُ غيابات الدروب غياهب

عمر أبو ريشة:
رفيقتي لا تخبري إخوتي
كيف الردى ،كيف عليّ اعتدى
إن يسألوا عني وقد راعهم
أن أبصروا هيكلي الموصدا
لا تقلقي لا تطرقي خشعة
لا تسمحي للحزن أن يولدا
قولي لهم سافر قولي لهم
إن له في كوكب موعدا

عمر أبو ريشة:
هي والدنيا وما بينهما
غُصصي الحرّى وأهوائي العنيدة
رحلة للشوق لم أبلغ بها
ما أرتني من فراديس بعيدة
طال دربي وانتهى زادي له
ومضى عمري على ظهر قصيدة

عمر أبو ريشة:
عشت حراً بلغت جنة دنياي
وجفني بنورها اكتحلا
إنها نعمة أقطع فيها
العمر مستغفراً ومبتهلا
أعفُ عني يا ربّ بذل همومي
فلقد عشت مرّة رجلا

عمر أبو ريشة:
في رثاء إبراهيم هنانو:
هنانو أيّ صاعقة أقضّتْ
على صرحِ من العليا مشيد
ألا انظر صحبكَ الغرّ الدواهي
يشدون الأكفّ على الكبود
يعزّ عليك مرآهم جميعاً
وقد أجروا الدموع على الخدودِ
صريع الموت هل أبقيت سهماً
ولم تقذفه بالعزمِ السديد
وفيكَ بطولة الأجيال تدوي
مناضلة عن المجد التليد
فنمْ في راحة واعذر بياناً
كباقي زحمة الألم الشديد
لئن خذل القصيد لسان حزني
فإنّ بدمعتي بيت القصيد

عمر أبو ريشة:
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها
مالي على جنباتها أتعثر
شبَّ الحصى فيها ودون زحامه
وملاعبي ومجر أذيالي بها

درب يغيبُ وآخر يتكّسر
بعدت فما ترقى إليها الأنسر
وأرى الشتاء تطاولت أيامه
كم زارني وكشفت عن صدري له

وازداد عسفاً قلبهُ المتحجر
فأقام لا يزهو ولا يتكبر
ما زلت أذكر كيف كان لهاثه
من دفء أضلاعي يذوب ويقطر
وأتيتُ مرآتي وعطري في يدي
فبصرتُ مالا كنت فيها أبصر
فخفضتُ طرفي ذاهلاً متوجعاً
ونفرتُ منها غاضباً أستنكر
خانت عهود مودّتي فتغيّرت
ما كنتُ أحسبُ أنها تتغيّر

عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
حثثت خطاي الحمر عن هيكل القدس
وفي حمأة الأرجاس كفرت عن رجسي
وما استعذبت نفسي الشقاء وإنما
وجدتُ عزاء النفس أقتل للنفس
دعوني أعبّ السمّ من أكؤس الملا
وأقضي على تلك البقية من حسي
كفاني نفضت الكفَّ من يانع المنى
وبعت صباي الغضّ بالثمن البخس!!
وما من ضحايا النار،حسناء كاعب
عليها جلال الحسن في العري واللبس
تمشت ونفحات المحاجر حولها
ومن خلفها الكهان خافتة الجرس
ولما ذكت في المذبح النار تمتمت
مصليّة والضرس يقرع بالضرس
وزجّت بها عريانة فتفجرت
جراح وقطرات الدما صبغة النفي
وفي كل جرح فوهة من جهنم
تولول كالريح المؤججة البأس
بأهلك مني عند فض مآزري
على المذبح الشهوات للمصبح الممسي!
يؤرقني الماضي فأنشر طرسه
وألسنة الآلام تقرأ في الطرس
وأهجس والأشباح تعتام ناظري
فيرتد إشفاقاً فأقصر من هجسي
وأزجر دمعي أن يثور وزفرتي
فلا دمعتي تسلي،ولا زفرتي تُنسي
تغرُّ ابتساماتي عيون أخي الهوى
وخلف ابتساماتي جراح من البؤسِ
طلعت على الأيام والطهر حارسي
يحيك على عطفيَّ جلبابه الفدسي
تشيعني الأبصار أين توجهت
خطاي فأمشي مشية الرجل النكسِ
وضج بأعطافي الغرور فلم ألن
لصرخة ولهان تَمخضُ باليأسِ
كنرجسة في الحقل تلثم ساقها
ثغور من الأزهار طيبة الغرس
ولكنهاوالكبرياء تهزها
أبت أن ترى في غيرها رفعة الجنس
حنت رأسها كيما تقبل ظلها
غروراً فماتت وهي محنيّة الرأسِ
ولما رأيت الفقر أزبد فكه
وكشر عن أنياب طلس
صحوت فلم أبصر حواليَّ راحما
يخفف من بؤسي ويطرد من تعسي
وألقتني الأقدار في كفّ أرعن
كما قبضت كفّ البخيل على الفلسِ

عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
يبثُّ لي النجوى فيطربني بها
فأبني من الآمالِ أساً على أسِ
فكنت كشاة ألفت العيش زاهراً
تروحُ على أنس وتغدو على أنسِ
يهشّ لها الراعي فترقص حوله
فيلقمها الأعشاب بالأنمل الخمس
يسمنها..للذبح وهي تظنه
رحيماً يقيها صكة الناب والضرسِ
فولّت أمانيَّ العذابُ تلاشياً
كما يتلاشى الثلج من قُبلة الشمس
وضاقت بي الدنيا فهمتُ طريدة
أفتشُ عن سعدي فيلطمني نحسي
فما لاح لي إلا دم متلاطم
ففي لجّه أغدو وفي لجّه أُمسي
أرى عنده للانتقام من الورى
مناهل تُنسي ما أجرّعُ من بؤسِ
فرُبّ فتى ما دنّس الخزي قلبه
نصبتُ له سهم الإساءة في القوسِ
تمطيت لاستغوائه فتثاءبت
بعينيّ أفواه الدعارة والرجس!

عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
وما خفَّ للذات حتى تركته
يصارع داءً قد تحفّز للغرسِ
إذا أنَّ هزت رعشة الأنس أضلعي
وأفرحني إن لاح في صفرة الورسِ
فصرت إذا ما اشتدَّ دائي تركته
ليعدي وإن أبصرت من خلفه رمسي
كما النحلة الغضبى لدى وخز خصمها
تموت..ولكن وهي مرتاحة النفس!!

عمر أبو ريشة في رثاء عبد الرحمن الشهبندر:
هل بمغناك بعد طول السفار
بنت قاسيون أيّ جرح أواسي

أثر من قوافل الأحرار
في هواكِ وأيّ جرح أداري
بنت قاسيونأنت أنت
ستبقين على الدهرِ قبلة الأنظار
ضمّدي ضمّدي الجراحَ وسيري
سيرَ لا خائفٍ ولا خوّارِ
لن تموتي فكاهل الأرض لا
يقوى على حملِ نعشكِ الجبّارِ

قد ترفُّ الحياة بعد ذبول
ويلينُ الزمان بعد جفاء
أتلقاك وطرفي مُطرقٌ
خجلاً من أمسك المُنصرمِ
ويكادُ الدمعُ يهمي عابثاً
ببقايا كبرياء الألم

هانت الخيلُ على فرسانه
وانطوت تلك السيوف القُطّعُ
ما أحزن الورد لم يعرف له عبق
وأضيع الغصن لم يقطف له ثمر
لا تسأليني ما ترجوه أغنيتي
بعض الطيورِ تغني وهي تحتضر

هؤلاء الصِّيد قومي فانتسبْ
إن تجد أكرمَ من قومي رجالا
حَثثتُ خُطايَ الحمر عن هيكلِ القدسِ
وفي حمأةِ الأرجاسِ كفّرتُ عن رِجسي
وما استعذبتْ نفسي الشقاءَ وإنما
وجدتُ عزاءَ النفسِ أقتلَ للنفسِ

ما أرخصَ المجد

إذا زارني
ولم يكن لي معه موعد
عفواً،بشارةُ،بعضُ البوحِ ضقتُ به
فسالَ فوقَ فمي،حرَّانَ يستعِرُ
خنقتُ بالدمعة الخرساءِ أكثرَهُ
وأقتلُ الدمعِ ما لا يلمحُ البصرُ

إنَّ عيناً ترى الصواَبَ وتُغضي
لَهيَ عينٌ مطروفةٌ عمياء
تعال نسرحْ إلى أدنى ملاعبها
فقد تحنُّ إلى مرآتها الصُّورُ
وما عليكَ إذا ما الزورةُ اختُصرت
بعضُ الربيعِ ببعضِ العطرِ يُختصَرُ

وأنتَ تكتمُ عنهم ما تُكابده
تموتُ وهي أقدامها الشجرُ
وما المواثيقُ إن فاهَ القويُّ بها
ونصَّبَ الختْلَ في أقداسها حَكَما
ما كانَ أغناهُ عن تزويرِ غايتهِ
من يحملُ السيفَ لا يبري به قلما

شَرَفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلا
غَلبَ الواثبُ أم لمْ يَغلبِ
شهد الله ما انتقدتك إلا
طمعاً أن أراكَ فوق انتقادي
وكفى المرء رفعة أن يُعادى
في ميادين مجده ويُعادي

الفجاءات كم تزلزل عزماً
وتردُّ الرشيدَ غير رشيد
إنها النفسُ لا تبدل طبعاً
ألفتهُ فكيفَ نفس الحقود
ومن الصعبِ أن يُشاهد أعمى
قبسَ الحقِّ في الليالي السود

قد ترفُّ الحياة بعد ذبولٍ
ويلينُ الزمان بعد جفاءِ
حلم ولّى ولم يُجرح به
شرف المسعى ونبُ المطلبِ

يا صديقي ،هذى خطاك على دربي
وهذا صداك في آذاني
غبت عني إلا خيالاً حبيباً
للتأسي وليس للسلوانِ

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:

أيُّ قبرٍ وقفتُ أرنو إليهِ
والأسى مالِكٌ عليَّ قيادي
لم يزلْ تُربُهُ يرِفُّ ندياً
بينَ شتّى كمائمِ الأورادِ
إنَّ سعداً هنا،فيا مقلة العزِّ
أفيقي على صلاةِ الحدادِ
وانظري عِليةَ الرجالِ يشُدُّونَ
بأيديهم على الأكبادِ
ما تبقّى من أمسهِ غيرُ طيفٍ
رائحٍ في رؤى الحياةِ وغادِ
وغداً تهدأ الشجونُ ويخبو
لاعجُ الشّوقِ في الضلوعِ الصوادي
وتمُرُّ الأجيالُ سائلةً من كانَ
سعدٌ ومالَهُ من أيادي
من تُراهُ بينَ الملوكِ وبينَ
الفاتحينَ الغُزاةِ والقُوّادِ
أيها السائلونَ كم زُيِّفَ الدرُّ
وأمسى قلائدَ الأجيادِ
كم قبورٍ تنفَّسَ الطِيبُ منها
ما حدا باسمها على الدهرِ حادي
رُبَّ ثاوٍ وراءَها كان في
قافلةِ الحقِّ خيرَ ساعٍ وفادِ
حملَ الجرحَ صامتاً مُطمئناً
وأتى ربَّهُ على ميعادِ
ودمُ المؤمنينَ ما ضاعَ عند الله أجراً
إن ضاعَ عند العبادِ
هكذا افتضَّ آية العُمرِ سعدٌ
وطواها مع الأماني البِدادِ
تلكَ أيامهُ الخضيبة بالأرزاء
كانت عرائسُ الأعيادِ

عمر أبو ريشة في إبراهيم هنانو:
هنانو،أيّ صاعقة أقضّتْ
على صرح من العلياء مُشيّد؟
هنانو، أيّ سيف أغمدته
يدُ الأقدار في غمدِ الخلودِ
ألا انظر صحبك الغرّ الدواهي
يشدون الأكفّ على الكبود

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
قارعَ البغيَ وهو أعزلُ إلا
من سلاحينِ:نخوةٍ واعتدادِ
سعدُ يا سعدُ إنّهُ لنداءٌ
من حنينٍ فهل عرفت المُنادي؟
رُبّما غابَ عن خيالكَ طيفي
بعد طولِ الجفا وطولِ البعادِ
أذهلتني عنكَ انتفاضةُ روحي
في سماءٍ علويّةِ الأمدادِ
فترنّحتُ أحسبُ السُّحبَ تهوي
تحتَ مهدي والنّجمَ فوقَ وسادي
أنا يا سعدُ ما طويتُ على اللؤمِ جنا
حي ولا جرحتُ اعتقادي
شهِدَ اللهُ ما انتقدتُكَ إلا
طمعاً أن أراكَ فوقَ انتقادي
وكفى المرءُ رفعةً أن يُعادى
في ميادينِ مجدهِ ويُعادي

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
هيكلَ الخُلدِ لا عدتكَ العوادي
أنتَ إرثُ الأمجادِ للأمجادِ
بورِكتْ في هواكَ كلُّ صلاةٍ
صعدّتها حناجرُ العُبّادِ
منكَ هبّتْ سُمرُ الرجالِ وأدمتْ
حاجبَ الشّمسِ بالقنا الميّادِ
والمروءاتُ كلَّ ما حملتها البيدُ
في طولِ سيرها من زادِ
هتفتْ بالجهادِ حتى تشظّى
كلُّ تاجٍ على صخورِ الجهادِ
وإليكَ انتهى مطافُ عُلاها
دافقَ الخيرِ مُشرقَ الإسعادِ
فتلمسْ إرجاءَكَ الزُّهرُ تلمحْ
كلَّ قبرٍ بها،منارَ المَعادِ
هيكلَ الخلدِ جئتُ أسكبُ نجواكَ
رؤىً في محاجرِ الآبادِ
في محاريبكَ الوضيئةِ تغفو
كبرياءُ الآباءِ والأجدادِ

يا صديقي ،هذى خطاك على دربي
وهذا صداك في آذاني
غبت عني إلا خيالاً حبيباً
للتأسي وليس للسلوانِ


عمر أبو ريشة بعد مجزرة حماة:
العاجز المقهور أقتلُ حيلةً
وأذلّ منطلقاً،وأنذلُ مقصدا
نشرَ الخسيسُ من السلاح أمامه
واختارَ منهُ أخسهُ،وتقلّدا
وحبا إلى حرم الرجال،ولم يذُق
من قدسِ خمرتهم ولكن عربدا
وافتنَّ في تزييف ما هتفوا به
وارتدَّ بالقيمِ الغوالي منشدا

عمر أبو ريشة بعد مجزرة حماة:
البغيُّ أروع ما يكون مظفراً
إن سُلَّ باسمِ المكرماتِ مهنّدا
لا يخدعنّك دمعهُ وانظر إلى
ما سالَ فوق أكفّه، وتجمّدا
لم تشربِ الحُمّى دماءَ صريعها
إلا وتكسو وجنتيهِ توردا
وأزاحت الأيامُ عنهُ نقابهُ
فأطلّ مسخاً بالضلالِ مُزودا
تركَ الحصونَ إلى العِدى متعثراً
بفراره،وأتى الحِمى مستأسدا
سكينهُ في شدقه ولعابُهُ
يجري على ذكر الفريسة مُزبدا
ما كان هولاكو ولا أشباههُ
بأضلَّ أفئدةً وأقسى كبدا
هذي حماة عروسة الوادي على
كِبر الحداد،تُجيل طرفاً أرمدا
هذا صلاح الدين يُخفي جرحهُ
عنها،ويسأل:كيفَ جُرح أبي الفدا؟
سروات دنيا الفتح هانت عندهُ
وأصابَ منها ما أقامَ وأقعدا
ما عفَّ عن قذف المعابد باللظى
فتناثرت رمماً،وأجّت موقدا


خير الدين الزركلي في رثاء سليم الجندي ومحمد البزم:
لِمّن خلّفتما الميدان
فقيديْ لغة القرآنْ
لمن خلفتما الميدا
نَ،والميدانُ للفرسان
يحَوِّمُ بعد يومكما
حَميُّ الأنفِ في الأقران
ويدعو الندَّ من قيس
يباريه ومن غسان
وتفتقد النهى من كا
ن للحجة والبرهان
لواؤكما على الفصحى
وحكمكما هو الميزان
توارت أيكة الوادي
وغارت نبعة البستان
وضلّ سبيلَه الحادي
وأسلم للدجى الركبان
وناحَ وأعولَ الشادي
وحطم كأسه النشوان
ودالت دولة النادي
فلا عرش ولا سلطان
هل الجنديوالبزمانط
وى علماهما الصنوان؟
أبالسهمين تُرمى مه
جة،ويصيبها السهمان؟
وهل يلتئم الجرحا
ن والجرحان قتالان!
صريعا حومة الأقدا
ر شبّا للأسى نيران
رثيتُسليمهاومحمداً
وانهلّت العينان
مضى أدبالمبرّدوانقض
ىنحوأبي حيان
بكيت أبا العلاء بأو
لٍ،والشنفرى في الثانِ
وأخلاقاً صفت، كالتب
رِ واللؤلؤ والمرجان
ووروداً كان عذب الور
د للمرتشف الظمآن
ذكرتُ دمشق،والأيا
مُ ضاف ظلها فينان
وأرديةُ الصبا جدد
وأحلام الهوى ألوان
ليالي الأنس بالأخدا
نِقبل تفرّق الأخدان
على بردى وربوته
وحول تلاطم الغدران

خير الدين الزركلي في رثاء سليم الجندي ومحمد البزم:
وبين خمائل النسر
ين والزنبق والريحان
وأنديةُ البيان الحرّ
قائمة على أركان
منابرها مزاجرها
لمن يطغى ،عن الطغيان
هوى بمعلّمي جيلٍ
هوى الأرزاء والحِدثان
وطاحَ بتاجي الإبدا
عِ في الإفصاحِ والتبيان
نعى قيصراً الناعي
وثنى بأنوشروان
عمادا أدبٍ ضخم
رفيع راسخ البنيان
شهابا فلك غابا
معاً،في حلك الأزمان
صراعٌ منذ كان النا
سُ،بينَ الفقدِ والوجدان
يعلله بنو الإنسا
نِ،ما أغبى بني الإنسان

خير الدين الزركلي:
إرادة تستذل العصم ماضية
وعزمة تصدع الأطواد توهينا
وللعظائم ما ترضى فإن وهنت
خابت وإن تمض آبت في المجلينا
كلُّ امرىء طامح للمجدِ يطلبهُ
لولا العظائم ما خاب المرجونا

لا يستنيمُ على الضغينة معشرٌ
حبلُ الخصومةِ بينهم موصولُ
نذروا دمي حنقاً علي وفاتهم
أنَّ الشقيّ بما لقيتُ سعيدُ
اللهُ شاءَ لي الحياة وحاولوا
ما لم يشأ ولحكمه التأييدُ

وما الموتُ إلا سبات عميق
ففيم البكاء على الهاجع
من كانَ يؤمن إيماناً بدعوته
أجابه الفلك الدوار آمينا
ومن إذا خلصت للمجد هِمّتهُ
أصاب نجماً على الأيام مضمونا

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
أرى سنة تمضي وعاماً بنا يجري
يضيقُ من آجالنا فسحة العمرِ
ودنا على هذا الوجود أجنةٌ
تسير بنا الأيامُ في السهل والوعرِ
فيوم على صفو نؤمل عودَهُ
وآخرُ في البأساءِ عدَّ من الدّهرِ
لنا أملق في كلِّ عام مجدد
ترجي به صفو الحياة وما ندري

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
ولولا أملُ الفتى ورجاؤه
لأيقنَ أن العيشَ ضرب من الأسر
مضى عامنا الأدنى بذنب فعله
يجىء الذي يتلو المغادر بالغدر
سلكنا به ظلماء حالكة الدُّجى
فلما انقضى حانت لنا رقبة الفجر
ألا أيها العام الذي كنا منه
على الكون شؤبوباً من الدم لا القطر

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
تحجب فيه الغيث حتى إذا انجلى
لنا الامر كان الغيث من دمنا يجري
أفاضَ علينا في النعيم ابتداؤه
وجادت بني الغبراء عقباه بالشرِّ
لقد هاجني من جانبِ الشرق صائح
ينوح وباك حيث مستتر البدر
وكنا نرجي السّلم لولا مطامع
من بعض أدوات للضغينة و….

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
كوامن أحقاد أثيرت فهيّجت
نفوساً لطلاب القديم من الثأر
فغودرت الأقطار بعد ازدهارها
خرائب والبلدان أوحش من قفر
فيا أيها الحول الذي هلَّ شهره
يُعلّل منا النفس بالصفو والبشر
لعلك حول الحول والقوة التي
تطأ من كبر العتاة ذمي الكبر

تفرز مهضوماً وتجلي غضاضة
وتمحو عن الأقدام سطراً من الضرِّ
يحيى بك العلم الملم بأهله
وأسفاره خوف المذلة والفقر
ينالُ بك العلياء من يستحقها
وتشرق شمس السلم باسمة الثغر
سيسكن جأش الكون بعد اضطرابه
ويرفل بالنعماء حيناً من الدهرِ
دموعُ من،تلك التي تذرف؟
وقلب من هذا؟الذي يُوجفُ
إن كان إنساناً فهلّا صغى
إليه من يرحم أو يرأفُ
أم ليس في الناسِ لمستنصفِ
من ناصرٍ يعطفُ أو يُنصفُ

في الغابرين لمن يتلوهم عبرٌ
وربما سبق الخالين تالونا
وإن تأبوا فإنَّ السيف يُنصفنا
والسيفُ يبلغُ ما لا يبلغُ القلم
إن لم يكن في حياة المرءِ من شرف
فإنها بالردى قد تشرف الرمم
من حاول الأمر لم يسبر عواقبه
أصابَ من لطخات العارِ ما يصم

واشحذ غرارَك لا يعلق به صدأ
فإن يَجُرْ حكم فالصارمُ الحكمْ
تأبى الجماعةُ أن تهونَ لغاصب
والفردُ موقوفٌ على الاٌقدارِ
وإذا العرى انفصمت تولّى أهلها
ضيم المغير بخطبه الكبار

ما تنفعُ الحججَ الضعيفَ وإنّما
حقُّ القوي مُعزز معضود
من خالَ أن المجد يدرك هيّناً
فلينتظر بعد الهوان هوانا
ما شاد ملكاً أو أعزَّ قبيلة
من آثرَ الإخلاد والإذعانا

وإذا الظلامُ عتا تبلج فجرهُ
ظُلمُ الحوادثِ مطلعُ الأنوار

خير الدين الزركلي:(الرسالة العدد925)

ابنِ مجداً ولو بحدِّ المواضي
ما أرى الدّهرَ عن مهين براضِ
وأخو العزم من بيت وكلتا
مقلتيه لم تكتحل باغتماضِ
أفلح الخائض الغمار بعيد الغور
رأيا وأخفق المتغاضي

ليس بالندبِ من إذا مسّهُ
الضيمُ تولّى أو لاذَ بالأرباضِ
إنّما ابن العلاء من ليسَ بالمُحجمِ
عن خصمهِ ولا الركاض
من إذا استلَّ باليمين حساماً
شغل البرق عن سنا الإيماضِ
ما منالُ الحياةِ بالمطلبِ السّهلِ
ولكنني أرى النهجَ وعرا
كلُّ عزّ فباطل غير عزّ
شيّدتهُ الظُباةُ وخزاً وهبرا
واللبيبُ اللبيبُ من يؤثر المو
ت على ان يعيش في الذل دهرا

خليل مردم بك:
ويل للضعيفِ وأُفٍ للقوي إذا
لم يبق للعدلِ إيراد وإصدارُ
إذا الممالك لم ترفع قواعدها
على الأسنّة فالبنيان منهارُ


مُشرد النوم ما قرّت مضاجعه
وهل تقرّ بموتور وسائده


أعانكَ الله هذا الحلفُ والجار
عليك،لا لك أعوان وأنصارُ


إذا لم تكن أولى الخطا مستقيمةً
فويلٌ لأقدام تضلُّ وتزلقُ
ومن ينزُ في أرض تسوخ فإنّهُ
على قدرِ ما ينزو يغوصُ ويغرقُ

خليل مردم بك:

يا غيرة الله اغضبي لكتابهِ
إنَّ قومهُ لم يبذلوا الأرواحا


الذكريات من التاريخ قد درست
وطارف المجد مؤود وتالده
يا آسي الجرح بادر ضمد سائله
إذا تريثت لم تنجح ضمائده

خليل مردم بك في قصيدة “
أبو الطيب المتنبي”:

خليل مردم بك:

هم حكّموا فإذا التحكيم عندهم
تَحكُّم،وإذا التخيير إجبار
لا يستقيم قياس في تناقضها
ولا يصحُّ على ما تمَّ معيارُ
إذا المحامي أعان الخصم في تِرة
فليت شعري ممن يُدرك الثأر

خليل مردم بك:
في رثاء يوسف العظمة بعد ميسلون
اعكفْ على جَدثٍ في عَدوةِ الوادي
بِميسلونَ سقاهُ الرائحُ الغادي
وطاطىء الرأسَ إجلالاً لِمرقدِ من
قضى لهُ الله تخليداً بأمجادِ
هوى وحُلّتهُ حمراءُ من دمهِ
كالشّمسِ حين هوتْ في ثوبها الجادي
في فتيةٍ نفروا للموتِ حين بدا
جماعةَ من زرافاتٍ وآحادِ

صلى الإله عليهم من مُجندلةٍ
أشلاؤهم بينَ أغوارٍ وأنجادِ
ويا رُبَّ ظمآنٍ رأى في مفازةٍ
على البُعدِ ورداً ماؤهُ يترقرقُ
فهبَّ إليه والهواجرُ تلتظي
يجدُّ على الإعياءِ صبراً ويعنقُ
فلما دنا ألفى سراباً بقيعةٍ
فكادَ من الإخفاقِ واليأس يَصعقُ
ألا أيها الساري على غير منهجٍ
إذا لم تكن أولى الخطا مستقيمةً

قعودك إن لم تسلك النهجَ أوفقُ
فويلٌ لأقدامٍ تضلُّ وتزلقُ

يا لابسَ الثوبِ مزّهواً بجدته
انظر فقد علقت في ذيله النار
عساك تزعم أنّ الأمر بتَّ بهِ
من دونِ علمكَ،هلي في ذاك إعذار

خليل مدم بك في رثاء يوسف العظمة:

أيوسفُ والضحايا اليوم كُثُرْ
ليهنكَ كنت أول من بناها
زكا نبتُ البلادِ وليسَ بدعاً
فديتُكَ قائداً حيّاً وميتاً

زكيات الدما كانت جناها
رفعتَ لكلِّ مكرمة صواها
غضبت لأمة منها معدّ
فأرضيت العروبة والإلها
فيالكَ راقداً نبهّت شعباً
وأيقظتَ النواظرَ من كراها

ولم أر كالدنيا ولا مثل شأنها
على كلّ حال دار همّ وأحزان
فجعت بنفسي أن تراءت منيّتي
وإن مدَّ بعمري فجعتُ بخلاني

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:

أنا لست أدري كيف أرثي واحدا
أمسى برغم الموتِ حياً خالدا
أبقى من الأهرام في آثاره
وأجلّ مأثرة وأبلغ شاهدا
دبّ الفناء له فعاد بخيبة
خزيان ينظر مستشيطاً حاقدا
ما نالَ منه ولو علاه سكونه
فالبحرُ بحر زاخراً أو راكدا
شوقي وهل أرثيه يوم خلوده
فالسيفُ يبغى شاهراً لا غامدا
دعني أُشِدْ بالعبقرية إنها
كالشمس إن غربت أرتك فراقدا
العبقرية نفحة قدسية
تُحيى الرميم وتستثير الخامدا
او شعلة لمعت فجلّت غيهباً
وهدت أخا جور وردّت حائدا
تتمخض الأجيال إعصاراً بها
حتى يتيح الغيب منها وافدا
كالبحر يندر أن يجود بدّره
وتراهُ بالأصداف يقذف جائدا
فإذا أراد الله نهضة أمة
أهدى إليها العبقرية قائدا
شوقي وأنت رسالة علوية
مرت على مسمع الزمان نشائدا
روح من الله الكريم ورحمة
أحيا بها ميتاً وأيقظ هاجدا
رضت القريض على اختلاف فنونه
في كل واد همت كنت الراشدا
أما القديم ففزت منه بروعة
وجلوت من آي الجديد مشاهدا
فرفعت للفصحى بمصر دولة
كانت تطالع فيك نجماً صاعدا
توجت مصر وشدت عرش فخارها
وعقدت في جيد الشآم قلائدا
للعرب والإسلام في آلامهم
كنت اللسان مترجماً والساعدا
أضحى بيانك جامعاً أهواءَهم
ومن الخمول إلى النباهة رائدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
ما أقلق الإسلام خطب فادح
إلا نهضت مواسياً أو ذائدا
ودعوت للخلق الكريم،وشرُّ ما
أودى بنا قد كان خلقاً فاسدا
ما زال فينا من يكيد لقومه
كم ذا نطيق مداجياً أو كائدا؟
كم موقف لك في دمشق وأهلها
قد هزَّ يقظاناً ونبّه راقدا
غنيتها لحناً يفيض صبابة
فتمايلت فيها الغصون تواجدا
وشركتها في بؤسها ونعيمها
يا من رأى ولداً يشاطر والدا
في الجامع الأموي قمت مُكبراً
وذكرت مجد بني أمية ساجدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
خلفت في الزهراء دمعك جارياً
وتركت في الفيحاء قلبك واجدا
واسيت جلّق في عظيم مصابها
ونضحت عنها بالبيان مجاهدا
صعدت أنفاساً وجُدت بأدمعٍ
في يوم محنتها فكنَّ قصائدا
أشجاك أن تمسي الجنان بها لظى
وتبيت دارات النعيم مراقدا
جعلوا منيفات القصور ومن بها
للنار في غلس الظلام حصائدا
وأشد من هذا الزبانية الألى
كادوا لها يلقون عيشاً راغدا
من كل عبد للطغاة وحزبهم
وتراه شيطاناً علينا ماردا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
كم متعة في عيشها لو أنهم
ما كدروه مصادراً ومواردا
هيهات لا تنسى صنيعك إنها
جعلت بلابلها لساناً حامدا
والآن دع جفني يبح بشؤونه
فالدمع أثقله كميناً جامدا
وذرْ الحزين يبث بعض شكاته
فالصدرُ يحرج بالهموم حواشدا
لكن أخاف عليك تبريح الأسى
يوري على جنبيك جمراً واقدا
فاربط على قلب وطأمن لوعة
واشدد على كبد وصابر جاهدا
يا ناشداً بالأمسِ نوماً شاردا
هلّا نشدت اليوم صبراً نافدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
خطبان قلب العرب قاسى منهما
جرحاً يسيل دماً وسهماً قاصدا
ما جفّ دمعهم لمصرع حافظ
حتى استهلّ بيوم شوقي واردا
لم أنس مؤتمر النساء وقد نعي
شوقي فظلّ من التفجع مائدا
ريع العقائل،والأوانس أعولت
ونثرن من عبراتهن فرائدا
أوجعن لي قلبي وهجن مدامعي
وتركن جفني للفجيعة ساهدا
سر الحياة يدقّ عن فهم الورى
حار اللبيب فأطرق سامدا
لولا رياض الشعر في صحرائها
كانت حياتك محنة وشدائدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
تدنو بأسباب الحياة إلى الردى
أنّى اتجهت رأيت منه راصدا
والمرءُ في دنياه طير ما نجا
من صائد إلا ليلقى صائدا
دع عنك تمحيص الحقيقة إنها
تدع الفتى في كلّ شىءٍ زاهدا
وانصت إلى وحي الخيال فإنّه
لولاه كان العيش معنى باردا
وإذا بكيت على امرىء فابك الذي
ملك البيان طريفه والتالدا
يفنى الزمان وذكره يتجددُ
آمنتُ أن (ابن الحسين) مخلدُ
لم تألف الأيام صحبة غيره
أمس البعيد ويومنا ذا والغدُ
الشعر والنفس الأبية والحِجى
جمعت له فعلامَ لا يتفردُ؟
أما الطموح فخل عنك حدوده
من دونه يدنو السهى والفرقدُ
وسع الورى ببيانه أفلم يجد
كل امرىء في شعره ما ينشدُ
فكأنه فلك تلوح نجومه
للمبصرين وكل بيت مرصدُ
أنظر تجد في كل بيت قبة
كالنور في مشكاته يتوقدُ

خليل مردم بك في قصيدة “
أبو الطيب المتنبي”:
سقياً لبادية الشآم فقد نضت
سيفاً وشبت شعلة لا تخمدُ
مدّت له أملاً كرحب فضائها
وورت زمامَ عزيمةٍ لا تصلد
طبعته مرآةً يُريكَ صفاؤها
صور النفوسِ عوارياً تتبعد
وحي البداوة صادق ما شابه
زور الكلام ولا عراه تزيد
بالشيح والقيصوم يعبق شعره
والعنجهية فيهما تتمرد
محض(ابن حمدان) هواه لأنه
سيف بوجه المعتدين مجرد
يا مالىء الدنيا وشاغل ناسها
الدهر رواية لشعرك منشد
ضمن الزمان بقاءه فكأنه
أنفاسه في صدره تترددُ
آياته لا تنقضي وعظاته
كالبحر زاخر موجه لا ينفد
لله رأيك في السياسة أنه
سهم إلى كبد الصواب مُسدد
العرب ما صلحت على يد أعجم
حكم الأعاجم للعروبة مفسدُ
أخذوا عليك قساوة ولو أنهم
خبروا النفوس كما خبرت لأيدوا
شكواك ما زلنا نعاني مثلها
كفّ مضرجة ووجه أسود
ساموه خطة عاجز فأبت له
نفس مشيعة وعزم أبد
عرضوا حمايتهم عليه بجزية
أمران ذا نكد وذلك أنكدُ
أترى الفتى العربي يعطي جزية
أم كيف يرضى بالحماية سيد
يأبى له أنف أشمّ وصفحة
تزورّ من صعر وعنق أصيدُ
شرف حماه بنفسه ووحيده
لما هوى وتلا خطاه(محسد)
ما ضمه قبر وكيف يضمه
أرأيت حياً في الضرائح يلحد
لو نال ما يبغي لكانت دولة
أهدى إلى سبل الصواب وأرشد
ولسنّ فيها للأنام سياسة
ما للخديعة والرياء بها يدُ
الحق فيها لا يُغالب إنه
بظبى السيوف إذا استبيح مؤيد
تأبى التسلط والخنوع فما بها
مستعبد عاتٍ ولامُستعبدُ
فالماكرون أذل من أن يمكروا
والمعتدون أقل من أن يعتدوا
يا جامعاً شمل العروبة بعد ما
أمسى بأيدي الحادثات يبدّد
فأخو العراق بسحره متدمشق
وأخو الشآم بآبه متبغددُ
الشعر في كف الزمان دراهم
يرمى ببهرجه ويبقى الجيدُ
ذهب(ابن أوس)و(الوليد) بسحره
لكن بمعجزة تفرد(أحمد)

خليل مردم بك
لعمرو أبيك الخير ما ازددتُ خبرةً
بدهري إلا ازددتُ شؤماً على شؤمي
يُخيّرني أمرين لا خير فيهما
تظلّمُ غيري أو قراراً على الظلمِ
شقيتُ وكم تشقي الحقيقة أهلها
فمن لي بأن أقضي حياتي بالوهم


شفيق جبري في قصيدة في ظلال كرمة ابن هانىء:


يا كرمة ذويت فيها أمانينا
لا الظل ضاف ولا الأفنان تندينا
يا نائح الكرمة الولهى ظلائلها
سقت غصونك أجفان الشجيينا
كانت لياليك بيضاً في دجنتها
يرف فيها الهوى ريان مجنونا
ما ضاع عمرك إلا في مضاحكه
ولا تمليت إلا الخفض واللينا
لاهٍ عن الدهرِ مشغول بناعمة
من الشبيبة في أفياء لاهينا
يا عيشة في حمى اللذات فيأها
سكر الهوى والغواني والخليينا
ملأت جانبها لعباً وتسلية
خير الليالي التي باتت تسلينا
وما الحياة إذا طالت مسافتها
وأنت تدرجها ولهان مشجونا
فما أبالي وعين الموت ساهرة
أعشت عشرين أم عشت الثمانينا
قم ناج كرمته واسأل منابتها
أما على مصر غريد يُغنينا
قد كنت بلبلها في عز نهضتها
وفيتها الحق في رأس المُوفينا
جعلت تمثالها شعراً تميس به
أبقى على الدهر من آثار (آمونا)
دم الجهاد على عطفيه منسجم
يريك في ثورة النيل الميادينا
يخلد النهضة الميمون طالعها
في ظل قوم على الجلّى ميامينا
غنيت بالنيل في شجو يباكرنا
على الكنانة أو عيد يُغادينا
صغت القوافي له في كل نازلة
محبوكة الوشي من وشي اليمانينا
لما نفوك عن الأهرام رقّ لها
واف يناجي ذرى الأهرام محزونا
فما سلوت ظلال النيل في بلد
أرخى ظلالته يسرى أمانينا
يا ناظم الشرق في شعر يطاف به
على حمى الشرق روحاً أو رياحينا
قد كنت تعزية الإسلام في ألم
يشتد حيناً وتطويه الأسا حينا
كم نوحة لك في خطب أصيب به
يخف في نغمها جرح المصابينا
ما زلت تدفع عنه كل عادية
حتى تمزق لا دنيا ولا دينا
مستعبد في ربوع كان سيدها
ومستضام بأيدي الأجنبيينا
في كل ناحية عسف يهدمها
تكاد تطفح بالشكوى نواحينا
أين الخلافة في الإسلام مشرقة
تلقي على هامة الدنيا التحاسينا
مشت لها الأرض وانقادت لطوعتها
فما ترى فوقها إلا مذاعينا
يا صرخة في شتات الترك صادقة
تكاد تسمع في الترب السلاطينا
بكيتهم في مصاب هدّ جانبهم
على أدرنة يضنيهم ويُضنينا
تلك المناكر ما زالت فظاعتها
ملء الخواطر والأنظار تدمينا
وصفت آثارها في أخت أندلس
وصفاً يهجن أهل الغرب تهجينا
بينا نراهم على سلم ملائكة
نلقى الرجال على حرب شياطينا
أضحت حضارتهم غشاً ومكذبة
فعل الذئاب وأقوال النبيينا
ما زلت أحسن ظناً بالذي زعموا
حتى أسات بدعواهم أظانينا
هذي الظواهر لم تصدق بواطنها
أمست على الدهر سراً في عوادينا
يا ويح قلبك لم تهدأ جوانبه
عن عبد شمس ولم تهدأ جوانينا
أملت عليك بقاياهم بأندلس
مخلدات القوافي في أمالينا
بنوا وهدمت الأيام بنيتهم
وكم بناة لهدم ما يبنونا
ملك شتيت وتيجان مبعثرة
لم يبق من عزها إلا تأذينا
شفتك منهم قصور فنها عجب
يكدن بعد انحدار الملك يهوينا
كانت لنا في خوالي الدهر تهنئة
فأصبحت في بواقيه تعازينا
لمست فيها عظات الدهر دارجة
على بقايا رسوم من أمانينا
مشت عليها الليالي في شدائدها
فبدلت عزها الوضاح تهوينا
فلا القصور قصور إن نزلت بها
ولا الملوك إذا ناديت واعونا
حلم مرحنا به حيناً وتمنية
ظلت على زحمة الأحقاب تشجينا
يا وقفة في ظلال الطلح تسألها
نشجى لواديك أم نأسى لوادينا



لا تزدردِ الليثَ الحبيسَ فرُبما
عادت وقد شهد الوغى وثباته



شفيق جبري
ناجيت نائحها نجوى هززت بها
تلك الرياحين حتى كدن يبكينا
فأين في الطلح تيجان تظلله
وأين فيه سلاطين يحامونا
بعثت فينا هوى الماضي وروعته
والنفس تهتز من روعات ماضينا
تكاد تلمس جنبيه أناملنا
إذا وصفت فتدنيه وتدنينا
على نشيدك من تخليده صور
زهت حضارتنا فيها أفانينا
في كل ناطقة فن يفرحنا
وكل هامة سحر يبكيا
صحائف خلدوا فيها مناقبهم
فهل ترى بعدها إلا عناوينا
كنا معاني في الأحقاب لامعة
مضت وما بقيت إلا أسامينا
يا دمعة لك في الفيحاء هيجها
ملك لمروان مغصوب يناجينا
غنيت بالملك والتيجان هاوية
حتى لمسنا مهاوينا بأيدينا
فأين مسجدك المحزون تسأله
هل قام مروان في حشد المصلينا
وأين من عبد شمس سادة درجوا
عالين كالشمس لا عاباً ولا هونا
هجت العروبة في أفياء غوطتنا
حتى حنونا عليها عبشميينا
بعثتها في الحمى من بعد هدأتها
حيناً من الدهر نطويه ويطوينا
نامت خواطرنا عنها فأيقظها
سحر القوافي فجاشت في أغانينا
من بعد ما ذهبت عنا خيالتها
حنت إلينا خيالات تناغينا
ذكرى أمية لم تبرح حواضرنا
لما بكيت ولم توحش بوادينا
ناجيت جلق في وحي تردده
على اعتلاج الأذى فيها مغانينا
على بيانك وشي من خمائلنا
وفي قوافيك طيب من روابينا
لم تنس نكبتها والله حارسها
لما صبغنا ثراها من أضاحينا
هبت تحيتك الريا تموج بها
صبا الأصائل في ريان نادينا
فضج كل أبي من شكائمنا
وثار كل كريم من تغاضينا
غمزتها غمزة هزت جوانبها
فانصاع في غفية الأجفان غافينا
قصائد بدم الأحرار مائجة
من وحي جلق نعليها وتعلينا
مغموسة من الثورة الحمراء أمثلة
تمثلت في مجاليها معالينا
تلكم أمية كرمنا منازلها
فلن ترانا عليها مستذلينا
يا بنت فرعون والأشجان مائجة
هلا صبرت وبعض الصبر يسلينا
لو كان يشفي رثاء في ملمتنا
صغنا الجوانح شعراً في مراثينا
يكفي النعي خلود في قلائده
هذا الرثاء الذي أعيا قوافينا
فنم على الدهر شوقي في هواجسنا
مورف الظل لا نامت ليالينا
العبقريات في الدنيا مخلدة
ومن يسد سبيل العبقريينا
ما كان خطبك إلا أمة درجت
وقد يعادل شعر أمة فينا
هذي أمية لم تهدأ وساوسنا
على دمشق ولم تنشف مآقينا
شفيق جبري في قصيدة “فارس العرب”

لو يسكر الدهر من ذكراكِ يا حلبُ
لكان للدهر منكِ الخمرُ والعنبُ
هذا دويُّكِ والدنيا تردّده
تكاد تهتزُّ من أهوالهِ الحِقبُ
ما كانَ أمسكِ إلا أمس ملحمةٍ
غنّى بها السيفُ والأقلامُ والكتبُ
لولا الليالي التي كابدتِ ظلمتها
ما كان للعرب بين الروم مضطربُ
فلو سألت دروب الروم عن بلدٍ
ذلّت به الروم قالت

:
حسبكم حلبُ
!
أعدتِ ذكرى بني حمدان وارقة
ذكراهم الجودُ والعلياءُ والأدبُ
كانوا الملوك وتاجُ الملك فوقهمُ
تُزهى به الارضُ والأفلاكُ والشهبُ
حصنُ العروبة لم يهدم عروبتهم
نومٌ على الضيم والداراتُ تُغتصبُ
ما كانَ إلا سروج الخيل مركبهم
ردّوا البطاريقَ عن أظلالِ مملكةٍ
لنصرةِ العربِ ما جرّوا وما ركبوا
يفنى على ظلّها فتيانها النُجبُ
تروى من الاحمر القاني منابتها
وينضرُ العودُ بالأشلاءِ والعشبُ

إذا نسبتَ فتى الفتيان فارسَهم
أبا فراس حسبتَ المجدَ ينتسبُ
زينُ الشبابِ ولم تملأ شبيبتهُ
إلا المعالي وإلا الخيلُ والخببُ
ضربُ السيوفِ ورايات يُليح بها
في ملك قيصر
:
هذا الهمُّ والأربُ
لم يروَ من عمرٍ هدّت نضارتهُ
مضاربُ السيف والنيران واللهبُ
فلم يمتّع من الأيام متعتهُ
ولا تملّى شباباً كلّهُ تعبُ
ما منزلُ اللهوِ واللذات منزلهُ
وإنّما لهوهُ الهيجاءُ والجَلبُ
فأين منه ظهور الخيل سابحةٌ
وأين منه ضجيج الحربِ والصخبُ
إن راح يوم ولم ترسب صوارمه
في أرؤس الروم ضاع اليوم والرَسبُ

يا فارسَ العرب كم غادرتَ من أثرٍ
على مدارجهِ الفرسانُ تنسحبُ
زحفتَ بالجيشِ والرايات خافقة
لم يحمِ قيصرَ منها جيشهُ اللجبُ
فضجّ منك كِفافُ الأفق واختلجت
غياهب الليل حتى مادتِ الرّحبُ
لو كنت للموتِ هيّاباً لما ظفرت
بك السيوف ونالت وجهك الشُّطبُ
هذي الجراحُ على الخدّين شاهدةٌ
أنّ الرجالَ إذا ما استغضبوا غضبوا
ما في الجراحِ على الهيجاءِ من عجبٍ
نجاة فرسانها منها هيَ العجبُ
لم تخلق الحربُ إلا للسيوف فما
يليقُ بالحربِ إلا الفارسُ الدربُ

يابن الملوك
!
وكم أذللتَ من ملكٍ
لم يحمهِ في الفيافي معقل أشِبُ
نزعتَ عنهُ وشاح الملك فانخسفتْ
به القفارُ وماجَ اليمُّ والعَببُ
إن دلّ لون على خوفٍ تكنّفه
دلّ الشحوبُ فبان الخوف والرَهبُ
ألقت عليك شيوخُ العرب طاعتها
لمّا ألحَّ على أشياخها الرُعبُ
فما نزا شاغب منهم على جبلٍ
إلا بطشتَ بهِ حتى انقضى الشَغبُ
إذا تولّى فذلُّ الخوفِ لاحقه
وإن تدلى ثناه الشكُ والريبُ
خلِّ المفاخرَ والألقابَ ناحيةً
فما يحيط بما أعليته لقب

يوماً أميرٌ ويوماً في سلاسله
يطوي الليالي والاشجان تطرب

يصيح في كلّ يومٍ فوق مضجعهِ
ألا فؤاد على أقيادنا حَدِبُ
أما ترقّ قلوب كنتُ حارسها
والملك معتلج الآفاق مُنتهبُ
ألأا فداء وسيف الدولة امتلأت
منه الخزائن والأعلاق والذهبُ
لقد تملّت قلوبُ الناس عطفتهُ
وعطفه دون هذا القلب محتجب
إذا عتبتُ فلم أعتب لمبخلةٍ
وإنما العتب للعهد الذي قلبوا
إني أضنُّ بتاجٍ أن أزاحمه
على سناه فما في التاج مرتغبُ
لكن طربتُ إلى نارٍ أسعّرها
في وجهِ قيصر حتى شفّني الطرب
فكل همٍّ على الاحشاءِ منبسط
وكلّ نومٍ من الأجفانِ مستلبُ
تلقى العيون على الأعياد فرحتها
أفراحه الحزن في الأعياد والكُربُ

يمرُ بالعيدِ والأغلالُ حلّتهُ
وكان تُزهى به أثوابه القشبُ
فالعين خلف خضمّ الروم موحشة
لا أعين الروم سلّتها ولا الهُدبُ

أين الديار وأين الشام لذّته
نأت به الدارُ والبطحاءُ والكثبُ
خياله في ربوع الشام منسرح
وطرفهُ في ديارِ الروم منقلبُ
فما ثنته قصورُ الروم عن وطنٍ
على مشارفه الأهلون والصَحبُ
إذا سجا الليلُ لم يحلم بغيرهمُ
وفي الضُحيّا هم الأحلام والرَغبُ
فكم إلى حلبٍ حنّت خواطره
وكم إلى منبج أسرى بهِ الحَدبُ
فإن تذكر بين الروم ذلتهُ
نفى المذلّة عزُّ الملك والحسبُ
فهزّ رأساً على الجوزاء قمّتهُ
وكاد يأكل من أضلاعه الغضبُ
لولا العجوز ولولا صبية سرحوا
مثل الفراخ على أطرافها الزَغَبُ
لما تطامن من عليائهِ كنف
ولا تقطّع من أسبابه سببُ
سحابُ صيفٍ وبعد الاسرِ معتركٌ
تشقى به الروم أو يروى به التُربُ

يا حسرةً من وراءِ اليمِّ تحملها
يظلُّ قلبك من لأوائها يجبُ
لو يفصح الشعر عن دمع تكتمه
لكان من شعرك الرّيان مُنتحَبُ
عليلةٌ في ظلالِ الشام والهةٌ
هذا معلّلها في القيدِ منتشبُ
يضني جوانحها جرحٌ يؤجّجه
شوقٌ إليك على جنحِ الدّجى يثبُ
فجرحها في بياضِ الصبحِ ملتهب
ودمعها في سواد الليل منسكبُ
إذا اطمأنت إلى الأحداثِ مهجتها
ثارت بها ذِكرٌ كالموجِ تصطخبُ
تهفو إلى الركبِ إن عجّت مواكبهم
وتسأل الركب ما جاؤا وما ذهبوا
هل الأمير ربيب الملك مائجة
به الشجون فلا لهو ولا لعبُ
وهل أليف العوالي في سلاسله
مشتّت الفكر من أغلاله كئب
والله ما هدأت عيني ولا انقطعت
دموعها وحبيبُ القلبِ مغتربُ

ما أقسى قلبك في الهيجاء ترسله
خلف العدوّ فما ينجو به الهرب
وما أرقّ فؤاداً إن ذكرت له
أماً على صدرها الأشجان تلتهبُ
تظلّ صورتها في الاسرِ ماثلةٌ
لقلبك الغضّ تدنيها فتقتربُ
فيها الصفاء،صفاء الدين مؤتلق
فلا هوادة في التقوى ولا كذبُ
لو تجمع الارض في الدنيا وزينتها
لفاقت الأرض أمٌّ في الورى وأبُ

ويح البطولة ما كانت عواقبها
هل العواقبُ إلا القتلُ والعطبُ
لمّا رأى جنبات الملك خاليةً
حلا له التاجُ والراياتُ والغَلبُ
ما كاد يطلبها والعين طامحة
حتى تفلّت منه الملك والطلبُ
مشت إليه سيوف الترك غادرةً
لله ما صرعوا منه وما شطبوا
نجا من الروم والأسياف تضربه
وما نجا من سيوف الترك ماضربوا
لم ينكبوا من بني حمدان فارسهم
وإنما العرب في آثاره نُكبوا
كانت سيوف بني حمدان تحجبهم
واليوم لا حاجبٌ يحمي ولا حجبُ
وهكذا درجتْ في الشام دولتهم
من بعد أن ملأوا الدنيا بما غلبوا
لو يعرف الدمع عن مأساة فارسهم
لفاضت الأرض ممّا سحّت السحبُ

سلِ الديار،ديار العرب كم نكبت
في كلّ يوم شقاقات ومُنتكبُ
إن تنطق الأرض عن قتلى شبيبتهم
أبكاك من درجوا فيها ومن سَربوا
لم تُسقَ منهم سيوف الروم ما سُقيت
منهم أسنتهم والبيضُ والقضبُ
شقاقهم في ضحى التاريخ مثلبة
وعهدهم في دجى تأريخهم ثَلبُ
فما تألّف بعد الفتح شملهمُ

حتى تبعثرت الأهواء فانشعبوا
بينا يُغذُّ بنو حمدان سَيرهم
للروم إذ نجد الأعراب تنقلبُ
أمامهم وثبات الروم تشغلهم
وخلفهم وثبات البدو والسَلبُ
لولا شباب بسيف الدولة اعتصموا
لراع قلبك حوض في الحمى خَربُ
فللماللك ما سلوا صوارمهم
وللمكارم وما أعطوا وما وهبوا
فهل تعيد لنا الأيام دولتهم
والشرقُ مبتهج والغرب مكتئب
أبا فراسٍ
!
وما قلتُ الذي اختمرت
به القوافي وبعض القول مقتضبُ
تظلّ ذكراك بين العرب خالدةً
مادارَ دهرٌ وما دارت به العرب






شفيق جبري يرثي فوزي الغزي:
إنّ الذي ملأ المرابعَ شعلة
ملأت فجيعتهُ الربوع خُمودا
هدأت فتوته النضيرة وانطوى
ذاك الشّبابُ مُبرّحاً مكدودا
هلاّ عطفت أبا دلالعطفة
ما ضرّ لو تلوي إلينا الجيدا
لم تشهد الفيحاء في آلامها
يوماً كيومكَ حافلاً مشهودا
زحفت وراء النعشِ مائجة الأسى
يتلو وفود في الزحام وفودا
من كلِّ ناحية وفود زحزحت
في ظلّ معبود القلوبِ حشودا


شفيق جبري يرثي هاشم الأتاسي:
الربعُ ربعي والبطاحُ بِطاحي
فإذا بكيتُ فقد بكيتُ جراحي
خَلَتِ الديارُ فلستَ تُبصرُ هاشماً
فوق الديارِ بخلقهِ اللّماحِ
يُزجي المواكبَ تحتَ ظلِّ لوائهِ
فتموجُ ريّا من دمٍ وأضاحِ
حمل الكفاحَ على الحمى ومشى بهِ
مشيَ الأمينِ أمام كلّ كفاحِ
ووراءهُ ماض يرفّ ضياؤهُ
ملءَ العيونِ ولا رفيف أقاحِ
وكأنهُ جبل تحوط ظلاله
تاريخ قوم في الجهادِ سماحُ
لم يشترِ الدنيا ببيعِ ضميرهِ
إن باعهُ في الناسِ كلّ شحاحِ
فيهِ انطوى تاريخنا وتدفقت
بين السطور بلاغة الإفصاحِ
في كلّ ظلٍّ من ظلالِ بقاعنا
وذكرى دماء من فتى مسماحِ
لو ترتوي الأدواح من رشفاتها
روّى الرشيف مغارس الأدواحِ
أتظنُ حمص أنّ جِلّق دونها
دمعاً يفيض من الاسى الملحاحِ
ليسَ المصاب مصاب حمصٍ وحدها
كل الربوعِ تعجُّ بالأتراحِ

شفيق جبري يرثي سعد زغلول:
نمْ في ظلالِ الخالدين
جبّار مصر على السنين
في اللبّ من حرم القلوبِ
وفي الصميمِ من العيونِ
العبقرية من شمالك
والخلود على اليمين
يا سعد كلُّ في الكنانة
باسمكَ الأعلى يدين
عقدوا القلوب على هواك
مُدلهين مُولّهين
قتل الحنين نفوسهم
والنفسُ يقتلها الحنين

شفيق جبري يرثي حافظ إبراهيم:
غنت قوافيك بالأحزان مائجة
تكاد تنطقُ من بؤس أغانيها
لو لحنوا البؤس في شعر نردده
لكان بؤسك ألحاناً نغنيها

أمي ولستُ أرى في الأرض قاطبة
أعزّ منكِ على الأسماعِ والبصر
ناديتُك اليوم لا حسّ ولا خبر
فأين منك دوي الحسّ والخبر

شفيق جبري:

يمشي الزمانُ فلا يُرى متلّفتاً
متحفِزٌ في سيرهِ فكأنّهُ

في مَشيهِ عن يَمنةٍ وشِمالِ
سَيلٌ تدفّقَ من مكانٍ عالِ
يمضي فلا تُلويهِ عن منهاجهِ
في الخافقينِ قوارِعُ الأهوالِ
لا يستقِرُّ بهِ القرارُ إذا مضى
فيطوفُ من جيلٍ إلى أجيالِ
غضُّ الشّبابِ فلا يشيبُ
قَذالهً وتشيبُ منهُ ذوائبُ الأطفالِ

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
شرد البيان فما أطيق بيانا
فاكتمْ جراحكَ وادفنِ الأشجانا
ما للقوافي إن دعوت شرودها
شمختْ وما ألقتْ إليَّ عنانا
هل راعها شيب يُجلّل مفرقي
أفما أمتّع بالشّبابِ جَنانا
هوِّن عليك فما تمرّد خاطري
إلا أتاني طائعاً مِذعانا
أفلا تحرّكني شدائد أمةٍ
هانتْ فسلّها هل تُحسّ هوانا
هل كنت أبخَل بالدموع على الحِمى
أفلم يقرّح دمعي الأجفانا
أفلم يجدني في المسرّة والأسى
زمناً أسرّ وأزمناً أسوانا
لو كنت دون الله أعبد جنّة
لعبدت منه مفاوزاً وجِنانا
قلبي وروحي والهوى ولهيبه
فاضت عليه محبّة وحنانا
وطني ولم أؤمن بغير ترابه
وأرى الترابَ يزيدني إيمانا!
كم عبقريّ في ظلام قبوره
نفضَ القبورَ ومزّقَ الأكفانا
فكأنّهُ عين تضاحك أعيناً
وكأنّهُ أُذنٌ شجت آذانا
دانٍ يدور مع الليالي حسنه
يزداد في دورانها إحسانا
هذا فتى الفتيان زينة طيىءٍ
غنّى فهزَّ غناؤهُ الفتيانا
أعلى الممالك ما بناهُ سحرُه
سحرُ البيان يمرِّد البنيانا
رسم الطعانَ على السطورِ خيالهُ
أفلا نرى بين السطور طعانا
فكأننا والحرب تذكو نارها
نصلى وقد حميَ الوغى النيرانا
لولا أبو تمّامَ والشعر الذي
روّى القلوب ونضّرَ الأذهانا
ما كان هزمُ الروم نصب عيوننا
حيّاً يقصّ من الردى أفنانا
فانعمْ بما خلقت لنا آياته
خلقتْ لسلطان الحمى سلطانا
لله درُّ عصابة من طيىء
أعطت فكان عطاؤها تهتانا
أعطت ديار العرب من إلهامها
غرراً تدور مع السنين حسانا
أفما سقاك البحتري خموره
أفما تظلّ بخمره نشوانا
دخلَ القصورَ على الملوك منادماً
فجلا لأعيننا بها الأزيانا
فإذا لقيتَ رُخامها وكأنّهُ
حبُكُ الغمامِ فقد لقيتَ عيانا
فترى القوافي من رفيفِ سقوفها
درّاً يضىء ولؤلؤاً وجُمانا
من كلّ أسود كالليالي حالكٍ
أو كلّ أبيض يخطف الأعيانا
وترى الزُجاج على السقوف كأنّه
لججٌ تموجُ فتفرق الحيطانا
كست الحضارة شعره ألوانها
فتكاد تلمح عيننا الألوانا

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
أرأيت قومك فاغترفْ من بحرهم
درجوا وكانوا للهدى عنوانا
ناجِ الذي ملأ الأنامَ دويله
يمسي ويصبح مائجاً غضبانا
عشق الحروب فهل ترى في شعره
إلا حساماً صارماً وسنانا
فكأنّ من حمر الدماء مدادَه
وكأنّه أملى بها الديوانا
تجري الدماء على عنيف بيانه
بحراً يجرّ وراءه كثبانا
قتلى وجرحى والسيوف تنوشهم
لم تبقِ من أركانهم أركانا
نظم القريض لآل حمدان العُلى
فكأنّهُ أحيا لهم حمدانا
لولا بنو حمدان والسيف الذي
أعلى العروبة في الربوع وصانا
لمحت جيوش الروم سحر لسانها
وتخرّمت أعلاجهم عدنانا
فافخر بشاعرهم ورتّل شعره
أفلا تراه للعلى معوانا!
زحف الزمانُ ولم تزل أوطاننا
نهبّ العدوِّ يبعثر الأوطانا
تلك الضغائنُ لا يزال سعيرها
طيَّ الحشا،من يطفىء الأضغانا
قالوا:السلام،فهل رأيت سلامهم
هدموا البيوت وشتّتوا النسوانا

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
إن لفّت الأمّ الرؤوم وليها
في الحضن ليلاً زلزلوا الأحضانا
أو رامت الأطفال نوماً هادئاً
حُرموا الكرى وتخيّلوا الشيطانا
لم تسلم الأديان من أيديهم
نقموا فمسّوا بالأذى الأديانا
في كلّ يومٍ صيحة من جرمهم
تعلو السماء فتخرق الأعنانا
لا القدس آمنة ولا حرم الهدى
أين الأمان،فهل تحسّ أمانا؟
عجباً لقومٍ كالنعامة في الوغى
واليوم أضحوا في الوغى فرسانا!
ضربتْ عليهم في البرية ذِلّة
ما بال ذِلّتهم غدتْ طغيانا
ويل الضعيف إذا تملّى قوّة
ألفيتهُ في ضعفه ثعبانا
فانهض صلاح الدين وانظر عصبةً
حرنوا وزادهم الغرور حِرانا
كنت الوحيد ضمان أمّة يعرب
ضاعت ديارك من يكون ضمانا
لولا الفداءوعاصفات رياحه
فوق الحصون تهدّم الأحصانا
لولا دمٌ تندى فلسطين به
وترى التراب بدفقه ريّانا
لم يرتفع للعرب رأس في الورى
يوماً ولا اختلج العدوّ وهانا
الجعجعات وقد يدوّي صوتها
هيهاتَ دفعُ دويّه العدوانا
يا ساقياً والخمرُ ملء كؤوسه
اطرح كؤوسك واسقني الألحانا
قد عشتُ في ظلِّ القوافي حقبةً
أجد الشّبابَ بظلّها فينانا
ما هاجني إلا صدى إيقاعها
أمسي وأصبح بالصدى سكرانا
خمسون عاماً في مراس زمامها
حتى استكان لي الزمام ولانا
جرّبت من مضض الهوى لذّاته
وبلوت منه نواعماً وخِشانا
ما راقني إلا البيان وسحره
فاملأ كؤوسك إن سقيت بيانا
وأدرْ عليَّ الشعر إن غنيّته
حتى أسلَّ بوقعه الأحزانا
فيه العزاء وفيه كلّ مسرّة
تُروى بعذب معينها الظمآنا
أكرِم بقوم أورثوا تاريخهم
لغةً تظلُّ على العلى برهانا
لغة تفيض نعومة وصلابة
تحكي النسيمَ وتشبه الرّانا
حيناً ترقّ كأنّها نسيم الصِّبا
فوق الخمائل ينشر الريحانا
ويموج حيناً كالخضمّ عبابها
فيكاد يجرف موجه الشطآنا
لغة الأسنّة والصوارم والقنا
كانت لنار جحيمها ميدانا
مرّت بها الأزمانُ وهي منيعة
لا ترهب الأحداث والأزمانا
كم نازعت لغة الغزاة بيانها
طار الغزاة مع الهواء دخانا

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
وتطاولت في الخافقين غصونها
ترعى مواكب يعربَ الأغصانا
قد صبّها الرحمان في قرآنه
أفلا ترى من سحرها القرآنا
فاحمل لمجمعها التحية إنه
لم يأل فيها حيطة وصيانا
لغة الورى علوان رفعة شأنهم
فاكتب لرفعة شأنك العلوانا
لو جُردَ الإنسانُ من نعمائها
أفكان دون نعيمها إنسانا
صقل الزمان لن حسان وجوهها
أفما نعمنا بالحسان زمانا
فالهج بنصرتها وخذ بلوائها
حتى تحلّ من السماء مكانا

إن لم تظل سيوفنا أعلامنا
طمحتْ إلى استذلالنا الأبصار
ذريني وتأديبَ التجاربِ إنّما
تُضىءُ ظلامَ العقلِ مني تجاربهْ
فلولا الليالي ما عرفنا حليفنا
أصادِقُ ودّ القلبِ أم هو كاذبه

سألت جهينة أمها عما بي
هاكِ الجواب،إذا شفاك جوابي
هاج نسيم الحرية لي أمرها
بالله يا ريح ابعثي لي ذكرها
نجوت من ظلم ومن ظالم
يا دهر إن يسرّت لي عسرها

إن تُحرجوا الآساد في غابها
هيهات ما تكفيكم شرّها
إنَّ الحياةَ كما بلوت وجوهها
حلم يُخادِع أهله ويُحابي
قد تكذبُ الأحلام بعض زمانها
وتجىء في زمن بغير كِذابِ

ما قيمة الدنيا إذا فرشت لنا
من بعد زينتها فراش تراب
يا أرض هل صدقت عن أهلك الكتب
ضجَّ العراء ومارت في الدّجى الشهب
هل اليقين استثار اليوم عزمهم
أم العزائم فيها الشكُ والريب

خَلِّ النِقابَ فلا تحاول كشفه
هل يستطيعُ العقل كشف نقابِ
حُجُبُ السّماء كثيفةٌ أسرارُها
هيهاتَ تُدرك سرَّ كلِّ حجابِ
يا بنَ النبي وما الآذان سامعةٌ
فهل تُلبي زحوفاً أنتَ داعيها

لا تزدردِ الليثَ الحبيسَ فرُبما
عادت وقد شهد الوغى وثباته
أودى المنون بواحدِ الآحادِ
وعدت على ربعِ الكرامِ عوادِ
والدهرُ يعثرُ بالكرام وقلّما
شُلّت يدُ الأحداثِ كيفَ تخرّمتْ



عثرت صروف الدهر بالأوغادِ
شرخَ الشّبابِ ونضرة الأعوادِ

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:

ستون عاماً على كره تعانيها
هدأت عنها ولم تهدأ لياليها
ما زلت منها على يأس تغالبه
حتى طواك على الأشجان طاويها
فاطرح شدائدها عن كاهل هدمت
من جانبيه ولم تهدم عواديها
يا وقفة لك في أفيائها انحدرت
عنك العواطف مضنيها ومُشجيها
ناجيت فيها صباً ولت نواعمه
بدلت شيخوخة منه تناجيها
فتوة ملئت بؤساً نضارتها
وكبرة أفعمت سقماً حواشيها
أهبت بالموت من سقم ومن شجن
كأنما الموت آمال تناغيها
فنم هنيئاً فلا جسم تراوحه
تلك الشجون ولا نفس تفاديها
غنت قوافيك بالأحزان مائجة
تكاد تنطق عن بؤس أغانيها
على قريضك من أناتها أثر
أراه يفصح عن أقصى مراميها
ما في أغاريدها إن ناح نائحها
إلا تهاويل من شكوى تُزجيها
تجهمتك الليالي في تصرفها
ففاض شعرك في الآفاق تأويها
فما تمليت في يوم مضاحكها
ولا تمهلت إلا في مباكيها
أمعنت في طلب الدنيا فما ابتسمت
لك الحياة ولا هشت أمانيها
سعت بك القدم المشؤم طالعها
فلم تؤد إلى نجح مساعيها
على نعالك من تبريحها دفع
من قانىء الدم لم تنشف جواريها
حتى وددت لو أن النفس عاد بها
من قبل أن تسأم الأشجان باريها
أو كان في مسبح الحيتان مطرحها
أو في مسارح من هلك مآويها
لله شعرك كم هاجت هوائجه
بضيقة في حواشي النفس تضنيها
قذفت منه على السودان طائفة
صورت بلواك تصويراً يجليها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
لو لحنوا البؤس في شعر نردده
لكان بؤسك ألحاناً نغنيها
ودعت دنياك توديعاً ترقرقه
شكوى يذوب على الآلام شاكيها
فما لعينيك في لألائها أنس
وإنما الأنس في أدجى دياجيها
كأنما قبرك المأنوس متسع
لعيشك المر من جلّى تقاسيها
العبقرية ما زالت معذبة
في الشرق ما جمدت يوماً مآقيها
لكن نفسك لم تصرع جوانبها
ظلماء من خيبة الآمال تبريها
هزأت بالعمر لم تعبأ بغمته
وعشتها عيشة طلقاً نواحيها
داويت بالكأس آلام الحياة وهل
بغير إشراقها قلب يداويها
لقبتها ضرة الأحزان زاكية
غراسها مستطابات مجانيها
الكأس والطاس والصهباء ماثلة
في شعرك الطلق تزهى في مزاهيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
شتت شمل الليالي في تناولها
على رخيم من الأنغام تحييها
لئن نظرت إلى الدنيا وبهجتها
بمقلة ما رأت إلا مساويها
لقد خلعت على الأحزان مشرقة
من الحبور طوت من شجو شاجيها
وما الحياة إذا اسودت جوانبها
وما الليالي إذا لم يصف صافيها
خير من العمر ممدوداً سرادقه
على الأسى لحظة تجلو ثوانيها
لله مجلسك المحشوك كم طربت
فيه القلوب وكم بشت بواكيها
فقد تكون حزين البال متعبه
وقد نراك ضحوك العين ساجيها
تلك الأحاديث قد ذقنا حلاوتها
في كل نادرة سحر يحليها
تزداد حسناً إذا ازدادت روايتها
رقيقة سكبت من روح راويها
لكن روحك إن جدت وإن هزلت
لم تنس مصر ولم تهمل مغانيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
غنت بوادي الحمى في فجر نهضته
وخاضت النهضة المحمر واديها
وقد كنت بلبلها الغريد هيجه
غول على مصر محتل روابيها
أحببت مصر وسارت في محبتها
قصائد من عباب النيل ترويها
يجول فيها هوى الفسطاط مزدحماً
على فؤاد عناه خطب أهليها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
أيقظت منها غفاة في مضاجعهم
والشعر يوقظ في الأقوام غافيها
كم أمة رسفت في القيد أطلقها
من القيود فلم تملك نواصيها
أمضك الجرح في أحشاء عثرتها
فكنت في شعرك الريان آسيها
أردتها حرة لا النير يثقلها
إذا تهادت ولا الأصفاد تُوهيها
فما تخوفت إلا لعب لاعبها
ولا تخشيت إلا لهو لاهيها
فكم بكيت على مصر وحاضرها
وكم حنوت على مصر وباقيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
جادت لها عينك الريا محاجرها
باللؤلؤ الرطب من حال تعانيها
إذا سكت فلم تأمن هوادتها
وإن نطقت فلم تأمن منافيها
آسيتها يوم دنشواي وروعته
يا يوم دنشواي ما أبقى الأذى فيها
جلد وشنق وفي الأمرين مهزلة
تلك الجنايات باسم العدل جانيها
كشفت عنها غطاء كان يسترها
حتى تمثل للعينين قاسيها
ضحوا بشعب بديلاً من قتيلهم
تلك الجراحات لم تضمد دواميها
ويح الحضارة كم راقت ظواهرها
هذي العيون وكم ساءت خوافيها
في طيها الموت خفاق سبائبه
مكشوفة عن ضحاياه محاييها
ذئب تلفف في جلد الشياة وهل
يخفي الذئاب طلاء في مغاطيها
خير من العلم جهل لا يشنعه
عسف الشعوب وهزء من أضاحيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
ما كان شعرك إلا وحي عاطفة
ظل الجزيرة والأهرام موحيها
عليه من مضر الحمراء منزعة
محبوكة الوشي مرصوص مبانيها
لئن جفت مصر أرض الشام واطرحت
هوى العروبة كم أنبت جافيها
صافحت جلق لم تنقض مواثقها
على البعاد ولم تنكث أواخيها
فإن بكتك على جرح تعالجه
فقد رأتك على الأهرام تبكيها

شفيق جبري في قصيدةالحرية:
هاج نسيم الريح لي أمرها
بالله يا ريح ابعثي ذكرها
تجهز الدهر لا قلاقها
ما حمدت في ليلة دهرها
إن تمسك الأقدار عن نصرها
فما أنا مطرح نصرها
أو تعبس الظلماء في خدرها
فأنت يا برق أنر خدرها
دب مضيض الحبّ في أضلعي
لا تحسبني طاوياً سرها
صبرت عنها مهجتي ساعة
فلم تطق من بعدها صبرها
بلوت في ظل الصبا حلوها
فهل تراني بالياً مرها
عشقتها والله أدرى بنا
ما مسّ صدري في الهوى صدرها
ظلل أكناف الحمى طيفها
هنيهة ثم ابتغى هجرها

شفيق جبري في قصيدةالحرية:
لا تخفضن يا دهر من قدرها
كل كريم رافع قدرها
دحرتها والنفس في إثرها
خارجة ما احتملت دحرها
كم حائر طاحت به ضلة
ثم اهتدى لما رأى بدرها
وصاغر ألوت به ذلة
فعز في إعلائه أمرها
ومستبد راعه خطبها
يجهد في تهتيكه سترها
لئن طوى استبداده ليلها
فما طوى عن مقلتي فجرها
حصرت يا دهر نفوس الورى
وهل أطاقت مهجة حصرها
نجوت من ظلم ومن ظالم
يا دهر إن يسرت لي عسرها
إن تحرجوا الآساد في غابها
هيهات أن تكفيكم شرها

شفيق جبري:
أطوي الدجى فتضىء الليل عيناك
هل لمحة البرق إلا من ثناياك
وهبّة الريح إن لانت ملامسها
فإنما أورثتها اللين كفاك
وهذه الليلة الليلاء حائرة
كأنما تيم الظلماء مرآك
حلّيت بالخلق المصقول جانبه
سبحان من برقيقِ الخلق حلّاك
نهضت للطفل واللأواء مائجة
في ظله وفؤاد الطفل مضناك
فما تركت به هماً يعالجه
في طلعة الفجر أو في جنح ممساك
تغدو الرجال لأكباد تجرّحها
وإنما لضماد الجرح مغداك
يبكي الفتى ودموع العين ترمضه
فتمسحين دموع الواجف الباكي
تبكين للمرء إن ألوى البلاء به
وإن بليت فما يبكي لمبكاك

شفيق جبري في قصيدة “
شاعر العرب”:

ما الذي هيّج الحمى والعربا
أنسيم من شاعر العرب هبّا
فمشوا في مواكبِ الفنِّ زهوا
وتهادوا على المواكبِ عجبا
أخذت فيهم الأغاريد واللحن
فراحوا منها نشاوى شربا
سائل العرب يوم كان دويّ الشعر
يزجي إلى المعالي العربا
كتبوا المجد بالسيوف وبالشعر فكان
القريض أخلد كتبا
لغة القلب طالما خاطب القلب
فهزّ الشعور جنباً جنبا
يبسط السلم إن أردت سلاما

ويشبُّ الحروبَ إن شئت حربا
قد تحول الصحراء في روعة الشعر
فتغدو منه حدائق غلبا
كرّم الله دولة كرّمته
فنما في ظلالها واستتبا

إيه شوقي
!
لو كان للشعر ربّ
جعلتك الاذواق للشعرِ ربّا
يا غذاء القلوب إن تجدب الأر
ض فلسنا نظنّ فيك الجدبا
شاعر العرب كان شعرك حيناً
كنسيم الصبا وحيناً عضبا
كلما طال عهده وتراخى
رفّ في مسمع الزمان وشبّا

كم هززت الرجال في ثورة الشام
فثاروا ولم يبالوا الخطبا
نفخت فيهم القلائد روحاً

جعلت في الشدائد الموت عذبا
فاستطاروا مثل الرياح إلى الموت
فكانوا فيه رياحاً نكبا
فنفضنا عن المرابع ضيماً
سال فيه النجيع مزناً وسحبا
غصبوا الشام واستباحوا حماه
ثم طاحوا وما تملّوا غصبا
كيف ننسى في غوطة الشام يوماً
كنت فيه نوراً وكنت اللهبا
جلت بالشعر جولة فحسبنا
طيف مروان في النواظر دبّا
وكأنّا نرى الخلافة تختال
وملكاً مع الخلافة صلبا
هكذا الشعر ثورة كلّما هاجت
شعوب أوحى إليهم غلبا

ضحكَ الشعر في بيانك وابيضّت
حواشيه ما نشاهد كربا
فغدا مسرح الظباء إذا ما
ندّ سرب فتنتت منها سربا
غزل ينفذ القلوب فتلقي
بهواها فيصبح القلب صبّا
فتظلّ العيون تغمز غمزاً
وتظلّ الشفاه ترضب رضبا
ويكاد النسيب ينطق سحراً
ويكاد الهوى يشقّ الحجبا

وترى قبلة الثغور على الخدّ
وتلقى مزاحها والدعبا

يتلاقى العناق والضمّ والشمّ
وهدب يلزّ فيها هدبا
لا تلمّ الشباك من كل درب
لم تغادر في غمرة الحب دربا
لو يسيل الهوى خلال القوافي
سلسبيلاً غمرت منه الهضبا
قد ملأت الشباب حباً وفاضت
جارة الوادي في فؤادك حباً
فإذا جفّ في الشيوخ هواهم
هجت فيهم هوى الشيوخ فأبّا
فتنادوا إلى الكؤوس وصاحوا
هاتها يا نديم صرفاً وصبا
أنت لا تدري ما تكنّ الليالي
إن توالت وما تكون العقبى

أدموع بأرض أندلس جدت
بها،روّت روضها والتربا
فكأن العيون تلمح شجواً

وكأن الآذان تسمع ندبا
أم غناء كالعندليب طوى الأر
ض فخلنا بعد المنازل قربا
فكأن السنين لمّا ترامت
وثبت نصب أعين القوم وثبا
فرأينا القصور تلمع في الليل
فتهدي فوق البطاح الركبا
وقطعنا الرياض بين رفيف
الدوح نجتاز سروه والدلبا
ولمسنا النعيم في جنة الأرض
يروّي الشعاب شعباً شعبا
فبكينا ملكاً تقاذفته الليالي
غرسوا فوقه القنا والقضبا
ركبوا الموج والعباب وطاروا
يقطعون العباب كثباً كثبا
رفعوا الملك والحضارة والفنّ
وكانوا الرحى لها والقطبا

فهوى الملك والدموع تروّيه
وساءت تلك الأوائل غبّا
وكذاك الأيام تعصف بالناس
ويبقى ما أودعوه الكتبا
صور تقطر البلاغة حتى
تحسب الصدق في البلاغة كذبا
كلما رثّ أو تقادم عهد
جدّد الشعر وشيه والعصبا

كذب الدمع ما وفى حقك الدمع
وإن ماج كالخضم وأربى
قد حبوت التاريخ ما ليس يبلى
لؤلؤاً من لالىء الشعر رطبا
فشهدنا فرعون قد نفض القبر

وهزّ الأحقاب حقباً حقبا
وأتوه بالأكل والشرب حتى
رأت العين أكله والشربا
لبست مصر من بيانك برداً
لم تزده الأيام إلا رحبا
هدرت كالعباب تحطم قيداً
أنقض الظهر حمله والصلبا
فتغنيت بالهدير فهاجت
لم يفل الحديد منها غربا
وقفت كالاهرام في ثورة الضيم
وطالت سماءها والشهبا
وانثنى الضيم عن حماها ونالت
من رقاب العدو طعناً وضربا
ثورة في الديار غنّى بها الشعر
وألقى غراسها والحبا

فزكا غرسها وطاب ثراها
وسقاها الإيمان هطلاً وسكبا
أكلتك الذئاب إن لم تكن في
ثورة العرب والعروبة ذئبا
إيه شوقي
!
أسامع صيحة العرب

وقد دوّى الصوت شرقاً وغربا
ما دعونا إلهامك السمح إلا
حشد السحر والبيان ولبّى
ليتك اليوم في الجماهير والشعب
تغني جمهورنا والشعبا
فإذا ما سجا فؤاد ولبّ
هجت منا فؤادنا واللُبا
إرمِ عنك الأكفان واطرح ثرى
القبر وشاهد ملكاً على النيل رحبا
تلتقي الشام فيه ترباً لمصر
كلّ ترب يشدّ في الملك تربا
وغداً تزحف الديار ديار العرب
تحت الدرفس روحاً وقلبا
إنما العرب وحدة فإذا صال عدو
كانوا عليه إلبا

درجوا حقبة وأوطانهم أيدي سبأ
والخيرات في الأرض نهبى
وعليهم سلاسل من حديد
تمنع الأسد صولة ومهبا
فكأن التاريخ لم يملأوه روعة
أو لم يملأوا الدهر رعبا
لا تعد السيوف غير فتوح لهم

في مناكب الأرض ذنبا
صحبوا اليمّ والبطاح وهمّوا
أن تكون الجوزاء يوماً صحبا
سيّد الشعر
!
هل ترى ربعك اليوم
يشقّ الحديد إرباً إربا
بعثوا من مدافن العزّ تاريخاً نما
عزّه غناء وخصبا
فكأنا نرى ابن حمدان يثني الروم
جراً عن الحمى أو سحبا
هكذا المجد هبّة سلك العرب إليها
درباً على النار صعبا

نمْ هنيئاً يا مرسل الشعر نوراً
شبع القلب من سناه وعبّا
أرأيت البيان والسحر منه
أيّ مجد بنى وجيل ربّى




شفيق جبري:
يهفو الرجال ومن يحصي نقائصهم
وإن هفوت أقام الدهر مهفاك
لو علموك أضاء الله ظلمتهم
لبات في هضبة العلياء مغناك
أُسرت في قفص ماجت غياهبه
فمن يفك من الأقفاص أسراك
أقول والناس قد جاشت بلابلهم
لولاك ما احتملوا الأشجان لولاك
إن ينصروك فما أعلى منازلهم
أو يخذلوك فعين اله ترعاك
ضمنت أن يسترد الشرق بهجته
لا يسلم الشرق من خطب أطاف به

إن كان في الشرق من يسعى لمحياك
إلا إذا هذبت فيه سجاياك

شفيق جبري يرثي أمه:
أُمي! ولستُ أرى في الأرضِ قاطبةً
أعزّ منكِ على الأسماعِ والبصرِ
ناديتُكِ اليوم،لا حسٌّ ولا خبرٌ
فأينَ منكِ دويُّ الحسِّ والخبرِ
غادرتِ في القلبِ جُرحاً كلّما هدأت
آلامهُ اتقدّت في القلبِ كالشرر
لو تسمحينَ جعلتُ الصدرَ مُتكئاً
لرأسكِ الطُّهرِ في الظلماءِ والحفر

شفيق جبري في رثاء صبري العسلي:
أغريبٌ في رَبعهِ ما بالهُ
كلما جال ضاق عنه مجاله
فتراهُ يُحدّثُ النفسَ في السرِّ
ومنهُ جوابهُ وسؤاله
لا تلمه إذا استبدَّ بهِ اليأسُ
ولم تبتسم لهُ آماله
أحرام على الجفون هدوء الج
فن حل بما يمضي اكتحاله
أتناجيأبا شجاعوقد غابَ
فهذي العيون كيف تناله؟
ذكرتنا أيامهُ زمناً ولّى
تولّت قصاره وطواله
قم وحدّث،وأنت عذب الأحاديث
ما أمسنا وما أبطاله
أفما كنت من بقايا نضال
ملأت تاريخ الحِمى أعماله

شفيق جبري:
بدمي وروحي الناهضين إلى الحِمى
الطالعينَ على العرين أسودا
الزاحفينَ إلى القيود وملؤهم
عزم يحلّ سلاسلاً وقيودا
أبتْ المكارِمُ أن تُذَلَّ رقابهم
وأبتْ أميّة أن تكون عبيدا

شفيق جبري:
قد سقانا الزمانُ من مائهِ المُرّ
وبلونا ما كانَ عُسراً ويُسراً

ومن مائهِ النّمير الزُّلالِ
في زمانِ الإدبارِ والإقبالِ
نعرفُ اليومَ ما يكونُ وندري
ما جرى قبلُ في القرونِ الخوالي
ذَلّلَ المرءُ مُعضلاتٍ جساماً
بذكاءٍ في عقلهِ وصِقالِ
راحةُ المرءِ أن يقولَ دعِ
الأقدارَ تجري فإنّني لا أُبالي

شفيق جبري يهجو الحلفاء بعد الثورة العربية:
فلولا الليالي ما عرفنا حليفنا
غدونا له مستنجزين وعوده

أصادقُ ودّ القلب أم هو كاذبهْ
فمرّت بإخلاف الوعودِ سحائبهْ
ودبر في جنح الدياجير كيده
فلما انجلى الإصباح دبت عقاربه
غضبنا له والنصرُ لم يبد نجمه
ولم ندر أن الغرب سودٌ رغائبه
فكافأنا بالسوءِ بعد صنيعنا
وأقحمنا في الذلّ وهو يجانبه

شفيق جبري:
تُذكرني نفسي وهيهاتَ ما أنسى
ويؤنسني هجرُ الديارِ وأهلها

جراحاً أمضّتْ جانبيَّ فما تُؤسى
فلستُ أرى في الناسِ قاطبةً أُنسا
وما يئست نفسي من الدّهرِ إنّما
تنكرّتِ الأخلاقُ فاختارتِ اليأسا
تجافتْ عن الدّهماء لم تحتفل بهم
ترى عبسهم بشراً،وبشرهم عبسا
فما ألفتْ في الليلِ بارقة الدّجى
ولا هيَ ناغت في رفيفِ الضحى الشمسا

شفيق جبري:
أودى المنون بواد الآحاد
وعدت على ربع الكرام عواد
والدهرُ يعثر بالكرام وقلّما
عثرت صروف الدهرِ بالأوغاد
شُلّت يدُ الأحداث كيفَ تخرّمتْ
شرخَ الشّبابِ ونضرةَ الأعواد

شفيق جبري في المعري:
لم يضره فقد النواظر فالقل
بُ بصير تفتّحت أجنانه
قد يرى المرء بالفطانة ما لي
س تراه على النوى أعيانه
كم بصيرٍ أعمى الجنانِ إذا
أمَّ سبيلاً ضلَّ للسبيل

شفيق جبري:
ماجَ الخِضمُّ وزُلزلَ الصّدرُ
مالي ومالكَ أيها البحرُ
للعاصفاتِ على شواطئهِ
حنقٌ على الأيام مُحْمرُّ
فكأنّما هاجتْ بوادره
أُممٌ يُهدِّمُ حوضها الدهرُ

شفيق جبري:
شتّان ما قلبي وقلبك ياحمام الزيزفون
ومن السحاب إلى الهضابِ إلى الجبال إلى الدكون
وأنا المبرح بالسلاسل مثل تبريح السجون
وحصونك الجو المديد فمن يدل على حصوني
وتقيك أطراف الجبال أذى النبالِ فمن يقيني؟
تطوي السماء فترتوي من كل واطفة هتون

وأنا إذا انقطع السحابةُ سقيت قلبي من شؤوني

شفيق جبري”بطولات العرب”

يا دامي الجرح، لا جرح ولا ألم
الجرحُ بعد انتفاض العرب ملتئم

امسح دموعك إن ماجت موائجها
فكلّ ثغرٍ على الأيام مبتسمُ
أتحسب الشمس من أبراجها هبطت
فجنّت الشمس والأبراج والنجمُ
ما صيحة في سواد الليل راعبة
كأنما الليل من أصدائها وجمُ
الله أكبر هذا الصوت من مضر
دوّى فزلزلت الأطوادُ والأجمُ
في كلّ غابٍ ضجيج من مواكبهم
وكلّ طود على هاماته شممُ
كأنّهم والأعادي نصب أعينهم
سيل يفيض على أعدائهم عرمُ
هل العيون خلال الليل في يقظ
أم العيون على أجفانها حلمُ
كلا وربّك ما في العين من حلم
وإنما العرب ثارت فيهم الهمم
شتان ما حاضر نزهى بغرّته
وغابرٍ فاض فيه الدمع والألمُ

أتت ليال وعين العرب ساهية
كأنّهم في ذرا ذؤبانهم غنم
على بصائرهم إن أرشدوا حجبٌ
وفي مسامعهم إن خوطبوا صممُ

تكاد تحسبهم في دارهم رمماً
وهل تثور على أكفانها الرممُ
تبجح العجم في أوطانهم زمناً
لله ما اعتسفوا فيه وما اجترموا
فما اللسان لسان العرب إن نطقوا
ولا الثغور ثغور العرب إن بسموا
أيصبح العرب في أوطانهم هملاً
ويزحم البوم هذا الأفق والرخم
هوّن عليك،فللأيام دولتها
فما تدوم على حالاتها الأزمُ
أما ترى العرب من إغفائهم نهضوا
من كلّ فجّ لهم زحف ومقتحمُ
كأنما بعثوا التاريخ من أمم
فاليوم مجدهم من عيننا أممُ
كانوا العماليق والدنيا تساندهم
هيهات ما يستوي العملاق والقزم

هذا ابن حمدان والآثار ناطقة
فما يعفّي على آثاره القدم
حمى الديار ديار العرب فانطلقت
له الأناشيد والأوتار والنغم
سيوفه من دماء الروم قد رويت
وكاد يشرق منها السيف والقلم
ملّ البطاريق من غاراته وبدا
على البطاريق من أهوالها السأم
اضرب بعينك في آيات شاعره
تظلّ تنطق في آياته الكلمُ
تكاد تسمع صوت الروم إن صرخوا
وتلمس الخوف إن خافوا وإن وجموا
إمّا قتيل تواري الأرض أضلعه
أو سالم من سيوف العرب منهزم
لو كان يعبد دون الله من صنم
ما كان لي غير سيف الدولة الصنم
لولا جهاد بني حمدان في حلب
ما كان للعرب تاريخ ولا علمُ

تلك البطولات كالأهرام راسخة
فأين ما طمسوا منها وما هدموا
انهض ورتّل صلاح الدين آيتها
الأذن مصغية والعين تلتهم
جاءوا إليك بجيش يعصمون به
قبر المسيح فما صانوا ولا عصموا
لو كان همهم قبر المسيح لما
تهودت منهم ذرية ظلموا
أيمنحون بني صهيون تربته
ويزعمزن التقى، هيهات ما زعموا
الحقد يأكل أكلاً من جوانبهم
والحقد نار على الأكباد تضطرم
عيسى بن مريم في الإسلام حرمته
في كل قلب له من أهله حرم
ما في شريعته إلا السلام فهل
صمّوا عن الشرع إنكاراً له وعموا
أين السلام وقد هدّوا قواعده
وإنما السلم في أفيائنا عدم
محوتهم وبطون الأرض تكتمهم
في كل رابية عظم لهم ودم

حطين قد غذيت منهم منابتها
فاخضوضر الشيح والقيصوم والسلم
أين الحصون وأين النازلون بها
لم يفتهم عن جماح العرب معتصم
ودّ العباب الذي خاضوا غواربه
لو كاد يبلعهم من بعد ان هزموا
ليغسل العار عن شنعاء هزمتهم
وكيف يغسل هذا العار بعدهم
يا أمة من تراث الدهر خالدة
مضت ولم تستبح آثارك الأمم
ظنوا اجتياحك مأموناً عواقبه
وما دروا أنهم في ظنهم وهموا
كم غارة لهم في الشام عاصفة
فلم يصبك على غاراتهم هرم
في كلّ غور من الأغوار معترك
وكل نجد من الأنجاد مصطدم
مضوا وخلوا هشيماً من شبابهم
نما به العود والغيطان والأكمُ
حلوا بأرضك حيناً ثم مالبثوا
أن غادروا الأرض لم تثبت لهم قدمُ

لمّا رأوك وقد أعيت جحافلهم
ولّوا وقد أورثوا الغيظ الذي كظموا
كأنّ أنسالهم من بعدهم حلفوا

أن يبعثوا الحقد نيراناً وينتقموا
فأقحموا في ديار العرب شرذمة
من آل صهيون لا عهد ولا ذمم
هذي حضارتهم والشرُّ يملؤها
ماتت على صرحها الأخلاق والشيمُ
يشردون شيوخاً من ديارهم
كأنهم في صحارى تيههم بهمُ
قوم يموتون من بؤس يشتتهم
وآخرون على أظلالهم نعم
خير من العلم جهل تستقرّ به
حرية الخلق والنفاس والنسم
هل يبعث الله نوحاً في سفينته
حتى يعمّ الورى الطوفان والديمُ
كأنما الروض من آثامهم يبست
فما ينضرها ورد ولا عنمُ
مهلاً فلا تيأسن اليوم إن عبست
لك الليالي وإن ماجت بك الظلمُ

ما ضرَّ موكبك الجرار إن طرحوا
صخراً على دربه فالصخر ينحطمُ
فما يعوق ضياء الشمس إن سطعت

غيم على جنبات الشمس يزدحمُ
ألهى بني يعرب عن نصر أخوتهم
شمل على غمرة الاحداث منفصم
على الفراتين من آثاره ثلم
فسل عبابهما هل سدّت الثلم
كأن دجلة قد ثارت أباطحه
أما ترى هذه الأمواج تلتطمُ
تخاله معرباً عن نار غضبته
وللخضم لسان معرب وفمُ
بيني وبينك يا بغداد واشجة
من الأواصر ما تنفك تلتحمُ
أتصرمين حبالاً حاكها نسب
من العروبة يا ويح الذي صرموا
ماذا تقولين للمنصور إن لمحت
عيناه في حلمه الملك الذي قسموا
كانت قصور بني العباس آمنة
واليوم ألوت بها الأحقاد والنقم

دم يسيل على أطرافها دفعاً
وأربعٌ ملء عين الناس تنهدمُ
فما تنام عيون تحتها وسن
ولا تبين شفاه فوقها لجمُ
في الليل إن جنحت ظلماؤه ظِنن
وفي الصباح على إشراقه تهم
كأنما الثورة الحمراء ديدنها
ملك على ظله الأرواح تخترم
فهل يثوب رجال بعدما جهلوا
أم هل يثوب رجال بعد ما علموا
متى أرى حمرة الرايات صائرة
إلى البياض عليها السلم منتظم

سيندم العرب إن طال الشقاق بهم
وليس ينفع عضّ الكف والندم
لم نبنِ ملكاً ولم نلهج بثورته
ليهدم العرب ما نبني ويختصموا
إن الدماء التي روّت جوانبه

يكاد منها يشيب الرأس واللمم
أيذهب اليوم ما ضحوا به هدراً
أما لنا من هدى إيماننا حكمُ
أخبث بها نزوة أملى وساوسها
إبليس حتى يرى منا الذي يصمُ
هذا فؤادي وقد هاجت هوائجه
فكان مثل لهيب النار يحتدمُ
ليست قوافي ما غنيتُ سامعها
وإنما عبرات القلب تنسجمُ
فهل أرى العرب أغصاناً يلفهم
على الديارِ بيان العرب والرحم
حتى يعيدوا ضحى التاريخ خافقة
أعلامه فيرف العز والكرمُ

أنور العطار:في ياسن الهاشمي

لمّا نُعيتَ إلى أرضِ العراقِ ضُحى
ضجّ الفضاءُ وضجَّ السهل والجَلدُ
وروّعتْ فئةٌ للبغي جاحدة
حاقَ الشقاءُ بها والنحس والنكدُ
خافوكَ ميتاً وما بالميتِ من فَرَقٍ
لمّا نُعيتَ تهاووا ثمة افتقدوا
كأنّهم في سوادِ الليلِ أخيلة
لولا الخيالاتُ في دُنيكَ ما وُجدوا
لم يلبثوا أن تواروا في معايبهم
وجُرّعوا الموتَ لم يفطن لهم خَلدُ
مشتدمشقوراءَ النعشِ جازعةً
يكادُ يُصعقُها الأحزانُ والكمدُ
تبكي ابنها البرَّ قد أودى الحِمامُ بهِ
فضاعَ في موتهِ التبيانُ والرّشدُ

أنور العطار:
في ياسن الهاشمي
عمَّ الذهولُ رباعَ الشامِ من أسفٍ
كأنّها مقلة دمعاءُ أو كبِدُ
قد فجّرَ الألمُ الجبارُ أدمُعها
كما تفجرَ يومَ العارِضِ البَردُ
لا الأنسُ يضحكُ في أرجائها ألفاً
ولا النعيمُ على جنباتها يفِدُ
إلا الكآباتِ تعلو الأفق غامرة
وللكآباتِ صوتٌ صارِخٌ فرِدُ
لهفي عليها ولهفُ العُربِ قاطبةً
ماتَ الحبيبُ وماتَ القائدُ النّجدُ

أنور العطار في قصيدة جيش أسامة(
الرسالة العدد 291):
ضجَّ مهد الصحراءِ بالتغريد
وسرى النور في رمال البيدِ
هو ذا في غيابة البعد خطٌّ
ينجلي من سرابها المعقود
سال ذوبُ النضار في مصحف الأف
قِ فزان الدنيا بحلم رغيدِ
نهرٌ من هداية يتلوى
في فضاء رحب المطاف مديد
ضمّ في شاطئيه صَيّابة العُر
بِ وبأس الممرّسين الصِّيدِ
والأميرُ الفتى يدّرعُ البي
د بجيش من الكماة عديد
رفرفت راية النبي عليه
ورعتهُ بالنصر والتأييدِ
من هو القائدُ الفتي وما ين
شدُ في قصده الطروح البعيد
يا صحابي هذا(أسامة) يختا
لُ بِبُرد من الشّبابِ نضيد
رأسُ الأكرمين وهو ابنُ عشري
ن بعزم ماض ورأي سديد
حدث النفس وهو يحلم جذلا
ن بنصر داني القطوف عتيد
إيه يا نفس لا ترُعك المنايا
فالمنايا أمنيّة الصنديد
اطلبي المطمح القصيَّ مداه
ودعي الضعف للجبان الرّقودِ
واذكري نائماً(بمؤتة) باع الن
فس زُلفى ربّ البرايا الحميد
وانهضي للجهاد في نصرة الح
قّ وبُثّي رسالة التوحيد
ودعي اسم النبيّ تعبقْ به الدن
يا وترتع في عالم من سعود
وتلاقى الجمعان فارتجت الأر
ض وغابت في العاصف المشهود
وتعالت في القفر تكبيرة الله
فدّوى الوجود بالتحميد
وأسودُ الصحراء قد غنموا النصر
وفازوا بالمأمل المنشود
يا جنود الحق المبين سلام
أنتم للعلاء خير جنود
بكم عزّت الحنيفة في الكو
ن ومالت شأو المرام البعيد
غيرهم يفتحون للذل والعار
وهم للعلاء والتشييد
ثم دال الزمان من ناسه الغر
فقرت سيوفهم في الغمود
واستكانت إلى الكرى فعليها
صدأ الدهر من طويل الهمود

أنور العطار:
أنا قيثارةٌ تنوحُ على الدهرِ
ودمعٌ على المدى يترقرقْ
أنا لحنٌ مُضرّجٌ بالمآسي
كادت النفسُ من تشّكيهِ تزهقْ
هو في الصدر لاعجٌ يتنزى
وهو في الفكرِ جدولٌ يتدفقْ

أنور العطار يمدح ياسين الهاشمي(
الرسالة العدد 24):
(ياسينُ) نورٌ من الإخلاص مؤتلقٌ
من نفحةِ الله لم يُخصص بهِ أحدُ
من معدن الحزمِ والتصميمِ جوهرُهُ
يكونُ حيثُ يكونُ الرأيُ والسدُدُ
ضمنتَ للوطنِ المجروحِ عزّتهُ
فأنتَ آمالهُ الكبرى وأنتَ غدُ
أما تذكرُ أياماً لهُ غبرتْ
وملءُ أحشائها الترويعُ والسَّهدُ
تفتّحت حفرَ الأجدادِ صارخة
وهبَّ من رقدةِ الآبادِ مُلتحِدُ
شببتها ثورة حمراء لاهبة
تكادُ من هولها الأطوادُ ترتعدُ
لسانها في الفضاءِ الرحبِ مندلعٌ
ووهجُها في فمِّ الجوزاءِ منعقدُ
وأنتَ في غمراتِ الموتِ تقحمها
تظلُّ نفسكَ روحٌ للعلى ويدُ
في فتيةٍ حلبوا الأيامَ أشطرَها
وصافحوا الموتَ لم يفترْ لهم جَلدُ
عاشوا جمالَ الدُّنا حتى إذا أنزلت
بهم مناياهمُ بين الورى خلدوا
كأنّما يبدءون العمرَ ثانية
فإن هم لفظوا أنفاسهم ولدوا
كأنّهم في فضاءِ الله ألويةٌ
دمُ الجهادِ على أطرافها يقِدُ
والمخلصونَ جلالُ الكون ما طلعوا
والمخلصونَ سنا الأيام ما همدوا
في العبقريّة أحقابُ لهم قشبٌ
وفي البطولةِ آبادٌ لهم جُددُ
حلّقتَ كالنّسرِ في الجوزاءِ مرتقياً
وخلفكَ الناسُ في أثوابهم جمدوا
يرونَ فيكَ مضاءً لا كفاءَ لهُ
وعزمة تخلقُ الأبطالَ أوتلدُ
فَخفصّوا الهامَ إعجاباً وتكرمة
والناسُ إن بهرتهمُ خلّة حمدوا
ياسينُ!لا تحتفل كيداً رموكَ بهِ
ولا يهولنك ما حاكوا وما سردوا
فأنتَ كالشّمسِ إن تَسمُ العيونُ لها
ترتدُّ عنها وفي أجفانها رمدُ
لم يلبث الحقُّ أن لاحت مخايلُهُ
وغابَ في طِيّهِ البهتانُ والفَندُ
إن أرجفوا فضلالُ ما نعوجُ بهِ
كم يضحكُ اليمُّ إن أرغى بهِ الزّبدُ
دعِ المُفنِّدَ يمعن في غوايتهِ
فليسَ يرفعُ إلا الواحدُ الصّمدُ
إن يكتبِ اللهُ للإنسانِ مكرُمةً
لا يمحُها الخلقُ بل لا يطوها الأمدُ
خُذِ الخلودَ نقياً ما بهِ دَخَلُ
وخَلِّ هذا الورى يذهب بهِ الحسدُ
يا بانيَ المجدِ لم تضعف دعائمهُ
كلٌّ على ما بنيتَ اليومَ مُعتمدُ
سِرْ في لواءِ الهدى جذلانَ مغتبطاً
فالقومُ قومكَ ما حادوا ولا رقدوا
قد صفّفت لُبواتُ العُربِ شِكتها
وحَدَّدَ النابَ في عرنينهِ الأسدُ
أنور العطار(الرسالة العدد53):

ألهمتني الشعرَ وأنغامهُ
وحسرةَ الذكرى وشجو الهوى
وحيرة صاحبها ذاهلٌ
مُرَوّعٌ يُضنيهِ فرط الأسى
نادتكِ روحي في دجى صمتها
ممرورةً غلغلَ فيها الجوى
واسمُكِ حوّامٌ يُناغي فمي
قلبي طواهُ ولساني روى
آمنتُ بالحلمِ فكم مأملٍ
مُستبعدٍ أدنتْ خُطاهُ الرُّوى
وعالمٍ ضلّلني لغزُهُ
مدَّ عليهِ جُنحهُ فانجلى
يُطمعني في عزلتي أنني
أرى بِسترِ الغيبِ ما لا يُرى
أعي حديثاً حافلاً بالرِّضا
يُهدهدُ القلبَ إذا ما وعى
وتسكنُ النفسُ إلى نغمةٍ
هابطةٍ من سدرة المنتهى
كم صُغتُ أشعاري من وحيها
وكم تغنيّتُ بها في الدجى
قلتُ لنفسي في سُجُوِّ الرؤى
لم آتِ دنيايَ لعمري سُدى
لئن شجاني أنني ميّتٌ
لقد نفى شجوي أني صدى
كتبتُ روحي قصة لذة
وصُغتُ قلبي نغماً يُشتهى
ليسَ ينالُ التُربُ من مهجتي
ولا يُذيبُ اللحنَ منها البِلى
طوفت الأفلاك في سبحها
كأنها ما حفلت بالردى
أترعتِ الدنيا شذاً باقياً
وغلغلت طيَّ الرحاب العلى
أغاضني من فرحتي حسرة
من بَدَّلَ الضحكَ بِمرِّ البكا
مررتُ في دنيايَ مستعجلاً
كأنني في الغُمضِ طيفٌ سرى
تُزينُ الأحزانُ لي عيشتي
وترسمُ الشّكَ وتمحو الهدى
يئستُ من صحوي ومن غفلتي
كلاهما بعضُ خيال الكرى
أسلو، وما سَلوايَ إلا البكا
أحيا،وما عيشي إلا الشّجا
ضاعت أماني ولم يبقى لي
في عمري من أملٍ يُرتجى
ولم يَعُدْ لي مطمحٌ مُشرقٌ
إلا انتحاهُ الموتُ نضر الصِّبا
أمس صِبايَ الغضُّ ودّعتهُ
وغابَ عني في سحيقِ الهُوى
وذا شبابي اليوم مُسترجعٌ
يمشي إلى الموتِ حثيثَ الخطى
وقلبي الموجوعُ ما يأتلي
يُمعنُ في النّوحِ إذا ما اشتكى
حنتْ إلى الماضي جراحاتهُ
وجرحهُ قدِّسَ لما مضى
آهاً على نعمى تخيلّتها
ما جزِعتْ أن هدّمتني ضنى
تعتادني الأشجانُ في وحدةٍ
لا فرحُ يُسعدها أو سنا
داجيةٍ نكراء طفّاحةٍ
بالسُّهدِ والبلوى وبرحِ الاذى
العدمُ الرّاعبُ فيها لقىً
تحسرُ عن أسرارهِ ما اختفى
والوهمُ ملموسٌ بها بيّنٌ
والغيبُ فيها ماثلٌ يُجتلى

أنور العطار في رثاء سليم الجندي:
سليميا حُجّة الفصحى وموئلها
يا وِردها العذبُ مأموناً به الصدرُ
ويا كتاباً قبسنا من صحائفهِ
بدائع الناس ما صاغوا وما سطروا
ويا ربيعاً تندّى رقةً وشذىً
على خمائله الأطيار صادحةٌ

فطيّبَ الأرض منه النافح والعطرُ
وفي مسايله الأغراس والعُذُرُ
ما زلت ليلك تطويه على سهرٍ
حتى تسمّرَ في أجفانك السمرُ
مُنقباً عن أصولِ القول مجتهداً
ما هدَّ جنبك لا أينٌ ولا ضجرُ
وما نظرت بلبٍ ناقدٍ نهِم
إلا استقام لك النُّقادُ والنظرُ
عزيمة ملؤها الإخلاص صادقةً
ما شابَ لإيمانها ضعفٌ ولا خَورُ

أنور العطار:
الرسالة العدد 26
ذوبتُ في روعهِ الإمساء أتراحي
وصُغتها نغمات ذاتِ أفراحِ
أعيد أشعاري الضحّاك مبسمها
من كلِّ مُسترسل الأعوال نوّاحِ
ما قيمةُ العيشِ نمضيه مُرَوّعة
أحلامنا بخيالات وأشباحِ
يسمو بكَ الكونُ إمّا زدتهُ مرحاً
والكونُ ملكُ لعوبِ الحلمِ مِمراحِ
إغفاءةٌ تعدلُ الدنيا بما نهلتْ
أفياؤها من نعيمٍ غيرِ منجاحِ
فغطّ في حُلمكَ الفضيِّ مُطرحاً
إسارَ عيش طويل الهمِّ ملحاحِ
فِفي غَيابتهِ تغفى مواجعنا
كأنما قد محا آثارها ماحِ
يا غيبُ!مهد لروحي فيكَ معتكفاً
رحبَ الأعاليل خصباً جدَّ منّاحِ
مُجنح الحلم مبثوثَ الأطار رؤىً
كالفجرِ ما بينَ تعتيمٍ وإصباحِ
يُعله النورُ أو تعرى مَحِفته
كأنها زهرةٌ في كفّ سباحِ

أنور العطار:
الرسالة العدد 26
تغيم بالزّبد الواهي غلالتها
فتنجلي عن جبين مُشرق ضاحِ
وإن تضع في مطاف جاهد عسرٍ
تظفرُ بفىءٍ وأمواهٍ وأرواحِ
هذي سماؤك فانظم في روائعها
يعيرك الشفق الرّجراج قافية
ففي الغيوم أناشيد وأخيلةٌ

شعرَ الخلودِ بتبيان وإفصاحِ
من كل مؤتلق الألوان لماحِ
صبيغةٌ بسنا كالفجرِ وضّاحِ
يا زورق الشعر جُزْ يمَّ الدنى فرحاً
رُبانكِ الحب،لا تثنيه غاشية

لأنتَ في غُنيةٍ عن كلِّ ملاحِ
عن السرى في سماء ذات ألواحِ

لا تَرعْ فالحياة يومٌ ويمضي
ليس يُرجى لطيفهِ أن يؤوبا
يسأمُ العيشُ من يبيتُ خلياً
والشجي العميد ينسى الكروبا
إن الحياة إذا يسّرتها يسرت
كأنّ إمرارها في الطعم إحلاء
وإن أردتَ بها شؤماً ومعسرةً
فإنّما هي أثقال وأعباء
كل له ما يرى فليتعظ فطن
فعسرها اليسر والبأساءُ سرّاء

عفاءٌ على الدنيا فما هي لذّةٌ
إذا كنتَ في شطرٍ وقلبك في شطر
ويا بؤس محيانا ويا طولَ غمنا
ويا شدّة ما نلقاهُ في الدهرِ من قسر
علّمتني الحياةُ أنّ التأنّي
شدّ ما كان غايةَ المُتمنّي
فتزّودتُ أيَّ زادٍ من الصبرِ
وقرّبتُ حكمة الدّهرِ منّي
لستُ أختارُ أن أكونَ عجولاً
أدَعُ الغيبَ بين رجمٍ وظنِّ
قِسمي لن تكون يوماً لغيري
فلأعوّد نفسي نعيم التأنّي

أنور العطار:
علّمتني أن الوجودَ صراعُ
لا يجيدُ الصراعَ إلا شجاعُ
فتقحّمتُ غايتي غير هيّابٍ
وللنفسِ كرَّةٌ واندفاعُ
إنّما يحذرُ الكفاحَ جبانٌ
ملءُ جنبيهِ رهبةٌ وارتياعُ
والشجاعُ من دأبه الحزمُ
ومنْ همُّهُ السُّرى والزماعُ

أنور العطار:
علّمتني أنَّ الطفولةَ ألوانٌ
وأنَّ الهوى على الدهر طفلُ
إن كتمتُ الهوى كتمتُ التباريحَ
وإن بُحتَّ فالفضيحةُ شغلُ
أو أطعتَ الهوى أطعتَ الأضاليلَ
ودربُ الهوى هوانٌ وذلُّ
حارَ في كُنههِ الأساةُ فما ينجي
حذارٌ وليسَ يردعُ عدلُ

أنور العطار:
يومنا المرتجى!تباركتَ يوماً
أنتَ في علمِ ربّنا الخلاقِ
تتلاقى الأحبابُ في أفقكَ الرّح
بُ،وتشفى من حُرقةِ الأشواقِ
هي في غمرة البقاءِ شحاري
رُ،تَغنّتْ بذكرياتٍ رِقاقِ
قد رَقتْ في فضاءِ ربّي هَيمى
وهي لمّا تزلْ تُحبُّ المراقي
قد نزعنا ثوبَ الحياةِ قشيباً
وجرعنا الردى بكأس دهاقِ
وأفقنا وللصباحِ عبوسٌ
والدُّجى الوَجف قاتم الأعماقِ
ملّتِ النفسُ صحوها وكراها
واصطباحي من هَمّها واغتباقي
فمتى أستريحُ من عبئها القا
سي وأنجو من سحرها البراقِ
يا مغيبَ الحياة أنسيتني النّو
رَ،وأقصيتني عن الإشراقِ
ومحوتَ الوجودَ إلا رسوماً
أوثقتها يدُ البلى في وثاقِ

أنور العطار(
الرسالة العدد993):
ليس يدري غير التسامح دينا
صاغهُ الله من حنان ورفق

فهو روحُ السّخاءِ رمزُ الفداء
ودموع وصبوة ووفاء
يُشرقُ البِشرُ في محياه نضرا
ويرفُّ المعنى النبيل على اللف

ومن البِشر أنفس الشعراء
رفيف السنا على الأنداء
يا صدى الأنفس اللهيفة يا حا
ملَ عبء الهمومِ والأدواء
تنقل البرء للألى نشدوا البر
ء وفي القلب عالم من رثاء
هكذا الأنفس الكبيرة تُحي
لسواها في فرحة واحتفاء
فإذا رمت أن تكون سعيداً
فتعهد مصائب الأشقياء
بسمات الحنان أفعل في الأ
نفسِ من أي نائل وعطاء

أنور العطار:
إنما الأم ومضة من سنا
الله وقيثارة همت أنغاما
صاغها الله من سماحٍ ورفقٍ
ودموعٍ على الليالي تهامى
رحمة هنيت على القلبِ حتى
ملأتهُ هوىً يثور احتداما
طبعتهُ على البشاشة والبشرِ
وزانتهُ بالوفاءِ اعتصاما
خلق كالندى إذا توّج الزهر
وعطفٌ مُخَلّد لا يُسامى
وحنان يرفّ كالزنبق الطهر
وكالروح جائساً حوّاما

أنور العطار:
أنا في عزلتي يطيفُ بي الرعبُ فأبكي
من طولِ سجوي وأفرقْ
تعتريني الهمومُ فالطرفُ حيرانُ
مُندىً من الدموع مُؤرقْ
لي عذاب اثنتين:نفسي التي
تشقى ونفسي التي أحبّ وأعشقْ
ضاعَ عمري كما تضيع الينابيعُ
وتخفى أمواهُها وتُغلقْ
وانطوى مثلما تمرّ الضباباتُ
ويفنى خيالها ويُمزّقْ

عمر بهاء الدين الأميري في قصيدة”
في وحدتي”:
في وحدتي،والليل داج
والسكونُ له امتداد
والذكرياتُ تلوح كسلى
بينَ أجفان السهاد
أصداء ماض ما تزال
تئن في خفق الفؤاد
وتبينت عيناي فوق
الرادفي قلق فراشة
وإذا العُبوسُ يزول عن
نفسي،وتلتمع البشاشة
في وحدتي،أبصرتها
تلقي إلىالرادالشفاهْ
وكأنها في نوره الواني
ترى درب النجاه
أو أنّها ظمأى تعبُ
خلاله راح الحياه
في وحدتي،لاحظتها
تصغي إلى اللحن الخفيف
تحبو على بلورةالراد
المضيئة في رفيف
تعلو وتهبط وهي ترسل
ثم حِسّاً كالحفيف
في وحدتي،شاهدتها
بين ارتداد وانبعاث
واللأي يرهق صدرها
فتظل تمعن في اللُهاث
فسألتها في خاطري
ما تقصدين أياخُناث
في وحدتي،وكأنها
فهمت تساؤل خاطري
فرنتْ إليّ وأقبلت
لترفّ قرب محاجري
ولهى تناجيني وأفهمها
بوحي الشاعرِ
في وحدتي،عاينتها
وعلى جناحيها غبار
في ضوءراديقد أشعّ
كأنما هو من نضار
تركت على خدي نُثاراً
منه،يا لطفَ النثار
في وحدتي،من يُبصرُ
الجسم الممدد في السرير
والصدر يلهث دون لأي
في الشهيق وفي الزفير
تعب الهموم أشد من
تهب الجسوم على الضمير
في وحدتي،في غرفتي
في وحشةٍ حرى كئيبه
أرنو إلى المستقبل
المجهول،أستجلي غيوبه
وعلى الجدار ترن دقة
ساعة تمشي رتيبه
في وحدتي،وأناملي
بالرادتعبث دون غايه
تحبو بإبرته رويدا
في مداه إلى النهايه
فتُشيح نفسي،وهي غيرى
من مهاترة الدعايه
في وحدتي وأنا أحاول
صيد لحن أشتهيه
متنقلاً بين البلاد
أطيرُ من تيهٍ اتيه
سَدر الشعور،فما يعيه
كأنّهُ ما لايعيه
في وحدتي،وأنا غريق
في اللحون وفي الشجون
غاضت حدودي عندما
أسلمت للحلم العيون
وكأنني في اللانهاية
لستُ أفقه ما أكون
في وحدتي،وأنا على
عتبات نوم شبه هادىء
لا أستبين حقيقتي
أنا هانىء أم غير هانىء
رعشت على خدي تدغدغه
ملامسُ من مفاجىء
في وحدتي ،ثار الحنين
يلوب في أعماق قلبي
يرجو له سكناً يلائم
مشربي وينير دربي
ويكون رائد همتي
ويبثني حباً بحُب
في وحدتي،حتى الفراشة
خلفت خدي وطارت

عمر بهاء الدين الأميري في قصيدة”
في وحدتي”:
ورمت بهيكلها على
ففتحتها حتى تطير



بلور نافذتي وطارت
ولست أدري أين صارت
في وحدتي،آمنتُ أنَّ
النفسَ بالحرمان تصفو
فطويتُ أحناءَ الضلوع
على جواي ورحتُ أغفو
والحلم يرقى بي معارج
كلها ذوق ولطفُ

فأنا للحقِّ كالبركانِ لا يترك زوراً
وعلى الباطلِ كالبركانِ ويلاً وثبورا
اغمض العينين رَهوا
وتنفّس صعداءَكْ
املأ زِدْ،واستعدْ
لا خيّبَ الله رجاءك
سِرْ..ولُذْ بالله فإلّا
مدادُ من ربّك جاءك
لا تقُلْ:جاوزت سبعيني
واستكملْ عطاءَك
وامض بالله قوياً
سدّد الله مضاءَك

عمر بهاء الدين الأميري:
الهولُ في دربي وفي هدفي
وأظلُّ أمضي غيرَ مضطربِ
ما كنت من نفسي على خور
أو كنت من ربّي على ريبِ
ما في المنايا ما أحاذره
اللهُ ملء القصدِ والإربِ

عمر بهاء الدين الأميري:
لا تُضِعْ لمحة من العمرِ هدراً
وتقدّس بحملِ همِّ البرايا

وارتفعْ عن كثافةِ الأرض قدرا
واسأل الله فوق صبركَ صبرا
وتفاهم والدهر فهو حكيمٌ
لا تقُلْ:جار! إنّهُ بكَ أدرى
رُبَّ عُسرٍ شكوتَ منهُ مُلحاً
يُضمرُ الدهرُ في خفاياهُ يُسرا
فتشبّثْ مُسلماً لقضاء
الله وادأبْ في السعي ـ يا عبدُ ـ حراً

عمر بهاء الدين الأميري:
أيها الصحب إنّها دورة الدهرِ
كفانا في تيهنا دورانا
نخرالهيروينإنسان غرب
العصرنخراً فلم يعد إنساناً
هو طوراًتقنيةتنطح النجمَ
وطوراً يجاوز الحيوانا
والدنى اليومَ في رحىً من شقاءٍ
ضلَّ إنسانها وشذَ وهانا

أين روح الإله فيه؟أما
استخلف حتى يُسيّر الأكوانا؟
بسدادٍ وحكمةٍ وجهادٍ
ضاع،ويلاهُ
!
ضيّعَ الإيمانا
وتعالى على الإله تعالى
في غرورٍ وكابرَ الدَّيانا
أمضي ولا أنثني،والله يَحفِزُني
ولا أبالي بآمالي وآلامي
الأمرُ أكبرُ من عمري وأصغر من
طموح نفسي وإيماني وإسلامي
ومن توثب روحي في مشارفها
إلى الجهاد..وهذا سرُّ إقدامي

أيا وليدي،يا حفيدي،وأحمدي
أيا طفل هذا اليوم،يا رجل الغدِ
أمدُّ إليك القلبَ في خفقاته
يضمُكَ رغمَ البونِ،والحبُّ مُسعدي
ولوكان في وسعي سعيتُ مقبلاً
ومحتضناً ـ ولكن يدي ـ قصُرت يدي
هو الدهر

بين الشرقِ والغربِ دارُنا
موزعةٌ والبعدُ ليسَ بِمُبعدي
عن المنبت الغالي،عن الأهل حيثما
أقاموا،ولو فوق السماء بفرقدِ
يضمك قلبي يا وليدي ضارعاً
ومستنجداً بالله أكرم منجدِ
يصونك محفوفاً بآلاءِ جودهِ
لتنشأ جندياً لدينِ
(
محمد
)



عمر بهاء الأميري:

أماهُ يا روحاً منيراً
وعلى الثرى،مَلكاً طهوراً

في رحى جسمٍ أهلّا
في ثيابِ “الأمِّ “حلا
وعلى جناني،من جنان
قد كان كالإشراقِ

الخلد،كالنعمى أطلّا
يغمرني جَداهُ ،إذا تجلّى
بركاتُ عمري من رضاه
وتستمرُ،وقد تولّى

الهولُ في دربي وفي هدفي
ما كنتُ من نفسي على خوَرِ
ما في المنايا ما أُحاذرهُ

وأظلُ أمضي غير مضطربِ
أو كنتُ من ربّي على ريبٍ
الله ملءُ القصدِ والأرَبِ
نزعُ السلاح..وما الذي تجدي
له الخطب الجميلة
في ظلمنتظمالتهاتر مادام إنسان الحضارة
والمتاهات الطويلة لا سلام ولا فضيلة
فالأمن في تزع الشرور
من الصدور ولا وسيلة
إلا الرجوع إلا هدىً
سَمَ الإله لنا سبيله

قالوا العروبة قلنا إنها رحم
وموطن ومروءات ووجدان
أما العقيدة والهدي المنير لنا
درب الحياة فإسلامٌ وقرآن
وشرعةٌ قد تآخت في سماحتها
وعدلها الفذ أجناسٌ وألوانُ
البائساتُ المائساتُ
كآلة من غير روح
الناشرات شذى،ومن
أعماقهن أذى يفوح
الضاحكاتُ، وقد طوين
قلوبهن على جروح
آلامها الحرّى،مع الزفرات
في لهث تنوحُ
ولقد يُقال:ألِفنَ ما يحيين
فيه من الجنوحْ
ونجينَ من رهق العقول من
الغموض من الوضوح
وسعدنَ بالأيام تمضي
بالغبوق وبالصبوح
فنقول:بل خدرنها
وغداً يكون لها جموح
ولعلَّ ذا قلب يرى
مأساتهن كما تلوح
وسلوا الشقاء،وإنه بئس
المصير،فقد يبوح
ما للحياة،حياة دنيا الغرب
ملأى بالقروح
الرقُّ فنّ،والسابق في
الضلال هو الطموح
والجاهليةهكذا تمضي
وإن لبست مُسوح
يا رِدّة البشر
عن هدي سَبوح
الطائرُ المكدودُ في الأوداء
كَلَّ عن السفوح
سيغيب في وهداته
فكأنّهُ آلٌ سنوح
حتى ولو راد الفضاء
وشاد في النجم الصروح
ما قيمةُ التحليق في الأجواء
نلتمس الفتوح
والشرُّ في أرض الخلافة
من مفاسدنا رَموح
يا أمّةَ الإيمان نهداً
قد كفى طيّ الكشوح
مستخلفون على الحياة
أما نشدُّ أما نروح؟!
أينَ الأبوّة والهدى؟
أينَ المبادرة الطموح؟
الكلكل الغربي والدنيا
رزوحٌ في رزوح
لابدَّ للظلمات والظلم
المركب من نزوح
يهتزُّ ميزان الدنى
والحقُّ أصمدُ للرجوح
والدّهر قسطاس وإن أغضى
فما هو بالصفوح
الآلة الصماء،والشهوات
والطبعُ الجموح
من ذاتها بأذاتها،
سيهدها قرنٌ نطوح



عمر بهاء الدين الأميري:

حنانيكِ يا أيامُ لا تُوهني صبري
ورقي على صدري وما ضمّهُ صدري
لقد ذابَ قلبي رقةً وتولها
فخلتُ بني الآلام يسعون في إثري
فمن كلِّ ذي بؤس لنفسي حصّةٌ
أشاطرهُ الآهات من حيث لا يدري
تبنيتُ إصلاحَ البلادِ وأهلها
فأصبحَ أمرُ الناسِ كلّهم أمري
وحملّتُ نفسي فوق طاقة همّتي
فشُختُ،ولم أبلغ ثلاثين من عمري
وقال يرثي الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله:

تمرد قلبي والجنانُ تردّدا
فقلتُ استبينوا الأمرَ! قالوا:تأكدا
فحشرجت الآهاتُ والدمعُ خانق
بحنجرتي أوّاهُ من فجأة الردى
ونادى أذان الموت :واروه تربه
غداً،فإذا ما عدتمُ ارتقبوا غدا
غداً سيسيرُ الناس خلف نعوشكم
فيا حظّ من سوّى الطريق ومهّدا
تلمستُ نفسي أستبينُ وجودها
وقد بُزَّ منها مصطفاها وأُلحدا
أما ثلموا بين الحنايا حشاشتي
أما غيّبوا مني،وعنّي، بهِ يدا
أما تيّموا،في الروعِ رأي وقد مضوا
بمن مدّ رأي بالصوابِ وأيّدا
أما أوجلوا عزمي الجليد وكان في
تداعمنا أقوى وأمضى وأجلدا؟
أيا مصطفى نفسي،أتُصعدُ في السما
وتتركني في وهدةِ الأرضِ مفردا
وأنتَ عليم أنني من أذى الدُني
وأهل الدُّنى أحيا غريباً منكدا
عمر بهاء الدين الأميري في قصيدةهم العالمين“:

لا لم أنمْ،بل قد أرقتُ
وللصداعِ رحىً تدورْ
وبمحجريّ من الهموم لظىً
وفي رأسي نُدور
والغربة الليلاء
في عمري أوامٌ لا يحور
عقمتجنيففلا أنيسَ
ولا حبيسَ ولا سرور
وحدي أعدُّ دقائقي
وأضيعُ في تيهِ الدّهور
بينَ التألم والتأمل
في التباسات الأمور
حيرانُ افتقدُ المعالمَ
لا حجابَ ولا سفور
سكرانُ أبتدرُ الصلاةَ
وحمرتي صبرٌ طهور
أسهو وأصحو والدُّجى
ساجٍ وفي نفسي فتور
وأظلُّ في شبهِ الكرى
مُتقلباً حتى أخور
فأغيبُ عن دنيا شعوري
في ضبابِ اللاشعور
ماذا؟أأنباءُ الغيوب غداً
وسكانُ القبور
من كلِّ فجٍّ ينسلون
كأنّهُ يومُ النشور
يتدافعون بِقضهم وقضيضهم
عبرَ العصور
كلٌّ يُسارعُ في مُناهُ
وإنها لَمنى غَرور
وأنا أحسُّ بكاهلي
الأعباءَ قاصمةَ الظهور
أعباءَ كلِّ الخلقِ!
ويلي كِدتُ إعياءٌ أمور
وكأنما اجتمعت على
صدري مُلّمات الصدور
فالأرضُ تحملني على مضض
وتوشكُ أن تغور
وفتحتُ عيني يقظةٍ غرثى
وفي حلقي حَرور
وشرعتُ أصحو مُثقلَ الأنفاسِ
مبهورَ الشّعور
وفمي الأجَفُّ كأنّ في
جنباتهِ نبتتْ يثور
أغمضتُ عيني مرةً أخرى
ومزّقتُ الستور
ومضيتُ أرنو في كتاب الغيبِ
ما بينَ السّطور
فرأيتُ أهوالاً:وكان الحقُّ
من غيظٍ يفور:
بحرٌ من الظُّلماتِ والظلم
المؤجج والشرور
والكونُ بالغُربان عجّ
فلا صقورَ ولا نسور
وألّمْ بي،أو كاد يأسٌ
فالدُّنى ختلٌ وزور
ونظرتُ والأحلاكُ،تدفع نظرتي
خلفَ الجسور
فلمحتُ في بونِ الدُّجى
المسحوبِ مُنبلجَ البكور
ورأيتُ صرحَ المجدِ ينتظرُ
لبجسورَ ولا جَسور
ووجدتُ همَّ العالمينَ
بقلبِ إيماني يسور
وكأنَّ إنقاذَ الوجودِ
على محورهِ يدور
ورأيتني،وأنا..أنا المسكينُ
كالأسدِ الهصور
وحدي،تسلّقتُ الرياحَ الهَوجَ
سُوراً إثرَ سور
ومن الذرى أبصرتُ دربَ
الخلدِ رشتّهُ العطور
وتلامعتْ في منتهاهُ
طيوفُ جناتٍ وحور
وسمعتُ ثمَّ هواتفَ الأقدارِ:
حيَّ على العبور
فقذفتُ نفسي!غيرَ أنّي
شِمتُ أجنحة الطيور
بُسطتْ لِتحملني،وحطّت بي
على جَددِ المرور
فتحتُ عيني،والخلافةُ في
رؤى أملي الغيور
والروحُ يقظى،والأمانةُ في
دمي نارٌ ونور
والعهدُ في عُنقي،وأمرُ الله
في عزمي يثور

قد كابروا الله واستغلوا،على سفهٍ
مُنىً كواذبَ،ودعوى غير مُعتنقِ
وأعلنوها،وما خاضوا معامعها

ولا أعدوا لها إعداد ذي حذقِ
فكان من أمرنا ما كان من فشلٍ
هذه جحافلهم مهزومة المِزقِ
بهم هُزمنا،وما زلنا،وما اتعظت
عُميُ النفوس
!!
ألا إنّ الشقيَّ شقي
فيا فجيعة شعبٍ،مدَّ كاهله
ليصعدوا منه،في أبنائهِ العُققِ
ويا حبائلهم لفّي الشِباكَ على
أعناقهم،واخنقي الطغيان واختنقي
جرحٌ،وأعمقُ من صبرٍ ومن جَلدٍ
خرقٌ،وأكبر من عمرٍ ومن رتقِ
لقد نُكبنا،وما خَضنا،ولا هُزمَ
الأبطالُ في السجن،والأقطابُ في الشنق
بلى

..
نُكبنا،بما قد نابَ أمتنا
والخطبُ من قلبنا في أعمقِ العُمُقِ
لا يأس،فالحربُ أقدارٌ ودائرةٌ
وإنه طبقٌ يأتي على طبقِ
مُكبلون
..
ولكن في غدٍ نبأ
يا نجمُ مزّق ظلامَ الليلِ وائتلقِ
لسنا نبالي،وللقرآن في دمنا
جُذىً من العزمِ تطوي شقة اللحقِ
غداً سيشرقُ بالإسلامِ طالعنا
رغمَ الصعاب،وتجلو غرّة الفلقِ
والنصرُ بالصبرِ والإيمانِ معقده
والمجدُ بالعزمِ والإعدادِ والسّبقِ
ورُبَّ قائلةٍ

:
أفرطتَ في أملٍ
أما ترى السدَّ سداً غيرَ مُخترَقِ
فقلتُ
:
من عزمِكَ اللهم عزمتنا
ولستُ غيرك في الجُلى بممُتشقِ
وطالبُ الحقِّ لا يخشى غوائلهُ
في الله،كم طالبٍ للحقِّ فيه لقي
هي الطريقُ،طريقُ الله،واحدةٌ
وأشقياء غرورِ العقلِ في طُرقِ
يبلى الجديدان،والقرآن جدّتهُ
تنمو هدايتها،كالدِّيمةِ الطبقِ
تحبو الوجودَ حياةً لا زيوفَ بها
خيرٌ يعمُ البرايا خالدَ العَبقِ


محمد البزم:
في رثاء شكيب أرسلان
وفللتَ من غربِ العِدا بسكينة
وشققتَ للصخرِ الأصمِّ مسامعاً

تركتْ مُثارَ النقعِ غير مُثارِ
ورميتَ سمع الخصمِ بالأوقارِ
بيراعةٍ كالشمس من أثارها
قلم كما ترضى الفتوةُ ناهضٌ

مُتعُ الصباحِ ورونق الأبدارِ
بمآربِ الأمجادِ والأخطارِ
قامتْ على الزهراءِ منه روائع
مجلّوة كالصارمِ البّتارِ
تبكي عليه جماهر الأسفارِ
موشيةً بطرائفٍ وطِرارِ

ومن العناء على الوفاءِ وأهله
كفر الرياض صنائع الأمطار
والدهرُ أكرم ما يكون إذا وفت
أبناؤه الأخيار للأخيارِ
نسفتُ ذرى الآمالِ باليأسِ راضياً
ولم يبق لي شيءٌ سوى العلم سلوة

فخدّي،بحمد الله واليأس،أصعر
وغيرُ نبيل الشعرِ ألهو وأسمرُ ر
أصولُ على ذي البغي صولة مُجهز
يُشيّعني رأيٌّ وقلبٌ مبصرُ
خُلِقتُ عثورَ الجدِّ،ما شِمتُ بارقاً
من الخير إلا عاد بالشرِّ يُنذرُ
وأعجبُ شيءٍ يؤلمُ اللبَّ وقعُهُ
جسومٌ هي الأرماسُ في الناسِ تخطرُ

وتسعى خطوب لا مرد لوقعها
فيلهو بنا في ذمّة الدهر عائبه
نعاتبه في السرِّ جهلاً وإن أتت
لياليه بالنعماء لسنا نعاتبه
لكَ الخيرُ ما خطبي على الخصمِ هينٌ
ولا صعدتي عند الثقاف تضّورُ
ولا عرفت مني الليالي ضراعةً
لذي إمرةٍ،يُبدي العداءَ ويُضمرُ
ولي عن مُقامِ الحيفِ والهونِ نبوة
ترفعُ بي حيثُ المجرّة تنهرُ
وعزّةُ نفس لا ترام ،كأنّني
إذا سرتُ يقفوني من الجنّ عسكرُ
شهرتُ على الأيام حربي وآذنت
بحرب،فكلّ أشوس الطرف أزورُ
تنكرّتُ مريداً لها،وتنكرّت
فكلُّ أخي حُسن بعينيَّ مًنكِرُ
وعندي لهذا الدّهر فضلُ قناعةٍ
تكفكفُ من صوب المنى حين تهمرُ
وما أنا من حبَّ السلامة مرتدٍ
ثياب الونى،فالعجزُ يقلى ويهجرُ
وما الموتُ لولا روعة عند وردهِ
سوى الراحةُ الكبرى تودُّ وتُؤثرُ

إذا كان من أسدى لك الشر هيناً
فقل لي ـ أبيت اللعن ـ من أين تثأرُ؟
إلا إنَّ عصراً يرفعُ الجهلُ أهلهُ
ستلعنه في مُقبلِ الدهرِ أعصرُ
ولكنّها الأيام إن طابَ للفتى
زمانٌ أتى بالمعجزاتِ سفيرُها
إذا كانَ ما سرَّ الفتى غير دائم
فما خير نعمى لا يدومُ سرورها
يشطُّ الفتى عن دارهِ قالياً لها
إذا راعهُ بالموبقاتِ نذيرُها
وتغدو القصور الجارحات نوازحاً
إذا لم تلائمها الغداة وكورُها

فيا دهر ما أقسى جنانكَ فاتكاً
ويا موتُ ما أقسى نباتك عاديا
وما ابتدعت كفاك في الناسِ فتكةً
فمخلبُكَ المشؤومُ ما زال داميا
دعِ الدّهر تنمو بالرزايا مصائبه
وتُمطرُ أصناف البلايا سحائبه
فما الدّهرُ إلا مرّ يوم وليلة
تروح بسعد أو بنحس كواكبه
تطاردنا خيل الزمان بلا ونى
ويعدو علينا صرفه فنوائبه
تقارعنا الأيام حتى كأننا
بقايا خميس أسلمته كتائبه
وتحبو إلينا الحادثات كأنها
مواخر يمّ طاميات غواربه
ففخرك بالأهوالِ أوردكَ الردى
وقد يصرعُ الإنسان ما هو قائله

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
دمشق يا فخر الحواضر في العلى
وربيبة الإجلال والإسعادِ
إن تفقدي خير الرجال فطالما
عوّضتِ بالأبناءِ والأحفادِ
شدّي العزائم فالأصالة عالم
ما ضنَّ بالأقران والأنداد
حسب الشعوب مهانة فإلى متى
تقع الشعوب فريسة الأحقاد؟

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:

لمن الديار توّشحتْ بسوادِ
وتلفعت بفواجع وعوادي
دنيا المفاخرة ما عهدتك عاقراً
من ذا ادّخرتِ لغضبة وجِلادِ
حاشى ثغورك أن تلين لفاتح
أو تستكين لغاصب أو عادِ
ذوت المباهج والمفاتن صوّحت
وعلت مناحات بخير وادي
ولطالما حفل الزمان بأنسها
وشدا بكل خميلة أو وادِ
يا دار يا دارات وجدي لا انطوت
فيك البشاشة،والشعاع الهادي
أجّجت في صدري المروءة والهوى
وأرقت في شعري حنين الشادي
ماذا أحدث والفجائع ما تني
جمراتها تذكو بكلّ فؤادِ

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
يا ابنَ الأهلّة من دمشق طوالعاً
وسليل هدي ماجد جوّادِ
أفنيتَ عمرك في حياكةِ بُردها
في غمرةِ النكباتِ والاقيادِ
لم تغرُّكَ الدنيا بخالبِ لهوها
أو تجتذبك المغريات بنادِ
آثرت عيش بساطة ومجادة
فحفلت بين روائح وغوادي
أوليتَ كلّ الناسِ حسن مودّة
فغنيت بالأصحابِ والأوداد
أرضيتَ نفسكَ بالقناعةِ جاهداً
من غيرِ منقصةٍ ولا إجهادِ

عدنان مردم بك في ذكرى يوسف العظمة:
أقدمتَ حين تخاذل الأنصار
وبذلتَ ما لا يبذلُ الأخيار
أرخصتَ روحكَ كي تُصان كرامة
وتعزُّ أوطان ويُكرمُ جار
وأقمتَ للمجدِ الأثيلِ دعائماً
لمّا تزلزل ركنهُ المنهار
لم تُثنِكَ الأهوالُ عمّا تبتغي
هِممُ الكرامِ على الزمانِ كِبار
لولا المشّقة لم تجد لِمُبرزٍ
فضلاً ولم تتفاوت الأحرار
يستسهل الأحرار بذل نفوسهم
هل بعد بذل نفوسهم إكثار؟
في صفحاتِ التاريخ من مهجاتهم
خُطّتْ لكلِّ جليلة أسطار

عدنان مردم بك
يتراجع الليث الهصورُ تَحفزاً
للوثبِ حتى يُحسن التنكيلا
والماءُ في الأحواضِ يأسن واقفاً
وتراهُ يعذبُ حين طاف سيولا

أمجد الطرابلسي(
الرسالة العدد73):
واعجباً للمرءِ في جهلهِ
يُمعنُ في غفلتهِ حالماً

وهو أخو اللُّبِ شقيقُ النُّهى
ويحسِبُ الضِّلةَ كلَّ الهدى
يطوي شقاءَ العمرِ في سكرةٍ
نشوانَ يُغريهِ رفيفُ الرُّؤى
وهمانُ كلَّ العمرِ ما إن يعي
سرَّ الدُّنى،يا بؤسَهُ لو وعى!
شيَّعتُ بالأمسِ رُفاتِ الصِّبا
في لوعةِ الثُكل ومُرِّ الجوى

أمجد الطرابلسي(
الرسالة العدد73
):
يقولُ لي صحبي في فرحةٍ
هَوِّن على نفسكَ بعضَ الأسى
لله قلبُ المرءِ من غامض
يُحيّرُ اللبَّ ويُعيِّ الحِجى
يبكي لما يُضحِكُ حيناً وقد
يُضحكهُ ما يستفزُّ البُكا
تراهُ كالدّمعِ همى رقةً
طوراً وكوراً كَحرون الصّفا

أمجد الطرابلسي:
وإني لأهوى الليث يستعذبُ الطوى
ويأنفُ أن يُدني إلى جيفةٍ يدا
يسيرُ أشَمَّ الأنفِ مستكبرَ الخطا
فترتجفُ البيداءُ إن راحَ أو غدا
أحبُّ الفتى يفري الفلاةَ مُهجَّرا
فلا يشتكي أيناً ولا يتظلّمُ
إذا لذعتهُ الشمسُ سدَّدَ وجههُ
إليها حديدَ الطرفِ لا يتبرّمُ

أمجد الطرابلسي:
ويمشي على الرّمضاءِ مُتئِدَ الخُطا
جليداً ونيرانُ الرمالِ تضرَّمُ
أحبُّ الفتى والغُلُّ يُثقِلُ عنقُهُ
وسيفُ الأعادي بين عينيهِ مُشهَرُ
يصيحُ بأعلى صوته يُنكرُ الأذى
ويضحكُ من بطشِ الطغاةِ ويسخرُ
ويشمخُ بالأغلال رأساً وإن غدتْ
تحز ومن أنيابها الدمُ يقطرُ

وأحتقرُ الأحرارَ يحنون رأسهم
وليسَ عليهم سيّدٌ أو مُسيِّطرُ
إذا كان قلبُ المرءِ عبداً ورأيهُ
فقل لي ـ هديت الخير ـ ماذا تُحرِّرُ

أمجد الطرابلسي:(الرسالة العدد180):

أتظلُّ تخفق في الأضالع واهياً
يا قلب حسبك! لن تراني شاكيا
يا ذلّة الباكي! إذا أعداؤهُ
شمتوا به،والخِلُ أصبحَ راثيا
يا ذلّة الباكي! لجرحي لاهباً
أرضى لنفسي يا خفوق وناريا
أكتم لهيبك ما تقسمك الأسى
لا يرخصن بكاك جرحاً غاليا
واشمخ بأنفكَ في الخطوبِ ولا يكن
غلف القلوب أشد منك تعاليل
ولتكرم الألم المخلّد،ولتكن
بلظى تكتمه الضلوع مباهيا
فالكون تضحكه الدموع إذا جرت!
أتظل تضحك ذا الزمان اللاهيا؟
والمجد للألم الدفين على المدى
لا للذي يؤذي المسامع باكيا
والوجد أنبلهُ كمينٌ صامت
وأجله ما كان جُرحاً خافيا
كنز من الإلهام لا تلقى له
بين الكنوز مشابهاً ومساويا
يهب الجلال لمن يطيق صيانه
والعبقرية والثناء الباقيا
يا أصدقائي النائحين تجملوا!
لا تصبحوا بين الأنان ألاهيا
تبّاً لقلب لم يذق مجد الأسى
وبِلىً لقلب لا يملّ تشاكيا
أغلوا الجراح فلن تروا مثل الجوى
للعبقرية مُنضجاً ومواتيا
إن القريض أعز مجداً من فتى
يُمسي ويصبحُ ضارعاً متباكيا
لا يستحق الخلد شِعر ناحب
تتقاطر العبرات منه جواريا
يا أيها الشاكي!إلى من تشتكي
أفأنت مُلفٍ في الأنامِ مواسيا؟
وإذا لقيت فإن في إشفاقه
ورثائه ذلاً لنفسك كافيا
أم الطبيعة ما تبثّ وأُذنها
موقورة ما إن تجيب مناديا
تشكو فتعتنق الطيور على الرُّبى
بين الغصون ضواحكاً ولواهيا
وتنوح الأزهار وتضحك خلسة
والجدول المِطرب يسخر جاريا
هل أسكنت يوماً لشاكي علة
طيراً على عرش الأزاهرِ شاديا
أو حطمت أغصانها لفجيعة
أو مزقت حُللاً ترفّ زواهيا
أو لم تجىء هذي الطبيعة مرة
ولهان تفتقد الحبيب النائيا
كم جئتماها قبل كنف الهوى
وقضيتما فيها ضحى وأماسيا
الزهرُ حولكما يرفُّ مهنئاً
والطيرُ فوقكما تحوم شواديا
والغصن مخمور يصفق ناثراً
قُبلاً على عطفيكما ولآليا
أودعتماها الذكريات حبيبة
تحكي أزاهرها اللطافُ غواليا
وكتبتما فوق الجذوع مواثقاً
ونقشتما فوق الصخور أساميا
واليوم..تأتيها وحيداً شارداً
ترجو بمغناها لجرحك آسيا
فانظر إليها!هل رعت ذمم الهوى
أو خلدت ذكراً حلون خواليا
سائل!فلست ترى لعهدك ذاكراً
وابحث فلست ترى لحبّك راعيا
واجزع!فلن تلقى لخطبك جازعاً
واندب! فلن يلقى بكاك مباليا
ما بالها تلهو وأنت مكلم
تتلمس الذكرى وعهداً خاليا
إن الطبيعة غادة فتانة
لا تعرف القلب الوفي الحانيا
أحبيبي الغالي،وأنت مخاطبي
هيا استشفّ من القصائد ما بيّا
هذا القريض يشفّ عمّا تحته
أتظن قلبي بعد ذلك ساليا
ألهو وأضحك ليس يبصر ناظري
ماذا تكنُّ أضالعي وفؤاديا
أتقول:لا يذكي الهيامُ قصائدي!
لولا لحاظك ما زكتْ أشعاريا
أقصائد يحملن آلام الهوى؟!
يا هونهن!ولو يكنّ دراريا
وأنا قصيدتك البديعة صُغتها
من فيض سحرك أبحراً وقوافيا
وبخافقي ما لو تقسمه الورى
وسع القلوب على الزمان خواليا
لكنني أغلى فؤادي أن يرى
بين الأنام ـ وأنت فيه ـ داميا

محمد علي الحريري في رثاء الشيخ حسن حبنكة رحمه الله:
أيُّ المطالع تصلح استهلالا
شردَ البيانُ فما أُطيق مقالا
جاهدتَ طوراً باللسان وطالما
قد كنتَ تتقن بالسّنانِ قتالا
وبقيتَ رمز العنفوانِ لأمّةٍ
ضربت بعزّة نفسكَ الأمثالا

جورج صيدح يرثي أخته:
أمضي وقلبي في دمشق رهينة
لغفرتُ للأم الجراح لو أنها

أودعها صدر الثرى والجندل
شفقت بأختي من قضاءِ منزلِ
في جيرةِ الشهداءِ حلّت منزلاً
وكأنها أخذت تهىء منزلِ

جورج صيدح:

مصطفى السباعي:

أهاجكَ الوجدُ أم شاقتكَ أثارُ
وما لعينك تبكي حُرقةً وأسىً

كانت مغاني نعمَ الأهل والدار
وما لقلبكَ قد ضجَتْ به النارُ
على الأحبّة تبكي أم على طللٍ
لم يبق فيه أحباء وسمّارُ
وهل من الدهر تشكو سوء عشرته
لم يوف عهداً ولم يهدأ له ثار
هيهات يا صاحبي آسى على زمن
ساد العبيد به واقتيد أحرارُ

مصطفى السباعي:
أو أذرف الدمع في حب يفاركني
أو في اللذائذ والآمال تنهارُ
فما سبتني قبل اليوم غانية
ولا دعاني إلى الفحشاء فجّارُ
أمتُّ في الله نفساً لا تطاوعني
في المكرمات لها في الشرِّ إصرارُ
وبعت في الله دنيا لا يسود بها
حق ولا قادها في الحكم أبرارُ

مصطفى السباعي في رثاء شكيب أرسلان:
سلامُ عليك أبا غالب
أميرُ الجهدِ أميرُ القلم
هتكتَ برأيكَ حُجبَ الظلامِ
وثرتَ إباء إذا الخطبُ عمّ
وطوّفتَ في الأرضِ تبغي السلام
لقومكَ والحق ممن ظلم
فَخضتَ الغمارَ وصُنتَ الذمار
وكنتَ الإمام وكنتَ العلم
وما زلتَ تفضح كيد الألى
بغوا في البلادِ وخانوا الذمم
وترشد قومكَ للواضحاتِ
تنيرُ العقولَ وتُذكي الهِمم
إلى أن أصاخَ لكَ المسلمون
ولبى نداكَ أسود الأجم
فآنَ لجسمكَ أن يستريح
وتهجر روحك دنيا الألم
أصبتَ بِدُنياك مجد الخلود
وعندَ الإله الثواب العمم

مصطفى السباعي:
دعيني وشأني ليسَ عذري بشافع
لديكِ ولا حالي يعنُّ ببالكِ
وهل يلتقي طيران:هذا مُحلِّقٌ
تروم جناحاهُ سماءَ ملائكِ
وذاكَ مُسِفٌ حائمٌ فوق جيفةٍ
على الارَضِ تُدنيهِ لوطءِ سنابكِ
وكم بين من يمشي بصيراً بدربهِ
تُضىءُ له الأقدارُ وعرَ المسالكِ

مصطفى السباعي:
وبينَ عَمٍ لا يهتدي لطريقهِ
يُحاطُ بِحُجب مظلماتٍ حوالكِ
وشتان ما بين الخلي من الهوى
وبينَ مُحبٍّ مدنف الجسمِ ناهكِ
وآنّى يُداني عاقلاً ذا حصافة
جهولٌ سفيهٌ هالك وابنُ هالكِ
دعيني ففي دنياي هَمٌّ ومحنةٌ
وقطعُ طريق في المفاوز شائكِ

مصطفى السباعي:
وحلٍ وترحال وحرب وهدنة
وتعليم أستاذ وعزلة ناسك
ودنياكِ ما دنياكِ؟وهمٌ وخدعةٌ
وسعيٌّ حثيث نحو شتى المهالكِ
وفي يسرها ضنكٌ وفي عزّها ضنى
تُثيرُ لأدنى الشيء أقسى المعارك
إذا كنتِ في دنياكِ ترضين أنني
سعيد بدنيا الخير لستُ بفاركِ

مصطفى السباعي:
فإن تسخري مني فلستُ بساخرٍ
وإن تضحكي مني فلستُ بضاحكِ
هُمُ الناسُ بين اثنين:صيد تشوقهم
معارك في ساحِ الهدى وصعالك
دعيني أعيشُ العمر في غُربة الهوى
ففي الحقِّ محرابي وفيهِ مناسكي
وفي النصحِ لذّاتي وفي الخيرِ ثروتي
وفي العلم محراثي وفيه سبائكي



عصام العطار:
قلبي هو الحبُّ أزكاهُ وأطيبُهُ
كأنّهُ من أريجِ الحُبِّ نيسانُ
قلبي التسامُحُ لا غلٌّ يُكدرُّهُ
وإنما هو غفرانٌ وإحسانُ
بالله عزَّ فكانَ العفوُ شيمتَهُ
لا يعرفُ العفوَ قومٌ إن همُ هانوا
قلبي هو المزنُ لا حقدٌ يُلوِّثُه
بذلتُهُ للورى طُرَّاً فمنهلُهُ

وهو الربيعُ بأزهارٍ وأنداء
عذبٌ سخيٌّ لأحبابي وأعدائي
وعشتُ للحبِّ أُغليهِ وأُكرمُهُ
فوقَ الصغائرِ من حقدٍ وأهواء

الحرُّ حرٌ ولو ناءَ الحديدُ بهِ
هيهاتَ يخضعنا قيدٌ وسجانُ
ذلَّ الحديدُ وما ذلّت عزائمنا
أقوى من القيدِ والطاغوت إيمانُ
الصَّبرُ صَبرٌ على الدنيا وزينتها
والصّبرُ صبرٌ على طُولِ الطريقِ إذا

والصّبرُ صبرٌ على الأرزاءِ والمِحنِ
عَزَّ الرفيقُ وماجَ الدربُ بالفتنِ
والصّبرُ صَبرٌ على العَليا ومطلبها
والصّبرُ صخرٌ عجيبٌ لا فناءَ له

وعزمةٌ كمضاءِ السيفِ لن تَهنِ
تفنى الخطوبُ وصَلدُ الصّبرِ لم يلنِ
والصّبرُ بشرى من الرّحمنِ صادقةٌ
ورحمةٌ في رِحابِ الله ذي المِنَنِ
يا ربِّ إني لعونٍ منكَ مفتقرٌ
لولاكَ لولاك لم أصبرْ ولم أُعَنِ

عصام العطار:
العِلمُ نورٌ،والجهالةُ ظُلمةٌ
والعَزمُ جُنْحٌ إن سموتَ لغايةٍ

والعقلُ رشدٌ،والتدبُّرُ أحزَمُ
والبذلُ فرضٌ،والتردّدُ مأثَمُ
والعجزُ عارٌ،والنكوصُ مهانةٌ
شرفُ الحياةِ ،شجاعةٌ وتَقدُّمُ
إعمَلْ وجاهدْ دائباً يا مُسلمُ
الحرُّ لا يعنو ولا يستسلمُ
وإذا المذّلةُ والحياةُ تلازما
فالموتُ أحلى عند ذاكَ وأكرمُ

عجبتُ من مؤمنٍ يرضى الهوانَ وما
يرضاهُ إلا الأُلى بالله قد كفروا
تراهُ يحتجُّ بالأقدارِ مُعتذراً
والمؤمنُ الحقُّ لو يدري هُوَ القَدرُ
وعبدُ النفسِ ـ مهما عاشَ ـ عبدٌ
ويأبى العبدُ يوماً أن يسودا
يُحبُّ القيدَ يُدمي مِعصميهِ
ويكرهُ أن تَفُكَّ لهُ القيودا
فإن حطّمتها قهراً وقسراً
يظلُّ كأنَّ في يدهِ الحديدا

ليسَ الحياةُ بأيامٍ تطولُ بنا
إذا تطاولَ أعمارٌ وأيّامُ
يا رُبَّ لحظةِ صِدْقٍ لا يُنافسها
من سائرِ العُمرِ أعوامٌ وأعوامُ
قد زورّوا الحقّ والتاريخَ واختلقوا
من الأكاذيبِ ما يندى لهُ الخجلُ
والناسُ جهلٌ وأهواءٌ ومصلحةٌ
تُطوى الحقيقةُ والتزويرُ ينتقلُ
توزّعتهم على إغرائها سُبُلٌ
وليس لله ما تفضي لهُ السّبُلُ

الروحُ في الأفقِ آمالٌ مُجَنحةٌ
والجسمُ في القيدِ لم يُسعِدْ جناحاهُ
كمْ ذا جَزيتُ على الكُفرانِ عِرفانا
وكمْ جزيتُ على ما ساءَ إحسانا
وكمْ أسوت جِراحاتِ الأولى ثَملوا
منْ نَزفِ جُرحي أقداحاً ونُدمانا
لله قلبي نَميرٌ كُلُّهُ وسنىً
أحالهُ الحُبُّ والإيمانُ غفرانا
سَما بي الحُبُّ في علياءِ جنّتهِ
فكِدتُ أُخطىءُ وجهَ الأرضِ أحيانا

رُوحي يرومُ من الغاياتِ أبعدَها
ولا يُساعِدُ روحي مُدنفَ البدنِ
قد ذَلَّ من عبدَ الدُّنيا وزينتها
وعَزَّ من عبدَ الرحمنَ إيمانا
فالمؤمنُ الحقُّ حرٌّ ليس يملكهُ
سِحرُ الدُّنى وفتونُ العيشِ ألوانا
والمؤمنُ الحقُّ لا يعنو لطاغيةٍ
ولو تَفجّرَ هذا الكونُ طُغيانا
خفضوا الجباهَ لغاصبٍ ومُقاتلٍ
لِعدوهمْ لينُ الجوانبِ منهمُ

وتَنمرّوا للأهلِ والأوطانِ
ولأهلهمْ قلبٌ من الصّنوانِ

عصام العطار:
أشواقُ روحي لا أرضٌ تُحَدِّدها
ولا سَماءٌ ولا شمسٌ ولا قمرُ
أشواقُ روحي تطوي الدّهرَ سابحةً
فلا يُحَدِّدها عَصرٌ ولا عُصُرُ
أشواقُ روحي وجهُ الله وُجهتها
يقودُها الحبُّ إن لم يُسعفِ النَّظرُ

عصام العطار”
المسلمون المنتظرون”:
قومٌ يُطِلُّونَ والدُّنيا بها ظمأٌ
أقوالُهُمْ شُعَلٌ،أفعالُهُم غُرَرٌ

والدّربُ مُلتبِسٌ والليلُ مُعتكِرُ
أخلاقهم مَثَلٌ،أخبارهم سَمَرُ
بهم يُقوَّمُ ما في الأرضِ من عِوَجٍ
والحقُّ والعدلُ والإحسانُ ينتصِرُ
ويهتدي كلُّ من ضلَّ السبيلَ بهم
والليلُ والخوفُ بعد المدِّ ينحسِرُ
وترتوي الأرضُ كلُّ الأرضِ من ظمأٍ
ويسعدُ الخلقُ والأحياءُ والبشرُ

ليسَ الحياةُ بأيامٍ تطولُ بنا
إذا تطاولَ أعمارٌ وأيامُ
يا رُبَّ لحظةِ صِدْقٍ لا يُنافسها
من سائرِ العُمرِ أعوامٌ وأعوامُ
حَنَيْنَ ظهري الليالي في تَتابُعها
وما انحنى لأعاصيرٍ وأنواءِ
أعيشُ حُرّاً فلا الطاغوتُ ذَلّلني
ولا ذَللتُ لأطماعٍ وأهواءِ
ربي لكَ الحمدُ كم أسبغتَ من نِعَمٍ
جلّتْ عطاياكَ عن عدٍّ وإحصاءِ

تفنى الحياةُ ويبقى من كرامتنا
ما ليسَ يُفنيهِ أسقامٌ وأعمارُ
كُنّا مع الفجرِ أحراراً،وقد غَرَبتْ
شمسُ الشّباب،ونحنُ اليومَ أحرارُ
إذا أدمتكَ أنيابُ الليالي
وراعكَ من زمانكَ ما يَروعُ
فلا تيأس ولا تخنعْ وتخضعْ
فَشرُّ الشرِّ يأسٌ أو خنوعُ
وجاهدْ في سبيل الله واصبرْ
فَرَبُّكَ شاهدٌ وهو السميعُ
وإن ضاعتْ جُهودَكَ في حياةٍ
فَعِندَ الله جُهدكَ لا يضيعُ

يُريكَ وجهَ

أبي بكر

بظاهرهِ
وفي جوانحهِ يغفو

أبو لهب
كُنّا وكُنّاوما يُجدي تذكرُّنا
إذا قعدنا ولم نلحق أوالينا
صِرنا غُثاءً فسيلُ الدّهرِ يحملنا
ذلاً وعجزاً..وسيلُ الدّهرِ يطوينا

سيّان عنديَ إن أثنوا وإن كفروا
اللهُ قصديَ لا الدنيا ولا البشرُ
اليأسُ موتٌ،وشرُّ الموتِ موتُ فتىً
واليأسُ كُفرٌ بِرَوحِ الله ويلَ فتىً

يَدِبُّ في الأرضِ لا عَزْمٌ ولا عَملُ
قد فاتَهُ في دُناهُ النورُ والأملُ
إمتدَّ يا ليلُ وازددْ رهبةً ودُجىً النورُ
يُشرِقُ هَدياً في جوانحِنا

فلن يُخالِطنَا يأسٌ ولا وَجَلُ
ومن جوانِحنا للكونِ ينتقلُ
لن يملِكَ الظلمُ والظلماءُ عالَمنا
فالدّهرُ في جَريهِ أيامُهُ دُوَلُ
والحقُّ والعدلُ نصرُ الله نصرُهُما
والظُّلمُ ـ لا بُدَّ ـ مهزومٌ ومُنخذِلُ

أبكي عليكم وهذا مُنتهى عَجبي
والقلبُ من ذكركمْ في نشوةِ الطربِ
يامَنْ أصابكَ ما تدمى القلوبُ لهُ
وفَلَّ عَزمكَ ما جاءتْ بهِ الغِيَرُ
ومن قعدتَ عن الجُّلى ومطلبَها
وشَلّكَ الوهنُ،لا تأتي ولا تَذرُ
ومن يَئستَ من الدنيا فلا أملٌ
ورُحتَ عن يأسِكَ القتَّالِ تعتذرُ
حاوِلْ ولا تعتذِرْ يأساً ومَعَجزِةً
فأنتَ بالله ـ إن أخلصت ـ مُقتدِرُ

وآثر القلب ورد الموت في كرم
على حياة بلا صدق ولا كرم
من كانَ يملِكُ إيماناً ومعرِفةً
والفِكرَ والعَزمَ والإقدامَ ينتصِرُ
وإن عَثرتَ فلا ترضَ العِثارَ وقُمْ
فتبَّ من ركنوا للأرضِ إذ عثروا
انهضْ تقدَّمْ تألَّقْ رِفعةً وسنىً
فالمجدُ يدعوكَ والأيامُ تنتظِرُ
ما قيمةُ العُمرِ لولا مَطلبٌ جَلَلٌ
إن طالَ أو قَصُرِتْ أيامهُ العُمُرُ

عصام العطار:
لا تَقعُدنَّ عن السُّموِّ لغايةٍ
فالنيراتُ إذا عَزَمتَ قريبةٌ

عَظُمتْ ولو عنَّتْ لكَ الجوزاءُ
والشاهقاتُ إذا عَزمتَ وِطاءُ
والمُستحيلُ إذا عَزمتَ مُذَلَّلٌ
ولكَ الزمانُ مَطِيّةٌ وفضاءُ
ما دُمتَ للِحقِّ المُبينِ مُعانقاً
فالنصرُ وعدٌ،والجنانُ جَزاءُ
وإذا قضيتَ على الطريقِ مُجاهداً
فالفوزُ ما فازت بهِ الشهداءُ

عصام العطار في قصيدة المسلم الحق:
إن أظلمَ الليلُ كانَ النجمَ مؤتلقاً
أو أخلفَ العزمُ لم تُخلِفْ عزائِمُهُ

أو خَيّمَ اليأسُ كان الرَوْحُ والأملا
أو كَلَّ ذو الجدِّ كانَ الجِدَّ والعملا
أو أرهبَ الموتُ لم يَرْهَبْ نوازِلَهُ
وإن تَزيّنتِ الدُّنيا لفتنتهِ

وتابعَ الدَربَ لا يُثنيهِ ما نزلا
خابتْ،فما آثرَ الدنيا ولا شُغِلا
إيمانهُ حصنهُ ،والوحي مرشدُهُ
واللهُ غايتَهُ إن قالَ أو فَعلا
وقلبُهُ رحمةٌ للخلقِ شاملةٌ
ونبعُ حُبٍّ وإخلاصٍ لمن نَهَلا

عصام العطار في قصيدة المسلم الحق:
ومشعَلُ الحقِّ إن غابتْ مشاعلُهُ
وموئِلُ العدلِ في الدنيا إذا خُذلا
والعلمُ والفِكرُ رُكنٌ من عقيدتهِ
قد ضلَّ عن منهجِ الإسلام من جَهِلا
وكيفَ يحمِلُ دينَ الله عن ثقةٍ
من فاتَهُ دينُهُ عِلماً وما عقلا
لا تتركوا الدينَ للِجُهالِ تُفسِدهُ
فالجهلُ يُفسِدُ منهُ كُلَّ ما جَملا

عصام العطار:
القولُ فِعْلٌ ـ إذا قُلنا ـ بلا مَهَلٍ
فالفِعلُ لا القولُ ما يُدني من الأملِ
والقولُ والفِعلُ نورُ الوحي يُرشدهُ
والعِلمُ والفِكرُ من جَهلٍ ومن زلَلِ
يرى الفؤادُ بعينٍ غيرِ كاذبةٍ
ما ليسُ يُدرِكُ بالآذان والمُقَلُ

عصام العطار:
تَهَدَّمَ جسمي دونَ إدراكِ غايتي
وقصدي بعيدٌ والسَّفينُ تَحطّما
وكيفُ يُطيقُ الجسمُ آمادَ غايتي
ولو كانَ كالفولاذِ بأساً..تَهدّما
ولكنّني أمضي بروحي مُحلِقّاً
وجسمي أسيرُ الأرضِ،في افقِ السّما
وأُؤثرُ عيشَ الحُرَّ صاباً وعلقماً
على أن أعيشَ الدّهرَ عبداً مُنعّماً

أُصِبتُ فلم تَثنِ المصائبُ عزمتي
إذا ما امرؤٌ خوفَ المصائبِ أحجما
وعاهدتُ ربّي أن أعيشَ مُجاهداً
وحسبي أن يرضى جهادي تَكرُّما
وما أُبالي إذا التاريخُ أنصفني
أو جارَ في حُكمهِ أو خانَ أو كذبا
وما أُبالي لسان الدّهرِ توّجني
بالحمدِ أم أعملَ الأنيابَ والقُضبا
الظالمونَ على شتى مذاهبهمْ
قد مزّقوني ـ وما باليتهم ـ إربا
الله قصدي وهذا الكونُ أجمعَهُ
لم يستثِرْ رَغِباً في النفسِ أو رهبا

عصام العطار(
نحن المسلمين):
نحنُ شمسُ الحقِّ تجتاحُ الظلاما
نحنُ حُلمُ الأرضِ عدلاً وسلاما
نحنُ بالإسلامِ حَرّرنا الأناما
ورسمنا للورى دربَ الكمال
نحنُ لا نخضعْ إلا للإله
نحنُ لانخفضُ للبغي الجباهْ
نحنُ صوتُ الحقِّ في وجهِ الطغاه
إن عتا الباطلُ أو ذَلَّ الرجال
نحنُ غرسُ الله ربّانا محمدْ
نحنُ رُشدُ الأمسِ والحاضرِ والغدْ
نحنُ روحُ البعثِ والعزمُ المُجدّدْ
وهواةُ الرّكبِ في ليلِ الضلال
نحنُ إيمانٌ وعلمٌ وعملْ
نحنُ فكرٌ وجهادٌ وأملْ

نحنُ لا نجزعْ،إن خطبٌ نزلْ
لم يجدْ وهناً وكنّا كالجبالْ
نحنُ حبٌّ وإخاءٌ وعطاءْ
نحنُ غرسٌ وبناءٌ
..
وفداء
نحنُ في الأرضِ سياجُ الضعفاء
وجنودُ الحقِّ في كلِّ مجالْ
لا نقبلُ الظُلمَ مهما كانَ مَنبتهُ
فَدينُنا كلُّهُ عدلٌ وإحسانُ
يدي يدُ الخصمِ إن جارَ الوليُّ فلا
يُضامُ في ديننا حقٌّ وإنسانُ
ما أجملَ العدل والإحسان في خُلُقٍ
والقبحُ أقبحهُ بغيٌّ وطغيانُ

قد جفَّ دمعي وما جفَّ الأسى أبداً
في كلِّ يوم جراحاتٌ وأحزانُ
نتابعُ الدربَ لا نعنوا لطاغية
أقوى من الموتِ والطاغوتِ إيمانُ
دعوا التفرّقَ يا قومي ويا وطني
فإنَّ فرقتكم وهنٌ وخسرانُ
تابع طريقكَ يا أُخيَّ مُثابراً
مهما تكن في دربكَ العقباتُ
تابع طريقكَ يا أُخيَّ ولا تَهِنْ
فالنصرُ عزمٌ صارمٌ وثباتُ
تابع طريقكَ يا أُخيَّ ولا تهبْ
فالموتُ في دربِ الجهادِ حياةُ
تابع طريقكَ فالنكوصُ مذلّةٌ
والذلُّ من أجلِ البقاءِ مماتُ

العزمُ يُدني من الغاياتِ أبعدها
ويجعلُ الصعبَ سهلاً حيثما وجدا
فانهض بعزمكَ للِجلّى بلا مَهَلٍ
قد خابَ من خارَ منهُ العزمَ أو قعدا
إنّي لاكبِرُ من يمضي لغايتهِ
سِيّان إن قرُبَ المطلوبُ أو بَعُدا
إيه بلادي سوفَ نمحو ما مضى
ونعفُّ عن سفحِ الدموعِ تجلّدا
خابَ النوادبُ ليسَ يُدرِكُ قصدَهُ
في الأرضِ إلا من أعدَّ وجنّدا
دنيا الوحوش فمن تغافلَ ساعةً
حُرِمَ البقاءُ ظُلامةً أو عُبّدا
إنا حلفنا صادقين ولم نكن أبداً
لِنخُلِفَ ما حيينا موعدا
أنا سنبني للكرامة والجِدا
ركناً منيعاًموصدا
نطوي الصدور على الجراحِ
ونثني للمجدِ نبني ما نشاء مخلّدا

وأبسمُ والليالي حالكاتٌ
وفي قلبي المواجعُ والدموعُ
وأمضي في طريقي لا أُبالي
وإن حفلَ الطريقُ بما يروعُ
رفيقي الله في ظلم الليالي
فكيفَ أخافُ فيها أو أضيعُ
الحبُّ نبعٌ إذا ما غاضَ كوثرهُ
فلا حياةٌ ولا خيرٌ ولا أملُ
ولا حنانٌ ولا عفوٌ ولا كرمٌ
ولا سُموٌ إلى الجُلّى ولا عملُ
ولا جمالٌ ولا فنٌ ولا أدبٌ
ولا توهُّجُ روحٍ وهو يبتهِلُ
ولا سعادةُ نفسٍ في سماحتها
والأرضُ من حولها بالحقدِ تشتعلُ
قلبي هوى الحبِّ لا يجفو خمائلَهُ
يُغرِّدُ الحبُّ في قلبي فيطربني

هيهاتَ عنهُ هزارُ الحُبِّ يرتحِلُ
من مهجتي شجوُهُ والشدوُّ والنَّهَلُ
حبٌّ تجاوزَ أحبابي فوارِفهُ
ظِلُّ العدوِّ إذا طلحت بهِ السّبُلُ
أقيهِ بالجَفنِ من حَرٍّ ومن خطرٍ
وفي ضلوعي من أحقادهِ أسَلُ

عصام العطار:
وليسَ في هذه الدنيا وإن رحُبتْ
ما في فؤادي من رَحبٍ وآفاقِ
ونورُ قلبي يُضىءُ الكونَ إن غرقتْ
هذي الدُّنا ببهيمِ الليلِ غسّاقِ
ما شئتَ من أملٍ فيهِ وإشراقِ
ومن عزيمةِ ماضي العزمِ سبّاقِ
هيهاتَ تسحقني الدنيا بشدّتها
هيهاتَ تفتنّي عن بعضِ أخلاقي

عصام العطار:
هيهاتَ تسلبني نوراً هُديتُ بهِ
النورُ ينبعُ من قلبي وأعماقي
وتذهبُ الأرضُ والدنيا بما حفلتْ
ولا تزولُ رؤى روحي وإشراقي
إني مع الله في قلبي وفي عملي
ما حِدتُ عنهُ بأهوائي وأحداقي
إنّي مع الله حبلُ الحُبّ مُتصلٌ
والخلدُ بعضُ عطاءِ الواحدِ الباقي

عصام العطار في مصطفى السباعي رحمه الله:
ولم ترَ وجهي عند نعشكَ مصطفى
وذلكَ جرحٌ لا يغورُ بخافقي
مكانُكَ في قلبي الوفيِّ موّطدٌ
فأنتَ على طولِ الزمانِ مُرافقي

عصام العطار:
يا كُربةَ النفسِ للإسلامِ ما صنعتْ
بكلِّ أرضٍ بهِ أيدي المعادينا
ومحنةُ العالم المنكوبِ تنشرُنا
على فواجعها يوماً وتطوينا
الأرضُ قد مُلئت شراً وزلزلها
جَورُ الطغاةِ ولؤمُ المُستغلينا
في الشّرقِ والغربِ آلامٌ مؤرقةٌ
تبدو أحايينَ أو تخفى أحايينا

مروان حديد:“
ياراحلين”
هل تسمعون توجُّعي وتنهد الدنيا معي
يا راحلينَ عن الحياةِ وساكنينَ بأضلعي
يا شاغلينَ خواطري في ثورتي وتضرّعي
أنتم حديثُ جوانحي في خلوتي أو مجمعي
أنا من غدوتُ بحبّكم ملكاً ولست بِمُدّع
فإذا سلوتُ هواكم ألفيتُ مثل البلقعِ
يا طائرينَ إلى جنان الخلد أجمل موضع
أتُراكم أسرعتمُ أم أنني لم أُسرعِ

أنور العطار:
في ياسن الهاشمي


مروان حديد:“
ياراحلين”
ما ضرّكم لو ضَمّني معكم لقاء مُودّع
فيقال لي:هيا إلى أرضِ الخلود أو ارجعِ
إن لم أكنْ أهل الشهادةِ والمقامِ الأرفعِ
أفستُ أهلاً للوداعِ! فيال لخطبي المفجعِ
كم قلت صبراً للفؤادِ على المصاب المفجعِ
لكن صبري نافِذٌ ومدامعي لم تنفعِ
سأظلُ أبكي بعدكم كالعاشقِ المتلوعِ
وأحبكم حتى وأنتم ترقصون لمصرعي

يا راحلين وساكنين بقلبي المتصدّعِ

أنور العطار في قصيدة جيش أسامة(
الرسالة العدد 291):

ضجَّ مهد الصحراءِ بالتغريد
وسرى النور في رمال البيدِ
هو ذا في غيابة البعد خطٌّ
ينجلي من سرابها المعقود
سال ذوبُ النضار في مصحف الأف
قِ فزان الدنيا بحلم رغيدِ
نهرٌ من هداية يتلوى
في فضاء رحب المطاف مديد
ضمّ في شاطئيه صَيّابة العُر
بِ وبأس الممرّسين الصِّيدِ
والأميرُ الفتى يدّرعُ البي
د بجيش من الكماة عديد
رفرفت راية النبي عليه
ورعتهُ بالنصر والتأييدِ
من هو القائدُ الفتي وما ين
شدُ في قصده الطروح البعيد
يا صحابي هذا
(
أسامة
)
يختا
لُ بِبُرد من الشّبابِ نضيد
رأسُ الأكرمين وهو ابنُ عشري
ن بعزم ماض ورأي سديد
حدث النفس وهو يحلم جذلا
ن بنصر داني القطوف عتيد
إيه يا نفس لا ترُعك المنايا
فالمنايا أمنيّة الصنديد
اطلبي المطمح القصيَّ مداه
ودعي الضعف للجبان الرّقودِ
واذكري نائماً
(
بمؤتة
)
باع الن
فس زُلفى ربّ البرايا الحميد
وانهضي للجهاد في نصرة الح
قّ وبُثّي رسالة التوحيد
ودعي اسم النبيّ تعبقْ به الدن
يا وترتع في عالم من سعود
وتلاقى الجمعان فارتجت الأر
ض وغابت في العاصف المشهود
وتعالت في القفر تكبيرة الله
فدّوى الوجود بالتحميد
وأسودُ الصحراء قد غنموا النصر
وفازوا بالمأمل المنشود
يا جنود الحق المبين سلام
أنتم للعلاء خير جنود
بكم عزّت الحنيفة في الكو
ن ومالت شأو المرام البعيد
غيرهم يفتحون للذل والعار
وهم للعلاء والتشييد
ثم دال الزمان من ناسه الغر
فقرت سيوفهم في الغمود
واستكانت إلى الكرى فعليها
صدأ الدهر من طويل الهمود


من شوارد الشواهد ـ أمير الشعراء أحمد شوقي

من شوار الشواهد

الجزء الثاني

أحمد شوقي

شوقي يرثي والدته:

لكِ اللهُ من مطعونةٍ بقنا النّوى
شهيدةِ حربٍ لم تُعارِفْ لها إنما
مُدَلّهةٍ أزكى من النارِ زفرةً
وأنزهِ من دمعِ الحيا عبرة سَحما
أستْ جُرحها الأنباءُ غير رفيقةٍ
وكم نازعٍ سهماً فكان هو السهما
فيا حسرتا ألا تراهم أهلّةً
إذا أقصرَ البدرُ التمامُ مضوا قدما

مماتٌ في المواكب،أم حياةُ
ونعشٌ في المناكب،أم عظاتُ؟
يَجلُّ الخطبُ في رجلٍ جليل
وتكبرُ في الكبيرِ النائبات
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليهِ النائحاتُ
بنو الدنيا على سَفرٍ عظيمٍ
وأسفارُ النوابغِ مُرجعاتُ
أرى الأمواتَ يجمعهم نشورٌ
وكم بُعثَ النوابغُ يوم ماتوا
لي فيك مدحٌ ليس فيهِ تكلفٌ
أملاهُ حبٌّ ليسَ فيه تملقُ

فقبّلتُ كفّاً كان بالسيفِ ضارباً
وقبلّتُ سيفاً كان بالكفِّ يضربُ
المُلكُ بين يديكَ في إقبالهِ
عوّذتُ مُلككَ بالنبي وآلهِ
حرٌّ وأنتَ الحرُّ في تاريخهِ
سَمحٌ وأنتَ السّمحُ في إقبالهِ

هل البأسُ إلا بأسُهُمْ وثباتهمْ
أو العزمُ إلا عزمهُمْ والتلبُّبُ
أو الدينُ إلا ما رأتْ من جهادهم
أو المُلكُ إلا ما أعزّوا وهيبّوا
ذو هِمّةٍ كفؤادِ الدّهرِ لو نظرت
إلى بعيد دنا،أو جامح لانا
باني المآثر يعجزن الملوك بنى
بكلِّ أرض لكسرى العلم إيوانا
مدَّ الكنانة أطرافاً ووسّعها
ملكاً وأترعها خيلاً وفرسانا
وفجرَّ الماءَ في جنباتها فسقى
ما كانَ بين عيون النيل ظمآنا
ونص في ثبجِ الصحراء رايتها
كالنجمِ يهدي بأقصى الليل حيرانا

رحالةَ الشّرقِ إن البيدَ قد علمتْ
بأنّكَ الليثُ لم يُخلق لهُ الفزعُ
وهلْ مررت بأقوامٍ كفطرتهم
من عهدِ آدمَ لا خبثٌ ولا طَبعُ
جزتكَ مصرُ ثناءً أنتَ موضعهُ
فلا تذب من حياءٍ حينَ تستمعُ
ملائكةٌ إذا حَفوكَ يوماً
أحَبَّكَ كلُّ من تلقى وهابا
وإن حملتكَ أيديهم بُحورا
بلغتَ على أكفّهمُ السحابا
تَلّقوني بِكلِّ أغرّ زاهٍ
كأنَّ على أسِرّتهِ شهابا
ترى الإيمانُ مؤتلقاً عليهِ
ونورَ العلمِ والكرمِ اللبابا
وتلمحُ من وضاءةِ صفحتيهِ
مُحيّا مصرَ رائعة كعابا

يجلّ الخطب في رجلٍ جليلٍ
وتكبرُ في الكبير النائباتُ
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليه النائحاتُ

أكبرتُ من حسنين هِمّة طمحتْ
ترومُ ما لا يرومُ الفتية القُنعُ
بيضُ الوجوهِ ووجهُ الدّهرِ ذو حَلكٍ
شمُّ الأنوفِ وأنفُ الحادثاتِ حمي

الصابرينَ ونفسُ الأرض واجفةٌ
الضاحكينَ إلى الأخطارِ والقُحمِ
سل العصر،والأيام،والناس:هل نبا
نبأ لرأيك فيهم أو لسيفك مَضرِبُ

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فليرثِ من هذا الورى من شاءَ
فجعَ المكارمَ فاجعٌ في ربّها
والمجدَ في بانيهِ والعلياء
ونعى النعاةُ إلى المروءة كنزها
وإلى الفضائلِ نجمها الوّضاء
واستبكِ هذا الناسَ دمعاً أو دماً
فاليومُ يومُ مدامع ودماء

شوقي يرثي حافظ إبراهيم:

قد كنتُ أؤثر أن تقولَ رثائي
يا مُنصفَ الموتى من الأحياءِ
لكن سيقتَ،وكلُّ طولِ سلامةٍ
قدرٌ،وكلُّ منيّة بقضاءِ

الرافعونَ إلى الضحى آباءَهم
فالشمسُ أصلهم الوضىء المُعرِقُ
وكأنّما بين البِلى وقبورهم
عهدٌ على أن لا مِساسَ وموثِقُ
قسماً بمذهبكَ الجميل وقديم عهد لا ضئي
ووجه صُحبتك القسيم ل في الوداد ولا ذميم
ما كنت يوماً للكنا لما تلاحى الناس لم
نةِ بالعدوِّ ولا الخصيم تنزل إلى المرعى الوخيم
كم شاتمٍ قابلته
بترفعِ الأسد الشتيم
وشغلتَ نفسك بالخصيب
من الجهودِ عن العقيم
فخدمتَ بالعلم البلا
د ولم تزل أوفى خديم

أيها اليائس مُتْ قبلَ الممات
أو إذا شئتَ حياةً فالرّجا
لا يضيقُ ذرعُكَ عند الأزمات
إن هيَ اشتدّتْ فأملْ فَرجا
كأنَّ يراعي في مديحكَ ساجِدٌ
مدامعهُ من خشيّةِ الله تذرِفُ
كأنّكَ والآمالُ حولكَ حُوَّمٌ نميرُ
على عطفيهِ طيرٌ تُرفرِفُ
وأزهرَ في طِرسي يراعي وأنملي
ولفظي فباتَ الطِرسُ يجنى ويقطفُ
وجمّعَ من أنوارِ مدحكَ طاقةً
يُطالعها طرفُ الربيع فيطّرفُ
تهادى بها الأرواحُ في كلِّ سَحرةٍ
وتمشي على وجهِ الرياضِ فتعرفُ

ليسَ اليتيمُ من انتهى أبواه
من هَمِّ الحياةِ وخلّفاهُ ذليلا
إنَّ اليتيمَ من تجد لهُ أمّاً
تخلّتْ وأباً مشغولا
فرِضى البعضِ فيهِ للبعضِ سُخط
ورضى الكُلِّ مطلبٌ لا يُنال

والمالُ لا تجني ثمار رؤوسه
حتى يصيب من الرؤوسِ مدبراً
والملكُ بالأموالِ أمنعُ جانباً
وأعزّ سلطاناً وأصدق مظهراً

هل ترى كالتُرابِ أحسن عدلاً
وقياماً على حقوقِ العبادِ
نزلَ الأقوياءُ فيهِ على الضعفى
وحلَّ الملوكُ بالزّهادِ
إنَّ البنات ذخائرٌ من رحمةٍ
وكنوزُ حبّ صادق ووفاء
والساهراتُ لعلّةٍ أو كبرةٍ
والصابراتُ لِشدّةٍ وبلاء

والمرءُ ليسَ بصادقٍ في قولهِ
حتى يؤيدَ قولهُ بِفعاله
المالُ حَلّلَ كلَّ غيرِ مُحَلّلٍ
حتى زواجَ الشّيبِ بالأبكارِ
ما زُوجّتْ تلكَ الفتاةُ وإنّما
بيعَ الصِّبا والحسنُ بالدينارِ
فتشتُ لم أرَ في الزواجِ كفاءةً
ككفاءةِ الأزواجِ في الأعمارِ

إذا لم يكن للمرءِ عن عيشةٍ غنىً
فلا بُدّ من يُسر ولا بدّ من عُسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو،والحلوَ في المرِّ
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ
فَمنْ لجليلِ الأمرِ أو مُعضلِ الحال؟
ولولا معانٍ في الفدى لم تعانهِ
نفوسُ الحواريين أو مهجُ الآلِ
فغنوا بهاتيك المصارع بينكم
ترنُّمَ أبطالٍ بأيامِ أبطالِ
ألستم بني القوم الذين تكبروا
على الضربات السبع في الأبدِ الخالي؟
رُددتمُ إلى فرعونَ جَدّاً، ورُبّما
رجعتم لعمٍّ في القبائلِ أو خالِ

هل سألنا أبا العلاء وإن قَلّبَ
عيناً في عالمِ الكونِ وسَنى
كيف يهزأ بخالقِ الطير من لم
يعلم الطير،هل بكى أو تغنّى؟
بانَ الأحبّةُ يومَ بينِكِ كُلّهمُ
وذهبتِ بالماضي وبالمُتوّقعِ

آذنتها بِنوى فقالت ليت لم
تصلِ الحبالَ وليتها لم تقطعِ
ورداءُ جُثمانٍ لبستِ مُرّقمٍ
بيد الشّبابِ على المشيبِ مُرّقعِ
والمؤمنُ المعصومُ في أخلاقهِ أبداً يراهُ الله في غَلَسِ الدُّجى
من كلِّ شانئةٍ،وفي آدابهِ من صحن مسجدهِ وحول كتابهِ
ويرى اليتامى لائذينَ بظلّهِ
ويرى الأراملَ يعتصمنَ ببابهِ
ويراهُ قد أدّى الحقوق جميعها
لم ينسَ منها غير حقِّ شبابهِ
أدّى من المعروفِ حصةَ أهلهِ
وقضى من الأحسابِ حقّ صحابهِ

هذا زمان لا توسط عنده
يبغي المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه،أو ابق بمعزل
ليسَ التوسط للنبوغِ سبيلا
وعِصابةٍ بالخيرِ أُلِفَّ شَملُهم
والخيرُ أفضلُ عُصبةً ورِفاقا
جعلوا التعاونَ والبنايةَ هَمّهم
واستنهضوا الآدابَ والأخلاقا

فأشرِقْ على تلك النفوس لعلّها
ترقُّ غذا أشرقت فيها وتلطفُ
فأنتَ بهم كالشّمس بالبحر إنّها
تَرُدُّ الأجاجَ المِلحَ عذباً فيرشَفُ
كثيرُ الأيادي حاضرَ الصّفحِ مُنصفٌ
كثيرُ الأعادي غائبُ الحقدِ مُشعفُ
لهُ كل يوم في رضى الله موقفٌ
وفي ساحةِ الإحسانِ والبرِّ موقفُ
تجلّى جمال الدين في نور وجههِ
وأشرقَ في أثناءِ بُرديهِ أحنفُ

حمد شوقي في عبد الخالق ثروت الذي مات في فرنسا:

يموتُ في الغابِ أو في غيرهِ الأسدُ
كلُّ البلادِ وسادٌ حينَ تُتسَّدُ
قد غيّبَ المغربُ شمساً لا سَقامَ بها
كانت على جنباتِ الشّرقِ تتقّدُ
حدا بها الأجلُ المحتومُ فاغتربتْ
إنّ النفوسَ إلى آجالها تَفِدُ
كلُّ اغترابٍ متاعٌ في الحياةِ سوى
يومٍ يُفارِقُ فيهِ المُهجةَ الجسدُ
نعى الغمامَ إلى الوادي وساكنهِ
برقٌ تمايلَ منهُ السهلُ والجَلدُ
برقُ الفجيعةِ لما ثارَ ثائرهُ
كادت كأمسٍ لهُ الأحزابُ تتحِدُ
قام الرجالُ حيارى مُنصتينَ لهُ
حتى إذا هدَّ من آمالهم قعدوا
علا الصعيدَ نهارٌ كلّهُ شجنٌ
وجلّلَ الريفَ ليلٌ كلّهُ سُهدُ
لم يُبقِ للضاحكينَ الموتُ ما وجدوا
ولم يَرُدَّ على الباكينَ ما فقدوا
وراءَ رَيبِ الليالي أو فُجاءتها
دمعٌ لُكلِّ شماتٍ ضاحكٍ رصَدُ
مشتْ على جانبيهِ مصرُ تنشدُهُ
كما تدلّهتْ الثكلى،وتفتقِدُ
وقد يموتُ كثيرٌ لا تُحسّهمُ
كأنّهم من هوانِ الخطبِ ما وُجدوا
لكلِّ يومٍ غدٌ يمضي بروعتهِ
وما ليومكَ يا خيرَ اللِّداتِ غدُ

يا أيُّها الدّمعُ الوفيُّ،بدارِ
نقضي حقوقَ الرفقة الأخيارِ
أنا إن أهنتك في ثراهم فالهوى
والعهدُ أن يُبكوا بدمعٍ جاري
هانوا وكانوا الأكرمينَ،وغُودروا
بالقفرِ بعد منازلٍ وديارِ
لهفي عليهم،أُسكنوا دورَ الثرى
من بعدِ سُكنى السّمعِ والأبصارِ
عطفاً عليهم بالبكاءِ وبالأسى
فتعهدُ الموتى من الإيثارِ
يا غائبينَ وفي الجوانحِ طيفهم
أبكيكمُ من غيّبٍ حُضّارِ
بيني وبينكم وإن طالَ المدى
سفرٌ سأزمعهُ من الأسفارِ
إني أكادُ أرى محليَ بينكم
هذا قراركم،وذاكَ قراري

خفضتُ لِعزّةِ الموتِ اليراعا
وجدَّ جلالُ منطقهِ،فراعا
كفى بالموتِ للنُّذرِ ارتجالاً
وللعبراتِ والعِبرِ اختراعا

شوقي في إسماعيل صبري:

نَمْ ملءَ جفنِكَ فالغدّوّ غوافلٌ
عمّا يروُعكَ،والعشيُّ غوافي
في مضجع يكفيكَ من حسناته
أن ليسَ جنبُكَ عنهُ بالمُتجافي
واضحك من الأقدارِ غير معَجّز
فاليوم لست لها من الأهداف
والموتُ كنتَ تخافهُ بكَ ظافراً
حتى ظفرت به،فدعهُ كفاف
قُلْ لي بسابقةِ الودادِ:أقاتلٌ
هو حينَ ينزلُ بالفتى،أم شافي؟
غلبَ الحياة فتىً يسدُّ مكانها
بالذكرِ،فهو لها بديلٌ وافي

مُقيلَ الصديقِ إذا ما هفا
مُقيلَ الكريمِ إذا ما عثرْ
حييتَ فكُنتَ فخارَ الحياةِ
ومُتّ فكنتَ فخارَ السيّر

أحمد شوقي في ذكرى وفاة محمد فريد:

نُجَدِّدُ ذكرى عهدكم ونُعيدُ
ونُدني خيالَ الأمسِ وهو بعيدُ
وللناسِ في الماضي بصائرُ يهتدي
عليهنَّ غاوٍ،أو يسيرُ رشيدُ
إذا الميتُ لم يَكرُمْ بأرضٍ ثناؤُهُ
تحيّرَ فيها الحيُّ كيفَ يسودُ

ونحنُ قضاةُ الحقِّ،نرعى قديمَهُ
وإن لم يَفُتنا في الحقوقِ جديدُ
ونعلمُ أنّا في البناءِ دعائمٌ
وأنتم أساسٌ في البناءِ وطيدُ
فريدُ ضحايانا كثيرٌ،وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريدُ
فما خلفُ ما كابدتَ في الحقِّ غايةٌ
ولا فوقَ ما قاسيتَ فيهِ مزيدُ
تغرّبتَ عشراً أنتَ فيهنَّ بائسٌ
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريدُ

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فَليرثِ من هذا الورى من شاءَ
فجع المكارمَ فاجعٌ في ربّها
والمجدُ في بانيه والعلياء
ونعى النُعاةُ إلى المروءةِ كنزها
وإلى الفضائلِ نجمها الوّضاء
ولقد عهدتُكَ لا تُضيِّعُ راجياً
واليومَ ضاعَ الكلُّ فيك رجاء
وذكرتُ سعيكَ لي مريضاً فانياً
فجعلتُ سعيَ بالرثاءِ جزاءَ
والمرءُ يُذكرُ بالجمائلِ بعده
فارفع لذكركَ بالجميلِ بناءَ
واعلمْ بأنّكَ سوفَ تُذكر مرةً
فيقُالُ:أحسنَ،أو يقال: أساءَ

يقولون
:
يرثي كلَّ خِلٍّ وصاحبٍ
أجلْ،إنّما أقضي حقوقَ صِحابي
جزيتهمُ دمعي،فلما جرى المدى
جعلتُ عيونَ الشّعرِ حُسنَ ثوابي
مُصابُ بني الدنيا عظيمٌ (بأدهم)
وأعظمُ منه حَيرةُ الشّعر في فمي
أأنطقُ والأنباءُ تترى بِطيّبٍ
وأسكتُ والأنباءُ تترى بمؤلم؟
أتيتُ بغالٍ في الثناء مُنَضَّدٍ
فمنْ لي بغالٍ في الرثاءِ مُنَظَّمِ؟

أرحتَ بالكَ من دنيا بلا خُلقٍ
أليس في الموتِ أقصى راحةِ البال؟

شوقي يرثي والدته:

إلى الله أشكو من عوادي النّوى سهماً
أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمى
من الهاتكات القلبَ أوّلَ وهلةٍ
وما دخلتْ لحماً،ولا لامست عظما
تواردَ والناعي،فأوجستُ رنّةً
كلاماً على سمعي،وفي كبدي كَلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوى
فيا ويحَ جنبي كم يسلُ؟ وكم يدمى؟

قبرَ الزير تحيةً وسلاما
الحلمُ والمعروفُ فيكَ أقاما
ومحاسنُ الأخلاقِ فيك تغيّبتْ
عاماً،وسوف تغيّب الأعواما

شوقي في رثاء عبد العزيز جاويش:

أصابَ المُجاهدُ عُقبى الشهيد
وألقى عصاهُ المضافُ الشّريد
وأمسى جماداً عدوُّ الجمودِ
وباتَ على القيدِ خصمُ القيودِ
فيا لكَ قبراً أكنَّ الكنوزَ
وساجَ الحقوقَ،وحاطَ العهود
لقد غيّبوا فيك أمضى السيوفِ
فهل أنت يا قبرُ أوفى الغمود؟

وبعضُ المنايا تُنزلُ الشّهدَ في الثرى
ويحططنَ في التُربِ الجبالَ الرواسيا
عزاءً جميلاً إمامَ الحِمى
وهَوِّنْ جليلَ الرزايا يَهُنْ
وأنتَ المُعانُ بإيمانهِ
وظنُّكَ في الله ظنٌّ حسْ
ولكن متى رقَّ قلبُ القضاء؟
ومن أينَ للموتِ عقلٌ يَزن؟

عجيبٌ رداكَ،وأعجبُ منهُ
حياتُكَ في طولها والقِصر
فما قبلها سمعَ العالمون
ولا علموا مُصحفاً يُختصر
دفنّا التجاربَ في حفرةٍ
إليها انتهى بك طول السفر
جاذبتني جنبي عشيّةَ نعيهِ
وخفقت خفقةَ مُوجعٍ أوّاه
ولو أنّ قلباً ذابَ إثر حبيبهِ
لهوى بك الركنُ الضعيف الواهي
فعليكَ من حُسنِ المروءةِ ’مرٌ
وعليكَ من حُسنِ التجلّدِ ناه

ولقد يُداوونَ الجراحَ ببِرِّهم
ويقاتلونَ البؤسَ والإملاقا
قُمْ ترَ الدنيا كما غادرتها
منزلَ الغدرِ وماءَ الخادعين
وترَ الحقَّ عزيزاً في القنا
هَيّناً في العُزْل المستضعفين
وترَ الأمرَ يداً فوقَ يدٍ
وترَ الناسَ ذئاباً وضئين
وترَ العزَّ لسيفٍ نَزِقٍ
في بناءِ الملكِ،أو رأيٍ رزين
سُنَنٌ كانت،ونَظمٌ لم يزل
وفسادٌ فوق باعِ المصلحين

البِرُّ من شُعبِ الإيمانِ أفضلهُا
لا يقبل الله دونَ البرِّ إيمانا
فمن يغترُّ بالدنيا فإنّيلبستُ فيها فأبليتُ الثيابا
جنيتُ بروضها ورداً وشوكاًوذقتُ بكأسها شهداً وصابا

يا طالباً لمعالي الملك مجتهداً
خُذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلمِ والمالِ يبني الناسُ مُلكهمُ
لم يُبنَ ملكٌ على جهلٍ وإقلالِ
إنّما يَقدُرُ الكرامَ كريمٌ
ويُقيمُ الرجالُ وزن الرجال
وإذا عَظّمَ البلادَ بَنوها
أنزلتهم منازلَ الإجلالِ

إذا الأحلامُ في قومٍ تولّتْ
أتى الكبراءُ أفعالَ الطّغامِ
ولم يتكلف قومكَ الأسد أهبةً
ولكن خلقاً في السباعِ التأهبِ
كذا الناس:بالأخلاق يبقى صلاحهم
ويذهبُ عنهم أمرهم حين يذهب

خلقَ الناسُ للقويِّ المزايا
وتجنّوا على الضعيفِ الذنوبا
وقد يموتُ كثيرٌ لا تُحِسُّهم
كأنّهم من هوانِ الخطبِ ما وُجدوا

ولا المصائب إذ يرمى الرجال بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصبِ
ما أصعبَ الفضلَ لمن رامهُ
وأسهل القول على من أراد

والجهلُ موت فإن أوتيتَ معجزة
فابعث الجهل أو فابعث من الرجم
أنا من بدَّلَ بالكُتبِ الصِّحابا
لم أجدْ لي وافياً إلا الكتابا

كمْ ساهرٍ خائفٍ والدّهرُ في سِنةٍ
وراقدٍ آمنٍ والدّهرُ في سهر
فلا تبيتنَّ مُحتالاً ولا ضَجراً
إنّ التدابيرَ لا تُغني من القدر
اليوم يوم السابقين،فكن فتى
لم يبغِ من قصبِ الرهانِ بديلا
وإذا جريت مع السوابقِ فاقتحمْ
غرراً تسيلُ إلى المدى وحجولا
حتى يراك الجمع أول طالع
ويروا على أعرافك المنديلا

إن ملكتَ النفوسَ فابغِ رِضاها
فلها ثورةٌ،وفيها مَضاءُ
يسكنُ الوحشُ للوثوبِ من الأس
رِ فكيفَ الخلائقُ العقلاءُ
قُلْ للِمُدِل بمالهِ وبجاههِ
وبما يُحِلُّ الناسُ من أنسابهِ
هذا الأديمُ يصدُّ عن حُضَّارهِ
وينامُ ملءَ الجفنِ عن غُيّابهِ
والفردُ يؤَمنُ شرُّهُ في قبرهِ
كالسيفِ نامَ الشرُّ خلفَ قِرابهِ

عظيمُ النّاسِ من يبكي العظاما
ويندبهم ولو كانوا عِظاما
وأكرم من غمام عند مَحْل
فتىً يحيى بمدحته الكراما
المجدُ والشرفُ الرفيعُ صحيفةٌ
جُعِلتْ لها الأخلاقُ كالعنوانِ

وإذا أرادَ الله أمراً لم تجدْ
لقضائهِ ردّاً ولا تحويلا
ورُبَّ مُعاتب كالعيش يشكي
وملءُ النفسِ منه هوى وعتبى

إن ملكتَ النفوسَ فابغِ رضاها
فلها ثورةٌ وفيها مَضاءُ
يسكنُ الوحشُ للوثوبِ من الأس
رِ فكيفَ الخلائقُ العقلاء
وكلُّ بُنيانُ قومٍ لا يقومُ على
دعائم العصرِ من ركنيهِ منصدِعُ
شريفُ مكة حرٌّ في ممالكهِ
فهل ترى القومُ بالحريّةِ انتفعوا
كم في الحياةِ من الصحراءِ من شَبَهٍ
كلتاهما في مفاجأة الغنى شَرَعُ

ينالُ باللين الفتى بعض ما
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
في الصبر للدّهرِ وفي عتبهْ
وفي احتشامِ الأُسدِ دون القذى
إذا هي اضطرت إلى شربهْ
الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ
يشقى له الرّحماءُ وهو الهاني
ومُنَعّمٌ لم يلقَ إلا لذّةً
في طَيّها شَجنٌ من الأشجانِ
فاصبِرْ على نُعمى الحياةِ وبؤسها
نُعمى الحياةِ وبؤُسها سِيّانِ

قد تقومُ النفوسُ في الضّيم حتى
لترى الضّيمَ أنها لا تُضام
فَصفحاً للزمانِ لِصُبح يومٍ
بهِ أضحى الزمانُ إليَّ ثابا
وحيّا الله فتياناً سِماحاً
كَسوا عطفي من فخرٍ ثيابا

لو كانَ يفدى هالكٌ لفداكم
في الجو نسرٌ بالحياةِ بخيل
فيا لكَ ضيغماً سهر الليالي
وناضلَ دون غايتهِ ولاحى
ولا حطمتْ لك الأيامُ ناباً
ولا غضَت لك الدنيا صياحا

فما بالها نكرتها الأمورُ
وطول المدى ،وانتقال الجدود؟
لقد نسيَ القوم أمس القريب
فهل لأحاديثه من معيد؟
ومن كانَ يعزو بالتعلاتِ فقره
فإني وجدتُ الكدَّ اقتلَ للفقرِ
ومن يستعن في أمره غير نفسه
يخنهُ الرفيقُ العون في المسلك الوعر
ومن لم يقم ستراً على عيبِ غيره
يعشْ مستباحَ العرضِ،منهتكَ السترِ
ومن لم يُجمّل بالتواضعِ فضله
بين فضلهُ عنهُ،ويَعطلْ من الفخرِ

ولولا البِلى في زوايا القبور
لما ظهرتْ جدّةٌ للمهودِ
ومن طلبَ الخُلقَ من كنزه
فإنَّ العقيدةَ كنزٌ عتيد
تعلمَ بالصبرِ أو بالثبات
جليدُ الرجال وغيرُ الجليد
هذا زمانٌ لا توسط عنده
يبغي المغامرُ عالياً وجليلاً
كن سابقاً فيه أو ابقَ بمعزلٍ
ليسَ التوسطُ للنبوغِ سبيلا

شرفاً محمدُ،هكذا تُبنى العلا
:
بالصّبرِ آونةً وبالإقدام
هِممُ الرجالِ غذا مضتْ لم يُثنها
خدعُ الثناءِ ولا عوادي الذّام
وتمام فضلك أن يعيبُك حسدٌ
يجدون نقصاً عند كلِّ تمام
البلبل الغرد الذي هزَّ الربى
وشجى الغصون،وحرّكَ الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
فسقى بعذب نسيبه العشاقا
في القيد ممتنع الخُطى وخيالهُ
يطوي البلاد وينشر الآفاقا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق فكيف إذا استرد الساقا؟
لو يطعم الطبّ الصناع بيانه
أو لم يسيغ لما يقول مذاقا
غالي بقيمته فلم يصنع له
إلا الجناح محلقاً خفاقا

إذا الفتنة اضطرمت في البلاد
ورُمت النجاة فكُن إمعة
لم تبقَ منا ـ يافؤاد ـ بقيّةٌ
لِفتوةٍ أو فَضلةٌ لِعراكِ

قد فتح الله أبواباً لعلّ لنا
وراءها فسح الآمال والرحبا
لا تعدم الهِمّة الكبرى جوائزها
سِيّانِ من غلب الأيام أو غُلبا
وكل سعي سيجزي الله ساعيه
هيهاتَ يذهبُ سعي المحسنين هبا

أحمد شوقي في رثاء مصطفى كامل:

المشرقانِ عليكَ ينتحبانِ
قاصيهما في مأتمٍ والداني
يا خادمَ الإسلامِ أجرُ مجاهدٍ
في الله،من خلد ومن رضوان
الله يشهدُ أن موتكَ بالحِجا
والجد،والإقدام والعرفان
إن كانَ للأخلاقِ ركن قائم
في هذه الدنيا،فأنتَ الباني
بالله فتش عن فؤادك في الثرى
هل فيهٍِ آمال وفيه أماني؟
وجدانكَ الحيّ المُقيم على المدى
ولّرُبّ حيّ ميت الوجدان
الناسُ ب جارٍ في الحياةِ لغايةٍ
ومضللٌ يجري بغير عنانِ

من شوه الدنيا إليك فلم تجد
في الملك غير مُعذبين جياع
يا أخي ـ والذخرُ في الدنيا أخٌ ـ
حاضرُ الخيرِ على الخيرِ أعانا
لك عند ابنيَ ـ أو عندي ـ يدٌ
لستُ آلوها ادكاراً وصيانا
حَسُنتْ مني ومنهُ موقعاً هل ترى أنت؟فإني لم أجد
فجعلنا حرزها الشكر الحُسانا كجميل الصنعِ بالشكر اقترانا
وإذا الدنيا خلتْ من خيرٍ
وخلت من شاكر هانت هوانا

رَبِّ إن شئتَ فالفضاءُ مضيقٌ
وإذا شئتَ فالمضيقُ فضاءُ
أنتَ أُنسٌ لنا إذا بَعُدَ الإنسُ
وأنتَ الحياةُ والإحياءُ
فاعذرْ الحاسدينَ فيها إذا لا
موا فصعبٌ على الحسودِ الثناءُ
إذا لم يكن للمرءِ عن عيشة غنى
فلا بدَّ من يُسر ولا بُدَّ من عُسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلو في المُرِّ
ومن كان يغزو بالتعلات فقره
فإني وجدت الكدَّ أقتل للفقر
ومن يستعن في أمره غير نفسهِ
يخنه الرفيق العون في المسلك الوعرِ

ما ضَرّني أن ليس أفقُكَ مطلعي
وعلى كواكبهِ تعلمتُ السُّرى
شرُّ الحكومةِ أن يُساسَ بواحدٍ
في المُلكِ أقوامٌ عِدادُ رمالِ
لا تسمعوا للِمرجفينَ وجهلهم
فمصيبةُ الإسلامِ من جُهّاله
والمرءُ ليسَ بصادقٍ في قولهِ
حتى يؤيد قوله بفعالهِ
والشعبُ إن رامَ الحياةَ كبيرةً
خاضَ الغمارَ دماً إلى آمالهِ

يرون رأياً وأرى خِلافه
الكأس لا تقوم السلافة
وكونوا حائطاً لا صدعَ فيه
وصفّاً لا يُرَّقعُ بالكُسالى

رفعوا على السيفِ البناء فلم يدم
ما للبناءِ على السيوف دوامُ
خلطوا صليبكَ والخناجرَ والمُدى
كلُّ أداةٌ للأذى وحِمام

قد تفسد المرعى على أخواتها
شاة تندُّ من القطيعِ وتمرقُ
لا الصعبُ عندهم بالصعبِ مركبهُ
ولا المُحال بمستعصٍ على الطلبِ
ولا المصائبُ إذ يُرمى الرجالُ بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصَبِ

إنّ الحياةَ نهارٌ أو سحابتَهُ

فَعِشْ نهاركَ من دنياكَ إنسانا
أرى الكريمَ بوجدانٍ وعاطفةٍ
ولا أرى لبخيلِ القومِ وجدانا
والناسُ مَبكيٌّ وباكٍ إثرهُ
وبكا الشعوبِ إذا النوابغُ طاحوا
لما بلغنا بالأحبّةِ والمنى
بابَ السرورِ تغيّبَ المفتاحُ

إنّما الهِمّةُ البعيدةُ غَرْسٌ
مُتانّى الجَنى،بطيء الكمائم
رُبّما غابَ عن يدٍ غرستهُ
وحوتهُ على المدى يدُ قادم

المنايا نوازلُ الشّعرِ الأبيضِ
جاراتُ كلِّ أسودَ فاحمِ
ما الليالي إلا قصارٌ،ولا الدّنيا
سوى ما رأيتَ أحلام نائمِ
انحسارُ الشِّفاهِ عن سنِّ جَذلا
نَ وراء الكرى إلى سنِّ نادمِ
سنةٌ أفرَحتْ،وأخرى أساءتْ
لم يَدُمْ في النعيمِ والكربِ حالمِ
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ زَجَرْتُ تصاريفَ الزمان،فما يقعْ
ولا المتُ إلا الرُّوحُ فارقتِ الجسما لي اليومَ منها كان بالأمسِ لي وهما
شربتُ الأسى مصروفةً لو تعرضتْ
بأنفاسها بالفمِّ لم يستفِقْ غمّا
فأترِعْ وناوِلْ يا زمانُ،فإنّما
نديمُكَ(سُقراطُ) الذي ابتدعَ السُّما
قتلتُكَ،حتى ما أبالي،أدرتَ لي وكنتُ على نهج من الرأي واضحٍ
بكأسكَ نجماً،أم أدرتَ بها رجما؟ أرى الناسَ صنفين:الذئابَ أو البهما
وما الحكمُ إلا أولى البأسِ دولةً
ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحُكما

وكُنْ في الطريقِ عفيفَ الخُطا
شريفَ السَّماعِ،كريمَ النظرْ
يزيدُ الشّيبُ نفسكَ من حياةٍ وتملؤكَ السِّنونَ قوىً وعزماً
إذا نقصتْ مع الشّيبِ الحياة إذا قيل:السّنون مثبطات
إذا الثقةُ اضمحلّت بين قومٍ
تمزّقتْ الروابطُ والصّلاتُ
فَثِقْ،فعسى الذين ارتبت فيهم
على الأيام إخوانٌ ثقاتُ
ورُبَّ مُحَبّبٍ لا صبرَ عنه
بدتْ لكَ في محبّتهِ بَداةُ
ومكروهٍ على أخذاتِ ظنٍّ
تُحَبّبهُ إليك التجرباتُ

ولا تَخْلُ من عملٍ فوقه
تعشْ غيرَ عبدٍ،ولا مُحتقرْ
وكن رجلاً إن أتوا بعده
يقولون
:
مرَّ وهذا الاثرْ
يا شباباً حنفاءً ضَمّهم
منزلٌ ليسَ بمذمومِ النزيلْ
يَصرِفُ الشّبان عن وِردِ القذى
ويُنحيهمْ عن المرعى الوبيلْ
اذهبوا فيه وجيئوا إخوةً
بعضكم خِدْنٌ لبعضٍ وخليلْ
لا يَضُرِّنكموا قلّتهِ
كلُّ مولودٍ وإن جلَّ ضئيلْ
أرجفتْ في أمركم طائفةٌ
تُبَّعُ الظنِّ عن الإنصافِ مِيلْ


اجعلوا الصبرَ لهم حيلتكم
قَلَّتِ الحيلةُ في قالَ وقيل
أيريدونَ بكم أن تجمعوا
رِقّةَ الدينِ إلى الخُلقِ الهزيلْ؟
لا تكونوا السَّيلَ جَهماً خشناً
كُلّما عَبَّ،وكونوا السلسبيلْ
أيها الأجوادُ لا نجزيكمو
لذّةُ الخيرِ من الخيرِ بديلْ

قضاءٌ،ومقدارٌ،وآجالُ أنفُسٍ
إذا هي حانت لم تؤخرْ ثوانيا
نبيدُ كما بادتْ قبائلُ قبلنا
ويبقى الأنامُ اثنين
:
ميتاً،وناعياً
أقدِمْ،فليسَ على الإقدامِ مُمتنع للناسِ في كلِ يومٍ من عجائبه
واصنع به المجدَ،فهو البارعُ الصَّنعُ ما لم يكن لإمرىءٍ في خاطر يقعُ
هل تنهضون عساكم وتلحقون به؟
فليس يلحق أهل السيرِ مُضطجعُ
لا يُعجبّنكمُ ساعٍ بتفرقةٍ
إنَّ المقصّ خفيفٌ حين يقتطعُ
وأجملوا الصبرَ في جدٍّ وفي عمل
فالصبرُ ينفعُ ما لا ينفعُ الجزعُ
وما الحياةُ إذا أظمت،وإن خدعتْ
إلا سرابٌ على صحراء يلتمعُ



شوقي في رثاء سعد زغلول:

شيّعوا الشمس ومالوا بضحاها
وانحنى الشّرقُ عليها فبكاها
ليتني في الركب لما أفلت
جلّلَ الصبحَ سواداً يومُها
انظروا تلقوا عليها شفقاً
وتروا بين يديها عبرةً
آذن الحقُّ ضحاياها بها
يوشعٌ ،همَّت، فنادى، فثناها
فكأنَّ الأرض لم تخلع دُجاها
من جراحاتِ الضحايا ودماها
من شهيدٍ يقطرُ الورد شذاها
ويحه
!!
حتى إلى الموتى نعاها
كفّنوها حُرّة عُلوية
ً
كستِ الموتَ جلالاً، وكساها
ليسَ في أكفانها إلا الهدى
لحمة الأكفانِ حقٌّ وسداها
خطر النعشُ على الأرض بها
يحسرُ الأبصار في النعش سناها
جاءها الحقّ، ومن عادتها
تؤثر الحقّ سبيلاً واتجاها
ما درتْ مصر
:
بدفن صُبِحت؟
أم على البعثِ أفاقت من كراها؟
صرخت تحسبها بنت الشّرى
وكأن الناس لما نَسلوا
طلبت من مِخلب الموتِ أباها
شُعبُ السيلِ طغتْ في ملتقاها
وضعوا الراح على النعش كما
خفضوا في يوم سعد هامهم
يلمسون الركن، فارتدّت نزاها
وبسعدٍ رفعوا أمس الجباها
سائلوا زحلة عن أعراسها
هل مشى الناعي عليها فمحاها؟
عطّلَ المصطاف من سمّارهِ
وجلا عن ضفة الوادي دماها
فتحَ الأبوابَ ليلاً ديرها
وإلى الناقوسِ قامت بيعتاها
صدعَ البرقُ الدُّجى،تنشرهُ
أرضُ سوريا،وتطويه سماها
يحملُ الأنباء تسري موهناً
كعوادي الثكل في حرِّ سراها
عرضَ الشكُّ لها فاضطربت
تطأُ الآذان همساً والشفاها
قلتُ:يا قوم اجمعوا أحلامكم
كلُّ نفسٍ في وريديها رداها

يا عدوَّ القيد لم يلمح له
شبحاً في خطةٍ إلا أباها
لا يضق ذرعك بالقيد الذي
حزَّ في سوق الأوالي وبراها
وقع الرسلُ عليه،والتوت
أرجلُ الأحرار فيه فعفاها
يا رُفاتاً مثلَ ريحانِ الضحى
كلّلت عدنٌ بها هامَ رباها
وبقايا هيكل من كرمٍ
وحياة أترعَ الأرض حياها
ودّعَ العدلُ بها أعلامه
وبكت أنظمة الشورى صواها
حضنتْ نعشك،والتفّتْ به
راية كنت من الذلّ فداها
ضمّتْ الصدرَ الذي قد ضمّه
وتلقّى الهمَّ عنها فوقاها
عجبي منها ومن قائدها
!
كيفَ يحمي الأعزلُ الشيخُ حِماها؟
مِنبرُ الوادي ذوتْ أعوادُهُ
من أواسيها وجفّتْ من ذُراها
من رمى الفارس عن صهوتها
ودعا الفصحى بما ألجمَ فاها؟
قدرٌ بالمدن ألوى والقرى
ودها الأجبالَ منه ما دهاها
غال بسطورا وأردى عصبةً
لمست جرثومة الموت يداها
طافت الكأسُ بساقي أمّةٍ
من رحيقِ الوطنيات سقاها
عطلتْ آذانها من وترٍ
ساحرٍ رنَّ مليّاً فشجاها
أرغنٌ هامَ به وجدانها
وأذانٌ عشقتهُ أذناها
كلَّ يومٍ خطبةٌ روحيةٌ
كالمزامير وأنغامٍ لغاها
دلّهت مصراً ولو أنَّ بها
فلواتٍ دلّهت وحش فلاها
ذائدُ الحقِّ وحامي حوضه
أنفذتْ فيهِ المقاديرُ مُناها
أخذتْ سعداً من البيتِ يدٌ
تأخذُ الآسادَ من أصل شراها
لو أصابت غيرَ ذي روحٍ لما
سلمت منها الثريا وسهاها
تتحدى الطبَّ في قفازها
علّة الدهرِ التي أعيا دواها
من وراءِ الإذن نالت ضيغماً
لم ينل أقرانه إلا وجاها
لم تصارح أصرحَ الناس يداً
ولساناً،ورُقاداً،وانتباها
هذه الأعوادُ من آدمَ لم
يهدَ خفّاها،ولم يعز مطاها
نقلت خوفو ومالت بِمنا
لم يفت حياً نصيبٌ من خطاها
تخلِطُ العمرين:شيباً،وصِباً
والحياتين:شقاءً،ورفاها
زورقٌ في الدمعِ يطفو أبداً
عزفَ الضّفةَ إلا ما تلاها
تهلع الثكلى على آثاره
فإذا خفّ بها يوماً شفاها
تسكبُ الدمعَ على سعدٍ دما
أمةٌ من صخرةِ الحقِّ بناها
من ليانٍ هو في ينبوعها
وإباءٍ هو في صمِّ صفاها
لُقِّنَ الحق عليه كهلها
واستقى الإيمانَ بالحقِّ فتاها
بذلت مالاً،وأمناً،ودما
وعلى قائدها ألقتْ رجاها
حمّلتهُ ذمّةً أوفى بها
وابتلتهُ بحقوقٍ فقضاها
ابن سبعينَ تلقّى دونها
غربةَ الأسرِ،ووعثاءَ نواها
سفرٌ من عدن الأرض،إلى
منزلٍ أقربُ منه قُطباها
قاهرٌ ألقى به في صخرةٍ
دفعَ النسرَ إليها فأواها
كرهتْ منزلها في تاجه
ذرة في البحرِ والبر نفاها
اسألوها،واسألوا شانئها
لِمَ لمْ ينفِ من الدّرِّ سواها؟
ولدَ الثورة سعدٌ حرّةً
بحياتي ماجد حرٍّ نماها
ما تمنّى غيرها نسلاً،ومنْ
يلدِ الزهراءَ يزهد في سواها
سالت الغابةُ من أشبالها
بين عينيه وماجت بلباها
بارك الله لها في فرعها
وقضى الخيرَ لمصرٍ في جناها
أو لم يكتب لها دستورها
بالدمِ الحرِّ،ويرفع منتداها؟
قد كتبانها،فكانت صورةً
صدرها حقٌّ وحقٌّ منهاها
رقد الثائرُ إلا ثورةً
في سبيلِ الحقِّ لم تخمد جذاها
قد تولاها صبياً فكوتْ
راحتيه،وفتيّا فرعاها
جالَ فيهما قلماً مستنهضاً
ولساناً كلّما أعيتْ حَداها
ورمى بالنفسِ في بركانها
فتلقّى أولَ الناسِ لظاها
أعلمتم بعد موسى من يدٍ
قذفت في وجهِ فرعونَ عصاها؟

وطئتْ نادبةً صارخةً
شاهَ وجهُ الرِّقِّ ـ يا قوم ـ وشاها
ظفرت بالكبرِ من مستكبرٍ
وسيوفُ الهندِ لم تصحُ ظباها
أينَ من عينيَّ نفسٌ حرّةٌ
كنتُ بالأمسِ بعينيَّ أراها؟
كلما أقبلت هزّت نفسها
وتواصى بشرها بي ونداها
وجرى الماضي،فماذا ادّكرتْ
وادّكارُ النفسِ شىءٌ من وفاها؟
ألمحُ الأيامَ فيها،وأرى
من وراءِ السنِّ تمثالَ صباها

لستُ أدري حينَ تندى نضرةً
علَتِ الشّيبُ،أم الشّيبُ علاها؟
حلّت السبعون في هيكلها
فتداعى وهي موفورٌ بناها
روعةُ النادي إذا جدّتْ، فإن
مزحت لم يذهب المزحُ بهاها
يظفرُ العذرُ بأقصى سُخطها
وينالُ الودُّ غايات رضاها
ولها صبرٌ على حُسّادها
يشبهُ الصفح،وحلمٌ عن عداها
لستُ أنسى صفحةً ضاحكةً
تأخذُ النفسَ وتجري في هواها
وحديثاً كرواياتِ الهوى
جدّ للصبِّ حنينٌ فرواها
وقناةً صعدةً لو وهبت
للسَّماكِ الأعزل اختالَ وتاها

أين مني قلمٌ كنتُ إذا
سمته أن يرثي الشمس رثاها؟
خانني في يوم سعدٍ،وجرى
في المراثي فكبا دون مداها
في نعيم الله نفسٌ أوتيت
أنعمَ الدنيا فلم تنسَ تقاها
لا الحِجى لمّا تناهى غرّها
بالمقادير،ولا العلمُ زهاها
ذهبت أوّابةً مؤمنةً
خالصاً من حيرة الشك هداها
آنست خلقاً ضعيفاً ورأتْ
من وراء العالم الفاني إلها
ما دعاها الحقُّ إلا سارعت
ليته يوموصيفما دعاها

حين ضاق البر والبحر بهم
أسرجو الجو وساموه اللجاما
أملاكُ مصرَ القاهرون على الورى
المنزلون منازلَ الأقمارِ
هتكَ الزمانُ حجابَهم وأزالهم
بعد الصِّيانِ إزالةَ الأسرارِ
هيهاتَ!لم يلمسْ جلالهمو البِلى
إلا بأيدٍ في الرَّغامِ قصارِ
كانوا وطَرْفُ الدهر لا يسمو لهم
ما بالهم عُرضوا على النُّظارِ؟
لو أمهلوا حتى النشورِ بِدُورِهم
قاموا لخالقهم بغيرِ غُبارِ

أبكيكَ إسماعيلَ مصرَ وفي البُكا
بعد التذكرِ راحةُ المستعبرِ
أيها النفس،تجدّين سُدىً
هل رأيت العيشَ إلا لَعبا
جَرّبي الدنيا تَهُنْ عندكِ ،ما
أهونَ الدنيا على من جرّبا

نلتِ فيما نلتِ من مظهرها
ومُنحتِ الخلدَ ذكراً ونبا
وجدتُ الحياة طريقَ الزُّمَرْ
إلى بعثةٍ وشئون أخر
وما باطلاً ينزلُ النازلون
ولا عبثاً يُزمعون السفر
فلا تحتقرْ عالماً أنتَ فيه
ولا تجحدْ الآخرَ المُنتظرْ
وخُذْ لكَ زادين:من سيرةٍ
ومن عملٍ صالحٍ يُدّخرْ
وإذا أتونا بالصفوفِ كثيرة
جئنا بصف واحد لن يكسرا

بالله يا نسماتِ النيل في السّحرِ
هل عندكنَّ عن الأحبابِ من خبر؟
عرفتُكنَّ بِعَرْفٍ لا أُكَتِّفهُ
لا في الغوالي،ولا في النّورِ والزهرِ
من بعض ما مسح الحسنُ الوجوهَ به
بين الجبين،وبينَ الفَرْقِ والشّعرِ
كلُّ حَيٍّ على المنيّة غادي
تتوالى الركابُ والموتُ حادي
ذهبَ الأولون قرناً فَقرناً
لم يَدُمْ حاضرٌ،ولم يبقَ بادي
هل ترى منهمُ وتسمعُ عنهم
غير باقي مآثرٍ وأيادي
هل رَجعتُنَّ في الحياةِ لفهمٍ؟
إن فهمَ الأمورِ نصفُ السّدادِ
سَقَمٌ من سلامةٍ، وعزاءٌ
من هناءِ،وفرقةٌ من ودادِ

سُدِلَ الستارُ،وهل شهدِتَ روايةً
لم يعترضها في الفصولِ ستارُ؟
وجَرتْ فما استولت على الأمد المنى
وعَدتْ فما حوتْ المدى الأوطارُ
سكن الزمانُ،ولانت الأقدارُ أرخى الأعنّةَ للخطوبِ وردّها
ولِكُلِّ أمرٍ غايةٌ وقرارُ فلَكٌ بكلِّ فُجاءة دوّارُ
يجري بأمرٍ أو يدور بضدِّهِ
لا النقصُ يُعجزهُ،ولا الإمرارُ
هل آذنتنا الحادثاتُ بهدنة؟
وهل استجابَ،فسالمَ المقدارُ؟

وقف الزمانُ بكم كموقف

طارق

اليأسُ خلفٌ،والرجاءُ أمامُ
الصبرُ والإقدامُ فيه إذا هما
قُتلا فأقتلُ منهما الإحجامُ
والملكُ يؤخذ،أو يُرَدُّ،ولم يزل
يرثُ الحسامَ على البلادِ حسامُ
تعبتْ بأمتك الخطوبُ فأقصرتْ لبثتْ تنوشهمُ الحوادثُ حقبةً
والدهرُ يُقصر والخطوبُ تنامُ وتصدُّها الأخلاقُ والأحلامُ
ولقد يُداسُ الذئبُ في فلواتهِ أعلمتَ ما أهدى إليكَ عصابةُ
ويهابُ بين قيوده الضرغامُ غرُّ المآثرِ من نبيك كرامُ
نشروا حديثكَ في البرية بعدما
همّتْ بِطيِّ حديثكَ الأيامُ
ما ماتَ من نبل الرجالِ وفضلهم
يحيا لدى التاريخ وهو عظامُ
يمضي ويُنسى العالمون ،وإنّما
تبقى السيوفُ،وتَخلدُ الأقلامُ

يؤلِّفُ إيلامُ الحوادثِ بيننا
ويجمعنا في الله دينٌ ومذهبُ
نما الوُدُّ حتى مَهّدَ السبلَ للهوى
فما في سبيلِ الوصلِ ما يتُصّعبُ
أسأتم وكان السوءُ منكم إليكم
إلى خيرِ جارٍ عندهُ الخيرُ يُطلَبُ
إلى ذي انتقامٍ،لا ينامُ غريمهُ
ولو أنه شخصُ المنام المحجّبُ

إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما
أصابَ سُويداءَ الفؤادِ وما أصمى
من الهاتكاتِ القلبَ أوّلَ وهلةٍ
وما دخلت لحماً ولا لامست عظما
تواردَ والناعي فأوجستُ رنّةً
كلاماً على سمعي وفي كبدي كَلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوى
فيا ويحَ جنبي كم يسيلُ وكم يدمى
طوى الشرقَ نحو الغربِ والماءَ للثرى
إليَّ ولم يركب بساطاً ولا يّما
أبانَ ولم ينبسْ وأدّى ولم يَفُه
وأدمى وما داوى وأوهى وما رمّا
إذا طُويت بالشُهبِ والدُهمِ شَقَّةٌ
طوى الشهبَ أو جابَ الغُدافيَّةَ الدُهما
ولم أرَ كالأحداثِ سهماً إذا جرت
ولا كالليالي رامياً يُبعدُ المرمى
ولم أرَ حُكماً كالمقاديرِ نافِذاً
ولا كلقاءِ الموتِ من بينها حتما
إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى
سبيلٌ يدينُ العالمونَ بها قِدما
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ
ولا الموتُ إلا الروحُ فارقتِ الجسما
ولا خُلدَ حتى تملأَ الدهرَ حكمةً
على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما
زجرتُ تصاريفَ الزمانِ فما يقع
ليَ اليومَ منها كانَ بالأمسِ لي وهما
وقدّرتُ للنعمانِ يوماً وضِدَّهُ
فما اغترّتِ البؤسى ولبا غرَّتِ النعمى
شربتُ الأسى مصروفةً لو تعرّضت
بأنفاسها بالفمِّ لم يستفِق غمّا
فأترع وناوِل يا زمانُ فإنّما
نديمُكَ سُقراطُ الذي ابتدعَ السُمّا
قتلتُكَ حتى ما أُبالي أدرتَ لي
بكأسِكَ نجماً أم أدرتَ بها رَجما
لكِ اللهُ من مطعونةٍ بِقنا النوى
شهيدةَ حربٍ لم تُقارفْ لها إثما
مُدَلَّهةٍ أزكى من النارِ زفرةً
وأنزهِ من دمعِ الحيا عبرةَ سَحما
سقاها بشيري وهي تبكي صبابةً
فلم يقوَ مغناها على صوبهِ رسما
أسَتْ جُرحها الأنباءُ غيرَ رفيقةٍ
وكم نازعٍ سهماً فكانَ هوَ السهما
تغارُ الحُمّى الفضائلُ والعلا
لِما قبّلت منها وما ضَمّتِ الحُمى
أكانتْ تمنّاها وتهوى لقاءها
إذا هي سمّها بذي الأرضِ من سمّى
ألمّت عليها واتّقت ثمراتها
فلما وُقوا الأسواءَ لم ترها ذَمّا
فيا حسرتا ألا تراهم أهلّةً
إذا أقصرَ البدرُ التمامُ مضوا قُدما
وألا يطوفوا خُشعاً حولَ نعشها
ولا يُشبعوا الرُكنَ استلاماً ولا لثما

حلفتُ بما أسلفتِ في المهدِ من يدٍ
وأوليتِ جُثماني من المِنّة العظمى
وقبرٍ منوطٍ بالجلالِ مُقلّدٍ
تليدَ الخِلالِ الكُثرَ والطارفِ الجمّا
وبالغادياتِ الساقياتِ نزيلَهُ
من الصلواتِ الخمس والآي والأسما
لما كانَ لي في الحربِ رأيٌ ولا هوىً
ولا رُمتُ هذا الثُكلَ للناسِ واليُتما
ولم يكُ ظلمُ الطيرِ بالرِقِّ لي رِضاً
فكيفَ رِضائي أن يرى البَشرُ الظلما
ولم آلُ شبانَ البريّةِ رِقّةً
كأنَّ ثمارَ القلبِ من ولدي ثمّا
وكنتُ على نهجٍ من الرأي واضحٍ
أرى الناسَ صنفينِ الذئابَ أو البَهما
وما الحكمُ إلا أولي البأسِ دولةً
ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحُكما
نزلتُ رُبى الدنيا وجنّاتِ عدنِها
فما وجدت نفسي لأنهارِها طَعما
أَريحُ أريجَ المسكِ في عرصاتها
وإن لم أُرِحْ مروانَ فيها ولا لَخما
إذا ضحكت زهواً إليَّ سماوها
بكيتُ الندى في الأرضِ والبأسَ والحزما
أُطيفُ برسمٍ أو أُلِمُّ بِدمنةٍ
أخالُ القصورَ الزُهرَ والغُرفَ الشُمّا
فما برحت من خاطري مصرُ ساعةً
ولا أنتِ في ذى الدارِ زايلتِ لي همّا
إذا جَنّني الليلُ اهتززتُ إليكما
فجنحا إلى سُعدى وجنحا إلى سلمى
فلما بدا للناسِ صبحٌ من المنى
وأبصرَ فيه ذو البصيرةِ والأعمى
وقرّت سيوفُ الهندِ وارتكز القنا
وأقلعتِ البلوى وأقشعتِ الغُمّى
وحنّت نواقيسٌ ورنّت مآذنٌ
ورفّتْ وجوهُ الأرضِ تستقبلُ السُلمى
أتى الدهرُ من دونِ الهناءِ ولم يزلْ
وَلوعاً ببنيانِ الرجاءِ إذا تمّا
إذا جالَ في الأعياد حلَّ نظامها
أو العُرسِ أبلى في معالمهِ هدما
لئن فاتَ ما أمّلتهِ من مواكبٍ
فدونكِ هذا الحشدَ والموكبَ الضخما
رَئيتُ بهِ ذات لبتقى ونظمتُهُ
لعنصرهِ الأزكى وجوهرهِ الأسمى
نمتكِ مناجيبُ العلا ونَميتِها
فلم تُلحقي بنتاً ولم تُسبقي أمّا
وكنتِ إذا هذي السماءُ تخايلت
تواضعتِ ولكن بعد ما فُتها نجما
أتيتِ بهِ لم يَنظمِ الشعرَ مثلَهُ
وجئتِ لأخلاق الكرامِ بهِ نظما
ولو نهضت عنهُ السماءُ ومخّضت
به الأرضُ كانَ المُزنَ والتِبرَ والكرما
فما زلتُ بالأهوالِ حتى اقتحمتها
وقد تُركبُ الحاجاتُ ما ليسَ يُرْكَبُ
رؤى إن تكنْ حقاً يكنْ من ورائها
ملائكةُ الله الذي ليس يُغلَبُ

من كان منسوباً إلى دولةِ القنا
فليسَ إلى شيءٍ سوى العزِّ يُنسَبُ
كُنَّ الرجاءَ،وكُنَّ اليأسَ ثم محا
نورُ اليقينِ ظلامَ الشكِّ والريبِ
كَربٌ تغشاهم من رأي ساستهم
وأشأمُ الرأي ما ألقاكَ في الكُرَبِ

جَدَثٌ حوى ما ضاقَ غُمدانٌ بهِ
من هالةِ المُلكِ الجسيمِ وغابه
بنيانُ عمران وصرحُ حضارة
في القبر يلتقيان في أطنابه
إذا خانَ عبدُ السوءِ مولاهُ معْتقاً
فما يفعلُ المولى الكريمُ المهذّبُ

وكيفَ تلقى نجاحاً أُمّةٌ ذهبتْ
حزبينِ ضدينِ عند الحادثِ الحزبِ
لا خيرَ في منبر حتى يكون له
عودٌ من السُّمْرِ،أو عودٌ من القُضُبِ
وما السلاحُ لقوم كلُّ عُدّتهم
حتى يكونوا من الأخلاق في أُهُبِ
لو كانَ في النابِ دون الخُلقِ مَنبهةٌ
تساوتْ الأسدُ والذؤبانُ في الرُّتبِ

الصابرينَ إذا حلَّ البلاءُ بهم
كالليثِ عضَّ على نابيهِ في النُوّبِ
لا الصعبُ عندهمُ بالصعبِ مركبهُ
ولا المحالُ بِمستعصٍ على الطلّبِ
ولا المصائبُ إذ يرمى الرجالُ بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصَبِ
وما أثنيتُ إلا بعد علمٍ
وكم من جاهلٍ أثنى فعابا
وليسَ بعامرٍ بُنيانُ قومٍ
إذا أخلاقهُم كانت خرابا
جرى كدراً لهم صفو الليالي
وغايةُ كلِّ صفو أن يُشابا

ينال باللين الفتى بعضَ ما
يعجزُ بالشدّة عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
في الصبر للدهر،وفي عتبه
وفي احتشامِ الأُسدِ دون القذى
إذا هي اضطرت إلى شُربه
واليأسُ لا يجملُ من مؤمن
ما دام هذا الغيبُ في حُجبه
في الأمر ما فيه من جِد،فلا تقفوا
من واقع جزعاً،أو طائر طربا
لا تثبتُ العينُ شيئاً، أو تحققه
إذا تحيّر فيها الدمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلمُ في عينيك ناصعُهُ
إذا سدلتَ عليكَ الشكّ والريبا
إذا طلبتَ عظيماً فاصبرنَّ له
إو فاحشدنَّ رماحَ الخطِّ والقُضُبا

ولا تعدَّ صغيراتِ الأمورِ له
إنَّ الصغائرَ ليست للِعلا أُهبا
ولن ترى صُحبةً تُرضى عواقبها
كالحقِّ والصبر في أمر إذا اصطحبا
إنَّ الرجالَ إذا ما أُلجئوا لجئوا
إلى التعاون فيما جَلَّ أو حَزبا
لا ريبَ أن خُطا الآمالِ واسعةٌ
وأنَ ليلَ سُراها صُبحه اقتربا

قد فتح اللهُ أبواباً،لعل لنا
وراءَها فُسحَ الآمالِ والرحبا
لولا يدُ الله لم ندفع مناكبها
ولم نعالج على مصراعيها الأربا
لا تعدمُ الهمّةُ الكبرى جوائزها
سِيّانِ من غلبَ الأيام أو غلبا
أيُّها الساكنُ في ظلِّ المنى يَذرُ المرءُ ويأتي ما اشتهى
نَمْ طويلاً،قد توسّدتَ الزّهر وقضاءُ الله يأتي ويَذرْ
كلُّ محمولٍ على النعشِ أخٌ إن تكن سِلْماً له لم ينتفع
لك صافٍ ودُّهُ بعد الكدرْ أو تكنْ حرباً فقد فاتَ الضرر
وإذا الموتُ إلى النفسِ مشى
وركبتَ النجمَ بالموتِ عثر
رُبَّ ثاوٍ في الظُبى مُمتنعٍ
سلّهُ المقدارُ من جفنِ الحَذر

وبعضُ المنايا تنزلُ الشّهدَ في الثرى
ويخططن في التُربِ الجبالَ الرواسيا

أحمد شوقي في رثاء مصطفى كامل:

والخلقُ حولك خاشعون كعهدهم يتساءلون بأيِّ قلب ترتُقى
إذ يُنصتون لخطبة وبيانِ بعدُ المنابرِ أم بأيِّ لسانِ
لو أنّ أوطاناً تُصوّرُ هيكلاً
دفنوكَ بين جوانحِ الأوطانِ
أو كان يُحملُ في الجوارحِ ميّتٌ
حملوكَ في الأسماعِ والأجفانِ
أو صيغ من غُرِّ الفضائل والعلا
كفنٌ لبستَ أحاسنَ الأكفانِ
عُوفيتَ من حَرَبِ الحياةِ وحِربها
فهل استرحت أم استراح الشاني
يا صَبَّ مصرَ ويا شهيدَ غرامها
هذا ثرى مصرٍ فنمْ بأمانِ
إخلعْ على مصرٍ شبابكَ عالياً
والبسْ شباب الحور والولدان
أقسمت أنك في الترابِ طهارةٌ
مَلكٌ يهابُ سؤالهُ الملكانِ

وإذا فاتكَ التفات إلى الما
ضي فقد غابَ عنكَ وجهُ التأسي
فريدُ!ضحايانا كثيرٌ وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريد
فما خلف ما كابدتَ في الحقِّ غايةٌ
ولا فوقَ ما قاسيتَ فيه مزيد
تغرّبتَ عشراً أنتَ فيهنَّ بائس
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريد
تجوعُ ببلدانٍ وتعرى بغيرها
وترزح تحت الداءِ وهو عتيد
ألا في سبيلِ الله والحقِّ طارفٌ
من المالِ لم تبخل به وتليد
وجودُكَ بعد المالِ بالنفسِ صابراً
إذا جزعَ المحضور وهو يجودُ
فلا زلتَ تمثالاً من الحقِّ خالصاً
على سرِّهِ نبني العلا ونُشيد
يعلم نشءُ الحيِّ كيفَ هوى الحِمى
وكيفَ يُحامي دونهُ ويذودُ

يا فؤادي،لِكُلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعد لَبسِ
رُبَّ بانٍ لهادمٍ ،وجَموعٍ
لِمشتٍ،ومُحسن لِمُخسِ
إمرةُ الناس هِمّةٌ،لا تأنى
لجبانٍ،ولا تسنى لِجبسِ
رُبَّ حُرٍّ صنعتُ فيه ثناءً
عجزَ الناحتونَ عن تمثاله

وكم من شُجاعٍ في العِداةِ مُكرَّمٍ
وكم من جبانٍ في اللِّداتِ مُذَمّمِ
فمنْ سرقَ الخليفةَ وهو حيّ
يَعِفُّ عن المُلوكِ مُكفنينا؟

إن الذي خلقَ الحياةَ وضدَّها
جعل البقاءَ لوجههِ إكراما
ولم أرَ كالأحداثِ سهماً إذا جَرتْ
ولا كالليالي رامياً يُبعدُ المرمى
ولم أرض حُكماً كالمقاديرِ نافذاً
ولا كلقاءِ الموت من بينها صَما
إلى حيثُ آباء الفتى يذهبُ الفتى
سبيلٌ يدينُ العالمون بها قِدما

ورُبَّ حديثِ خيرٍ هاجَ خيراً
وذكرِ شجاعةٍ بعث الشجاعا
ذهبَ الكِرامُ الجامعونَ لأمرهم
وبقيتُ في خَلَفٍ بغيرِ خَلاقِ

لكَ نُصحي وما عليكَ جِدالي
آفةُ النصحِ أن يكون جدالا
آفةُ النصحِ ان يكون جدالا
وأذى النصحِ أن يكون جهارا

كلُّ حَيٍّ ـ وإن تراختْ منايا
هُ ـ قضاءٌ عن الحياةِ انقطاعه
والذي تحرصُ النفوسُ عليه
عالمٌ باطلٌ قليلٌ متاعه
والنفسُ عاكفةٌ على شهواتها
تأوي إلى أحقادها وتثورُ
والعيشُ آمالٌ تجدُّ وتنقضي
والموتُ أصدقُ،والحياةُ غرورُ

قليلَ المساوي في زمانٍ يرى العلا
ذنوباً ونايٍ يخلقون المساويا
عليكم لواءَ العلم،فالفوزُ تحتَهُ
وليسَ إذا الأعلام خانت بِخذّالِ
ولا يصلحُ الفتيانُ لا علمَ عندَهم
ولا يجمعون الأمرَ أنصافَ جُهّالِ
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ
فَمنْ لجليلِ الأمرِ أو مُعضلِ الحالِ؟

من ضاقَ بالدُّنيا فليسَ حكيمها
إنَّ الحكيمَ بها رحيبُ الباعِ
ولَرُبَّ بؤسٍ في الحياةِ مُقِنّعٍ
أربى على بؤسٍ بغير قناعِ
والجهدُ موت في الحياةِ ثِمارَهُ
والجهدُ بعدَ الموتِ غيرُ مُضاعِ
خُلِقنا للحياةِ وللماتِ ومن يولدْ يَعشْ ويَمُتْ كأن لم

ومن هذينِ كلُّ الحادثاتِ يمرُ خيالهُ بالكائناتِ
ومهدُ المرءِ في أيدي الرواقي
كنعشِ المرءِ بين النائحاتِ
وما سَلِمَ الوليدُ من اشتكاء
فهل يخلو المُعمَّرُ من أذاة
هي الدنيا قتالٌ نحن فيه
مقاصِدُ للحسامِ وللقناة

نعيشُ ونمضي في عذابٍ كلذّةٍ
من العيشِ،أو في لذّةٍ كعذابِ
ذهبنا من الأحلام في كُلِّ مذهبٍ
فلما انتهينا فُسِّرتْ بذهابِ
وكلُّ أخي عيشٍ وإن طالَ عيشهُ
ترابٌ لعمرُ الموتِ وابنُ ترابِ
والناسُ صنفان:موتى في حياتِهُمُ
وآخرونَ ببطنِ الأرضِ أحياءُ
تأبى المواهبُ،فالأحياءُ بينهمُ
لا يستوونَ،ولا الأمواتُ أكفاءُ

إن من يحملُ الخطوبَ كباراً
لا يُبالي بحملهنَّ صغارا
لولا نفوسٌ زُلْنَ ي سُبُلِ العلا
لم يَهْدِ فيها السلكينَ دليلُ
والناسُ باذلٌ روحهِ،أو مالهِ
أو علمهِ،والآخرونَ فضولُ
ومن العجائبِ في زمانك أن يفي
لكَ في الحياةِ وفي المماتِ خليلُ

بيتٌ على أرض الهدى وسمائهِ
الحقُّ حائطهُ وأُسُّ بنائهِ
الفتحُ من أعلامه،والطُّهرُ من
أوصافهِ،والقُدْسُ من أسمائهِ
سماؤكِ يا دنيا خِداعُ سرابِ وما أنتِ إلا جيفةٌ طالَ حولها
وأرضُكِ عُمرانٌ وشيكُ خرابِ قيامُ ضِباعٍ،أو قعودُ ذئابِ
وكم ألجأ الجوعُ الأسودَ فأقبلتْ
عليك بظفرٍ لم يقِفْ ونابِ
قعدتِ من الأظعانِ في مقطعِ السُّرى
ومروراً ركاباً في غُبا ركابِ
أقاموا،فلم يؤانسكِ حاضرُ صحبةٍ
وما لوا فلم تستوحش لغيابِ

إنَّ الجواهرَ أسناها وأكرمها
ما يقذِفُ المهدُ،لا ما يقذِفُ الزَّبَدٌ
نقموا عليه رأيَهُ وصَنيعَهُ
والحكمُ للتاريخِ في الأراءِ
والرأيُ إن أخلصتَ فيه سريرةٌ
مثلُ العقيدةِ فوقَ كلِّ مِراءِ
وإذا الرجالُ على الأمورِ تعاقبوا
كشفَ الزمانُ مواقفَ النظراءِ

والشعرُ دمعٌ،ووجدانٌ،وعاطفةٌ
يا ليتَ شعري هل قلتُ الذي أجِدُ
ذي هِمّة دونها في شأوها الهِممُ
لم تتخذلاولم تكذب لهانعمُ
بلغتني أملاً ما كنتُ بالغَهُ
لولا وفاؤكَ ت يا مظلومُ ـ والكرمُ
وِدادُكَ العزُّ والنعمى لخاطبهِ
وودُّ غيركَ ضحكُ السِّنِّ والكَلمُ
تُجِلُّ في قلم الأوطانِ حاملهُ
فكيفَ يصبرُ عن إجلالكَ القلمُ؟

قَدّمتُ بين يديَّ نفساً أذنبتْ
وأتيتُ بينَ الخوفِ والإقرارِ
وجعلتُ أسترُ عن سواك ذنوبها
حتى عَييتُ ،فمن لي بستارِ
لا تجعلي حُبَّ القديمِ وذكرَهُ
حسراتٍ مضياعٍ،ودفعَ مُبدّدِ
إنَّ القديمَ ذخيرةٌ من صالحٍ
تبنى المُقَصِّرَ،أو تحثُّ المقتدي

وما علمتُ رفيقاً غير مؤتمنٍ
كالموتِ للمرءِ في حِلٍّ وترحالِ
إذا لم يكن للمرءِ عن عيشةٍ غنىً ومن يَخبر الدنيا ويشرب بكأسها
فلا بُدَّ من يُسر،ولا بدّ من عُسرِ يجد مُرّها في الحلو والحلوَ في المُرِّ
ومن كان يغزو بالتَّعلاتِ فقره ومن يستعن في أمرهِ غيرَ نفسهِ
فإني وجدتُ الكَدَّ أقتلَ للفقرِ يَخنهُ الرفيقُ العون في المسلكِ الوعرِ
ومن لم يُقم ستراً على عيبِ غيره
يعش مُستباح العِرضِ مُنهتكَ السّترِ
ومن لم يُجَمِّل بالتواضع فضله
يَبِنْ فضلهُ عنهُ ،ويَعطل من الفخرِ

لعلّكَ تُخفي الوجدَ،أو تكتمُ الجوى
فقد تُمسِكُ العينانِ والقلبُ يدمعُ
إذا كانَ في الآجالِ طولٌ وفسحةٌ
فما البينُ إلا حادثٌ مُتَوّقعُ
وما الأهلُ والأحبابُ إلا لالىء
تفرقها الأيام،والسِّمطُ يجمعُ
لقيتِ عليماً بالغواني،وإنّما
هو القلبُ،كالإنسانِ يُغرى ويُخدعُ
وأعلمُ أن الغدرَ في الناسِ شائعٌ
وأن خليلَ الغانياتِ مُضيّعُ
وأن نزاعَ الرُّشدِ والغيِّ حالةٌ
تجىء بأحلامِ الرجال وترجعُ
وأنَّ أمانيَّ النفوسِ قواتلٌ
وكثرتُها من كثرةِ الزهرِ أصرعُ
وأن دُعاةَ الخيرِ والحقِّ حربهم
زمانٌ بهم من عهدِ سُقراطَ مُولعُ

لم يَمُتْ من لهُ أثَرْ
وحياةٌ منَ السيّرْ
إنّما الميتُ من مشى
ميتَ الخيرِ والخَبر
من إذا عاشَ لم يُفِدْ
وإذا مات لم يَضِرْ
ليس في الجاه والغنى
منه ظلٌّ ولا ثمرْ
كم هِمّةٍ دفعت جيلاً ذُرا شرفٍ
ونومةٍ هدمتْ بنيانَ أجيالِ
والعلمُ في فضله،أو في مفاخرهِ
ركنُ الممالك،صدرُ الدولة الحالي
إذا مشتْ أمّةٌ في العالمينَ بهِ
أبى لها اللهُ أن تمشي بأغلالِ
يَقِلُّ للعلم عندَ العارفينَ به
ما تقدرُ النفسُ من حُبٍّ وإجلالِ

فَقِفْ على أهلهِ واطلبْ جواهره
كناقدٍ مُمعنٍ في كفِّ لآلِ
فالعلمُ يفعل في الأرواح فاسدُه
ما ليس يفعل فيها طِبُّ دجّالِ
ورُبَّ صاحبِ درسٍ لو وقفتَ بهِ
رأيتَ شِبه عليم بين جُهّالِ
يا شبابَ الغدِ،وأبناء الفِدى
لكُمُ،أكرِمْ وأعزِزْ بالفداء
هل يمدُّ الله لي العيشَ،عسى
أن أراكمْ في الفريقِ السّعداء؟
هل علمتمْ أمّةً في جهلها
ظهرتْ في المجدِ حسناءَ الرداء؟
باطنُ الأمةِ في ظاهرها
إنّما السائلُ من لونِ الإناءِ

أجَلٌ وإن طالَ الزمانُ مُوافي
أخلى يديكَ من الخليلِ الوافي
داعٍ إلى حقٍّ أهابَ بخاشعٍ
لبس النذيرَ على هُدىً وعفافِ
ذهبَ الشبابُ فلم يكن رزئي به
دونَ المصابِ بصفوةِ الألآفِ
جَلَلٌ من الأرزاءِ في أمثالهِ
هِمَمُ العزاءِ قليلةُ الإسعافِ
خَفّتْ له العبراتُ،وهي آبيّةٌ
في حادثاتِ الدهر،غير خفاف
ما أنتِ يا دُنيا؟أرؤيا نائمٍ
أم ليلُ عُرْسٍ،أم بساطُ سُلافِ؟
نعماؤكِ الرّيحانُ،إلا أنّهُ
مسّتْ حواشيه نقيعَ زُعافِ
ما زلتُ أصبحتُ فيكِ خُلْقاً ثابتاً
حتى ظفرتُ بخُلقكِ المتنافي

ولِكُلِّ نفسٍ ساعةٌ،منْ لم يَمُتْ
فيها عزيزاً مات وهو ذليلُ
أإلى الحياةِ سكنتَ وهي مَصارِعٌ
وإلى الأماني يسكنُ المسلول؟
لا تَجفلنَّ ببؤسها ونعيمها
نُعمى الحياةِ وبؤسها تضليلُ
ما بينَ نضرتها وبينَ ذُبولها
عمرُ الورودِ،وإنهُ لقليلُ
إذا الشعوبُ بنوا حقيقة مُلكهم
جعلوا المآتمَ حائطَ الأفراحِ
التامتِ الأحزابُ بعد تصدُّع
وتصافتِ الأقلامُ بعد تلاحي
سُحِبتْ على الأحقادِ أذيالُ الهوى
ومشى على الضّغنِ الودادُ الماحي
وجرت أحاديثُ العِتابِ كأنّها
سَمَرٌ على الأوتارِ والأقداحِ

هذا الزمانُ تناديكم حوادثهُ
يا دولةَ السيف كوني دولة القلمِ
فالسيفُ يهدمُ فجراً ما بنى سَحَراً
وكلُّ بنيانِ علم غيرُ مُنهدمِ
قد ماتَ في السِّلم من لا رأي يعصمهُ
وسوّتْ الحرب بين البَهمِ والبُهمِ
وأصبحَ العلمُ ركنَ الآخذين به
من لا يُقِمْ ركنهُ العرفانُ لم يَقُمِ
كم واثقٍ بالنفسِ،نهاضٍ بها
ساد البرية فيه وهو عصام

وبنينا فلم نُخَلِّ لبانٍ
وعلونا فلم يَجُرنا علاءُ
أمرتُكَ الخير لكنْ ما ائتمرتُ به
وما استقمت فما قولي لك استقمْ

إذا كان الرّماةُ رماةَ سوءٍ
أحلّوا غيرَ مرماها السهاما
ومن يَعدلْ بحبِّ الله شيئاً
كَحُبِّ المال،ضلَّ هوىً وخابا

سِرْ مع العمرِ حيث شئت تَئُوبن
وافقد العمر لا تؤب من رقاد
ذلكَ الحقُّ لا الذي زعموه
في قديم من الحديث معاد
كلُّ حيٍّ على المنيّة غادِ
تتوالى الركاب والموتُ حادِ
ذهبَ الأولون قرناً فَقرناً
لم يدم حاضر ولم يبق بادِ
هل ترى منهم وتسمع عنهم
غير باقي مآثر وأيادي

كلُّ قبر من جانب القفر يبدو
علم الحق أو منار المعادِ
إن جلّ ذنبي عن الغفران لي أمل
في الله يجعلني في خير معتصم
والمرءُ يُذكرُ بالجمائل بعده
فارفع لذكرك بالجميلِ بناء
واعلم بأنكَ سوف تُذكرُ مرة
فيقالُ أحسن أو يقال أساء

بصرتُ بأخلاقِ الرجال فلم أجد
وإن جلّت الأخلاقُ للعزم ثانيا
كذا الناسُ بالأخلاق يبقى صلاحهم
ويذهبُ عنهم أمرهم حين تذهب

تسامح النفس معنىً من مروءتها
بل المروءة في أسمى معانيها
تخلّق الصفح تسعد في الحياة به
فالنفسُ يُسعدها خُلقٌ ويشقيها
وإنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وإذا أُصيبَ القوم في أخلاقهم
فَأَقِمْ عليهم مأتماً وعويلا
رضعَ الأخلاقُ من ألبانها
إنّ للأخلاقِ وقعاً في الصّغرْ

سيطرَ الحبُّ على دنياكمُ
كل شيء ما خلا الحبَّ عبث
أصمُّ يسمع سرّ الكائدين له
ولا يضيقُ بجهر المحنق الصخب

وكم في طريقِ الشرِّ خيرٌ ونعمةٌ
وكم في طريقِ الطيباتِ شرورُ
يا سوء سنتهم وقبح غلّوهم
إنّ العقائدَ بالغلّوِ تُضارُ

ولا أزيدُكَ بالإسلامِ معرفةً
كلُّ المروءةِ في الإسلامِ والحَسَبِ
من شكَّ فيه فنظرةٌ في صنعهِ
تمحو أثيمَ الشّكِ والإنكارِ

جعلوا الهوى لك والوقارَ عبادةً
لإنَّ العبادةَ خشيةٌ وتعلُّقُ
الدين لله من شاء الإله هدى
لِكلِّ نفس هوى في الدين داعيها
ما كان مختلف الأديان داعية
إلى اختلاف البرايا أو تعاديها

كمْ في الحياةِ من الصحراءِ من شَبهٍ
كلتاهما في مفاجأة الفتى شرعُ
وراءَ كل سبيل فيهما قدَرٌ
لا تعلم النفس ما يأتي وما يدعُ
ولستَ تأمنْ عند الصحو فاجئة
من العواصفِ فيها الخوفُ والهلعُ
ولستَ تدري وأن قدرت مجتهداً
متى تحطُّ رحالاً أو متى تضعُ
ولستَ تملكُ من أمرِ الدليلِ سوى
أن الدليل وإن أرداك متبعُ

أليسَ الحقَّ أنّ العيش فان
وأنَّ الحيّ غايتهُ الممات
إنّما الدنيا شجونٌ تلتقي
وحزينٌ يتأسى بحزين

ضَحِكُ الدنيا احتشاد للبكا
وأغانيها معدات الأنين
كلُّ تعليمٍ نراهُ ناقصاً
سُلّمٌ رَثٌّ إذا استعمل خانا
دَرَكٌ مُستحدثٌ من دَرَجٍ
ومن الرَّفعةِ ما حطَّ الدخانا

ابتغوا ناصيةَ الشمسِ مكانا
وخذوا القمّة علماً وبيانا
واطلبوا بالعبقريات المدى
ليس كلُّ الخيلِ يشهدون الرّهانا
ابعثوها سابقاتٍ نُجُباً
تملأ المضمارَ معنىً وعيانا
إنّ الشجاع هو الجبانُ عن الاذى
وأرى الجرىء على الشرور جبانا

وأشهد ما آذيتُ نفساً ولم أضر
ولم أبلغ في جهري وفي خطراتي
ولا بتُّ إلا كإبن مريم مُشفقاً
على حُسّدي مُستغفراً لِعداتي
إن ملكت النفوس فاتّبع رضاها
فلها ثورة،وفيها مضاء
يسكن الوحش للوثوبِ من الأسر
فكيف الخلائق العقلاء؟

لم تبعِ دُنيا طالما أغضى لها
حُمسُ الرّعاة وطأطئوا العِرنينا
نراوَح بالحوادثِ أو نُغادى
وننكرها ونعطيها القيادا
ونحمدها وما رعت الضحايا
ولا جزتْ المواقف والجهادا
لحاها الله! باعتنا خيالاً
من الأحلام واشترت اتحادا

والمال،مذ كان تمثال يطاف به
والناس مُذْ خلقوا عُبّادَ تمثال
إذا جفا الدور فانعِ النازلين بها
أو الممالك فاندبها كأطلالِ
يا طالباً لمعالي المُلك مجتهداً
خذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ

وإباء الرجال أمضى من السي
فِ على كفِّ فارسٍ مسلولا
ربَّ قلبٍ أصاره الخلقُ ضرغا
ماً وصدرٍ أصاره الحقُّ غيلا
ذكريات من الأحبة تُمحى
بيدٍ للزمان تمحو الطُلولا
كلُّ رسمٍ من منزلٍ أو حبيبٍ
سوف يمشي البِلى عليه مُحيلا
رُبَّ ثُكلٍ أساكَ من قرحةِ الثك
لِ ورزءٍ مسّاك رزءاً جليلا

هِمَمُ الرجالِ إذا مضتْ لم يثنها
خدعُ الثناءِ ولا عَوادي الذّامِ
وتمامُ فضلِكَ
!
أن يَعيبُكَ حُسَدٌ
يجدون نقصاً عند كلِّ تمامِ
تأكلُ الهِرّةُ الصغارَ إذا جا
عت،ولا تأكلُ اللباة الشبولا
قيلَ:غالٍ في الرأي قلت:هَبوه
قد يكون الغُلّو رأياً أصيلا
وقديماً بنى الغلو نفوساً
وقديماً بنى الغلو عقولا
وكم استنهضَ الشيوخَ وأذكى
في الشبابِ الطّماح والتأميلا

ومن الرأي ما يكونُ نفاقاً
أو يكونُ اتجاههُ التضليلا
ومن النقدِ والجدالِ كلامٌ
يُشبهُ البغيَ،والخنا والفضولا
وأرى الصدق ديدناً لسليل ال
رافعييّنَ والعفافَ سبيلا
كل يوم آية دلت على
أن للعلم القوى والغَلبا
لو بنوا فوق السّها مملكةً
لوجدت العلم فيها الطنبا
سلم الناس إلى المجد إذا
طلبوا سلمه والسببا

نظمَ اللهُ مُلكهُ بعبادٍ
عبقريين أورثوا المُلكَ حُسنا
شغلتهم عن الحسود المعالي
إنما يحُسدُ العظيمُ ويُشنا
من ذكيِّ الفؤادِ يُورِثُ علماً
أو بديعِ الخيالِ يخلقُ فنا

رُتبُ الشجاعةِ في الرّجالِ جلائلُ
وأجلهُنَّ شجاعةُ الآراءِ
وغداً سيذكرُكَ الزمانُ،ولم يزلْ
للدهرِ إنصافٌ وحسنُ جزاءِ
وإذا بُناةُ المجدِ راموا خطة
جعلوا الزمان مُحققاً ومنيلا
وإذا أراد الله أمراً لم تجدْ
لقضائهِ ردّاً ولا تبديلا

رُبَّ بانٍ لهادمٍ وجَموعٍ
لِمُشتٍ ومُحسنٍ لِمُخسِ
إمرةُ الناسِ هِمّةٌ لا تأتي
وإذا ما أصابَ بنيان قومٍ
لجبانٍ ولا تَسنّى لِجبسِ
وهيُ خُلق فإنّهُ وهيُ أُسِ
هم بنو مصر
:
لا الجميلُ لديهم
بِمُضاعٍ ولا الصنيعُ بِمنسي
وإذا فاتكَ التفاتٌ إلى الما
ضي فقد غابَ عنكَ وجهُ التأسي
يا ناشرَ العلم بهذي البلاد
وُفّقتَ،نشرُ العلم مثلُ الجهادِ
بانيَ صرحِ المجدِ،أنتَ الذي
تبني بيوت العلمِ في كل نادِ
بالعلم سادَ الناسُ في عصرهم
واخترقوا السبعَ الطباقَ الشِداد
أيطلبُ المجدَ ويبغي العلا
قومٌ لسوقِ العلم فيهم كساد؟

يا أهل مصر كِلوا الأمور لربّكم
فاللهُ خيرٌ موئلاً وكفيلا
جرت الأمور مع القضاء لغايةٍ
وأقرها من يملك التحويلا
أخذت عِناناً منه غير عِنانها
سبحانه متصرِّقاً ومُديلا
نقّاد أعمالكَ مُغلٍ لها
إذا غلا الدُّرُّ غلا الانتقاد
ما أصعبَ الفعلَ لمن رامَه
وأسهلَ القولَ على من أراد
سمعاً لشكواي،فإن لم تجد
منكَ قبولاً،فالشكوى تعاد
عدلاً على ما كان من فضلكم
فالفضلُ إن وُزِّعَ بالعدل زاد

فتية الوادي عرفنا صوتكم
مرحباً بالطائرِ الشادي الغرد
هو صوتُ الحقّ لم يبغ ولم
يحمل الحقد ولم يُخفِ الحسد
وخلا من شهوةٍ ما خالطت
صالحاً من عمل إلا فسد
صَدفتُ عن الأهواءِ والحرُّ يصدِفُ
وأنصفتُ من نفسي وذو اللبِّ ينصِفُ
فرحتُ وفي نفسي من اليأسِ صارمٌ
وعُدتُ وفي صدري من الحلم مُصحفُ
كأنّ فؤادي إبرةٌ قد تمغطست
بِحُبّكَ أنّى حُرِفّت عنكَ تَعطفُ
كأن يراعي في مديحكَ ساجدٌ
مدامعهُ من خشية الله تذرِفُ

والعدلُ يرفعُ للممالك حائطاً
لا الجيشُ يرفعه ولا الأسطولُ
لا تَحذ حذو عصابة مفتونة
يجدون كلّ قديم أمرٍ منكرا!
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من مات من آبائهم أو عُمّرا
من كلِّ ساع في القديم وهدمه
وإذا تقدّم للبناية قصّرا

خلت القرونُ كليلةٍ،وتصرّمتْ
دولُ الفتوحِ كأنّها أحلام
والدهرُ لا يألو الممالكَ مُنذراً
فإذا غفلنَ فما عليهِ ملام
صورُ العمى شتّى،وأقبحُها إذا
نظرتْ بغيرِ عيونهنَّ الهامُ
ولقد يُقامُ من السيوفِ،وليس من
عثراتِ أخلاقِ الشعوب قيام

ونبئهم عبثَ الهوى بتراثهم
من كل مُلقٍ للهوى بقيادِ
ونُبينُ كيف تفرّقَ الإخوانُ في
وقتِ البلاءِ تَفرُّقَ الأضدادِ
إن المغالِطَ في الحقيقةِ نفسَهُ
باغٍ على النفسِ الضعيفةِ عادِ
فَدعِ الأقدار تجري واستعد
فلك بالسعد والنحس يدور
لا تعارض أبداً مجرى الأمور
قُلْ إذا شئت:صروف وغير!
وإذا شئت :قضاء وقدر

واعمل الخير،فإن عشت لقى من يمت عن منّة عند يتيم
طيب الحمد،وإن مت بقى فرحيم سوف يحزن من رحيم
كن كريماً إن رأى جرحاً أسا
وتعهد وتولَّ البؤسا

وكلُّ سَعيٍّ سيجزي اللهُ ساعيَهُ
هيهاتَ يذهبُ سعيُ المُحسنينَ هَبا
لم يُبرَمِ الأمرُ حتى يستبينَ لكم
أساءَ عاقبةً،أم سَرَّ مُنقلبا
ما أصعبَ الفِعلَ لمن رامهُ
وأسهلَ القولَ على من أراد
سمعاً لشكوايَ،فإن لم تجد
منك قبولاً،فالشكاوى تُعاد

وبعضُ المنايا تنزلُ الشُّهدَ في الثرى
ويخططن في التُّرب الجبال الرواسيا
إذا أنتَ لم ترعَ العهودَ لهالكٍ
فلستَ لحيٍّ حافظ العهد راعيا
ومن يُعطَ من جاهِ الملوكِ وسيلةً
فلا يصنعُ الخيرات لم يُعطَ غاليا
لا يُبطِرَّنكَ من حريرٍ موطىءٌ
فَلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تعثّرا
وإذا الزمانُ تنكّرتْ أحداثُهُ
لأخيكَ،فاذكرهُ عسى أن تُذْكرا

هِمَمُ الرِّجالِ إذا مضَتْ لم يَثنِها
خُدَعُ الثناءِ ولا عواديَ الذّمِ
وتمامُ فضلكَ أن يعيبُكَ حُسَّدٌ
يجدونَ نقصاً عندَ كلِّ تمامِ
ولم يَبعدُ على نَفسٍ مرامٌ
إذا ركبتْ له الهِممَ البعادا
ولم أرَ بعد قدرته تعالى
كمقدرةِ ابنِ آدمَ إن أرادا

لا يُقيمَنَّ على الضَيمِ الأسدْ
نزعَ الشّبلُ من الغابِ الوتدْ
كبرَ الشّبلُ وشبّتْ نابهُ
وتغطّى مَنكباهُ باللِّبدْ
اتركوهُ يمشي في آجامهِ
ودعوهُ عن حِمى الغابِ يَذُدْ
واعرضوا الدنيا على أظفارهِ
وابعثوه في صحاراها يَصدْ
يا فؤادي لِكُلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعد لَبْسِ
فلكٌ يكسِفُ الشموسَ نهاراً
ويسوم البدور ليلة وكسِ
ومواقيتُ للأمورِ إذا ما
بلغتها الأمور صارت لعكسِ

ولست تأمن عند الصحة فاجئة
من العواصف فيها الخوف والهلع
ولست تدري وإن قدرت مجتهداً
متى تحطُّ رحالاً أو متى تَضَعْ
ولست تملك من أمر الدليل سوى
أن الدليل وإن أرداك متبعْ
وما الحياةُ إذا أظمت وإن خدعت
إلا سرابٌ على صحراء يلتمعْ
من خانهُ الدّهرُ خانته صنائعه
وعاد ذنباً له ما كانَ إحسانا
ولا ترى الناس إلا حرب مضطهد
وجالبين على المخذول خذلانا
والحظ يبني لك الدنيا بلا عمد
ويهدم الدِّعمَ الطولى إذا خانا

والمجدُ عندَ الغانياتِ رغيبةٌ
يُبقى كما يُبغى الجمالُ ويعشقُ
لا يقرب اليأسُ في البأساء أنفسهم
والنفسُ إن قنطتْ فاليأسُ مُرديها
قومٌ على الحبِّ والإخلاصِ قد ملكوا
وحسبُ نفسكَ إخلاصٌ يُزكيها
وإنّما هي شورى الله،جاء بها
كتابهُ الحقّ،يُعليها ويُغليها
حقنتَ عند مناداة الجيوشِ بها
دمّ البريّةِ إرضاءً لباريها
ولو منعتَ أريقت للعبادِ دماً
وطاحَ من مُهجِ الأجنادِ غاليها
أتى ثلاثون حولاً لم تذُقْ سنةً
ولا استخفّكَ للذّاتِ داعيها
مُسَهّد الجفنِ،مكدودَ الفؤادِ بما
تُضني القلوبَ،شجيّ النفسِ عانيها
تكادُ من صحبةِ الدنيا وخبرتها
تُسىءُ ظنّكَ بالدنيا وما فيها

تَخلّق الصفحَ تسعدْ في الحياة به
فالنفسُ يسعدها خلق ويشقيها
كيفَ تشقى يِحبِّ حلمي بلادٌ
نحنُ أسيافُها وأنت المَضاءُ؟

إذا لم يكنْ للمرءِ من عيشه غنى
فلابدّ من يسر ولابدّ من عسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلو في المُرِّ
هل كلام الأنام في الشمس إلا
أنها الشمس،ليس فيها كلام

يا ساريَ البرقِ يرمي عن جوانحنا
بعد الهدوء،ويرمي عن مآقينا
ترقرقَ الماءُ في دمع السماءِ دماً
غاضَ الأسى فخضبنا الأرض باكينا
ولو أن انتقامه لهوى النفس
لدامت قطيعة وجفاء

لا يَلُمْ بعضكم على الخطب بعضاً
إيها القوم،كلكم أبرياء
صوتُ الشعوبِ من الزئيرِ مجّمعاً
فإذا تفرّقَ كان بعضَ نباحِ

لا يعجبنّكم ساعٍ بتفرقةٍ
إنَّ المِقصَّ خفيفٌ حينَ يقتطِعُ
هل علمتم أمّةً في جهلها باطنُ الأمّة من ظاهرها
ظهرتْ في المجدِ حسناءَ الرداء إنّما السائلُ من لون الإناء
فخذوا العلم على أعلامه
واطلبوا الحكمة عند الحكماء
واحكموا الدنيا بسلطان فما
خُلِقت نضرتها للضعفاء
واقرأوا تاريخكم واحتفظوا
بفيحٍ جاءكم من فصحاء

الناسُ ذو فقرٍ يروم الغنى
وآخرٌ للناسِ ما يقتني
ويستوي هذا وهذا غداً
يا وارثَ العالم أنت الغني
إن أسأنا لكم أو لم نسىء
نحن هلكى فلكم طولُ البقاء
هل يمدُّ الله لي العيش،عسى
أن أراكم في الفريق السعداء

الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ
يشقى له الرُّحماءُ وهو الهاني
في الأمرِ ما فيه من جِدٍّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أو طائرٍ طربا
ضُموا الجهودَ وخلّوها منكْرةً
لا تملأوا الشدقَ من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورَحى الهيجاءِ دائرةٌ
تُحصونَ من ماتَ أو تُحصونَ ما سُلبا

ومنْ لم يُقم ستراً على عَيبِ غيرهِ
يَعشْ مستباحَ العرِضِ مُنتهك السِّترِ
ومن تضحكِ الدنيا إليه فيغتررْ
يمتْ كقتيلِ الغيدِ بالبسماتِ
فَقُلْ ربِّ وفقّ للعظائمِ أمتي
وزيّن لها الأفعالَ والعزماتِ

ومن العقولِ جداولٌ وجلامدٌ
ومن النفوسِ حرائر وإماءُ
رُبَّ ثاوٍ في الظُبى ممتنعٍ
سلّهُ المقدارُ من جفن القَدَرْ

تدولُ أحاديث الرجال وتنقضي
ويبقى حديث الفضل والحسنات
دائر الدولاب بالناس على
جانبيهِ المرتقى والمُنحدر

وإنّ للمجدِ آفاتٍ إذا جُمعتْ
وجدتهُنَّ اثنتين
:
الحِقدَ والغضبا
سعتْ لك صورتي وأتاكَ شخصي
وسارَ الظلُّ نحوكَ والجهاتُ
لأن الروح عندكَ وهي أصل
وحيثُ الأصل تسعى الملحقات

أيها الساكِنُ في ظلِّ المنى
نَمْ طويلاً قد توسدّت الزَهرِ
شجرٌ نامٍ ،وظلٌ سابِغٍ
بيدَ أنَّ الصلَّ في أصل الشجر
ومنْ لم يجمل بالتواضعِ فضله
يَبِنْ فضله عنه ويعطل من الفخر

وصابرٍ تَلهجُ الدّنيا بنكبتهِ
تَخالهُ من جميلِ الصّبرِ ما نُكبا
وما أثنيتُ إلا بعد عِلْمٍ
وكمْ من جاهلٍ أثنى فَعابا

كم صَعَّبَ اليومُ من سَهلٍ همتَ بهِ
وسَهَّلَ الغدُ في الأشياءِ ما صَعُبا
يُنبيكَ مصرعهُ وكلُّ زائلُ
أنَّ الحياةَ كَغدوةٍ ورواحِ

هي الدّنيا قتالٌ نحن فيه
مقاصِدُ للحُسامِ وللقناةِ
وكلُّ الناسِ مدفوعٌ إليه
ما دُفِعَ الجبانُ إلى الثباتِ
وإنّ المجدَ في الدّنيا رحيقٌ
إذا طالَ الزمانُ عليه طابا

وأحمِلُ نوائبَ قومٍ أنتَ سيدهُم
وسيّدُ القومِ أقضاهم لما وجبا
لقد بدأتَ فاتمِمْ غيرَ مُدّخر
جهداً ولا هِمّةً لا تعرفُ التعبا
إذا رأيتَ الهوى في أمّة حكما
فاحكم هنالك أنّ العقل قد ذهبا

وإذا جَلّت الذنوبُ وهالتْ
فمن العدلِ أن يهولَ الجزاءُ
عالمٌ قُلَّبٌ وأحلامُ خلقٍ
تتبارى غباوة وفطانة

وما أدبي لما أسدوهُ أهلٌ
ولكن من أحبَّ الشيء حابى
لا تَعدمُ الهِمّةُ الكبرى جوائزها
سِيّان من غلبَ الأيام أو غُلبا

وكُنْ رجلاً إن أتوا بعدَهُ
يقولونَ مَرَّ وهذا الأثر
وللناسِ في الماضي بصائر يهتدي
عليهنَّ غادٍ أو يسير رشيد
إذا الميتُ لم يكرم بأرضٍ ثناؤهُ
تحيّرَ فيها الحيُّ كيف يسود

لا ريب أن خُطى الآمالِ واسعةٌ
وأنَّ ليل سُراها صُبحهُ اقتربا
قد فَتَّحَ الله أبواباً لعلَّ لنا
وراءها فُسحُ الآمالِ والرُّحبا
لولا يدُ الله لم ندفعْ مناكبها
ولم نعالج على مصراعها الأربا
خُلقتُ كأنني (عيسى) حرام
على قلبي الضغينة والشمات
ولا بِتُّ إلا كابن مريم مشفقاً
على حُسّدي ،مستغفراً لِعداتي

في الأمرِ ما فيه من جدّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أز طائرٍ طَرِبا
ضُموا الجهودَ وخلوها منكرة
لا تملأوا الشّدق من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرة
تحصون من مات أو تحصون ما سُلبا
أقدِمْ فليسَ على الإقدامِ مُمتنِعُ
واصنع به المجدَ فهو البارعُ الصَنَعُ
للناسِ في كلِّ يومٍ من عجائبهِ
ما لم يكن لامرىءٍ في خاطرٍ يقعُ

بعضُ الزواجِ مُذَمَّمٌ ما بالزنا
والرِقِّ إن قِيسا به من عارِ
فتشتُ لم أرَ في الزواجِ كفاءةً
ككفاءةِ الأزواجِ في الأعمارِ
أسفي على تلك المحاسنِ كُلّما
نقلت من البالي إلى الدّوارِ
أُناسٌ كما تدري ودنيا بحالها
ودهرٌ رَخيٌّ تارةً وعسيرُ
وأحوال خلقٍ غابرٍ مُتَجدِّدٍ
تشابهَ فيها أوَّلٌ وأخيرُ
تَمرُ تباعاً في الحياةِ كأنّها
ملاعبُ لا تُرخى لهنَّ ستورُ
وحِرصٌ على الدُّنيا وميلٌ مع الهوى
وغِشٌ وإفكٌ في الحياةِ وزورُ

الناسُ جارٍ في الحياةِ لغايةٍ
ومُضَلَّلٍ يسعى بغيرِ عنانِ
والخُلدُ في الدّنيا ـ وليسَ بهيّنٍ ـ
عُليا المراتب لم تُتحْ لجبانِ
للمرءِ في الدّنيا وجَمِّ شؤونها
ما شاءَ من ربحٍ ومن خسرانِ
فهي الفضاءُ لراعبٍ مُتطّلعٍ
وهي المضيق لمؤثرِ السُّلوانِ

ما آبَ جبّارُ القرونِ، وإنّما
يومُ الحسابِ يكونُ يومَ إيابهْ
المُستبدُّ يُطاقُ في ناووسهِ
لا تحتَ تاجيهِ وفوقَ وثابه
والفردُ يؤمنُ شرُّه في قبره
كالسيفِ نامَ الشرُّ خلفَ قِرابه
فظلت عيونُ الحرب حيرى لما ترى
نواظرَ ما تأتي الليوثُ وتُغربُ
تبالغ بالرامي،وتزهو بما رمى
وتعجب القواد،والجندُ أعجبُ

كم في الحياةِ من الصحراءِ من شبه
كلتاهما في مناجاةِ الفتى شرعُ
ربّوا على الإنصافِ فتيان الحِمى فهو الذي يبني العقول قويمة
تجدوهم كهفَ الحقوقِ كهولا وهو الذي يبني النفوس عدولا
ويُقيمُ منطق كلِّ أعوج منطق
ويريه رأياً في الأمورِ أصيلا
وإذا المعلم لم يكن عدلاً مشى
روحُ العدالةِ في الشّباب ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يده البصائرُ حولا
وإذا أتى الإرشادُ من سبب الهوى
ومن الغرورِ فسِّمهِ التضليلا

وتراهُ في صخبِ الحوادثِ صامتاً
كالصخرِ في عَصفِ الرياحِ النوكِ
خرزاتُهُ دم أمّةٍ مهضومةٍ
وجهودُ شعبٍ مُجهدٍ منهوكِ
بالواجبِ التمسَ الحقوقَ وخابَ من
طلبَ الحقوق بواجبٍ متروكِ
وراء كل سبيل فيهما قدر
لا تعلم النفس ما يأتي وما يدعُ

نالت منابر وادي النيل حصتها
مني،ومن قبل نال اللهو والطرب
يا ويلتاهُ لنفسي راعها وَدَها
مُسوَّدةُ الصُحفِ في مُبيضّةِ اللممِ
ركضتُها في مَربعِ المعصياتِ وما
أخذتُ من حِمية الطاعاتِ للتُخمِ
هامتْ على إثرِ اللذّاتِ تطلبُها
والنفسُ إن يَدعُها داعي الصِّبا تَهِمِ

في الموتِ ما أعيا وفي أسبابهِ
كل امرىءٍ رهنٌ بطيِّ كتابهِ
كم صَعَّبَ اليومُ من سهل هممتَ به ضموا الجهودَ،وخلوها منكرّةً
وسهّل الغدُّ في الأشياءِ ما صَعُبا لا تمائوا الشدق من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرةٌ
تُحصونَ من ماتَ أو تُحصون ما سُلبا؟
إذا رأيتَ الهوى في أمّةٍ حكماً
فاحكمْ هنالك أن العقلَ قد ذهبا

إن أسأنا لكم أو لم نُسىء
نحن هلكى فلكم طول البقاء
هل يَمدُّ الله لي العيش،عسى
أن أراكم في الفريق السعداء
يا نفسُ دُنياكِ تُخفي كُلَّ مُبكيةٍ
وإن بدا لكِ منها حُسنُ مُبتَسَمِ
فُضّي بتقواكِ فاهاً كُلّما ضحكتْ
كما يفضُّ أذى الرقشاءِ بالثَرمِ
مخطوبةٌ منذُ كانَ الناسُ خاطبةٌ
من أوّلِ الدّهرِ لم تُرمِل ولم تَئِمِ

يفنى الزمانُ ويبقى من إساءتها
جُرْحٌ بآدمَ يبكي منهُ في الأدَمِ
لا تَحفلي بِجناها أو جنايتها
الموتُ بالزهرِ مثلُ الموتِ بالفَحمِ
كم نائمٍ لا يراها وهي ساهرةٌ
لولا الأمانيُّ والأحلامُ لم يَنمِ
طَوراً يَمُدُّكِ في نُعمى وعافيةٍ
وتارةً في قرارِ البؤسِ والوَصَمِ
كم ضَلّلتكَ ومن تُحجب بصيرتَهُ
إن يلقَ صاباً يرد أو علقماً يَسُمِ

تبرأ عيسى منهمُ وصحابهِ
أأتباعُ عيسى ذي الحنان جُفاةُ
يُعادونَ ديناً لا يُعادونَ دولة
لقد كذبت دعوى لهم وشكاةُ
ولا خيرَ في الدنيا ولا في حقوقها
إذا قيلَ طلابُ الحقوقِ بُغاةُ
أمَنْ أكلَ اليتيمَ لهُ عقابٌ
ومن أكلَ الفقيرَ فلا عقابا
أُصيبَ من التجار بكلِّ ضارٍ
أشدَّ من الزمانِ عليهِ نابا
يكادُ إذا غَذاهُ أو كساهُ
يُنازعهُ الحَشاشةَ والإهابا
وتسمعُ رحمةً في كلِّ نادٍ
ولستَ تُحِسُّ للِبرِّ انتدابا

في الشموس الزُّهر بالشام انتمى
ونمى الأقمار بالأندلس
قعد الشرق عليهم مأتماً
وانتشى الغربُ بهم في عُرس
يا شباب الشرق عنوانَ الشّبابِ
ثمراتِ الحَسبِ الزاكي النميرْ
حسبكمُ في الكرم المحض اللباب
سيرة تبقى بقاءَ ابنى سمير
في كتاب الفخر للداخل باب
لم يلجهُ من بني الملكِ أمير

صحب الداخلُ من إخوتهِ
حدثاً خاضَ الغمارَ ابنَ ثمان
وإذا بالشطِّ من شقوتهِ
صائحاً صاح به
:
نلتَ الأمان
والمجدُ عند الغانياتِ رَغيبةٌ
يُبغى كما يُبغى الجمالُ ويُعشقُ
إن زوجوكَ بهنَّ فهي عقيدةٌ
ومن العقائدِ ما يَلبُّ ويحمقُ
ما أجملَ الإيمان! لولا ضَلّةٌ
في كلِّ دينٍ بالهدايةُ تُلصقُ

إنَّ الشمائلَ إن رقت يكادُ بها
يُغزى الجمادُ ويُغزى كلُّ ذي نَسَمِ
رُزِقتَ أسمحَ ما في الناسِ من خُلُقٍ
إذا رُزقتَ التماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
لقد أنلتُكَ أُذناً غيرَ واعيةٍ
ورُبَّ مُنتصتٍ والقلبُ في صَممِ

رَضيّةٌ نفسُهُ لا تشتكي سأماً
وما معَ الحُبِّ إن أخلصتَ من سأمِ
مديحهُ فيك حُبٌّ خالِصٌ وهوىً
وصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلمِ

الله يشهدُ أني لا أُعارِضهُ
وإنّما أنا بعضُ الغابطينَ ومن
من ذا يُعارِضُ صوتَ العارِضِ العَرمِ
يغبط ولَيّكَ لا يُذمم ولا يُلَمِ

أحمد شوقي مخاطباً نابوليون:

يا كثيرَ الصَيدِ للصيدِ العلا قُمْ ترَ الدنيا كما غادرتها
قُمْ تأمل كيفَ صادتكَ المنونْ منزل الغدرِ وماءُ الخادعين
وترَ الحقَّ عزيزاُ في القنا وترَ الأمرَ يداً فوقَ يدٍ
هيناً في العُزْلِ المستضعفينْ وترَ الناسَ ذئاباً وضئين
وترَ العزَّ لسيفٍ نزق
في بناءِ الملك أو رأي رزين
سننٌ كانت ونظمٌ لم تزلْ
وفسادٌ فوقَ باع المضحكين

ويجلسونَ إلى علمٍ ومعرفةٍ
فلا يُدانونَ في عقلٍ ولا فَهمِ
يُطاطىءُ العلماءُ الهامَ إن نَبسوا
من هيبةِ العلمِ لا من هيبةِ الحُكُمِ
صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعهُ
فَقوِّمِ النفسَ بالأخلاقِ تستقمِ
والنفسُ من خَيرها في خيرِ عافيةٍ
والنفسُ من شرِّها في مرتعٍ وخمِ
تطغى إذا مُكّنتْ من لذةٍ وهوىً
طغيَ الجيادِ إذا عضَّتْ على الشُّكُمِ
إن جلَّ ذنبي عن الغفران لي أملٌ
في الله يجعلُني في خيرِ مُعتصمِ

خلعت عليكَ حياءَها وحياتها
أأعزُّ من هذين شيءٌ يُنفقُ؟
وإذا تناهى الحبُّ واتفق الفِدى
فالروحُ في بابِ الضحيةِ أليَقُ
نَعُدُّ بها على الأممِ الليالي
وما تدري السّنينَ ولا الحسابا

وإن تقدّمَ ذو تقوى بصالحةٍ
قدّمتُ بين يديهِ عبرةَ الندَمِ
لا تحذو حذو عصابة مفتونة
يجدون كلّ قديم أمراً منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من ماتَ من آبائهم أو عمّرا
من كلِّ ساعٍ في القديمِ وهدمه
وإذا تقدّم للنيابة قصّرا

ما أنتِ يا دنيا أرؤيا نائمٍ؟
أم ليلُ عُرس؟أم بساطُ سلافِ
نعماؤكِ الرّيحانُ إلا أنهُ
مستْ حواشيهِ نقيعُ زُعافِ
يا بنتَ مخضوبِ الصوارمِ والقنا
برئت بنانكِ من سلاحِ أبيكِ
فخضاب تلك من العيون وقاية
وخضابُ ذاك من الدمِ المسفوكِ

يا عصامياً حوى المجد سوى
فضلةٍ قد قسّمت في المعرقين
أمُّكَ النفسُ قديماً أكرمت
وأبوكَ الفضل خير المنجبين
لا تلوموها،أليست حرّة
وهوى الأوطان للأحرارِ دينُ

قسماً لو قدروا ما احتشموا
لا يعفُّ الناسُ إلا عاجزين
وإذا الخُلْقُ كان عِقْدَ ودادٍ وأرى العلمَ كالعبادةِ في أبعد
لم ينلْ منهُ منْ وَشى وتَجنّى غاياتهِ :إلى الله أدنى
انظر الناس،هل ترى لحياةٍ


عُطلّتْ من نباهةِ الذكرِ معنى؟

لا الغنى في الرجالِ ناب عن الفضلِ
وسلطانهِ،ولا الجاهُ أغنى
رُبَّ عاثٍ في الأرضِ لم تجعل الأر
ضُ له إن أقامَ أو سارَ وزنا
عاش لم ترمِهِ بعينٍ وأودى
هَمَلاً لم تهب لناعيهِ اذنا

قِفْ ناجِ أهرامَ الجلالِ ونادِ
هل من بُناتكَ مجلسٌ أو نادِ
نشكو ونفزعُ فبهِ بينَ عُيونهم
إنَّ الأبوَّةَ مفزِعُ الأولادِ
ونبئهم عبثَ الهوى بتراثهم
من كُلِّ مُلقٍ للهوى بقيادِ
ونبينُ كيف تفرَّقَ الإخوانُ في
وقت البلاء تفرُّقَ الأضداد
بيتٌ على أرض الهدى وسمائهِ
الحقُّ حائطه وأُسُّ بنائه
الفتحُ من أعلامه،والطهرُ من
أوصافه،والقدس من أسمائه
تحنو مناكبهُ على شعب الهدى
وتطل سدتهُ على سينائه
من ذا ينازعنا مقالد بابه
وجلال سدته وطهر فنائه

قُلْ للشّبابِ اليوم بُوركَ غرسكُمْ
دنتِ القطوفُ وذُلّلتْ تذليلا
حَيّوا من الشهداءِ كُلَّ مُغيّبٍ
وضعوا على أحجارهِ إكليلا
ليكونَ حظَّ الحيِّ من شُكرانِكُم
جَمّاً وحظُّ الميتِ منهُ جزيلا
ناشدتُكم تلك الدماء زكيةً
لا تبعثوا للبرلمان جهولا
فليسألن عن الأرائك سائلٌ
أحملنَ فضلاً أم حملنَ فُضولا
إن أنتَ أطعت المُمثلَ ناقصاً
لم تلقَ عند كمالهِ التمثيلا

فادعوا لها أهل الأمانة واجعلوا
لأولى البصائر منهم التفضيلا
إنَّ المُقَصِّرَ قد يحولُ ولن ترى
لجهالةِ الطبعِ الغبي مُحيلا
فلَرُبَّ قولٍ في الرجالِ سمعتُم
ثم انقضى فكأنّهُ ما قيلا
ولكم نصرتُم بالكرامةِ والهوى
من كان عندكمُ هو المخذولا
كرمٌ وصَفحٌ في الشّبابِ وطالما
كَرُمَ الشّبابُ شمائلاً ومُيولا

كبير السابقين من الكرام
برغمي أن أنالكَ بالملام
مَقامُكَ فوق ما زعموا،ولكن
رأيتُ الحقَّ فوقكَ والمقام
أُمّةٌ ينتهي البيانُ إليها
وتؤول العلومُ والعلماءُ
جازتِ النجمَ واطمأنت بأفقٍ
مطمئن بهِ السَنا والسناء
وعلا الحقُّ بينهم وسما الفض
لُ ونالت حقوقها الضعفاء
تحملُ النجمَ والوسيلة والمي
زانَ من دينها إلى من تشاءُ

وتُنيلُ الوجودَ منهُ نظاماً
هوَ طِبُّ الوجودِ وهو الدواءُ
هكذا المُسلمونَ والعرب الخا
لدون لا مالا يقوله الأعداءُ
فَبهم في الزمانِ نلنا الليالي
وبهم في الورى لنا أنباء
ليسَ للِذلِّ حيلةٌ في نفوس
يستوي الموتُ عندها والبقاءُ

شوقي في رثاء حافظ إبراهيم:

ووددتُ لو أني فداك من الردى الناطقونَ عن الضغينة ِ والهوى
والكاذبونَ المرجفون فدائي الموغروا الموتى على الأحياءِ
من كلِّ هدّامٍ ويبني مجدهُ ما حطّموكَ وإنّما بك حُطموا
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاءِ من ذا يُحطمُ رفرفَ الجوزاء

من كلِّ هدّامٍ ويبني مجدهُ
ما حطّموكَ وإنّما بك حُطموا
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاءِ
من ذا يُحطمُ رفرفَ الجوزاء
انظر فأنتَ كأمس شأنك باذخٌ
في الشرقِّ واسمُكَ أرفعُ الأسماء
بالأمسِ قد حلّيتني بقصيدة
غيظ الحسود لها وقمتُ بشكرها
غرّاء تُحفظُ كاليدِ البيضاء
وكما علمتَ مودّتي ووفائي
لا يُقيمنَّ على الضَيمِ الأسدْ
نزعَ الشبلُ من الغابِ الوتدْ
كبرَ الشّبلُ،وشبَّتْ نابهُ
وتغطّى مَنكباهُ باللّبدْ
اتركوهُ يمشي في آجامهِ
ودعوهُ عن حِمى الغابِ يذُدْ
واعرضوا الدنيا على أظفارهِ
وابعثوه في صحراها يصدْ

غَدوا يبنون ما يبقى،وراحوا
وراءَ الآبداتِ مخلدينا
إذا عَمدوا لمأثرةٍ أعدّوا
لها الإتقانَ والخلقَ المتينا
وليسَ الخلدُ مرتبةٌ تلقّى
وتؤخذُ من شفاهِ الجاهلينا
ولكن منتهى هِمم كبارٍ
إذا ذهبتْ مصادرها بقينا
وآثار الرجال إذا تناهت
إلى التاريخِ خير الحاكمينا
وأخذُكَ من فم الدنيا ثناء
وتركُكَ في مسامعها طنينا
فإنا لم نُوقَ النقصَ حتى
نُطالبَ بالكمالِ الأوّلينا
وجدتَ مذاقَ كل تليد مجدٍ
فكيفَ وجحدتَ مجدَ الكاسبينا

جلالُ الملكِ أيام وتمضي
ولا يمضي جلال الخالدينا
يُحبُّ المرءُ نبشَ أخيهِ حيّاً
وينبشهُ ولو كان في الهالكينا
ولو يعصموكَ لكان خيراً
كفى بالموتِ مُعتصماً حصينا
يُضَرُّ أخو الحياة،وليس شيء
بضائرهِ غذا صحبَ المنونا

نحنو عليكم،ولا ننسى لنا وطناً
ولا سريراً،ولا تاجاً،ولا علما
هذي كرائمُ أشياء الشعوب،فإن
ماتت فكلُّ وجود يُشبهُ العدما
أبا الهولِ،طالَ عليكَ العُصُرْ
وبُلِّغتَ في الأرضِ أقصى العُمُرْ
فيا لِدةَ الدّهر،لا الدّهرُ شَبَّ
ولا أنتَ جاوزتَ حدَّ الصِّغرْ
إلامَ رُكوبكَ متنَ الزما
نِ لِطيِّ الأصيلِ وجَوْبِ السحرْ؟
تُسافِرُ منتقلاً في القرو
نِ،فأيّانَ تُلقى غُبارَ السفرْ؟
أبينكَ عهدٌ وبينَ الجبال
لِ،تزولان في الموعدِ المنتظرْ؟
أبا الهول،ماذا وراءَ البقا
ء إذا ما تطاولَ غيرُ الضجرْ؟
عجبتُ للِقمانَ في حِرصهِ
على لُبدَ والنسور الأُخرْ
وشكوى لبيدٍ لطولِ الحيا
ةِ،ولو لم تَطُلْ لتشكّى القصرْ
ولو وُجدتْ فيكَ يابنَ الصَّفا
ةِ لحقتَ بصانعِكَ المقتدرْ
فإنَّ الحياةَ تَفُلُّ الحدي
دَ إذا لبستهُ،وتُبلى الحجرْ
أبا الهول،ما أنت في المُعضلا
تِ؟لقد ضلّتْ السُبلَ فيك الفِكر؟
تَحيّرتِ البدوُ ماذا تكو
نُ،وضلّت بوادي الظنونِ الحضرْ
فكنتَ لهم صورةَ العنفوا
ن،وكنت مِثالَ الحِجى والبصرْ
وسِرُّكَ في حُجبه كلّما
أطلّت عليه الظنونُ استتر
وما راعهم غيرُ رأس الرجا
لِ على هيكلٍ من ذواتِ الظُّفرْ
ولو صُوِّروا من نواحي الطِّبا
ع توالوا عليك سِباع الصُوّرْ
فيا رُبَّ وجهٍ كصافي النميرِ
تشابهَ حامِلهُ والنّمرْ
أبا الهول،ويحكَ لا يُستق
لُ مع الدّهرِ شيءٌ ولا يُحتقرْ
تهزأتَ دهراً بديكِ الصبا
حِ فنقَّرَ عينَ فيما نقرْ
أسال البياضَ وسلَّ السّوادَ
وأوغلَ منقارُهُ في الحَفرْ
فَعُدتَ كأنّكَ ذو المحبسينِ
قطيعَ القيام،سليبَ البصرْ
كأن الرمالَ على جانبي
كَ وبينَ يديكَ ذنوبُ البشرْ

أبا الهول،أنتَ نديمُ الزما
نِ،نجيُّ الأوانِ،سميرُ العُصُرْ
بسطتَ ذراعيكَ من آدمٍ
وولّيتَ وجهكَ شطرَ الزُّمرْ
تُطلُّ على عالمٍ يسته
لُ وتُوفي على عالم مُحتَضرْ
فعينٌ إلى من بدا للوجو
دِ وأخرى مُشيّعةٌ من عبرْ
فَحَدِّثْ،فقد يُهتدى بالحدي
ثِ،وخَبِّرْ فقد يؤتى بالخبرْ
فَدعْ كلَّ طاغيةٍ للزما
نِ،فإنَّ الزمانَ يُقيمُ الصَّعرْ
فهل من يُبلّغ عنا الأصو
لَ بأنَّ الفروعَ اقتدت بالسيرْ؟
وأنا خطبنا حِسانَ العلا
وسقنا لها الغاليَ المدخرْ
وأنا ركبنا غمارَ الامو
ر،وأنا نزلنا إلى المؤتمر
بُكلِّ مبينٍ شديد اللدا
د،وكلَّ أريبٍ بعيد النظر
تطالب بالحقِّ في أمّة
جرى دَمها دونهُ وانتشرْ
ولم تفتخر بأساطيلها
ولكن بدستورها تفتخرْ
فلم يبقَ غيرُكَ من لم يحفِ
ولم يبقَ غيرُكَ من لم يطرْ
تحرّك أبا الهول،هذا الزما
نُ تحرّك ما فيهِ،حتى الحجر

أأقولُ من أحيا الجماعةَ مُلحِدٌ
وأقولُ من ردَّ الحقوقَ إباحي؟
أدُّوا إلى الغازي النصيحةَ ينتصِحْ
إنَّ الجوادَ يثوبُ بعدَ جِماحِ
إنَّ الغرورَ سقى الرئيسَ براحهِ
كيفَ احتيالُكَ في صريعِ الراحِ؟
عاد الزمانُ،فأعطى بعدما حَرما
وتابَ في أُذُنِ المحزونِ،فابتسما
والناسُ باني بناءٍ،أو مُتمِّمهُ
وثالث يتلافى منه ما انهدما
يا آل عثمانَ أبناء العمومةِ،هل
تشكون جرحاً ولا نشكو له ألما؟
إذا حزنتم حزناً في القلوبِ لكم
كالأم تحملُ من همِّ ابنها سَقما
وكم نظرنا بكم نُعمى فَجسّمها
لنا السرورُ،فكانت عندنا نِعما
ونبذلُ المال لم نُحمل عليه،كما
يقضي الكريمُ حقوقَ الأهلِ والذِمّما
صبراً على الدّهرِ إن جلّت مصائبهُ
إنَّ المصائبَ مما يُوقظُ الأمما
إذا المقاتِلُ أخلاقهم سلمتْ
فكلُّ شىءٍ على آثارها سلما
وإنما الأمم الأخلاقُ ما بقيت
فإن تولّت مضوا في إثرها قُدُما

ماضياً في الجهادِ لم تتأخر
تزن الصف أو تُقيم الرعيلا
ما تُبالي مضيت وحدك تحمي
حوزة الحقّ أم مضيتَ قبيلا
جَلَّ عن مُنشدٍ سوى الدهر يُلقي
هِ على الغابرين جيلاً فجيلا

أحمد شوقي في رثاء أمين بك الرافعي:

مال أحبابهُ خليلاً خليلا
وتولّى اللِداتُ إلا قليلا
تَضلوا أمسِ من غبارِ الليالي
مضى وحدهُ يحبُّ الرحيلا
سكنتْ منهمُ الركابُ كأن لم
تضطربْ ساعةً ولم تمضِ ميلا
طرحوا عندهُ الهمومَ وقالوا
إنّ عبءَ الحياةِ كان ثقيلا
ذكرياتٌ من الأحبّة تمحى
بيد الزمانِ تمحو الطلولا
كلُّ رسم من منزلٍ أو حبيبٍ
سوفَ يمشي البِلى عليهِ مُحيلا
رُبَّ ثكل أساك من قرحة الثكل
ورزءٍ نسّاكَ رزءاً جليلا
يا بناتِ القريضِ قُمن مناحا
تٍ وأرسلن لوعةً وعويلا
إنّ دمعاً تذرفن إثرَ رفاقي
سوف يبكي به الخليلُ الخليلا
رُبَّ يومٍ يُناحُ فيهِ علينا
لو نحسُّ النواحَ والترتيلا
بِمراثٍ كتبنَ بالدمع عنا
أسطراً من جوىً وأخرى غليلا
يجدُ القائلونَ فيها المعاني
يوم لا يأذنُ البِلى أن نقولا
أخذ الموت من يدِّ الحقِّ سيفاً
خالديِّ الغرارِ عضباً صقيلا
من سيوفِ الجهادِ فولاذه الح
قّ فهل كان قينه جبريلا؟
رُبَّ قلبٍ أصارهُ الخُلقُ ضِرغا
ماً وصدرٍ أصارهُ الحقُّ غيلا
جاعَ حيناً فكان كالليثِ أبى
ما تلاقيهِ يوم جوعٍ هزيلا
تأكلُ الهرةُ الصغار إذا جا
عت ولا تأكلُ اللباةُ الشبولا
عاشَ لم يغتبِ الرجال ولم يجع
لْ شؤونَ النفوسِ قالاً وقيلا

أما الخلافة فهي حائط بيتكم
حتى تبين الحشر عن أهوالهِ
لا تسمعوا للمرجفينَ وجهلهم
فمصيبةُ الإسلام من جُهّالهِ
شوقي في رثاء أبيه:

سألوني لمَ لم أرثِ أبي
ورثاءُ الأبِ دَينٌ أيُّ دين
أيُّها اللُوامُ ما أظلمكم
أينَ لي العقلُ الذي يُسعدُ أين
يا أبي ما أنتَ في ذا أوّلٌ
كلُّ نفسٍ للمنايا فرضُ عين
هلكت قبلكَ ناسٌ وقُرى
ونعى الناعونَ خيرَ الثِقلين
غايةُ المرءِ وإن طالَ المدى
آخذٌ يأخذهُ بالأصغرين
وطبيبٌ يتولّى عاجزاً
نافضاً من طِبَّهُ خُفَّي حُنين
إنَّ للموتِ يداً إن ضربت
أوشكت تصدعُ شملَ الفرقدين
تنفذُ الجوَّ على عِقبانهِ
وتُلاقي الليثَ بين الجبلين
وتَحُطُّ الفرخَ من أيكتهِ
وتنالُ البَبغا في المئتين
أنا من ماتَ ومن ماتَ أنا
لقيَ الموتَ كلانا مرتين
نحنُ كنّا مُهجةً في بدنٍ
ثمَّ نُلقى جُثةً في كفنين
ثمَّ نحيا في عليٍّ بعدنا
وبهِ نُبعثُ أولى البعثتين
انظرِ الكونَ وقلْ في وصفهِ
كلُّ هذا أصلهُ من أبوين
فإذا ما قيلَ ما أصلُهما
قلْ هما الرحمةُ في مرحمتين
فقدا الجنةَ في إيجادنا
ونَعمنا منهما في جنتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضبا
وهما الصفحُ لنا مُسترضِيين

ليت شِعري أيُّ حيٍّ لم يَدِن
وقفَ الله بنا حيثُ هما
بالذي دانا بهِ مُبتدأين
وأماتَ الرُسلَ إلا الوالدين
ما أبي إلا أخٌ فارقتهُ
طالما قُمنا إلى مائدةٍ
وُدُّهُ الصدقُ وودُّ الناسِ مَين
كانتِ الكِسرةُ فيها كِسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ
وغسلنا بعدَ ذا فيهِ اليدين
وتمشّينا يدي في يده
من رآنا قالَ عنا أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرةً
سَوّتِ الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مرّةٌ
لا تذوقُ النفسُ منها مرّتين
كيفَ كانت ساعةٌ قضّيتها أشرِبتَ الموتَ فيها جُرعةً
كلُّ شىءٍ قبلها أو بعدُ هين أم شربتَ الموتَ فيها جُرعتين
لا تخفْ بعدكَ حزناً أو بُكاً أنتَ قد علمتني تركَ الاسى
جمدتْ منّي ومنكَ اليومَ عين كلُّ زَينٍ مُنتهاهُ الموتُ شَين
ليتَ شعري هل لنا أن نلتقي
مرّةً أم ذا افتراقُ الملَوين
وإذا متُّ وأودعتُ الثرى
أنلقى حفرةً أو حفرتين

فإن شئت فامضِ وإن شئت دَعْ
فأنت الحقوقُ وميزانها
أرادَ الله بالفقراءِ بِراً
وبالأيتامِ حُبّاً وارتبابا
فَرُبَّ صغيرِ قومٍ علّموه
سما وحمى المُسوِّمةَ العِرابا
وكان لقومه نفعاً وفخراً
ولو تركوهُ كان أذىً وعابا
فَعلّم ما استطعت،لعلَّ جيلاً
سيأتي يُحدثُ العجبَ العُجابا
ولا تُرهق شبابَ الحيِّ يأساً
فإن اليأسَ يخترِمُ الشبابا
يريدُ الخالقُ الرزقَ اشتراكاً
وإن يكُ خصَّ أقواماً وحابى
فما حرمَ المُجدَّ جنى يديه
ولا نسيَ الشقيَّ،ولا المُصابا
ولولا البخلُ لم يهلِك فريقٌ
على الأقدارِ تلقاهم غضابا
تعبتُ بأهلهِ لوماً،وقبلي
دُعاةُ البِرِّ قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبتُ على جمادٍ
فجّرتُ به الينابيعَ العِذابا
وسوّى الله بينكمُ المنايا
ووسّدكم مع الرسلِ الترابا

بنيتَ لهم من الأخلاقِ ركناً
فخانوا الركن،فانهدمَ اضطرابا
فلولاها لساوى الليثُ ذئباً
وساوى الصارمُ الماضي قِرابا
فإن قُرنت مكارِمها بعلمٍ
تذلّلتِ العلا بهما صعابا
وفي هذا الزمانُ مسيخُ علم
يرد على نبي الأمم الشبابا
علّمتَ يوناناً ومصرَ،فزالتا
عن كلِّ شمسٍ ما تريدُ أُفولا
واليومَ أصبحتا بحالِ طُفولةٍ
في العلم،تلتمسانهُ تطفيلا
يا أرضُ،مذ فقدَ المعلّمُ ؤنفسَهُ
بين الشموسِ وبينَ شرقك حيلا
ذهب الذينَ حَموا حقيقةَ علمهم
واستعذبوا فيها العذابَ وبيلا
في عالمٍ صحبَ الحياةَ مقيداً
بالفردِ،مخزوماً بهِ،مغلولا
صرعتهُ دنيا المستبد،كما هوت
من ضربةِ الشمسِ الرؤوسُ ذُهولا
الجهلُ لا تحيا عليهِ جماعةٌ
كيفَ الحياةُ على يدي عزريلا؟
ربّوا على الإنصافِ فتيان الحِمى
تجدوهمُ كهفَ الحقوقِ كهولا
فهو الذي يبني الطباعَ قويمةً
وهو الذي يبني النفوسَ عدولا
ويُقيمُ منطقَ كلِّ أعوجِ منطقٍ
ويُريهِ رأياً في الأمورِ أصيلا
وإذا المُعلّمُ لم يكن عدلاً،مشى
روحُ العدالةِ في الشّبابِ ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يده البصائرُ حُولا
وإذا أتى الإرشادُ من سبب الهوى
ومن الغرورِ ،فَسّمهِ التضليلا
قُلْ للشباب:اليومَ بُورِكَ غرسكُم
دنت القطوفُ،وذُللّت تذليلا
حيّوا من الشهداءِ كلَّ مُغيّبٍ
وضعوا على أحجارهِ إكليلا
ليكونَ حظُّ الحيِّ من شُكرانكم
جمّاً،وحظُّ الميتِ منه جزيلا
إنَّ المقصّرَ قد يحولُ ،ولن ترى
لجهالةِ الطبعِ الغبيِّ محيلا
فَلُربَّ قولٍ في الرجالِ سمعتُمُ
ثم انقضى،فكأنّهُ ما قيلا
ولكم نصرتم بالكرامة والهوى
من كان عندكمُ هو المخذولا
ما أبعدَ الغاياتِ إلا أنني
أجدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيلا
فَكِلوا إلى الله النجاحَ،وثابروا
فاللهُ خيرٌ كافلاً ووكيلا




كم نستعيرُ الآخرين ونجتدي
هيهات
!
ما للعاريات دوامُ
وقال: صافي الأديم،أغرَّ،أبلجَ لم يزدْ
في الشّيبِ غيرَ جلالةٍ ورُواءِ
مُتَجّنبِ الخيلاءِ إلا عزّةً
في العزِّ حسنٌ ليسَ في الخيلاء
عفِّ السرائر والملاحظ والخُطا
نزِهِ الخلائقِ طاهرِ الأهواء
مُتدرِّعٍ صبرَ الكرامِ على الأذى
إنَّ الكرامَ مشاغلُ السفهاءِ

يا من أراني الدهرُ صحّةَ ودّهِ
والودُّ في الدنيا حديثٌ مفترى
وسمعتُ بالخُلُقِ العظيم روايةً
فأراني الخلقَ العظيمَ مُصوّراً
أخا الدنيا أرى دُنياكَ أفعى
تُبدّلُ كلّ آونة إهابا
وإنَّ الرُّقطَ أيقظ هاجعات
وأترع في ظلالِ السلم نابا
ومن عجبٍ تُشيب عاشقيها
وتفنيهم،وما برحت كِعابا
فمن يغترّ بالدنيا فإني
لبستُ بها فأبليتُ الشّبابا
لها ضحِكُ القيان إلى غبي
ولي ضحكُ اللبيبِ إذا تغابى
جنيتُ بروضها ورداً وشوكاً
وذقتُ بكأسها شهداً وصابا
فلم أرَ غير حُكم الله حكماً
ولم أرَ دونَ بابِ الله بابا
ولا عظّمتُ في الأشياءِ إلا
صحيحَ العلم،والأدب اللبابا
ولا كرّمتُ إلا وجه حر
يُقلد قومه المنن الرِغابا
ولم أرَ مثل جمع المالِ داء
ولا مثل البخيل به مُصابا
فلا تقتُلكَ شهوته ،وزنها
كما تزِن الطعام أو الشرابا
وخُذْ لِبنيكَ والأيام ذُخراً
وأعطِ الله حصتهُ احتسابا
فلو طالعتَ أحداثَ الليالي
وجدتَ الفقرَ أقربها انتيابا
وإنّ البرّ خير في حياة
وأبقى بعد صاحبهِ ثوابا
وإنَّ الشرَّ يصدع فاعليه
ولم أرَ خيراً بالشرِّ آبا
فرفقاً بالبنينِ إذا الليالي
على الأعقابِ أوقعت العقابا
ولم يتقلدوا شكرَ اليتامى
ولا ادّرعوا الدعاءَ المُستجابا
عجبتُ لِمعشرٍ صلّوا وصاموا
ظواهرَ خشيّة وتقىً كِذابا
وتلفيهم حيالَ المالِ صُمّاً
إذا داعي الزكاةِ بهم أهابا
لقد كتموا نصيب الله منه
كأنَّ الله لم يُحصِ النصابا
ومن يعدل بِحبِّ الله شيئاً
كُحُبِّ المال،ضلَ هوىً وخابا
أراد الله بالفقراءِ براً
وبالأيتامِ حبّاً وارتيابا
فَرُبَّ صغير قوم علّموهُ
سما وحمى المسّومة العرابا
وكان لقومهِ نفعاً وفخراً
ولو تركوهُ كانَ أذى وعابا
فَعلِّمْ ما استطعت،لعلّ جيلاً
سيأتي يُحدث العجب العجابا
ولا تُرهق شبابَ الحيِّ يأساً
فإنّ اليأسَ يخترمُ الشّبابا
ولولا البخلُ لم يهلك فريقٌ
على الأقدارِ تلقاهم غضابا
تعبت بأهله لوماً،وقبلي
دعاةُ البرِّ قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبتُ على جماد
فجرّتُ به الينابيعَ العِذابا
ألم ترَ للهواء جرى فأفضى
إلى الأكواخِ واخترقَ القبابا
وأن الشمسَ في الآفاقِ تغشى
حِمى كسرى كما تغشى اليبابا
وأنَّ الماءَ تروى الأُسد منه
ويشفي من تلعلعها الكِلابا
أحمد شوقي الثعلب والديك“:

برز الثعلب يوماً
في شعار الواعظينا
فمشى في الأرضِ يهذي
ويسبّ الماكرينا
ويقول الحمد لله
إله العالمينا
يا عباد الله توبوا
فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير إن
العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن
لصلاة الصبحِ فينا
فأتى الديك رسول
من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه
وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عُذراً
يا أضلَّ المهتدينا
بلّغ الثعلب عني
عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن
دخل البطن اللعينا
إنهم قالوا وخير القول
قول العارفينا
مُخطىء من ظنَّ يوماً
أنَّ للثعلبِ دينا
أحمد شوقي:

نُراوِحُ بالحوادثِ،أو نُعادى
وننكرها،ونُعطيها القِيادا
ونحمدها وما رعتِ الضحايا
ولا جزتِ المواقفَ والجهادا
لحاها الله،باعتنا خيالاً
من الأحلامِ،واشترتِ اتحادا
مشينا أمسِ نلقاها جميعاً
ونحنُ اليوم نلقاها فُرادى
تُلاقينا،فلا نجدُ الصياصي
ونلقاها ،فلا نجدُ العتادا
ومن لقيَ السّباعَ بغير ظفرٍ
ولا نابٍ تمزّقَ أو تفادى
خفضنا من عُلُوِّ الحقِّ حتى
توهمنا السيادة أن نُسادا
ولمّا لم ننلْ للسيفِ ردّاً
تنازعنا الحمائلَ والنجادا
وأقبلنا على أقوالِ زورٍ
تجىءُ الغَيِّ تقلبهُ رشادا
ولو عُدنا إليها بعد قرنٍ
رَحمنا الطِّرسَ منها والمِدادا
وكم سحرٍ سمعنا منذُ حينٍ
تضاءلَ بين أعيننا ونادى
هنيئاً للعدوِّ بكلِّ أرضٍ
إذا هو حلَّ في بلدٍ تعادى
وبُعداً للسيادةِ والمعالي
إذا قطعَ القرابةَ والوِدادا
ورُبَّ حقيقةٍ لا بُدَّ منها
خدعنا النشءَ عنها والسّوادا
ولو طلعوا عليها عالجوها
بِهمّةِ أنفسٍ عظُمتْ مُرادا
تُعِدُّ لحادثِ الأيامِ صَبراً
وآونةً تُعِدُّ له عِنادا
لمحنا الحظَّ ناحيةً،فلما
بلغناها أحسَّ بنا،فحادا
وليسَ الحظُّ إلا عبقريّاً
يحبُّ الأريحيّةَ،والسّدادا
ونحنُ بنو زمانٍ حُوَّلى
تَنقَّلَ تاجراً،ومشى ورادا
إذا قعد العبادُ له بسوقٍ
شرى في السوق،أو باع العِبادا
وتعجبهُ العواطِفُ في كتابٍ
وفي دمعِ المُشَخِّصِ ما أجادا
فيا داراً من الهِممِ العوالي
سُقيتِ التبرَ،لا أرضى العهاد
ولا تُرجى المتانةُ في بناءٍ
إذا البنَّاءُ لم يُعطِ اتئادا
ولم يَبْعُدْ على نفسٍ مرامٌ
إذا ركبتْ له الهِمم البعادا
ولم أرَ بعد قدرتهِ تعالى
كَمقدرةِ ابنِ آدمَ إن أرادا
جرى والناسُ في ريب وشك
يرومُ السَّبقَ،فاخترقَ الجيادا
وعُوديَ دونها حتى بناها
ومن شأنِ المُجدِّدِ أن يُعادى
يهونُ الكيدُ من أعدى عدوٍّ
عليكَ إذا الوليُّ من سعى وكادا

ليضيفَ شاهدهم إلى أيامه
ويرى ويسمع كيفَ عادَ حقيقةً
يوماً أغرَّ مُلّمحَ الأعلام
ما كانَ ممُتنعاً على الأوهام
عبستْ إلينا الحادثاتُ،وطالما
نزلتْ فلم نُغلبْ على الأحلام
وثبتْ بقومٍ يضمدون جراحهم
ويُرَقِّدونَ نوازيَ الآلامِ
الحقُّ كلُّ سلاحِهم وكفاحهم
والحقُّ نِعمَ مُثّبتُ الأقدام
أين الوفودُ المُلتقونَ على القِرى
المنزلونَ منازلَ الإكرامِ
الوارثونَ القُدْسَ عن أحبارهِ
والخالفونَ أُميّةً في الشام؟
الحاملو الفُصحى ونورِ بيانِها
يبنونَ فيه حضارةَ الإسلام؟
تاقوا إلى أوطانهم فتحملّوا
وهوى الديار وراءَ كل غرام
ما ضرَّ لو حبسوا الركائبَ ساعةً
وثنوا إلى الفُسطاطِ فضلَ زِمام؟



شوقي مخاطباً هوغو:

الحالُ باقية كما صورتها
من عهدِ آدم ما بها تغيير
البؤس والنعمى على حاليهما
والحظ يعدل تارة ويجور
ومن القوي على الضعيفِ سيطر
والنفس عاكفة على شهواتها
ومن الغني على الفقيرِ أمير
تأوي إلى أحقادها وتثور
والعيش آمال تجد وتنقضي
والموتُ أصدق والحياة غرور
ويكادونَ من طربٍ لعادته الندى
يَنسَلُّ للفقراءِ من أثوابه
الطيّبُ ابنُ الطيّبينَ،وربما
نضح الفتى فأبان عن أحسابه
أبداً يراهُ الله في غَلسِ الدُّجى ويرى اليتامى لائذينَ بِظلّهِ
من صحنِ مسجده،وحول كتابه ويرى الأراملَ يعتصمنَ ببابه
ويراهُ قد أدّى الحقوقَ جميعها
لم ينسَ منها غيرَ حقِّ شبابه

أوفى الرجالِ لعهدهِ ولرأيهِ
وأبرّهم بصديقهِ والجار
وأشدّهم صبراً لمعتقداتهِ
وتأدباً لمجادلٍ وممارى
يسقى القرائحَ هادئاً مُتواضعاً
كالجدولِ المُترقرقِ المتواري
لبّى أذانَ الصُّلحِ أولَ قائمٍ
والصلحُ خمس قواعدِ الإصلاحِ
سبقَ الرجالَ مُصافحاً ومُعانقاً
يمنى السّماحِ وهيكلَ الإسجاحِ
حلوُ السّجيّةِ في قناةٍ مُرّةٍ
ثمِلُ الشمائلِ في وقارٍ صاح

يُظهِرُ المدحُ رونقَ الرجلِ الما
جدِ كالسيفِ يزدهي بالصقالِ
رُبَّ مدحٍ أذاعَ في الناسِ فضلاً
وأتاهم بقدوةٍ ومثالِ
وثناء على فتى عَمَّ قوماً
قيمةُ العقدِ حُسنُ بعضِ الآلي
مَثلُ القومِ نَسوا تاريخَهُم
كلقيطٍ عَيَّ في الناسِ انتسابا
أو كمغلوبٍ على ذاكرةٍ
يشتكي من صِلةِ الماضي انتضابا

ما كانَ قُساً ولا زياداً
ولا بسحرِ البيانِ جاءَ
لكن إذا قامَ قالَ صِدقاً
وجانبَ الزُّورَ والرّياءَ
سلِ العصر والأيام والناس:هل
نبا لرأيك فيهم أو لسيفكَ مضرَبُ
يقودُ سراياها،ويحمي لواءها
حوائر،مايدرون ماذا تخرّب؟

ما باتَ يُثني على علياكَ إنسانُ
إلا وأنتَ لعينِ الدّهرِ إنسانُ
وما تَهللّتَ إذ وافاك ذو أملٍ
إلا وأدهشهُ حُسنٌ وإحسانُ
لله ساحتُكَ المسعودُ قاصدُها
فإنّما ظلّها أمن وإيمانُ
فتىً عافَ المشارِبَ من دنايا
وصانَ عن القذى ماءَ المُحيّا
أبيُّ النفسِ في زمن إذا ما
عجمتَ بنيهِ لم تجد الأبيّا

تعود أن يراهُ الناسُ رأساً
وليسَ يرونهُ الذنبَ الذنبا

أحمد شوقي في نجاة السلطان العثماني:

بأيِّ فؤاد تلتقي الهول ثابتاً
وما لقلوبِ العالمينَ ثبات؟
إذا زلزلت من حولك الأرض رادها
وقارك حتى تسكن الجنبات
وإن خرجت نار فكانت جهنماً
تغذي بأجساد الورى وتقات
وترتجّ منها لجّة ومدينة
وتصلى نواح حرّها وجهات
تمشيت في برد الخليل فخضتها وسرت وملء الأرض حولك أدرع
سلاماً وبرداً حولك الغمرات ودرعكَ قلب خاشع وصلاة
ضحوكاً وأصناف المنايا عوابس يحوطكَ أن خان الحماة انتباههم
وقوراً وأنواع الحتوف .. ملأتك من عند الإله حماة.
تشير بوجه أحمدي منوّر
عيون البرايا فيه منحسرات
يحيى الرعايا والقضاء مهلل
يحييه والأقدار معتذرات
وطنٌ يرُفُّ هوىً إلى شُبانهِ
كالروضِ رِفّتهُ على ريحانهِ
هُم نَظمُ حِليتهِ وجوهرُ عقدهِ
والعقدُ قيمتهُ يتيم جُمانهِ
يرجو الربيعَ بهم ويأملُ دولةً
من حسنهِ ومن اعتدالِ زمانهِ
من غابَ منهم لم يغبْ عن سمعهِ
وضميرهِ وفؤادهِ ولسانهِ
وإذا أتاهُ مُبشّرٌ بقدومهم
فمنَ القميصِ ومن شذى أردانهِ
ولقد يخصُّ النافعينَ بِعطفهِ
كالشيخِ خصَّ نَجيبهُ بحنانهِ
هيهاتَ ينسى بذلهم أرواحهم
في حفظِ راحتهِ وجلبِ أمانهِ
وقفوا له دونَ الزمانِ ورَيبهِ
ومشت حداثتهم على حَدثانهِ
في شِدّةٍ نُقلت أناة كهولهِ
فيها وحكمتهم إلى فتيانه
قمْ يا خطيبَ الجمعِ هاتِ من الحَلي
ما كنتَ تنثرهُ على آذانه
فلطالما أبدى الحنينَ لِقسّهِ
واهتزَ أشواقاً إلى سَحبانه
نادِ الشباب فلم يزل لكَ نادياً
والمرءُ ذو أثرٍ على أخدانهِ
أُمددْ حُداءَكَ في النجائبِ تنصرف
يهوى أعنّتها إلى تحنانهِ
ألقَ النصيحةَ غيرَ هائب وقعها
ليسَ الشجاعُ الرأي مثلَ جبانهِ
قل للشبابِ زمانكم مُتحركٌ
هل تأخذونَ القِسطَ من دورانه
نمتمْ على الاحلام تلتزمونها
كالعالم الخالي على أوثانه
وتُنازعونَ الحيَّ فضلَ ثيابهِ
والميتَ ما قد رثَّ من أكفانهِ
ولقد صدقتمُ هذه الارضَ الهوى
والحرُّ يصدقُ في هوى أوطانهِ
أملٌ بذلتمُ كلّ غالٍ دونهُ
وفقدتمُ ما عزَّ ف وجدانهِ
الليثُ يدفعكم بشدّةِ بأسهِ
عنهُ ويُطعمكم بفرطِ لِبانهِ
ويريدُ هذا الطيرَ حُراً مُطلقاً
لكن بأعينهِ وفي بُستانهِ
أوفدتمُ وفداً وأوفدَ ربّكم
معه العنايةَ فهي من أعوانهِ
العصرُ حرٌّ والشعوبُ طليقة
ما لم يَحزها الجهلُ في أرسانه
فاضَ الزمانُ من النبوغِ فهل فتىً
غمرَ الزمانَ بعلمهِ وبيانهِ
أينَ التجارةَ وهي مضمارُ الغنى
أينَ الصناعةُ وهي وجهُ عَنانهِ
أينَ الجوادُ على العلومِ بمالهِ
أينَ المُشاركُ مصرَ في فِدانهِ
أين الزراعةُ في جِنانٍ تحتكمُ
كخمائلِ الفردوسِ أو كجنانهِ
يا من لشعبٍ رُزؤُهُ في مالهِ
أنساهُ ذِكرُ مُصابهِ بكيانهِ
عُصفورتانِ في الحجا
زِ حلّتا على فَنن
في خامل من الريا
ضِ لا نَدٍ ولا حسن
بيناهما تنتجيا
نِ سَحَراً على الغُصن
مرَّ على أيكهما
ريحٌ سرى من اليمن
حيّا وقال دُرّتا
نِ في وعاء مُمتهن
لقد رأيتُ حولَ صن
عاءَ وفي ظلّ عدن
خمائلاً كأنّها
بقيّةٌ من ذي يزنِ
الحبُّ فيها سًكّرٌ
والماءُ شُهدٌ ولبن
لم يرها الطير ولم
يسمع بها إلا افتن
هيّا اركباني نأتِها
في ساعةٍ من الزمنِ
قالت له إحداهما
والطيرُ منهنَّ الفَطن
يا ريحُ أنتَ ابنُ السبي
ل ما عرفتَ ما السكنِ
هبْ جنّة الخلدِ اليمن
لا شىء يعدِلُ الوطن
الخلفاء الراشدون أربعة
مرضيةٌ سنتهم مُتبّعة
في الذكرِ لم يغفل لهم حديثُ
وذكرهم سيّره الحديثُ
العُمران وابن أروى وعلي
في الذروة الشّماءِ والاوج العلي
خلائف الله أئمة الهدى
وطأ للحقّ بهم ومهدّا
كلهمو ابن أمسه ويومه
عماد داره عميدُ قومه
همُ النجومُ في سماء غالبِ
ومطلعُ الهادي المنير الغالبِ
نماهو كما نماهُ فهرُ
فبينهم واشجةٌ وصهرُ
معادنُ الوفاء والإخاء
صحابةُ الشدّة والرّخاء
ما منعوا الله ولا نبيّهُ
قيادَ نفسٍ سمحةٍ أبيّه
وما الحواريون خلف عيسى
أحثّ منهم للنجاة عيسا
رُعاةُ شاءٍ وتجارُ مال
كالرسل في هذا وفي كمال
قد كفلوا الإسلام في صباه
فأيهم نادى دعا أباه
بالنفسِ والنفيسِ أيدوه
وبالقنا والرأي شبدوه
وأمّنوا ديك الهدى فصاحا
وآمنوا بفخره منصاحا
كلهموا فيه المجيب الأول
أعطوهُ غايات الرضى وتولّوا
فاسبقِّ إذا الحقّ دعا مُستنصرا
وكن إذا عدّ الحماة الخنصرا
ما حمل النفس على الأشقِّ
كقائلِ الصدق وحامي الحقّ
حتى جبا الأرض إليهم من جبا
وملكوا الدنيا فكانوا أعجبا
حدّث عن الخليفة الخميص
والملك المخزّق القميص
مثل الجواد زانه الإضمار
والشمسُ زادت حسنها الأطمار
لا يعقدون في الجباه العسجدا
بل التراب للمليك سجدّا
وتحت أقدامهم التيجان
يندبها اللؤلؤ والمرجان
كسرى ببطن الارض عطلُ المفرق
وقيصر يندب تاج المشرق
النيل العذب هو الكوثر
والجنّةُ شاطئهُ الأخضر
ريّان الصفحةِ والمنظر
ما أبهى الخلدَ وما أنضر
البحرُ الفيّاضُ القُدسُ
الساقي الناس وما غرسوا
وهو المِنوالُ لما لبسوا
والمُنعمُ بالقُطنِ الأنور
جعل الإحسانَ لهُ شَرعاً
لم يُخلِ الواديَ من مرعى
فترى زرعاً يتلو زرعا
وهنا يُجنى وهنا يُبذر
جارٍ ويُرى ليسَ بجارِ
لاناةٍ فيه ووقار
ينصبُّ كتلٍ مُنهارِ
ويضجُّ فتحسبهُ يزأر
حبشيُّ اللونِ كجيرته
من منبعهِ وبحيرتهِ
صبغَ الشطينِ بسمرته
لوناً كالمسكِ والعنبر

شوقي:

وأُفّ على العلم الذي تدعونه
إذا كانَ في علمِ النفوسِ رداها

فآمنتُ بالله الذي عزَّ شأنه
وآمنتُ بالعلمِ الذي عزّ طالبه
أيطلبُ المجدَ ويبغي العلا
قومٌ لسوقِ العلم فيهم كساد؟

تركُ النفوسِ بلا علمٍ ولا أدبٍ
تركُ المريضِ بلا طبٍّ ولا آسِ
عرفتُ القبورَ بِعَرفِ الرّياحِ
ودلَّ على نفسهِ الموضعُ
كَثكلى تلمسُ قبرَ ابنها
إلى القبرِ من نفسها تُدفَعُ
هداها خيالُ ابنها فاهتدتْ
وليلى الخيال الذي أتبعُ
لنا الله يا قلبُ،ليلاك
لا تُجيبُ وليلايَ لا تسمعُ
فُجعنا بليلى ولم نكُ نحسبُ
يا قلبُ أنا بها نُفجعُ

فلا خيرَ في الحبِّ حتى يذيع
ولا خيرَ في الزّهرِ حتى ينمّ
ودعوا التفاخرَ بالتراثِ وإن غلا
فالمجدُ كسب والزمانُ عصام
إنَّ الغرورَ إذا تملّكَ أمّة
كالزهرِ يخفى الموت وهو زؤام

بذلَ الجهودَ الصالحات عصابة
لا يسألونَ عن الجهودِ جزاء
دفعوا العوائقَ بالثباتِ وجاوزوا
ما سُرَّ من قدر الأمورِ وساء
إن التعاون قوّةٌ علويةٌ
تبني الرجالَ وتُبدعُ الأشياء
لا تكونوا السّيلَ جهماً خشناً
كُلّما عبر وكونوا السلسبيل
رُبَّ عين سمحة خاشعة
روت العشب ولم تنس النخيل

يَجلُّ الخطبُ في رجلٍ جليلٍ
وتكبرُ في الكبيرِ النائباتُ
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليه النائحاتُ
بالعلمِ والمالِ يبني الناسُ مُلكهمُ
لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ

ومن يستعنْ في أمرهِ غيرَ نفسهِ
يخنهُ الرفيقُ العون في المسلكِ الوعرِ
ولم أرَ مثلَ جمعِ المالِ داءً
ولا مثلَ البخيلِ به مصابا
فلا تقتُلكَ شهوتهُ،وزِنها
كما تزنُ الطعامَ أو الشرابا

لا تعشق الأذان إلا نغمة
كانت عليهم في المهودِ تُدارُ
وحوادثُ تجري لغايتها غدا
ولكلِّ جارٍ غايةٌ وقرار
ومدارسٍ لا تنهضُ الأخلا
قَ دراسةِ الرسومِ
يمشي الفسادُ بينها
مشي الشرارةِ بالهشيمِ

الأسد تزأرُ في الحديد ولن ترى
في السجنِ ضرغاماً بكى استخذاءَ
وسوّى الله بينكمُ المنايا
ووسدّكم مع الرسلِ الترابا

شرُّ الحكومةِ أن يُساسَ بواحدٍ
في المُلكِ أقوامٌ عِدادُ رمالهِ
أما الخلافة فهي حائط بيتكم
حتى يُبينَ الحشرُ عن أهوالهِ
أخذِتْ بحدِّ المشرفيِّ وحازها
لكم القنا بقصارهِ وطوالهِ
وما اعتراضُ الحظِّ دونَ المُنى
من هفوةِ المحسنِ أو ذنبهِ

فَبينا سبيلُ القومِ أمنٌ إلى المُنى
إذا هوَ خوفٌ في الظنونِ مذاهبه


ينالُ باللينِ الفتى بعضَ ما
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبهِ
فإن أنستمُ فليكن أنسكم
في الصبرِ للدهرِ وفي عتبهِ
وفي احتشامِ الأُسدِ دونَ القذى
إذا هيَ اضطرت إلى شربهِ

ولا عظّمتُ في الأشياءِ إلا
صحيحَ العلمِ والأدب اللبابا
ولا كرّمتُ إلا وجهَ حرٍّ
يُقلّدُ قومهُ المننَ الرغابا

لا تثبتُ العينُ شيئاً أو تُحققهُ
إذا تحيّرَ فيها الدمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلمُ في عينيكَ ناصعهُ
إذا سدلتَ عليكَ الشّكَ والريبا
إذا طلبتَ عظيماً فاصبرنَّ لهُ
أو فاحشدنَّ رماحَ الخطِّ والقُضبا
ولا تُعِدَّ صغيراتِ الأمورِ لهُ
إنَّ الصغائرَ ليست للعلا أُهبا
ولن ترى صُحبةً تُرضي عواقبُها
كالحقِّ والصّبرِ في أمرٍ إذا اصطحبا

يا مصرُ أشبال العرينِ ترعرعت
ومشت إليك من السجونِ أسودا
قاضي السياسة نالهم بعقابهِ
خشنَ الحكومة في الشباب عنيدا
أتتِ الحوادثُ دونَ عقدِ قضائه
فانهارَ بينه ودُكَ شهيدا

كم صَعَّبَ اليومُ من سهلٍ هَممتَ بهِ
وسهّلَ الغدُ في الأشياءِ ما صَعُبا
ضُموا الجهودَ وخلوها منكرةً
لا تملؤوا الشّدق من تعريفها عجبا

لا تسمعوا للمُرجفينَ وجهلهم
فمصيبةُ الإسلامِ من جُهّالهِ
طمعُ القريبِ أو البعيدِ بنيلها
طمعُ الفتى من دهرهِ بمحالهِ
ما الذئبُ مُجترئاً على ليثِ الشّرى
في الغالبِ مُعتدياً على أشبالهِ
بأضلَّ عقلاً وهيَ في أيمانكم
ممن يُحاولُ آخذها بشمالهِ

كُلّما هَمَّ مجدُهُ بزوالِ
قام فحلٌ فحالَ دونَ الزوال

يا فتيّة النيلِ السعيدِ خذوا المدى
واستأنفوا نفسَ الجهادِ مديدا
وتنكّبوا العدوانَ واجتنبوا الأذى
وقِفوا بمصرَ الموقفَ المحمودا

فَعفواً أميرَ المؤمنين لأمّةٍ
دعتْ قادراً ما زالَ في العفوِ يرغبُ
ضربتَ على آمالها ومآلها
وأنتَ على استقلالها اليوم تضربُ
إذا خانَ عبدُ السوءِ مولاهُ مُعتقاً
فما يفعلُ الكريمُ المُهذبُ

إذا لم يسترِ الأدبُ الغواني
فلا يُغني الحريرُ ولا الدّمقسُ

اليوم أصعدُ دون قبركَ منبراً
وأقلد الدنيا رثاءَكَ جوهرا

شوقي:
يرثي فوزي الغزي واضع الدستور في سوريا:
يا واضعَ الدستور أمسى كَخلقه
ما فيهِ من عوج ولا هو ضيّق
نظم من الشورى وحكم راشد
أدب الحضارة فيهما والمنطق
يا

فوز

تلك دمشق خلف سوادها
ترمي مكانك بالعيون وترمق
ذكرت ليالي بدرها فتلفتت
فعساك تطلع أو لعلك تشرق
ركن الزعامة حين تطلب رأيه
فيرى وتسأله الخطاب فينطق
من مبلغٌ عني شبولة جِلّق
قولاً يمرّ على الزمان ويصدقُ
بالله جلّ جلاله ،بمحمد،
بيسوع،

بالغزي

لا تتفرّقوا


سلامي عن هذا المقام مُقصّر
عليكَ سلامُ الله والبركات


أيها البحرُ ألقِّ في مصرَ
أملاحكَ حتى تُرابُها يتسبّخْ
كلُّ من ضاقتِ الحياة عليهِ
جاءَ مصراً وباضَ فيها وفرّخْ

قوّةُ الله إن تولّت ضعيفاً
تعبتْ في مراسهِ الأقوياء

واعلمْ أن الغدرَ في الناسِ شائعٌ
وأنَّ خليلَ الغانياتِ مُضيّعُ

إنَّ المُقصّرَ قد يحولُ ولن ترى
لجهالة الطبعِ الغبيِّ محيلا

سُلّتْ سيوفُ الحيِّ إلا واحداً
إفرندهُ في جفنهِ يحميكِ
جردتهُ في غيرِ حقّ كالألى
سلوا سيوفهمُ على أهليكِ
والحربُ لا عقل لها فتسومها
ما ينبغي من خطّةٍ وسلوكِ
دكت حصون القومِ إلا معقلاً
من نخوةٍ وحميةٍ وفتوكِ
وإذا احتمى الأقوام باستقلالهم
لاذوا بركن ليس بالمدكوكِ

وإن هَمَّ بالعفوِ الكريمِ رجاؤُهم
فمن كرمِ الأخلاقِ أن لا يُخيّبوا

وخذ لبنيكَ والأيامُ ذخراً
وأعطِ الله حصّتهُ احتسابا
فلو طالعت أحداث الليالي
وجدتَ الفقرَ أقربها انتيابا

ولا تضربنَّ بالرأي مُنحلَّ مُلكهمْ
فما يفعلُ المولى الكريمُ المُهذّبُ
لقد فنيت أرزاقُهم ورجالهم
وليسَ بفانٍ طيشهم والتقلُّبُ
فإن يجدوا للنفسِ بالعودِ راحة
فقد يشتهي الموتَ المريضُ المُعذّبُ
وإن همَّ بالعفوِ الكريم رجاؤُهم
فمن كرمِ الأخلاقِ أن لا يخيبوا
فما زلتَ جارَ البرِّ والسيدَ الذي
إلى فضلهِ من عدلهِ الجارُ يهربُ


إنما العاقلُ من يجعلُ
للدهرِ حسابا
فاذكروا يومَ مشيبٍ
فيهِ تبكون الشّبابا
إنَّ للسِنِّ لهماً
حين تعلو وعذابا
فاجعلوا من مالكم
للشيبِ والضعفِ نصابا
واذكروا في الصحة الداءَ
إذا ما السقمُ نابا
واجمعوا المالَ ليومٍ
فيهِ تلقونَ اغتصابا
قد دعاكم ذنبَ الهينةِ
داعٍ فأصابا
هي طاووسٌ وهل أحسنهُ
إلا الذُّنابى

واطلبا العلمَ لذاتِ العلمِ لا
لشهاداتٍ وآرابٍ أُخر
كم غُلامٍ خاملٍ في درسهِ
صارَ بحر العلم أستاذ العُصُر
ومُجدٍّ فيهِ أمسى خاملاً
ليسَ فيمن غابَ أو فيمن حضر


إنَّ الشبابَ غدٌ فليهدهم لغدٍ
وللمسالكِ فيهِ الناصحُ الورِعُ
لا يمنعنكمُ برُّ الأُبوّةِ أن
يكونَ صُنعكمْ غير الذي صنعوا
لا يُعجبنكم الجاهُ الذي بلغوا
من الولايةٍ والمالُ الذي جمعوا
عليكم بخيال المجد فالتفوا
حيالهُ وعلى تمثاله اجتمعوا
وأجملوا الصبرَ في جدٍّ وفي عملٍ
فالصبرُ ينفعُ ما لا ينفعُ الجزعُ
وإن نبغتم ففي علمٍ وفي أدبٍ
وفي صناعاتِ عصرٍ ناسهُ صُنعُ

وليسَ بالفاضلِ في نفسهِ
من يُنكرُ الفضلَ على ربّهِ
ما بالُ قومي اختلفوا بينَهُم
في مِدحةِ المشروعِ أو ثلبهِ
كأنّهم أسرى أحاديثهم
في ليِّن القيدِ أو في صُلبهِ

لا تبذلوا بُردَ النبيِّ لعاجزٍ
عُزُلٍ يُدافعُ دونهُ بالراحِ
بالأمسِ أوهى المسلمينَ جراحةً
واليومَ مدَّ لهم يدَ الجراحِ
فلتسمعُنَّ بكلِّ أرض داعياً
يدعو إلى الكذّابِ أو لِسجاحِ
ولتشهدنَّ بكلِّ أرض فتنةٍ
فيها يُباعُ تالدينُ بيعَ سَماحِ
يُفتى على ذهبِ المُعزِّ وسيفهِ

رُبَّ واهي الجأشِ فيهِ قَصَفٌ
ماتَ بالجُبنِ وأودى بالحذر
لامهُ الناسُ وما أظلمهمْ
وقليلٌ من تغاضى أو عذرْ
ولقد أبلاكَ عُذراً حسناً
مُرتدي الأكفانِ مُلقىً في الحُفرْ

قال ناسٌ صرعةٌ من قدر
وقديماً ظلم الناسُ القدر
ويقولُ الطبُّ بل من جَنّةٍ
ورأيتُ العقلَ في الناسِ ندرْ
ويقولونَ جفاءٌ راعَهُ
من أبٍ أغلظَ قلباً من حجرْ
وامتحانٌ صعبتهُ وطأةٌ
شدّها في العلمِ أستاذٌ نكرْ

كلٌّ يصيدُ الليثَ وهوَ مُقيّدٌ
ويَعزُّ صيدَ الضيغمِ المفكوكِ

ويا ربِّ هل تُغني عن العبدِ حَجّةٌ
وفي العمرِ ما فيهِ من الهفواتِ
وتشهدُ ما آذيتُ نفساً ولم أضر
ولم أبغِ في جهري ولا خطراتي
ولا غلبتني شِقوةٌ أو سعادةٌ
على حكمةٍ آتيتني وآناةِ
ولا جالَ إلا الخيرُ بين سرائري
لدى سُدّةٍ خيريّةِ الرغباتِ
ولا بتُّ إلا كابنِ مريمَ مُشفقاً
على حُسّدي مستغفراً لِعداتي
ولا حُملّت نفسٌ هوى لبلادها
كنفسي في فعلي وفي نفثاتي
وهوى النفوس وحقدها الملحاحِ

تعبتُ بأهلهِ لوماً وقبلي
دُعاةُ البرِّ قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبتُ على جمادٍ
فجرتُ بهِ الينابيعَ العذابا

نما الوُدُّ حتى مهّدَ السُبلَ للهوى
فما في سبيلِ الوصل ما يُتصّعبُ

وما هيَ إلا دعوةٌ وإجابةٌ
إن التحمت والحربُ بكرٌ وتغلِبُ

وهل يستوي القِرنانُ هذا مُنعَّمٌ
عزيزٌ وهذا ذو تجاريبَ قُلّبُ

فما في القوى أنَّ السماواتِ تُرتقى
بجيشٍ وأنَّ النجمَ يُغشى فيُغضب

وإذا سبى الفردُ المُسلّطُ مجلساً
ألفيتَ أحرارَ الرجالِ عبيدا
ورأيتَ في صدرِ النديِّ مُنوّماً
في عُصبةٍ يتحركون رُقودا

فترى الزمانَ هناكَ عند مشيبهِ
مثلَ الزمان اليومَ بعد شبابهِ
وتُحسُّ ثمَّ العلمَ عند عُبابهِ
تحت الثرى والفنُّ عند عُجابه

أسأتم وكانَ السوءُ منك إليكمُ
إلى خيرِ جارٍ عندهُ الخيرُ يُطلبُ

إذا حلِمتَ فالشرُّ وسنانُ حالمٌ
وإن غضبتَ فالشرُّ يقظانُ مُغضبُ

تقضي السياسةُ غير مالكةٍ لما
حكمتَ بهِ نقضاً ولا توكيدا

مجدُ الأمورِ زوالهُ في زلّةٍ
لا ترجُ لإسمكَ بالأمور خلودا

الأرضُ أليقُ منزلاً بجماعةٍ
يبغونَ أسبابَ السماءِ قُعودا

رمى واستردَّ السهمَ والخلقُ غافل
فهل يتقيهِ خلَقُهُ أو يُراقبه

إلى ذي انتقامٍ لا ينامُ غريمهُ
ولو أنّهُ شخصُ المنامِ المُحَجّبُ
شقيتُم بها من حيلةٍ مُستحيلةٍ
وأينَ من المحتالِ عنقاءُ مُغرِبُ
فلولا سيوفُ التركِ جَرّبَ غيرُكم
ولكن من الأشياءِ ما لا يُجرّبُ

قد أسقطَ الطفرةَ في مُلكهِ
من ليسَ بالعاجزِ عن قلبهِ
يا رُبَّ قيدٍ لا تُحبونَهُ
زمانكم لم يتقيّد بهِ
ومطلبٍ في الظنِّ مُستبعدٍ
كالصُبحِ للناظرِ في قُربهِ
واليأسُ لا يَجملُ من مؤمنٍ
مادامَ هذا الغيب في حُجبهِ

ليس يدري أحدٌ منكم بما
كانَ يُعطى لو تأنّى وانتظر
رُبَّ طفلٍ برّحَ البؤسُ بهِ
مُطِرَ الخيرَ فتيّاً ومَطَر
وصبيٍّ أزرتِ الدنيا بهِ
شبَّ بين العزِّ فيها والخطر
ورفيعٍ لم يُسوِّدُ أبٌّ
من أبو الشّمس ومن جَدُّ القمر
فلكٌ جارٍ ودنيا لم يَدُمْ
عندها السّعدُ ولا النحسُ استمر

رأى الفتنةَ الكبرى فوالى انهمالهُ
فبادتْ وكانت جمرة تتلّهبُ
فما زلت بالأهوال حتى اقتحمتها
وقد تُركبُ الحاجاتُ ما ليسَ يُركبُ
أخوضُ الليالي من عُبابٍ ومن دُجىً
إلى أفقٍ فيهِ الخليقةُ كوكبُ


يا قوم هذا زمنٌ قد رمى
بالقيدِ واستكبرَ عن سَحبهِ
لو أنَّ قيداً جاءَهُ من عَل
خشيتُ أن يأتي على ربّهِ
وهذه الضجةُ من ناسهِ
جنازةُ الرِقِّ إلى تُربهِ
من يخلعُ النيرَ يعشْ بُرهةً
في أثرِ الغيرِ وفي ندبهِ

إني نظرتُ إلى الشعوبِ فلم أجدْ
كالجهلِ داءً للشعوبِ مُبيدا
الجهلُ لا يلدُ الحياة مواتهُ
إلا كما تلدُ الرِمامُ الدودا
لم يخلُ من صورِ الحياةِ وإنّما
أخطأهُ عُنصرُها فماتَ وليدا

جُبنٌ أقلَّ وحطَّ من قدريهما
والمرءُ إن يجبُنْ يعش مرذولا

ومن تضحكِ الدنيا إليه فيغترر
يَمتْ كقتيلِ الغيدِ بالبسماتِ
وركبٍ كإقبالِ الزمانِ مُحجّلٍ
كريم الحواشي كابر الخطواتِ
يسيرُ بأرضٍ أخرجتْ خير أمّةٍ
وتحتَ سماء الوحي والسوراتِ
يُفيضُ عليها اليُمنَ في غدواته
ويُضفي عليها الأمنَ في الروحاتِ

يا صاحبَ الأخرى بلغت محلة
هيَ من أخي الدنيا مُناخُ رِكابه
نُزُلٌ أفاقَ بجانبيه من الهوى
من لا يُفيقُ وجدَّ من تلعابه
نامَ العدوُّ لديهِ عن أحقادهِ
وسلا الصديقُ به هوى أحبابه
الراحةُ الكبرى مِلاكُ أديمهِ
والسلوةُ الطولى قِوامُ ترابه

أدّوا إلى الغازي النصيحة ينتصحْ
إنَّ الجوادَ يثوبُ بعد جماحِ
إنَّ الغرورَ سقى الرئيسَ براحهِ
كيفَ احتيالُكَ في صريعِ الراحِ

ما رأى في العيشِ شيئاً سرَّهُ
وأخفُّ العيشَ ما ساءَ وسرّ
نزلَ العيشَ فلم ينزل سوى
شُعبةِ الهمِّ وبيداءِ الفِكر

حمدنا بلاءكم في النضالِ
وأمس حمدنا بلاءَ السلف

عالجوا الحكمةَ واستشفوا بها
وانشدوا ما ضلَّ منها في السير
واقرأوا آدابَ مَنْ قبلكم
رُبّما علّمَ حيّاً من غبرْ
واغنموا ما سخرّ الله لكم
من جمالٍ في المعاني والصور

أيها الغادون كالنحلِ
ارتياداً وطلابا
في بكورِ الطيرِ للرزقِ
مجيئاً وذهابا
اطلبوا الحقّ برفق
واجعلوا الواجبَ دابا
واستقيموا يفتح الله
لكم باباً فبابا

لا أرى الأيامَ إلا معتركاً
وأرى الصنديدَ فيه من صبرْ

يُريدُ الخالقُ الرزقَ اشتراكاً
وإن يكُ خصَّ أقواماً وحابى
فما حرمَ المُجدَّ جنى يديهِ
ولا نسيَ الشقيَّ ولا المُصابا
ولولا البخلُ لم يهلك فريقٌ
على الأقدارِ تلقاهُمُ غضابا

قُلْ للِمُدلِّ بمالهِ وبجاههِ
وبما يُجلُّ الناسُ من أنسابهِ
هذا الأديمُ يَصدُّ عن حُضّارهِ
وينامُ ملء الجفنِ عن غُيّابه
إلا فتىً يمشي عليه مُجدِّداً
ديباجتيه مُعمراً بخرابهِ

فمن يغترُّ بالدنيا فإنّي
لبستُ بها فأبليتُ الثيابا
لها ضحكُ القيان إلى غبيٍّ
ولي ضحِكُ اللبيبِ إذا تغابى
جنيتُ بروضها ورداَ وشوكاً
وذقتُ بكأسها شُهداً وصابا

فأينَ اللواءُ وربُّ اللواءِ
إمامُ الشّبابِ مثالُ الشرف
وأينَ الذي بينكمْ شِبلهُ
على غايةِ الحقّ نِعمَ الخلف
ولا بُدَّ للغرسِ من نقلهِ
إلى من تعهّدَ أو من قطف
فلا تجحدنَّ يدَ الغارسينَ
وهذا الجَنى في يديك اعترف
أولئكَ مرّوا كدودِ الحريرِ
شجاها النَفاعُ وفيهِ التلف

لا ريبَ أنَّ خُطا الآمالِ واسعةٌ
وأنَّ ليلَ سُراها صُبحهُ اقتربا
وأنَّ في راحتي مصر وصاحبها
عهداً وعقداً بحقٍّ كان مغتصبا
قد فتحَ اللهُ أبواباً لعلَّ لنا
وراءها فُسحَ الآمال والرُحبا
لولا يدُ الله لم ندفع مناكبها
ولم نعالج على مصراعها الأربا
لا تعدَمُ الهمّةُ الكبرى جوائزها
سيّان من غلبَ الأيام أو غُلبا

أو كانَ يجزيكَ الرّدى عن صُحبةٍ
وهوَ القديمُ وفاؤُهُ لصحابهِ
تاللهِ لو أهدى لك الهرمين من
ذهبٍ لكانَ اقلَّ ما تُجزى بهِ

في الموتِ ما أعيا وفي أسبابهِ
كلُّ امرىءٍ رَهنٌ بطيِّ كتابهِ
أسدٌ لَعمرُكَ من يموتُ بظفرهِ
عند اللقاءِ كمن يموتُ بنابهِ
إن نامَ عنكَ فكلُّ طبٍّ نافعٌ
أو لم ينْ فالطبُّ من أذنابهِ
داءُ النفوسِ وكلُّ داءٍ قبلهُ
هَمٌ نسينَ مجيئهُ بذهابهِ

لم يُبرمِ الأمرَ حتى يستبينَ لكم
أساءَ عاقبة أم سرَّ مُنقلبا
نِلتُمْ جليلاً ولا تُعطونَ خردلةً
إلا الذي دفعَ الدستورَ أو جلبا
تمهدّتْ عقباتٌ غيرُ هَنيّةٍ
تلقى رُكابُ السُّرى من مثلها نصبا
وأقبلتْ عقباتٌ لا يُذللها
في موقفِ الفصل إلا الشعبُ مُنتخبا
لهُ غداً رأيهُ فيها وحمتهُ
إذا تمهلَ فوقَ الشوكِ أو وثبا

يا ربِّ أمرُكَ في الممالكِ نافذٌ
والحكمُ حُكمكَ في الدمِ المسفوكِ
إن شئتَ اهرِقهُ وإن شئتَ احمهِ
هوَ لم يكن لسواكَ بالمملوكِ
واحكم بعدلكَ إنَّ عدلكَ لم يكن
بالمُمترى فيهِ ولا المشكوكِ

ولولا البرُّ لم يُبعثْ رسولٌ
ولم يحمل إلى قومٍ كتاب

إني أنا المصباحُ لستُ بضائعٍ
حتى أكونَ فراشةَ المصباحِ

إن حدّثوا نطقوا بِخرسِ كتائبٍ
أو خُوطبوا سَمعوا بِصُمِّ رماحِ
أستغفرُ الأخلاقَ لستُ بجاحدٍ
من كنتُ أدفعُ دونهُ وأُلاحي
مالي أطوّقهُ الملامَ وطالما
قلدتهُ المأثورَ من أمداحي
هو ركنُ مملكةٍ وحائط دولةٍ
وقريعُ شهباءٍ وكبشُ نطاحِ
اأقولُ من أحيا الجماعة مُلحدٌ
وأقولُ من ردَّ الحقوقَ إباحي
الحقُّ أولّى من وليّكَ حرمة
وأحقُّ منكَ بنصرةٍ وكفاحِ

وأنَّ البرَّ خيرٌ في حياةٍ
وأبقى بعد صاحبهِ ثوابا
وأنَّ الشرَّ يصدعُ فاعليهِ
ولم أرَ خيراً بالشرِّ آبا
وكلُّ سعي سيجزي اللهُ ساعيهُ
هيهاتَ يذهبُ سعيَ المحسنينَ هَبا

إن أنسَ لا أنسَ الشّبيبة والهوى
وسوالِفَ اللذاتِ في ناديكِ
وليالياً لم تدرِ أينَ عِشاؤها
من فجرها لولا صياحُ الديكِ

من سَرَّهُ ألا يموتَ فبالعُلا
خلدَ الرجالُ وبالفعالِ النابهِ
ما ماتَ من حازَ الثرى آثارهُ
واستولتِ الدنيا على آدابهِ

ألا هكذا الدنيا وذلكَ وُدُّها
فهلا تأتى في الأماني خاطبهْ

خذوا القصدَ واقتنعوا بالكفافِ
وخلّوا الفضول يَغلها السَرفُ
وروموا النبوغَ فمن نالهُ
تلقى من الحظ أسنى التُحفُ
وما الرزقُ مُجتنبٌ حِرفة
إذا الحظُّ لم يُهجرِ المحترفُ

هل كان في الوهمِ أنَّ الطيرَ يخلفها
على السماءِ لطيفُ الصُنعِ مُخترعُ
وأنّ أدراجها في الجوِّ يسلكها
جنٌ جنودُ سليمان لها تبعُ
أعيال العُقابَ مداهم في السماء وما
راموا من القبة الكبرى وما فرعوا

وراء كلّ سبيلٍ فيهما قَدَرٌ
لا تعلمُ النفسُ ما يأتي وما يدعُ
فلستَ تدري وإن كنتَ الحريصَ متى
تهبُّ ريحاهما أو يطلعُ السُبع
ولستَ تأمنُ عند الصحوِّ فاجئةً
من العواصفِ فيها الخوفُ والهلعُ
ولستَ تدري وإن قدّرتَ مُجتهداً
متى تَحطُّ رحالاً أو متى تضعُ
ولستَ تملكُ من أمرِ الدليلِ سوى
أنَّ الدليلَ وإن أرداكَ مُتّبعُ
وما الحياةُ إذا أظمت وإن خدعتْ
إلا سرابٌ على صحراءٍ يلتمعُ
وما البطولةُ إلا النفسُ تتدفعها
فيما يُبلّغها حمداً فتندفعُ
ولا يُبالي لها أهلٌ إذا وصلوا
طاحوا على جَنباتِ الحمدِ أم رجعوا

وقفتُ بها كما شاءت وشاؤوا
لها حقٌّ وللأحبابِ حقٌّ
وقوفاً علمَ الصبرَ الذهابا
رشفتُ وصالهمُ فيها حَبابا
ومن شكرَ المناجمَ مُحسناتٍ
إذا التِبرُ انجلى شكرَ الترابا

يا دولةَ الخُلق التي تاهت على
بيني وبينكِ ملةٌ وكتابها
رُكنِ السِماكِ بركنها المسموكِ
والشرقُ يَنميني كما ينميكِ
قد ظنني اللاحي نطقتُ عن الهوى
وركبتُ متن الجهلِ إذ أطريكِ

وإذا المُعلمُ لم يكنْ عدلاً مشى
روحُ العدالةِ في الشّبابِ ضئيلا
وإذا المعلمُ ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يدهِ البصائرُ حولا

رأيتُ الديانات في نظمها
وحينَ وهى سلكها وانتثرْ
تُشادُ البيوتُ لها كالبروجِ
إذا أخذ الطرفُ فيها انحسرْ
تلاقى أساساً وشمَّ الجبالِ
كما تتلاقى أصولُ الشجر

لا يحزننّكِ من حُماتك خطّةٌ
كانت هي المثلى وإن ساؤوكِ
أيُقالُ فتيانُ الحمى بكِ قصّروا
أم ضيّعوا الحُرماتِ أم خانوكِ
وهُمُ الخفافُ إليكِ كالأنصارِ إذ
قلَّ النصيرُ وعزَّ من يفديكِ
المُشتروكِ بمالهم ودمائهم
حين الشيوخُ بِجُبّةِ باعوكِ
هدروا دماءَ الذائدينَ عن الحمى
بلسان مُفتي النارِ لا مُفتيكِ
شربوا على سرِّ العدوِّ وغرّدوا
كالبومِ خلفَ جداركِ المدكوكِ

أمرُ الرجالِ إليهِ لا إلى نفرٍ
من بينكم سَبقَ الأنباءَ والكُتبا
أملى عليهِ الهوى والحقدُ فاندفعتْ
يداهُ ترتحلان الماء واللّهبا
إذا رأيتَ الهوى في أمّةٍ حكما
فاحكم هُنالكَ أن العقلَ قد ذهبا

فيا ليت شِعري أين كانت جنودَهُ
وكيفَ تراخت في الفِداءِ قواضبهْ
ورُدَّتْ على أعقابهنَّ سفينُهُ
وما ردّها في البحرِ يوماً مُحاربهْ
وكيفَ أفاتَتهُ الحوادثُ طلبه
وما عوّدتهُ أن تفوتَ رغائبهْ

ذهبَ الذينَ حموا حقيقة علمهم
واستعذبوا فيها العذابَ وبيلا
في عالم صحبَ الحياة مُقيدا
بالفردِ مخزوماً بهِ مغلولا
صرعتهُ دنيا المُستبد كما هوت
من ضربةِ الشمسِ الرؤوس ذهولا

ومن نسي الفضلَ للسابقين
فما عرفَ الفضلَ فيما عرف
أليسَ إليهم صلاحُ البناء
إذا ما الأساسُ سما بالغُرف
فهل تأذنونَ لذي خلّةٍ
يفُضُّ الرياحينَ فوق الجيف

إني لأعذركم وأحسبُ عبئكم
من بينِ أعباءِ الرجالِ ثقيلا
وجدَ المُساعدَ غيركمُ وحُرمتمُ
في مصر عونَ الأمهاتِ جليلا

فدعْ كلَّ طاغيةٍ للزمانِ
فإنَّ الزمانَ يُقيمُ الصَعَر

ولن ترى صُحبةً تُرضى عواقبها
كالحقِّ والصبرِ في أمر إذا اصطحبا

أحمد شوقي في رثاء محمد تيمور:
ضربوا القِبابَ على الشباب
وثووا إلى يومِ الحسابِ
همدوا وكلُّ مُحَرك
يوماً سيسكن في التراب
نزلوا على ذئب البلى
فتضيعوا شرّ الذئاب
وكأنهم صرعى كرى
بالقاعِ أو صرعى شراب
فإذا صحوا وتنبهوا
فاللهى أعلمُ بالمآب
الصابرينَ إذا حلَّ البلاءُ بهم
كالليثِ عضَّ على نابيهِ في النُّوبِ

تجري العقولُ بأهلها فإذا جرى
كبت العقول وزلّت الأحلام

دُنياكَ من عاداتها
ألا تكونَ لأعزلِ
أو للغبيِّ وإن تعلّلَ
بالزمانِ المُقبلِ
جُعلت لِحرٍّ يُبتلى
في ذي الحياةِ ويبتلي
يرمي ويُرمى في جهادِ
العيشِ غير مُغفّلِ
مُستجمعٍ كالليثِ إن
يُجهلْ عليهِ يجهلِ

ولا يُنبيكَ عن خُلقِ الليالي
كَمنْ فقدَ الأحبّةَ والصحابا
أخا الدنيا أرى دُنياكَ أفعى
تُبدِّلُ كلَّ آونةٍ إهابا
وأنَّ الرُقط أيقظ هاجعاتٍ
وأترَع في ظلالِ السلمِ تابا
ومن يعدِلْ بِحُبِّ الله شيئاً
كَحُبِّ المالِ ضلَّ هوىً وخابا
وشافي النفس من نزعاتِ شرٍّ
كَشافٍ من طبائعها الذئابا

إنَّ الرجالَ إذا ما ألجئوا لجئوا
إلى التعاونِ فيما جلَّ أو حزبا

إذا جاءت الأعيادُ في كلِّ مسمعٍ
تجوبُ الثرى شرقاً وغرباً جوانبه
رجاءٌ فلم يلبث فخوفٌ فلم يَدُم
سل الدهر أيُّ الحادثين عجائبه

وإذا العنايةُ لاحظتكَ عيونها
نَمْ فالحوادثُ كُلهنَّ أمانُ

يا طالباً لمعالي المُلكِ مجتهداً
خذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلم والمال يبني الناس مُلكهمُ
لم يُبنَ مُلكٌ على جهلٍ وإقلالِ
سراةَ مصر عهدناكم إذا بُسطتْ
يدُ الدعاءِ سِراعاً غير بُخّالِ
تبينَ الصِدقُ من بينِ الأمورِ لكمُ
فامضوا إلى الماءِ لا تلووا على الآلِ
لا يذهبِ الدّهرُ بينَ الترهاتِ بكم
وبينَ زهرٍ من الأحلامِ قتالِ
هاتوا الرجال وهاتوا المال واحتشدوا
رأياً لرأي ومثقالاً لمثقالِ
فابنوا على بركاتِ الله واغتنموا
ما هيأ الله من حظٍّ وإقبالِ


انظرْ إلى الأقمارِ كيفَ تزولُ
وإلى وجوهِ السعدِ كيفَ تحولُ


قُمْ نادِ أنقرةَ وقل يَهنيكِ
مُلكٌ بَنيتِ على سيوفِ بنيكِ
وأقمتِ بالدّمِ جانبيهِ ولم تزلْ
تُبنى الممالكُ بالدمِ المسفوكِ
تاجٌ ترى فيهِ إذا قلبتهُ
جهدَ الشريفِ وهِمّة الصعلوكِ
وترى الضحايا من معاقدِ غارهِ
وعلى جوانبِ تبرهِ المسبوكِ

قِفْ بالممالكِ وانظر دولةَ المالِ
واذكر رجالاً أدالوها بإجمالِ
وانقلْ رُكابَ القوافي في جوانبها
لا في جوانبِ رسمِ المنزلِ البالي
ما هيكلُ الهرمِ الجيزيِّ من ذهبٍ
في العينِ أزينَ من بُنيانها الحالي
علا بها الحِرصُ أركاناً وأخرجها
على مثالٍ من الدنيا ومنوالِ
فيها الشقاءُ لقومٍ والنعيمُ لهم
وبؤسُ ساعٍ ونُعمى قاعدٍ سالي

أيامَ كانَ الناسُ في جهلاتهم
مثلَ البهائمِ أُرسلت إرسالا
من جهلهم بالدين والدنيا معاً
عبدوا الأصنمَّ وألّهوا التمثالا
ضلّوا عقولاً بعد عِرفان الهدى
والعقلُ إن هو ضلَّ كانَ عِقالا
حتى إذا انقسموا تقوَّضَ مُلكهم
والمُلكُ إن بطلَ التعاونُ زالا

أدارَ محمّدٍ وتراثُ عيسى
لقد رضيناكِ بينهما مَشاعا
فهل نبذ التعصبُ فيكِ قومٌ
يمدُّ الجهلُ بينهمُ النزاعا

فهل من يُبلغُ عنا الأصولَ
بأنَّ الفروعَ اقتدتْ بالسيرِ
وأنا خطبنا حِسانَ العُلا
وسُقنا لها الغاليَ المُدّخر

هذا هلالكمْ تكفّل بالهدى
هل تعلمونَ مع الهلال ضلالا
سرتِ الحضارة حُقبةً في ضوئه
ومشى الزمانُ بنورهِ مُختالا
وبنى له العربُ الأجاودُ دولةً
كالشمسِ عرشاً والنجوم رجالا
رفعوا له فوقَ السِماكِ دعائماً
من علمهم ومن البيانِ طِوالا
الله جلَّ ثناؤهُ بلسانهم
خلقَ البيانَ وعلّمَ الأمثالا
وتخيّرَ الأخلاقَ أحسنها لهم
ومكارمُ الأخلاقِ منهُ تعالى
كالرُسلِ عزماً والملائكِ رحمةً
والأسدِ بأساً والغُيوثِ نوالا

وصَلِ صلاةَ من يرجو ويخشى
وقبل الصومِ صمْ عن كلِّ فحشا
ولا تحسب بأنَّ الله يرشى
وأن مزكياً أمن الجحيما
لكلِّ جنى زكاة في الحياة
ومعنى البرِّ في لفظ الزكاة
وما لله فينا من جباة
ولا هو لامرىء زكّى غريما

وإن تخرج لحرب أو سلام
فأقدِمْ قبل إقدامِ الأنام
وكنْ كالليثِ يأتي من أمام
فيملأ كل ناطقة وجوما
وكن شعب الخصائص والمزايا
ولا تكُ ضائعاً بين البرايا
وكنْ كالنحلِ والدنيا الخلايا
يمرُّ بها،ولا يمضي عقيماً

إنَّ الأهلّة إن سرتْ
سارت على نهجِ البدور

فلما استللت السيف أخلب برقهم
وما كنت ـ يا برق المنيّة ـ تخلبُ
ويرمي بها كالبحر من كلِّ جانبٍ
فكلُّ خميس لجّةٌ تتضربُ
أخذتهم،لا مالكين لحوضهم
من الذودِ إلا ما أطالوا وأسهبوا
ولم يتكلّف قومك الأسد أهبةً
ولكن خلقاً في السباعِ التأهبُ

سعت لكَ صورتي وأتاكَ شخصي
وسارَ الظلُّ نحوكَ والجهاتُ
لأنّ الروحَ عندكَ وهي أصل
وحيثُ الأصلُ تسعى الملحقاتُ
وهبّها صورةٌ من غيرِ روح
أليسَ من القبول لها حياة

أتذكر إذ أنت تحتَ اللواءِ
نبيهَ المكانة،جمَّ العديد؟
إذا ما تطلّعتَ في الشاطئين
ربا الريف،وافتنَّ فيكَ الصعيد
وهزَّ النديُّ لكَ المنكبينِ
وراحَ الثرى من زحام يميد
رسائل تذري بسجع البديع
وتُنسي رسائلَ عبد الحميد
يَعيها شيوخُ الحمى كالحديثِ
وتحفظها النشء حفظَ النشيد

وإن ترم المظاهر في الحياة
فرُمها باجتهادكَ والثابت
وخذها بالمساعي باهرات
تُنافس في جلالتها النجوما

اتخذتِ السماءَ يا دارُ ركنا
وأويتِ الكواكب الزّهرَ سَكنا
وجمعتِ السعادتين،فباتت
فيكِ دنيا الصلاح للدين خِدنا
نادما الدهر في ذراكِ وقضّا
من سُلفِ الودادِ دنّاً فدّنا
وإذا الخلقُ كان عقدَ ودادٍ
لم ينلْ منه من وشى وتجنّى

قُلْ لي نصير وأنت برّ صادق
أحملت إنساناً عليكَ ثقيلا؟
أحملت دنيا في حياتكَ مرّة؟
أحملت يوماً في الضلوعِ غليلا؟
أحملت ظلماً من قريبٍ غادر
أو كاشح بالأمس كان خليلا
أحملت منّاً بالنهار مُكرراً
والليل،من مُسدٍ إليكَ جميل؟
أحملت طغيان اللئيم إذا اغتنى
أو نال من جاهِ الأمورِ قليلا؟
أحملت في النادي الغبي إذا التقى
من سامعيهِ الحمدَ والتبجيلا؟
تلك الحياة،وهذه أثقالها
وزنَ الحديدُ بها فعاد ضئيلا

نشدتُكَ بالمنيّة وهيَ حقٌّ
ألم يكُ زُخرفُ الدنيا قريا
عرفتَ الموتَ معنىً بعد لفظٍ
تكلّم،واكشفْ المعنى الخبيّا
أتاكَ من الحياةِ الموتُ فانظر
أكنتَ تموت لو لم تُلفَ حيّا؟
وللأشياءِ أضدادٌ إليها
تصيرُ إذا صبرتَ لها مليّا
ومنقلبُ النجومِ إلى سكونِ
من الدورانِ يطويهنَّ طيّاً
فخبرّني عن الماضين،إني
شددتُ الرحلَ أنتظرُ المضيّا
وصفْ لي منزلاً حُملوا إليه
وما لمحوا الطريقَ ولا المُطيّا
وكيف أتى الغنيُّ له فقيراً
وكيفَ ثوى الفقيرُ بهِ غنيّا؟

قلْ للحوادث
:
أقدمي، أو أحجمي
إنا بنو الإقدامِ والإحجام
نحنُ النيامُ إذا الليالي سالمتْ
فإذا وثبنَ فنحنُ غيرُ نيامِ
فينا من الصبر الجميل بقيّةٌ
لحوادثٍ خلفَ العيوبِ جسامِ

في مجمع هزّ البيان لواءه
بك فيه،واعتزت بكَ الأقلام
ابن الملوك تلا الثناء مخلداً
هيهاتَ يذهبُ للملوكِ كلام

ومن شرفِ الأوطانِ ألا يفوتها
حسامٌ مُعِزٌّ أو يراعٌ مهذّبُ
أمنَّا الليالي أن نُراعَ بحادثٍ
ومُلهمها فيما تنالُ وتكسبُ
وما الملكُ إلا الجيشُ شأناً ومظهراً
ولا الجيشُ إلا ربّهُ حينَ يُنسبُ

ومنْ يُفجعْ بِحُرٍّ عبقريٍّ
يجد ظُلمَ المنيّة عبقريّا
ومن تتراخَ مُدّتهُ فيُكثرْ
من الأحبابِ لا يُحصي النعيّا

أخي،أقبلْ عليَّ من المنايا
وهاتِ حديثكَ العذبَ الشهيّا
فلمْ أعدم إذا ما الدورُ نامتْ
سميراً بالمقابرِ أو نجيّا
يُذكرني الدُّجى لِدةً حميماً
هنالكَ باتَ أو خِلاً وفيّا

أحقٌّ أنّهم دفنوا عليّاً
وحطّوا في الثرى المرءَ الزكيّا؟
فما تركوا من الأخلاقِ سمحاً
على وجهِ الترابِ ولا رضيّا؟
مضوا بالضاحكِ الماضي وألقوا
إلى الحفر الخفيفَ السّمهريّا
فمن عَونُ اللغاتِ على مُلّم
أصابَ فصيحُها والأعجميا
ومن ينظر يرَ الفسطاط تبكي
بفائضةٍ من العبراتِ ريّا

أحمد شوقي يرثي محمد فريد:
فريد ضحايانا كثير،وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريد
فما خلف ما كابدت في الحق غاية
ولا فوق ما قاسيت فيهِ مزيد
تغرّبتَ عشراً وأنتَ فيهنّ بائس
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريد
تجوعُ ببلدان،وتعرى بغيرها
وترزح تحت الداء،وهو عتيد

زين الشّبابِ قضى،ولم تتزودي
منه ولم تتمتعي بقرابه


اسكندرية،كيف صبركِ عن فتىً
الصبرُ لم يُخلق لمثلِ مُصابه
عطلت سماؤك من بريق سحابها
وخبا قضاؤكِ من شعاعِ شهابه

أرأيتَ زينَ العابدينَ مُجهزاً
من دار توأمهِ وصِنو حياته
نقلوهُ نقل الوردِ من محرابهِ
والأولِ المألوفِ من أترابه
ساروا به من باطل الدنيا إلى
ومضوا لسبيلِ آدم قبله
بحبوحة الحقّ المُبينِ وغابهِ
ومصاير الأقوامِ من أعقابه
تحنو السماءُ على زكي سريره
ويمسُّ جيدَ الأرضِ طيبُ ركابه
وتطيبُ هامُ الحاملينَ وراحهم
من طيبِ محملهِ وطيبِ ثيابه
وكأنَّ مصرَ بجانبيهِ ربوةٌ
آذارُ آذنها بوشك ذهابه

لئن فاتَ مصراً أن يموتوا بأرضها
وما شغلتهم عن هواها قيامةٌ
لقد ظفروا بالبعثِ من تُربها الغالي
إذا اعتلَّ رهنُ المحسين بأشغالِ
حملتم من الغربِ الشّموسِ لمشرقٍ
عواثرَ لم تبلغ صباها،ولم تنلْ
تلقّى سناها مظلماً كاسفَ البالِ
مداها،ولم توصل ضحاها بآصالِ
يطافُ في الأعناقِ تترى زكيةً
كتابوتِ موسى في مناكب إسرال
أظلَّ جلالُ العلمِ والموتِ وفدها
فلم تلقَ إلا في خشوعٍ وإجلالِ
تفارقُ داراً من غرورٍ وباطلٍ
إلى منزل من جيرةِ الحقّ محلالِ

فامضِ في ذمّةِ الشّبابِ نقياً
طاهراً ما ثنيتْ من أذياله
إن للعصرِ والحياة للؤماً
لست من أهلهِ ولا من مجاله

آل زغلول،حسبُكم من عزاءٍ
سُنّةُ الموتِ في النبيِّ وآلهِ
في خلالِ الخطوبِ ما راع إلا
أنها دون صبركم وجمالهِ
حمل الرزءَ عنكم في سعيدٍ
وبكى ما بكيتم من خلاله

سلامٌ عليهِ في الحياة،وهامداً
وفي العُصر الخالي،وفي العالم التالي

إثنِ عنانَ القلبِ واسلم بهِ
من ربربِ الرَملِ ومن سربهِ
ومن تثنّي الغيدِ عن بانهِ
مُرتجّةَ الأردافِ عن كُثبهِ
ظباؤُهُ المُنكسراتُ الظُبا
يغلبنَ ذا اللُبِّ على لبّهِ
بيضٌ رِقاقُ الحسنِ في لمحةٍ
من ناعمِ الدُرِّ ومن رَطبهِ
ذوابلُ النرجسِ في أصلهِ
يوانِعُ الوردِ على قُضبهِ
زِنَّ على الأرضِ سماءَ الدجى
وزِدنَ في الحسنِ على شُهبهِ
يمشينَ أسراباً على هينَةٍ
مشيَ القَطا الآمنِ في سربهِ
من كلِّ وسنان بغيرِ الكرى
تنتبهُ الآجالُ من هُدبهِ
جفنٌ تلّقى ملكا بابلٍ
غرائبَ السِحرِ على غَربه
يا ظبيةَ الرملِ وُقيتِ الهوى
وإن سمعت عيناكِ في جلبهِ
ولا ذَرفتِ الدمعَ يوماً وإن
أسرفتِ في الدمعِ وفي سكبه
هذي الشواكي النُحلُ صدنَ امرأً
ملقى الصِبا أعزلَ من غَربهِ
صيّادَ آرامٍ رماهُ الهوى
بشادنٍ لا بُرءَ من ىحُبّهِ
شابٌ وفي أضلعهِ صاحبٌ
خِلوٌ من الشيبِ ومن خطبهِ
واهٍ بجنبي خافقٌ كلّما
قلتُ تناهى لجَّ في وثبهِ
لا تنثني الآرامُ عن قاعهِ
ولا بناتُ الشوقِ عن شِعبهِ
حمّلتهُ في الحبِّ ما لم يكن
لِيحملَ الحبُّ على قلبهِ
ما خفَّ إلا للهوى والعلا
أو لجلالِ الوفدِ في ركبهِ
أربعةٌ تجمعهُم هِمّةٌ
ينقلها الجيلُ إلى عَقبهِ
قطارُهم كالقَطرِ هزَّ الثرى
وزادهُ خِصباً على خِصبهِ
لولا استلامُ الخلقِ أرسانَهُ
شبَّ فنالَ الشمسَ من عُجبهِ
كُلُّهمُ أغيرُ من وائلٍ
على حِماهُ وعلى شَعبهِ
لو قدروا جاؤوكم بالثرى
من قُطبهِ مُلكاً إلى قُطبهِ
وما اعتراضُ الحظِّ دونَ المنى
من هفوةِ المُحسنِ أو ذنبهِ
وليسَ بالفاضلِ في نفسهِ
من يُنكرُ الفضلَ على ربّهِ
ما بالُ قومي اختلفوا بينهم
في مِدحةِ المشروعِ أو ثلبهِ
كأنّهم أسرى أحاديثُهم
في لينِ القيدِ وفي صُلبهِ
يا قومِ هذا زمنٌ قد رمى
بالقيدِ واستكبر عن سحبهِ
لو أنَّ قيداً جاءَهُ من علٍ
وهذه الضجةُ من ناسهِ
خشيتُ أن يأتي على ربِّهِ
جنازةُ الرِقِّ إلى تُربه
من يخلعُ النيرَ يعش بُرهةً
يا نشأ الحيِّ شبابَ الحِمى
في أثرِ النيرِ وفي ندبهِ
سُلالةَ المشرقِ من نُجبهِ
بني الألى أصبحَ إحسانهم
موسى وعيسى نشآ بينهم
دارت رحى الفنِّ على قطبهِ
في سعةِ الفكرِ وفي رُحبهِ
وعالجا أوّلَ ما عالجا
ما نسيت مصرُ لكم برّها
من عللِ العالمِ أو طِبّهِ
في حازبِ الامرِ وفي صعبهِ
مزّقتمُ الوهمَ وألفتمُ
حتى بنيتم هرماً رابعاً
أهلّة
!
الله على صُلبهِ
من فئةِ الحقِّ ومن حزبه
يوم لكم يبقى كبدرٍ على
قد صارتِ الحالُ إلى جِدّها
أنصارِ سعدٍ وعلى صحبهِ
وانتبه الغافلُ من لُعبه
الليثُ والعالمُ من شرقهِ
قضى بأن نبني على نابهِ
في هيبةِ الليثِ إلى غربهِ
مُلكَ بنينا وعلى خِلبهِ
ونبلغُ المجدَ على عينهِ
وندخلُ العصرَ إلى جنبهِ
ونصلَ النازلَ في سِلمهِ
ونصرفُ النيلَ إلى رأيهِ
ونقطعَ الداخلَ في حربهِ
يقسمهُ بالعدلِ في شِربهِ
يُبيحُ أو يحمي على قُدرةٍ
أمرُّ عليكم أو لكم في غدٍ
حقَّ القُرى والناسُ في عَذبهِ
ما ساءَ أو ما سرَّ من غَبِّهِ
لا تستقلّوهُ فما دهركم
نسمعُ بالحقِّ ولم نطّلعْ
ينالُ باللينِ الفتى بعض ما
بحاتمِ الجودِ ولا كعبهِ
على قنا الحقِّ ولا قُضبهِ
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
وفي احتشامِ الأُسدِ دونَ القذى
قد أسقطَ الطفرةَ في مُلكهِ
في الصبرِ للدهرِ وفي عتبهِ
إذا هيَ اضطُرت إلى شُربهِ
من ليسَ بالعاجزِ عن قلبهِ
يا رُبَّ قيدٍ لا تُحبّونهُ
ومَطلبٍ في الظنِّ مُستبعدٍ
واليأسُ لا يجملُ من مؤمنٍ
زمانُكم لم يتقيّد به
كالصبحِ للناظرِ في قُربهِ
ما دام هذا الغيبُ في حُجبه


فيالكَ قبراً أكنَّ الكنوز
وساجَ الحقوق وحاطَ العهود
لقد غيّبوا فيكَ أمضى السيوفِ
فهل أنتَ يا قبرُ أوفى الغمود؟
ثلاثُ عقائدَ في حفرةٍ
تدُّكَ الجبالَ وتُوهي الحديد
فعدنَ فكنَّ الأساس المتين
وقام عليها البناءُ المشيد
فلا تنسى أمس وآلاءَهُ
ألا إنَّ أمس أساسُ الوجود

أبولو مرحباً بك يا أبولو
فإنّكَ من عكاظِ الشعرِ ظل
عكاظُ وأنتِ ببلغاءِ سوقٌ
على جنباتها رحلوا وحلّوا
وينبوعٌ من الإنشادِ صاف
صدى المتأدبينَ بهِ يُقَلُّ
ومضمارٌ يسوقُ إلى القوافي
سوابقُها إذا الشعراءُ قلّوا
يقولُ الشعرَ قائلُهم رصيناً
ويُحسنُ حينَ يُكثرُ أو يُقلُّ
ولولا المُحسنونَ بكلِّ أرضٍ
لما سادَ الشعوبُ ولا استقلّوا
عسى تأتينا بِمعلقاتٍ
نروحُ على القديمِ بها نُدلُّ
لعلَّ مواهباً خفيت وضاعت
تُذاعُ على يديكِ وتُستغلُ
صحائفُكِ المُدَبجّةُ الحواشي
رُبى الوردِ المُفَتّحِ أو أجلُّ
رياحينُ الرياضِ يُملُّ منها
ورَيحانُ القرائِحُ لا يُملُّ
يُمهِّدُ عبقريُّ الشعرِ فيها
لكلِّ ذخيرةٍ فيها مَحَلُّ
وليسَ الحقُّ بالمنقوصِ فيها
ولا الأعراضُ فيها تُستحلُّ
وليست بالمجالِ لنقدِ باغٍ
وراءَ يراعِهِ حسدٌ وغِلُّ


سلامٌ أبا ناصر في الترابِ
يعيرُ الترابَ رفيفَ الورود
بعدتَ وعزَّ إليك البريد
وهل بينَ حيٍّ وميتٍ بريد؟

شوقي في ذكرى محمد فريد:
نجدد في ذكرى عهدكم ونعيد
ونُني خيال الأمس وهو بعيد
وللناسِ في الماضي بصائر يهتدي
عليهنّ غاوٍ أو يسير رشيد
إذا الميت لم يكرم بأرض ثناؤه
تحيّر فيها الحيّ كيفَ يسود


لو أنَّ أبطال الحروبِ تفرّقوا
غلبَ الجبانُ على القنا الأبطالا


ساءت ظنونُ الناس حتى أحدثوا
للشكِ في النورِ المُبينِ مجالا
والظنُّ يأخذُ في ضميرك مأخذا
حتى يُريكَ المستقيمَ مُحالا


عدلوا فكانوا الغيثَ وقعاً كلّما
ذهبوا يميناً في الورى وشمالا
والعدلُ في الدُولاتِ أُسٌ ثابتٌ
يُفنى الزمانَ ويُنفدُ الأجيالا

سألتُ القلبَ عن تلكَ الليالي
أكُنَّ لياليا أم كُنَّ ساعا
فقال القلبُ بل مرّت عِجالا
كَدقاتي لذكراها سِراعا


أما العِتابُ فبالأحبّةِ أخلقُ
والحبُّ يصلحُ بالعتابِ ويصدُقُ
يا منْ أحبُّ ومن أُجلُّ وحسبَهُ
في الغيدِ منزلة يُجلُّ ويُعشقُ
البعدُ أدناني إليكَ فهل تُرى
تقسو وتنفرُ أم تلينُ وترفقُ
في جاهِ حُسنكَ ذلّتي وضراعتي
فاعطِفْ فذاكَ بجاهِ حُسنكَ أليقُ


والمالُ مذ كانَ تمثالٌ يُطافُ به
والناسُ مذ خُلقوا عُبّادُ تمثالِ
إذا جفا الدورَ فانعَ النازلينَ بها
أو الممالكَ فاندبها كأطلالِ


سديد المرامي قد رماه مسدد
وداهية السواس لاقى الدواهيا

إنّا نعظم فيك ألوية على
جنباتها حشد يروح ويغتدي
وإذا طعمت من الخليّة شهدها
فاشهد لقائدها وللمتجند
لا تمنح المحبوب شكرك كلّه
واقرن بهِ شكراً الأجير المجهدِ


ويا جيل الأمير إذا نشأتا
وشاءَ الجدّ أن تعطي وشئتا
فَخُذْ سُبلاً إلى العلياءِ شتّى
وخلِّ دليلكَ الدين القويما


ورُبَّ حقيقة لا بُدَّ منها
ولو طلعوا عليها عالجوها
خدعنا النشىء عنها والسوادا
بِهَمّة أنفس عظمت مُرادا
تعدّ لحادثِ الأيام صبراً
وآونة تعدله عنادا
وتخلف بالنهي البيض المواضي
وبالخلق المُثقفة الصعادا


صباحك كان إقبالاً وسعداً
فيا يوم الرسالة،عمّ صباحا
وما تألو نهارك ذكريات
ولا برهان عزّتك التماحا
تكاد حلاك في صفحات مصر
بها التاريخ يفتتح افتتاحا


ولم أر بعد قدرته تعالى
كَمقدرةِ ابن آدم إن أرادَ
جرى والناسُ في ريب وشك
يروم السيف،فاخترق الجيادا
وعودي دونها حتى بناها
ومن شأن المجدد أن يُعادى
يهون الكيد من أعادي عدو
عليك إذا الولي سعى وكادا


سيرى الناسُ عجيباً في غد
يغرس القرش ويبني ويلد
ينهض الله الصناعات به
من عثار ليثبت فيه الأبد
أو يزيد البرّ داراً قعدت
لكفاح السّل أو حرب الرمد
وهو في الأيدي وفي قدرتها
لم يضق عنه،ولم يعجز أحد


وضنْ به،فإنَّ الخير فيه
وخذه من الكتاب وما يليه
ولا تأخذهُ من شفتي فقيه
ولا تهجر مع الدين العلوما


أين الوفودُ الملتقونَ على القِرى
المُنزلونَ منازل الإكرام
الوارثونَ القُدْسَ عن أحبارهِ
والخالفونَ أميّةَ في الشامِ
الحاملو الفصحى ونور بيانها
يبنون فيه حضارة الإسلام؟
ويؤلفون الشرق في برهانها
لمَّ الضياءِ حواشيَ الإظلام؟


أرجفتْ في أمركم طائفة
تبع الظن عن الإنصاف ميل
اجعلوا الصبر لهم حيلتكم
قلّت الحيلة في قال وقيل
أيريدون بكم أن تجمعوا
رقّةَ الدين إلى الخلق الهزيل؟
خلت الأرض من الهدى ومن
مرشد للنشء بالهدى كفيل
فترى الأسرة فوضى،وترى
نشأ عن سنّة البرّ يميل


حق رجونا الخيرَ من إقبالهِ
عاثَ المُفرقُ فيهِ حتى أدبرا

أحمد شوقي:
في الجامعة المصرية
قد زدتها هرماً يحجّ فناؤه
ويشد للدنيا إليه حزام
تقف القرون غداً على درجاته
تملي الثناء وتكتب الأيام
أعوام جهد في الشّباب وراءها
من جهد خير كهولة أعوام
بلغ البناء على يديك تمامه


يا شباباً حنفاء ضمّهم
منزل ليس بمذمومِ النزيل
يصرفُ الشّبان عن ورد القذى
وينحيهم عن المرعى الوبيل
اذهبوا فيه،وجيئوا إخوة
بعضكم خدن لبعض وخليل
لا يضرنكمُ قلته
كلّ مولود وإن جلّ ضئيل
ولكل ما تبني يداك تمام


إذا أقبلت يا زمن البنينا
وشبوا فيك واجتازوا السنينا
فدرْ من بعدنا لهمُ يمينا
وكن لورودك الماء الحميما


وصنْ لغة يحقّ لها الصيان
فخيرُ مظاهرِ الأمم البيان
وكان الشعب ليس له لسان
غريباً في مواطنه مضيما
ألم نرها تنال بكلّ ضير
وكان الخير إذ كانت بخير؟
أينطق في المشارقِ كل طير
ويبقى أهلها رخماً وبوما؟


يميناً بالتي يسعى إليها
غدوا بالندامةِ،أو رواحا
وتعبق في أنوف الحج ركناً
وتحت جباههم رحباً،وساحا
وبالدستور وهو لنا حياة
نرى فيه السلامة والفلاحا


ذي همّة دونها في شأوها الهِمم


لم تتخذ

لا

ولم تكذب لها

نعم

بلغتني أملاً ما كنتُ بالغهُ
لولا وفاؤُكَ ـ يا مظلوم ـ والكرمُ
ودادك العزّ والنعمى لخاطبه
وودّ غيرك ضحك السن والكلمُ
أكلما قعدت بي عنك معذرة
مشت إليّ الأيادي منكَ والنعمُ؟
تجل في قلم الأوطان حامله
فكيف يصبر عن إجلالك القلم؟


وجدت الحياة طريق الزمر
إلى بعثة وشئون أخر
وما باطلاً ينزل النازلون
ولا عبثاً يزمعون السفر
فلا تحتقر عالماً أنت فيه
ولا تجحد الآخر المنتظر
وخذ لك زادين
:
من سيرة
ومن عمل صالح يدخر


دع المواعيدَ،إنّي متُّ من ظمأٍ
وللمواعيدِ ماءٌ لا يَبُلّ صدى
تدعو،ومن لي أن أسعى بال كبدٍ؟
فمن معيري من هذا الورى كبدا؟


أبكيك اسماعيل مصر،وفي البكا
بعد التذكر راحة المستعبر
ومن القيام ببعض حقّك أنني
أرقى لعزّك والنعيم المدبر
هذى بيوت الردم كيف سكنتها
بعد القصور المزريات بقيصر؟
ومن العجائب أن نفسك أقصرت
والدهر في إحراجها لم يقصر
ما زال يخلى منك كل محلة
حتى دفعت إلى المكان الأقفر
نظر الزمان إلى ديارك كلها
نظر الرشيد إلى منازل جعفر


على قدر الهوى يأتي العتاب
ومن عاتبت يفديه الصحاب
ألوم معذبي فألوم نفسي
وأغضبها ويرضيها العذاب


ونبلغُ المجدَ على عينهِ
وندخلُ العصرَ إلى جنبهِ

والصُبحُ يُظلم في عينيكَ ناصعهُ
إذا سدلتَ عليهِ الشكَّ والريبا


قوموا إجمعوا شعبَ الأبوّةِ وارفعوا
صوتَ الشّبابِ مُحبباً مقبولا
ما أبعدَ الغايات إلا أنني
أجدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيلا
فكِلوا إلى الله النجاحَ وثابروا
فاللهُ خيرٌ كافلاً ووكيلا


إنَّ البطولةَ أن تموتَ من الظمأ
ليسَ البطولة أن تعبّ الماء

لا تحذو حذو عصابة مفتونة
يجدونَ كلّ قديم أمراً مُنكرا
ولو استطاعوا في المجامعِ أنكروا
من مات من آبائهم أو عمّرا
من كلِّ ساعٍ في القديمِ وهدمهِ
إذا تقدّمَ للبنايةِ قصّرا


يا حامل الآلام عن هذا الورى
كثرت عليه باسمك الآلام


هي الدنيا،قتالٌ نحن فيه
مقاصدُ للحُسامِ وللقناةِ
وكلُّ الناس مدفوعٌ إليه
كما دُفِعَ الجبانُ إلى الثباتِ
نُروَّعُ ما نروّعُ ثم نُرمى
بسهمٍ من يدِ المقدورِ آتِ

خُلقنا للحياةِ وللمماتِ
ومن هذينِ كلُّ الحادثاتِ
ومن يُولد يعش ويمُتْ كأن لم
يُمرَّ خيالهُ بالكائنات
ومهدُ المرءِ في أيدي الرّواقي
كَنعشِ المرءِ بين النائحات
وما سلِمَ الوليدُ من اشتكاءِ
فهل يخلو المُعمَّرُ من أذاة
هي الدنيا قتالٌ نحنُ فيه
مقاصِدُ للحُسامِ وللقناة
وكلُ الناسِ مدفوعٌ إليهِ
كما دُفِعَ الجبانُ إلى الثباتِ
نُروّعُ ما نروّعُ ثم نُرمى
بسهمٍ من يدِ المقدورِ آتِ

ظلمَ الرجالُ نساءَهُم وتعسفوا
هلْ للنساءِ بِمصر من أنصارِ
يا معشرَ الكتاب أين بلاؤُكم
أينَ البيان وصائبُ الأفكارِ
أيهمكم عبث،وليس يهمكم
بنيان أخلاقٍ بغيرِ جدارِ

يومي بأيام،لكثرةِ ما مشتْ
فيهِ الحياة،وليلتي بليالي

صورُ العمى شتّى،وأقبحها إذا
نظرتْ بغيرِ عيونهن إلهام

فأجملوا الصّبرَ في جدٍّ وفي عملٍ
فالصبرُ ينفعُ ما لا ينفعُ الجزعُ

مظلومة في جوارِ الخوف ظالمة
والنفسُ مؤذية من راح يؤذيها
رثت لها وبكت من رقة دولٌ
كالبومِ يبكي ربوعاً عزَّ باكيها

كم صَعّبَ اليومُ من سهلٍ همتَ به
وسهّلَ الغدُ في الأشياءِ ما صَعبا

ما ليسَ يدفعهُ المُهنّدُ مُصلتاً
لا الكتبُ تدفعهُ ولا الأقلامُ

لا تحفلنَّ من الجراحِ بقيّةً
إن البقيّة في غدٍ تلتام
ولقد يُداسُ الذئبُ في فلواته
ويُهابُ بين قيودهِ الضرغامُ

سِنون تعادُ ودهرٌ يُعيد
لَعمرُكَ ما في الليالي جديد
يقولون يا عام قد عُدت لي
فيا ليتَ شعري بماذا تعود؟
تغابيتُ حتى صحبتُ الجهول
وداريتُ حتى صحبتُ الحسود

فجرِّدِ السيفَ في وقتٍ يفيدُ بهِ
فإنَّ للسيفِ يوماً،ثم ينصرِمُ

اسكبْ دموعكَ لا أقولُ استبقها
فأخو الهوى يبكي على أحبابه

إنّما الموتُ منتهى كلِّ حَيٍّ
لم يُصبْ مالكٌ من المُلكِ خلداً

ينالُ باللينِ الفتى بعض ما
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبه

هلّا ترفع عن لهوٍ وعن لعبٍ
إنَّ الصغائرَ تُغري النفسَ بالصِغرِ

وإذا الدنيا خلتْ من خيرٍ
وخلتْ من شاكرٍ هانت هوانا

وإذا الرجالُ على الأمورِ تعاقبوا
كشفَ الزمانُ مواقفَ النظراءِ

الحقُّ سهمٌ لا ترشهُ بباطلٍ
ما كانَ سهمُ المُبطلينَ سديدا
والعبْ بغيرِ سلاحهِ فلرُبما
قتلَ الرجالَ سلاحهُ مردودا

وما في الشّجاعة حتفُ الشّجاعِ
وما مدَّ عمرَ الجبانِ الجبُنْ
ولكنْ إذا حانَ حَينُ الفتى
قضى ويعيشُ إذا لم يَحِنْ

ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلوَ في المُرِّ

فكبيرٌ ألا يُصان كبيرُ
وعظيمٌ أن يُنبذ العظماءُ

ولم تضقْ الحياةُ بنا ولكن
زحامُ السوءِ ضيّقها مجالا
ولم تقتل براحتها بنيها
ولكن سابقوا الموت اقتتالا

وليسَ الخُلدُ مرتبةً تُلَقّى
وتؤخذ من شِفاهِ الجاهلينا
ولكن مُنتهى هِممٍ كبارٍ
إذا ذهبت مصادرها بقينا
وسرُّ العبقرية حين يسري
فينتظمُ الصنائعَ والفنونا
وآثارُ الرجالِ إذا تناهت
إلى التاريخِ خيرُ الحاكمينا
وأخذُكَ من فمِّ الدنيا ثناءً
وترُككَ في مسامعها طنينا

إذا فعلوا فخيرُ الناسِ فعلا
وإن قالوا فأكرمهم مقالا
وإن سألتهم الأوطانُ أعطوا
دماً حُرّاً وأبناءً ومالا

لا يُظهر الكبراء آية عزّهم
حتى يُعزّوا آية الأفكار

ولو زاد الحياةَ الناسُ سعيا
وإخلاصاً لزادتهم جمالا

نصيحةٌ ملؤها الإخلاص صادقة
والنصحُ خالصهُ دينٌ وإيمانُ

ومع المُجددِ بالأناةِ سلامةٌ
ومع المجدد بالحجاج عثارُ

والغربُ يؤمن شرّهُ في قبرهِ
كالسيفِ نام الشرُّ خلفَ قِرابه

الأماني حلمٌ في يقظةٍ
والمنايا يقظةٌ من حُلمِ

ليسَ للذُلِّ حيلةٌ في نفوسٍ
يستوي الموتُ عندها والبقاءُ

وإذا جلّت الذنوب وهالت
فمن العدلِ أن يهولَ الجزاء

لا تلتمس غلباً للحقِّ في أممٍ
الحقُّ عندهم معنىً من الغلبِ

ثِقْ بما شئتَ من زمانك إلا
صحبةَ العيشِ أو جوارَ السلامة

حياةٌ ما نريدُ لها زِيالا
ودنيا ما نودُّ لها انتقالا
وعيشٌ في أصولِ الموت سُمٌّ
عصارتهُ،وإن بسطَ الظلالا
وأيامٌ تطيرُ بنا سحابٌ
وإن خيلت تدِبُّ بنا نَمالا


هل قامَ قبلُكَ في المدائنِ فاتِحٌ
غازٍ بغيرِ مهنّدٍ وسِنانِ
يا صبَّ مصرَ ويا شهيدَ غرامها
هذا ثرى مصرٍ فَنمْ بأمانِ

نشأتَ في جبهةِ الدنيا وفي فمها
يجورُ حيثُ تدورُ المجدُ والحسدُ

نصرتم يوم محنتهِ أخاكم
وكلُّ أخٍ بنصرِ أخيهِ حقّ

وبعدُ فالمعروف بين الصّحبِ
أنَّ التهادي من دواعي الحُبِّ

نُريها في الضميرِ هوىً وحبّاً
ونسمعها التبرم والملالا
قِصارٌ حين نجري اللهوَ فيها
طوالٌ حين نقطفها فَعالا

يا بناتِ القريض،قُمْنَ مناحاتٍ
وأرسانَ لوعةً وعويلا
إنّ دمعاً تذرفنَ إثرَ رفاقي
سوفَ يبكي بهِ الخليلُ الخليلا
رُبَّ يومٍ يُناحُ فيهِ علينا
لو نُحِسُّ النُواحَ والترتيلا
أخذ الموتُ من يدِ الحقِّ سيفاً
خالديَّ الغرار،عَضباً،صقيلا
من سيوفِ الجهادِ فولاذهُ الحقُّ
فهل كان قَينهُ جبريلا
لمستهُ يدُ السماء،فكان الب
رقَ والرعدَ خفقةً وصليلا
عاشَ لم يَغتبِ الرجالَ،ولم يج
علْ شئونَ النفوسِ قالاً وقيلا
قد فقدنا بهِ بقيّةَ رهطٍ
أيقظَ النيلَ وادياً ونزيلا
يا أمينَ الحقوقِ أدّيت حتى
لستُ أنياكَ قابعاً بين دُرجيكَ
لم تَخُن مصرَ في الحقوقِ فتيلا
مُكبّاً عليهما مشغولا


رثيتُكَ لا مالكاً خاطري
من الحزنِ إلا قليلاً خطرْ
سقتك الدموع فإن لم
يدمن كعادتهن سقاك المطر

شوقي في رثاء الخديوي توفيق(
الرسالة العدد 998):
بينَ ماضي الأسى وآتي الهناء
قام غدر النعاة والبشراء
نبأ معذر نفي بعضه بع
ضاً فكان السفيه في الأنباء
سِرْ من حيث شاء كل مصاف
ساء من حيث سرّ كل مراء
ما نظرنا محمداً في فتاه
إن غفرنا الضراء للسراء
هابنا الدهر فيه حياً وميتاً
فأتانا من دائنا بالدواء
وعزاءُ البلاد أن يخلد الم
لك ويحيى الآباءُ في الأبناء
لهفَ نفسي على نظام نعيم
حلّه الدهر باليدِ العسراء
كلّ شىءٍ إلى شتات ويبقى
في التئام جماعة الجوزاء
بئست الدارُ دارنا أبكت المو
لود من قبل علّة البكاء
حسنت نارها وساء قراها
هل رأيت المجوس في الظلماء
بينما القوم موقودها صباحاً
إذا تراهم وقودها في المساء
وتراها بينا يرى المرء منه
ذا وطاء حتى يرى ذا غطاء
عاذت الطير منه بالجو لكن
علقت من حبالها بهباء
ود
(
لازار
)
يوم أحياه عيسى
لو تذوق المنون طعم الفناء
وهوى يوم عاود لموت لو لم
يحيه للردى فتى العذراء
ولو أن القرار في وسع نفس
لزم العرش صاحب الإسراء
إن سرّ الحِمام في النفس سار
وقصارى الطبيب في الإفشاء
فهو الداء واحد ورثته الناس
عن آدم وعن حواء
والذي ارتاحت العقول إليه
زخرف من وساوس الحكماء
(
في أمان النعيم توفيق مصر
)
فرع خير الولاة والأولياء
يا أميري أبا أميري المُفدى
من لشعري بذلك الإصغاء
أسهرتني النون فيك ونامت
لا خلت عينها من الأقذاء
وأطارت عن المضاجع جنبي
أسكن الله جنبها كل داء
أعجلت منك مصدر العدل والإح
سان والحكم والتقى والسخاء
ليس للناس بعد خطبك رأي
يا مبيد الخطوبِ بالآراء
أمسك النعش منك سيفاً مهيباً
طاهر النصل زاهداً في الداء
وذوى فيه منك روض كريم ال
غرس داني مواقع الأفناء
وانطوت فيه منك شمس تجلى
عند تهطال خمسة الأنواء
ملأ النعش منك والكفن الأط
هر ملء السرير ملء الرداء
ما همنا بأن نفديك حتى
نقض الدهر فيك عهد الفداء
وبعثنا لك الرجاء طبيباً
فنعوه إليك قبل اللقاء
لا جزى الله قصر حلوان خيراً
وجزى عابدين خير الجزاء
ذاك أخفى عنا سناك وهذا
بفتاك السامي العلي في ازدهاء

أحمد شوقي في رثاء حافظ إبراهيم:
قد كنتُ أوثرُ أن تقولَ رِثائي


يا مُنصفَ الموتى من الأحياء
لكن سبقتَ،وكلّ طولِ سلامةٍ
قدرٌ،وكلُّ منيّةٍ بقضاءِ
الحقُّ نادى فاستجبتَ،ولم تزل
بالحقِّ تحفِلُ عند كلّ نداءِ
وأتيتَ صحراءَ الإمام تذوب من
طولِ الحنينِ لساكن الصحراء
فلقيتُ في الدارِ الإمام محمّداً
في زمرةِ الأبرارِ والحنفاء
أثرُ النعيمِ على كريمِ جبينه
ومراشدُ التفسير والإفتاء
فشكوتما الشوق القديم وذُقتما
طيبَ التداني بعد طولِ تنائي
إن كانت الألى منازلَ فُرقةٍ
فالسمحةُ الأخرى ديارُ لقاء
وودِتُ لو أني فِداك من الرّدى
والكاذبونَ المرجفونَ فدائي
الناطقونَ عن الضغينةِ والهوى
الموغرو الموتى على الأحياء
من كلِّ هدّامٍ ويبني مجده
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاء
ما حَطّموكَ،وإنّما حُطّموا
من ذا يُحطّمُ رفرفَ الجوزاء
أنظرُهُ فأنتَ كأمسِ شأنكَ باذخٌ
في الشرق،واسمكَ أرفعُ الأسماء
بالأمسِ قد حَليّتني بقصيدةٍ
غراءَ تحفظ كاليدِ البيضاء
غيظَ الحسودُ لها وقمتُ بشُكرها
وكما علمتَ مودّتي ووفائي
في محفلٍ بَشرّتُ آمالي به
يا مانِحَ السودانِ شرخَ شبابهِ
لمّا نزلتَ على خمائلهِ ثوى
قلّدتهُ السيفَ الحُسامَ وزُدتهُ
قلمٌ جرى الحِقبَ الطوالَ فما جرى
يكسو بِمدحتهِ الكرامَ جلالةً
إسكندريةُ يا عروس الماء
نشأت بشاطئك الفنونُ جميلةً
جاءتكِ كالطيرِ الكرامِ غرائباً
قد جمّلوكِ فصرتِ ونبقةَ الثرى
غرسوا رُباكِ على خمائلِ بابلٍ
واستحدثوا طُرقاً مُنوّرة الهدى
فخذي كأمسِ من الثقافةِ زينةً
وتقلّدي لغةَ الكتابِ فإنها
بنتِ الحضارةَ مرتينِ ومهّدت
وسمتْ بِقُرطبةَ ومصرَ فحلّتا
لمّا رفعتَ إلى السماءِ لوائي
ووليّهُ في السلمِ والهيجاء
نبعُ البيانِ وراءَ نبعِ الماء
قلماً كصدرِ الصعدةِ السمراء
يوماً بفاحشةٍ ولا بِهجاءِ
ويُشيّعُ الموتى بِحسنِ ثناءِ
وخميلةَ الحكماء والشعراءِ
وترعرت بسمائكِ الزهراء
فجمعتها كالربوةِ الغنّاء
للوافدينَ ودُرّةَ الدأماء
وبنوا قُصوركِ في سنا الحمراءِ
كسبيلِ عيسى في فِجاجِ الماءِ
وتجملّي بشبابكِ النُجباءِ
حجرُ البناءِ وعُدّةُ الإنشاءِ
للمُلكِ في بغدادَ والفيحاءِ
بين الممالكِ ذ
~
روةَ العلياءِ

ماذا حشدتِ من الدموع

لحافظٍ

وذخرتِ من حزنٍ لهُ وبكاءِ
ووجدتِ من وقعِ البلاءِ بفقدهِ
إنّ البلاءَ مصارعُ العظماءِ
اللهُ يشهدُ قد وفيتِ سخيّةً
بالدمعِ غيرَ بخيلةِ الخُطَباءِ
وأخذتِ قِسطاً من مناحةِ ماجدٍ
جمِّ المآثرِ،طيّبَ الأنباء
هتفَ الرّواةُ الحاضرون بشعرهِ
وحذا به البادونَ في البيداءِ
لبنانُ يبكيهِ وتبكي الضادُ من
حَلبٍ إلى الفيحاء إلى صنعاء
عربُ الوفاءِ وفَوا بذمّةِ شاعرٍ
باني الصفوفِ،مُؤلفِ الأجزاء
يا حافظَ الفصحى،وحارسَ مجدها
ما زلتَ تهتفُ بالقديمِ وفضلهِ
جدّدتَ أسلوبَ الوليدِ ولفظهِ
وجريتَ في طلبِ الجديدِ إلى المدى
وإمامَ من نَجلَت من البلغاء
حتى حميتَ أمانةَ القدماء
وأتيتَ للدنيا بسحرِ الطاءِ
حتى لقترنتَ يصاحبِ البؤساء
ماذا وراءَ الموتِ من سلوى،ومن
دَعةٍ،ومن كرمٍ،ومن إغضاء
اشرحْ حقائِقَ ما رأيت،َولم تزل
رُتبُ الشجاعةِ في الرجالِ جلائلٌ
أهلاً لشرحِ حقائقِ الأشياء
وأجلُّهنَّ شجاعةُ الآراءِ
كم ضِقتَ ذرعاً بالحياةِ وكيدِها
وهتفتَ بالشكوى من الضرّاء
فَهلّمَ فارقْ يأسَ نفسكَ ساعةً
واطلُع على الوادي شُعاعَ رجاء
وأشرْ إلى الدنيا بوجهٍ ضاحكٍ
خُلِقتْ أسرّتهُ من السرّاء
يا طالما ملأ النّدِيَّ بشاشةً
وهدى إليك حوائجَ الفقراء
اليومَ هادنتَ الحوادثَ،فاطّرِحْ
عبءَ السنين،وألقِ عِبءَ الداء
خلّفتَ في الدنيا بياناً خالداً
وتركتَ أجيالاً من الأبناء
وغداً سيذكرُكَ الزمانُ،ولم يزل
للدّهرِ إنصافٌ وحسنُ جزاء

كذا الناسُ بالأخلاقِ يبقى صلاحهمْ
ويذهبُ عنهم أمرُهم حين تذهب
والله لولا ألسنٌ وقرائحٌ
دارتْ على فِطنِ الشّبابِ شَمولا
وتعهدت من أربعينَ نفوسهمْ
تغزو القنوط وتغرسُ التأميلا
عرفت مواضع جَدبهم فتتابعت
كالعين فيضاً والغمامُ مسيلا
تُسدي الجميلَ إلى البلادِ وتستحي
من أن تكافأ بالثناءِ جميلا

مُتلطِفٍ في النُصحِ غير مُجادلٍ
والنُصحُ أضيعُ ما يكونُ جدالا
من عادةِ الإسلام يرفعُ عاملاً
ويُسوِّدُ المقدامَ والفّعالا
ظلمتهُ ألسنةٌ تؤاخذهُ بكم
وظلمتموهُ مُفرطين كُسالى
أجل، بيننا رسل الذكريات
وماض يطيفُ،ودمعٌ يجودُ
وفكر وإن عقلتهُ الحياة
يظل بوادي المنايا يرودُ
أجل ،بيننا الخشبُ الدائباتُ
وإن كان راكبها لا يعودُ

مضى الدّهرُ وهي وراء الدموع
قيامٌ بملكِ الصحارى قعودُ
وكم حملت من صديدٍ يسيلُ
وكم وضعت من حناشٍ ودود
نشدتُكَ بالموت ألا أبنتَ
أأنتَ شقيٌّ بهِ أم سعيدُ؟
وكيفَ يُسمى الغريبُ امرؤٌ
نزيلُ الأبوّة،ضيفُ الجدود؟
وكيفَ يُقالُ لجارِ الاوائلِ
جارُ الأواخرِ
:
ناءٍ وحيد؟

إن تفقدوا الآسادَ أو أشبالَها
فالغابُ من أمثالها مأهولُ
صبراً،فأجرُ المسلمين وأجركم
عند الإلهِ،وإنّهُ لجزيلُ

الأزمةُ اشتدّتْ ورانَ بلاؤها
فاصدم بركنكَ ركنها ليميلا
شمشون أنت،وقد رستْ أركانها
فتمشّى في أركانها لتزولا

إني أخافُ على السماءِ من الأذى
كانت مطهرة الأديم،نقيّةً
في يوم يفسد في السماءِ الجيل
لا آدمٌ فيها ، ولا قابيلُ
يتوجّهُ العاني إلى رحماتها
ويرى بها برقَ الرجاءِ عليلُ
ويُشيرُ بالرأسِ المُكلّلِ نحوها
شيخٌ،وباللحظِ البرىءِ بتولُ
واليومَ للشهواتِ فيها والهوى
سيلٌ،وللدّمِ والدموعِ مسيلُ
أضحت ومن سفن الجواءِ طوائفٌ
فيها،ومن خيلِ الهواءِ رعيلُ
وازيل هيكلها المصون وسرُّهُ
والدهرُ للسرِّ المصون مذيلُ

الله ثبّتَ أرضَهُ بدعائمٍ
هم حائطُ الدنيا وركنُ المجمعِ
لو أنَّ كلَّ أخي يراعٍ بالغٌ
شأوَ الرئيسِ وكلَّ صاحبِ مِبضعِ

ولا تجعل تودّدُكَ ابتذالا
ولا تسمح بحلمكَ أن يُذالا
وكن ما بين ذاك وذاكَ حالا
فلن ترضي العدو ولا الحميما

أسئمتِ من ديباجهِ فنزعتهِ
والخزُّ أكفانٌ إذا لم يُنزعِ
فزعتْ وما خفيتْ عليها غايةٌ
لكنَّ من يردِ القيامة يفزعِ
ضرعتْ بأدمعُها إليكِ وما درتْ
أنَّ السفينةَ أقلعتْ في الأدمعِ

مولايَ،للنفس أن تُبدي بشائرها
بما رزقتَ،وأن تهديب تهانيها
الشّمسُ قدرها،بل الجوزاء منزلةً
بل الثريا،بل الدنيا وما فيها
أمُّ البنين إذا الأوطانُ أعوزها
مدبرٌ حازمٌ أو قلَّ حاميها
من الإناث سوى أنَّ الزمان لها
عبدٌ،وأن الملأ خُدّام ناديها
وأنها سرُّ عباس وبضعته
فهيَ الفضيلةُ،ما لي لا أسميّها؟

لا تعجلن وفي الشّبابِ بقيّة
حرب،وليلُ النائمين سلام
كانت أنابتكم المريبة سلوة
نُسجت على جرحٍ بجنبيك دامي
إن الذي جعل القلوب أعنّةً
قادَ الشّبيبة للهوى بزمامِ


وأكرم من غمام عند محل
فتى يحيى بمدحته الكراما
وما عذرُ المقصر عن جزاء
وما يجزيهمو إلا كلاما؟

قضاء،ومقدار،وآجال أنفس
إذا هي حانت لم تؤخر ثوانيا
نبيد كما بادت قبائل قبلنا
ويبقى الأنام
:
ميتاً،وناعيا

إنَّ العناية لما جاملتْ وعدتْ
ألا تكفَّ وأن تترى أياديها
بكلِّ عالٍ من الأنجالِ تحسبهُ
من الفراقدِ لو هشّتْ لرائيها
يقومُ بالعهدِ عن أوفى الجدودِ بهِ
عن والدٍ أبلج الذّماتِ عاليها
ويأخذ المجدَ عن مصر وصاحبها
عن السّراةِ الأعالي من مواليها
الناهضينَ على كرسي سؤددها
والقابضينَ على تاجي معاليها
والساهرينَ على النيلِ الحفي بها
وكأسها وحميّاها وساقيها

فإن تسألوا ما مكانُ الفنونِ
فكم شرفٍ فوق هذا الشرف
أريكةُ مولييرَ فيما مضى
وعرشُ شكسبيرَ فيما سلف
وعودُ ابن ساعدةٍ في عكاظ
إذا سالَ خادرُهُ بالطُرف
فلا يرقينَ فيه إلا فتىً
إلى درجاتِ النبوغ انصرف
تُعلّمُ حكمتهُ الحاضرينَ

أيها ألنفسُ تجدين سُدّىً
هل رأيتِ العيش إلا لعِبا
جَرّبي الدنيا تَهُنْ عندكِ ،ما
أهونَ الدنيا على من جرّبا
نلتِ فيما نلتِ من مظهرها
ومُنحتِ الخلدَ ذكراً ونبا

الصارخونَ إذا أُسىءَ إلى الحِمى
والزائرونَ إذا أُغيرَ على الشرى
لا الجاهلونَ العاجزونَ ولا الألى
يمشونَ في ذهبِ القيودِ تبخترا

هنيئاً للعدوِّ بكلِّ أرضٍ
إذا هوَ حلَّ في بلد تعادى
وبُعداً للسيادةِ والمعالي
إذا قطعَ القرابةَ والودادا

حب غرست براحتيك ولم يزل
يسقيه من كلتا يديك غمام
حتى أنافَ على قوائم سوقهِ
ثراً تنوءُ وراءه الأكمام
فقريبهُ للحاضرين وليمة
وبعيده للغابرين طعام

إني لأعذركم وأحسبُ عبئكمُ
وجدَ المُساعدَ غيركم وحُرمتم
من بينِ أعباءِ الرجالِ ثقيلا
في مصر عونَ الأمهات جليلا
وإذا النساءُ نشأنَ في أميّة
رضع الرجالَ جهالةً وخمولا


آيةُ الحُسنِ للقلوبِ تجلّت
كيفَ لا تعشقُ العيون امتثالا؟

أرحتَ بالك من دنيا بلا خُلُقٍ
أليس؟ والموت أقصى راحة البال
كذلك الأرضُ تبكي فقد عالمها
كالأم تبكي ذهابَ النافع الغالي

صدفتُ عن الأهواءِ والحرُّ يصدِفُ
وأنصفتُ من نفسي وذو اللبِّ يُنصِفُ
فرحتُ وفي نفسي من اليأسِ صارمٌ
وعدتُ وفي صدري من الحلمِ مُصحفُ

لو كان يسمع يومذاك بكاهما
ردّت إليه الروح من إشفاقه

سرّنا أنكَ ارتقيت وترقى
فكأنا نحوز ما أنت حائز

أقسمتُ لو أمر الزمان سماءه
فسعت لصدرك شمسها ونجومها
لينيل قدرك في المالي حقه
شكت المعالي أنه مظلومها

الجهل لا تحيا عليه جماعة
كيف الحياة على يدي عزريلا
والله لولا ألسنٌ وقرائحٌ
دارت على فِطن الشّبابِ شمولا
وتعهدت من أربعين نفوسَهم
تغزو القنوط وتغرس التأميلا
عرفت مواضع جدبهم فتتابعت
كالعين فيضاً والغمام مسيلا
تُسدي الجميل إلى البلاد وتستحي
من أن تكافأ بالثناء جميلا
ما كان

دنلوب

ولا تعليمه
عند الشدائد يُغنيان فتيلا

فيا رعى الله وفداً بين أعيننا
ويرحم الله ذاك الوفد ما رحما

تُشيرُ بوجهٍ أحمديٍّ مُنوّرٍ
عيونُ البرايا فيه منحسرات

تجوسُ بعين خلال الديا
رِ وترمي بأخرى فضاءَ النهر

ولم تقعْ العيونُ عليه إلا
أثارَ الحزنَ أو بعثَ البكاء

الخدُّ من دمعي ومن فيضهِ
يشربُ من عين ومن جدول

كيفَ تُهدى لما تشيد عيونٌ
في الثرى ملؤها حصىً ورغام

ودفنتها ودفنتُ خيرَ قصائدي
معها وطالَ بقبرها إنشادي

غنيّتها لحناً تغلغل في البكا
يا رُبَّ باكٍ في ظواهرِ شادي

بعدت

وعزّ إليك البريد
وهل بين حي وميت بريد؟
أجل
!
بيننا رسل الذكريات
وماض يطيف،ودمع يجود

حتى اتهِمتُ فقيلَ تركي الهوى
صدقوا،هوى الأبطال ملء فؤادي

أيُّها العمال أفنوا
العمرَ كَدّاً واكتسابا
واعمروا الأرضَ فلولا
سعيكم أمست يبابا
إنَّ لي نصحاً إليكم
إن أذنتم وعتابا
في زمانٍ غبيَ الناصحُ
فيهِ أو تغابى
أينَ أنتم من جدودٍ
خلّدوا هذا الترابا
قلّدوهُ الأثرَ المُع
جزَ والفنِّ العُجابا
وكسوهُ أبدَ الدهرِ
من الفخرِ ثيابا
أتقنوا الصَنعةَ حتى
أخذوا الخُلدَ اغتصابا
إنَّ للمُتقنِ عند
الله والناس ثوابا
أتقنوا يُحببكم الله
ويرفعكم جنابا
أرضيتم أن تُرى مصر
من الفنِّ خرابا
بعد ما كانت سماءً
للصناعاتِ وغابا
أيها الجمعُ لقد صرتَ
من المجلس قابا
فكُنِ الحرَّ اختياراً
وكنِ الحرَّ انتخابا
إنّ للقومِ لَعيناً
ليسَ تألوكَ ارتقابا
فتوّقع أن يقولوا
من عن العمالِ نابا
ليسَ بالأمرِ جديراً
كلُّ من ألقى خطابا
أو سخا بالمالِ أو قد
مَ جاهاً وانتسابا
أو رأى أُميّةً فاخ
تلبَ الجهل اختلابا
فتخيّر كلّ من شبب
على الصدقِ وشابا
واذكرِ الأنصارَ بالأمسِ
ولا تنسَ الصحابا
أيها الغادونَ كالنحلِ
ارتياداً وطلابا
في بُكورِ الطيرِ للرزقِ
مجيئاً وذهابا
اطلبوا الحقَّ برفقٍ
واجعلوا الواجبَ دابا
واستقيموا يفتحِ الله
لكم باباً فَبابا
اهجروا الخمرَ تُطيعوا الله
أو تُرضوا الكتابا
إنها رجسٌ فطوبى
لأمرىءٍ كفَّ وتابا
تُرعشُ الأيدي ومن يُرعش
من الصُنّاعِ خابا
إنّما العاقلُ من يجعلُ
للدهرِ حسابا
فاذكروا يومَ مشيبٍ
فيهِ تبكونَ الشبابا
إنَّ للِسنِّ لَهَماً
حينَ تعلو وعذابا
فاجعلوا من مالكم
للشيبِ والضعفِ نِصابا
واذكروا في الصحةِ الداءَ
إذا ما السُّقمُ نابا
واجمعوا المالَ ليومٍ
فيه تلقونَ اغتصابا
قد دعاكم ذنبَ الهيئةِ
داعٍ فأصابا
هيَ طاووسٌ وهل أحسنهُ
إلا الذُنابى

تعشّقتها شمطاءَ شابَ وليدها
وللناسِ فيما يعشقونَ مذاهب

أنا من بدّلَ بالكتُبِ الصّحابا
لم أجد لي وافياً إلا الكتابا
صاحبٌ إن عبته أو لم تعب
ليس بالواجدِ للصاحبِ عابا
كُلّما أخلقتهُ جدّدني
وكساني من حلي الفضل ثيابا
صحبتهُ لم أشك منها ريبة
وودادٌ لم يكلّفني عتابا

ركن الزعامة حين تطلب رأيه
فيرى،وتسألهُ الخطاب فينطق

يا لائمي في هواهُ والهوى قَدرُ
لو مسّكَ الشوقُ لم تعذِلْ ولم تَلُمِ

إنّي رأيتُ يدَ الحضارةِ أولعت
بالحقِّ هدماً تارةً وبناءَ
شرعت حقوق الناس في أوطانهم
إلا أُباةَ الضيمِ والضعفاء

وما ضرّ لو جعلوا العلاقة في غدٍ
بينَ الشعوبِ مودّةً وإخاءِ

إن كان للأخلاق ركن قائم
في هذه الدنيا،فأنت الباني
وجدانك الحي المُقيم على المدى
ولَرُبَّ حي ميت الوجدان
الناس
:
جارٍ في الحياة لغاية
ومضللٌ يجري بغيرِ عنان

إنّي أُجِلُّ عن القتالِ سرائري
إلا قتالَ البؤسِ والإملاقِ
وأرى سُمومَ العالمينَ كثيرةً
وأرى التعاونَ أنجع التّرياقِ
إنَّ القلوبَ وأنتَ ملءُ صميمها
بعثتْ تهانيها من الأعماقِ


أحمد شوقي:
يتحدث عن الدنيا
مشيتُ على الشّبابِ شواظ نار
ودرتُ على المشّيبِ رحى طحونا
تعينين الموالد والمنايا
وتبنين الحياة وتهدمينا
فيالك من هرّة أكلت بنيها
وما ولدوا وتنتظر الجنينا


يا أمينَ الحقوق أدّيتَ حتى
لم تَخُنْ مصرَ في الحقوقِ فتيلا
لستُ أنساكَ بين دُرْجَيك
مُكباً عليهما مشغولا
تُنشد الناسَ في القضية لحناً
كالحواريِّ رتلَ الإنجيلا
ماضياً في الجهاد لم تتأخر
تزن الصفّ أو تقيم الرعيلا
ما تبالي مضيت وحدك تحمي
حوذةَ الحق أم مضيت قبيلا

وكلُّ بساطِ عيشٍ سوف يُطوى
وإن طالَ الزمانُ بهِ وطابا

ولم أرَ مثل سوقِ الخيرِ كسباً
ولا كتجارةِ السوءِ اكتسابا

ومن لم يُقم ستراً على عيبِ غيرهِ
يعِشْ مُستباحَ العِرضِ مُنتهك السَّترِ

وإباءُ الرجالِ أمضى من السيفِ
على كفِّ فارس مسلولا
رُبَّ قلب أصارهُ الخُلق ضرغاماً
وخُلق أصارهُ الحقُّ غيلا

نعيشُ ونمضي في عذابٍ كَلذّةٍ
من العيشِ أو في لذّةٍ كَعذابِ
ذهبنا من الأحلام في كلِّ مذهب
فلما انتهينا فُسرِّتْ بذهابِ
وكلُّ أخي عيش وإن طالَ عيشهُ
ترابٌ لعمر الموت وابن ترابِ

وقد أنسى الإساءةَ من حسودٍ
ولا أنسى الصنيعةَ والفِعالا

اخارتَ يوم الهول يوم وداع
ونعاكَ في عصفِ الرياحِ الناعي
من مات في فزعِ القيامة لم يجد
قدماً تشيع أو حفاوة ساعي

من سرّهُ ألا يموت فبالعلا
خُلدَ الرجالُ وبالفعالِ النّابهِ
ما مات من حاز الثرى آثاره
واستولتِ الدنيا على آدابهِ

ومنْ يعدم الظُّفر بين الذئابِ
فإنَّ الذئابَ بهِ تظفر

لو عاشَ كانَ مؤملاً لمواقفٍ
يرجو لها الوادي كرام شبابه
يجلو على الألباب همّةَ فكرهِ
ويُناولُ الأسناعَ سحرَ خطابه
ويفي كَديدنهِ بحقِّ بلاده
ويفي بعهدِ المسلمين كَدأبه

أناسٌ كما تدري ودنيا بحالها
ودهرٌ رَخيٌّ تارةً وعسيرُ

وأحوال خَلْقٍ غابرٍ مُتجدّدٍ
تشابهَ فيها أوّلُ وأخيرُ

كأنَّ الله إذ قسمَ المعالي
لأهلِ الواجبِ ادّخرَ الكمالا
ترى جداً ولست ترى عليهم
ولوعاً بالصغائرِ واشتغالا
وليسوا أرغدَ الأحياءِ عيشاً
ولكن أنعمَ الأحياءِ بالا
إذا فعلوا فخيرُ الناسِ فعلا
وإن قالوا فأكرمهم مقالا
وإن سألتهمو الأوطانُ أعطوا
دماً حُرّاً وأبناءً ومالا

كم ساهرٍ خائفٌ والدّهرُ في سِنَةٍ
وراقدٍ آمنٌ والدّهرُ في سَهرِ
فلا تبينَّ محتالاً ولا ضجرا
إنَّ التدابيرَ لا تُغني من القَدَرِ

حياةٌ في أصولِ الموتِ سُمٌّ
عصارته،وإن بسطَ الظلالا

وأيامٌ تطيرُ بنا سحاباً
وإن خُيلّت تدبُّ بنا نمالا
نُريها في الضميرِ هوى وحُبّا
ونسمعها التبرم والملالا
قِصارٌ حين نجري اللّهوَ فيها
طِوالٌ حين نقطّعها فِعالا

ولم تضِقْ الحياةُ بنا ولكنْ
زحامُ السّوءِ ضيّقها مجالا
ولم تقتل براحتها بنيها
ولن سابقوا الموتَ اقتتالا
ولو راد الحياة الناسُ سعياً
وإخلاصاً لزادتهم جمالا

في الأمرِ ما فيهِ من جِدٍّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أو طائرٍ طربا
لا تثبتُ العين شيئاً أو تحققه
إذا تحيّرَ فيها الدّمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلِمُ في عينيكَ ناصعُهُ
إذا سدلتَ عليهِ الشكَّ والرِّيبا
إذا طابتَ عظيماً فاصبرن له
أو فاحشدنَّ رماحَ الخطِّ والقُضُبا
ولا تعدّ صغيرات الأمورِ له
إنَّ الصغائرَ ليست للعلا أُهبا
لا ريب أن خُطا الآمالِ واسعةٌ
وأنَّ ليل سراها صُبُحهُ اقتربا
الا تعدمُ الهِمّةُ الكبرى جوائزَها
سِيّان من غلبَ الأيام أو غُلبا

يا نفسُ دُنياكِ تُخفي كُلَّ مبكية
وإن بدا لك منها حسن مُبتسم
لا تحفلي بِجناها أو جنايتها
الموتُ بالزهرِ مثل الموت بالفحمِ
يا ويلتاه لِنفسي راعها وَدَها
مسودةَ الصحفِ في مبيضة اللممِ
هامتْ على أثرِ اللّذاتِ تطلبها
والنفسُ إن يَدعها داعي الصِّبا تَهِمِ

ومن يتجرّعِ الآلام حياً
تسغ عند الممات له اجتراعا

والجهدُ موتٍ في الحياة ثماره
والجهدُ بعد الموتِ غير مُضاعِ
والجبنُ في قلمِ البليغِ نظيرهُ
في السيفِ،منقصةٌ وسوء سماعِ

نومةُ السيفِ قد تكون حياةً
ورأيتُ اليراعَ إن نامَ أردى
خلق الله ذاك صاحبَ غِمدٍ
وبرا ذا لا يعرفُ الدهر غِمدا

والصدقُ أرفعُ ما اهتز الملوكُ له
وخيرُ ما عوّدَ لبناً في الحياة أبُ

سألوني لم

لم أرثِ أبي؟
ورثاءُ الأبِ دين أيّ دين




سألوني لم

لم أرثِ أبي؟
ورثاءُ الأبِ دين أيّ دين
أيها اللّوام ما أظلمكم
أينَ لي العقلُ الذي يسعف أين؟
يا أبي،ما أنت في ذا أوّل
كلّ نفسٍ للمنايا فرض عين
أنا من مات ومن مات أنا
لقي الموتُ كلانا مرتين
نحنُ كنّا مهجةً في بدن
ثم صرنا مهجةً في بدنين
ثم عدنا مهجةً في بدن
ثم نلقى جثة في كفنين

أحمد شوقي في المنفلوطي:
اخترت يوم الهول يوم وداع
ونعاكَ في عصفٍ الرياح الناعي
سِرْ في لواءِ العبقرية وانتظم
شتى المواكبِ فيه والأتباع
واصعد سماء الذكر من أسبابها
واظهر بفضل كالنهار مُذاع

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فليرثِ من هذا الورى من شاءَ

طُويَ البساطُ وجفّتِ الأقداحُ
وغدتْ عواطِلَ بعدكَ الأفراحُ

ألا حبذا صحبة المكتب
وأحببْ بأيامها أحبِبِ
ويا حبذا صبيةٌ يلعبون
عنانُ الحياة عليهم صبي
كأنّهم بسمات الحياة
وأنفاسُ ريحانها الطيّب
مقاعدهم من جناح الزمان
وما علموا خطر المركب
عصافيرُ عند تهجّي الدروس
مهارٌ عرابيد في الملعب
لهم جَرسٌ مُطربٌ في السراح
وليسَ إذا جدَّ بالمطربِ
جنونُ الحداثة من حولهم
تضيقُ بهِ سَعةُ المذهب
عدا فاستبدَّ بعقل الصبي
وأعدى المؤدب حتى صبي
فيا ويحهم هل أحسوا الحياة
لقد لعبوا وهي لم تلعب




































ا




















ا














.

\

من شوارد الشواهد ـ شعراء مصر في العصر الحديث ـ الجزء 25 ـ القسم الثالث

الجزء الخامس والعشرين ـ القسم الثالث

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”دمعة في قلب الليل”):

فزعت للظلام روحي كما يف
زعُ أعشى لومضة ٍ من ضياءِ
فحبستُ الخيال حتى إذا ما
ضجَّ في خاطري من البُرحاءِ
هربت أدمعي إلى ساحةِ اللي
لِ تهاوى في الدُجية الظلماء
ما لها في السنا ملاذٌ ولا في
فجّة النور خفقةٌ من رجاءِ
ساقها في الظلامِ حادٍ من الهمِّ
بلا ريثةٍ ولا إبطاءِ
مستحثّ الخطى حدوبٌ على الق
لبِ يُزجيهِ في رحابِ الفضاءِ
في عُبابِ الدُّجى يهيمُ بمسرا
هُ فتُضويهِ غيبةُ الميناءِ
ليت ملاحي الضلولَ هدتهُ
بارقاتُ الهدى لشطِّ الفناءِ
كالَ في الليلِ سبحهُ وهو حيرا
نُ شجتهُ مضاضةُ الإعياءِ
وطحت بالشراعِ هبّاتُ ريحٍ
عاصفاتٌ من زعزعٍ نكباء
إيهِ يا ليلُ!قدّ لي من حواشي
كَ حجاباً وناجي في خفاءِ
لا تُذع شجويَ الكئيبَ ولا تك
شفْ دموعي لأعينِ الرقباءِ
ودعِ النسمة العليلة تحسو
من فم الزهرِ بلسما للشفاءِ
ودعِ الكونَ هاجعاً ودع لنا
سَ نشاوى في غمرةِ النعماء
خلّني للدموع وحدي أناجي
ها وحيداً في العزلة السوداء
أنا من كأسها شربتُ صبيّاً
خمرةً سلسلت من البأساء
عصرت من مطارف الألم الذّا
وي وبقلبي وعُتّقت في دمائي
تخذت جامها المحاجر والسا
قي همّاً يؤجّ في أحشائي
هي أشهى إلى عيوني من النو
رِ،وأبهى من لمحة الأنداءِ
هات يا ليل قطرها فهي حيرى
كتمتُ برحها من الكبرياء
سبقت مطلع الندى لكدعها
تتهادى للسّحرة الفيحاء
ربما أطلعت بظلِكِ فجراً
شعشعت منهُ هالةٌ في السماء
ربما روّت الأزاهرَ في المر
جِ فماست في الربوة الغناءِ
ربما فجّرت لقبك نبعاً
وردُ مُنيةُ القلوبِ الظّماء
همسها في الجفون أصداءُ نايٍ
بلعت شدوهُ رياحُ المساء
مزهرٌ للعيون أوتارهُ الهد
بُ وأنغامهُ رنين البكاء
صامتٌ في الظلام ألهمَ قلبي
من معانيه عبقريّ الغناء
لامني في هواه خالٍ من الهمِّ
بليد الفؤاد جمّ الغباء

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
دمعة في قلب الليل”):
ردَّ عني يا ليل دعواه إنّي
كدتُ من لومهِ أحطّمُ نائي
لغةُ الدمعِ في سماءٍ من العص
مةِ عزّت مشاعر الأغبياء
حبست وحيها عن العقل إلا
حين تسمو ملاحنُ الشعراء
هات يا ليل من أغانيك واملأ
نغمي بالخواطرِ الهوجاء
أنا في غارك المغلف بالظل
مة أسيان مثقلٌ بالشقاء
حكمةٌ في دجاك أنكرها العق
لُ فلاذت بالصمت والإنزواء
سمعت أرغن الليالي فهامت
من صداهُ بنغمة خرساء
هوّمت في الفؤادِ تُزجيه للحي
رة والسحر والأسى والعناء
واسِ يا ليل جرحه فلقد طا
ل أساهُ بريقة الأدواء
أنت بحر الحياة يا ليل كم في
كَ أهاويل من صروف القضاء
كم غريقٍ بيمّك الأسود الصا
خب آدتهُ صرعة الأنواء
صفعتهُ عنيفةٌ من كفوف الدّم
فانحطّ في مهاوي البلاء
وسبوحٍ على متونك مجدو
دٍ تخطّته هيجة الدّاماء
قد ضممتَ الأكوان تحت جناح
يك سواءً في جنح هذا العماء
هو ذا الكوخ رازحٌ تحت أثقا
لكَ وهنان كالضرير المُساء
حاكَ من سدلك الكحيل غطاءً
وارتمى جاثياً ببطن العراء
عابرٌ في حماك شفّت مطايا
هُ شجون السرى وبرح الحفاء
لم يجد راحماً يواسيه في البل
وى ويُنسيه مضّةَ الإنضاء
فتغافى من الضنى ينشد الرح
مة والصفو في الخيال النائي
رجفت شمعةٌ بجنبيه تهفو
في دجاه كالمقلة العمشاء
خنق الليل نورها خنقة البؤ
س لأرواحِ أهلها التعساء
فرنت للقصور غيرى شجاها
أخيل من لواحظ الكهرباء
سادرٌ في البروج كاد من الفت
نة يرقى إلى بروج السماء
لقي الليل حتفه حين وافا
هُ طريداً معرساً في الخلاء
فثوى في التخوم كالهمِّ ألقى
رحله صوب هالةٍ من صفاء
ودنا الفجرُ في غلائله البي
ض شفيف الإهاب نضرَ الرواء
يسكب النور في العيون ولكن
أين للروح ومضةٌ من سناء؟
أين فجر الجنان؟يا فجر هدهد
نغماتي،ولا تضيّع ندائي



محمود حسن إسماعيل في قصيدةهلال شوالالرسالة العدد 536:

مَنْ الأحدبُ النشوانُ طافَ العوالما
وأومأ إلى الشّرق المُهلِّل باسما!؟
تدِبُّ على ساقٍ من النور لم تدعْ
على الأرضِ رُكناً مُظلمَ الأفق واجما
ويمشي كما يمشي نبيٌّ مبشِّرٌ
بوحي يزُفُّ الخطوَ كالطيفِ حالما
ويرنو كما يرنو إلى الله عابدٌ
يكادُ من الإصغاءِ يُحسبُ نائما
لهُ قامةٌ أحنت يدُ الدهر عُودها
فهل كان شيخاً من حمى الخلدِ قادما؟
تحرّرْ،واستعلى،وأقبلَ،وانثنى
فلو كان إنساً قلتُ:حيرانَ،نادما
يشقُّ عُباب الجوِّلا بحرَ عندهُ
ولا شك! لكن يدرعُ النورَ هائما
هفا طرفُهُ في الغربِ وجداً!كأنّهُ
يريدُ انبثاقَ النور للشرقِ دائما
أطلّ رخيمَ النورِ تحسبُ ضوءَهُ
تحمّل إيقاعاً من الطيرِ ناغما
هلالٌ يكادُ المسلمونَ صبابة
يطيرونَ من شوقِ إليه حمائما
أشارَ لماضيهم بكفّ مُلألىء
ترامت حواليه النجومُ حوائما
يُعاتبُ من أغفتْ عن النورِ عينُهُ
وكانَ لشرعِ الله في الأرضِ هادما
ومن راحَ يستجدي المساكينُ قلبهُ
فما كان وهاباً ولا كانَ رحماً
ومن يسمعُ الشكوى ويمضي كأنّها
على سمعهِ عدلٌ يُطاردُ ظالما
ومن حفَّ ليلُ العاثرينَ لِصبحهِ
فلم يكُ إلا مُظلمَ النورِ قاتما
ومن جاءهُ الباكي فمرّ بدمعهِ
وخلأهُ مُنهلَّ الجراحاتِ ساجما
ومن هزَّ وسواسُ النعيمِ فضاءَهُ
وخيم في أكنفِهِ الدهرُ ناعما
ومَدّتْ له الأيامُ كفا يتيمةً
فكانَ لها بَرحاً يُعيدُ المآتما
ومن تزخرُ الدنيا جمالاً وعفّة
ويعمى فسُقى من يديها المآثما
ومن كان مثل الشّرق تغلي جراحُهُ
فيتركها للداءِ تغدو مغانما
مضى كلُّ شَعبٍ للسماءِ مُوحدا
ونحنُ على البلوى عشقنا التقاسما
حِمانا حَمى الإسلام،والنورِ، والهدى
فكيفَ غدونا للعبادِ غنائما!
وما نحنُ إلا مهجةٌ،مَن أثارها
أثارَ بجنبيها اللظى والسمائما
نمانا ترابُ الخالدين،وضمنا
ثرى مشرق ضمّ العلا والمكارما
إذا قلبُ(لبنان) تنهد بالأسى
سمعت حفيف الأرز في النيل جاحماً
وإن أرعشت موج الفرات كآبةٌ
رأيت أساها في رُبى مصر غائما
وإن أسعدتْ مصر الليالي سمعتها
حديثاً بقلب الشّرق ريان فغِما
فيا (نيل) خذ عنا الزمام وطر بنا
ولا تخش ليلات الخطوب الغواشما
عهدناك في الأهوال تحمل راية
عليها أغاني المجد تسبق(آدما)
وياما أحيلى موجة فيك حرة
ترف فتهدي للعباد العظائما
ويا ما أحيلى جنة فيك نضرة
تمنت شعوب الرض منها النسائما
تغنيت رقراقاً،وأشجيت هادراً
كأنك تشدو للزمان ملاحما
خفقت بصدر الشرق سراً مقدساً
من السحر أعتى رهبة وطلاسما
على شطك الميمون تاج وصولج
يهز حجاب الشمس بأسا علاهما
تلفت ترَ الدنيا عرتها نفاثة
من الجن هدت قلبها والمعالما
غدت ملعباً للموت، هذا مجندل
وهذا صريع،والجناة كلاهما!
إذا كان هذا الهول يُدعى حضارة
فيا شرق طال النوم،فانهض، فإنما

فنحن على التجديد أرسى دعائما
يد الذل تجتاح الشعوب النوائما
تزود من الأخلاق إن سلاحها
ثراك مهاد الأنبياء،بشطه

يفل حديد الظلم إن هب غاشما
تدفق نور الكون كالسيل عارما
فأشعل رماد الهامدين،وقل لهم
وأصغ إلى بوق النشور، يهزه

هنا جذوة الماضي تثير العزائما
من النيل صداح على الأيك طالما
أتاك يناجي العيد فاهتاج قلبه
فلم يدر أشعاراً شدا أم تمائما

محمود حسن إسماعيل يرثي مصطفى صادق الرافعي الرسالة 255:
لم يطِبْ للنبوغِ فيكِ مقامُ
لا عليك ـ الغداةَ ـ مني سلامُ
المناراتُ تنطفي بين كفيكِ
ويزهو بشاطئيكِ الظلامُ
أنتِ يا مصرُواصفحي إن تعتّبتُ
وأشجاكِ من نشيدي الملامُ
قد رعيتِ الجميلَ في كلِّ شىءٍ
غيرَ ما أحسنتْ بهِ الأقلامُ
من روابيكِ خفَّ للخُلدِ روحٌ
قد نعاهُ لعصركِ الإسلامُ
لبست بعده العروبةُ ثوباً
صِبغُ أستارهِ أسىً وقتامُ
صاحبُ المعجزاتِ أعيت حِجا الدّ
نيا،وعيّتْ عن كشفها الأفهامُ
أيه يا مصطفىوفي القلبِ أشجا
نٌ! وفي الصدرِ حُرقةٌ وضِرامُ
هكذا نعشُكَ الطهورُ تهادى
فاذهب اليومَ للخلودِ كما كنتَ

كالأماني، لا ضجّة لا زحامُ
تُفاديكَ هدأةٌ وسلام
لم يمت من طواهُ في قلبهِ الشر
قُ!وغنّى بذكرهِ الإسلام

أنا ظمآن فهاتي

خمر عينيكِ
انهليني سحرها السامي
ورؤى شفتيه
~
واسكبي روحك في روحي
بكأس الأبديهْ
قبل أن تغرب شمسي
بين أطباق المنيّهْ
يا واديَ الموتِ بِشّطكِ راقدٌ
خفقتْ له الأرواحُ بالصلواتِ
ما ضمّهُ جَدثٌ هناك..وإنما
حضنتهُ دنيا النورِ في هالاتِ
سهرت عليه من السماءِ ملائكٌ
تُضفي عليهِ سوابغَ الرحمات

محمود حسن إسماعيل(
الرسالة العدد 522):
لا تلوموهُ على رقدتهِ
غفوةُ الأكفانِ لا تدري الملاما
واسألوا الغيبَ فإنّي عاجزٌ
لم أجدْ إلا قبوراً ورِماما
أينَ من دُنياكَ قلبٌ ضاحكٌ
أترعَ الأيامَ صفواً وابتساما؟
أينَ آمالٌ ونفسٌ رفرفتْ
كصباحِ الصيفِ نوراً وسلاما
أينَ؟لا أينَ..فماذا بعدها
غيرُ دمع فاضَ من قلبي كلاما
أنتَ أخرستَ بياني مثلما
يُخرِسُ الإعصارُ في الدّوحِ اليماما
جئتُ أرثيكَ فمالي مُلجمٌ
تزهقُ الأنغامُ في عودي إذا ما
يا ربيعَ العمر،يا نشوته
كيفَ أطلقت بواديهِ الحِماما؟
وهو فجرٌ منكَ مطلولُ الرُّبى
وأدُهُ كانَ على الموتِ حراما

محمود حسن إسماعيل وقصيدة القلب الميت:
يا قلبُ هل عصرت دماءك راحة الموت الأثيم؟
فهمدت كالأمل الحزين بمهجة الطفل اليتيم
وسكنت كاللحد العميق بخيمة الليل البهيم
شردت حياتك في فضاء الكون من وجد تهيم
حامت على كأس المنون يخنقها الحزن الأليم
يلهو بها نحس الشجون وتشتكى عصف الهموم
فتهافتتوالجامُ غرّارٌ إذا ولِعَ النديم
ولهانةٌ مالت يرفُّ بها الهوى الطاغي الغشوم
فإذا بها بدداً كأنفاسِ سرينَ مع النسيم
لا حسّ يا قلبي..خمدتَ فصرتَ كالجسدِ الرميم
واهاً عليكَ تناهبتكَ يدُّ الردى العادي الظلوم
بالأمسِ كنت تئت في صدري أنينَ شجٍ عميد
وترنُّ في جنبيَّ ذا خفق وذا بأسٍ شديد
تنزو إذا خطرَ الجمالُ ولإن تولى قد تميدُ
نشوان من خمر الصبابة ما بدت حسناء رودُ
في حيرةِ النزقِ الشديدِ وخفّة الظبي الشرود
واليوم واقلبي! أراك معفراً فوق التراب
كجناح فاختةٍ تقسّم جسمها ظفر العقاب
سال الدم القاني عليك فلاح كالشفق المذاب
قد كنت قبلُ تفيض بالذكرى وآمالي العذاب
كالزهرة الفيحاء تنفح بالمنى روض الشباب
مالي أصيح اليوم أستوحيك آيات المتاب

محمود حسن إسماعيل:
قالوا الأمانة قلتُ تلكَ صحيفةٌ
سيظلُ يقرأُ بها الأقوامُ
قالوا الصراحة قلتُ ريحٌ عاصفٌ
بيديهِ لا ريثٌ ولا إحجامُ
قالوا النزاهة قلتُ تلك شهادةٌ
سِيّان فيها الصَّحبُ والأخصامُ
قالوا النبالة قلتُ أروعُ آيةٍ
فيه يُساجلُ نبلها….

محمود حسن إسماعيل:
قالوا البيانُ فقلتُ عِفة منطق
لم تقترب من طهرها الآثامُ
قالوا الندى فأجبتُ واهِبُ عُمرهِ
للنَيلِ تعرِفُ جودَهُ الأيامُ
قالوا عُهودُ الشرق قلتُ شأت بها
للخافقين على يديه ذِمامُ
في الدِّينِ في الأخلاقِ في الحُرَمُ التي
نادى بها للعالم الإسلامُ

قالوا
..
فقال الموتُ أصبحَ سيرة
ستظلُ تروي سحرها الأهرامُ
وأظلُّ أقبسُ من ظِلالِ خُلودها
مجداً تُرقرقُ خمرةَ الأنغام
وتذوب روحي كلما نادت بهِ
مَنْ ذلكَ السّاري عليه سلامُ
ليتني كنتُ صلاةً
في كهوفِ الناسكينا
أتلاشى في طريقِ الله
شوقاً وحنينا
ليتني كنتُ شعاعاً
في ليالي الحائرينا
أسكبُ السّلوانَ
للدمعِ وأغتالُ الأنينا
ليتني كنتُ سكوناً
خاشعاً بين الجبالِ
تتلاقى فيَّ آيا
تُ وجودي بالزوالِ
ليتني كنتُ غداً لا
تعلمُ الأقدارُ سرّه
أو نشيداً ضنَّ شادي
الغيبِ أن يعزف نبره
ليتني كنتُ عصاً في
كفِّ الأعمى لا يراها
هي تهديه ولكن
من إلى النور هداها

محمود حسن إسماعيل في مصطفى صادق الرافعي:
وإذا ثارَ خلتهُ شُهبَ الليل
أطارت لهيبها الأجرامُ
أو شُواظاً مُسطراً،قذفته
من لظى العقل هيجةٌ وعُرامُ
أتعبَ الجاهدينَ خلفَ مراميهِ
بقصد منالهُ لا يُرامُ
أصَيدُ الفكرِ واليراعةِ والوحي
على كِبرهِ يُفَلُ الحسامُ

محمود حسن إسماعيل:
أتعب الجاهدين خلف مرام
أصيد الفكر واليراعة والوح

يه بقصدٍ منالهُ لا يُرامُ
ي على كبرهِ يُفلّ الحسامُ
حيّرَ النقد أن تروغ المعاني
عن مريديهِ أو تندّ السهام
فانزوى الحاسدون إلا فضولاً
لا يُداريه عائبٌ شتّام
قد سقاهم من سنّهِ مصرعَ الرّو
حِ وإن لم تلاقهِ الأجسامُ

محمود حسن إسماعيل(
الرسالة العدد 403):

محمود حسن إسماعيل(الرسالة العدد 403):

دفنتْ وراءكَ فجرها الأيامُ
سِيّان بعدكَ ضحوةٌ وظلامُ
نفضَ الردى معنى الحياة بخاطري
حَزَناً،وماتتْ في دمي الأنغامُ
تَرِدُ الأسى شَبّابتي فكأنّها
حطبُ يُجاذِبُ صفحتيهِ ضِرامُ
وكأنّ عُمريَ زهرةٌ بريّةٌ
لا الظلُّ يُنعشها ولا الأنسامُ
وكأنَّ روحي في الدُّجى صَبّارةٌ
بينَ القبورِ حديثها إعجامُ
سُقيتْ بدمعِ الثاكلينَ فأطرقتْ
ثكلى تفزِّعُ صمتها الأحلامُ

أرثيكَ،يا لخطيئةِ الدنيا وهل
يرثي المعاني الشُّمَّ فيكَ كلامُ
ضجَّ الأثيرُ وقد رمى الناعي به
خبراً لديهِ انشقّتِ الأفهامُ
أمُحمدٌ كذبَ النعاةُ فلم يَمتْ
منْ رِيعَ يومَ فراقهِ الإسلامُ
يا عابراً هبط الدنيا فظنّ بها
موانِعَ الخُلدِ لا تُحصى بِمقدارِ
حتى ثوى في حفيرٍ
ويلاه من ظلماته
يلهو مع الدود فيه
لهو البلى في رفاته

أعزلُ
!
لا سيفٌ ولا خنجرٌ
لكنّهُ بالروحِ فلَّ الحديد
يا حاملَ النعش لا تعجل فإنَّ أسىً
من حيرةِ الموت أعيَ بطش أفكاري
هذا الذي ضاقت الدنيا بمطمعهِ
نصيبهُ كان منها عشرُ أشبارِ

هنا خبايا النفسِ مطمورةٌ
غشى عليها الزمنُ الجائِرُ
تمليهِ من وحي الوفا حكمةً
ألوى عليها دهرهُ الغادرُ

محمود حسن إسماعيل:في زلزال اسطنبول

هات الشدائد للجريحة هاتها
فالصبرُ في الأهوالِ دينُ أُساتها
واحشد صروفكَ يا زمانُ فرّبما
لهيبُ العظائم شب من نكباتها
ولعلّها خمرٌ تدورُ فيستقى
خمرَ الكفاح الشرقُ من كاساتها
هي أمّةٌ زلزلتَ جنبَ مهادها
ونفختَ ريحَ الموتِ في جنباتها
شوّهتَ صفحتها بمدية جازر
الرحمة انتحرت بحدِّ شباتها
مجنونةُ الحدّين لو هي لوّحت
لانهدَّ ركنُ الأرضِ من حركاتها
ذئبية الشهوات جاع حديدُها
وأراقَ جوع الوحش في لهواتها
والناسُ غرقى في السكون سَجت بهم
سنةٌ ينامُ الهولُ في سكناتها
بينا همُ فوقَ المهودِ عوالمٌ
غشى ضبابُ الصمتِ كلّ جهاتها
وإذا بقلبِ الأرض يرجف رجفةً
دُكَّ الصباحُ وذابَ في خفقاتها
وانشّقت الدنيا لديه فلم يجد
أرضاً يغيثُ النور في ربواتها
فطوى المدائن والقرى وهوى بها
وبنى اللحودَ على المهودِ وهدّها

في سدفَة تهوي على ظلماتها
فنضا ستورَ الموت عن عوراتها
زأرت جراحُ الأرض فاهتاجَ الردى
وتنهد الزلزال في ساحاتها
أنفاسهُ لهبُ الجحيم وخطوه
خطو المنايا السود في فجّاتها

لم يطب للنبوغِ فيك مقام
لا عليك الغداة مني سلامُ
المناراتُ تنطفي بين كفّي
كِ ويزهو بشاطئيك الظلام
والصدى من مناقر البوم يحيا
ويموت النشيد والإلهامُ

محمود حسن إسماعيل:الفجر العائد(الرسالة العدد 1061ـ عام 1964

وفي ليلة فجرها في السفوح
ظلام يغني،وضوء ينوح
وفح المنايا على دربها
سكون شقي،وأشلاء ريح
وأشباح رقص أثيم الظلال
توهج في كلِّ أفق جريح
تململ فيها زوال القبور
وكاد البلى عن شجاه يبوح
سمعت بها غضب الأنبياء
مزامير ويل عتى صداه
وأبصرت ألواحهم في الفضاء
محاريب تصرخ فيها الصلاه
وتسبيحهم من ضفاف السماء
يصب على الأرض بخط الإله
ويرمى عليها دخان الشقاء
أعاصير حقد تؤز الحياه



تلاطم فيها عويل الغيوب
وضجّت بها شهقات القدر
ولاحت مآذنها في الظلام
وقد أذهلتها عوادي الغير
سواعد مشلولة في الفضاء
تجمد فيها دعاء البشر
تمدّ إلى الله راحاتها
وزأر في صمتها المستمر



هنالك والنبع ساه حزين
كحلم تخطاه صبح الجفون
رأيت الخطايا عرايا تسير
وتنسل من أعين التائهين

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
وتزحف حياتها في الدروب
لتنهش بالتيه ظل السكون
وتبذر فيه عواء الرياح
وتسقي أعاصيرها بالجنون



بقايا من الذل في كل أرض
ويدفعها البغي في راحتيه

يحركها التيه أنّى يشاء
ظلاماً مهين الخطا في الفضاء
تنصل منها تراب الوجود
فكيف استبدت بغايا الحظوظ

ولم يبق فيها لخطو رجاء
فألقت بها فوق أرض الضياء

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
تلاقت شراذمها عند سفح
تزمجر لعنتها في حصاه
وتجار فيه دوالي الكروم
وتعصر نيرانها للسقاه
ويصغى لها جبل كم صفت
لمسرى النبوات يومها ذراه
تنفس من دنس الواغلين
لهيباً إلى النار يعوى لظاه

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
تلفت من غمرات الظلام
ومن عاره في جبين الوجود
فأبصرت فجراً عند الضياء
تزمجر أضواؤه بالرعود
وتزحف راياته بالدماء
لتجرف بالهول كل الحدود
وتغسل بالنور ما لوثته
خطا التائهين بأرض الجنود

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
غداً يزأر الليل من حولهم
ويرتدّ فيهم ضلال السنين
ويكتسح الفجر أيامهم
بيوم يكبر العائدين
وتخفق بالنصر هالاته
على كلّ درب سقاه الأنين
فلسطين حان شروق الصباح
ودوى آذانك للزاحفين

محمود حسن إسماعيل من قصيدة:
أريد لقاء الله(
مجلة الرسالة العدد 1036
عام 1963
م
أريد لقاء اللهلا لمتابة
ففي كل سرّ منه تسكن توبتي
أريد لقاء الله….دعوة حائر
تلاشت خطاهُ عند باب الحقيقةِ
أريد لقاء اللهتضرع راحتي
ويضرع طير مؤمن في سريرتي
وتضرع أيامي كأنَّ دروبها
بساتين لم تمرع بغير الخطيئة!
غدوت غناء ضارعا،كل نغمة
تمد يداً تدعوه من كلِّ نغمة
إلهيوأنت النور لم يخب مرة
سناه،إذا أغشى الضياء بصيرتي
أعنّي على هذا الستار فإنّني
عجزت،ولم تهدأ براكين حيرتي
دهورٌ توالت،والرباب على يدي
وأعزف للإنسان سرّ تميمتي
وأستلّ من تيه الوجوه ضلالها
وما دفنتهُ في سرابِ الخديعة
أغوصُ بها حتى يذوب شفافها
وأنفذ حتى في جذور الغريزة
ومهما تلوت نظرة، أو تخالست
رميت لها صياد كل خبيئة
ودرت حواليها،وطرفي ساكن
يجوبُ زوايا النفس في كلِّ نظرة
فما فاتني وجه،ولو كان زاده
من التيه ليل غارق في سكينة
ولا فرّ عني من سمعت بوجهه
عزيف الرياح الهوج فوق الظهيرة
ولا من أتاني والهاً مدللاً
ويخلق في عينيه ظلّ المكيدة
ولا من غزا وجهي بشوق وبسمة
تراها من البهتان أسمال حيّة
معذبة،صفراء،تنقع سمها
على شفة تومي بكأس وزهرة
عبرت قضاء الله صياد أوجه
ولو سكنت غاب الغيوب المنيعة
وحيرني وجه أطلّ..فنظرة
حياة،وأخرى أومأت بالمنيّة
تناقض حتى خلت عدة أوجه
توالت لعيني زمرة اثر زمرة
فتبصر أطياراً،وتسمع حولها
جنائز موسيقى الغصون الحزينة

محمود حسن إسماعيل من قصيدة:
أريد لقاء الله(
مجلة الرسالة العدد 1036
عام 1963
م
وتشقيك أوشال من العطر،خانها
شذاها،فذابت في رفات الخميلة
وكهف عميق الظن في كل محجر
وأجفان أفعى ثاكلات التلفت
وبحر بلا ماء،وموج بلا صدى
يغمغم شىء فيه من كل وجهة
مخرت دجاه بالخيال،وبالرؤى
وبالوحي،والإلهام قدت سفينتي
وأطلقت أسراب الظنون كأنّها
جوارح طير حلّقت للقنيصة
وعوذت،واستلهمت نفسي غيوبها
وأسرارها في كشف أيّ خبيئة
فعادت بلا شىء،كأنّ مدارها
دروب من ألوهام في كل سحنة
تولول من فرط الضلال،وتشتكي
ضباباً على تلك العيون البليدة
وتضرع مثلي أن يفاجىء جهلها
من الله ضوء ظافر بالحقيقة

محمود حسن إسماعيل في قصيدة:
ذراع على الريح(

الرسالة العدد 1088
عام 1964
م:
على ذراع الريح
في قدح الغروب
في مخدع مريح
قراراتي تجوب
وزورق جريح
ناراً على الدروب
شراعه حرق
وضجعة الغسق
وسبحه غرق
لصحوني طرق
طول المدى يصيح
وغفوتي هبوب
لشاطىء القلق!!
ونشوتي قلق!
لكنني ملاح
لا أعرف الهدوء
تسكره الرياح
ولا وقوف الضوء
والتيه،والجراح..
ونظرتي تنوء
وزهرة الأرق
إن مسها عبق
وحسرة الشفق
مصفد الأفق
وفزعة الجناح
دموعه وضوء
ورعشة القلق!!
لسجدة القلق!

محمود حسن إسماعيل في قصيدة:
مزامير من الهجرة ـ حادي التغيير ـ مجلة الرسالة العدد 1112
عام 1965
دوى على طريقه التغيير
وانتفضت من كهفها العصور
وهبّ كلّ ساكن يثور
وللضياء انطلق العبور
وكلّ ريح غيّرت مسارها
وأضرمت فوق الهدوء نارها
وكلّ أفق كان في وساده
يلعق سحر الأمس من مهاده
انتفض النور على جبينه
فحرّك الدهر على يمينه
ذوب وهم الذلّ من ذراته
وأحرق الاطراق من هالاته
ولملم الرقّ من الأثير
وأنبت الإنسان في الضمير
غيّره من صاغر أوّاب
يرضعُ من أساه في التراب
يُريق للظالم من دموعه
عطر خريف راغ في ربيعه
ويلثم الأطواق في السجود
كأنّها تمائم الوجود
يهيل للنار خفايا ذاته
لتسكب الطهر على حياته
ويرتمي كغفلة الخطيئة
على صفاة الصنم البريئة
ويذبح الروح لها قربانا
يستلّ من رماده الأمانا
ويعزف النجم على عيونه
لجناً يصبّ الليل في يقينه
إن مرّ في خياله جبّار
على شظايا طيفه ينهار
ظلت على طغيانها تدور
والكون مشلول الخطا ضرير
حتى أتاها مضرم التغيير
في ليلها الجاثي على الدهور
شد خطاها في الدجى وسارا
في هجرة شقت لها النهارا
وشعشعت في دربها الضياء
وأترعت في قلبها السماء
أعتى شعاع في ضمير الزمن
يهدي بنور الله كل مؤمن

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
في رحيل العقاد “
مجلة الرسالة العدد 1070
عام 1964
م:
من ذلك الطارق؟لا صوت،ولا دقّ يد..هز السكون
ولا عزيف من خيال..مس صمت الأبد..ولا ظنون
ولا رؤى عقل..من الأوهام معتز اليد..ولا جنون
ولا أساطير..تهاوت من رغاء الأبد ولا شجون
ولا شراع..شيع الريح بهمس الزبد..ولا سفين
ولا صدى من دمدمات النفس..طيى الخلد..ولا رنين
الباب صمت،والدجى صمت..غريق الكمد..ولا عيون
ترمق شيئاً،أيّ شىء..في سكون المعبدماذا يكون؟
أنامل خفيّة تنسل..دون موعد..إلى الجفون
تستل بالفجأة شيئاً،من كيان الجسد،لا يستبين
فيطفأ النوربلى!! إلا على موسد في الخالدين

وحومت أسرب طير هجن من حيرته بلا غناء
نوادباً،تنزف نار الثكل من مهجته بلا بكاء
تدور حول فجرها المسبل في رقدته على الضياء
مذبوحة الأوتار..لم تعزف على بغتته إلا دماء
أذهلها الإعصار،لم تمهل خطا دورته يد القضاء
أذهلها الجبار..لم تخذله عن قوته إلا السماء
أذهلها التيار..لم يفصمه عن لجّته إلا الفناء
أذهلها الإصرار..سجاه على وقفته في كبرياء
أذهلها الموت،وما يخفيه من فجأته حين يشاء

فأطرقت للمعبد المخنوق في دمعته تبغي العزاء
وانتفض المحراب من غشيته يروي أساه رؤيا نشيد
يا راهب الفكر،ويا ما يرده المعلى ذراه فوق الوجود
جعلته قدساً عتى الأفق لا يروى ثراه إلا السجود
جعلته حراً،أبيّ الحرف،تجتاح خطاه وهم القيود
جعلته شمساً على الإنسان تسقيه ضحاه أنّى يريد
جعلته لا يجعل اللقمة همساً في سراه شأن العبيد
جعلته لم يبق للجهل أماناً في ثراه حتى يبيد
جعلته دين الخطا..إن قدس الزحف هداه يفنى الحدود
جعلتني ديرك،لم تشرك به إلا هواهيا للعهود
عشنا معاً..حتى إذا المقدور بي ألقى عصاه وانشق عود
بنى لك الدهر على طول المدى،فوق الشفاه دير الخلود

محمود حسن إسماعيل في الشهيد:
يا وادي الموتى بشّطكَ راقدٌ
خفقت لهُ الأرواح بالصلواتِ
ما ضمّهُ جدثٌ هناكَ وإنّما
حضنتهُ دنيا النورِ في هالاتِ
سهرتْ عليهِ من السماءِ ملائكٌ
تُضفي عليهِ سوابغَ الرحماتِ
ألقُ الضحى في ساحهِ متصوفٌ
ورعٌ يطوفُ بأقدسِ الحرماتِ
وعوابرُ الأنسامِ تخطرُ حولهُ
ريّا بنفحِ عُطورهِ عبقاتِ
تنسابُ خاشعة وتسربُ عفّةً
كَمطيّبٍ يمشي على عرفاتِ
والفجرُ قبل شروقهِ فوق الربى
نختارُ منهُ وشعائعاً ألقات
سموّه في الورق الشهيد وما اسمه
إلا الخلود بصفحة المهجات
مِلْ نحو مضجعهِ وأصغِ لجرحهِ
واسمعْ نشيدَ الدّمِ في القطراتِ
ما زال يُترع ثورةً من قلبهِ
خرساء مُصفحةً بلا نبراتِ
وكأنّ أجراحَ الأسنّةِ رايةٌ
حمراء شهرها الدخيلُ العاتي

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
راية العرب”:


في طريق الشمس عودي،وأعيدي
عزة الشرقِ على وجه الوجودِ
وازحفي بالنور والنار على
صرخةٍ للثأرِ في باقي القيودِ
من قديمِ الدهرِ حياك الإله
وبصوت الوحي نادتكِ سماهُ
واصطفى أرضكِ من بين الثرى
فحبتها بالرسالاتِ يداهُ
بسناها شعَّتِ الدنيا هدى
وبها ثارت على الذُّلِ الجباهُ
ومضت تسقي الليالي من ضحاها
وتذيب الرِقَّ من وجه العبيد

في ظلام الدرب في الماضي الطويل
كم حضنت العهد جيلاً بعد جيل
ومحا خطوك في إصراره
من طريق الفجر ليل المستحيل
وضربت السير حتى سطعت
شمسُكِ الكبرى على كلّ سبيل
وتلاقى الأهلُ بالأهلِ على
صيحةِ الحقِّ لأحلامِ الجدود

بصباحِ الوحدة الكبرى الأبيّة
عُدتِ من حلم الليالي العربية
فازأري بالنور في كلّ ثرى
لم تزل فيه من الليل بقية
وعلى كلِّ ترابٍ لم تزلْ
فيه للغربِ بقايا الهمجية
واستمرّي حرّةَ الخطوِ إلى
أن تري شمسكِ عادت من جديد

كم سقينا بالدمِ الفادي ثراكِ
ومع الأجيالِ سُقنا شُهداكِ
ويدُ الله على كلِّ يدٍ
تزرع الفرقةَ ما بينَ خُطاكِ
طالَ فيك البين حتى أذّنت
ساعةُ الجمعِ فدقتها يداكِ
والتقينا أمةً واحدةً
تعبرُ الأيامَ من غيرِ حدود

فإذا شارفتِ أرضاً زمجرتْ
ظمأً للفجرِ من قلبِ الخيامِ
فارشفيها بشعاعٍ مؤمنٍ
يستردُّ النورَ من أعتى ظلامِ
ويذيبُ العارَ أنّى خطرتْ
لرؤاهُ حسرةٌ فوق الرغامِ
وضحى المعراجِ يمحو دمعةً
لم تزل تصرخُ في القدسِ الشهيد



محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
الشرارة الأولى
:

فجر

على مصر

بين النورِ والأملِ
شقّ الدجى،وسقاها صحوة الأجل
من سكرة الموت أحياها،فخلت على
يمينه،آية من صيحة الرسل
في عمر طيف الكرى،هبت ممزقة
ليل الردى،بشهابٍ مارد الأمل
كانت معصبة الأيام

..
تحسبها
ضريرة لاطتها حيرة السبل
تناهشتها رياح الظلم
..
واصطخبت
على خطاها دواهي الرق والعلل
وزورتها يد الطاغين،راضية
في هدأة الذل،أو في غشية الملل
والله يعلم ما يضرى سرائرها
من ثورة أججتها ضيعة المثل
ومن لهيب أحال البطش جذوته
في غضبة الناس ذعراً دائم الوجل
صبارة
..
لم تذع شكوى ولا عرفت
تحت العواصف إلا وقفة الجبل
ساقوا الجراح لها من كل باغتة
كانت حقائقها أدعى من الخبل

كم حرروا الأرض زوراً في منابرهم
والقيد يرزم في تابوته الزجل
وقبلة الخطو للأغلال زاجرة
من المقاصير بين تاريخها وسل
قامت بقوت الحيارى أو بأدمعهم
أجرت جداولها في المرتع الخضل

وغاضب لضياع الحق أورده
اصراره مورد الإجرام والزلل
ساقوه للسجن مغلولاً بغضبته
كأنما الحق اثم يانع الخطل
وتاجر بسلاح المجد لعنته
أن زال كل أسى في الأرض لم تزل
ساق المدافع للميدان هامدة
بكماء تجنح للتهويم والكسل
دوى النفير فشقت صدر ضاربها
لتستجير ببأس الضارب البطل
فضائح تخجل التاريخ سيرتها
شبوا لظاها جنازات من الخجل
الله أكبر
!
لم تمهل يداه قضى
للظالمين بما كانوا على عجل

حان القصاص فلفتهم ضمائرهم
في حالك من ظلام البغي منسدل
ناموا على غفلة الأوهام وانتبهوا
على نذير بصوت الله

من مهجة الشعب أو من سر غضبته

هبت لهم بغتة أمضى من الأجل
في ثورة لم تر الشطآن فجأتها
ولا وعاها الثرى من حالك الأزل
بيضاء دوى نفير الفجر من يدها
ودفق النور سراها إلى الدغل
في مثل وهم الصدى كانت مدوية
بالنصر والحق والإيمان والأمل
خرّ الطغاة ودك البغي واندثرت
في ذره،قصة الأسياد والهمل
ومزق الشعب ذلاً،كان يرهقه
به الجبابر من حكامه الأول
الله أكبر
!
شقت مصر وقفتها
وأرعشت بخطاها شاهق القلل
في كل يوم تهز الشمس وثبتها
بنشوة الصحوـوالتغيير،والعمل



محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
البيعة”


بايعت فجراً شعَّ في جبيني
ومزق الإطراق من جفوني
وشلّ خطوَ الذلِ في يقيني
وكنت في ذاتي كالسجينِ
والقيد من صريره يسقيني

شعَ السنا وأضرم النواظر
فأحرقت خطاهُ كا جائر
ونوّرت طريقَ كلّ حائر
وحررت جبينَ كل صاغر
من ساق هذا النور للمحاجر
سل جبهتي واسمع ضياء ناصر

بايعت خطواً شق ليل قريتي
وفأسها حيرانُ حول زهرتي
يسألها جوعانَ أين لقمتي
وكل عطر فيك كان دمعتي
وكان صبري وانتظار نفرتي
في الارض تعطيني حصاد غلّتي

وظلّ يرنو ليدِ البيادر
وهي ترد الفأس للحفائر
لتتخم القصور والحظائر
فصاح فيها صيحة المقادر
رُدّي لساقيكِ جنى الأزاهر
فدوّت الحقول والمخاضر
والفأس والفلاح والمعابر
قالت من الساري؟فقلت ناصر

بايعت ناراً وهجها خلودُ
رد القناة كبرها العنيد
على سناها كبّر الشهيد
وانتحرت من يأسها القيودُ
ومن صداها ارتعد الوجود
واندحر المستعمر العتيد

وسبّحت بنصرها المنائر
وصيحت بصيتها المنابر
وأصبحت أيامها شعائر
يشدو بها التاريخ في المفاخر
ولليالي يشعل المباخر
وكلما اشتاقت بها المجامر
رشَّ لها الوميض قلبَ ناصر

بايعت طوداً في ربى أسوان
معجزة الإصرار للإنسان
وشمخة الأقدار في بنيان
دكَ صروح البغي والطغيان
وقام كانتفاضة الزمان
كفارسٍ في حومة الطعان

لم يقِ للأمانِ وجه غادر
ولم يبال دورة المصائر
داس اللظى وانقض في الدياجر
كفنها في غزوها المقامر
وردها تطحنها الدوائر
وقبلة الشمس تحيى الظافر

بايعت حقٌّ عاد للأنامل
وهي تذيب الظلم في المراجل
من شيبة البؤس بكف العامل
تشق درب النور بالمعاول
وتحصد الظلام بالمناجل
وتسكب الروح على المشاعل

زيتاً يُضىءُ ليلَ كلّ سائر
وأنجماً تهدي لكلّ حائر
من سيد الألة وهو ساهر
يجني قطاف النور للنواظر
ذابَ الأسى واخضرت المشاعر
ورفرف الحقّ لكلّ عائر

بايعت كل نبضة في بدني
وكل نور في شعاب وطني
وكل زحفٍ لضحى قربني
وكل صحو ثائرٍ جددني
وكل خطوٍ ردَ كبرَ زمني
وكل عهدٍ من يقينِ مؤمن
فكلّها من كلّ حرٍّ ثائر
وكلّها للغدِ روضٌ عاطر
وكلّها للشعبِ نبعٌ زاخر
وكلّها للنصرِ فجرٌ هادر
على فلسطين له بشائر
مهما تغب لا بد أن تبادر
وكلها ضوء الصباح السائر
بايعتها للحق باسم ناصر


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
سيف الله”


ونادى مُنادٍ للضياءِ فكبّرتْ
جفوني وصلّت للنداء خواطري

وذوَبتُ قلبي في رحيقٍ من السنا
وعطرّتُ من فجرِ الخلودِ قياثري
وأحرقتُ في أوتارها كلّ ما زكتْ
به لصلاةِ الروح نارُ المباخر
تسابيحَ مَن صلى وأشواقَ من دعا
وذوَبَ في كفّيهِ دمعَ السرائر
غرفت عبير الطهر من كلّ ساجدِ
ومن كلّ أوّابٍ ومن كلّ ذاكرِ
ومن كلّ طيرٍ مرّ بالخلدِ نايُهُ
وأصغى لهمسِ الحورِ بينَ المخاضرِ
ومن كل فجرٍ كلّم اللهَ قلبهُ
بآيات نورٍ من يدِ الله غامرِ
ومن كل نيرٍ للصدى من مُرتلٍ
بمصحفهِ رنّت صلاةُ المشاعر
ومن صلواتٍ للنخيلِ رأيتها
تُرنّمُ للأضواءِ قُدسَ الشعائر
تُهلّلُ بالإصغاءِ تائبةَ الضحى
كمستغفرٍ لله ساجى النواظرِ

وفي وجهها صوفيةٌ لو تكلمت
لكانتْ حديثَ الطهرِ في كلّ خطرِ
حشدت عبيرَ المتقين وطهرَهم
وأشعلتهُ رأدَ الضحى بمجامري
وبدّلتُ نايى من غناءٍ مُرنّمٍ
لأنغامِ نورٍ خاشعات المزاهر
لأشدو أرضاً كرّم الله وجهها
بوجهٍ على تاريخها النضرِ عاطرِ
بسيفٍ براهُ الله عدلاً وحكمةً
وشقَّ به الإسلامُ قلبَ الدياجرِ
وأفزعَ ليلَ الجاحدينَ بومضهِ
فخرَّ لدينِ الله كلّ مُكابرِ
وشعت خطا الدنيا بنورِ محمدٍ
ومن نورهِ هلّتْ جميعُ المنائرِ
فيا كوفةَ الأمجادِ حيتكِ وحدةٌ
على فجرها التفت جميع الأواصر
وعادت إليه الشمسُ يسطع نورها
كما كان في تلك العصور الزواهر


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
الانتظار”


انتظرني هنا مع الليل
..
إنّي
أنا في صدركَ المحطّم سرُّ
هكذا قالتِ الشقيةُ والليلُ
على صدرها أنينٌ وشِعرُ
واهتزازٌ كأنّهُ قُبل العُشا
ق،لم يحمها حجاب وسترُ
ولها نظرةٌ كأنّ بقايا
من وداع على الجفونِ تمرُّ
نعسةٌ،وانتعاشة


وهنا الشىء
الذي قيل عنه للناس
:
سحر
!
وابتهالٌ كأنّهُ غربة الطي
رِ،لها في سمائم البيدِ سَير
ولها رعشةٌ كما انتفضت كأ
سٌ بكفّي،فكلّها ليَ سُكر
زمّارتي في الحقول كم صدحت
فكدتُ من فرحتي أطيرُ بها
غنيت في ظلها فهل سمعت
لحني وقد أُرعشت ترائبها
أم زارها في مهادها نسمٌ
وراح من فتنةٍ يُجاذبها؟


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
من نار السكينة”


إلهي وما زال في الناي سرُّ

وشطٌّ من الوحي ما زُرتهُ
ولا شربت حيرتي منه لحناً
ولا أي يوم بها جئتهُ
عميقٌ كحلمِ الرؤى في خيالٍ
على غفوةِ الروح كفّنتهُ
توارى وأسبلَ أنغامهُ
على وترٍ كنتُ قطّعتهُ
وأحرقتُ فيه ربيعَ الحياة
ومن غفوة القلب ودّعتهُ
عميقٌ ولكنّهُ سابحٌ
قريبٌ إذا ما تذكرته
وذكراهُ في كل ما أشتهي
وفي كلّ شىءٍ تعشّقتهُ
أراهُ على الزهرِ لكنني
إذا صافح العطر غافلتهُ
أراهُ على النهرِ لكنني
إذا عانقَ الموج غادرته
أراهُ على الدوحِ لكنني
إذا مايل الغصن زايلته

أراهُ على الأفق شيئاً أضاء
ومن نعش ناري توهمتهُ
أراهُ على الريح صوتَ الحنين
تجسّد حتى تأملتهُ
وأبصرتُ فيه مزار الخيال
على معبدٍ كنتُ حرّمتهُ
وأودعتهُ في جناز الغروبِ
لقاءً مع الغيبِ واعدتهُ
أراهُ بذاتي في كلّ همسٍ
وفي كلّ طيفٍ تخيّلتهُ
أراه يسير معي في الحياة
كأننا خفيّاً وصاحبتهُ
وقاسمتهُ كل زاد السكون
وكل الهوى حين صافيتهُ
وكل الصباح وكل المساء
وكل الدجى حين خامرته
وكل الجراحِ وكل النواحِ
وكل الاسى إن ترشفتهُ
وكل الأثير وكل العبيرِ
وكل المصير إذا كُنتهُ
وفي كلّ ذرات هذا الوجودِ
أراهُ رنيناً تسمّعتهُ
وأصغيتُ فيه وكررتهُ
وجوداً لذاتي أخفيتهُ
إلهي من أين أهفو إليه
ودربي لرؤياه ضيّعتهُ
وفجّرتهُ في زماني زماناً
وتيهاً على التيهِ واصلتهُ
وما كان إلا غناء الظنونِ
وشجواً من الحبِّ أقلقتهُ
وأشعلتُ فيه صلاة الرباب
تغنّي زماني وما ذقتهُ
تلاشيتُ في كل درب فما
أحسُّ بغير المدى فُتّهُ
وأوغلتُ حتى سقاني الطريقَ
ثمالاتِ سحرٍ تشهيتهُ
شواني وأبقى رمادَ الضياء
وما زالَ جمراً تشهيتهُ
تبسّم في ناره كلّ شىءٍ
وتنهيد نايى كما جئتهُ
على الريحِ يهدرُ لا هدأةٌ
ولا ظلُّ ظلٍّ تمنيتهُ
ولا سجوةٌ في مهبِّ الخيالِ
يغنّي بها ما تلقّنتهُ
نشدتُ السكينةَ في كلّ جمرٍ
على وترِ القلبِ أوقدتهُ
وما لي يدٌ فيه إلا صدىً

كما تسمعُ الروحُ ردّتهُ
غنائي ومنّي ومالي سبيلٌ
إليه فأنى أتى سُقتهُ
سمعتُ به الكوخ تحت الظلامِ
عويلاً من البؤسِ غنّيتهُ
وأقداح رق بكف الطغاةِ

أساها بنايى تجرّعتهُ
وشلّت يدُ الله طاغوتها
بفجر على النيلِ قدّستهُ
فناغمت فيه انتفاضَ الحياة
بسحرٍ من الله ألهمتهُ
وسبّحتُ لمَّا أطلَّ الضياءُ
ودكَّ الظلام الذي عشتهُ


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
جيلكم مات فدسوا نعشه”


جيلكم شاب

فواروا ضعفه
واحرقوه بلظى الدم الجديد
كفّنوهُ من بلى أيامهِ
وادفنوهُ في ثرى الماضي البعيد
واذهبوا لا تندبوهُ للوجود
هوَ جيلٌ لعب القيد بهِ
منذ ما رنَّ على أرض الحمى
فاصعقوهُ واحطموا أصفادهُ
وافرعوا بالعزم أبراج السما

شرعة الأغلال جاءت للعبيد
أمّكم مصرُ وفي تاريخها
ما يَرُدُّ الغرب نديانَ الجبين
فاسألوها واسمعوا في تربها
يزعج الآفاق صوت الراقدين
من هنا تسطع أنوار الخلود

جيلكم مات فدسوا نعشهُ
فهو عارٌ في ضمير الزمن
مزّقت قلب الحمى أطماعهُ
فارجموه يا شباب الوطن
ولاحزاب الحمى شقّوا اللحود

السياسات كلامٌ وصدىً
وزعاماتٌ وخلفٌ وخصامُ
والكراسيُّ إذا أبصرتها
موردٌ أقلقَ شطّيه الزحامُ
فهي تنعي من أساها وتميدْ
فانهضوا فالعصرُ وثّاب الخطا
ولكم من أمسكم أعلى مثل
وطن يطمح لو نال السها
وتخطاها وأسرى بالأمل
وعلا بالنيل في هام الوجود


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
سجدة في طريق النور”


كل حصاةٍ في الطريق أومأت تنتظرُ
وكل ذرات الأثير أقبلت تكبّرُ
والريحُ من كل اتجاهٍ أيقظت ربابها
وأسبلت على جبين أفقها أهدابها
واسترسلت تعزف للسكون من صلاتها
وتستعيد شجوها همساً على لهاتها

وتسمع الجبال من تسبيحها أنغاما
لم تدرِ كيف انحدرت من قلبها إلهاما
والفجر من مزاره النعسان في وجه الوثن
ردّ خُطاهُ لخُطا جديدةٍ على الزمن
جاءت تهز مطرقاً أمام ربٍّ مطرقِ
كلاهما وهمٌ لوهمٍ جاهلٍ ملفقِ
جاءت تردُّ الظلمَ مدحوراً إلى طاغوته

ندامةً مذعورةً تصرخ في تابوته
جاءت تؤجُ نارها تأوُّهَ المضطهد
وتُضرمُ الإباءَ في جبينه المستعبد
جاءت ونورُ الله يحدو الخطوَ في طريقها
والكونُ يستاف عبير الصحو من شروقها
والبيد ليلٌ ضارعٌ في القيد حول الصنم
والناسُ أوهامٌ تدورُ في ضلالها الملثّم

في خيمةٍ خيّمَ فيها الرقُّ منذ الأزلِ
وغمغمَ الإنسانُ حول قيدهِ المكبّلِ
جاءت إليهِ تنزعُ الهوانَ من جبينهِ
وتحصدُ الإطراقَ والذلة من جفونه
جاءت من الغارِ من النورِ خُطا محمدِ
طوبى لمن خفَّ إليها بالضياء يهتدي


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
ثورة الإسلام في بدر”


فقَ القلبُ بالنشيدِ المطّهرْ
فدع الشعر والأغاني وكبّرْ
وإذا شئت نغمةً فدع الرو
حَ جلالا من شرفة الغيب تنظر
وتهيأ للوحي يأتيك بالشع

رِ كسيكاب ديمةٍ تتفجرْ
وتلفت لمربع الجنّ في البي
د تر الجنّ غيرةً يتقطّرْ
فاحكِ للجاحدين يا شاعر الخلد
أسهُ وصِفْ مناحةَ عبقرْ
هكذا قال لي صدى مُلهم الوح

ي فأصغيتُ لحظةً كالمخدّرْ
وانتظرتُ الإلهام حتى إذا ما
رنَّ بي هاتف الخيال المستّرْ
رجفت في الجنان كالزعزع القصاف
تغلي بجانبيَّ وتزأرْ
من فجاجِ الغيوب هاجت صباحاً
ثورةٌ في الرمالِ هبّت تزمجر
قيل بدرٌ فزُلزلت هدأة الناي
وكادَ النشيدُ بالدمِ يقطرْ

أقبلت كالعجاج في هبوة الحر
ب قريشٌ على الحياض تُنقّر
كل ذي سحنةٍ كغاشية الليل
وهولٍ يرتاع منه الغضنفر
يتنّزى بسيفهِ من ضلالٍ
هو أعمى لديه والسيفُ مبصر
سلّه من قرابهِ وهو خزي
ا
ن لأيِّ من الرجال يُشهّر
لو مضى يستشيرهُ ساعةَ الروع
لردّاه كالحطام المبعثر
عجباً للحديد يهدى إلى الحقّ
وهاديهِ كالضريرِ المحيّر
حشدوا موكب المنايا وخفّوا
لضياءِ الإلهِ غاوينَ فجّر
يتراءون كالصواعق في الرمل

ووجهُ الضحى من الروعِ أغبر
كالشياطين جلجلت في دجى الليل
وهاجت في البيد تغوي وتصفر
أرزمت فوقهم سيوفٌ وريعت
من تناديهم أضاة ومعفر

زلزلوا راسي الجبال وراحت
منهمُ البيد تقشعرّ وتذعرْ
ومضى الشرك بينهم مزعج الهي
جة طيشان كاللظى المتسعّر
جمّع الهول كلّه في يديه
ومضى بالحمام في الهول يزفر
إن يكن كيره أجنّ البلايا
لنبيّ الإسلام فالله أكبر
سجد اللات مؤمناً وجثا العزّى

يناجي مناة يا صاحِ أبشرْ
هلّ في ساحنا وميضُ من النورِ
غريب التلماح خافي التصوّر
ذَرّهُ أرعد الصفا وأحال الصخر
روحاً يكاد في الرملِ يخطر
لا من الشمس فيضه فلكم شعّت
علينا فلم ترعُ أو تبهر
لا من النجم لمحهُ فلكم لاحَ

كئيب الضياء وهنان أصفر
قد نسختا به ومن غابرِ الدهر
نسختا البلى ولم نتغيّر

ألهونا وعفّروا وهمُ الصيد
عُلاهم على ثرانا المعفّر
سر بنا يا مناةُ نخشع جلالاً
لسنا النور علّهُ اليوم يغفر
عجباً خرّت المحاريب والأص
نامُ دكاً والعبدُ ما زال يكفر
وعلى التلّ خاشعٌ في عريشِ
قدسيّ الظلالِ زاكٍ منوّر
كاد من طيبهِ الجريدُ المحنّى
من ذبول البِلى يميسُ ويزهر
هالةٌ تسكبُ الجلال وتندى

بوميض الهدى يفيق ويسحر
لو رمت كاسف البصيرة أعمى
عاد منها مبلج القلب أحور
قسماً ما أراهُ إنساً فإنّي
أتحدى به بنانَ المصور
باسطٌ كفّهُ إلى الله يدعو
ربِّ حمَّ القضا لدينكَ فانصر
إن أجنادي البواسلَ قُلّ
وخميسُ العدوّ كالموجِ يزخر
خفقةٌ من كرى تجلّت عليه
مالَ من طهرها الرداءُ المحبّر
وإذا الوحيُ بارقٌ مستهلّ
من سماء الغيوب هنّا وبشّر
فانتضى سيفه وهبّ على الغا
رة بالسرمدِ القويّ مؤزّر
ينفخ القوم بالحصا فتدوّى
أسلات الإسلام في كل منحر
وجنود السماء من كلّ فجٍّ

غيّبٌ للعيان في القلبِ حُضّر
تُشعل النار في قلوب المذاكي
وتؤجّ الرجال ناراً تسعّر
قوةٌ من جوانبِ العرش هبّت
ذابَ من بأسها الحديد المشهّر
وبلالٌ يلقى أميّةً غضبا
ن فيشفي الغليل منه ويثأر
أمسِ كم حمّلَ الصخور الذواكي
من لهيب الرمضاء تغلي وتسعر
ضجّ من هولها الآذان وكادت
تتهاوى لها أواسي المنبر

وهو اليوم قاذفٌ صخرةَ المو
ت عليه تهوي فتردي وتقبر
وأبو جهل جندلته قناةٌ
فهوى تحت جندل البيدِ يزحر
وقف الكفر فوقه يندب الكفرَ
ويهذي على الرفات ويهذر
يا عدوّ الإسلام خذها من الإس
لامِ ردّتك كالقنا المتكسر
طعنةٌ من معاذ أخرس فُوها

فاكَ بعد ما كنت تنهي وتأمر
لكأنّي بعظمكَ الآن يصطكُّ
ويغلي من الأسى والتحسر
وشظايا اللسان ندمانةٌ كا
دت لنور الهدى حنيناً تُكبّر
ثمراتٌ في كفّ أعزلَ جوعان
هضيمٍ بين الوغى متعثر
عربيّ من شيعة الله وانٍ
عن صراع الهيجاء حزناً تأخر
حينما شاهد النبيّ تلظّت

جمرةُ النصرِ في حشاهُ المفتّر
سلّ من روحهِ حساماً ومن إس
لامهِ في مسابحِ الروع خنجر
هكذا نجدةُ السماء أحالت
واهنَ الجسم كالعتيّ المدمر
فإذا النصرُ صيحةٌ هزّت الدن
يا وراعت بروج كسرى وقيصر
وإذا بدرُ خفقةٌ في لسان الش
رق يُزهى على صداها ويفخر


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
لحن من النار”


مهدَ البطولاتِ،أرضَ العرب
أرضَ العلا من قديمِ الحِقبْ
ضجّت من الثأرِ نار الدماء
هيّا نشقُّ إليه اللهب
زاحفين عائدين للحمى
رافعين صوتنا إلى السّما
هزّت فلسطينُ حرَّ النداءِ
هيّا ولبيكِ أختَ العرب
لحنٌ من النار في كلّ فم
دوّت أناشيدهُ بالقسم
مهما ترامى عليك الظلام
إنَّا سنغدو لهيب القمم
ناسفين من طريقك الردى

عاصفين كالرياح بالعدا
فجرٌ ستنشقُّ عنه الخيام
والليل يطويه نور العلم
فجرٌ على القدسِ ضاحي السنا
هزت له النصر أعلامنا
تمحو به من تراب الوجود
ثأراً تُفدّيه آجالنا

راجعين كالرعود للوطن
قاهرينَ كلّ أسوار الزمن
يومٌ يناديكِ عبرَ الحدود
عادت لأحرارها أرضن
ا

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
قومي إلى الصلا
ة”
وعادت الطيور في المساء
فلم تجد في القبّة الضياء
ولا صدى الترتيل والدعاء
فهزّت الأوتارَ بالنداء
:
يا قدسُ يا حبيبة السماء
قومي إلى الصلاة
..
وباركي الحياة

ورددي التسبيح في المآذن
وأيقظي الأجراس في المدائن
وكبّري لله لا تُهادني
قومي إلى الصلاة
وباركي الحياة

لا توقفي الدعاءَ للرحمان
مهما لقيت من أذى الشيطان
رِدّي عليه إثمه وقومي
وواصلي الحديث للنجوم
فلم تزل فيك خطا الإسراء
سابحةً في الطهر والضياء
يا قدس يا حبيبة السماء
قومي إلى الصلاة
وباركي الحياة

ولم تزل أسوارك الحزينة
تصغي إلى أقداسها الدفينة
ولم تزل مناجياتُ الرُّسل
في أفقك الطاهر منذ الأزل
مازال صوت الله في فضائك
والانبياء في صدى ندائك
قومي إلى الصلاة
وباركي الحياة

قومي ومهما اشتدّت الجراح
فكلّ ليل بعده صباحُ
وكلّ هول بعده سكينة
تمحو ظلام البغي والضغينة
وتراجع الشفاهُ للشدو والحياة
قومي إلى الصلاة والترتيل والدعاء
يا قدسُ يا حبيبة ً للأرض والسماء


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
شعلة الذات”

قُلْ لمن يديه في الهجير
سائلاً قطرةَ ماءٍ من غدير
سائلاً رشفةَ ظلٍّ من عبير
مدّهُ الله على الروض النضير
لست حيّاً إن تسولت رباهُ
ومددت الكفّ تستجدي الحياة
كن هجيّاً ترهب النار لظاهُ
لا نسيماً يفزع الوهم شذاه
واقتحم بالذات أهوال السعير
تنسخ النار ربيع في ضحاه
جدول يضحك بالماء النمير

قل لمن كبّل أشواق الحياة
باحثاً عن سرّها قبل خطاه
واقفاً شلّت على السر يداه
سائلاً أين من الغيبِ مداه
لست حياً إن تهيّبت القدر
وطلبتَ السرَّ من قبل السفر
كن طريقاً من رحيقٍ وشرر
لا وقوفاً يتلّهى بالصور

وامض بالذات إلى مالاتراه
تبصرُ السرّ تجلّى وظهر
وعلى صدرك قد ألقى عصاه
قلْ لمن أصغى لنوح البلبلِ
عاشقاً يبكي ضياع الأملِ
ذائباً في يأسهِ المشتعل
قاطفاً زهرَ خريفٍ ممحلِ
لستَ حيّاً إن تلمست البكاء
قدحاً يسقيك أوهام الرجاء
كن غناءً مضرماً وجدَ السماء
لا صدى نوحٍ لقيثار الفناء
واسكب الذات بنايٍ مشتعل
تبصر الكون طيوراً من ضياء
ساجعاتٍ فوق شطِّ الجدول

قل لمن أحنى لغير الله رأسه
ولمن صبّ لغير الله كأسه

خائفاً يشرب من كفّيهِ نفسه
ومن اللذة لا يدرك حسّه
لست حيّاً إن توهمت الوجودا
سادةً هشّوا على الأرض عبيدا
اسأل الذات تجد فيها السجودا

لسوى الله رياحاً وحصيدا
واسأل الله لمن أطلع شمسه
لسوى الأحرار لم تشعل وقوداً
لصباح الشرق أو تسقي أمسه
هكذا جلجل مزمارٌ رخيمٌ
في زبورٍ خالد الشدو يتيم
مدّ جبريل جناحاً في السديم
ودعا الأفلاك تصغي والنجوم
لصداهُ الحر في قيد التراب
وهو ينقضّ عليه كالشهاب
ويرى سجدته بين الخراب
في ربى أندلسٍ تسقي القباب
من رحيقٍ لم تزل منه الكروم
تعصر السحر وتشدو للإياب
وينادي مجدها ضرب الكليم

نخلة الداخل عادت بجناها
بعد أن أرعش بالناي ثراها
وبدمع الروح غنى وسقاها
فربت ظلاً ومراً وشفاها
تسمع التاريخ خلف الحجب

يتغنّى بحداةِ الشهب
يوم كان الغرب دنيا غيهب
وأتى المصباحُ في كفّ نبي
يوقظ الأيام من عاتي كراها
بضياءٍ شعّ بين العربِ
وكتابٍ خطّ للأرض هداها
وثرى قرطبة حنّ إليهِ
فإذاهُ سجدةٌ بين يديه
وإذا المحرابُ إصغاءٌ عليه
شعّ ترنيمُ الهوى من شفتيه
وهو قيثارٌ من الشرق يغنّي
ويعيد المجد لحناً بعد لحنِ
طارقٌ في بأسهِ خلف المِجنِّ
وابن عبّادٍ وما لاقى بسجنِ
وأسى الحمراء ينهال لديهِ
بمراثٍ لم تذقها أي أذنِ
سكبتها لوعةٌ من جانبيهِ
طائرُ الإسلام رجّع نغما
كنت فيه لليالي حلما
أشعل النايَ التي هزَّ السما

وسقى الأعماق شدواً مُلهما
ومن الخلد تلفّت ها هنا
تجد الأغلال تهوي حولنا
قد حصدنا الرقّ من آفاقنا
وصهرنا القيد من أعناقنا
ودعونا الله في إشراقنا
أن يردَّ الشرق حراً مثلما
كان من قبل إلى أعتى المنى


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
غصن الزيتون”

لا زهرهُ يندى ولا هو ينفخُ
ذاوٍ على طرفِ الصبا مُتصوّحُ

ريّان أميسُ هدّلت أطرافهُ
هوجاء من نار المطامع تلفحُ
فرعٌ من الزيتون لم يخفق له
فننٌ ولم يسجع عليه صيدحُ
أنداؤهُ من حكمةٍ أبديةٍ
صمتت فما تلغو ولا تتفصّحُ
وغذاؤهُ من رحمةٍ علويّةٍ
يضفو بها طيفٌ هناك مُجنّحُ
تخذ السلام قصيدةً قدسيةً
يشدو بها شادي السلام ويصدحُ
لو رنّ هاتفها بسمع كتيبةٍ
هوجاء في رهج اللظى تترجّحُ
سجدت له الأسيافُ خجلى رهبةً
وتكفّأت فوق الثرى تتطوّحُ
يا سرجةً برواق جنييف ارتوت
من جدولٍ بدم الضحايا ينضحُ
نبعٌ من الأرواح سلسل فيضهُ
وجرى على بطحائها يتفوّحُ

ينساب من خلل الجماجم صاخباً
أمواجهُ من كلّ عرقٍ تطفحُ
ماذا دهاكِ فلم يدعْ سوسانةً
من هولهِ في جانبيكِ تُفتّحُ
صوتٌ من الطليان أروعُ غاشمٌ
مُتحفزٌ بين الورى يتبجّحُ
خدعتهُ صامتةُ القنابل حينما
ذهبت تُهدّد بالردى وتلوّحُ
مجنونةٌ بالموتِ جُنَّ حديدها
ومريدها خطرا يروعُ ويفدحُ
رعناء لو مسّت مطارف شاهقٍ
لا ندكَّ من عالي الذرا يتطرّحُ
سكرى بخمر الموت تهذي جهرةً
بملاحنٍ من كبرها تتوفّحُ
خرساءُ لو نطقت أصمّ ضجيجها
أُذنَ الحياة،فلا تعي ما تُفصحُ
حُبلى بنسل النار يا ويلاهُ إن
ولدت فحتفٌّ للبريّة يكسحُ
كم أفزعت عزريل حين تبرّجت

تلهو على جثث العبادِ وتمرحُ
سلْ لأمةَ الأحباش كيف تفزّعت
وغدتْ على قُضبِ القنا تترنحُ
لم تغنها الأجبال تعصم هاربا
أو شاكياً تحت المغافر يرزحُ
خيماتها في الحربِ لو أبصرتها
شُعلاً على كنف الهواضب تُلمحُ
هيَ ألسنٌ للحق ذاعَ بيانها
ضرماً عن الوجد المكتّم يُفصحُ
يا ربّ مسودّ الجبين بظلها
قسماتهُ عند الوغى تتوضحُ
يُصليهِ إيمانُ العزائم باللظى
فيظلّ من قبساته يتروّحُ
يلقى الطغاةَ بعزمةٍ لو صادفت
قلبَ الحديدِ لخرّ بالدمِ يرشحُ
يا فارس الرومِ العنيد تحيةً
من شاعرٍ باللوم جاءك يصدحُ
أنغامهُ في النيل ضيّعها الأسى
وهي التي بهوى البلاد تُسبّحُ
عُذريةٌ تشدو،فإن هي أقبلت
تأسو يراوغها الشمات فيجرحُ

صرخت على حريّةٍ مسلوبةٍ
شعراؤها في كلّ فجٍّ نوّحُ
ما ضرّ لو أمهلت طائشة الوغى
قوماً تغادوا بالشكاةِ وروّحوا؟
أوطانهم
!
يا رحمتا لمصيرها
!
أملٌ لسُفّاكِ الطغاةِ ومطمحُ
فزعوا من الغارات تخنقُ جوّهم
فيضرع بالموت الأصمَ وينفحُ
الله طهّرهُ هواءً طيّباً
كالروض ضمّخهُ العبير الأفيحُ
وابنُ الترابِ أحالهُ مسموةً
نكباء ذاريةً تُبيدُ وتفدحُ


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
الشعاع المقيد”

خذ أماناً من الشعاعِ المُقيّد
فهو في القيدِ جمرةٌ تتوقدْ

أو فَذُقْ في شُواظهِ الحُرّ
فأنتَ المقيّدُ المُستعبد
ذُقْ شُواظاً لو مسّهُ صاهرُ الأغ
لال أضحى بنارهِ يتعبّد
من حواشي الرخام يسطعُ للأحر
ارِ ديناً يهدي العباد ويُرشد
هو نورٌ لكنّه في ظلام السجن
نارٌ على القيود تعربد
ملءُ ذراتهِ أناشيدُ مجدٍ
بصداها مُحرّر النيل أنشد
ذرّةٌ تُرعب الحديد على الصمت
وأخرى في الهولِ تُرغي زتُزبد
غللّتهُ بالأمسِ كفُّ ضلولٌ
تنصرُ البغيَّ بالحسامِ المجرّد
شدّ طُغيانها عتيٌّ من الغربِ
على النيلِ كم طغى وتمرد
ملّكتهُ والملكُ لله دنيا
ظلّها عاجلُ الفناءِ مُبدّد

فمضى في مسابح الشرق كالأق
دار يُشقى كما يشاء ويُسعد

كم عدا فاتكاً وأحكم أغلا
لاً عليها الرقاب في الشرق تشهد
في فلسطين ظُلمهُ أفاق الدن
يا وما هزّهُ الصراخ المردّد
وعلى مصر كم أذلّ وأردى
وتمطّى على النجوم وهدّد
عبقريٌّ في الختل يُدمي ويرتدّ
على الجرحِ باكياً يتوّجد
كم سقى النيل من ضرواته الهونَ
وعيشاً من المذلّة أنكد
وتمادى فكنت يا مصطفى الهول
على هولهِ تثورُ وتُرعدُ
في غباء السنين والنيلُ مغفٍ
وبنهُ من سكرةِ الضيمِ هُجّد
قمت كالعاصف المجلجل تجتا
ح فلا تنثني ولا تتردّد
تلبس القيد من جنانك قيداً
حزّهُ في الحديد نقشٌ مخلّد

هتفاتٌ بحبِّ مصر وموتٌ
في هواها ونشوةٌ وتعبّد

وصلاةٌ بمجدها كنت فيها ال
عابد الصبّ والشواطىء معبد
وذيادٌ عن حرمة الوطن الشا
كي بعزمٍ كنيلهِ ليس ينفد
ودفاعٌ عن الحمى كنت فيه
ما لغير الحمى تروم وتقصد
فارسٌ في قتامة النيل تمضي
بشهابٍ من السماء مؤيّد
مِشعلٌ في يديك شرّد بالأض
واء جُنحاً على الشواطىء أربد
كنت تسري به فتنهض فانين
عليهم شيخوخة اليأس تقعد
بضياءٍ من الهدى أنعش الشرق
وطرف الزمان في مصر أرمد
وبيانٍ كأنه لهب البر
كان تختار جمره وتنضّد
كلُّ لفظٍ من الصراحة سهمٌ
في حشا الغاصبين ماضٍ مُسدّد
هات لي من صداهُ نبراً لعلّي
أنفثُ النار من صدايَ المغرد
هاته فالجحود واراه في سجنٍ
على شاطى الليالي مشرّد
في زوايا النسيان قبرٌ وذكرٌ
ورخامٌ في الصمت لهفان مكمد
كاد ينضو الأستار عنه وينعي

أنا رمز الفخار يا نيل فاشهد
أنا علّمتك الوثوب على القيد
وعلمتني الأسى والتنهد
ما الذي في الضفاف نسّاك روحا
ذاق من أجلك الردى واستشهد
أشيوخ على الكراسيّ هاجوا
وهيَ من هزلهم تميد وترعد
أم شبابٌ على ترابك يمشي
حول ساقيهِ كالأسيرِ المصفد
خانعٌ في حماك ينتظر البعث
ليمضي إلى الأمام وينهد
علّموهُ والرزق في مصرَ رهنٌ
برجاءٍ وذلّةٍ وتودد

كيف يلقي بعزمه تحت نعليه
وفي الذل يستنيم ويرقد
ما الذي في الضفاف نسّاك يا نيلُ
هوى ذلك الشعاع المقيّد
فمنحت التمثال شِبراً عليه
تائه الدود في البلى يتمرد
وحرمتَ الجهاد فجراً من النور
يُهدي إلى علاكَ ويُرشد


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
خيمة البهتان”

أخي قد مزقت ريح الدجى بيتي وأيّامي
وساقتني على الأرض بهذا الهيكل الدامي
وهذا الشبح المطرود في هذا الأسى الطامي
ينادي
:
أين ملك الله تخبط فيه أقدامي
وأين الأرض تحملني وتدفن بعض آلامي
وبعض خطاي في هذا الدجى المتفجر الهامي
هنا في كبوة الأقدار بين السيل والويل
وبين عواء شيطان طريد الجنّ مختل
يقعقع للرعود السود مأخوذاً من الهول
سمعت فحيح ثعبان على رئتيّ منسل
تدفق جسمه المقرور بين حفائر السل
وبين شتاء بستان بدفء الموت مخضل

هنا في خيمة البهتان والطغيان والزور
لدي مأوى كلحد الميت في النسيان مخفور
رُميت كدعوة وقفت على درب المقادير
يصب التيه في خلدي خطا الظلمات في النور
فأشرب حيرتي وبكاي من كف الأعاصير
وأذرف أدمعي الخرساء في صمت الدياجير

أخي قد غال ذئب الجوع أطفالي مع الفجر
وبعثرهم جنون السيل بين مداخل الصخر
فلا أدري لهم شجنا على نعش ولا قبر
كما كانوا هنا عادوا بلا سكن ولا عمر
ظللت أنوح يا رباه بعض نداك للجمر
فجاء الموت يفغر فاه للظلمات والقفر

سلوهم واسألوا ما شئتم الإسلام والعربا
وكيف على تراب الذل لم يتمزقوا غضبا
وكيف غدت فلسطين بهم تتجرع النوبا
تنوح على سلاسلها وتشكو القيد واللهبا
وهم لمذابح الطغيان ساقوا اللهو واللعبا
وقالوا الشرق قلت
:
صحا على أفواهكم كذبا


محمود حسن اسماعيل(
من أغاني الرق)

ألقيتني بين شباك العذاب وقلتَ لي
:
غَنِ
وكلّ ما يشجي حنينَ الرباب ضيعته مني
هذا جناحي صارخ لا يجاب في ظلمة السجن
ونشوتي صارت بقايا سراب في حانة الجنّ
أوّاه يا فني
لو لم أعش كالناس فوق التراب
رماني الرق بدنيا زوال مغلولة الجنب
وقال
:
حَوم في سفوح الجبال واهبط على العشب
واضرب جناحيك بأفق المحال واسأل عن الغيب
وها أنا

لا شىء إلا ضلال سارٍ مع الركب

أواه يا ربي
لو لم أكن عبداً لهذا الخيال
جعلت زادي من عويل الرياح وغربة الطير
ومن أسى الليل ووجد الصباح وشهقة النهر
وسقتني ظمآن بين البطاح إلا من السحر
وقلت لي
:
رفرف بهذا الجناح واشرب من السر
والسرُّ في صدري
قيدتَ ساقيه بتلك الجراح

كنا جناحين لطير المساء يهفو كما نخفِقْ
إذا أمرنا الأفق رقّ الهواء وعرجَ الزورق
وإن نزلنا العشب زقّ الغناء من قلبه المغلق
وإن تعانقنا رجونا الفناء لو أنه يطبق
لكنّهُ فرّق
وأصبحت أنثي ككل النساء
كم ذاتِ وجهٍ شبّ فيه الحياء كأنه نارُ
تغضي من النور كأن الضياء في لمحه عارُ
سجا دجاها واطمأن الخفاء ونامت الدارُ
فعربدت للحب أنى يشاء والحبُّ قهارُ
والليلُ ستّارُ
أعادها للصبح تغضي حياء

والرقّ نارٌ من قديمِ الزمان من نفسها تأكل
تحررت نفسي وعيّ اللسان فجاءها يُعول
عبدٌ وحرٌ في دمي ساكنان ربّاهُ ما أفعل
أهمُّ بالقيد فتهوي اليدان ويضربُ المعول
في كل ما أحمل
فأسحق العودَ وتبقي البنان



































محمود حسن إسماعيل:
فَلتقُمْ بعد موتهِ ثورة الشّاني
فقد فارق الوغى الصمصامِ
ولهُ الشأنُ عزةٌ وخلودٌ
ولهم شأنهم صدىً وكلام
إيهِ يا ساقي المساكين كأساً
لم تسلسل رحيقها الأيام
قد جعلتَ الآلام وحيك حتى
فجرّت نبعها لكَ الآلام
كنت في عزلةٍ مع الوحي تشكو
ولشكواكَ كاد يبكي الغمام
تمسحُ الدمعَ من عيونِ اليتامى
وببلواك ينشجُ الأيتام
فَقُمْ اليومَ وانظر الشرق ضاعت
من يديهِ مواثِقٌ وذِمام
إيهِ يا مصطفى وفي القلبِ شجونٌ
وفي الصدرِ حرقةٌ وضِرام
ليتَ لي سمعُكَ الذي كرّمَ اللهُ
صداهُ فماتَ فيه الكلام
كنتَ والوحيَ في سكونِ نبيٍّ
عادهُ في صلاتهِ إلهام
تتلقاهُ خاشع الهمسِ عفّاً
مثلما رفَّ بالغديرِ حمام
لا ضجيجٌ ولا اصطخابٌ ولكن
هدأةُ الرّوحِ قد جلاها المنامُ
هكذا نعشُكَ الطهور تهادى
كالأماني لا ضجةٌ ،لا زحام
فاذهب اليوم للخلود كما كنتَ
تُغاديكَ هدأةٌ وسلام
لم يمتْ من طواهُ في قلبهِ الشّرقُ
وغنّى بذكرهِ الإسلام

محمود حسن إسماعيل يرثي مصطفى صادق الرافعي:
لم يطب للنبوغِ فيكِ مُقام
لا وعليكِ ـ الغداة ـ مني سلامُ
تسكبُ البرءَ من جراحٍ عليها
ترعشُ العمرَ شكوةً وسقامُ
أنتِ ـ يا مصر ـ واصفحي إن تعتّبتُ
وأشجاكِ من نشيدي الملامُ
قد رعيتِ الجميلَ في كلِّ شىءٍ
غير ما أحسنتا بهِ الأقلامُ
إيهِ يا مصطفى وفي القلوبِ شجونٌ
وفي الصدرِ حرقةٌ وضرامُ
ليتَ لي سمعكَ الذي كرّم
اللهُ صداهُ،فمات فيه الكلامُ

محمود حسن إسماعيل يرثي مصطفى صادق الرافعي:
كنتَ والوحي عاشقين،فماذا
بعد نجوى السماء يبغى الغرام
هكذا نعشُكَ الطهورُ،تهادى
كالأماني،لا ضجةً ولا زحام
فاذهب اليومَ للخلودِ كما كنتَ
تغاديك هدأة وسلام
لم يمت من طواهُ في قلبه الشرق
أو غنّى بذكرهِ الإسلام

محمود حسن إسماعيل:
سجداللاتمؤمنا! وجثاالعزى
يناجيمناةيا صاح أبشر!
هل في ساحنا وميض من النور
غريب التلماح،خافي التصور
ذره أرعد الصفا! وأحال الص
خور روحاً يكاد في الرمل يخطر
لا من الشمس فيضه فلكم شعت
علينا فلم ترع أو تبهر
لا من النجم لمحه..فلكم لاح
كئيب الضياء وهنان أصفر
قد نسخنا به! ومن غابر الدهر
نسخنا البلى ولم نتغير

ألهونا
..
وعفروا وهم الصيد


علاهم على ثرانا المعفر
سر بنا يا

مناة

نخشع جلالاً
لسنا النور

علّه اليوم يغفر
عجباً
!
خرت المحاريب والأص
نام دكا
..
والعبدُ ما زال يكفر

محمود حسن إسماعيل:

أسكنتهُ بغتة الموتِ الرّغاما
أيقظوهُ،فهو يأبى أن يناما
أيقظوهُ فهو يأبى أن يرى
هامدَ التَّربِ لجنبيه مقاما
أيقظوهُ! فهو فجرٌ راقدٌ
لم يُعوَّدْ نورُهُ هذا الظلاما
لم يكد يُشرقُ حتى اندفعت
راحةُ التابوتِ تسقيهِ القتاما
كيف لم يعصف بها وهو الذي
لم يكن إلا مضاءً واعتزاما

سجدات وجه مشرق نضح التقى
في كل مالمحت به سيماؤه
لو راءه عاتي المجوس تخشعت
للنار من غيّ النهى أعضاؤه
لانحاز في ركب النبي،وناره
نور تدفق في الصلاة ضياؤه
طاحت بي الأقدارُ في غرفةٍ
يا ليتَ لي من دونها الهاويه
لم يخفقُ الصفوُ بها لحظةً
ولم تزرها النّعمةُ الرّاضية
كَمهجة الخائب في ذلّتها
ظلماء من طيفِ المُنى خاليه
تكافح الليل بها شمعةٌ
ذابت من الوجد كأحشائيه
كأنها والدّجنُ يلهو بها
أمنيّةٌ في يأسها فانيه
دموعها تهمى وأنفاسها
تفضحُ سرّ الحُقة الذاكيه

محمود حسن إسماعيل:
مقبرة الحي
كأ كبُدِ العشاق تخفى الضنى
والدمعُ نمّامٌ على الخافيه
يا شاكيَ الهمِّ لأيامه
لقد شكوتَ البغيّ للباغيه!
أقصِرْ عن الشكوى إليها فما
دنياي إلا حيّةٌ غاويه
إهابُها يُغري وفي نابها
لمن تمس الوخزة القاضيه
دهرٌ لهُ في بطشه لذةٌ
كالوحشِ يفري مهجة الثاغيه

غبن من الأيام لا رحمة
تحيى ولا صبر على العاديه
ولا فناء عاجل أشتهي
في وِؤردهِ الراحة مما بيه

صلاح عبد الصبور في قصيدة”دمعة على نزار”:

ماذا أحدث والأشعارُ باكية
دمعٌ هتون على الخدّينِ ينسكبُ
جفّ المِداد وغاضت في محابرها
كلّ الحروفِ فكيفَ اليوم تنكتبُ
سالَ الوفاء دماءً من محاجرنا
فغممَ القلب بالآهاتِ ينتحبُ
إنّي أكابدُ شوقاً من لظى كبدي
فلا تلمني على العبراتِ يا نقب
نزار! يا فارسَ الأشعارِ معذرةً
إن جاءَ شعري بجمرِ الحزنِ يلتهبُ
أنا كم حبست دموعي عندَ فقدكم
حتى تهاوتْ في الآماقِ تصطخبُ
رفقاً بقلبٍ عليلٍ قد أحبكمو
قد أشعلَ الشعر ناراً مالها حطبُ
يا شاعرَ الحبّ قد سارت روضاً في نضارته
وسوف يبقى بذهنِ الشرقِ يكتتبُ
أينَ النساء اللواتي كنت تطلقها
من معقل الدهرِ والتاريخُ يضطربُ
وتنشرُ الشّمس تبراً في ضفائرها
حتى تراها بشال النور تغتصب

صلاح عبد الصبور في قصيدة”
دمعة على نزار”:
خمسونَ عاماً تصوغُ الشعر أغنيةً
حتى ترنم في ساحاتنا الأدب
نزاراً يا شاعراً تسمو بمناقبه
ومن لخير جذور العرب ينتسبُ
جلَّ المُصاب وجاءت في رثائكم
كلّ الحروف بلونِ الجرحِ تختضبُ
قد يحملُ الشعرُ بعضاً من مشاعرنا
أما القلوب فحارت دونها الكتب

سيد قطب قصيدة إلى الظلام ـ مجلة الثقافة ـ :
إلى الظلام الأمين
تحدّري يا سفيني
وجانبي كلّ نورٍ
النورُ يؤذي جفوني
لقد حطّمتُ شراعي
ومجدفي ويميني
وهدَّ عزمي موجٌ
يثورُ كالمجنونِ
أخشاهُ أخشاهُ جُهدي
فحاذري يا سفيني
طالَ الصراع وناءت
نفسي بعبءِ السنين
أريد وقفة أمنٍ
في مجهل مأمونِ

سيد قطب قصيدة إلى الظلام ـ مجلة الثقافة ـ :
أزيحُ فيه قليلاً
عن عاتقي الموهون
وأستريحُ رويداً
من الصراعِ الحرونِ
وقد أُعاودُ سيري
في اللّجِ أزجي سفيني
إلى الظلامِ الأمين
إلى ملاذ المسكين
طال التيقظ حتى
أغشى السهاد عيوني
إلى المأرب فامضي
لانزوى عن شجوني
وعن رجائي ويأسي
الانزواء مريحٌ

وكلّ ما يعنيني
فأوغلي يا سفيني

سيد قطب:
اطمأن الليل إلا من فؤاد
مستطار هائم في كلّ وادٍ

خافق يرجف كالطيرِ الذبيح
أفما آن له أن يستريح
إنه يحيا كما يحيا الطريد حيرة
غطت على هذا الشريد

باحثاً في الأرض عن مأوى أمين
ليته يلقى شعاعاً من يقين
ودموع طيعات إذ تسيل كل ما في
الكون والناس ضئيل

إيه،كفي يا دموعي، لا تسيلي
عن دموعي،وهي قرني أو خليلي
أنا لا أبكي على ماض ذهب
إنما في النفس معنى مضطرب

ولا مستقبل ضاع هباء
لم أجد رمزاً له إلا البكاء

سيد قطب في قصيدة الغد المجهول(
الرسالة العدد66):
يا ليتَ شعري، ما يُخبئهُ غدي
إني أروحُ مع الظنونِ وأغتدي
وأُجيلُ باصرتي وبها وبصيرتي
أبغي الهدى فيها،وما أنا مهتدِ
حتى إذا لاحَ اليقينُ خلالها
أشفقتُ من وجهِ اليقينِ الأسودِ
وأشحتُ عنهُ،ولو أطقتُ دعوتهُ
وطرحتُ عنّي حيرتي وتردّدي
فكأنّني الملّاحُ تاه سفينهُ
ويخافُ من شط مُخيفٍ أجردِ
ماذا سيولدُ يومَ تولدُ يا غدي؟
إنّي أُحسُّ بهولِ هذا المولدِ
سيُصرِّحُ الشكُّ الدفينُ بمهجتي
فأبيتُ فاقدَ خيرِ ما ملكت يدي
ستروعُ من حولي عواطف لم تزل
تُضفي عليَّ بعطفها المتودّدِ
ستجفُّ أزهارٌ يفوحُ عبيرُها
حولي،وينفحلُ بها الأرجُ النّدي
والمشعلُ الهادي سيخبو ضؤوهُ
ويلفنّي الليلُ البهيمُ بمفردي
ماذا تخلفُ يوم تذهبُ يا غدي
ستخلفُ الأيامً قاعاً صفصفاً

لا شىء بعد الفقدِ للِمُتفقدِ
تذر الرياحُ بها غبارَ الفدقدِ
لا مُرتجى يُرجى ولا أسفٌ على
ماضٍ يضيعُ كأنّهُ لم يُوجد
أبداً،ولا ذكرى تُجدّدُ ما انطوى
حتى التألمُ لا يعودُ بمشهدي
ربّاه إنّي قد سئمتُ تردّدي
فالآن فلتقدم بهولك يا غدي

سيد قطب في قصيدة عاشق المحال ـ الثقافة العدد 175:
ضقت بالقيد فانطلق
أيها الآبق الشرود
قد تحرّرت فاستبق
للصراعات من جديد
انطلق اصعد الرّبا
ثم تهوى إلى السفوح
شارداً يقطع الحياء
في التعلات والطموح
انطلق تفجأ الخطر
كالذي يفجأ الرجاء
لعبة في يد القدر
تذرع الأرض والسماء
جمرة أنت تتقّد
خلف ستر من الرماد
وهي تذكو بلا مدد
ثم تغدو إلى نفاد
أنت من طينة القلق
صاغكَ الله والجموح

سيد قطب في قصيدة عاشق المحال ـ الثقافة العدد 175:
تعشق الأين والحرق
والعقابيل والجروح
أنت ترنو إلى المحال
فإذا شارف المنال

عاشقاً بعدهُ السحيق
خلته من لقى الطريق
ضقت بالقيد من ذهب
فانطلق ثم لا تثب

ضقت بالأمن والقرار
عشت للخوف والعثار

سيد قطب(
الرسالة العدد 610):
جفَّ الرثاءُ بخاطري المفجوعِ
إنّي ذهلتُ عن المصابِ بوقعهِ

وصمت لا أفضي بغير دموعي
حيناً،ذهولَ الواهمِ المخدوعِ
فظللت أنصتُ للرجاءِ وأتقي
صوتَ اليقين الفاجع المسموعِ
أيموتُ؟كلا!لا يموت وهذه
أيموت والأحداثُ تهتف باسمه؟

مصر تُرجّي نجمهُ لسطوعِ
أتكون تلك هُتافة التوديع؟
قل أيها الناعي سواه فما أرى
واويلتاه! إنها لحقيقة

أني وإن جاهدتني بسميع
جلّت عن الإيجافِ والترويعِ

سيد قطب في الحرية:
تيّمت كلُّ فؤادٍ في هواها
مُزجت بالروحِ في تكوينها

واستوت من كل نفس في حشاها
فهي لا ترضى بها شيئاً سواها
فُتِنَ الطفلُ بها في مهده
سبّحَ العصفورُ وشدا باسمها

وغرام الشيخ فيها قد تناهى
ورآها فتنة لمّا رآها
هي روحانية في سحرها
مُزجت بالروحِ فازداد سناها
صوروها وتولّوا وصفها
ويحكُم يا قوم شوّهتم حلاها

سيد قطب(
الرسالة العدد69):
بالأمسِ كنتُ أعيشُ نضو ترقبٍ
أزجي حياتي كالأجيرِ المُتعَبِ
أرنو إلى الإصباحِ،ثمَّ تمجُّهُ
نفسي،وأنظرُ كارهاً للمغربِ
وأحسُّ بالقفرِ الجديبِ يلّفني
فأعيشُ في ظلم كقبرِ الغيهبِ
ولو إنّما اختصرت حياتي لم أكن
أدري بما نقصت،ولم أتعتَبِ
وإذا تشابهتِ الحياةُ أقفرتْ
كُرهت،فلم يُشعَرْ بها أو تطلَبِ
واليومَ آسفُ للدقائقِ تنطوي
من عمريَ الغالي الثمينِ الطيِّبِ
واليومَ أرقبُها وأرقبُ خطوها
فأعيشُها مثلين بعد ترقبي
وهي العميقةُ كالخلودِ وإنّما
تمضي حثيثاً في خُطا المُتوثبِ
وأودُّ أن لو أبطأتْ وتلبثتْ
في خطوها لبثَ الوئيدِ المكثبِ
تغلو الدقائقُ في حياةٍ خصبةٍ
وتهونُ أعوامٌ بِعمرٍ مُجدبِ
الحبُّ فاضَ على الحياةِ بِخصبهِ
وأجدَّ عُمراناً بكلِّ مُخرِّبِ
وأزاحَ أستارَ الدُّجى فتكّشفتْ
ظلماتُهُ عن كلِّ زاهٍ مُعجبِ
وكذلكَ تحلو لي الحياة وتجتلى
وتعزُّ ساعاتُ الغرامِ المخصبِ

سيد قطب:
أنرْ بفؤادي كل أسوان مظلم
وصور بها الآمال:إني رايتها

ببسمة راض في الحياة منعم
تطيفُ بريّا ثغرك المُتبّسمِ
وطالع بها وجه الحياة نديّة
تمس حشاشات القلوبِ ببلسمِ
وتسري إلى الأرواح روحاً مهوما
يفيض عليها من رضاء وأنعمِ
فديتُكَ لا تال الحياة ابتسامة
أرقّ وأحنى من خيال مهومِ

سيد قطب:
مرنحة الأعطاف تومض خلسة
فديتكَ أرسلها على الكونِ غبطة

وتخطرُ في رفق بذيالك الفمِ
تشافهه همس الرجاء المتمم
وتدركها الأرواح في خطراتها
كما تدرك الأسماع همس الترنمِ
فديتُكَ لا تأل الحياة تبسماً
فإنكَ لم تخلق لغيرِ التبسم
وقتكَ الليالي العابسات عبوسها
إذن فتبّسم كيف شئت وأنعمِ

سيد قطب:
غريبٌ أجل أنا في غربة
غريبٌ بنفسي وما تنطوي

وإن حفَّ بي الصحبُ والأقربون
عليه حنايا فؤادي الحنون
غريبٌ وإن كان لمّا يزل
ببعضِ القلوبِ لقلبي حنين
ولكنها داخلتها الظنون
وجاور فيها الشكوك اليقين
غريبٌ فوا حاجتي للمعين
ووالهفَ نفسي للمخلصين

سيد قطب:
خلعتُ قيودي وانطلقتُ مُحلقاً
أهوّم في هذا الخلود وأرتقي

وبي نشوةُ الجبارِ يستلهم الظفرا
وأسلكُ في مسراهُ كالطيفِ إذ أسرى
وأكشفُ فيه عالماً بعد عالم
عجائب ما زالت ممنعة بكرا
لقد حجب العقل الذي نستشيرهُ
حقائق جلّت عن حقائقنا الصغرى
هنا عالم الأرواح فلنخلع الحِجا
فننعم فيه الخلد والحبّ والسحرا

سيد قطب:
جفّ قلبي من الحنين ففاضت
وحسب الدموع ذكرى توارتْ

عبراتي وأقفرت منذ حين
بين ماضي حياتي المكنون
وإذا بي أودّع اليوم عهداً
فتفيضُ الدموع ملء الجفون
في انسكاب يغض من كبريائي
واضطراب يرتاع منه سكوني
يا دموع الوفاء أنتنَّ أغلى
أن ترقرقنَ للوفاءِ الغبين

سيد قطب:
أكاد أشارف قفر الحياة
فأشفق من هوله المرعبِ
هنالك حيث ركام الفناء
يلوحُ كمقبرة الغيهب
هنالك حيث يموت الرجاء
فأرجع كالجازع المستطار

وثوي الأماني كالمتعبِ
أرجّي أماني في المهربِ
ولكنه مقفر أو يكاد
فاللغريب،ولم يغربِ؟

سيد قطب في قصيدة المعجزة(
الرسالة العدد 72):
منحتني اليومَ ما الأقدارُ قد عجزت
عن منحهِ،وتناهى دونهُ أملي:
منحتني الحبَّ للدنيا التي جهدت
في أن تميلَ لها قلبي فلم يَملِ
وكلّما قرّبتني قلتُ:خادعةٌ!
وكلّما طمأنتني قلت:وا وجلي
ويغمرُ الشكُّ نفسي كلّما كشفتْ
عن فاتنٍ من حُلاها،غير مُبتذلِ
حتى خسرتُ من الأيام ما غبرتْ
به السنونُ،وحتى عقّني أجلي
واستلهمتْ هذه الدنيا طبيعتها
في معجزٍ من قواها،قاهر،حانِ
فأبدعتُكِ جمالاً كلّه ثقةٌ
يؤلفُ الحبَّ من وحي وإيمانِ
وأودعتكِ رحيقاً من خلاصتها
ومنبع السحر فيها جدّ فتّانِ
وأرسلتكِ يقيناً في طلائعها
منيرة في دجى عقلي ووجداني
فكنتِ آخرَ سهمٍ في كِنانتها
وكنتِ معجزة من خلقِ فنّانِ
والآن أخلصُ للدنيا وأمنحها
حُبّي،وأدرك ما فيها من الفتنِ
والآن أنظر للدنيا وأنتِ بها
كعاشق،بهواها جدُّ مُفتتنِ
والآن أعمل للدنيا على ثقةٍ
بأنني في قلبها الخفّاق في الزمن
والآن أنصت للدنيا فيطربني
من صوتها العذب لحن ساحرُ اللحنِ
لكِ الحياةُ إذن ما دمتِ مانحة
لي الحياة بلا أجرٍ ولا ثمنِ

سيد قطب في قصيدة إلى الشاطىء المجهول:
تطيفُ بنفسي وهي وسنانة سكرى
هواتف في الأعماق سارية تثرى
هواتفُ قد حُجبنَ يسرينَ خِفية
هوامسُ لم يكشفنَ في لحظة سِترا
ويعمرُنَ من نفسي المجاهل والدجى
ويجنبنَ من نفسي المعالمَ والجهرا
وفيهنّ من يُوحينَ للنفسِ بالرضا
وفيهنَّ من يُلهمنها السّخط والنكرا
ومن بين هاتيك الهواتف ما اسمهُ
حنينٌ،ومنهنَّ التشوّقُ والذكرى
أهبنَ بنفسي في خفوتٍ وروعةٍ
وسرنَ بهمس وهي مأخوذةٌ سكرى
سواحرُ تقفوهنَّ نفسي،ولا ترى
من الأمر إلا ما أردنَ لها أمرا
إلى الشاطىء المجهول،والعالم الذي
حننتُ لمرآه،إلى الضفة الاخرى
إلى حيث لا تدري،إلى حيث لا ترى
معالم للأزمانِ والكونُ تستقرا
إلى حيثُ(لا حيث) تميز حدودهُ
إلى حيث ننسى الناس والكون والدهرا
وتشعر أنّ(الجزءَ) و(الكلَّ) واحدٌ
وتمزج في الحسّ البداهة والفكرا
فليس هنا(أمسٌ) وليس هنا(غدٌ)
ولا(اليومُ)فالأزمانُ كالحلقة الكبرى
وليس هنا(غيرٌ) وليسَ هنا(أنا)
هنا الوحدة الكبرى التي احتجبت سرّا
خلعتُ قيودي وانطلقتُ مُحلّقاً
وبي نشوةُ الجبّارِ يستلهم الظفرا
أهوم في هذا الخلود وأرتقي
وأسلك في مسراهُ كالطيفِ إذ أسرى
وأكشف فيه عالماً بعد عالم
عجائب لا زالت مُمنّعة بكرا
لقد حجب العقل الذي نستشيرهُ
حقائق جلت عن حقائقنا الصغرى
هنا عالم الأرواح فلنخلع الحِجا
فنغنمَ فيه الخلدَ والحبَّ والسحرا

سيد قطب(
الرسالة العدد273):
لعينيك تَستبيحي وهمس سرائري
وفي صمتها الموحى مرادُ خواطري
تُطلّ على الدنيا فتوقظ قلبها
وتمنحُ هذا الكون إيمان شاعر
تسكب في ألحانه عبقرية
من الفن لم تخطر بآمالِ ساحر
وتجلو من الدنيا عميق فنونها
وتكشف في أطوائها كلّ خاطرِ
ومن عجب توحي بفتنة ساحر
وتهمس في صمت بتقديس طاهر
لقد شفّ هذا الوجه حتى كأنّهُ
خواطر فنان ندّي المشاعر
وقد رقَّ هذا الجسم حتى كأنّهُ
هواتفُ حلم ناعمات البشائر
وقد رقَّ هذا الصوت حتى كأنّهُ
أغاريد لحن في السموات عابر
وقد خفّ هذا الخطو حتى كأنّهُ
مرور نسيم بالأزاهير عاطرُ
وخلتُك طيفاً هامساً في ضمائري
وإنّكَ طيف هامس للنواظر
لأيقظت في نفسي سعادة شاعر
وراحة موهوب وغبطة ذاخر
وأشعرتني معنى الطلاقة والرضا
ومعنى الغنى عن كلِّ آت وغابر
مدى فيه من أفق الخلود مدارج
رقيتُ إليها في سنى منك باهر
سبقتُ به خطو الحياة لنهجها
وجزتُ بهِ آفاقها في المعابر
فيا لك من هادٍ سنيَّ المنائر
ويا لي من سارٍ وحيِّ البصائر

محمد قطب الثقافة العدد 250:
يا ليل
سهران تحصي خفقات القلوب
والصمت في طيّك ساج رهيب
ترقبها وأنت مستغرق
كأنّما أنت عليها رقيب
وفيك يا ليل سجلٌ طوى
أسرار كون مترامٍ رحيب
تضم هذا الكون في لجته
يجتمع النائي بها والقريب
ما فات أذنيك صدى خافت
أو حجبت عنك خفايا الغيوب
فنفثة محروم سجلّتها
ونشوة المشتاق يلقى الحبيب
ودمعة المكروب في سهدهِ
وقد قضى الليل بقلبٍ كئيب
وبسمة الهانىء في نومه
يحلم بالعيش الهنىء الرتيب
وصرخة الطفل إلى أمه
وأمه لما صحت تستجيب
وذلك الشيخ وهى عظمه
يُسمع للموت إليه دبيب
وهذه الحسناء مشغولة
يملأ جنبيها شواظ اللهيب
يا ليل تحوى كل سرٍّ عجيب
تظل تطويه إلى أن يغيب
فإن قضى يا ليل ميقاته
وحان في حكمك من المغيب
تمضي به كأنه لم يكن
يخطر في هذا الفراغ الجديب
كأنما لم تحوهِ ساعة
ولم تكن تقسو له أو تطيب
في أيّ وادٍ في الدجى مظلم
تذهب يا ليل بتلك القلوب؟
وأمس إذ كنت وديع السُّرى
هل انطوى ياليل أمس القريب؟
وهذه الليلة إذ تثنى
في نشوة كالمستهام الطروب
هل ينتهي حسنك هذا غدا؟
وهكذا تذهب أعمارنا

تطويه في هذا السجل العجيب
وكل حسن وجمال حبيب؟
في أي واد في الدجى مظلم يا ليل؟
ما أفتأ مستفسراً

تذهب يا ليل بتلك القلوب
وأنتَ تمضي ساهماً لا تجيب

محمد قطب (
مجلة الثقافة العدد 291):
بسمة من فمك العذب بشر في حياتي
هي بشر يملأ النفس بعذب النشوات
هي نورٌ يمنح الروح دُني منطلقات
هي ليست في خيالي بسمة كالنسمات
هي من أسرار كون عبقري النفحات
هي سحر غامض السرّ خفيّ اللمسات
بسمة تطلق قلبي من قيودي العاتيات
بسمة تمسح آلامي وتمحو حسراتي
بسمة تنزع سماً كامناً في خفقاتي
بسمة تبعثني خلقاً جديداً في الحياة
فكأنّي أولد الآن جديد الخطرات

بسمة تمنح روحي لحظات خالدات
بسمة ترقى ضميري من سواد الظلمات
هي ليست في خيالي بسمة كالبسمات
هي في وهمي كون حافل بالمعجزات
كلما أشرقت بالبسمة فاضت نشواتي
وهفت روحي نشوى بأمانٍ مشرقات
فأبتسم حين تلاقيني وزدني بسمات


طال عهدي مظلم القلب كئيب الخفقات
مُثقل النفس من الشجو ووقر السنوات
فابعث النشوة في نفسي ودّد ظلماتي
بسمة من فمك العذب بشير في حياتي

محمد قطب ـ وحي الربيع ـ الثقافة العدد 272:

ذلك الكون جمال عبقريّ النفحات
ذلك الليل نشيد قدسيّ النغمات
سرت النسمة فيه كرفيف الذكريات
توقظ الأشواق في القلب وتُذكي الصلوات
وهفا البدر إلى الأرض حيىِّ النظرات
والأزاهير يفتحن كأشهى البسمات
نغمة علوية تشمل كل الكائنات

كل شىء طافح بالبِشر حفيّ بالحياة
نفخ الساحر فيها فصحا بعد موات
كل شىء ولد الليلة سحري السمات
وفؤادي بعث الساعة مذخور الحياة
تلك نفسي لم تكن تعمرها غير شكاة
وأفانين من الشجو ومرّ الحسرات
ما لها الليلة نشوى لا ككل النشوات
وفؤادي ذاخر الحسّ ….الخفقات
نفخ الساحر فيه فصحا بعد موات

أنا والكون نجيان شبيها النزعات
نسمة من ذلك الساحر فنان الحياة
جمعت بين ضميري وضمير الكائنات
رقصة الزهرة في الغصن تحاكي خفقاتي
هذه الحيرة في حسي وفي حسّ الحياة

وكلانا حالم أو هائم في سبحات
يحلم الكون بليلات ربيع ساحرات
وأنا أحلم بالحب وعذب الأمنيات





إيه ما أجملها اللحظة بين اللحظات


هدأة تشمل نفسي وجميع الكائنات
سكر السكون من الحسن وأغفى في سبات


أفتغنى هذه اللحظة بين السنوات؟
إنني أسمع لحناً عبقريّ النغمات


قد سرى من عالم الغيب خفي الهمسات

هذه اللحظات للخلد فليست فانيات




يذهب الدهر ويمضي وهي تبقى خالدات

أمينة قطب في رثاء زوجها كمال السنانيري:

ما عدتُ أنتظرُ الرجوعَ ولا مواعيد المساء
ما عدتُ أحفلُ بالقطارِ يعود موفور الرجاء
ما عاد كلب الحي يزعجني بصوت أو عواء
وأخافُ أن يلقاك مهتاجاً يزمجر في غباء
ما عدتُ أنتظرُ المجىء أو الحديث ولا اللقاء
ما عدتُ أرقبُ وقعَ خطوك مقبلاً بعد انتهاء
وأضىء نور السلم المشتاق يسعد بارتقاءِ
ما عدت أهرع حين تقبل باسماً رغم العناء


إبراهيم عبد القادر المازني:
نضب العزم،والمنى ثرة العين
شيبة العزم مع شباب الأماني

لَعمرُكَ ما أسوأ القرناء!
أضعيف يظاهر الأقوياء
دونَ ما تبتغي حوائل ضعف أيها”الطين”
ما ترى بك أبغي!

فاجعل العزم والمنى أكفاء
لست فيما أرى لشىء كفاء
إن طلبت السماء قلت لي الأرض
أو الأرض كنت لي عصاء
صرت حتى الذي أفكر فيه
لست أستطيع صوغه والأداء

إبراهيم المازني في رثاء محمد فريد:
وضعَ الزمانُ على جلالكَ خَتمه
وأثابكَ التخليدَ في الأخلادِ
لا يستطيع عداكَ طيّ صحائف
نشرتها أو طمها بسوادِ
ما في حياتك لوثة موكولة
لتسامح الحساب والنقاد
مثلُ الضحيةِ أنت فينا بارزاً
بوركتَ من برّ بأكرمِ وادِ

حفني ناصف يرثي عبد الله فكري:
لَيدَّعِ المدّعون العلم والأدبا
فقد تغيّبَ عبد اللهواحتجبا
ولينتسب أدعياء الفضل كيف قضت
آراءهم إذ قضى من يحفظ النسبا
وليفخر اليوم قومٌ باليراعِ ولا
خوف عليهم فمن يخشونه ذهبا
وليرقَ من شاءَ أعواد المنابر إذ
ماتَ الذي يتقيّه كلُّ من خطبا
لو عاشَ لم يطرقُ الأسماعَ ذكرهمُ
في طلعةِ الشمسِ من ذا يصرعُ الشهبا
فليسمُ من شاءَ بالإنشاء ولا عجب
مضى الذي كان من آياته عجبا
طودٌ من الفضلِ من بعد الرسوخِ هوى
وكوكب بعد أن أبدى الهدى غربا

سارت جنازته والعلم في جزع
والفضلُ يندبهُ في ضمن من ندبا

أحمد نسيم:

أعاتب قومي والعتاب تودد
إذا لم أجد بين الورى من أعاتبه
إلى مَ ضياع العمر في غير عائد
بجدوى ولم يرجع من العمر ذاهبه
يصاب الفتى بالحادثاتِ تحيطه
وأول من يسعى إليها أقاربه
معاتب لا تحصى إذا ما عددتها
ورحم الفتى أن لا تعد معائبه

أحمد نسيم يرثي مصطفى كامل:
ما بال دمعك لا هامٍ ولا جاري
هل اكتفيتَ بما في القلبِ من نارِ
جفّت دموعكَ من عينيك واستترت
فيها لواعج أحزانٍ وأكدار
ضاعَ الصوابُ ونفسُ المرءِ ساهمةٌ
ما بينَ أقضيةٍ تجري وأقدارِ

إذا عجز المقهور عن قهر خصمه
لدى البطش لم يلجأ لغير سباب
خمول ولهو وانحطاط وذلّة
وغدر ووعد لا يؤنب كاذبه
وكم ماكر ينساب أرقم مكره
وآخر مشاءٍ تدبُّ عقاربه
يمينك فانظر نظرة المرء خلسة
تجد بائساً ملقى على الضيم غاربه
أرى ناظر الشرقي يرنو من الأسى
رنو امرىءٍ ضاقت عليه مذاهبه

وقد يطأ المرءُ الأسنّة مُكرهاً
ويركبُ عند اليأس شرَّ ركاب
أخا النُصّح دع لومي وطول عتابي
فقد آن أن أرضى النُهى بمتابِ
مضى زمنٌ أقلعتُ فيه عن الحجا
وصوبتُ رأياً كان غير صوابِ

عزيز أباظه في رثاء الأمير مصطفى الشهابي:
نبا عنا العزاءُ أبالميسٍ
غداةَ نعتكَ للشرقِ النواعي
ومثلُك ـ أين مثلك ـ يوم يودي
يحسُّ الخلقُ بالكنز المُضاعِ
وبات الفاقدون كأن ليلا
تردّوا في دجاه بلا شعاعِ
وصحبُك ـ يا لصحبك ـ روّعتهم
نواك،وكلُّ وصلٍ لإنقطاعِ
هو الموتُ الذي لا تتقيه
سرى فينا أذاه مع الرّضاعِ
إذا ما كرَّ أعجزَ كلَّ فرٍ
وخفَّ من البِطاءِ إلى السِّراعِ
فليسَ تقيك شامخةُ الرواسي
ولا تحميكَ باذخةُ القِلاعِ
ومن لم تَطوه اليومَ المنايا
فهنَّ إليه في غدهِ سواعِ
وبين اثنين نحن فذو مُضىٍ
إلى السفرِ البعيدِ وذو زَماعِ
ولم يرجع فينبأنا مُنبٍ
أذو ضيقٍ تراه أم اتساعِ
وهل لقيت لذيذَ الروح روحٌ
دعاها من طوايا الغيبِ داعِ
وهل وقعتْ على ألم مضيضٍ
بما نهلتهُ من رنّق المتاعِ
سيعيا العلمُ عن علمٍ ويبقى
على زحفِ الدهورِ قصيرَ باع
وحسبُ الخلقِ أن الله لاقٍ
ذنوبهم برحمات وِساع
مضى شيخُ الثقاتِ وفي يديه
بقايا للطروسِ ولليراع
سعى للضادِ مُحتشدَ المساعي
فما أسماها:مسعىً وساعِ
وقارع كلَّ ذي ضغنٍ عليها
بماضي المتنِ مرهوبَ القراع
وزاد بمنطقِ العلماء عنها
كَنورِ الصبحِ مؤتلقِ الشعاعِ
وطوّعها لحاجات المعاني
فأبدع ثمَّ في غير ابتداع
وقرّبها إلى العلماء روضاً
سخيَّ النّبتِ منضورَ المراعي
ووِرداً دافقَ الدُفاعِ ذلّت
مصادرهُ لهم بعد امتناع
معاجمُ صاغها فرداً فأغنى
بهن غَناءَ جمعٍ واجتماعِ
جلاها خيرَ ما تُجلى عروسٌ
عميقُ دراسةٍ وطويلُ باعِ
ووصّلها بماضيها وكانت
إلى أن راضها ذاتَ انقطاعِ
عجبتُ لحاقدين عدوا عليها
وملءُ نفوسهم أشَرُ الضّباعِ
رموها غير مدَّخرين وُسعاً
لقد نزلوا على أمرٍ مطاعِ
وكانوا أمسِ يُخفون الطوايا
على وَغرٍ بموشىِّ الخداعِ
فصالوا اليومَ بالرأي المُشاعِ
وبالخَبرِ المُذاعِ بلا قناعِ
إذا استقووا فإن الحقّ أقوى
وأبقى والسرابُ إلى انقشاعِ
تعالى اللهُ كالئُها وواقٍ
محارمَها وراعٍ أيُّ راعِ
أيا ابن الكابرينَ بنوا فأعلوا
صروحَ المجدِ باذخة اليفاعِ
قُريشيّين يقصرُ عن مداهم
وباعهم المُرجَّبِ كلُّ باعِ
علت بكم من العِرقِ المُصفّى
مساعٍ لا تُطاولها مساعِ
وأورثكم مفاخرَهُ عتيقٌ
من الأبيات مقصودُ الرِباعِ
فنشّأكم على خلُقٍ ودينٍ
وإسداءِ الجميلِ والاصطناعِ
ومن ورِثَ السموقَ وكان أهلاً
له ضمَّ ارتفاعاً لإرتفاعِ
وجرَّ لقومه رسّ المعالي
وزادَ فنالَ غيرَ المستطاعِ
نهضتم بالعروبة مذ صباكم
ببدريّ التدافعِ والدفاعِ
وبين السابقين الصيدِ كنتم
رجالَ السيفِ منهم واليراعِ
ألم يُقتل أخوك شهيدَ رأي
فأعلت روحهُ روحَ الصراعِ
فهبّت أمةٌ وصحت ثغورٌ
وطارَ لظى البقاعِ إلى التلاعِ
وكنت لعارفٍهارونتغشى
مخاطره شجاعاً عن شجاعِ
فأينَ اليومَ نحن؟لقد نزلنا
على حكم اتّضاعٍ واتّداعِ
قطعنا العمرَ بين هوى ولهوٍ
وتثميرِ النزاعِ من النزاعِ
نبيتُ إذا النوازلُ داهمتنا
نُراعيها ونُصبح لا نُراعي
وتُلهينا الحياةُ عن الأفاعي
أعادينا فتلدغنا الأفاعي
يُداجي بعضُنا بعضاً كأن لم
نكن غَرَضاً لأنيابٍ جياعِ
ويغشانا عدوُّ الله صفاً
وبين صفوفنا عشُّ الصراعِ
يواثبنا بعلمٍ عن عَيانِ
وندفعه بجهلٍ عن سماعِ
ويطرقنا بأفئدةٍ جُماعٍ
فنلقاهُ بأفئدةٍ شعاع
إذا الهونُ الذي ذقناه أفضى
إلى بعثٍ فعزمٍ فانتفاعِ
نسيناهُ وقلنا ربَّ شرٍ
لخيرٍ وانقماعٍ لاندفاعِ
متى نُجمع على صفوٍ ورُشدٍ
متى؟والحقُّ يؤذن بالضياعِ
بني سوريةَ اعتصموا بصبرٍ
فما ردَّ القضاء بِمُستطاعِ
مصابُكم بصاحبكم مُلّمّ
بكلِّ مثقفٍ في العُربِ واعِ
لئن عاف الحفاوةَ وهو حيٌّ
فقد صعدت إليه مع الوداع
نبا عنا العزاءُ أبالميسٍ
غداةَ نعتك للشرقِ النواعي
حباكَ الله من حُلّو الدَّماع
بجنته ومن طيبِ المتاع

عزيز أباظة يرثي زوجته:
ولقد ذكرتُكِ في ثلاثِ منى
بالمأزمين فعقّني صبري
هَمَتْ الدموعُ وأجهشت كبدي
وترّنحَ المسكينُ في صدري
وذكرتُ عزمكِ غيرَ وانيةٍ
والعزمُ لا يخلو من الأجرِ
فجعلتُ أستأنيكِ معتذراً
بِمُموّهٍ رَثٍ من العُذرِ
لم أنسَ قولكِ جِدَّ عاتبةٍ
في أدمعٍ تنهلُّ كالقَطرِ
هبني انتظرتُ لقابلٍ أتُرى
يطوى الزمانَ لقابلٍ عمري
ما كنتُ أدري أن ليلَ غدٍ
مُفضٍ بنا لفجيعةِ الدهرِ
ولقد ذكرتُ ليالياً سلفت
والذكرياتُ ذخائرُ العمرِ
ليلاتِ أُنسٍ في لفائفها
ما في الصِّبا والحبِّ من سحرِ
أحلى من اللقيا إذا اختُلِستْ
وألذُّ من إغفاءةِ الفجرِ
والدارُ حاليةٌ بربتها
كالثغرِ رفَّ ببسمةِ الثغرِ
تُضفي عليها البِشرَ عالمةً
أنّ الحياةَ تُطاقُ بالبِشرِ
وتَمَسُّها بهوى وخالصةٍ
كالطَلِّ مسَّ مراشفَ الزهرِ
مَنْ حاملٌ من أيِّم بِمنى
لثرىً يُضمُّ مُناهُ في مصر
مُستوحشٍ أسوانَ في زُمر
سعدتْ بيوم النحرِ والجمرِ
قُبلاً من الأعماقِ أنثرُها
في دامعٍ دامٍ من الشِّعرِ
وهوىً أُقيمُ على الوفاءِ له
فإذا قضيتُ وفيتُ في قبري
وقال:

تقولُ ابنتي أسرفتَ في البثِّ والبكا
وأنتَ لنا اليومَ الرجاءُ المُخلَّفُ
فقلتُ وهل باكٍ على عِدْلِ نفسهِ
وقُرّةِ عينيه من المهدِ مُسرِفُ
فقدتُ نعيمَ العيشِ لما فقدتها
وكنتُ بها والعيشُ فينانُ مُترَفُ
نذوقُ معاً شُهدَ الحياةِ وخمرها
ومُذْ ذهبت فالثكلَ ما أترشَفُ
أسيتُ لقلبي نازعاً متلهفاً
عليها،وهل ردَّ القضاءُ التلُّهفُ
نأت عنه نُعماهُ وأودى غياثُه
فأمسى تهاوى في ضلوع تقصَّفُ
فعدتُ كأنّي في الدُّنا رهنُ محبسٍ
وعادت حياتي وهي جرداء صفصفُ
مضتْ أمكمُ كالشّمسِ لماحة السنى
وزالت كما زالَ الربيعُ المفوفُ
ومالَ عمودُ البيتِ وانفضّ أُنسهُ
ورِيعَ به مغنىً وأوحشَ رفرفُ
كأن لم يكن بالأمسِ طلقاً رواؤهُ
يرفُّ به رِفةً وشملُ مؤلِفُ
وأقسمُ كانت لليتامى دريئة
تزودُ الأسى عنهم وتأسو وتُنصفُ
تضمُّ جناحيها عليهم خفيّةً
وتحنو حُنوَّ الوالداتِ وتعطِفُ
وكانت تقومُ الليلَ إلا أقلّه
وأحلافُها فيهِ مُصلى ومُصحفُ
مدامعُها من روعةِ الذكرِ ذُرّفُ
وأوصالُها من خشيّة الله رُجّفُ
تَهجُّدَ أوّابٍ وتسبيحَ قانت
فلله ذاكَ الخاشعُ المُتخَوِّفُ
بنيَّ اصبروا للخطبِ إن ثباتكم
يُرفهُ عن فدحِ الجوى ويُكفكفُ
لئن مُدَّ في عمري أمنتم وإن أمتْ
فربّكموا أحنى عليكم وأرأفُ
أخافُ عليكم ريبَ دهرٍ يسوءكم
وإنّي من إغضاءةِ الأهل أخوفُ
وقال وهو في الحج:

يُحدّثني قلبي وقلبي مُصدّقٌ
ونحن بأرضِ شعّت الطهرَ والسّنى
بأنّكِ عندَ الله في خيرِ منزلٍ
رعاكِ فأدنى واجتباكِ فأحسنا
فما كنتِ إلا رحمةً لي ونعمةً
وروحاً وريحاناً وهدياً ومأمنا
وما كنتُ إلا صادقَ الوعدِ وافيا
وليسَ الوفا في مَيعةِ العمرِ هيّنا
وقاني كمالٌ فيكِ أن أتبعَ الهوى
كما يفعلُ الفتيانُ أو أتلّونا
وما كنتُ زوجاً خان (يا زين) بيته
ومن خانَ ظنَّ السّوءَ ثمّ تحوّنا
وما كنتُ أرضى غيرَ أُنسكِ مشرعا
وما كنتُ أبغي غيرَ عطفكِ مُقتنى
عليكِ سلامُ الله (يا أم واثق)
تحيّةَ مقروحٍ بكاكِ فبيّنا
مكانُكِ في بيتي مصونٌ ومهجتي
وذلكَ عهدُ الله(يا زين) بيننا
وقال:

أبُنيَّ قد حُمَّ القضاءُ وحلَّ بي
وبكم مُلّمٌّ في الكوارثِ مُطبِقُ
لم أنسكم عانين صرعى حولها
وقلوبُكم من حسرةٍ تتشقّقُ
هذي تُفدِّيها وذاكَ يضمّها
وأبوكمو الملقى هناك المُصعَقُ
وتنفسّتْ فمضى إلى عليائه
نورُ الحياةِ وسرُّها المُستغلِقُ
فإذا الحياةُ على سُموِّ مكانها
في مزقة من لحظة تتمزقُ
أبُنيَّ عوجلتم بِيُتمٍ داهمٍ
واليُتمُ لا يحنو ولا يترّفقُ
سنعيشُ ما عشنا يلجُّ بنا الجوى
عانين تُصّبحنا الهمومُ وتُطرِقُ
في أضلعي وشعوبِ نفسي تلتقي
أشجانكم وأساكمو المُتفرِّقُ
فإذا اختلافُ الدّهرِ كفكفَ دمعكم
والدّهرُ يُنسي والشّبابُ الرِّيقُ
فأنا الذي لا ينثني يعتادهُ
همٌّ يؤرقّهُ وبثٌّ مُوبقُ
الذاكرُ الوافي الوليُّ على المدى
والأيِّمُ الباكي الحزينُ المُطرقُ

عزيز أباظه يرثي عباس محمود العقاد:
أقصر شىء عن مداك الحِمام
أشهد أنتَ الحيِّ تحتَ الرجام
أضفتَ للدنيا جديداً فما
أحراكَ بالخلدِ عليكَ السلام
يا رائد الجيل وأستاذه
شققت بالجيل سدول الظلام
جعلت تهديهم وتمري لهم
ما راق من فن وعلم جسام
عصارة الأذهان جاماً فجاماً
وحكمة الأمان عاماً فعام

عزيز أباظه يرثي صديقا له:
تَعجلّتُما حين أزمعتُما
رحيلاً فهلّا تلبثتما
مضى صاحباي فما ودّعا
على غيرِ دأبٍ وما سلّما
وكنا إذا عرضتْ فرقةً
جزعنا أسىً وبكينا دما
هما أملٌ رفَّ ثمّ امّحى
فقالوا ذوى يومَ قالوا نما
فما يَرفهُ العيشُ مُذْ بِنتما
ولا يبردُ القلبُ ما غبتما
سأحملُ عبءَ الأسى باكياً
مدى العمرِ حتى ألاقيكما
ألم تعلما أن هذى الدُّنا
رؤى كاذباتٌ ألم تعلما؟
ومن شارفَ الحَينَ مستأخراً
كمن شارفَ الحينَ مُستقدما
وما قهرَ الموتَ إلا امرؤٌ
تنّظرهُ قدراً مُبرما
فلم يخشه حاضراً مُقدما
ولم….غائباً مُحجما
وما العيشُ إلا طريقُ الإيابِ
وأخلِقْ بمن آبَ أن ينعما

عزيز أباظه يرثي زوجته:
لم أنسَ يومَ هفا فعاجلك الردى
همساً بذلتِ إليَّ غيرَ مُبينِ
وسَناكِ لماحٌ،ونفُسُكِ طلقةٌ
تسّنى بإيمانٍ وصدقِ يقينِ
قلتِ ارعَ أكبدُنا الضعافَ وأولِهم
من عطفكَ المنهل ما توليني
قِرِّي فهم يا زين بين جوانحي
فإذا جلوا عنها فبين جفوني
يا زَينُ إن ثَقُلَ الوفاءُ على الورى
فتصابؤا عن شَرعة المنونِ
فأنا المقيمُ وفاؤُهُ وودادُهُ
عهدي إليكِ على المدى ويميني

عزيز أباظه يرثي زوجته:
وقفتُ أناديها وأهتفُ باسمها
وأُلحِفُ حتى أوشكت تتكلم
وقلتُ لها يازينما من فجيعةٍ
تعاظمني إلا وفقدُكِ أعظمُ
فأنتِ لعيني مذْ تراءتكِ قُرّةٌ
وأنتِ لنفسي مذْ تملتكِ توأمُ
وحبّبَ فيك النفسَ عُليا خلائق
إذا لم تُحببها الوشائجُ والدمُ
سأُكرمُ أكباداً تركتِ فإن أمُتْ
فإن إلهَ الناسِ بالناسِ أكرمُ
عليكِ سلام الله يا”أم واثق”
سيبكيك لا يقنى دموعاً ولا دماً

ووالاك من جدواهُ هنّانُ يُجُمُ
مدى العمر مقروح الجوانحِ أتّمُ

عزيز أباظه يرثي زوجته:
أقولُ والقلبُ في أضلاعهِ شَرِقٌ
بالدمعِ لا عُدْتَ لي يا يومَ ميلادي
نزلتَ بي ودخيلُ الحُزنِ يعصِفُ بي
وفادِحُ البثِّ ما ينفكُّ مُعتادي
وكنتَ تحملُ والشملُ مجتمعٌ
أُنساً يفيضُ على زوجي وأولادي
فانظر ترَ الدارَ قد هيضت جوانبُها
وانظر تجدْ أهلها أشباحَ أجسادِ
فقدتها خلّةً للنفسِ كافيةٍ
تكادُ تغني غناءَ الماءِ والزادِ
وموئلاً أجدُ الأمنَ الكريمَ به
إذا تعاورني بالبغي حُسّادي
تحنو عليَّ وترعاني وتبسطُ لي
في غَرةِ الرأي رأيَ الناصحِ الهادي
مالَ الزمانُ بنا لمّا أُحيطَ بها
في ساعةٍ لا فِدىً يُغني ولا فادي
وكلُّ عُمرٍ فمصروفٌ إلى أجلٍ
وكلُّ أُنسٍ فمردودٌ لميعادِ
وكلُّ من حملتهُ الأرضُ بالغةٌ
به مثاوى آباءٍ وأجدادِ
ويحَ ابنِ حواءَ والدنيا تُساورهُ
بالشّرِ من طامعٍ في العمرِ مُزدادِ
أما درى وهو هاوٍ في مباذلهِ
وسادرٌ في هواهُ إنهُ رادِ
ما فُسحةُ العيشِ إلا لمحةٌ عرضتْ
ثم انطوت بين آماد وآبادِ
يا أختَ ذي الرونقِ الموشيِّ من عمري
وعِدلَ نفسي من الدنيا وأولادي
قد ذُقتُ بعدك يُتماً حزَّ في كبدي
وذاقهُ في ربيعِ السنِّ أكبادي
كنا على أيكةِ الدنيا ورفرفها
نختالُ في نشوةٍ منها وإسعادِ
والدارُ حاليةٌ تزهو بربتها
كما ازدهى بالنميرِ السّلسلِ الوادي
تضّمنا بجناحي رحمةٍ وهدى
كالطيرِ تخشى على أفراخها العادي
مُنىً تراءت فلمّا نلتُها انقشعت
وخلّفتني لِبرْحٍ رائحٍ غادي
قد كنتَ فيما مضى عيداً فَمُذْ ذهبتْ
أصبحتُ أشقى بأيامي وأعيادي
كأنَّ ما غاضَ من نعمائنا نغمٌ
ما كادَ يفرَغُ من تجويدها الشادي
لو قد علمتَ بما نبّهتَ من شَجنٍ
لجئتَ تبكي دماً يا يومَ ميلادي
وقال:

ذكرتُ سَني ماضيَّ والدهرُ مُحسنٌ
وعيشيَ ممدودُ الظلالِ وريقُ
وزينبُ لي أُنسٌ وأمنٌ ورحمةٌ
وهدى وعرفٌ ساكبٌ وصديقُ
لكِ الله من مَجهودةٍ شفّها الضّنى
ومرزوءةٍ في أهلها دكَّ رُكنها

فأضوت وريعانُ الشبابِ أنيقُ
شقيقةُ نفسٍ أعجلتْ وشقيقُ
لقد حزَّ في نفسي أساكِ وهدّني
نواك وإن أصبر فسوفَ أذوقُ
لئن حققَ الله الأماني لم أبت
بأُمِّ القُرى إلا وأنتِ رفيقُ

يؤدي جليلَ الفرضِ عنكِ مُوفقٌ
أمينٌ على العهدِ الوثيقِ وثيقُ
وإذا ناصبَ الكريم ذووه
فعلى الفضلِ والنِّصاب العفاءُ
شرُّ ضَربٍ من العداوةِ أن يغشاكَ
ممن تهوى وتَفدى العَداءُ

أشقى البريّةِ من أرادَ زيادةً
وأرادَ ربُّكَ أن يَرُدَّ ويحرما
بَنيَّ!أُبتلينا بالليالي الغوادرِ
تكرُّ علينا والجدودِ العواثرِ
فقدنا بها نُعمى الحياةِ وأمنها
وهُنّا كعقد اللؤلؤِ المتناثرِ
سنضربُ في الدنيا إلى أن نجيئها
بقسمةِ محرومٍ وصفقةِ خاسرِ

عزيز أباظة:
يا قلبُ قد لقيَ الأحبّةُ ما لقوا
إن عشتَ بعدهمو فمالكَ موثقُ
ذهبوا كما ذهبت بشاشةُ نِعمةٍ
ومضوا كما يمضي السنى المتألقُ
كانوا هواكَ فما خفقت بغيرهم
مذ أنت لا تدري لماذا تخفِقُ

عزيز أباظه في رثاء زوجته:
أقولُ والقلبُ في أضلاعهِ شرقٌ
بالدمعِ لا عُدتَ لي يا يومَ ميلادي
نزلتَ بي ودخيلُ الحزنِ يعصِفُ بي
وقادِحُ البثِّ ما ينفكُّ معتادي
وكنتَ تحملُ لي والشّملُ مجتمعٌ
أُنساً يفيضُ على زوجي وأولادي
فانظر ترَ الدارَ قد هيضتْ جوانبها
وأنظر تجد أهلها أشباحَ أجسادِ
فقدتها خَلّة للنفسِ كافيةً
تكادُ تُغني غناءَ الماءِ والزادِ
تحنو عليَّ وترعاني وتبسط لي
في غمرةِ الرأي رأيَ الناصحِ الهادي

عزيز أباظه:
ذكرتُ التي كانت تمنّى لو أنّها
ترامتْ إلى روضِ الرسولِ ركابُها
دعتني فلم أطلبْ وثنّتْ فلم أجبْ
فكانَ بكاء القانتات عتابها
وقلتُ لها في قابلٍ فتهلّلتْ
فما إن دنا حتى فجأنا ذهابُها
وددِتُ بعيني لو أجبتُ طِلابها
وكانَ يسيراً أن يُجابَ طِلابها
ذوتْ مثل أفوافِ الربيعِ ونورهِ
جفاها الندى وانجاب عنها سحابُها
ومالت مميلَ الشمسِ يصفو بهاؤها
ويرفلُ في وشي النعيمِ شبابها
تَشَّبثتُ بالأستارِ يحجبن هالةً
من النورِ قد عزّت وعزَّ حجابُها
وقلت ودمعي مُستهلٌ وأضلعي
سألتُكَ ربّي أن يعزَّ مُقامها

بما ضَمنتْ..ما يستقرُّ اضطرابها
لديك ويسنى في حماك مآبها
إليكَ مثابي ربّنا ومثابُها
وفيك احتسابها وجلَّ احتسابها

عزيز أباظه:
يا زين عهدُك بي ـ جُعلتُ فداك ـ
نفسٌ مُنّ!دبةٌ وطرفٌ باكِ
وجوانح تُطوى على مُستضعف
حيران ذاق اليُتمَ يوم نواكِ
يا زين والدنيا قرارةُ شِقوةٍ
أتراك مُلئتِ النعيمَ هُناكِ
إن كانت استعدتْ عليك خطوبها
فلقد بلغتِ من الحياةِ مُناكِ
خلّفتِ نفح الوردِ في أرجائها
ومضيتِ:أكرمُ سيرة ذكراك
وذهبتِ ضاحكة النضارة والصِّبا
كالروضِ سامرهُ الربيعُ الباكي
عبست لكِ الأيامُ حتى لم تجد
هدفاً لعاصفِ كيدها إلّاكِ
ألوت بأختكِ بعد أن فرست أخاً
فمضت،وأعجلَ بعدها أخواكِ
ثقلت رزيئتهم عليَّ وإنّما
قد كان أفدح ما حملت أساكِ
يا هجعة العين الطويل سهادُها
كم صدّعت عني الكرى عيناكِ
يا قبلة الطلِّ الرفيق سرت على
خدِّ الشقيق فرفَّ واستحياكِ
يا همسةَ الشاكي ـ وخير سفارة ـ
بين الهوى والهجرِ همسةُ شاكي

عزيز أباظه:
قلبي وعقلي ـ قد علمت ـ كلاهما
خبراكِ فاصطفياكِ واعتلقاكِ
ويروق في عينيَّ ما استحسنتهِ
ويهونُ ما يزورُّ عنه رضاكِ
ويهونُ ضاحي العمرِ إلا ليلةً
جادتْ على طولِ الردى فطواكِ
نغدو على وردِ الوفاقِ ونوره
ونبيتُ لم نعتبْ على الأشواكِ
فإذا رأيتِ الأمرَ لم أرتح له
شفّقتُ عطفكِ واستعنتُ حِجاكِ
وإذا اعتركنا مرة عرضَ الهوى
فمحى بسحرِ عصاهُ كلَّ عراكِ
وإذا هفت نفسي لغيرِ كريمة
جرّدتِ حزمك طبّة ونهاكِ
فكففتها في حكمة ولباقة
وبلغت بالمس الرفيق مناكِ
وإذا النفوسُ إلى توائمها اهتدت
سعدت،وتلكَ مراتبُ الأملاكِ
وإذا أهابت بي العلا شيّعتني
بصريمة يقظى وعزمٍ شاكِ
روتني الدنيا ببعض نعيمها
فوجدت أكرمه نعيم رضاكِ

عزيز أباظه:
وما يفرى فؤادَ أبٍ حزينٍ
كأطفالٍ لهُ نُكبوا صِغارا
نأت كالشّمسِ أُمهمو فأمسوا
وإن كنتُ الحفيَّ بهم حيارى
وكانوا في فمِ الدنيا ابتساما
فأضحوا أدمعاً فيها غزارا

عزيز أباظه:
إني وقفتُ “بميت غمرٍ” ساعةً
فتجمعَ الماضي ولاحَ أمامي
وتراءت الأطيافُ وهي بعيدةٌ
كالبرقِ عارضَ من وراء غمامِ
وتدانتْ الأعوامُ تنشرُ ماضياً
خضلاً طوتهُ سوالفُ الأعوام
وتوالتْ الصورُ البواسمُ طلقةً
تروى أحاديثَ الصّبا البسّامِ
إذ نحنُ في وردِ الحياةِ وخمرها
كالروضِ بينَ الماء والأنسامِ
والعيشُ ثمَّ كأنّهُ قُبل الندى
حملت تحايا الفجرِ للأكمامِ
أيامَ نمرحُ في صباً وصبابةٍ
موصولةِ الصبواتِ والأيامِ
إلفانِ مؤتلفان نامت عنهما
غِيرُ الزمانِ وهُنَّ غيرُ نيام
يتساقيان رحيقَ ودٍّ ساكبٍ
صفوِ البشاشة كالربيعِ الهامي
مرحانِ كالطفلِ الغريرِ وتِربه
فرحا بأيسرَ ملبسٍ وطعامِ
كلٌّ يشيدُ بإلفهِ ويظنهُ
دونَ الورى مثلَ الكمالِ السامي
ويكادُ من كَلفٍ يقدّسُ ذاتهُ
أعظِمْ بتقديسٍ وليدَ غرامِ
يا ميتَ غمرَ ذكرتُ عهدكَ خالياً
وذكرتُ في عِطفيكِ طيبَ مُقامي
وذكرتُ نيلكَ وهو يجري عنبراً
أو فضةً في ريفكِ المُترامي
فإذا الخمائلُ في الأصائلِ فتنةٌ
وإذا الغياضُ مُكلّلاتُ الهام
لم أنسَ ليلاتٍ عليه كأنّها
من طولِ ما قصرت طيوفُ منام
رفّتْ لنا فتنفّست فيها المنى
كتنفس الزهراتِ في الأكمام
يا شاعرَ الشّرق في أفياء جنّته
قُمْ فاشهد الشرقَ في غاشي مخاطرهِ
لم يطوطَ الموتُ،إنَّ الموتَ أعجزُ من
أن يطويَ النورَ يسنى في سوائره
كم ماثلٍ هو ميتٌ في مقاصره
وراحلٍ هو حيٌّ في مقابرهِ


أحمد محرم:
بعث الحنين إلى الأحبّة وفده
دنيا محت رسم السلُّو وجدّدتْ

فطوى الديار،وطاف كلّ مطاف
لذوي الصبابةِ كلّ أمرٍ عاف
سبحان ربّك،إنها آياته
تشفي القلوب من العمى وتُعافي
دعْ من يُجادِل في الحقائق واجتنب
ما اعتاد من كذب ومن إرجافِ
ما المرء ينظر كل شيء ضاحياً
كالمرءِ ينظرُ من وراء سجاف

دنياك تضحك عن ودادٍ صاف
وتريكَ طيب العيش كيف يوافي
ومن العناء،وقد بلوتُ صنوفه
فشل الهداة،وخيبة القواد
الضعفُ أدركهم وكانوا قوة
لا تُستباحُ بقوة وعتاد
يلقي إليها المستبد قياده
والحقُّ منها آخذ بقياد

تستنّ في سُبُلِ الشقاء نفوسُنا
وسبيلها أن تنشد الإسعادا
أيريب عينك أن تراني كالذي
أو كالذي صحب السنين،فبعضه

سقط الجراد فغال ناضر غرسه؟
عانى الحياة،وبعضه في رمسه؟

أحمد محرم:
ماذا تظنُّ بشاعر متعفف
لا يستغر بأمة من جنسه؟
المرءُ يُسالُ عن عوارف علمه
وأراهُ يُسألُ ها هنا عن فلسه
أرني أديباً صافحت يده الغنى
أو فاضلاً صدقت أماني نفسه
اصبرْ إذا دار الزمان بسىء
فعساه يوماً أن يدور بعكسه
لو أن دهرك دام طالع سعده
في العالمين لدام رائع نحسه

أحمد محرم:
اليوم نملك أن نقول وإنّنا
لإلى رفات صامت ورمادِ
قل ما أردت ونادِ قومكَ أقبلوا
من حاضر يخشى الإله وبادي
الله يسألُ أين غُودر دينه
ويقول أين فوارسي وجيادي؟
أفيطمعُ النّوام ملء عيونهم
أن يملكوا الدنيا بغير جهادِ؟
سِرْ يا دليل الركبِّ مأمونَ الخُطى
وارفع يديكَ تحيّة للحادي
المسلمون على هدىً من ربّهم
ما دامَ نورك عن يمين الوادي

أحمد محرم:
وارحمتا للمسلمين تفرّقوا
وتباعدوا في الأرضِ بعدَ تدانِ
فلئن بكيتُ لقد وجدتُ مصابهم
في منكبي وجوانحي وجناني
ما بالدموع المستهلّة ريبة
هي في الجفونِ عصارةُ الوجدانِ
من كان أبصرَ خطبهم فأنا الذي
مارستهُ ولمستهُ ببناني
ما زلتُ أجمعُ بالقريضِ شتاتهم
حتى انقضى أدبي وضاع زماني
انظر إلى الباني المهدّم واعتبر
بالدهر تصدع شامخ البنيان

وإذا النفوسُ تهذبت أهواؤها
لم يبغ إنسانٌ على إنسانِ
لا تبخلوا يا قوم إن كنتم ذوي
كرمٍ فما الدنيا سوى كرمائها
قوموا قيامَ الأكرمين وجرّدوا
هِمّماً تود البيض بعض مضائها
وتدفقوا بالمكرماتِ ونافسوا
في بذلِ عارفةٍ وكسبِ ثنائها

دينُ الهدى والحق في أعراسهِ
والجاهليةُ في المآتمِ تعولُ
إن هالها الحدثُ الذي نُكبتْ بهِ
فلسوفَ تنكبُ بالذي هو أهولُ
دعا فأجابوا والقلوبُ صوادِفُ
وقالوا استقمنا والهوى مُتجانِفُ
مضى العهدُ لا حربٌ تُقامُ ولا أذىً
يُرامُ ولا بغيٌّ عن الحقِّ صارِفُ
لهم دمهم والدينُ والمالُ ما وفوا
فإن غدروا فالسيفُ واف مُساعِفُ
سياسةُ من لا يخدعُ القولُ رأيهُ
ولا يزدهيه باطلٌ منهُ زائِفُ

السّهلُ يصعبُ إن تواكلتِ القوى
والصعبُ إن مضتِ العزائمُ يسهلُ
القومُ قومُ الله ملء دياركم
وكأنّهم بديارهم لم يرحلوا
الدينُ يعطفُ والسّماحةُ تحتفي
والحبُّ يرعى والمروءةُ تكفلُ
والله يشكرُ والنبي بغبطةٍ
والشركُ يصعقُ والضلالةُ تذهلُ

دينُ الهدى والحق في أعراسهِ
والجاهليةُ في المآتمِ تعولُ
إن هالها الحدثُ الذي نُكبتْ بهِ
فلسوفَ تنكبُ بالذي هو أهولُ
ما للنفوسِ إلى العمايةِ تجنحُ
داويتَ بالحُسنى فَلجَّ فسادُها

أتظنُّ أنَّ السيّفَ عنها يصفحُ
ولديكَ إن شئتَ الدواءُ الأصلحُ
أمنوا نكالكَ فاستبدَّ طغاتهم
أفكنتَ إذ تُزجي الزواجرَ تمزحُ
ظمئتْ سيوفُكَ يا محمدُ فاسقها
من خيرِ ما تُسقى السيوفُ وتُنضَحُ
الظلمُ أوردَها الغليلَ وإنّهُ
لأشدُّ ما تجدُ السيوفُ وأبرَحُ

أحمد محرم:
ليس في الناسِ سادةٌ وعبيدٌ
كَبُرَ العقلُ أن يظلَّ أسيرا
خُلِقَ الكلُّ في الحقوقِ سواءً
ما قضى الله أمرهُ مبتورا
كذبَ الأقوياءُ ما ظلمَ
اللهُ وما كانَ مُسرفاً أو قتورا

أحمد محرم:
بلوتُ بني الدنيا على كلِّ حالة
فلم أرَ فيهم للصنيعة شاكرا
إذا أنتَ أسديتَ الجميلَ سجيّة
فلا تندمن إن أنتَ صادفتَ كافرا
ومن يفعل المعروف يرجو جزاءه
يجد أسفاً جمّاً وداءً مخامرا
أُسيءُ فلا ألفى من القوم ناسيا
ولستُ إذا أحسنتُ ألفيتُ ذاكرا

أحمد محرم:
كذلك دأبُ الناس لا الشرُّ عندهم
يضيعُ ولا تلفى على الخيرِ قادرا
رأيتُ حليم القوم يحكم أمره
ولستُ أرى شيئاً سوى الجهل صائرا
إذا المرءُ لم يكفف بوادر غيظه
وإن هو لم يزجر عن الغي نفسه

شكا الدهرَ أو ألقى المقادة صاغرا
أصاب لها من حادث الدهر زاجرا
وما من فتى لا يُتبع الذنب توبة
إذا ما جنى إلا سيلقى المعاذرا

حميت لواء الملك فارتد طالبه
وصنتَ ذمار الحق فاعتزّ جانبه
وأدركت نصراً ما رمت ساحة الوغى
بأمواجها حتى رمتها غواربه
أسيت لمسرفين أعان كلا
إذا ما عاقر الفحشاء منهم

على إدمانِ لذّته أبوه
أخو النشوات غناه أخوه
لهم فتكات أطلس ما يواري
عليهم من خزاياهم سمات

دم الهلاك مخلبه وفوه
وما أنفوا الفجار فيجحدوه
إذا ما عنّ في الظلماء صيد
تداعوا حوله فتصيّدوه
تردى بينهم فتعاروه
إلى أن قال قائلهم دعوه

عتبتم على الأيام وهي كعهدها
فلا تعتبوا حتى يدوم لكم عهد
وإن وثب الضرغام للصيد عادياً
فلا تعجبوا أيّ الضراغمِ لا يعدو
أعلّلُ نفسي والأماني طماعة
ونفسُ الفتى تلهو وذو العيشِ يأمل
أعلّلها بالصالحاتِ من المنى
وبالدهرِ من بعد الإساءةِ يجملُ
وما حاجتي أن أرتعي العيش ناضراً
أعلّ بماءِ الخفضِ فيه وأنهل

عفا الله عن قومٍ تمادت ظنونهم
فلا النهجُ مأمونٌ ولا الرأيُ حازم
ألا إن بالإسلامِ داءً مخامراً
وإن كتاب الله للداءِ حاسم
ولكنني أرجو الحياةَ لأمةٍ
تقادُ إلى الجلادِ ظلماً وتُقتلُ
يكيدُ لها أعداؤها ويخونها
بنوها فما تدري على من تعول

قضيت لهم في الله واجب حقّه
وكيف بحقّ الله إن ضاعَ واجبه
وإنَّ امراً يلقي بليلٍ نعاجه
إلى حيث تستن الذئاب لظالم
وكلُّ حياة تثلم العرض سبة
ولا كحياةٍ جللّتها المآثم

تساقوا أفاويق الغرور فما نجوا
وليسَ بناجٍ من أذى السّم شاربه
إلام تجن الحادثات وتظلم
حملنا من الأيام ما لا يطيقه

وحتى متى تبغي العداة وتظلمُ
أبانٌ ولا يقوى عليه يلملم
نوائب تتلوها إلينا نوائبٌ
صعاب تهدّ الراسياتِ وتهدمُ
إذا نحن قلنا قد تولّت غيومها
توالت علينا ترجحن وتسجم
ظللنا لها ما بين باكٍ دموعه
تسيلُ وشاكٍ قلبه يتضرّمُ

وكلُّ حياةٍ تثلم العرض سبّةٌ
ولا كحياةٍ جللّتها المآثم
أتأتي الثنايا الغرّ والطرر العلى
بما عجزت عنه اللحي والعمائم
وما زلتُ بالدنيا أعدّ ذنوبها
بليت بمن تفري الزواجرُ سمعه

إلى أن تناهتْ هِمّتي وانقضى العدُّ
فيطغى وترميه العظات فيشتدّ
يقول غواة الناس مجدٌ وسؤددٌ
أرى الناسَ أنداداً ولا مجد لامرىءٍ

ولا سؤددٌ فيما بدا لي ولا مجدُ
إذا لم يكن كالدهرِ ليس له ندّ
بذلك أقضي في الصديق وفي العدى
ومثلي يدري ما العداوة والود
نما الناسُ حولي من محبِّ وحاقدٍ
فما غرّني حبّ ولا هاجني حقد

نمارس أنواع الشقاء وغيرنا
بما نحن نجني دوننا يتنعم
نبىء سواي فما لي حين تُخبرني
بأسَ الحديدِ ولا صبرَ الجلاميدِ
ماذا حملت من الأنباء لا رزئت
أذني وعيني بمسموعٍ ومشهود
خادعتُ أذني فلم أسمع بصالحةٍ
وخنت عيني فلم أبصر بمودود
دعني أصمُّ عن الدنيا وساكنها
أعمى عن الدهر في أحداثهِ السود
إني تزودت قبل اليوم داهية
دهياء،أحمل منها فوق مجهودي
قلْ للفجائع شتى لا عداد لها
وكُفّي أذاكِ عن الباكين أو زيدي

وإنَّ امرأً يلقي بليلٍ نعاجهُ
إلى حيث تستن الذئاب لظالم
حنانكَ إن الأمر قد جاوز المدى
أحاطتْ بنا الأسد المغيرة جهرةً

ولم يبق لنا في الدنيا لقومك راحم
ودبّت إلينا في الظلامِ الأراقِمُ
وأبرحُ ما يجني العدو إذا رمى
كأهون ما يجني الصديق المسالم

أعللُ نفسي والأماني طماعةٌ
ونفسُ الفتى تلهو وذو العيشِ يأملُ
أعللها بالصالحاتِ من المنى
وبالدهرِ من بعدِ الإساءة يجمل
ترامى بها فالبر حيرى فجاجه
مروعة والبحر حرّى مساربه
إذا التمستْ في غمرةِ الهول مهرباً
تطلع عادي الموت وانفض واثبه
منايا توزعن النفوس بمعطبٍ
دعا السيف فيه فاستجابت نوادبه
إذا انهلّ مسفوكٌ من الدم أعولت
وراحت تريق الدمع ينهلّ ساكبه
وإن ضجّ ما بين القواضب هالك
أرنت وراء الخيل شسئاً تجاوبه
مآتم أمسى الملك مما تتابعت
وأعراسه ما تنقضي ومواكبه

أرى الناسَ من يقعد به الدهر ينقموا
عليه وإن كانت قليلاً معايبه
أنُطريه قهاراً ونؤذيه مرهقاً
كفى الليثَ شراً أن تُفل مخالبه

أحمد محرم في غزوة بدر الكبرى (الرسالة الأعداد 1007 ـ 1010):

ما للنفوس إلى العماية تجنح
أتظن أنّ السيف عنها يصفحُ؟
داويت بالحسنى فلج فسادها
ولديك إن شئت الدواء ألأصلحُ
الإذن جاء فقل لقومك:أقبلوا
بالبيضِ تبرق والصوافن تضبح
أمنوا نكالك،فاستبد طغاتهم
أفكنت إذ تزجي الزواجر تمزحُ؟
أملى لهم،حتى إذا بلغوا المدى
ألوى بهم خطب يجلّ ويفدح
ظمئت سيوفك يا (محمد) فاسقها
من خير ما تسقى السيوف وتنضحُ
فجر ينابيع الفتوح،فرِيها
ما تستبيحُ من البلاد وتفتحُ
الظلم أوردها الغليل،وإنه
لأشدّ ما تجد السيوف وأبرحُ
المشركون عموا،وأنت موكل
بالشرك يمحى،والعماية تمسحُ
واهاً(قريش) إنه الدم فاعلموا
من دون بيضكم يراق ويسفح
نفروا يريدون القتال،وغرّهم
عبث اللواتي في الهوادج تنبح
إنا ورائك يا(محمد) نبتغي
ماالله يعطي المتقين،ويمنحُ
لسنا بقوم أخيك(موسى) إذ أبوا
إلا القعود،وسبة ما تضرح
هذا (رسول الله) من يك مؤمناً
فإليه،إن طريده لا يفلح
الموت في يده،وعند لوائه
ريح الجنان لمن دنى يستروح
نظر(النبي) فضجّ يدعو ربه
لا همّ نصرك،إننا لك نكدح
تلك العصابة،ما لديتكَ غيرها
إن شد عاد أو أغار مجلح
لا همّ إن تهلك ،فما لك عابد
يغدو على الغراء،أو يتروح
جاشت حميته ،وقام خليله
دون العريش يذود عنه وينضح
وتغولت صدر القتال فأقبلا
والأرض من حوليهما تترجح
أرأيت إذ هزم(النبي) جموعهم
فكأنما هزم البغاث المضرح
هي حفنة للمشركين من الحصى
خف الوقور لها وطاش المرجح
الله أرسل في السحاب كتيبة
تهفو كما هفت البروق اللمح
(جبريل) يضرب،والملائك حوله
صف ترص به الصفوف وترضح
للقوم في أعناقهم وبنانهم
نار تريك الداء كيف يبرح
ومن الدم المسفوح رجس موبق
ومطهر يلد الحياة ويلقح
أودى(بعتبة)و(الوليد) و(شيبة)
و(أمية)القدر الذي لا يدرح
وهوى(أبو جهل) و(نوفل) وارعوى
بعد اللجاج (الفاحش المتوقح)
لما رأى (الغازي المظفر) رأسه
أهوى يكبر ساجداً ويُسبّحُ
أدركت حقّك يا(بلال) فبوركت
يدك التي تركت(أمية) يشبح
وضح اليقين لمن يرى أو يسمع
ولقلما تجدى الظنون وتنفع
النصر حقّ،والمنبىء صادق
والويل للمغرور،ماذا يصنع؟
والمسلمون بنعمة من ربهم
فيها لكل موحد مستمتع
الله أكبر،لا مرد لحكمه
هو ربنا وإليه المرجع






أحمد محرم في قصيدة من وحي المولد النبوي الشريف ـ مجلة الثقافة ـ العدد 220:

لا اليوم يومك إذ ولدت ولا الغد
يا ليت أنك كل يوم تولد
عاد الظلام كما عهدت،وهذه
دنيا الجهالة والأذى تتجدّد
ما ذاق مهلكة(أبو جهل) ولا
أودى أ(أبو لهب) وربك يشهد
في كل أرض منهما متجبر
يأبى الرشاد،وظالم يتمرد
وعبادة الأصنام قام دعاتها
ملء الممالك،ما على يدهم يد
فلكلّ قوم من سفاهة رأيهم
ربّ يُعظّم،أو إله يُعبد
قم يا (محمد) ما لحقك ناصر
حتى تقوم،وما لدينك منجد
قم في جنودك غازياً وافتح بهم
دنيا الجحود لأمة لا تجحد
جدّد لنا (أيام بدر) إنها
أيامنا اللاتي نحبّ ونحمد
حفظت على الإسلام يانع غرسه
والجاهلية بالقواضي تُحضد
غرس نما،فالأرض من بركاته
تعطي الحياة كريمة وتزود
قمْ يا رسول الله وانظر :هل ترى
إلا شعوباً غابَ عنها المرشد؟
نامت سيوفك بعد طول سهادها
فاستيقظ للغاوي،وهبّ المفسد
عمّ الفسادُ،فلا صلاحٌ يُرتجى
للعالمين،ولا فلاحٌ يُنشدُ
الأمر فوضى،والحياة ذميمة
والشرُّ لا يفنى،ولا هو ينفد
دنيا الهوى ترمى الشعوب من الأذى
ومن العذاب بعاصف لا يركدُ
أنظر إلى أيام(عاد) إذ طغت
و(ثمود) ببعثها الزمان الأنكدُ
أسفي على الإسلام،هان عرينه
وعدا عليه الفاتك المُستأسدُ

أحمد محرم في قصيدة من وحي المولد النبوي الشريف ـ مجلة الثقافة ـ العدد
220
إن الذي جمعتُ سيوف(محمد)
أمسى بأيدي المسلمين يبدّدُ
ما أوجع الذكرى،ويالكِ لوعةً
في قلبِ كلِّ موحدٍ تتوقّدُ
يا مولد النور الذي صدع الدجى
فرأى السبيل الجائر المتردد
السّبلُ خافية المعالم،والهدى
قول يُقال،ومطلب لا يُوجدُ
طالَ الرجاء،فهل لنا من موعد؟
واحسرتاه::متى يحين الموعدُ؟
ذهب الزمان،فمن لنا ببقية
منه تحل بها الأمور وتُعقدُ؟
الناس،معوج السبيل مُضلّلٌ
ومُوفق في العاملين مُسدّدُ
ربّ اتخذ المسلمين سبيلهم
فإليك مرجعهم وأنتَ المقصدُ
فزعوا إليكَ،فكن لهم لا تُقنطهم
من باب رحمتك الذي لا يُوصدُ
من كان يسأل في الشدائد من لنا؟
فالله جلّ جلاله و(محمد)

حمد محرم في قصيدة

الزهرة

الباكية

مجلة الثقافة العدد
152
أهذى دموعُ الطلُّ،أم هاجكِ الهوى
فأنتِ لفقدِ الإلفِ تبكينَ من وجدِ؟
فديتُك،لولا الزهرُ ما اشتاقَ عاشقٌ
ولا ذاقَ ما يُدمي الجفونَ من السّهدِ
هو الحبُّ في دنيا من الفنِّ غضّةٍ
تهيمُ بما تخفى من الحسن،أو تُبدي
تطيرُ بها الأرواحُ فوضى،وإنّما
تطيرُ وراءَ الدّهرِ في عالمِ الخلدِ
سمعتُكِ إذ مرَّ النسيمُ مُسلماً
تقولين:من أغراكَ بالهجرِ والصدِّ؟
وأبصرتُ منكِ الدمعَ،يَنظمهُ الأسى
فَسمطٌ على سِمطٍ،وعقدٌ على عقدِ
عذرتُكِ،ما بُعدُ الأليفِ بهيّنٍ
وإنّي رأيتُ الموتَ معنىً من البُعدِ
خذي من دموعي ما استطعتِ،فإنّ بي
رسيسَ هوىً يزدادُ وقداً على وقدِ
كلانا مُصابٌ،غير أني إذا الهوى
ألحّ على المحزون،واسيتهُ جُهدي
سأجعلُ أنفاسَ النسيمِ رسالةً
تزيدُكِ يا ليلايَ ودّاً على وُدِّ
إذا ما سرى يُهدي إليكِ تحيتي
فمن عبقِ الريحان،أو نضرة الوردِ
ليعلم أنّي قد وفيتُ على النوى
بما لكِ عندي من ذمامٍ ومن عهدِ
أعندكِ يا (ليلاي) من لاعجِ الجوى
ومن لوعة الشوق المُبرّحِ ما عندي؟
أتبكينَ مثلي؟ لا دعيني:فإنني
رضيتُ بانّ ألقى صروفَ الهوى وحدي
أحبّكِ،فازدادي على الدهرِ بهجةً
وزيدي(نبيَّ الشعر) مجداً على مجدِ
أحمد محرم في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

هي الأواصر أدناها الدم الجاري
فلا محالة من حبّ وإيثار
الأسرة اجتمعت في الدار واحدة
حييت من أسرة وبوركت من دار
مشى بها من(رسول الله) خير أب
يدعو البنين فلبوا غير أغمار
تأكد العهد مما ضمّ ألفتهم
واستحصد الحبل من شدّ وإمرار
كل له من سراة المسلمين أخ
يحمي الذمار ويرعى حرمة الجار
يجود بالدم،والآجال ذاهلة
ويبذل المال في يسر وإعسار
هم الجماعة،إلا أنهم برزوا
في صورة الفرد فانظر قدرة الباري
صاح النبي بهم كونوا سواسية
يا عصبة الله من صحب وأنصار
هذا هو الدين لا ما هاج من فتن
بين القبائل دين الجهل والعار
ردوا الحياة،فما أشهى مواردها
دنيا صفت بعد أقذاء وأكدار
الجاهلية سم ناقعٌ وأذى
تشقى النفوس بداء منه ضرار
ضموا القوى إنها دنيا الجهاد بدت
أشراطها وترآى زندها الواري
خير الذخائر أبقاها ولن تجدوا
كالعهد يرعاه أخيار لأخيار
لا تنقضوا العهد إن لله منزله
على لسان رسول منه مختار

ولي الدين يكن:
هو سلوةٌ للثاكلين ومطمعٌ
للآملين يدومُ ذاك المطمعُ
إنّا نساجلهُ الدموعَ تحسراً
حتى تجفّ من العيونِ الأدمعُ
وتظلُّ في الأكبادِ منا غُلّةٌ
ولي الدين يكن:
بالصبرِ ننقعها وليست تنقعُ
ولي الدين يكن يرثي ابنه:
بُنيَّ لا الحظ فيكَ أسعدني
ولا وفى لي بذمة أملُ
ألسنةُ العيشِ كلها كذبت
وامتاز بالصدقِ وحدهُ الأجلُ
إن ترتحل في صباكَ عن سكن
أنرتهُ فالجدودُ قد رحلوا
أو تتخذ من معاشر بدلاً
معاشراً،لا يضيرك البدلُ
الله في لوعةٍ أجرّعها
يعرفها في الأنامِ من ثكلوا
يا كبداً من مناطها انفصلت
ما خلتُ أن الأكباد تنفصلُ

ولي الدين يكن:
وأخو الوفاء يصونُ منهُ غائباً
أضعافَ ما هو صانَ منه حاضرا
لا بدَّ في هذي الحياة من الهوى
إن الهوى يهبُ الحياة نواظرا

ولي الدين يكن يرثي أحد أولاده والذي مات في سن الخامسة عشرة من عمره:
بنيَّ لا الحظُ فيكَ أسعدني
ألسنة العيش كلها كذبت

ولا وفّى لي بذمة أملُ
وامتاز بالصدق وحدهُ الأجلُ
إن ترتحل في صِباكَ عن سكنٍ
أنرتهُ فالجدود قد رحلوا
أو تتخذ من معاشر بدلاً
معاشراً لا يضيرك البدلُ
الله في لوعة اجرّعها
يعرفها في الأنامَِ من ثكلوا
يا كبداً من مناطها انفصلت
ما خلتُ أن الأكبادِ تنفصلً

بين صدقِ النهى وكذبِ الأماني
وقف الرأي والهوى ينظران
للهوى جرأة وللرأي حكم
والبرايا لديهما شيعتان
أيها النائم المُطيل المناما
استمعْ ما نقول،بُعدك عنا

قد أتينا نُهدي إليكَ السلاما
علّمَ الصامتين منا الكلاما
ما صبرنا على فراقكَ عاماً
كيفَ نرجو أن نصبرَ الأعواما
ودوام الآسى يزيلُ التأسي
وتمادي السّقام يُنمي السّقاما
والحبيبُ العظيمُ إن غابَ أبقى
لأحبائهِ شجوناً عظاماً
يا صريعَ الزمانِ بعدكَ أضحتْ
حسناتُ الزمانِ فيك آثاماً

لا الصبرُ يُرجى ولا السلوانُ ينتظرُ
قد جلَّ يومكَ في الأيامِ يا عمرُ
ويحَ القلوبِ التي أسكنتها أزلاً
ماذا عليك من الأحزانِ تدّخرُ
وما يتمنى الحرّث في ظلِّ عيشةٍ
تمرُّ لأحرارٍ وتحلو لأعبُدِ
لقد أتعبتني،والمتاعبُ جَمّةٌ
مسيرة يومي بين أمسي والغدِ
عفا الله عن قومٍ أتاني غدرُهم
فَرُبَّ مُسيءٍ لم يُسيء عن تعمُّدِ
وكم من نفوسٍ يستطيلُ ضلالها
ولكن متى ما تبصر النورَ تهتدِ

ولي الدين يكن:
ضعِ الأمرَ في موضعِ الاعتبار
فإنَّ الزمانَ زمانُ العِبرْ
ولا يفرحنك زوال الخطوبِ
فكم إثرها من خطوب أخر
مصابٌ مرير إذا ما انقضى
تلاهُ مصاب عليكَ أمر

حسب الليالي من الإحسانِ ما وهبت
وربما أعقبَ الإقلالُ إكثارُ
في ذمّةِ الله آباءٌ لنا ساروا
لم يبلغوا الدربَ إلا أنهم ساروا
بين صِدقِ النُّهى وكذبِ الأماني
وقفَ الرأي والهوى ينظرانِ
للهوى جرأة وللرأي حكم
والبرايا لديهما شيعتان
يا نفوساً جنى الشّبابُ عليها
قُضي الأمرُ واستراحَ الجاني

وكانت صبوة ونزعت عنها
فها أنا لا أدينُ ولا أُدانُ
أنت جليل رغم حكم الثرى
ولا يهين الموت قدر الجليل
وإن من أوجع ما في الأسى
طول النوى ثم انقطاع السبيل
أمتعكَ الله بجناتهِ
وحسبُ إخوانك حملُ الغليل

سيجدي الأسى لو أن في الموتِ ما يُجدي
فخلِّ فصيحَ الدمعِ يُبدي الذي يبدي
نادوا بألسنة الرثاءِ فأسمعوا
جُهد الحزين تذكرٌ وتوجعُ
يا ساهراً والليلُ يعثر بالكرى
عجباً هجعتَ وما عهدتُكَ تهجعُ

في ذمة الله رجال قضوا
طال بهم تحت القبور الثواء
لا التاج ذاك التاج من بعدهم
ولا بهاء الملك ذاك البهاء
أمنفرداً في قبرهِ بعد قصرهِ
هجعت هجوعاً لا انتباهة بعده

لقد كنتَ تدعى قبل ذلك بالفردِ
وخلّفتَ من خلّفتَ إثرك في سهدِ
سقاكَ الحيا كنتَ الحيا لمؤمل
تصوب عليه بالجزيل من الرفدِ
فصلى عليك الله حياً وميتاً
ومُتعت بالرضوان في جنة الخلدِ

في مثل خطبك تدمى المقلُ
يا دولة رقت لها الدول
اليوم يُبدي الودّ كاتمه
وتنمُ عن أسرارها المُقلُ
ويظل قلب أخي الوفاء إذا
جدّ ادّكار العهد يشتعلُ
أما آن أن يسترجع الدهر ما مضى
فترجع آمال وتقوى عزائمُ
لقد كدت أنهي النفس عمّا تريده
من النصحِ لولا ما تجرّ العمائمُ
وما زالت الأيام حرباً على النهى
فإن سالمت حيناً فَختلاً تسالمُ
أرى الناس هاموا بالمعالي صبابة
ولا عجب إني كذلك هائمُ
وهذي طباع لا يرجى انتزاعها
تناط بقوم إذ تناط التمائمُ
ستبقى بلاد الله تطلب منصفاً
وهيهات أن ترضى بذاك الصوارمُ

وكانت صبوة ونزعت عنها
فها أنا لا أدينُ ولا أُدانُ

حسن كامل الصيرفي:

لا تَرجُ ممّن يضنُّ أن يَهَبا
فأطيبُ العمر والمنى ذهبا
وغابَ خلفَ الضبابِ ما حَلمتْ
بما تودُّ العيون واحتجبا
وكلُّ الذي كنتَ امس تُنشدهُ
في عالم الذكرياتِ راحَ هَبا
أخفقت يا خافقَ الفؤادِ وقد
قاسيتَ فيه السَّقامَ والتعبا
إذا أحسَّ الدواءَ ينعشهُ
رأى ابتسام الحياةِ قد هربا
أما ترى الشمسَ وهي جانحةٌ
تُوحي بأنَّ المغيبَ قد قَرُبا

أحمد الكاشف:
كم جاهل نالَ مالاً بعد متربة
فكان منه له بالإثم إغراء
فما تجلّت له الدنيا بزينتها
إلا كما تنجلي للبغي حسناء

مصطفى صادق الرافعي:
عثرت في مسيرها الأيام
أم هو الدهر هكذا والأنام؟
أهله بين ذي هدىً وضلال
ولياليه ذو سنا وظلام
وأرانا بمدة العمر نشقى
ليس كل الذين تبصر ناساً

وعدوا لمسومات اللجام
إن بعضاً من الطيور الحمام
ولكل الورى رؤوس فإن لم
يكن العقل كانت الأوهام

مصطفى صادق الرافعي(
المنار العدد142):
كيف فؤادي والهوى شاغل
يهيّجه المنزل والنازلُ
ما زلتُ اخفيه وأخفي به
في الناس حتى فضح العاذل
فعادنا المطل وعدنا له
رحماك فينا أيها الماطل
كل امرىء أيامه تنقضي
لا أمل يبقى ولا آملُ

مصطفى صادق الرافعي(
المنار العدد142):
يا ليت شعري هل رؤى نائم
لا تضحك الجاهل في نفسه

أم خطرات ظنها غافل
إلا بكى في نفسه العاقل
مواعظ مثلها هازل
كالنفس إن تنسى الردى مرة

ورُبّ جد جرّه الهازل
فليس ينسى الأجل العاجل
يزول ما فيها إلى عبرة
وكل شيء غيره زائل
وهكذا الدنيا انتقاص وما
يكون فيها فرح كامل

مصطفى صادق الرافعي(
المنار العدد95):
أجدّك ما تصارعك المدام
وتظمئك المراشف كل آن

ويصرع قلبكَ الصب الغرام
وتقتلك المعاطف والقوام
لَعمرُك ما تجلّد مستهام
ولكن شيمة الولهان صبر

بما يرضى ويبغي المستهام
وإن أودى به الموت الزؤام
أتقتلك الظباء وأنت ليث
ويسبيك ابن سام وأنت حام
رويدك ما الهوى إلا هوان
وهل يرضى العنا إلا اللئام

مصطفى صادق الرافعي:
لأمرٍ فيهِ يرتفعُ السحابُ
ولا يسمو إلى الأفقِ التُرابُ
وما استوتِ النفوسُ بشكل جسمٍ
وهل يُنبيكَ بالسيفِ الترابُ
وما سيانَ في طمعٍ وحرصٍ
إذا ما الكلبُ أشبههُ الذئابُ
رأيتُ الناسَ كالأجسادِ تعلو
لعزّتها على القدمِ الرقابُ
فليسَ من العجيبِ سموُّ أنثى
على رجلٍ تُرَجّلهُ الثيابُ
ولو نفساهما بدتا لعيني
لما ميزتُ أيّهما الكعابُ
إنّ لباطنِ الأشياءِ سرّاً
بهِ قد أعجزَ الأسدَ الذئابُ
فيا لرجالِ قومي من شموسٍ
إذا قُرنوا بها انقشعَ الضبابُ
نساءٌ غيرَ أنَّ لهُنَّ نفساً
إذا هَمّتْ تسهلّتِ الصعابُ
وقومي مثلُ ما أدري وتدري
فهمْ لسؤالِ شاعرهم جوابُ
رجالٌ غيرَ أنَّ لهم وجوهاً
أحقُّ بها لعمرهم النقابُ
غطارفةٌ إذا انتسبوا
ولكن جدودهم لهم في الناسِ مجدٌ

إذا عُدّوا تصعلكَ الانتسابُ
وهم لجدودهم في الناسِ عابُ
ومن يَقُلِ الغرابُ ابنُ القماري
يكذبهُ إذا نعبَ الغرابُ

مصطفى صادق الرافعي:
أغننتُّ نفسي حتى مَضَّها السأمُ
وكدَّها عمرٌ في الجِدِّ ينصرِمُ
قالت تُحاورني:يا ويحَ قلبكَ من
قلب بني ما بناه وهو ينهدمُ
أذابَ أكثرَه إبداعُ أيسره
كالسنّ من قلم فيه انبرى القلمُ
مُقيّدٌ في وثاقٍ من خلائقه
فما لهُ لذَّةٌ إلا لها ألمُ
يا مُفني العمر قي التفتيش عن حُلُم
لو كانَ يُدرِكُ ما كانَ اسمه الحُلُمُ
ما لذَّةُ العيشِ إمّا كنت مقتسماً
ففيكَ قاض وسجّان ومُتّهَّمُ
دأباً تظلُّ سجيناً لا انطلاق لهُ
ما دامَ للعقلِ قاضٍ فيكَ يحتكِمُ
إن الصبيَّ صبيٌ في طبائعهِ
فالنهيُ والأمرُ في أخلاقهِ هرمُ
والقيدُ قيدٌ وإن قالوا اسمهُ خلُقٌ
والهَمُّ هَمٌّ وإن قالوا اسمهُ هِمَمُ
كم لفظةٍ في لغاتِ الناس مجرمةٍ
لو حاكموها أماتوها وما رحموا
ففي القبور لسفاكي الدما رحِمٌ
وللشهامةِ في أجداثها رِمَمُ
موتى كَموتى فلا زادوا ولا نقصوا
وإن تكن قتلت إحداهما الذممُ

مصطفى صادق الرافعي:
فقلتُ للنفسِ تأساءً وتعزيةً
إنّ الصواعق مما تجلبُ الدِّيمُ
يا نفسُ ويحكِ ما في السهم من قمم
وإنما شمخت في طودها القِممُ
من كان في نفسهِ أرضاً مُوطأةً
تطأهُ من كلِّ شيءٍ حولهُ قدمُ
ومن تكن في نفسهِ بحراً تُرجرجهُ
أمواجُهُ لم يزل يدوي ويلتطمُ
ومن يكن طاميَ البركان منفجراً
فَوَّارُهُ طاشَ منهُ الجمرُ والحُمَمُ
يا حيرةَ العقل هل للظلمة انبثقت
أنوارها أم على أنوارها الظُّلمُ
والخيرُ والشرُّ أي اثنيهما هو من
خيرٍ وايّهما الشرُّ الذي زعموا

يجني على الشّاءِ نابُ الذئب ويحكَ أم
تجني على الذئب من لُحمانها الغنمُ؟
فما الذي أنت راضيهِ فحامدهُ
إلا الذي أنت شاكيهِ فمتُهمُ
هَمُّ الحياةِ كمثلِ الجمرةِ اضطرمت
فما الرمادُ سوى ما كانَ يضطرمُ
يا منْ على البُعدِ ينسانا ونذكره
لسوف تذكرنا يوماً وننساكا
إن الظلام الذي يجلوك يا قمر
له صباح متى تدركه أخفاكا

يا قوم لو نام ليثُ الغابِ نومكم
لاستنكفَ الغارُ إن قالوا له أسد
العدلُ والعقلُ أليفا هوىً
وليسَ كل الناسِ بالعاقل
والسيفُ إن يصدأ بكف الذي
يحمله فالأمرُ للصاقل

ومن يطعم النفس ما تشتهي
كمن يُطعمُ النار جزلَ الحطب

مصطفى صادق الرافعي:يصف بائسة حسناء

طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبرُ
وطالت على الغبراءِ أيامها الغبرُ
وكانت كما شاءت وشاءَ جمالها
كما اشتهت العليا كما وصف الشعر
تلألأ في صدرِ المكارم دُرّةً
يحيطُ بها من عِقد أنسابها درُّ
وما برحت ترقى السنين وتعتلي
وكلّ المعالي في طفولتها حِجرُ
فكانت كزهر نضّرَ الفجر حسنهُ
ولما علت كالنجم أطفأها الفجرُ
تقاسمت الحسن الإلهي وانثنى
يقاسمها،فالأمر بينهما أمرُ
فللشمس منها طلعة الحسن مُشرقاً
وفيها من الشّمسِ التوقّد والجمرُ
وللزهر فيها نفحةٌ الحسن عاطراً
وفيها ذبولٌ مثلّما ذبل الزهرُ
وللظبي منها مقلتاها وجِيدها
وفيها من الظبي التلفت والذعرُ
وما قيمة الحسناء يقبح حظّها
وتذوي بروض الحبّ أيامها الخضر
فما الحسنُ فخر للِحسان وإنّما
لخالقه فيما يريد به سرُّ
ضعيفة أنفاس المنى بعدما غدت
رقابُ أمانيها يُغلّلها الفقرُ
وبين خُطى أيامها كلّ عثرةٍ
وزجّت بها الأحزان في بحر دمعها

يزلزل أقدام الحياة بها العسرُ
وليس لبحر الدمع في أرضنا بر
إذا استنبؤها أرسلت من دموعها
لالىء حزن كلّ لؤلؤة فكرُ
وإن سألوها لجلجلت فكأنّما
عرا اللفظ لما مرَّ من فمها سكرُ
مشردّة حيرى تنازع نفسها
فريقان:ذلٌّ لم تعوّدهُ والكِبرُ
رأت كلّ مخزاة من الشرِّ تلتوي
ويهرب ذعراً من جنايتها الغدرُ
رأت أثراً تدمى به الأرض والسما
وليسَ سوى الإنسان في جرحه ظفرُ

مصطفى صادق الرافعي
نفضنا يدينا وانزويا مذلّة
وأضيع ما في الناس حقُّ ذليل
لنا كلّ يوم ألفُ رأي ومالنا
عليها من الأفعال فردُ دليل
فلاسفة فيما نقول فلم نزل
نصولُ على الدنيا ببعض ما نقول
بكلّ سبيل نزمع السير للعلى
ونرتدُّ للسفلى بكلِّ سبيل
تآدوا لغايات المنى بأداتها
فما جلَّ لا يبغيه غير جليل
ألا إنما الداء الغميص عقولنا
وما شجرٌ ينمو بغير أصول
تباين ما بين الرجال كلهم
على زعمه بالأمر خير كفيل

إسماعيل صبري يرثي عمر نجل الشيخ علي يوسف:
يا مالىءَ العينِ نوراً،والفؤادِ هوىً
والبيتِ أنساً،تمهّل أيها القمرُ
لا تُخلِ أفقكَ يخلفكَ الظلامُ بهِ
والزم مكانكَ لا يحللْ بهِ الكدرُ
في الحيِّ قلبانِ باتا يا نعيمها
وفيهما ـ إذ قضيتَ ـ النارُ تستعرُ
وأعينٌ أربعٌ تبكي عليكَ أسىً
ومن بكاءِ الثكالى السيلُ والمطرُ
قد كنتَ ريحانةً في البيتِ واحدةً
يروحُ فيهِ ويغدو نفحها العطرُ

ما كانَ عيشُكَ في الأحياءِ مختصرا
إلا كما عاشَ في أكمامهِ الزهرُ
فارحلْ تُشيّعك الأرواحُ جازعةً
في ذمّةِ القبرِ بعد الله يا

عمرُ
برغمِ أنفِ المعالي يا بنَ بجدتها
أن غيّبتْ شخصك الأيامُ والغيرُ
تفدي النفوسُ حياةً منكَ غاليةً
لو كان يُدفعُ عنها بالفِدا ضررُ
قد أصبحت ظلماتُ الجهلِ حالكةً
لمّا تغيّبَ عن آفاقنا القمرُ
يا عينُ جُودي بِمنهلِ الدموعِ على
من كانَ ذُخراً لريبِ الدهرِ يُدّخرُ
أو فاسألي الله سلواناً ومُصطبراً
إن كانَ يجملُ سلوانٌ ومُصطبرُ

مهلاً فما استثنى القضاءُ من الرّدى
أحداً وما أغنى البكاءُ فتيلا
(سابا) اتقِّ الله وخلِّ الأسى
لجاهلٍ يُعذرُ في جهلهِ
لا تكترثْ بالرزءِ وانهض بهِ
فالرأيُ كلُّ الرأي في حملهِ
مثلُكَ من يلجأ ـ إن راعهُ
يومٌ بمكروهٍ ـ إلى عقلهِ

قضى
(
فريدٌ
)
وهو غضُّ الصِّبا
وخلّفَ الحسرةَ في أهلهِ
واهاً لهُ من غصنٍ ما نمى
حتى ذوى واجتثَّ من أصلهِ
عوّذتُ بيتكَ يا بنَ خيرِ مُمَلَّكٍ لا تُذرِ إلا أدمعاً معدودةً
من أن يقيمَ بهِ الحِدادُ طويلا
فالبرُّ أصدقُ أن يقيمَ دليلا
صُنْ دمعكَ الغالي فدمعُ عيوننا
كُفٌ لحزنكَ إن رضيتَ بديلا
ودعِ الهمومَ فحسبُ قلبُكَ أنهُ
أمسى بمصرَ مُتيماً مشغولا

أداعي الأسى في مصرَ ويحكَ داعيا
هددتَ القوى إذ قمتَ بالأمسِ ناعيا
ومن يفقدْ شبيهكَ يبكِ دنيا
تولّتْ بالمودّةِ والمقاتِ
كذبتُكَ لو صدقتُكَ بعض وُدّي
لهدَّ جوانحي صوتُ النعاةِ
ولا ستعصت حيالَ النعشِ عيني
وراءَكَ راحلاً هِممَ البكاةِ

إسماعيل صبري:
ألا يا تجارَ العصرِ هل فيكم امرؤٌ
يبيعُ على صرعى الهمومِ عزاءَ
إذا دلّني منكم على مثلهِ فتىً
ففي الحيِّ قومٌ عاكفونَ على لظىً

خلعتُ عليهِ ما يشاءُ جزاءَ
تُذيبهم البلوى صباحَ مساءَ
يخالهم الرائي سكارى من الأسى
فيبكي عليهم رحمةً ووفاءَ

إسماعيل صبري:
ألا إنّما الدنيا هباءٌ،وأهلها
هباءٌ،وهل يبكي الهباءُ هباءَ؟
مُصابُكَ إسماعيلُ أودى بأسرةٍ
تكلّفت الصبرَ الجميلَ حياءَ
وقلّصَ آمالاً كباراً كأنها
مدى الدّهرِ لم تعقدْ عليكَ لواءَ
على قبركَ الممطورِ منّي تحيّةً
فقد ضمَّ غصناً ناضراً وفتاءَ

إسماعيل صبري
يا نازلاً بينَ وفودِ البِلى
آنستهم يا مُوحش الأربُعِ
عيني فيك اليومَ قبطيةٌ
تروى الأسى عن مُسلمٍ مُوجعِ
يهيمُ من وجدٍ ومن لوعةٍ
في الجانبِ الأيسرِ من أضلعي
ويأخذُ البرَّ وآيَ الوفا
عن الكتابِ الطيّبِ المَشرعِ
يا منْ سقاني الجمَّ من وُدِّهِ
هذا ودادي كلّه فأكرعِ
يا حاملَ القلبِ الكبيرِ الذي
لم ينقُضِ الميثاقَ قُمْ واسمعِ

أناعيَ ماهرٍ لم تدرِ ماذا
أثرتَ من الشّجونِ الكامناتِ
نعيتَ إليَّ أياماً تقضّتْ
بإسماعيلَ غرّاً صافيات
أجل أنا من أرضاكَ خِلاً مُوافياً
ويُرضيكَ في الباكينِ لو كنتَ واعيا
وقلبي ذاك المَورِدُ العذبُ لم يزل
كما ذُقتَ منهُ الحبّ والودَّ صافيا
سوى أنهُ يعتادهُ الحزنُ كلّما
رآكَ عن الحوضِ المهدّدِ نائيا

مقابرُ من ماتوا مواطنُ راحةٍ
فلا تكُ إثرَ الهالكينَ جزوعا
وإن تبكِ ميتاً ضمّهُ القبرُ فادّخرْ
لميتٍ على قيدِ الحياةِ دموعا
(أبا الفتوحِ) ومن ناداكَ جاوبَهُ
من جانبِ اسمكَ نفحُ الوردِ والآسِ
إذا غدت مصرُ منكَ اليوم خاليةً
فما لعهدكَ فيها الدّهرِ من ناسي
هل كانَ يومُكَ فينا غيرَ يومِ مُنىً
كانت كباراً فأمستْ طيَّ أرماسِ

لا مرحباً بك أيهذا العامً
لم يُرْعَ عندكَ للأُساةِ ذمام
في مُستَهَلِّكَ رُعتنا بمآتمٍ
للنافعين من الرجالِ تقامُ
لهفَ الرّياساتِ على راحلٍ
لهفَ العلا قد عُطلّتْ من سنا

قد كانَ ملىء العينِ والمَسمعِ
بدرٍ هوى من أوجها الأرفعُ
تبكي المروءاتُ علىبطرسٍ
ذاكَ الهمامِ الماجدِ الأروعِ
فتشّتُ ـ لمّا لم أجدْ مقلتي
كُفؤاً ـ على الفضلِ ليبكي معي
فقيلَ لي: قد سارَ في إثرهِ
يومَ دفنّاهُ ولم يرجعِ
يا مُجرياً دمعَ الملأ أبحراً
أدركهمُ يا مُرقىءَ الأدمعِ

عَزِّ الكرامَ وشاطرهم رزيّتهمْ
فإنهم بالتعازي أخلقُ الناسِ
وألقِ دمعكَ في تيارِ أدمعهم
ووحِّدِ الرزءَ في مصرٍ و

بُلقاس

إسماعيل صبري في رثاء الشيخ محمد عبده:

تدفق دموعاً أو دماً أو قوافيا
مآتمُ أولى الناس بالحزنِ ها هيا
أيجمُلُ أن تُنعى الفضائلُ للورى (محمدُ)
دورُ العلمِ كانتْ أواهلاً

ولم تكُ في الباكين ويحكَ باكيا
بفضلِكَ ما بينَ الأنامِ زواهيا
فصبَّحها إلا من الحزنِ والأسى
عليكَ القضاءُ المستبدُّ خواليا
فما للرّدى ـ لا باركَ الله في الرّدى ـ
أحالَ بشيرَ الأمسِ في الكونِ ناعيا
برغمِ الحِجا والمجدِ أن مسَّكَ البِلى
بسوءٍ فأضحى عودُكَ الصلب ذاويا

إسماعيل صبري في رثاء الشيخ محمد عبده:
وأن أُقفلَ البابُ الذي كنتَ عندَهُ
تقابلُ ملهوفاً وترصدُ شاكيا
(محمدُ) من للدينِ يحرسُ حوضهُ
ويدرأ بين الناسِ عنهُ العواديا؟
هنيئاً لهم فليحملوا حملاتهم
فقد أصبحَ الميدانُ بعدكَ خاليا
ألا نمْ مع الأبرارِ في الخلدِ ناعماً
فكم بتَّ فينا ساهرَ العزمِ عانيا
جُزيتَ عن الإسلام ما أنتَ أهلُهُ
فقد كنتَ سيفاً في يدِ الحقِّ ماضيا

إسماعيل صبري:
أتعلمُ عينُ الرّدى من تُصيبُ
وتدري يدُ الموتِ من تضربُ
ألمّا تكاملَ نورُ الأمينِ
وتاهَ بهِ الشّرقُ والمغربُ
وأوفى المكارمَ ما أملّتْ
وأعطى الفضائلَ ما تطلبُ
ودانَ لهُ أملٌ في الحياة
وتمَّ لهُ في العلا مأربُ
طواهُ الرّدى كَلماً فانطوى
بهِ أملٌ مقبلٌ نرقبُ

إسماعيل صبري:
قد فقدنا منا ومنكم كبيراً
كان بالأمسِ زينةَ الكبراءِ
فأقمنا عليهِ في كلِّ نادٍ
مأتماً داوياً بصوتِ البكاءِ
ومزجنا دموعنا بدموعٍ
بذلتها عيونكم عن سخاءِ
ورأينا فتكَ الرزيئةِ بالعقلِ
وفعلَ المُصابِ بالعقلاء

إسماعيل صبري:
يرثي عبد الله فكري
أبعدَ أن ماتَ عبدُ الله ـ مُرتهناً
يا ويحَ من أودعوهُ القبرَ،هل علموا

تحتَ الثرى ـ يُرتجى صفوةٌ ويُنتظرُ
أنّ المكارمَ كانت بعض ما قبروا؟
قد غيّبوا ماجداً كانت مناقبهُ
بها الزمانُ إذا ما زلَّ يعتذرُ
وعطلّوا من ربوعِ العلمِ أنديةً
كانت بعلياهُ يوم الفخرِ تفتخرُ
مضى وخلّفَ فينا من فضائله
بدائعاً يجتليها السّمعُ والبصرُ

إسماعيل صبري:
يرثي سليم تقلا صاحب الأهرام
برغمي أن يُدعى تراباً وأعظُماً
فتىً كان يُدعى قبلُ أكتبَ كاتبِ
فتىً كانت الأقلامُ تشهدُ أنّهُ
يُجلُّ مقامَ الكتبِ فوق الكتائبِ
هوى كوكباً ما البدرُ ليلةَ تِمّهِ
بـفتكَ من لآلائهِ بالغياهبِ
فتىً طبعهُ قد كانَ كالماءِ رقّةً
فلو صُبّ في كأسٍ لساغَ لشاربِ

إسماعيل صبري:
نحنُ لله ما لِحيٍّ بقاءُ
وقُصارى سوى الإلهِ فناءُ
نحنُ لله راجعونَ فمن مات
ومن عاشَ ألفَ عامٍ سواءُ
يفرحُ المرءُ في الصباحِ وما
يعلمُ ماذا يُكنّهُ الإمساءُ

إسماعيل صبري:
وهبتُكَ يا دهرُ من تطلبُ
أبعدَ أمينٍ أخٌ يُصحبُ؟
طويت المودّةَ في شخصهِ
فأيّ ودادِ امرىءٍ أخطبُ؟
وأيِّ بديلٍ له أرتضي
وأيّ شمائلهِ أندبُ

إسماعيل صبري:
حسبتُ بأنّكَ لي خالدٌ
فكانَ الذي لم أكنْ أحسبُ
أفي ذا الشّباب وهذا الإهابِ
يموتُ الفتى الطاهرُ الطيّبُ
ويُودي الذكاءُ ويقضي الوفاءُ
وتردى الفضيلةُ أو تُعطبُ

قضيتَ فكنتَ أسرعنا مسيراً
إلى غُرفِ الجِنانِ العالياتِ
فيا راحلاً قد غابَ عنا،ومن تكنْ
كذكراكَ ذكراهُ فليسَ بغائبِ
سلبتَ النهى حياً بباهرِ حكمةٍ
وعاطرِ أخلاقٍ ورقّةِ جانبِ
عليكَ من الفضل السّلامُ فإنّهُ
بفقدكَ أمسى فاقداً خيرَ صاحبِ
ولا زالَ منهلُ الدموعِ مُلازماً
ثراكَ يُجاري قيهِ فيضَ السحائبِ

إسماعيل صبري:
يرثي إسماعيل ماهر
أماهرُ!إنَّ وعدَ اللهِ حقٌ
وما جزعي عليكَ من النُقاةِ
فما لي والأناةُ ملاكُ نفسي
هلعتُ ولم تجملّني أناتي
وما لي إن أُمرتُ ببعضِ صبرٍ
رأيتُ الصبرَ إحدى المعجزات؟

إسماعيل صبري:
اهجرِ النومَ في طِلابِ العلاءِ
والتمسْ بالمسيرِ في كلِّ قطر

وصِلِ الصُبحَ دائباً بالمساء
رتبة العارفين والحكماء
إن غضَّ الشّباب فقّههُ الترحالُ
شيخٌ في أعينِ العقلاء
ومُقامُ الحُسامِ في الغمدِ يُزري
بالذي حازَ متنهُ من جلاء
فدعِ الغمدَ يبدُ للعينِ من فضلكَ
ما كانَ في زوايا الخفاء

إسماعيل صبري في الشيخ محمد عبده:
تعرَّضَ قومٌ للكتاب وأثخنوا
صراحتهُ شرحاً عن القصدِ نائيا
فأرسلتَ فيهِ نظرةٌ نفذتْ إلى
صميمِ مُرادِ الله إذ قُمتَ هاديا
ووفقتَ بين الشرعِ والعقلِ بعدما
قد اعتقدَ الإلفان ألا تلاقيا
ورُبَّ أناسٍ حاربوا دينَ أحمدٍ
فثُرتَ عليهِ ثورةَ الليثِ عاديا

إسماعيل صبري في الشيخ محمد عبده:
وقفتَ وأقلامُ الغَوايةِ شُرَّعٌ
وأقلامُ أهلِ الحقِّ ترنو سواهيا
وأفحمتَ بالبرهانِ كلَّ مناضلٍ
لو أنّكَ لم تغضب لزادَ تماديا
ففاءَ إلى الحُسنى ولو لم تحججهمْ
لعادت زئيرً صيحةُ القومِ داويا

إسماعيل صبري في الشيخ محمد عبده:
محمدوفيّتَ المروءاتِ حقّها
وقُمتَ إليها في حياتك داعيا
وعلّمتَ أهلَ العُرفِ في العُرفِ أوجهاً
لها غُررٌ مشهورةٌ ومعانيا
وعالجتَ أمراض القلوبِ بِحكمةٍ
ترى ظاهراً من خلفها البرُءَ صافيا
مناقبُ إن عُدّتْ تَضوَّعُ بيننا
كأنّا اتخذنا ساحة الروض ناديا

إسماعيل صبري:
إن سئمتَ الحياة فارجعْ إلى الأر
ضِ تنمْ آمناً من الأوصابِ
تلكَ أمٌّ أحنى عليك من الأمِ
التي خلّفتكَ للأتعابِ
لا تَخفْ فالمماتُ ليسَ بماحٍ
منكَ إلا ما تشتكي من عذابِ
وحياةُ المرءِ اغترابٌ فإن ما
تَ فقد عاد سالماً للترابِ

والناسُ إن قام يستسقي الكريمُ لهم
سحائبُ الفضل،بشّرهم فقد مطروا
إنّ منا من يَنصِبُ البيتَ فخاً
لاقتناصِ القصر الرّفيعِ البناء
فإذا ما مدَّ للسماءِ يميناً
سلَّ منها كواكبَ الجوزاء
بعضُنا لا يزالُ في إثرِ بعضٍ
ناهباً سالباً بلا استحياء
فتعوّذ من هؤلاء وحاذرْ
لا تكنْ ـ إن عُددتَ ـ من هؤلاء

شدّة ، وتأتي شدّة
تقتفيها شُدّة، هل من رجاء
غاضَ ماءُ الحياة في كلِّ وجه
فغدا كالح الجوانبِ قفرا
وتفشى العقوق في الناس حتى
كان رد السلام يحسب برا

عِبَرٌ كلّها الليالي ولكن
أين من يفتح الكتابَ ويقرا
لَكسرةٌ من رغيفِ خُبزٍ
تُؤدَمُ بالملحِ والكرامهْ
أشهى إلى الحُرِّ من طعامٍ
يُؤدَمُ بالشُهدِ والملامهْ

أيُّها التائهُ المُدِلُّ علينا
ويكَ؟قل لي
:
من أنتَ؟إني نسيتُ
مقابِرُ من ماتوا مواطِنُ راحةٍ
فلا تكُ إثرَ الهالكينَ جزوعا
وإن تبكِ ميتاً ضَمّهُ القبر فادّخرْ
لميتٍ على قيد الحياةِ دموعا

يا مَورداً كنت أغنى ما أكون به
عن كُلِّ صافٍ إذا ما باتَ يُرويني
عندي لمائكَ والأقداحُ طوعُ يدي
ملأى من الماءِ شوقٌ كاد يُرويني
أغَرَّكَ من بعضِ الليالي سُكونها
فبتَّ قريراً ناعِمَ البالِ هانيا
لقد سكنتْ لكنْ لِتُرهفَ للوغى
دقائقَ من ساعاتها وثوانيا
ألا إنَّ بين الكأسِ والفمِ فُرْجةً
لركضِ عظاتٍ تُشيبُ النواصيا
فَنبِّهْ رقيباً من حِذارِكَ كلّما
رأيتَ بأطرافِ الفؤادِ أمانيا

إسماعيل صبري:
فيا نائياً والهوى ما نأى
هنيئاً لدارٍ تَيمّمتها

وذِكراهُ في البالِ لا تَغرُبُ
لقد زارها الملِكُ الأطيبُ
تَنعمّتَ فيها وخلّفتني
لدى منزلٍ برقُهُ خُلَّبُ
وِدادُ الصديقِ به خوّلٌ
وقلبُ الصديقِ بهِ قُلّبُ
وصعبٌ على الحُرِّ فيه المُقام
ولكنَّ هِجرانَهُ أصعبُ

كان يجلو دُجى الكوارِثِ إن جَلّتْ
برأيٍّ تعنو له الآراء
كان أدرى الملأ بِكسبِ ثناءٍ
آه لو خَلَّدَ النفوسَ ثناء
هيَ الدنيا وإن جادتْ بخيلهْ
يدُ الحرمانِ في يدها المُنيلهْ
سواءٌ من يعيشُ الألفَ فيها
ومن أيّامهُ فيها قليلهْ
لئن قَصُرَتْ بمن تهوى الليالي
فإنَّ فُتوحَ والدها طويلهْ

والرزايا في بعضها يُطلَقُ القو
لُ وتعيا في بعضها البلغاء
إذا كانَ وردُ الموتِ ضربةَ لازبِ
فطولُ سرورِ المرءِ موعِدُ كاذبِ
فلا تغترِرْ بالعيشِ واحذرْ فإنّما
صفاءُ الليالي هُدنةٌ من مُحاربِ
يبيتُ الفتى خِلوَ الفؤادِ كأنّهُ
رأى بينَهُ سداً وبينَ النوائبِ

ومتاعُ الدنيا قليلٌ وما يلهو
به المرءُ من حُطامٍ هباء
عجيبٌ من الموتِ أفعالهُ
وعتبي على فعلهِ أعجَبُ
بذا حكم الله في خلقهِ
لِكُلِّ امرىءٍ أجلٌ يُكتبُ

باركَ الله فيكمُ أنتمُ الناسُ
وفاءً إن عُدَّ أهلُ الوفاء
سَمحٌ تراهُ إذا حللتَ بحيّهِ
أبداً يحنُّ إلى خصالِ الجودِ
طبعاً يميلُ إلى السّماحِ وأهلهِ
كتمايل الأغصان بالتأويدِ
عن رِفدهِ حَدِّثْ فكم في رفدهِ
إنعام بحر وافرٍ ومديد

والعدلُ يُعلي المُلكَ فوقَ السّها
ويُلبسُ الدنيا ثيابَ الأمانِ
غاضَ ماءُ الحياءِ من كُلِّ وجهٍ
فغدا كالِحَ الجوانبِ قفرا
وتَفشّى العقوقُ في الناسِ حتى
كادَ ردُّ السلامِ يُحسَبُ بِرا
أوجهٌ مثلما نثرتَ على الأجداثِ
ورداً إن هُنَّ أبدينَ بِشرا
وشفاهٌ يَقُلنَ:أهلاً ولو أدَّينَ
ما في الحشا لما قُلنَ خيرا

عَمْرَكَ الله،هل سلامُ ودادٍ
ذاكَ أم حاولَ المُسلِّمُ أمرا
عميتْ عن طريقها أم تعامتْ
أُمَمٌ في مفاوزِ الجهلِ حيرى
غرّها سَعدُها ومن عادةِ السّعدِ
يُؤاتي يوماً ويخذلُ دهرا
أين الألى سَجلوا في الصخرِ سيرتهُمْ
وصغرُّوا كُلِّ ذي مُلكٍ وسلطانِ
بادوا وبادتْ على آثارهمْ دُولٌ
وأدرجوا طيَّ أخبارٍ وأكفانِ
وخلفوا بعدَهُمْ حرباً مُخلّدةً
في الكونِ ما بينَ أحجارٍ وأزمانِ

أدمعٌ جاوزتْ مدى كلِّ حُزْنٍ
وتَخطّتْ حدودَ كُلِّ عزاءِ
وعديدٌ وراءَ كُلِّ خيالٍ
وعويلٌ في إثرِ كُلِّ هناءِ
إذا ما دعا داعٍ إلى الشرِّ مرّةً
وهزَّتْ رياحُ الحادثاتِ قناتي
ركبتُ إليهِ الحِلْمَ خيرَ مطيّةٍ
وسِرتُ إليه من طريقِ أناتي

كُنْ راعياً يرعى الأسودَ فمن رعى
غنماً يبت
}
يخشى الذئابَ ويَفرَقُ
ألا مَنْ للضعيفِ إذا تقاضى
ولم يرَ شخصه بين القضاةِ
ومن للعدلِ إن رفعتْ بُناةٌ
دعائمهُ ولم يكُ في البُناةِ

ورأيٌ يُجلّي اليأسَ واليأسُ ضارِبٌ
على الأفقِ ليلاً فاحمَ اللونِ داجيا
إذا ما تقاضينا ولم تكُ بيننا
ذكرناهما حتى نجيدَ التقاضيا
إنّ اللياليَ من أخلاقها الكدَرُ
فَكُنْ على حذرٍ مما تَغُرُّ بهِ

وإن بدا لكَ منها منظرٌ نَضِرُ
إن كان ينفعُ من غِرّاتها الحذرُ
قد أسمعتكَ الليالي من حوادثها
ما فيه رُشدكَ لكن لستَ تعتبرُ
إن كنتَ ذا أُذنٍ ليست بواعيةٍ
قُلْ لي بعيشكَ ماذا تنفعُ العِبَرُ
للدّهرِ لو كنتَ تدري هَولَ منطِقهِ
وعظٌ تُردِّدهُ الآصالُ والبُكرُ

عُمُرٌ إذا ما العُمرُ قِيسَ بما جرى
فيه فعامٌ منهُ يعدِلُ جيلا
لهفَ ساري الدُّجى لقد أفلَ البد
رُ وطالَ السُّرى وغابَ الهادي
لهفَ راجي القِرى وحاتِمُ طيٍّ
قد خبتْ نارهُ بهذا الوادي

واصبرْ فكم من جَزَعٍ آكلٍ
من صحة المرءِ ومن فضلهِ
فالليثُ لا تُنسيهِ أحزانُهُ
مقامه إن ضيمَ في شِبلهِ
وجدتُ الحياةَ طريقَ المماتِ
ويعثرُ فيها الفتى بالشّبابِ

وكلُّ إلى حتفهِ يَسْرُبُ
ويدلِفُ بالعلّةِ الأشيبُ
ويتعبُ بالزّادِ فيها الفقيرُ
وأهلُ الغنى بالغنى أتعبُ
ويشقى أخو الجهلِ في جهلهِ
ويَحرجُ بالعالمِ المذهبُ
موارِدُ مشروعةٌ للحياةِ
فايُّ مواردها الأعذبُ

كلُّ نفسٍ لها كِتابٌ وميعا
دٌ إذا جاءَ لا يُرَدُّ قضاء
سُنّةُ الله في البريّةِ لم
يُستثنَ منها المُلوكُ والأنبياء
يا منْ يُغَرُّ بدُنياهُ وزُخرفِها
تالله يُوشِكُ أن يُودي بكَ الغَررُ
ويا مُدلاً بِحُسنٍ راقَ منظرَهُ
للقبرِ ويحكَ هذا الدّلُ والخَفرُ
تهوى الحياة ولا ترضى تُفارِقُها
كمن يُحاوِلُ ورداً ما لهُ صَدرُ
كلُّ امرىءٍ صائِرٌ إلى جَدَثٍ
وإن أطالَ مدى آمالهِ العُمرُ

لو أنَّ قُلوبَ الناسِ طوعَ إرادتي
أحلتُ الأسى في بعضهن هناء
ولو طاوعتني كلُّ عينٍ قريحةٍ
لما ذابَ بعضَ الثاكلين بكاء
واخلعْ عِذاركَ فالأشجانُ آمرةٌ
وما على من يُطيعُ الأمرَ من باسِ
ولا يَغرَّكَ في البلوى ثباتُهمُ
كم من رفيعِ الذُّرا فوق اللظى راسي

نِعمَ الحليفُ يَشدُّ أزرَ حليفهِ
في الخَطبِ إن خذلَ الخليلُ خليلا
والعلمُ في الحُكّامِ عند
الجاهلينَ أجلُّ جُرْمِ
عُوفيتَ من قومٍ إذا
قدروا خَلّوا من كلِّ حِلْمِ

من ذا يُجاري أخمصيك إلى مدىً
وهواك سبّاقٌ وعزمُكَ أسبَقُ
إن يُرتَجلْ عُرْفٌ فأنتَ إلى الذين
لم يرتجلهُ المالكون مُوّفقُ
يابنَ الذين سَموا لأبعدِ غايةٍ
وتولَّ تذليلَ الصّعابِ فإنّها

فَتسّنموا القُنَنَ الشوامخَ والذُّرا
مرهونةٌ حتى تقول وتامُرا
إن الذي جعلَ العزائمَ بعضَ ما
أوتيتَ قدَّرَ أن تُعانَ وتُنصرا
لم يخلُق الله الشّهامةَ في امرىءٍ
إلا لخير قد أرادَ ودّبرا

إسماعيل صبري:
للهِ ما أهدى يمينُكَ للنّدى
أرضيتَ ربّكَ واعتصمتَ بأمرهِ

وأخفُّ في طُرُقِ الفخارِ خُطاكا
وتبعتَ هدى نبيّهُ فهداكا
وقسمتَ هَمّكَ بينَ رعي عهودهِ
ورعاية الملك الذي استرعاكا
وسننتَ في بذلِ النوالِ بدائعاً
حتى اجتنينا العدلَ من جدواكا
وظلِلتَ في أعداءِ مجدكَ فاتكاً
حتى عددنا الظُلمَ من قتلاكا

إسماعيل صبري يودع أصحابه:/
شُكراً على ما بدا من صِدقِ ودّكمُ
والله ما بعتُكم حُبّاً بغيركمُ

فإنّني من صميمِ القلبِ ممنونُ
ولو فعلتُ إذاً إنّي لمغبونُ
وإنّما قد قضى أمرُ المليكِ بذا
وكلُّ عبدٍ بأمرِ المَلكِ مرهونُ
وبعدُ فالقلبُ إن أجسامنا افترقت
مُقيّدٌ بحبالِ الودِّ مقرونُ
فأسالُ الله إبقاءَ الهناءِ لكم
إنَّ الهناءَ بحمدِ الله مضمونُ

إسماعيل صبري:
يا وامضَ البرقِ كم نبّهتَ من شَجنٍ
في أضلُعٍ ذهلتْ عن دائها حينا
فالماءُ في مُقلٍ،والنارُ في مُهجٍ
قد حارَ بينهما أمرُ المُحبينا
لولا تذكُّرُ أيامٍ لنا سلفتْ
ما باتِ يبكي دماً في الحيِّ باكينا
يا آلَ ودّي عُودوا لا عَدمتكمُ
وشاهدوا ويحكم فعلَ النّوى فينا

إسماعيل صبري:
لبيبُ بُشركَ فالأيام قد رضيت
ولليالي صفاءٌ بعد أن كدرتْ

وللمسراتِ أفراحٌ وتغريدُ
ترجوكَ صفحاً وسيفُ الغدر مغمودُ
فاهنأ بنجلك إن السعد أرّخه
لبيبُ دام لك المحفوظ محمودُ

إسماعيل صبري:
يا ألى الفضل والكمالِ ويا قُرّة
عين الوفا وعين الودادِ
بالذي زانكم وميّزكم بالعلمِ
أنصفوني من لطفكم فلقد غادرني

والحلمِ والهدى والرشادِ
راحلاً بغيرِ فؤادِ
واحفظوا عهدي القديم فإني
حافظٌ عهدكم لرغمِ البعادِ
فإذا قرّب النفوس ائتلافٌ
هان عندي تفرُّقُ الأجسادِ

يا سرحة بجوارِ الماء ناضرة
سقاك دمعي إذا لم يُوفِ ساقيكِ
عار عليك وهذا الظلّ منتشر
فتكَ الهجيرِ بمثلي في نواحيكِ
إنَّ أمضى الرجالِ من كان سهماً
واللبيبُ اللبيبُ من دارَ في

نافذاً في حُشاشةِ الغبراءِ
الأرضِ لعلمٍ ينالهُ أو ثراء
إنّما الأرضُ والفضاءُ كتابٌ
فاقرأوه معاشرَ الأذكياء
وأقرنوا العلمَ بالسُّرى رُبَّ علم
لم تحزهُ قرائحُ العلماء
وأطيلوا ما كان من قِصر العيش
بحثِّ الركابِ في الأنحاء

إسماعيل صبري في رثاء مصطفى كامل:
أجلْ أنا من أرضاكَ خلاً مُوافياً
وقلبيَ ذاكَ المردُ العذبُ لم يزلْ

ويُرضيكَ في الباكينَ لو كنتَ واعيا
كما ذُقتَ منهُ الحبَّ والودَّ صافيا
ألا عللّاني بالتعازي وأقنعا
فؤاديَ أن يرضى بهنَّ تعازيا
وإلا أعيناني على النوحِ والبُكا
فشأنكما شأني وما بكما بيا
وما نافعي أن تبكيا غير أنني
أحبّ دموعَ البرِّ والمرءَ وافيا
أيا مصطفى تالله نومُكَ رابنا
أمثلُكَ يرضى أن ينامَ اللياليا؟
تكّلمْ فإنّ القوم حولكَ أطرقوا
وقلْ يا خطيبَ الحيِّ رأيكَ عاليا

أخي
!
ما حيلتي إلا سلامٌ
وإلا الدمعُ أنثرهُ عقيقاً
يزورك في المساءِ وفي الغداة
على ذكرى حُلاكَ الغائبات
برغمي أن تقلص منكَ ظلّ
وقاني حقبة لفح الحياة
وأن نضبت خلال كنت منها
أعبّ لديك في عذب فرات
وأن صفرت يميني من وداد
غنيت به ليالي خاليات

ألا يا تجار العصر هل فيكم امرؤ
يبيعُ على صرعى الهموم عزاء
إذا دلني منكم على مثله فتى
خلعت عليه ما يشاء جزاء
ففي الحيِّ قوم عاكفون على لظى
تذيبهم البلوى صباح مساء
يخالهم الرائي سكارى من الأنس
فيبكي عليهم رحمة ووفاء
لو أن قلوب الناس طوع إرادتي
قلبتُ الأسى في بعضهن هناء
ولو طاوعتني كل عين قريحة
لما ذابَ بعض الثاكلين بكاء

إسماعيل صبري:في مصطفى كامل

ألا عللّاني بالتعازي وأقنعا
فؤاديَ أن يرضى بهنَّ تعازيا
وإلا أعيناني على النوحِ والبُكا وما نافعي أن تبكيا غيرَ أنني


فشأنكما شأني وما بكما بيا أحبُّ دموعَ البرِّ والمرءَ وافيا
أيا مصطفى تالله نومُكَ رابنا
أمثلُكَ يرضى أن ينام اللياليا؟
تكلّمْ فإنَّ القومَ حولكَ أطرقوا
وقُلْ يا خطيبَ الحيِّ رأيكَ عاليا
فقدناكَ فُقدانَ الكميِّ سلاحَهُ
وبتنا ودمعُ العينِ أندى خمائلاً
ولولا تُراثٌ من أمانيكَ عندنا



وساري الدّياجي كوكبَ القطبِ هاديا
وأكثرُ إسعافاً من الغيثِ هاميا
كريمٌ بكينا إذ بكينا الأمانيا
طواكَ الرّدى طيَّ الكتابِ تضّمنتْ
مضاءٌ إذا البيضُ انتمت لأصولها



صحائفهُ من كلِّ فجرٍ معانيا
غضبنا إذا سمّاكَ قومٌ يمانيا

إسماعيل صبري في قصيدة”
شكوى الحياة”
:
كم ساعةٍ آلمني مسّها
وأزعجتني يدُها القاسيهْ
فتَّشتُ فيها جاهداً لم أجدْ
هُنيهةً واحدةً صافيهْ
وكم سقتني المُرَّ أختٌ لها
فرحتُ أشكوها إلى التاليهْ
فأسلمتني هذه عَنوةً
لساعةٍ أخرى وبي ما بيهْ
ويحكَ يا مسكينُ هل تشتكي
جارحةَ الظفرِ إلى ضاريه؟
حاذرْ من الساعات ويلٌ لمن
يأمنُ تلكَ الفئة الطاغيهْ
وإن تجد من بينها ساعةً
جَعبتها من غصصٍ خاليهْ
فالهُ بها لهوَ الحكيم الذي
لم يُنسه حاضرهُ ماضيهْ
وامرحْ كما يمرحُ ذو نشوةٍ
في قُلّةٍ من تحتها الهاويهْ
فهي وإن بشّت وإن داعبت
محتالةٌ ختالةٌ عاديهْ
عناقُها خَنقٌ وتقبيلُها
هذا هو العيشُ فقلْ للذي

كما تعضُّ الحيّةُ الباغيهْ
تجرحهُ الساعةُ والثانيهْ
يا شاكيَ الساعات،أسمع،عسى
تُنجيكَ منها الساعةُ القاضيهْ

يا ربّ أهلني لفضلك واكفني
شطط العقول وفتنة الأفكار
ومر الوجود يشفّ عنك لكي أرى
غضب اللطيفِ ورحمة الجبار

إبراهيم ناجي يرثي شوقي:

وكأنّ يومك في فجيعته
هو أول الأيام في الشّجن
وكأنّما الباكي بدمعته
ما ذاقَ قبلكَ لوعةُ الحزن
فاذهبْ كما ذهبَ النهارُ ومضى
قد شيّعتهُ مدامع الشفق
واغربْ كما غرب الشعاع قضى
رفت عليه جوانح الغسق
ما كنتَ إلا أمّةٍ ذهبت
والعبقرية أمّة الأمم
أو شعلة أبصارنا خبت
ومنارة نُصبت على علم
يا راقداً قد باتَ في مثوى
بعدتْ بهِ الدنيا وما بعدا
أين النجوم أصوغ ما أهوى
شعراً كشعركَ خالداً أبدا
لكنّ حزني لو علمت بهِ
لم يُبقِ لي صبراً ولا جهدا
فاعذر إلى يوم نعيك به
حقّ النبوغ ونذكر المجدا

لستُ أرثيك أيُرثى خالد
في رِحابِ الخلدِ موفور الجزاء
كيفَ أرثيك أيرثى فاضل
عاش بالخيرات موصول الدعاء
يا نازلَ الصحراءِ موحشةً
ريّانة بالصّمتِ والعَدمْ
سالت بها العبراتُ مجهشة
وجرت بها الأحزان من قدمْ
هذا طريقٌ قد ألفناه
نمشي وراء مشيّع غالِ
كم من حبيبٍ قد بكيناهُ
لم يمح من خلد ولا بالِ

ذهبَ الموتُ بأغلى صاحب
وثوى في التربِ أوفى الأوفياء
أيها الشاكي من الدهر استرح
كلنا أيها الشاكي سواء

إبراهيم ناجي :تحية مصر لفلسطين:

أهِب ببيانك الصافي تدفّق
وقفْ بالقدسِ واهتف في رباه
وقم نقضى الحقوق إذا دُعينا
أليسَ الشرقُ يجمعنا حماهُ؟
سلامُ الله من أبناءِ مصر
إلى أرضِ البسالة والفتوّة
من المهد الذي هزّ البرايا
إلى مهدِ القداسة والنبوّة
من الوطن الكريم على الليالي
إلى الوطن الكريم على الجوار
من الوادي الخصيب بلا نظير
إلى الوادي المكلل بالوقار
وقد رقّت حواشيه إلى أن
رأيت الطود يخضرّ اخضرارا
لقد فاض الجلال عليه حتى
كأنّ عليه من نورٍ إزارا
تهبّ به النسائم ساحراتٍ
كأنّ أريجها أنفاسُ موسى
وتأتلق الحياة على الروابي
كأنّ على الروابي كفُّ عيسى
وتنظر روعةَ الإسلام فيه
وقد غمر المدائن واليبابا
فحيث تدير في الأنحاء عيناً
فنورُ محمدٍ ملأ الرحابا
حللنا في ذراكم يوم عيد
بعدنا فيه عن مصر مزارا
فألفينا لديكم ألف عيد
تُنسّينا الأحبّة والديارا
وكم عبرت بلا فرح ليالٍ
وكم بالله أعيادٌ تمرُّ
وكيف تطيبُ أعيادٌ وتحلو
لصادٍ والفمُ المحروم مرُّ!
وكيف تطيبُ أعيادٌ وتحلو
إذا عزَّ التعاهدُ واللقاء
فإنّ العيد عيدٌ يوم ندنو
ويجمعنا التفاهم والإخاء
بني القدس التفتُّ فسرَّ قلبي
جهودٌ بالشدائد لا تبالي
أرى روح الحياة تفيض فيكم
وعزمكمو يفيض على الليالي
أرى أملاً وقلباً حيث أمشي
وأعثر بالحياة إذا التقيتُ
إلى أن قال قائلكم لديكم
بأقصى الأرض

إبراهيم ناجي في رثاء أحمد شوقي:
قلْ للذينَ بكوا على شوقي
النادبين مصارع الشّهبِ
والهفتاهُ لمصر والشّرقِ
ولدولةِ الأشعارِ والأدبِ
دنيا تقرُّ اليومَ في لحدٍ
وصحيفةٌ طُويت من المجدِ
ومسافرٌ ماضٍ إلى الخلدِ
سبقتهُ آلاءٌ بلا عدِّ
هذا ثرى مصرَ الكريمُ وكم
أكرمتهُ وأشدتَ بالذكرِ
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فَنمْ
في النورِ لا في ظلمةِ القبرِ
كم من دفينٍ رحتَ تحييه
وبعثتهُ وكففتَ غربتهُ
فاحلُلْ عليهِ مكرّماً فيه
يا طالما قدّست تربتهُ
يا نازلَ الصحراء موحشةً
ريّانةً بالصمتِ والعدمِ
سالت بها العبرات مجهشةً
وجرت بها الأحزان من قدمِ
هذا طريق قد ألفناه
نمشي وراءَ مُشيَّعٍ غالِ
كم من حبيبٍ قد بكيناهُ
لم يُمحَ من خلدٍ ولا بالِ
وكأنَّ يومك في فجيعتهِ
هو أول الأيام في الشّجنِ
وكأنما الباكي بدمعتهِ
ما ذاق قبلك لوعة الحزنِ
فاذهب كما ذهب النهار مضى
قد شيّعته مدامعُ الشفق
واغرب كما غرب الشعاع قضى
رفّت عليه جوانح الغسق
ما كنت إلا أمّةً ذهبت
والعبقرية أمّة الأمم
أو شعلة أبصارنا خلبت
ومنارة نُصبت على عَلم
يا راقداً قد بات في مثوىً
بعُدتْ به الدنيا وما بعُدا
أين النجوم أصوغ ما أهوى
شعراً كشعرك خالداً أبدا
لكنَّ حزني لو علمت به
لم يُبقِ لي صبراً ولا جُهدا
فاعذر إلى يومٍ نفيك به
حقّ النبوغ ونذكر المجدا
إ براهيم ناجي:

راحوا بأرواحٍ ظماء
يتهافتون على الفناء
جفّت حلوقٌ بعدهم
لم تلق دونهمُ رواء
واهاً لكأسٍ كالخلو
طِ ومنهلٍ فيه الشفاء
كنّا إذا ضجَّ الفؤا
دُ وضاق بالدنيا وناء
نمضي إليه فنستقي
ونعُبُّ منه كما نشاء
فاليومَ إذ شطَّ المزا
رُ بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتُمُ بُخلَ الضّني
ن فحسبُنا قطراتُ ماء
أين الأمين على الإما
رة والحريصُ على اللواء
قبسٌ أضاءَ العالمي
ن كما تُضىءُ لهم ذكاء
ثم اختفى خلف الغيو
بِ مخلِّفاً ظلمَ المساء

فكأنّما هبة السّما
ءِ قد استردتها السّماء
جزع الرياض لطائرٍ
غنّى فأبدعَ في الغناء
حتى إذا خلب العقو
لَ وقيل سِحرٌ لا مراء
ولّى عن الأيكِ الفخو
ر به إلى عرضِ القضاء
فكأنّهُ والسّحبُ تط
ويهِ فيمعن في الخفاء
دنيا من الأملِ الجمي
لِ قد استبدَّ بها العَفاء
ووراءها شفقٌ من الذ
كرى كجرحٍ ذي دماء
وتُسائلُ الدنيا التي
ناطت بهِ كلَّ الرجاء
عن أيِّ سرٍ طار عن
هذي الرُّبى وعلامَ جاء
قُم يا فقيدَ الشعرِ وان
ظر أيّ حفلٍ للرثاء
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضها
بعضاً وهيهات العزاء
هذي الجموع الباكيا
تُ الساخطاتُ على القضاء
قاسمتها أشجانها
ووفيت ما شاءَ الوفاء
أو لم تجدكَ لسانها الش
اكي إذا احتدم البلاء
أو لم تكن غِرِّيدها
ونديمها عند الصفاء
لم لا تُوفيك الجمي
ل وتستقلّ لك الفداء
ومُنَعّمٍ بين القصو
ما بالهُ حملَ الهمو

رِ قد استتمَ له الثراء
مَ وجشّم القلبَ العناء
وينوءُ بالعبءِ الذي
ويحَ الذكاءِ وما يُكل

هو عن أذاه في غَناء
فهُ من الثّمنِ الذَّكاء

إبراهيم ناجي:
أضنى قواه ولم يدع
والمجدُ يوغلُ في حنا
صرحٌ من الأدبِ الصمي
الدّهرُ يحمي ركنه
شوقي على رغم التف

من جسمهِ إلا ذماء
يا روحه والمجدُ داء
مِ له على الدنيا البقاء
والفنُ في روح البناء
ردِ والتفوقِ والعلاء
ذاك الرقادُ بساحةٍ
وبرغم ذهن كالفرا
مثواك لا تشكو السكو

كلّ الرجالِ بها سواء
شةِ حول مصباح أضاء
نَ ولا تمل من الثواء

إبراهيم ناجي:
أمسي يُعذبني ويضنيني
شوقٌ طغى طغيان مجنون
أين الشفاءُ ولم يعد بيدي
إلا أضاليل تُداويني
أبغي الهدوءَ ولا هدوء وفي
صدري عبابٌ غير مأمون
يهتاج أن لجَّ الحنين به
ويئن فيه أنينَ مطعون
ويظل يضرب في أضالعه
وكأنها قضبان مسجون
ويح الحنين وما يُجرّعني
من مُرهِ ويبيتُ يسقيني
ربيتهُ طفلاً بذلت له
ما شاءَ من خفضٍ ومن لينِ
فاليومَ لمّا اشتدّ ساعده
وربا كنوار البساتين
لم يرضَ غير شبيبتي ودمي
زاداً يعيشُ به ويفنيني
كم ليلةٍ ليلاء لازمني
لا يرتضي خلاً له دوني
ألفي له همساً يخاطبني
وأرى له طفلاً يماشيني
متنفساً لهباً يهبُّ على
وجهي كأنفاسِ البراكين
ويضمنا الليل العظيم وما
كالليل مأوى للمساكين
إبراهيم ناجي:

مكانيَ الهادىء البعيد
كُنْ لي مجيراً من الأنام
قد أمَّكَ الهارب الطريد
فآوهِ أنت والظلام
يا حسنها ساعة انفصال
لا ضنك فيها ولا نكد
يا حقبة الوهم والخيال
هلا تمهلتِ للأبد
يا أيها العالم الأخير
ماذا ترى فيك من نصيب
أراحةٌ فيك للضمير
أم موعدٌ فيك من حبيب
كم يعذُب الموت لو نراهُ
أو كان فيك اللقاءُ يُرجى
ينفض عن عينه كراهُ
ويقبل الراقد المسجّى
لكن شكا بما تجن
خيّم فوق العقول جمعا
عجبتُ للمرءِ كم يئن
ويستطيبُ الحياة مرعى
قد صار حبُّ الحياة منا
يقنع بالجيفة السباع
وعلم السمحَ أن يضنّا
وثّبت الجبن في الطباع
يا عالم الضيم والقيود
برّحت بالطائرِ الأسير
هربتُ من عالمٍ أضرّا
وجئتُ يا كعبتي أزورُ

إبراهيم ناجي
أشرب من روعة السماء
شعراً وأسقي الفؤادَ وحيا
مللتُ في هاتهِ العوالم
مهزلةَ الموت والحياه
وصورة القيد في المعاصم
ووصمةَ الذل في الجباه
هياكلٌ تعبرُ السنين
واحدة العيش والنظام
واحدة السخط والأنين
واحدة الحقد والخصام
وواحد ذلك الطلاء
يسترُ خزياً من الطباع
أفنى البلى أوجه الرياء
ولم يذُب ذلك القناع

ابراهيم ناجي:
بعينها كذبة الدموع
بعينها ضحكة الخداع
ومنحنى هاته الضلوع
على صوادٍ بها جياع
كأن صدر الظلام ضاق
من كثرةِ البثِّ كل حين
يا ويحه كيف قد أطاق
شكوى البرايا على السنين
كأنما ينفث الشهب
تخفيف كربٍ يئن نتهُ
كالقلب إن ضاق واكتأب
تخفف الذكريات عنهُ
كم زفرةٍ في الضلوعِ
قرّت مبيدة حيثما استقرت

يحوطها هيكلٌ مريض
فإن نبح سميت قريض

ابراهيم ناجي:
كم في الدجى آهة تطول
لو يفهم النجم ما نقول

تسري إلى أذنه وشعر
أو يفهم الليل ما نُسر
ما بالها أعين الفلك تطل من قاتم الحلك
منتثرات على الفضاء بغير فهمٍ ولاذكاء
ألا وفيّ ألا معين وكلّما جدَّ لي أنين
في مدلهم بلا صباح تسخر بي أنّة الرياح
هبنا شكونا بلا انقطاع وحظِ شعرٍ إذا أطاع
ما حظُّ شاكٍ بلا سميع يا ليته عاش لا يطيع
يضيع في لجّة الزمن ولن ترى في الوجود مَنْ
مبدداً في الورى صداه يدري عذاب الذي تلاه
يا أيها النهر بي حسد أكلُّ راجٍ كما يود
لكل جارٍ عليك رف يروي ظماه ويرتشف
ومن حبيبٍ إلى حبيب وكلُّ غادٍ له نصيب
ترنو حناناً وتبتسم من مائك البارد الشبم

ابراهيم ناجي:
يا نهرُ روّيت كلّ ظامي
فكن رحيماً على أوامي

فراحَ ريّان إن يذُق
فلي فمٌ بات يحترق
يا نهر لي جذوة بجنبي
فإن دنا الليلُ برّحت بي

هادئة الجمر بالنهار
وساكن الليل كم أثار
وقفت حرّان في إزائك
وددت ألقي بها لمائك

فهل ترى منك مسعدُ
لعلها فيك تبرد
عالج لظاها فإن سكن
وإن عصت نارها فكن

فرحمةٌ منك لا تحد
قبراً لها آخر الأبد
ترينيَ الهاجرُ الشتيت
وكلّما خلتني نسيت

وقربه ليس لي ببال
مرَّ أمامي له خيال

تمرُ ذكرى وراء ذكرى
وكل ذكرى لها دموع
وتعبر المشجيات تترى
من كل ماضٍ بلا رجوع
ماضٍ وكم فيه من عثار
كم قلت لا يرفع الستار

ومن عذابٍ قد انقضى
ولا ادكارٌ لما مضى
يا من أرى الآن نصب عيني
بالله ما تبتغيه مني

خياله عطّر النسم
ولم تدع لي سوى الألم
في ذمة الله ما أضعتم
لم نجزكم بالذي صنعتم

من مهجٍ أصبحت هباء
إنّا غفرنا لمن أساء
لا تحسبوا البرء قد ألَمّ
يخدعنا أنّه التأم

فلم يزل جرحنا جديد
ولم يزل يخبأ الصديد
يا أيها الليل جئت أبكي
طال عذابي وطال شكي

وجئتُ أسلو وجئت أنسى
ومات قلبي وما تأسّى

ابراهيم ناجي:
أيخيفني العشب الضعيف أنا الذي
أسلمتُ للشوكِ الممضّ أديمي
وإذا ونى قلبي يدقُّ مكانه
شممي وتخفق كبرياء همومي
ورجعت أحمل جعبتي متحدياً
زمني بها وحواسدي وخصومي
ورفعت نحو الله رأساً ما انحنى
بالذل يوماً في رحابٍ عظيمِ

رُبَّ قولٍ كنتُ قد أعددتهُ
لكَ إذ ألقاكَ يأبى أن يُطيعا
وحبيسٍ من عتاب في فمي
قد عصاني فتفجرّتُ دموعا
قلتُ للنفسِ وقد جزنا الوصيدا
عَجلّي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا
ودعي الهيكل شبّتْ نارُهُ
تأكلُ الرّكعَ فيه والسجودا
يتمنى لي وفائي عودةً
والهوى المجروحُ يأبى أن نعودا
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لفتة العود إذا صار وقودا

أيها الشاعر كم من زهرةٍ
عُوقبتْ لم تدرِ يوماً ذنبها
يا رياحاً ليس يهدأ عصفها
نضبَ الزيتُ ومصباحي انطفا
وأنا أقتاتُ من وهم عفا
وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلّبتُ على خنجرهِ
لا الهوى مال ولا الجفن غفا
وإذا القلبُ على غفرانهِ
كلّما غارَ بهِ النصلُ عفا

ثلاث سنين أم ثلاث ليالِ
هي البرق أم مرّت كلمحِ خيال؟
وما كان هذا العمرُ إلا صحائفاً
تلاشت ظلالاً رُحنَ إثر ظلالِ
إن الوفاء بضاعة كسدتْ
إفلاس أرواح ومَضيعةٌ

ومآل صاحبها لإملاق
لقلوبنا في شرِّ أسواق
إن كنتُ لم أغنم فقد ظفروا
لكنني والجرحُ يُلهب لي
هيهات أنسى أنهم عبثوا



مني بمغفرتي وإشفاقي
حسّي ويكون لي إحراقِ
ووفيتُ لم أعبث بميثاقِ

وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا

إبراهيم ناجي(الرسالة العدد347):

من أيِّ أكوان وأيِّ زمان
يا ساعة بسطت ظلال أمان
هل كنتِ حين هبطتِ غير ثواني
ومداك فوق الظنِّ والحسبان!
العمرُ أكثرهُ سدى وأقلّه
صفو يُتاح كأنّه عمران
كم لحظة قصُرت ومدت ظلها
بعد المغيبِ كدوحة البستان

إبراهيم ناجي(
الرسالة العدد347):
وتمرُ في الذكرى خيال شبابها
فكأنَّ يقظتها شباب ثان
والناسُ مُستبقون كلٌّ يبتغي
غرضاً يكافح دونه ويعاني
حُمى مقدرة على الإنسان
تبقى بقاء الأرض في الدوران
وكأنما هذي الحياة بضوئها
وضجيجها ضربٌ من الهذيان

إبراهيم ناجي:
حان حرماني وناداني النذير
ما الذي أعددتُ لي قبل المسيرْ
زمني ضاع وما أنصفتني
زاديَ الأول كالزادِ الأخير
ريّ عمري من أكاذيب المنى
وطعامي من عفافٍ وضمير
وعلى كفّك قلبٌ ودمٌ
وعلى بابك قيدٌ واسير

إبراهيم ناجي:
هي محنةٌ وزمان ضيقْ جرّبتُ أشواكَ الأذى
وتكّشفتْ عن لا صديق وبلوتُ أحجار الطريق
وكأنَّ أيامي التي
من مصرع ليست تفيق
زرعٌ على ظُلل فذا
أبداً لصاحبهِ رفيق
هذالا الذي سقت الدموع
وذاك ما أبقى الحريق

يا شفاء الروح،روحي تشتكي
ظلم آسيها،إلى بارئها
كلُّ شىءٍ صارَ مُراً في فمي
بعدما أصبحتُ بالدنيا عليما
آه من يأخذُ عمري كلّه
ويعيدُ الطفلَ والجهلَ القديما

سجنٌ على سجنٍ وحرقةُ نار
من مُسعدي في ساعة التذكار
وكأنَّ القضاءَ يسخرُ مني
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
أبتغي عندكَ التأسي وما تملك
ردّاً ولا تجيبُ نداءَ
ويحَ دمعي وويحَ ذلّة نفسي
لم تدعْ لي أحداثهُ كبرياء

يا ربّ غفرانك إنا صغارْ
ندبُّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحبُ في الأرض ذيول الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبور
وسألتَ ما صمتي وما اطراقتي
وعلامَ ظلّتْ حيرةُ المرتابِ
أقبل أذقني ما اليقين وهاته
خُلّوا من الآلام والأوصابِ
أقبلْ لأُقِسمَ في حياتي مرةً
أن الذي أُسقاهُ ليسَ بصابِ
لهفي على هذا اليقين!وطعمه
بفمي وتكذيبي شهيَّ شرابي

إبراهيم ناجي:
الهوى مصرعي وكم من حِمام
كان باباً إلى الخلودِ الدائمِ
آهِ من رُبّما ومن أمل يُمس
كُ نفسي رجاءَ يوم قادمِ
قد تجىء الأنباءُ من شاطىء الني
لِ غداً والمبشراتُ النسائم
وتكون النجاةُ في القمر السا
ري على زورق من النور حالم

إبراهيم ناجي:
يرثي شوقي
قلْ للذينَ بكوا على شوقي والهفتاه لمصر والشّرق
النادبينَ مصارعَ الشّهبِ ولدولةِ الأشعارِ والأدبِ
دنيا تقر اليوم في لحد
وصحيفة طويت من المجدِ
هذا ثرى مصر الكريم وكم
أكرمته وأشدت بالذكر
يلقاكَ في عطفِ الحبيبِ فنمْ
في النور لا في ظلمةِ القبر
كم من دفين رحتَ تحييه
وبعثته وكففت غربته
فاحللْ عليه مكرماً فيه
يا طالما قدست تربته

والدهرُ يقذفُ بالمنايا دفقاً
فمضيتَ في متدفق التيار
حان حرماني وناداني النذير
ما الذي أعددتُ لي قبلَ المسيرْ
زمني ضاع وما أنصفني
زاديَ الأولُ كالزادِ الأخيرْ
ريّ عمري من أكاذيب المنى
وطعامي من عفافٍ وضمير

فاليومَ إذ شطَّ المزا
رُ بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتم بُخلَ الضَّنينِ
فحسبُنا قطراتُ ماء
يا ربّ غفرانكَ إنا صِغارُ
ندبُّ في الدنيا دبيبَ الغرور
نسحبُ في الأرضِ ذيولَ الصغار
والشّيبُ تأديبٌ لنا والقبور

دَينٌ

وهذا اليوم يومُ وفاءِ
كم منّةٍ للميتِ في الأحياءِ
إن لم يكنْ يُجزى الجزاءَ جميعَهُ
فلعلَّ في التذكارِ بعضَ جزاءِ
شجنٌ على شجنٍ وحرقةُ نارِ
من مُسعدي في ساعةِ التذكارِ
قُمْ يا أميرُ!أفضِ عليَّ خواطراً
وابعثْ خيالكَ في النسيمِ الساري

إبراهيم ناجي:
أيها الشاكي من الدّهرِ استرحْ
كلنا يا أيها الشاكي سواء
الجراحاتُ التي عانيتها
لم تدع أرواحنا إلا ذماء
برم العيشُ بها لم يشفها
وتولى الدهر سأمان وجاء
أذن الموت لها فالتأمت
وشفاها بعدما استعصى الشفاء

إبراهيم ناجي:
جلت الحياة له حقيقتها فما
في ظلّها لبسٌ ولا أوهامُ
ولهُ مع القدرِ الرهيبِ وقائعٌ
ولهُ مع الموتِ المُلّم صدامُ
ووراء ذلك قوةٌ أزلية
خرساءَ عنها ما أُميط لِثامُ
أيّ الأساة هو المُدل بفنهِ
سبحان من تحنى لديه الهامُ

إبراهيم ناجي يرثي شوقي:
راحوا بأرواحٍ ظماءْ
يتهافتونَ على الفناءْ
جفّتْ حلوقٌ بعدهم
لم تلقَ دونهم رَواءْ
واماً لكأسٍ كالخلودِ
ومنهلٍ فيهِ الشفاءْ
كُنّا إذا ضجَّ الفؤادُ
وضاقَ بالدنيا وناء
نمضي إليهِ فنستقي
ونعبُّ منهُ كما نشاء
فاليومَ إذ شطَّ المزارُ
بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتم بُخلَ الضّنينِ
فحسبنا قطراتُ ماء

إبراهيم ناجي:
هذه الكعبةُ كنا طائفيها
والمُصلين صباحاً ومساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها
كيف بالله رجعنا غرباء
دار أحلامي وحبي لقيتنا
في جمود مثلما تلقى الجديد
أنكرتنا وهي كانت إن رأتنا
يضحك النور إلينا من بعيد
رفرف القلب بجنبي كالذبيح
وأنا أهتف يا قلب اتئد
فيجيبُ الدمعُ والماضي الجريح
لِم عدنا ليت أنا لم نعد
لِم عدنا أو لم نطوِ الغرام
وفرغنا من حنينٍ وألم
ورضينا بسكونٍ وسلام
وانتهينا لفراغٍ كالعدم
أيها الوكر إذا طار الأليف
لا يرى الآخر معنى للسماء
ويرى الأيام صفراً كالخريف
نائحات كرياحِ الصحراء
أه مما صنع الدهر بنا
أو هذا الطلل العابس أنت
والخيال المطرق الرأس أنا
شدّ ما بتنا على الضنكِ وبت

إبراهيم ناجي:
أين ناديك وأين السمرُ
أين أهلوك بساطاً وندامى
كلما أرسلت عيني تنظر
وثب الدمع إلى عيني وغاما
موطن الحسن ثوى فيه السأم
وسرت أنفاسه في جوّهِ
وأناخ الليل فيه وجثم
وجرت أشباحه في بهوه
والبلى أبصرته رأي العيان
ويداه تنسجان العنكبوت
صحت يا ويحك تبدو في مكان
كل شىء فيه حيٌّ لا يموت
كل شىء من سرور وحَزن
وأنا أسمع أقدامَ الزمن

والليالي من بهيجٍ وشجيٍّ
وخُطى الوحدة فوق الدرج

إبراهيم ناجي:
ركني الحاني ومغنايَ الشفيق
وظلال الخلد للعاني الطليح
علم الله لقد طال الطريق
وأنا جئتك كيما أستريح
وعلى بابك ألقي جَعبتي
كغريبٍ آبَ من وادي المحن
فيك كف الله عنى غربتي
ورسا رحلي على أرض الوطن
وطني أنتَ ولكني طريد
أبديُّ النفي في عالم بؤسي
فإذا عدت فللنجوى أعود
ثم أمضي بعدما أفرغ كأسي

ومسافرٌ ماضٍ إلى الخلدِ

سبقتهُ آلاءٌ بلا عدِّ
إنّما الدنيا فتى عاش لكم
باذلاً من قوتهِ حتى الفناء

مصطفى عبد الرحمن في قصيدة آهة تثور مجلة الثقافة العدد 210:
تطوف بي الآلام ثائرة تترى
محطمة قلباً،ممزقة صدرا
تحارب آمالي وتحطم خاطري
وتقذف في الأحشاء من هولها جمرا
وما أنا بالشاكي ولا أنا بالذي
تزعزعه الأيام أو يرهب الدهرا
مشيت على هول الأسى غير عابىء
ولست أبالي الخطب قد حلّ والضرا
صمدت لأحداث الزمان بعزيمة
لدى داهم الأرزاء ما وقفت حيرى
وما ضرّني أن ينكر الناس …..
وتعبس أيامي وترمقني شزرا
فما ضحكت للحر يوماً ولا رأى
أخو النيل إلا الضيم والظلم والغدرا
سأصبر حتى يمحى ليل محنتي
وأرقب خلف الداجيات له فجرا

مصطفى عبد الرحمن(
الرسالة العدد 626):
عادَنا فَعودي لأغاريدك عُودي
وابعثي من الأنغام في سمع الليالي من جديدِ
من نشيدٍ عبقري خالدٍ إثر نشيد
يوقظُ الفرحة والآمال في هذا الوجود
أشرق الصبحُ وولّت ظلمة الليل الرهيب
وأفاق الكون مما طاف من هول الحروب
وانطوت صفحة إثم عابس الوجه مريب
وليالٍ هزّت الدنيا بنارٍ وحديد
هو ليلٌ طال ما أقساهُ بتناهُ حيارى
طالَ حتى لم نعد نحسبُ لليل نهارا
كم تداعى فيهِ للآمالِ صرحٌ وتوارى
روّع الدنيا بما يزجيهِ من خطبٍ شديد
هو ليلٌ ما أقساهُ في عمر الزمان
مُعرّقٌ في الظلمِ لا يعرفُ معنىً لحنان
قد قضيناهُ على مُرٍ نُعاني ما نُعاني
من وعيدٍ منكرٍ يصدقُ من بعدِ وعيدِ
ذكرياتٌ يا لها في خاطري من ذكريات
كلّما طافت بعينيَّ استباحت عبراتي
وأشاعت في رحاب النفس شتّى الحسرات
آه مما لقي الأحرارُ من ذلِّ القيود
ظالم لا يعرف الرحمة قد ضلَّ وتاها
أشعلَ الحربَ فباتَ الكونُ يشقى بلظاها
كم أسالت من دماءٍ أينما دارت رحاها
في سبيل الحقِّ ما أزهقَ من روح شهيدِ
هللي للصبحِ سيا أطيارُ فالصبحُ أتانا
رائعاً يملأ دنيانا أماناً وحنانا
رفرفَ السّلم منى تُشرقُ في ليل أسانا
وتُشيعُ الأنسَ والفرحة فينا من جديد

هاشم رفاعي:
أهاجَ لنا الحزنُ العيونَ البواكيا
وأسهدَ موتُ الشيخِ منا المآقيا
بكيناهُ بالآلام ملءَ نفوسنا
وبالحزنِ قتّالاً،وبالدمعِ جاريا
أحقاً إمامَ الخيرِ أن لستَ عائداً
إلينا،وأن لا نلتقي بك ثانيا

فقد تورقُ الأغصانُ بعد ذبولها
ويبدو ضياء البدر في ظلمة الوهن
خُلِقتُ أبياً أعشقُ المجدَ يافعاً
ومني غداً يهوى طريقَ العلا كهلُ
وعِشتُ بدفعِ الضَّيمِ والذلِّ مغرماً
وأبذلُ فيه الروحَ لو وجبَ البذلُ
إذا أنا لم أعرف لذي الحقِّ حقّهُ
فلا زانني حسنُ المكارمِ والأصلُ

وأهونُ حيٍّ من يُرى ذا عزيمةٍ
ويسكتُ يوماً إن أساءَ لهُ نَذل
نفوسٌ هي الإيمان والطهرُ أبلت
يفيضُ بها حبٌّ ويملؤها ودّ
وأفئدةٌ من كلِّ صوبٍ تجمعت
على طاعةِ الرحمن يمسكها عهدُ

وذو الظمأِ المشتاقُ لا يعرفُ الونى
ولا الضعفَ حتى يستبينَ له الوِردُ
أعوذُ بالله ربِّ الخلقِ والنَّسم
من محنةٍ أقبلت في حلكةِ الظُّلم
هذي النوائبُ يا للناس قد نُصبتْ
فوقَ الرؤوسِ كأبراجٍ من الغمم

أظهرتَ عند جدالي سيءَ الأدبِ
فرُحتَ بالنارِ تبغي أخطرَ اللعبِ
مازالَ ذا الدّهرُ يُبدي من غرائبهِ
حتى غدا الرأسُ مذموماً من الذَّنبِ
كذلكَ شأنُ الحُرِّ إن ضاعَ حقّهُ
أناةً،فإن لم تُغنهِ قام غازيا
فمن مثلُهُ في الناس يوماً وقد مضى
يؤدبُ جباراً،ويكبحُ عاتيا
ويا رُبَّ شرٍّ كانَ للشرِّ حاسماً
ويا رُبَّ داءٍ كانَ للداءِ شافيا

هيَ الأيامُ لا تُبقي عزيزاً
وساعاتُ السرورِ بها قليله
إذا نشر الضياءُ عليكَ نجمٌ
وأشرقَ فارتقب يوماً أفوله
هو السؤددُ الماضي تدقُّ بشائرهْ
وتَغمرُنا أمجادُ ومفاخرهْ
ذكرتُ به التاريخَ يزخرُ نهضةً
أضاءت لها في الشرقِ عُزاً منابرهْ
غداةَ سما بالدين في مصر صرحهُ
تفيضُ على الأكوانِ علماً زواخرهْ

هاشم رفاعي(
ذكريات عام ضائع):
خيالٌ تمرُّ عليهِ الصورْ
يعيدُ من الدّهرِ ما قدْ عبرْ
ويضرِبُ في لُجج الذكريات
فترجعُ ماثلةً للنظرْ
تُصوِّرها عينهُ حيّةً
كأنَّ عهودي بها لم تَمرْ
ويحملني اليومَ عبرَ السّنينِ
لماضٍ بأحداثهِ قد ذَخَرْ

هاشم رفاعي(
ذكريات عام ضائع):
أُطالِعُ في سِفرِ أيّامهِ ما يسوءُ
على أنَّ في بعضها ما يُسِّرْ
سُقيتُ الهزيمةَ من كفِّها
وذُقتُ بها نشوةَ المُنتصِرْ
ومرَّ بي اليأسُ مثلَ الظّلامِ
بلوتُ بها خُلقَ الأصدقاء

وأدنتْ ليَ الأملَ المُزدهرْ
فكم كنتُ مُستخلصاً للِعبرْ
وما خنتُ عهداً لمن قد وفى
ولا صُنتُ ودّاً لمن قد غدرْ

هاشم رفاعي:
فمدَّ يد الإرهاب كل مُضلل
غويٍّ بأحضانِ الشقاءِ قد ارتمى
يريدُ لدينِ الحقِّ وأداً وضَيعةً
ألا بُترتْ يُمناهُ كفاً ومعصما
عقولٌ يُريها الحقدُ في الهدي سُبّةٌ
ويُملي عليها أن تثور وتنعما
قلوبٌ عليها للضلالِ غشاوةٌ
فأنّى لها أن تستجيبَ وتفهما

هاشم رفاعي:
هم أوغلوا في إفكهم وعنادهم
هو الحقُّ لكن كيف يهدي لنورهِ

وكان الذي قالوهُ وهماً مُرّجما
وإن كان مثلَ الشمسِ من بات ذا عمى
أبى الكفرُ إلا شقوةً وسفاهةً
فباتَ امتشاقُ السيفِ أمراً مُحتّما
وذو الحلمِ إن يغضب فغضبةُ ثائرٍ
رأى العارَ في أن يستكينَ ويكظما
هو الحقُّ قد أرسى الإلهُ بناءَهُ
وأكملهُ القرآنُ نوراً وتَمّما

هاشم رفاعي:
وسِرْ بالقوافي نحو قومٍ أعزّةٍ
ومَجِّدْ بذكرِ الأكرمينَ القوافيا
رجالٌ إذا ما المزنُ ضَنّتْ بمائها
همُ القَطرُ ،كلا بل همُ الغيثُ هاميا
متى تأتهم تلقَ السماحةً والندى
وإن عدتَ من دارٍ لهم عدت راضيا

هاشم رفاعي:
أمّي غرستِ الحُبَّ في أحنائنا
وملاتِ بالمُثلِ الرفيعة أضلعا
أمي وقد علّمتِ كلَّ حميدةٍ
وهدى شربناهُ غذاء مرضعا
فإذا فرحنا تُظهرينَ بشاشةً
وإذا مرضنا تذرفين الأدمعا
لو أنَّ غيرُ اللهِ يعبد بيننا
لوجدتِ أقواماً أمامك رُكّعا

هاشم رفاعي:
يا منْ سهرتِ الليلَ في تمريضنا
تهدينَ كأساً للحنانِ مشعشعاً
أمي العزيزة أنت بيتُ قصيدنا
إن نحنُ أنشدناهُ ،زنتِ المطلعا
إن الفؤاد لقد أضاءَ بحبّها
وروابطُ الإخلاصِ لن تتقطعا

هاشم رفاعي:
رُحنا نُشيّعُ منكَ بحراً للتُّقى
في ضفتيهِ الجودُ والإكرامُ
نمشي وراءكَ والقلوبُ من الأسى
تدمى،وملءُ نفوسِنا آلامُ
حرُّ الأسى بين الضلوعِ كأنّهُ
في القلبِ من هولِ المُصابِ ضِرامُ
والعينُ تهمي والدموعُ ذوارفٌ
لمن العزاءُ أسوقهُ والكلُّ في

والناسُ خلفكَ شفّها الإيلامُ
جنبيهِ للخطبِ الأليم سهامُ
بكتِ المروءةُ بعد موتكَ سيّداً
وهوى بفقدِكَ للوفاءِ إمامُ
بجوارِ ربِّكَ نمْ فقد أسهدتنا
وأخو الأسى والحزنِ كيفَ ينامُ
واحملْ إلى الأحبابِ عطرَ تحيّةٍ
إذ ما أقمتَ هناكَ حيثُ أقاموا

هاشم رفاعي:
أمّا المصابُ فكانَ شرَّ مصابِ
يا بهجةَ الأقرانِ والأترابِ
تلك المنيّةُ لا تزالُ على الورى
تسطو بظفرٍ لا يفلّ ونابِ
في كلِّ يومٍ بالفؤادِ مرارةٌ
لفراقِ من يمضي من الأحبابِ
ويُفتّتُ الأكبادَ أنَّ فراقهم
ورحيلهم عنا لغيرِ إياب

هاشم رفاعي:
قِفْ أيها الغادي..عليكَ سلامُ
بأولي المكارمِ تذهبُ الأيام
إنّي رأيتُ غداةَ فقدِكَ موكباً
قد سارَ فيهِ مرارةٌ وزحامُ
يمضي بأروعِ ماجدٍ لا يُرتجى
من بعدهِ للطيباتِ قيامُ

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
رحاب الهدى يا منار الضياء
سمعتُك في ساحة من صفاءِ
تقول:أنا البيتُ ظلُّ الإله
وركنُ الخليل أبي الأنبياء
أنا البيتُ قبلتكم للصلاة
أنا البيتُ كعبتكم للرجاء
فضموا الصفوفَ وولّوا الوجوه
إلى مشرقِ النورِ عند الدعاء

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
وسيروا إلى هدف واحد
وقدموا إلى دعوة للبناء
يرى بها الله إيمانكم
ويرفعُ هاماتكم للسماء
يا عطاء الروح من عند النبي
وعبيراً من ثنايا يثرب
يا حديث الحرم الطهر الذي
يطلع النور به في اللهب

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
قُمْ وبشر بالمساواة التي
ألفت بين قلوب العرب
والإخاء الحق والحب الذي
وحد الخطو لسير الموكب
والجهاد المؤمن الحر الذي
وصل الفتح به للمغرب
أمة علّمها حبُّ السماء
كيف يبني ثم تعلو بالبناء

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
فمضت ترفل في وحدتها
وتباهي في طريق الكبرياء
بيد توسع في أرزاقها
ويد تدفع كيد الأشقياء
سادت الأيام لما آمنت
أن بالإيمان يسمو الأقوياء
فإذا استشهد منهم بطل
كانت الجنة وعد الشهداء

أحمد زكي أبو شادي:
عمرٌ ينقضي بِرُشدٍ وغيّ
وحياةٌ تشرّبتْ كلَّ حيّ
يا أخي أنتَ بعضُ نفسي فرفقاً
لا تحاول إرهاق قلبي الأبيّ
أو تلمني على وفائي للحقِّ
وذودي عن الغبين الشقيّ
ذا كياني،وذا شعوري،فما لي
حيلةٌ في شعور قلبي الوفيّ

لم يبق إلا أن يُكّفنَ بعضنا
بعضاً وأن تتسابق الأموات
ماذا يرجى بعد أن طعن الهوى
روحَ الإخاءِ وسادت الشهوات

أحمد زكي أبو شادي:الرسالة العدد 668:زوجتي…وفاء ورثاء

ماذا تُفيدكِ لوعتي وبكائي؟
هذا فناؤُكِ مُؤذنٌ بفنائي!
أسديتِ عمرك للحياة فما وفت
ومضيت للأبرارِ والشهداءِ
لهفي عليكِ وقد أتيتُ مُودِّعاً
فبكيتُ فوقَ جبينُكِ الوّضاءِ
زاد المماتُ جمالهُ وتناثرتْ
مني الدموعُ عليكِ كالأنداءِ
كانت حشاشتي المذابة حرقة
وبقيّة المكنوزِ من نعمائي
فترنحتْ بفجيعتي،وتضوّعتْ
بسريرتي،وتلألأت بوفائي
وروتْ مُحيّاً كان جنة نعمتي
وملاذ تفكيري ووحي ذكائي
وطرحتِ آلام الحياة عزيزة
فبدوتِ بين سماحةٍ وصفاءِ
وأقبلُ الوجه الحبيب،وطالما
أودعتُ فيه صبابتي ورجائي

وما زلت تغزوني المآسي كأننا
صحاب، وتهواني شراباً ومطعما
بلا كلفة تحيا على بر مهجتي
فآثرت أن أفنى وأن أتبسّما

أحمد زكي أبو شادي في رثاء حافظ إبراهيم:

الشعرُ بعدك لن يعيش يتيما
والنظمُ دونك لن يهون نظيما
وزعت روحك في الحياة فأطلعت
عمراً،وصيرت الممات عديما
طُبعت بها الآياتُ للأدب الذي
ما زلت فيه على البعاد زعيما
أدب تسيرُ الشمس بين ركابه
في الخافقين وتحفظ التعليما
يحيا على كرّ الزمان ولم يكن
ليموت لو غاب الشعاع رميما
من طينمصرنما ومن أنفاسها
والأرض لا تنمي الشعور ذميما
نختُ الحياة وتارة تمثيلها
عاشا مثالا من نداه وسيما
ما كان رمزاً للقسامة مظهراً
كالكنز خبّأ حالياً وقسيما
لا يستخفّ بما يصوغ كيانه
فيجىء معجزة الجرىء قويما
إن كان تنقصه الرشاقة تارة
فمن الرشاقة ما يكون سقيما
يلقيه في الحفل العظيم رسالة
فيهزّ صحبا إذ يهزّ خصيما
كالأنبياء يفيض عن إيمانه
باللفظ شهداً والبيان شميما
في جوهريِّ الصوت يدوي عالياً
حتى إذا أشجاك عاد حليما
خضعت له المُهج العزيزة وانثنى
بالرّاحِ يشفي عانياً وكليما
فترى الحياة تدبّ في ألفاظه
والصوتُ ينهض بالحروف رخيما
وتراه في المعنى وفي المبنى سما
فوق النبوغِ إذا التفوقُ رِيما
وينالُ بالإلقاءِ عُمراً آخراً
من رُوحهِ ويزيده تفخيما
ولكم يموتُ الشعرُ من مُتعثرٍ
فتراهُ في أبهى الجمالِ هشيما
جزعت نفائسه لِفقدك حينما
موتٌ كموتك يشبه التكريما
تمضي إلى دنيا الخلودِ وقبلها
ملك الخيال مرحت فيه نسيما
رُوحُ شباةُ السيف حِدّةُ خاطر
فيه،ووحي الفن فيه أُقيما

أحمد زكي أبو شادي في رثاء حافظ إبراهيم:
لاقى الحروبَ ودام في حرب المنى
ومضى ولم يعرف بها التسليما
غلبت بسالته الزمان وأشرقت
منهُ البشاشةُ سالماً وسليما
يتميزُ القدرُ العتيُّ بنظمه
ويقصُّ أسرار القضاءِ رحيما
جمع الشبابَ مع المشيبِ فأطلعا
حِكماً وآياتٍ تزينُ حكيما
ويصوغُ للوطنِ العزيز مآثراً
وهي الصوامعُ للجمالِ سليما
حلوُّ الدعابة والحديث فما انتهى
متذوقٌ منه نُهى ونديما
ينسى مراراتِ الحياةِ بقربهِ
والحظُّ ختلاً والزمانُ لئيما
صافي الفؤاد فليسَ ينبض مرّةً
إلا صفيّاً للنفوسِ حميما
علمٌ بقامتهِ ونخوةِ قلبهِ
كم صان للأدبِ الصميم صميما
يحنو على البؤساء حين استعذبوا
منه الشفاءَ بشعرهِ ترنيما
نشرَ المحبّةَ والسلامَ ولم يذُقْ
إلا أليماً للورى وأليما
كم من أيادٍ للمروءةِ حُجبت
حتى العليمُ بهنّ ليسَ عليما
حفظَ الوفاءُ كَحفظهِ لغةَ العلى
وأشعّ سحراً للعقولِ جسيما
هيهاتَ أنسى من نداه محبّةً
قد كان يسبغها عليَّ كريما

لولا المحبّة فاضت الدنيا أسىً
وغدا شقاءُ الهالكين جحيما
يبكيك وجدانُ العروبةِ مُنقذاً
والجهلُ قد نشرَ الظلام بهيما
يبكيك من عبدوا الوفاء،وكلنا
ذاك الوفيُّ المُرتجيك قديما
أمّا أنا فأردُّ دمعي،طائراً
فوقَ الأثيرِ لكي أراك نعيما
وأعافُ من شعرِ الرثاءِ مناحةً
وأراهُ ذكراً شاملاً ومقيما
ربح الذين رثوكَ شأو مفاخرٍ
وغدا الذي أغفلته التعظيما
لكن وددتُكَ من يصوغ لي الرُثا
عن أن أصوغ لك الرثاءُ كليما
شعرٌ تُقاسُ به الحياةُ ومجدُها
ويخلدُ الظل السريع رسوما
ولكم تمناهُ الأديبُ كنوزَهُ
عن أن تدوم له الحياة خديما
وتُعدُّ من نِعمِ الحياةِ وبرّها
نفسٌ كنفسِكَ لا تُسىء خصيما
طُبعت على الزهدِ النقيِّ وقدّرت
في الجاه غبناً واليسارَ غريما
ما الحيُّ إلا نفحةٌ علويةٌ
ما الميتُ إلا من يعيشُ أثيما
فلكَ البقاءُ السرمديّ فإنما
خُلِقَ البقاءُ لمن يموتَ عظيما

أحمد زكي أبو شادي:
أهاجَ دويّ البحرِ صرخةَ آمالي
وبدّدَ أحلامي وبلبلَ بلبالي
رأيتُ بهِ الأمواجَ ملءَ اصطخابها
تقاتلُ مثلَ الحظِّ في عمري البالي
وتلتهمُ الصخرَ الأشمّ أمامها
كما طوّحَ الدهرُ الخئون بآمالي
تأملتهُ في حيرةٍ بعد حيرةٍ
وفي وجلٍ تالٍ على وجل تالِ
وقد جدّد الحزن الذي نال مهجتي
سنين كأني حالٌ همّ أجيالِ
رأيتُ به عقبى الحياة ومنتهى
مطامحها العليا من الحبِّ والمالِ
هشيمٌ من الأمواج قتلى وكم بها
عواطفُ ضاقت بالحياةِ وأمثالي

أحمد زكي أبو شادي:
أطلُّ عليها في وجومٍ ولوعةٍ
كأني أرى الأخرى أمامي وأهوالي
وقد نسيت نفسي وجودي وأُشعرت
وجوداً من الآلام في روعة الحال
فيا حزن قلبٍ كالغريبِ بعالمٍ
غريب لأهليه الأبرين والآل
دفنتُ أسيفاً عزمتي ومواهبي
لدن عدّ من ذنبي همومي وأعمالي
وحيّا أخلائي جهودي وما دروا
جهودي التي ماتت لحزني وإقلالي
فيا موجُ متْ حولي فموتُكَ راحةٌ
وموتُكَ مرآة لموتي وإذلالي
وإن كان لي في الفكرِ دنيا جديدة
تعالت عن الدنيا بإحساسها الغالي
غنمت بها روح الجمالِ التي سمت
عن الجسمِ واستولت على حبي الغالي

محمود غنيم:
بتنا نعيشُ على حسابِ جدودنا
هيهاتَ ليسَ الحرُّ كالمُستعَبدِ
كان الجدودُ لهم شرعاً يأؤونهُ
ولنا وكورٌ من يردها يصطدِ
كانوا مغاورَ يعتدون على الورى
فإذا بنوهم عرضة للمعتدي
صالوا برمحٍ ذابلٍ ومُهَنّدٍ
عضبٍ ونعجزُ أن نصولَ بِمبردِ
قد كانَ همّهم الفتوحُ وهمّنا
أن نغتذي أو نرتوي أو نرتدي
إرثٌ على يدنا تبدّدَ شملهُ
يا ليتَ هذا الإرث لم يتبدّدِ
مالي أرى الشّرقَ المهيضَ جناحهُ
رغم اتحادِ الهَمِّ غيرَ مُوَّحدِ
ولقد تُهان أمامنا جاراتنا
وشكاتُهنَّ تُذيبُ قلبَ الجلمدِ
فنرى ونسمعُ صامتين كأننا
لم نستمع وكأننا لم نشهدٍِ
فإذا تحمسّنا مددنا نحوهم
كفَّ الدعاءِ وغيرها لم نَمدُدِ

محمود غنيم وقصيدة الركب المقدس:
أي ركب دبّ في جوف الفلاة
يقتفى التاريخ في شوق خطاه؟
تحت جنح الليل يسرى خفية
في سبيل الله والحق سراه
يقطع الليل مسيراً فإذا
وشت الشمس به ألقى عصاه
وقريش خلفه لاهثة
تسأل الركبان عنه والمشاة
فكأنّ البرق في خطفته
أعين شزراء ودّت لو تراه
وكأنّ الطود في إطراقه
ستمع تنصت منه أذناه
وكأنّ الرمل يحصى خطوه
وكأنّ النجم من بعض الوشاة
غير أن الركب يمضي ثابتاً
وشعاراه اتئاد وأناة
ويقين بالذي يحرسه
من يلذ بالله لم يخش سواه
في سبيل الله يمشي آمناً
كيف يخشى وهو يمشي في حماه؟
قلة لكنها في عزمة
لا قليل ذرعها أو متناه
ما نجوم الليل إن قيست بها
ما رمال البيد ما قَطر المياه؟
عزّ من قوته أيمانه
أرأيتم مؤمنلً خارت قواه.
لا دروع سابغات لا قَنا
مشرعات لا سيوف منتضاه
قوة الإيمان تغني ربها
عن غرار السيف أو شن القناة

محمود غنيم في رثاء محمود الخفيف:
فديتك راحلاً(
مجلة الثقافة العدد 1028)
علام تشدُّ رحلك غير واني؟
فديتُكَ راحلاً قبلَ الأوانِ
رويدك يا خفيف فلست تدري
بقيرك ـ بعد بعدك ـ ما أُعاني
بربّكَ كيفَ تلقى الموت دوني؟
وكيفَ به دعاكَ وما دعاني؟
وإني من كيانكَ كنت جزءاً
كما قد كنتَ جزءاً من كياني
وكنتُ أعدّ دمع العين ضعفاً
فسالَ عليكَ منطلق العنانِ
وقالوا إن سكب الدمع يشفي
فما للدمعِ بعدكَ ما شفاني؟
وما هذي الحياة سوى طريق
ونحن على الطريق مسافرانِ
فكيفَ تركتني في الدربِ فرداً
ومالي بالسرى فرداً يدان
وآخى بيننا الأدب المصفى
فظن الناس أنا توأمان
فكنت إذا فرحت فرحت قبلي
وتشجى أنت إن همّ شجاني
أحقاً أنّ محموداً تولّى
وأنّي لن أراهُ ولن يراني
وكيفَ وصوتهُ ما زال يسري
إلى سمعي كما تسري الأغاني
وذلك سمتهُ طلق المُحيّا
وذاكَ شبابهُ في عنفوان؟
كذلك أنتِ يا دنيا سراب
لحاكِ الله مالكِ أمانِ
يطالعني الخفيف بكلِّ أفق
وألمحُ وجههُ في كلِّ آنِ
أكادُ أراه حين أسيغ مائي
وزادي في الكئوسِ وفي الأواني
أرى وجه الخفيف خبا سناء
فأعجب كيف يبدو النيران؟
كأنّي ما جفوت سواه خِلاً
ولا خلّ سواه قد جفاني
كأنّي ما جلستُ إليهِ يوماً
ليطرفني بأبكار المعاني
فأنساني الجلوس إليه نفسي
وما ألقاهُ من عنتِ الزمانِ
يطيبُ بيان محمود بسمعي
ومحمود يطيبُ له بياني
ويطرب حين يهجوه غنيم
وأطربُ للخفيفِ إذا هجاني
كلانا شاعر يهجو أخاه
بلا حقد عليه ولا اصطغان
سرت أبياتها بين الندامى
فأنستهم معتقة الدنان
يعطرها الوفاء بنفح طيب
ويكسوها الصفاء بطيلسان
وكم مدح يفيض به نفاقاً
لسان مثل ناب الأفعوان
وقال الطبّ سكتة نبض قلب
عرته فقلت:أفناهُ التفاني
سجل خطّ في خمسين عاما
طوتهُ يد المنية في ثوانِ

محمود غنيم في رثاء محمود الخفيف:
فديتك راحلاً(
مجلة الثقافة العدد 1028)
ولكن بعد أن أضحى نشيداً
يردّد مثل ترديد الأذان
أعنّي يا خفيف على المراثي
رأيت الشعر بعدكَ قد عصاني
فكم عاونتني في مدحِ خلٍّ
وكم ساعدتني في هجو شاني
وما ترجمت على حزني بشعري
فهلّا كان شعرك ترجماني
عهدتكَ ناطقاً بالشعر دُرّا
كأنّكَ صدت شعرك من عان
تفرد كل ذي قلم بحسنى
وتمّت للخفيف الحسنيان
بكت فيكَ الكتابة والقوافي
نبوغ ابن المقفع وابن هاني
ليهنك أن موتك في مكان
طهور الأرض قدسي المغاني
صريع العلم أشجع من صريع
بضرب السيف أو طعن السنان
ودور العلم ميدان فسيح
يموت به الشهيد بلا طعان
ولما أن سقطت على ثراها
كما سقط الكمي عن الحصان
تفزع سقفها علماً وضجت
صحائفها وأعولت المباني
دمان:دم الشهادة منك يجري
وآخر من دموع العين قاني
وزاغت حولك الأبصار حتى
كأنّ الأفق غشي بالدخان
وريع جنان كل فتى جليد
يخوض لظى الوغى ثبت الجنان
عيون بنيك حولك ناضحات
بدمع أو ب….أو حنان
يود فداك كل أغرّ منهم
كان قوامه من خيزران
وما فقدوا بفقدك غير دنيا
مطلقة عليك من الاماني
وما حملوا على الأعناق إلا
ملاكاً من ملائكة الجنان
تخذت العالم العلوي داراً
وعفتَ العيش في دار الهوان
وليسَ النجمُ يمكث في مدار
وليسَ الطيرُ يلبث في مكان
فما تسعى إلى أحد ويسعى
إليكَ مهرولاً قاصٍ وداني
ولا ترجو سوى المولى معيناً
وأكرِم بالمُعينِ وبالمُعانِ
ضمنت بعبقريتك الأماني
وما كالعبقرية من ضمان
وما أعقبت يا محمود نسلاً
سوى أبكار أفكار حسانِ
إذا خطبت تساق لها الدراري
مهوراً،لا اليتيم من الجمان
ولولا الفن كنت أبا وجدا
ولكن لست بالرجل الأناني
كفى بالفن للفنان ديراً
يعوقُ عن التناسلِ والقِران

لقد ربيت للأوطان جيلاً
لأشمَّ الأنف منطلق اللسان
فكل أب بمصر يراك قبلا
أبا لبنيه أول وهو ثاني
سباب الجيل يسأل عن أبيه
فيومىء نحو قبرك بالبنانِ

محمود غنيم في قصيدة دمعة على العقاد (الرسالة العدد 1053) عام 1964م

جزع الشرق وأجرى أدمعه
ليت شعري أيّ خطب روّعه؟
لا تلوموه على تذرافها
فيلسوف الشرق خلّى موضعه
شيّع الفجر لعمري باسماً
والضحى في رأده من شيّعه
كفّنوا العقاد في أسفاره
وادفنوا المرقم والطرس معه
لست أدري أشهاباً كان أم
علماً أم راهباً في صومعه؟
عالم بل عالم في رجل
ليت شعري أيّ قبر وسعه؟
سائلوا العلّة هل أودت به
رغم سبعين وخمس مسرعة؟
لا تقيسوا بالليالي عمره
بل سلوا في أيّ شىء قطعه؟
لم يسله سائل عن معضل
حيّر الأفهام إلا أقنعه
ماله اليوم طويلاً صمته
أيّ شىء عن جوابي منعه؟
صرع الموت فتى لم يستطع
خصمه في حلبة أن يصرعه
لست تدري أهو يحشو طرسه
أحرفاً أم هو يحشو مدفعه؟
وسلاحاه يراع مرهف
ودليل بيّن ما أنصعه
ذو يراع حين يأسو علّة
يزدري كل طبيب مبضعه
دولة الألفاظ في خدمته
إن دعا اللفظة جاءت طيّعه
نافذ الطعنة إن شاك به
أضلع الجبار تقصف أضلعه
إن سلّطه على نجم هوى
أو على أركان طود صدعه
ربّ حقّ صانه أو بائس
ذاد عنه أو سفيه دعه
ربّ غر رام منه لفتة
فرماه بالنعوت المقذعه
قلم العقاد سيف باتر
لم يجرده ابتغاء المنفعه
لم يجرعه كؤوس الشهد بل
كم كؤوس من زعاف جرّعه
العصامي الذي يأبى سوى
كفّه نحو العلا أن تدفعه
العيوف النفس لو ألبسه
غيره ثوب خلود خلعه
يابس بل شامس لم تستطع
رغبة أو رهبة أن تخضعه
لا تلوموه على أخلاقه
هكذا ربّ البرايا طبعه
يجد الأعداء فيه لددا
والأخلاء صفاءً ودعه
شامخ الرأس إذا الرأس انحنى
أبغض الناس إليه الإمعه
ليست العزّة ديناً تبعه
إنما العزة ديناً شرعه



عبقري العبقريات قضى
فهي من حزن عليه جزعه
إن بكته العبقريات دماً
فهي من أوصافه مترعه
خالد خلّد أبطال الورى
أي معنى بهمو قد جمعه
ادفنوه بين دور العلم أو
بين دور الكتب خطوا مضجعه
طلّق الدنيا ثلاثاً واصطفى
من بنات الفكر حوراً أربعه
مات عباس وتبقى أمم
تجتني من بعده ما زرعه
مات عباس جزاه ربه
رحمة عن كل معنى أبدعه



محمود غنيم(الرسالة 930):

نضو السّهاد أطال من إغفائهِ
وشفاه شافي الموت من برحائه
ألقى عصاهُ واستراحَ بمرفأ
يلقى المجاهد فيه حسنَ جزائه
ماتَ الذي لم ينسَ مصراً والرّدى
يمشي بطىء الخطوِ في أعضائه
ما زالَ في الميدان يحمل سيفهُ
ويصولُ حتى خرَّ من إعيائهِ
كان الهتافُ لمصر كلّ أنينه
فوقَ الفراشِ وكان بعض دوائهِ
عبد العزيز خلا بمصر مكانه
في طول ساحته وعرض فضائهِ

محمود غنيم
(
الرسالة
930)
كونٌ بِرمتهِ خلا من أهلهِ
يا منْ لهذا الكون بعد خلائهِ
هبة الهبات سخا الزمان بها على
هذا الوجود وضنّ بعد سخائه
لهفي عليه وألف لهفي ما خبتْ
شمسُ الضحى وخبا شعاع ذكائهِ
الموتُ أطفأ ذلك الذهن الذي
عجز الضفا والشّيب عن إطفائه
جسم نحيل غيرَ أن وراءه
أفقاً يتيهُ الظنُّ في أرجائه
وقريحةٌ نفّاذة لو وكلت
بالغيبِ ما عيتْ بكشفِ غطائهِ
لما نعى شيخا القضاة نعاته
قلنا قضاة الله فوق قضائه
حكم مضى كالسهم فيمن حكمه
قد كان مثا السهم عند مضائه
مات الذي اشترك الأحبّةُ والعِدا
بقلوبهم في نعيهِ وبكائه
لا تنثروا الأزهارَ حولَ ضريحهِ
فخِلالهُ ينفحن في أنحائهِ
هتفت شمائلهُ بملء لهاتها
ترثيهِ قبل هتافنا برثائه
والله ما نظم الرثاء لراحل
كَلسان ما أسداهُ من آلائه
ومن الثناءِ ممحض ومُموه
لكن صدق القولِ غير ريائه
هذا الذي ولّى نقي الثوبِ ما
من شبيهة علقت بذيل ردائه
قد كان أرفع قيمة من دهرهِ
وأجلّ من حرمانه وعطائه
النفي لم يقدر على إخضاعه
والحكمُ لم يقدر على إغرائه
هذا الرفات سجل أكبر ثورة
عبد العزيز ولا أزيدك خبرة

بالله لا تطووه عن قرائه
بالموت كل شارب بإنائه
قد كنت تبقى لو تكفلت العلا لكن
عدوي الموت عدوي لم تزل

والمكرمات لربذها ببقائه
من آدم تسري إلى أبنائه
يهني سماء الله أنك جارها
والخلد أنكَ نازل بفنائه
أقسمت لو جزع الصباح على امرىء
ما لاحَ بعدكَ مشرقاً بضيائه

محمود غنيم:
ما ضرَّ أعظمه تواضع قبره
يا سيد الشهداء غرسك لم يزل

فالدرُّ درّ وهو في الأصداف
نسقيه من دمنا ليوم قطاف
وتراثك الوطني في دم معشر
لا واهن عزماً ولا وقاف

محمود غنيم(
الرسالة العدد261)
:
أمر به سبقَ القضاءُ الجاري
لا تأخذوا بالذنب غيرَ جُناتهِ

ما حيلةُ الإنسانِ في الأقدارِ
إنَّ الصوابَ تَلمُّسُ الأعذارِ
الرزءُ يذهب بالعقول جلاله
فحذارِ من شَططِ المقالِ حذارِ
وهو الودادُ إذا عُراهُ توثّقتْ
أضفى على الآثامِ كلَّ ستارِ
إحسانُ من عاديتَ إساءةً
وكبارُ من صافيتَ غيرُ كبارِ

محمود غنيم(
الرسالة العدد 117):
لكَ اللهُ لا تشكو ولا تَتبّرمْ
فؤادُكَ فيّاضٌ وثغرُكَ مُلجَمُ
يفيضُ لسانُ المرءِ إن ضاقَ صدرهُ
ويطفحُ زيتُ الكيل والكيلُ مُفعمُ
تعلّلتُ دهراً بالمنى فإذا بها
قواريرُ من مسِّ الصَّبا تتحطّمُ

والحرُّ يُدرك المنى غلابا
لا يُمنح الحر ولا يُحابى
إني أرى الناس ما زادوا رفاهية
في العيش زاده تعقيداً وإشكالاً
كم هانَ أمر فقلدناه طائفة
من الحواشي وحملناهُ أثقالا
تجاوز العرفُ والعاداتُ حدها
فأصبحا في رقاب الناس أغلالا

لولا نيوب الأسد الضرغام
لكانَ من فصيلة النعام
خليليَّ هل للمجدِ حدُّ فأنتهي
إليهِ لقد طال العبورُ ولم أرسِ
مآربُ تترى،كلما نلتُ مأرباً
تُنازعني عنه إلى غيرهِ نفسي
فلا النفسُ إن أبلغْ تقف عند غايةٍ
ولا هي إن أخفقْ تُرحني باليأسِ
كذلك أشقى ما حييتُ فإن أمتْ
فيا ليت شعري ما ورائي في رمسي

تشابهت الأيام عندي كأنّما
مضى العمر يوماً واحداً متعاقبا
يا طالما حدّثنني النفسُ قائلةً:
أنحنُ أنعَمُ أم أسلافنا بالا؟
قالوا:تألق نو العلم،قلت لهم:
بل نارهُ أصبحت تزدادُ إشعالا
عهدُ الحسام بفضل العلم قد درست
آثارهُ وزمان الرمحِ قد دالا
يا رُبَّ حربٍ بغير العلم ما اتقدت
ورُبَّ جيشٍ بغير العلمِ ما صالا

محمود غنيم:
مدمرات وغازاتٌ مسممة
تصوِّرُ الموتَ ألواناً وأشكالا
لنا جرائم لم يسبق بها زمن
باتت تُزلزلُ ركنَ الأمنِ زلزالا
كم وضّحَ العلمُ منهاجاً لِمختلسٍ
وباتَ يحمي من القانون مغتالا
ابنُ الحضارةِ جسمٌ دونَ عاطفة
يكادُ يحسبهُ رائيه تمثالا

وبرقها خلّب يغريك بارقهُ
حتى إذا شِمتهُ ألفيتهُ آلا
رسالة الغربِ لا كانت رسالتهُ
كم سامنا باسمها خسفاً وإذلالا

محمود غنيم(العام الجديد ـ الرسالة العدد146):

شُقَّ الفضاء بنورك المُتجدّدِ
يا ليتَ شعري ما تخبيءُ في غدِ
ولقد مضى عامٌ عرفتُ صروفه
وعَييتُ بالغيبِ الذي لم يُوجدِ
يا ابن الظلام أما تعبت من السُّرى
أبداً تروحُ على الأنامِ وتغتدي
شيبتَ ناصية القرونِ ولم تزل
طفلاً تُطالعنا بوجهٍ أمردِ

محمود غنيم(
العام الجديد ـ الرسالة العدد146):
تمضي الحياةُ فلا تعودُ إذا مضت
وأراك تختتم الحياة وتبتدي
حتّام تضربُ في الدياجي هائماً
تهدي الأنامَ ولا إخالكَ تهتدي
رقدَ الأنامُ خليّهم وشجيّهم
وظللتَ وحدكَ ساهراً لم ترقدِ
ولقد حسبتُكَ بالسلامِ مُبشراً
فبرزتَ مثل الخنجرِ المُتجردِ

محمود غنيم(
العام الجديد ـ الرسالة العدد146):
الشرقُ مُضطرمُ الجوانحِ ثائرٌ
والغربُ يهدرُ كالخضمِّ المزبدِ
إني أرى ناراُ أُعِدَّ هشيمها
وثقابها لكنها لم توقدِ
الشرقُ يأملُ أن تحلَّ وثاقه
جرتِ الشعوب وارَ سير المُقعدِ
لهفي عليه مُنسَّباً لم يُجدِهِ
طيبُ النجارِ ولا كريمُ المحتد

محمود غنيم:
وإذا أحبّ فلن تراهُ مُحابياً
يهوى ويقلي وهو في كلتيهما

شتان بين حبيبه وحبائه
بالعقل مغلوب على أهوائهِ
وينالُ بالإسفافِ منه غريمه
وبغيرِ ذلك ينالُ من غرمائه
خصم شريف إذ يصول وربما
أغضى فكان القتلُ في إغضائهِ
حرّ حمي الانف إن سيمَ الأذى
فالموتُ دون رضائه
أنف لو أن الخلد شيب هواؤه
بغبارِ ضيم عاف شمّ هوائه
وصراحة في الرأي يبديه وإن
لم يرض ذو الجبروت عن إبدائه

ما الضعفُ إلا ما توهمُ الفتى
ضعفاً وبئسَ توهُّمُ المتوهمِ

محمود غنيم يرثي علي الجارم:

عرشٌ ينوحُ أسى على سلطانه
قد غابَ كسرى الشعر عن إيوانه
طوت المنون من الفصاحة دولةً
ما شادها هارون في بغدانه
لمّا تهامست الصفوف بنعيّهِ
كاد الفؤادُ يكفّ عن خفقانه
لا تعجبوا من موتهِ في حفلهِ
إن خانهُ ضعف المشيبِ فطالما



إنّ الشجاعَ يموتُ في ميدانه
جهرَ المنابرَ وهو في ريعانه

الشيخ محمد عبد المطلب:
للهِ أيامنا والدهرُ معتمل
يسعى إلى ما أردنا سعي محتدم
للهِ أيام كنّا والوجود لنا
يجري القضاءُ بما شئنا على الأمم
إذ يرفعُ الله بالدين الحنيف لنا
على الذرى دولةً خفاقة العلم

حسن كامل الصيرفي يرثي عزيز فهمي(
الرسالة العدد 989):
خَلِّ العزاء فما يفيد عزاء
سادَ الظلامُ وغامت الأضواء
الشعلةُ انطفأت،وكان وراءها
للمُدلجينَ الحائرينَ رجاءُ
خلِّ العزاء ودعْ لدمعكَ سيله
متدفقاً،فهنا يطيبُ بكاء
خلِّ العزاء فلست تملك منطقاً
متماسكاً إن هبّت النكباء
الشعلةُ انطفأت،وأية شعلة
كانت،تبارك نورها الوضاء
للحقِّ عاش،وفي سبيلِ قيامه
ماتَ المنافِحُ عنه وهو فداء

أحمد فتحي(
الرسالة العدد336):
جهلتُ حقائق الآمال،لكن
قنعت بها من الزمن اللئيم
وحسبي من أعاجيب الأماني
رضاها بالخسيس وبالكريم
تكفكف من مدامع كل شاك
وتحفزُ هِمّة الباغي الظلوم
ويزجيها خيالٌ كالليالي
فلا هو بالصحيحِ ولا السقيمِ

أحمد فتحي(
الرسالة العدد336):
فكم يهوى إلى قاعٍ سحيق
وكم يغري فؤادي بالدّنايا

وكم يسمو إلى هام النجوم
وكم يُغريه بالشأوِ العظيم
وما ألقاهُ يأسو من جراحي
ولا ألقاهُ يجلو من غيومي
ومن عجبٍ وصلتُ به حياتي
كما اتصل الشرابُ إلى النديم
إذا أزمعتُ من أملٍ فراراً
فررتُ من الجحيمِ إلى الجحيمِ

باحثة البادية:
أعملتُ أقلامي وحيناً منطقي
في النصحِ والمأمول لم يتحققِ
وظننتُ إخلاصي يفيد وهِمّتي
تفضي بمن أشقى لهن إلى الرقي
أكبرتُ نفسي أن يُقال تملقت
لا كان عيشي يرتجى بِتملقِ

باحثة البادية:
ليبكِ العلمُ والإسلام ما سلما
وليبعث الفضل في منعاك روح أسى

وليذرفا الدمع، أو فليمزجاه دما
كما بعثت إلى تحصيله الأمما
غالتكَ غائلةُ الموت التي صدعت
من الهدى علماً تعشوا له العُلما
مددت للعلمِ في مصر جداوله
فلم تدعْ في نفوسِ الواردين ظما
والدين طهرته من بدعة عرضت
عليه في سالفِ العصر الذي انصرما

باحثة البادية:
لهفي على طرق الإصلاحِ قد تركت
يا حجّة الدين من يبني دعائمه

بلا مناد وأمسى نورها ظلما
للمسلمين إذا بنيانه انهدما
عَدتْ عليك عوادي الدهر فاقتلعت
واحسرتا على العافين من لهم

من بيننا برداك:العلم والكرما
يسدّ إعوازهم إن حادث دهما
حملت من خطط الأعمالِ أصعبها
إنّ العظائمَ في الدنيا لمن عظُما

باحثة البادية:
ترثي عائشة التيمورية
يا موت ويحكَ لم تراع
حقوقاً للطرس ولا اليراع
تركت الكتب باكية بكاء
يشيب الطفل في مهد الرضاع
ولم تهب الفضائل والمعالي
وطول السعي في خير المساعي
ولم يمنعك مما رمت نثر
ولا شعر ولا حسن ابتداع
نراك تجود بالأرزاء حتى
عددنا البخل من كرم الطباع
فذب يا قلب لا تكُ في جمود
وزد يا دمع لا تكُ في امتناع
ولا تبخل عليّ وكن جموحاً
فكنز العلم أمسى في ضياع
سنبقى بعد عائشة حيارى
كسرب في الفلاة بغير راع
هي الدرُّ المصونُ ببطن أرض
وقد كانت كذلك في قناع
هي البحر الخضم وما سمعنا
بأن البحر يُدفن في التلاع
وكانت للمكارم خير عون
وللخيراتِ كانت خير داعِ

باحثة البادية:
ترثي عائشة التيمورية
لها القدح المعلى في العوالي
وفي نشر المعارف طول باع
فيا شمس المحامد غبتِ عنا
وخلّفت البكاء لكل ناعِ
ويا خيرَ النساءِ بلا خلاف
وقدوتنا بلا أدنى نزاع
لقد أحييت ذكر نساء مصر
وجدّدتِ العلا بعد انقطاع
وشدت صروح طهر باذخات
محصنة كتحصين القلاع
بني تيمور خطبكمو جليل
له وجه الفضيلة في امتقاع
وصبركمو أجل ومن سواكم
من الأقوام أولى باتباع

عبد الرحمن شكري(
الرسالة العدد 141):
أتظل موهون الجنان مروّعاً
قلِقاً من الآفاتِ والأقدارِ
تخشى الحياة ولست تخشى ميتة
هبها نصيب الموت في الإصغار
قلقاً تُطلُّ على الحياةِ كأنّما
منها وقفت على الشفيرِ الهاري
تخشى الحياة وكذبها وسَفالها
وصيالها في قسوة الغدّارِ
والحي يأكل من حياة مثيله
لحسن الضواري للدم المدرار
وتطاول المغمور ينحو نابها
كتطاول الغرقان في التيار
مُتشبثاً منه بِعطفي سابح
ليجره لمهالك وبوار
كل يخال الدهر إن هو عاقه
خطب الجميع بقاصم الأعمار
والموت يعصف بالدهور وأهلها
فكأنّها صور الخيال الساري
فعلام تخضع للتناكص والأسى
وتخاف حكم الله في المقدار
والقلب يلمسه الأسى فيهزه
وكأنّهُ وتر من الأوتار
وعلام ترتقب الزمان وصرفه
والغيب وهو مُحَجّبٌ متواري
عمري لو أن الغيب عاجل وانقضى
لقرأته سِفرٌ من الأسفارِ
لا إنها أمر تزاول صرفه
وتظل تعدو منه في مضمار
أو تغتدي بين الأنام مغامراً
تسعى على سنن لهم وشعار
فإذا أسيت أسيت طرفة ناظر
وإذا نسيت نسيت كل عثار
وكذبت ما كذب الأنام ولم تجد
في قسوة من خسّة وشنار
ونسيت ما جلبَ الزمان لأهله
من محنة أو مهلك ودمار
فتقول للقلب المروع إذا نزا
حذر الحياة وصولة الأشرار:
يا هارباً من صولة المقدار
أتراك تفلت من يد الأقدار
اهرب إذا ما اسطعتَ في أزل الدُّنى
أو في مدى الآباد والأدهار
أو في الممات وما تلاقي خلفه
بين الفناء ومعقل الأسرار
تعدو ويدركك الذي خلّفته
كالليل ليس يفر منه الساري
كلُّ من العيش المروَّع هارب
لو فاز خلقٌ في الدُّنى بِفرارِ

عبد الرحمن شكري(
الرسالة العدد 141):
فإذا القضاء مآلهم ونفاذه
كحصاد كل وسائل المختار
سل صفحة التاريخ كم قوم به
أجراه مجرى الدهر في مضمار
أقوام أدهر مضت بعض لها
ذكرى وبعض مالها من داري
قد أبدلوا طبع السَّفال بأنفس
من طبعها المتصاعد السّوار
صاروا إذا اغضبوا وإن سُروا وإن
درجوا لأمرٍ ثالثٍ بمدارِ
يتمرغون مجانة فنفوسهم
وجسومهم كمزابل الأقذار
وصموا الشباب ولم يكن من طبعه
خلق اللئيم العاجز الغدّار
إن الشباب مروءة وسذاجة
وترفعٌ ينبو عن الأوضار
نبذوا الحياء وكيف ترجو أمة
للنائبات مجانة العُهار
قد خِيلَ في فقد الحياء رجولة
فقد الحياء رجولة الدُّعار
طبع المجانة عمّ حتى خلته
كيداً يحاك عليهمُ بِسَرار
واستمرأوا مرعى الغباوة والخنا
إلفَ السجون لطولِ عهد إسار
درجوا على دَرج الحياة إلى الردى
من بعد جهلٍ راقهم وصَغار

عبد الرحمن شكري(
الرسالة العدد 110):
عصرَ السلام تحيّة وسلام
خلعت عليك رجاءها الأقوام
حسب الورى من حسن عهدك قدوة
علياء ما إن شانها استبهام
ما فاتهم طبّ الطبيب وإنّما
تتباين الأرواح والأفهام
ولقد يتوب أخو المجانة بغتة
من بعد عيش كلّه آثام
ويتوب هذا الخلق من شرّ ومن
إثم فتحمد خيرك الأيام
وإذا العبيد تحكموا في فتنةٍ
ساروا على نهج الظلوم وضاموا
والطبع في غدد الجسوم فعلّها
يوماً تصحّ فلا يكون أثام
لولا جهاد في الشرور تعطلت
سبل المكارم واستنام أنام
إن لم يكن نقص ففيم رجاحة
وبضدّها تتميزُ الأقوام
لا يطعم السعدُ الشهيُّ شهدهُ
من لا ترود فؤاده الآلام

ألا لا أبيح العيش مدحاً ولا ذماً
سكتُّ قلا عذراً نطقتُ ولا لوما
حلمتُ بحسن العيش والصدق والنهي
أمانيُّ لا صُمّاً تبدت ولا بُكما
وإن لم يكن عيش الفتى حلم حالم
فما عذري قولي إن حسبت الدُّنى حلما

عبد الرحمن شكري(الرسالة العدد116):

ألا عِدْ واخلفْ أنت بالوعد مانح
فَمُطلكَ مغفور وخيرُكَ راجحْ
ولم تكُ مثلَ الآلِ فالآلُ مهلك
ووحيك أسخى ما تضمُّ الجوانح
اقحوكم ناقمٍ من خلف وعدك لا غنىً
له عنك أو تُغني المنايا اللواقح

كدت أنسى دواعيَ الرفق مما
قد أرتني نذالة التعساء
أعالجُ صرف الدّهرِ في غيرِ مطمعٍ
ولكنني أرجو من الموتِ راحةً

وأفعلُ ما تُملي عليَّ المقادرُ
ويفزعني وقع لهُ وخواطرُ
وما العيشُ إلا الذئب تدمى نيوبه
وللعيشِ نابٌ قاتلٌ وأظافرُ
ولكنه كالخمرِ تحلو لشاربٍ
وإن سلبت منه النُّهى والسرائرُ
فها أنا بين العيشِ والموتِ واقفٌ
فهل مخبر يدري متى أنا سائر؟

ولكنَّ مثلي ليسَ تكبو بهِ المنى
ولو كانَ في أيدي الخطوبِ عناني
وعاقروا الخمرَ والأفيونَ في دعةٍ
واستخبروا عن هوى اللذاتِ قاطبةً

فعيشكم مثل ظلِّ سوفَ يرتحلُ
أما عن العزِّ والعليا فلا تسلوا
وملءُ أشداقكم ضحكٌ أأسكركم
من حسنِ حالكم خمرٌ هي الجذلُ؟
أم ضحكةُ الرجلِ المجنونِ من حَزنٍ
لشدَّ ما نالَ منكَ البؤسُ يا رجلُ؟
أم ضحكة الخنثِ الموهون أضحكهُ
أمرٌ معيب فلا تقوى ولا خجلُ؟

ومن كانت الدنيا هواهُ وهَمّهُ
سبتهُ المنى واستعبدتهُ المطامعُ
خَلِّ الهوينى فهذا أمرنا جللُ
لا اليأسُ فينا بمحمودٍ ولا الأملُ
كم أمّةٍ هلكت من قبل ما عرفت
أنَّ الهلاكَ إليها عامد عجلُ
تعللُ النفس بالأحلام تنظرها
والهلك حتم ويخفى سيره المهلُ

يرى الناس أن النوم أمٌّ رحيمةٌ
ولكنّ نوم الجارمين عقابُ
يسلُّ على الحلم أسيافَ نقمةٍ
فأحلامُ نومي كالجحيمِ عذابُ
ما زادَ مَرُّ حياتي غيرَ أشجاني
فزودتني رجحاناً كنقصانِ
يا دهرُ لا تُنسني في ضيق عادية
محاسن العيش من صبر وغفران
وقوّني بتجاريب أزوالها
فإنها لم تزدني غير عرفانِ
وكيف يُلهَمُ خُبرٌ صبرَ مصطبر
يمري له الخُبرُ عرفاناً بإيهانِ
يزيده العمر من وهي ومن كبرٍ
ما زاده العمر من خُبرٍ بحدثان
فكيف ينفعُ تجريبٌ ومانحهُ
يوهي جلادة أعصاب وجثمانِ
بعض التجاربِ يُنسي بعضها زمناً
إذا تعاورَ لبَّ المرءِ ضدانِ
فإن تيقّظَ في تجريبِ طارقةٍ
فإنما هو يقظان كَوسنانِ
ضرورة العيش أن ينسى ليذكر ما
يغدو يعالج من أمرٍ له ثانِ
فالمرءُ ما عاشَ من حالٍ لثانية
مُنّقلٌ بين نسيانٍ ونسيانِ




حفني ناصف:
ليدعِ المدّعون العلم والأدبا
فقد تغيّب عبد الله واحتجبا
وليفخر اليوم قومٌ باليراعِ ولا
خوفٌ عليهم فمن يخشونه ذهبا
وليرقَ من شاءَ أعواد المنابر إذ
ماتَ الذي يتقيه كل من خطبا
لو عاش لم يطرق الأسماع ذكرهمُ
في طلعة الشمس من ذا يبصر الشّهبا
قضى الحياة ونصرُ الحق ديدنه
لا ينثني رهباً عنه ولا رغبا
سارت جنازته والعلم في جزع
والفضل يندبه في ضمن من ندبا

أحمد الزين(
الرسالة العدد750):
ذكرى على صدق الوفاء دليل
يمضي بها جيل ويقبل جيل
لا تبكِ من عاش عمراً واحداً
إنّ التراب على الترابِ مهيلُ
هل عاشَ أو هل ماتَ لا تسأل بهِ
فمماتهُ بحياته موصولُ
ما زادَ عن تعب الولاد لامه
والناس وهو إلى الثرى محمولُ

ومن البليّة أن أكثر من نرى
في الناس ذاك العائش المتكولُ
فاملأ موازين الزمان فلن ترى
في الناس ميزان الزمان يميلُ
تقضي العصور على الرجال بحكمها
والباقيات الصالحات عدولُ

أحمد الزين(الرسالة العدد152):

يا للعزائم يثني من مواضيها
أنّ الكفايات يُقضى بالهوى فيها
وللمواهبِ بالأغراض يقتلها
من يستمدّ حياةً من أياديها
وللجهودِ بأعشى الرأي يطفئها
ماضٍ على ضوئها سارٍ بهاديها
وللنوابغِ يقضي في مواهبهم
بما يشاء هواه غيرُ قاضيها

والنفسُ إن ملئت بالودِّ فاض على
نفوسِ أعدائها بالودِّ صافيها
لا تلحَ طالب رزق في نقائصه
إنّ الضرورات من أقوى دواعيها

أحمد الزين(الرسالة العدد 50):

أدّكاراً بعد ما ولّى الشّباب
ومن الذكرى نعيمٌ وعذاب
لا تقلْ تعزيةٌ عن فائت
كم عزاءٍ في ثناياه المصاب
وإذا الدار جفاها أُنسها
فمغانيها مع التُرْبِ تراب
إنّما الذكرى شجونٌ وجوىً
يسكن القلبُ لها وهي حِراب

أحمد الزين(
الرسالة العدد 50):
رُبَّ نفسٍ عشقت مصرعها
كفراشِ النارِ يُغريهِ الشّهاب
ولكم أُنس وفيه وحشةٌ
واقترابٍ هو نأيٌّ واغتراب
عالي القلب بذكراكِ وإن
كان لا يُغني عن الماءِ السّراب
وصِلينا في الكرى أو في المنى
من أباهُ الصدقُ أرضاهُ الكِذاب

أحمد الزين(
الرسالة العدد 50):
أو عِدينا عِدةِ ممطولة
كم تمنينا عقيمات المُتى

قد يُشامُ البرقُ إن ضنَّ السّحاب
ودعونا وصدى الصوت جواب
ورضينا بقليلٍ منك لو
أن مشتاقاً على الشّوق يُثاب
يا زماناً صَفرتْ منهُ يدي
غير ما تُبقي الأماني الكِذاب
ليتَ نفسي ذهبتْ في إثرهِ
فذهاب الصفو للمرءِ ذهاب

أحمد الزين في رثاء حافظ إبراهيم(
الرسالة العدد 193):
أفي كلِّ حين وقفة إثرَ ذاهبِ
وصوغ دم أقضي به حقَّ صاحبِ
أُودِّعُ صحبي واحداً بعدَ واحد
فأفقدُ قلبي جانباً بعدَ جانبِ
تساقطُ نفسي كلّ يوم فبعضها
بجوفِ الثرى والبعضُ رهنُ النوائبِ
فيا دهر دعْ لي من فؤادي بقيّة
لوصلِ ودود أو تذكر غائبِ
ودعْ لي من ماءِ الجفون صُبابة
أُجيبُ بها في البينِ صيحة ناعبِ
وهل صيغ قلبي أو ذخرت مدامعي
فقارب أخاكَ الدهر والعيشُ مسعف

لغيرِ وفاء أو قضاء لواجب
فسوفَ تُرى بالموتِ غير مقاربِ
حياةُ الفتى بعد الأخلاء زفرة
تردّدُ ما بينَ الحشا والترائب

أحمد الزين:
هاتِ كأسَ السلوّ تشفِ فؤادي
وأرحني من مدمعٍ وسهادِ
حسبُ نفسي ما حُملّت من وفاءٍ
وودادٍ لغيرِ أهلِ الودادِ
طالما جادت العيونُ بدمعٍ
ليتها في النوى عيونُ جمادِ
ليتني صنتُ مدمعي لزمانٍ
بالرزايا مُراوح ومُغادي
كنتُ كالطفلِ يبذل الدمعَ،لايد
ري بأن الدموع خيرُعتادِ
قادني حبّكم إلى الحزن فاليو
م عصيتُ الهوى وعزّ قيادي
ونسينا عهودكم فدعوا ذك
رَ عهودٍ عدتْ عليها العوادي
وامنعوا الطيفَ أن يُلمَّ بعينٍ
نعمتْ بعد بينكم بالرقادِ
مرحباً بالسلوِّ يُنعمُ نفساً
أنِستْ بعدكم بعيشِ الوحاد
فليالي السلوِّ أشهى لقلبي
يا زمانَ الهوى أضعتكَ في الغيِّ

من ليالي الوصالِ بعد البِعادِ
فياليتني أطعت رشادي
لاَ حينَ الأحباب يا نسمة الليل
فاحملي سلوتي تفوزي بشكرٍ

فقد أصلدَ الجفاء زنادي
من وفي لم ينس بيضَ الأيادي
إن تكن سلوةُ المحبينَ زُهداً
فاشهدي أنني من الزهادِ

أحمد الزين في قصيدة الضمير(
الرسالة العدد35)


لا تسلني عن صاحبي ونصيري
لم أجد في الدهرِ غير ضميري
صاحبٌ أمرهُ لديّ مطاعٌ
يا لهُ من مصاحب وأمير
هو صوت السماء في عالم الأر
ض وروحٌ من اللطيف الخبير
وشعاعٌ تذوبُ تحت سناه
خدعُ العيش من رياءٍ وزور
مبلغُ العلم أنه روحُ خير
باطنُ الشخص ظاهرُ التأثير
كلّ حيّ عليه منه رقيب
حلَّ من قلبهِ مكانَ الشعور
حلّ حيث الأهواء تنزو إلى الإث
م وتهفو إلى مهاوى الشرور
جامحاتٍ أعيت على الدين كبحاً
رغم إنذارها بسوءِ المصير
ثم صاح الضميرُ فيها نذيراً

فأصاخت إلى صياح النذير
هو روحٌ من الملائك يسمو
بسليل الثرى لعالم نور

قد تولت بالأنبياء عصورٌ
وهو باقٍ على توالي العصور
حافظاً في الزمان ما خلّفوه
قائماً في الصدور بالتذكير
حاملاً من شرائع الخيرِ كتباً
قدّست من صحائف وسطور
ليس يعفو عن الهناة وإن ها
نت ملحٌّ في اللوم والتعذير
هو إن شئت كان جنة خلدٍ
وإذا شئت كان نار السعير
عاجلُ الشرِّ وهو يأمر بالخير
قديرٌ لم يعفُ عفوَ القدير
فتحصّن ما شئت منه فلا ين
جيك حصنٌ من شرّه المستطير
هو مثلُ القضاء يغشاك لا تع

يه لو كنت في خوافي النسور
وتضرع بما تشاء فلن تج
دي نفعاً ضراعة المستجير
لا تحاول خداعه بالمعاذي
ر فليسَ المُسىء بالمعذور

لا تجادل في حكمه فهو حتم
لا يُردّ الذي قضى من أمور
لا يداري ولا يُداجي صديقاً
ناقدٌ للأمور نقد بصير
مرهف الحسّ ليس يُعييه غيبٌ
يسمع الهمسَ في حنايا الصدور
يبذلُ النصحَ لا يمنّ بما يُس
دي ولا يبتغي ثناء شكور
لم يدعنى إلى هوى النفس في الأمر
ولم يستعن برأي مُشير
ليس لي دونه من الرأي إلا
ما يراهُ الهوى بعين الغرور
كم حملتُ الآلام فيه وسخط الن
اس حتى فقدتُ ودّ عشيري
ليس يزكو غرسُ المودة في النا
س بغير النفاق والتغرير
لم يدعْ لي صدقُ المقال صديقاً
فلأهش قانعاً بودّ ضميري


أحمد الزين في قصيدة وصف القلب(
الرسالة العدد27)

منْ لقلبٍ بين الجوانحِ عانى
جمعَ اليأسَ والمنى في مكان
شاعر في الضلوع يخفق بالمع
نى فيعيا عنهُ بيانُ اللسان
كم خيالٍ له يضيق به اللفظ
فيسمو إليه بالخفقان
وأمانيَّ فيه كالزهر منها
ماذوى والقليلُ في ريعان
فهو راثٍ لما ذوى من أمانيه
ومستبشرٌ بباقي الأماني
باكياً شجوه وآناً نراه
يتغنّى بأعذب الألحان
فهو كالعود في يد الدهر يشدو
بالذي شاء دهره من أغاني
قطعَ العيشَ بين خوفٍ وأمن
ورجاءٍ ناءٍ وآخر داني
فتراه حيناً يلجّ به الوجدُ
وحيناً يلوذ بالسّلوان
وتراه يسيل كالماء لطفاً
وتراهُ كالنار في الثوران

صامتٌ وهو لا يني عن حديثٍ
مطمئنٌ في ثورة البركان
يا لسلطانه القويّ ولاشىء
عليه في الأرض ذو سلطان
لا تلمني إذا تبعتُ هواه
هو بعضي وآخذٌ بِعناني
كم حداني إلى هوىً لم يدعني

فيه أصغي لفكرتي وجناني
قادني للهوى ولو كان يدري
ما يلاقيه في الهوى لنهاني
لجّ فيه فكانَ شراً عليه
ليتني قد عصيته إذ عصاني
عصفَ الحبُّ بالقلوب فقلب ال
ليث في حربه كقلب الجبان
مضغةٌ في الضلوع يؤلمها المسّ
غدت نهبةً لصرف الزمان
فوق موج الألم تذهب حيرى
كسفين تسري بلا ربان
فهي بين الأحزان تفنى ويحييها
خيالُ التعليل والنسيان

جلّ من صاغها ميولاً وأهواءً
ولم يعدُ طينة الإنسان
وبرها من الملائك نورا
تتراءى في صورة الجثمان
فهي بين الضلوع لا تملأ الكفّ
وفيها صحيفة الأكوان



عبد الحميد الديب:
أرى الحوادثَ آساداً مقذفة
على دون الورى تعدو وتقتتل
فكم تصوّح عودي بعد نضرته
وكم خبا في دياجي عمري الأملُ
كأن حظّي رحيق الدّهر يشربها
إذا تطلبت عيشي مت من كمد

بكراً مُعتّقة،فالدهرُ بي ثملُ
وإن تطلّبت حيني يبعد الأجل
جوى، يا محنة أربت على جَلدي
كأن ليلي بيومِ البعثِ مُُصلُ

عبد الحميد الديب (
الرسالة العدد 519):
حظّي ومصرعه في لينِ أخلاقي
وفيض عطفي على قومي وإشفاقي
ومن حبتهُ الطلى أخلاق نشوتها
عدا على الكأسِ طوراً أو على الساقي
بين النجومِ أناس قد رفقتهمو
إلى السماءِ فسدّوا باب أرزاقي
وكنت نوح سفين أنشئت حرماً
للعالمين فجازوني بإغراقِ
وكم وقيت الردى من بات مضطرباً
في أسره المرّ لم أظفر بإطلاقِ
يا أمة جهلتني وهي عالمة
أن الكواكبَ من نوري وإشراقي
أعيشُ فيكم بلا أهل ولا وطن
كعيش منتجع المعروف أفاق
وليس لي من حبيب في ربوعكمو
إلا الحبيبين:أقلمي وأوراقي
ريشت لحظي سهام من نميمتكم
فصارعتني ومالي دونها واقِ
لم أدرِ ماذا طعمتم في موائدكم
لحم الذبيحة أم احمي وأخلاقي
قالوا: غويٌّ شقيٌّ قلت: يا عجباً
قد امتحنت بكفار وفسّاق

عبد الحميد الديب (
الرسالة العدد 519):
وما تألمت من خطب ضحكت له
كما تألمت من خطبي بعشّاقي
أنا على القرب منهم كل متعتهم
وإن نأيت حبوني فيض أشواقي
فمالهم قد أشاعوا كل مخجلة
عني،وقد أعلنوا بؤسي بأبواقِ
كصاحب الطير لا ينفك يسجنه
سجنين من قفص مضن وأطواق
حظي هو الأيكة الخرساء ذابلة
هو النسيم سموحاً غير خفّاقِ
هو السحابُ جهاماً والندى أسفاً
هو الضياء لهيباً حين إحراقي
كأنّه أذرع شلاء راحتها
أو أنه أعين من غير أحداق
لا تسألوني عن بؤسي وعلته
سلوا به الحظ ميتاً فوق أعناق!

زكي مبارك:
لا تحسبوا هجركم خطباً يُروِّعني
إنّي بوأدْ بناتِ الدّهرِ مُضطلعُ

عبد الله نديم:
سيوف الثنا تصدا ومعولي الغمد
ومن سار في نصري تكلفه الحمد
ومن عجبِ الأيام شهم أخو حِجا
يُعارضهُ غرّ ويفحمه وغد
ومن غرر الأخلاق أن تهدر الدما
لتحفظ أعراض تكفلها المجد

عباس محمود العقاد:
يرثي مي زيادة
أينَ في المحفل مي يا صحاب؟
عوّدتنا ههنا فصل الخطاب
عرشها المنبر مرفوع الجناب
مستجيب حين يدعى،مستجاب

عباس محمود العقاد:
كلما ناديتني هيّا بنا
قلتُ هيّا،وأنا في موضعي

طه حسين:
أفي الحق ما أسمعتنا أم توهما
تبين فقد بدلت أدمعنا دما

أحمد رامي:
أيها الرّاحلونَ عنّا سلاماً
قد صحونا ومالبثتم نياما
أصبحَ الصُّبحُ والخواطرُ حيرى
كيفَ نمتمُ،با ساكنينَ الرَّغاما
صاحبٌ بعدَ صاحبٍ يتوارى
في صِباهُ،ويسبقُ الأياما
وحبيبٌ إليَّ كان معي بالأمسِ
يُسَقِّي سمعي رحيقَ الندامى

يا دعاةَ الحقِّ هذا يومنا
لاحَ في آفاقهِ نورُ الرجاء
واصلوا السيرَ على وقعِ المنى
في قلوبٍ عامراتٍ بالإخاء

أحمد رامي في رثاء محمد تيمور:

كيف أرثيك يا رفيق شبابي
يا نجيّ من شيعةِ الأحبابِ
بدمعي؟الدمعُ أرخص ما يبكى
به صاحب على الأصحابِ
أنت أولى بأن يبلل مثواك
بنضح من الفؤاد مذاب
طار لبّي لمّا نعيت وضاقت
بي دنيا كثيرة الأسباب
تلك حالي، فكيف حالك يا تي
مور لما غدوت في الغياب
خلت الدار منك يا بهجة العمر
وأقوت من سرحها المخضاب

أحمد رامي:
أحنُّ إلى الماضي كما يذكر الحمى
طليح نوى ترمي به الفلوات
وأندبُ أيامي اللواتي تصرّمت
لشعري إذا ضمتني الخلوات
وفي الشعرِ تأساء وفيه رفاهة
وفيه لقلب ياقظ نشوات
أنيم به حزني كما يبعث الكرى
إلى عين طفل صارخ نغمات
وأكذب نفسي أنني إن صدقتها
أغارُ عليها الهمّ والحسرات
لقد ألفت نفسي الشقاء وإن يكن
أليماً فمن آلامه الخطرات
وما يحسن الأشعار إلا معذب
تضرّم في أحنائه الحرقات
ولو كان كل ناعماً في حياته
لما بهرتكم هذه النفحات

أحمد مخيمر في رثاء الشهيد عبد القادر الحسيني:
يا حامي القدس من كيد يُرادُ به
خلا العرين ومات الضيغم البطل
أغناكَ عزمكَ عن نظم،ومن خطب
فلم تزل بلسان السيف ترتحل
أرسلتها كلمات منه دامية
حمرا آذانها الأخلاد والعلل
بكى فأبكى،ولم تبرح مدامعه
لما قضيت مع الباكين تنهمل
يرنو لشبليك محزوناً،ونائحة
وراء نعشك ثكلى شفّها الخبل
قد أذهلتها المنايا فهي حاسرة
بين الحشود فلا خدر ولا كلل
لم يبُق في قلبها التوديع من جلد
إنّ الفراقَ بغيض ليس يحتملُ لُ
يا حامي القدس،دعهم يشمتون فما
يستأخر العمر يوماً إن دنا الأجلُ
في حومة المجدِ والأرماح مشرعة
لقيت حتفك،والأبطال تنتضل
فما جبنت على يأس،كما جبنوا
ولا خذلت على روع كما خذلوا
ولا أدرت وجوه الخيل مدبرة
في الموقف الضنك من خوف وقد فعلوا
وليس أشرف من موت حظيت به
والنصرُ دان إلى عينيك مقتبلُ
يا ابن الحسين تحيات نرددها
ما أشرف الصبح،أوما ابيضت الأصلُ
غامرت في الشرف الأعلى ففزت به
وجاذباك إليه الحب والأملُ
ونلت من حومة الهيجاء ما طمحت
يوماً إلى مثله آباؤك الأُولُ
جناتُ عدن إلى لقياك ظامئة
والسابقون لدار الخلد والرسل
فانعم بخلدك في أبهائه فرحاً
إنّ الخلود جزاء أيها البطل

أحمد مخيمر(
الرسالة 662):
يا صديقي العزاء لا تبعثِ السخر
عنيداً من الزمانِ العنيدِ
إنما الوالد الكريم سيبقى
خالد الذكر،باقي التمجيد
زودته الحياة بالحكمة الأولى
وبالسرِّ أيما تزويد
وأتاحت لقلبه نبعها الأسمى
ليحظى هنيهة بالورود
وتعالى عن الدنايا،وصفى
قلبه من عداوة وحقود
فهو ناهيك من صفاء وحلم
وهو ناهيك من عفاف وجود
تشتكي الأرض من طولِ ما عفّر
في التربِ وجهه بالسجود
فطرة ذلك الحنان،وهذا ال
عطف في ذلك الأبيّ المجيد

عبد الرحمن صدقي يرثي زوجته الرسالة العدد 612:
أيا غرفة مرموقة لِصقَ غرفتي
مطفأةَ الأنوارِ رهناً بظلمةِ
أرى بابكَ المطروقَ أمسى موصداً
ومخدعُ زوجي أنتِ،بل أنتِ جنتي
فأدعو بزوجي وهي جِدُّ سميعةٍ
لأمري،ولكن الصدى رجعُ دعوتي
لقد كُنتِ يا زوجي لدى الصبحِ موقظي
وكنتِ حسيبي في خروجي وأوبتي
فماليَ لا ألقاك يومي وليلتي
وبابُكِ من بابي على قيد خطوةِ
أرى من خلال السجف نوراً مشعشعاً
من الشمس،لكن لا أرى شمس مهجتي
ألا تسأليني كيفَ أصبحتُ؟في الضحى
وترجين لي طيب الكرى في العشيّة
شريكة عيشي،أسفر الصبح فاطلعي
أعدّي فطوري وانتقي لي حُلّتي
مكانُكِ خالٍ في الخوان فأقبلي
فيهنأ طعامي من حديث وطلعة
وإني لغادٍ للخروجِ كعادتي
فأين وداعي بالوصيد وقبلتي
نأى بك عني للمنيّة غائلٌ
ولولا المنايا ما سكنتِ لفرقتي
فأعدمني بيتي وعيشي وجنتي
وكانت هنا في غرفة لِصق غرفتي
أمرُّ أزوي الطرفَ عنها تألماً
وكان إليها ما مررتُ تلفتي
أطامن صوتي ـ إن همست ـ محاذراً
وأحبس أنفاسي وأخلس مشيتي
وما بي حذارٌ أن أُنبّه هاجعاً
ويا ليت يصحو الميتُ من بعد هجعةِ
ولكن مزيجٌ تارة من تهيّب
وخوف،وطوراً من خشوعِ وحرمةِ

محمود محمد شاكر (
الرسالة العدد 163):
أشابَ القلبُ أم كرهَ الشبابا؟
وبانَ الأنسُ أم نسيَ الإيابا؟
وغالبني الأسى أم غالبتني
حياةٌ تجعل الفوزَ اغتصابا؟
أتعصِبُني الدموعُ الصبرَ حتى
أرى الدنيا أنيناً وانتحابا!
ويُبدلني الزمانُ من التصابي
ومن طربي وجوماً واكتئابا!
وأسأمُ لذّةَ الدنيا،ولمّا
أذقْ من لذّةٍ إلا حِبابا!
فأزجرُ لدتي زجرَ اليتامى
إذا ما الدهرُ أمَّ بهم ذئابا
أفي وهج الشباب أعود هِمّاً
يذودُ بضعفهِ النُّوبَ الصِّعابا؟
وأطرقُ للحوادثِ مستكيناً
كجاني الشرِّ ينتظرُ العقابا!
وأصبحُ في يدِ الدنيا أسيراً
إذا رام الفِكاكَ وهى وخابا!
كما عَلِقَ الحبالة ذو جناح
ولم ينفعهُ أن صحِبَ السحابا

محمود محمد شاكر (
الرسالة العدد 163):
فصفقَ ثم رَنَّقَ ثم أعي
يحِنُّ لدارهِ جوّاً وغابا
أمنْ عدلِ الحوادثِ أن أضرَّى
لأُطعمَ إثرَ لدتِهنَّ صابا!
وأن أستقبل الغدَ مُستثيباً
فَيُقبل،لا أفادَ ولا أثابا!
وأحملَ من بناتِ الهمِّ قلباً
إذا نهنهنهُ زاد اضطرابا!
جزاكِ الله من دنيا ختولٍ
غذوتِ القلبَ شكاً وارتيابا
أتنهاني عن الجزعِ الليالي
وما تنفكُّ تتركني مصابا!!
فتسلبني الأحبّة عن عيان
وتمتحني بذكراهم عذابا
وتسألني اختداعاً:أينَ بانوا؟
ومن يُجرم توقح أو تغابى
سَلي ما شئت،واستمعي شكاتي
كمثل الدمع تنسكب انسكابا
أعدلٌ منكِ أن أجَّجت قلبي؟
فلولا الصبرُ يُمسكه لذابا
فصارعتُ الشجون وصارعتني
إلى أن فُزتُ بالبقيا غلابا
فإن الدهر يُنصفُ من تأبّى
ويمنع يائساً من أن يُجابا
ومن يُعط التجلد للرزايا
تيقن أن يصيب وأن يُصابا

محمود محمد شاكر (
الرسالة العدد 163):
وسائلةٍ بظهر الغيبِ عني
وعن جللٍ من الأحداثِ نابا
تذكرني الأحبّة ولوا
فزاد الدمعُ والجزعُ انتيابا
أحافظتي،فديتُكِ من صديق
يُسائلُ من مضى عني وآبا
هي الدنيا تُفرِّقُ ساكنيها
وفي الذكرى تزيدهمُ اقترابا
ألا لا تعجبي ليَ من نحيبي
فإن أمامنا العجبَ العُجابا

عبد القادر القط(
الرسالة العدد 687):
أسلمت للوهم أفكاري ووجداني
وذقت في خَدرِ الأوهامِ سلواني
أمضى مع الناس لا عيني بشاهدة
ما يشهدون ولا صوت بآذاني
دنياي عالمُ أحلامٍ مهمومة
تهفو فتمسح آلامي وأشجاني
وأغتدى ورؤاى البيض تبسم لي
وفي خيالي تهويمات وسنان
هجرت ما كان من يأسي موجدتي
وصغت بعد مرير الصمت ألحاني
كم ظلت أضرب في دنياي محتقباً
في الفقر شوقي وآمالي وتحناني
يلوكهن فؤاد جائع بشِمٌ
من الأسى وضميرٌ مُثقل عاني
نوازعُ من رغاب طال ما
لقيت من سوط سجاني

محمود الخفيف(
الرسالة العدد 764):
في وحدة سامرت فيها الأسى
طافت بي الذكرى فلم أهجع
شكوت لليل الضنى والجوى
والوجد والسهد وهذا الدجى
زادت غواشي الهمّ أسدافه
ودلت الوهم على مضجعي
في ليلة غارقة الأنجم
ضل بها الفجر عن المطلع
لكل ألوان الأسى تنتمي
حلكتها من همّي الأقتم
الذئب مقرور بها هاجع
والجن لم تأنس إلى موضعِ
الليل جهم،صرصر ريحه
صفيرها يزداد في مسمعي
أجشّ وحشيّ الصدى نوحه
مرتعش من قرّه دوحه
أطلّ لا تبصر عيني سوى
أشباحهُ في الأفق الأسفع

فخري أبو السعود يرثي أمه(
الرسالة العدد 21):
الحول يا أماه بعدك حالا
والقلب في تحنانه ما زالا
والنفس في أسف عليك وحسرة
تطوى بها الأيام والأحوالا
والفكرُ نهب للتذكر كلّما
بعث الشّجونَ وأطلقَ البلبالا
والودَ لم أرَ فيهِ بعد فراقنا
صفواً كودّكِ سائغاً سلسالا
لا كان يوم قد طوى لك طيّه
صرف الحِمام عن الحياة زيالا

علي الجارم

بسمة للزمان أنت تلتها
كشرة للزمان عن أنيابِ
كلّما رمتُ خدعْ نفسي بنفسي
كشفت لي المرآة وجه الصوابِ
أين تلك الأيام بانت وبنّا
وتولّتْ بشاشةُ الأحبابِ

إن النفوس تضيق وهي صغيرة
ويضيق عنها الكون وهي كبار
ظننتَ الدمع يُسعدُ بالعزاءِ
فهل أجدى بكاؤُكَ أو بكائي
وقلتَ بأنّةِ المحزونِ أُشفى
فأحوجكَ الشفاء
ومن يغسلْ بأدمعهِ جواهُ
أرادَ البرءَ من داءِ بداءِ

يذوبُ مضاءُ السيف عند مضائه
فما هو إلا غمده وحمائله
لا ترى فوق قمة الطود إلا كلُّ
ذات الجناح طير،ولكن

بطلاً لا يهابُ هولَ صعابه
عرف الجو نسره من غرابه
كم رأينا في الناس من يبهر الع
ينين وما فيه غير حسن ثيابه
يملأ الأرض والسماء رياءً
وعيونُ الزمان ملءُ عيابه
قد يغشى الوجدان باصرة العق
ل فيعميه عن طريق صوابه

الدِّينُ طبُّ النفس من آلامها
وهداية الحيران في بيدائه
يكره الظلمُ كلَّ شيء من الضوء
ولو كان في ابتسام الفتاة
إذا امتلكَ الحبُّ النفوسَ هفتْ له
سراعاً وأعطتْ فوقَ ما هو سائلهْ
فلا عينَ إلا وهي ترتقبُ المنى
ولا صدرَ إلا فارِحُ القلبِ جاذلهْ
فإن كان من عينٍ فإنكَ نورُها
وإن كان من قلبٍ فإنكَ آهلهْ
وإن كان من دهرٍ فأنتَ نعيمهُ
وإن كان من فضلٍ فإنكَ باذلهْ

كم جرىء لا يرهب السيف إن سُلّ
ونكِس يخاف مسَّ قرابه
والشجاعُ الذي يجاهرُ بالحقِّ
ولو كانَ فيهِ مرُّ عذابه
يا مليك البيان دعوة خِلٍّ
وجد الصبر بعدكم مستحيلا
قلْ لحسانَ إن مررت عليه
في ظلالِ الفردوس يُطري الرسولا
إنَّ مصراً أحيت موات القوافي
وأقامت عمودها أن يميلا
وأعادت إلى سليلة عدنان
شباباً غضّاً ومجداً أثيلا

إذا لبسَ الربيعَ شبابُ قومٍ
فأسرعُ ما يفاجأُ بالشتاءِ
وهل تهوى ثِمارُ الأرضِ إلا
إذا أدركنَ غاياتِ النماءِ
وإذا النفوسُ تفرّقت نزعاتها
قامت إذا قامت بغير مساك
والسيفُ أظلم ما فزعت لحكمه
والحزمُ خير شمائل الأملاك
ومن الدماءِ طهارةٌ وعدالةٌ
ومن الدماءِ جنايّةُ السّفاك
والعلم ميزانُ الحياةِ فإن هوى
هوت الحياةُ لأسفلِ الأدراك

علي الجارم:
وقد كنتَ في كُلِّ المناصبِ سيّداً
تَزينُكَ في الدنيا خلائقُ أربعُ
فَحزمٌ كما ترضى العُلا وتواضعٌ
وعزمٌ كما ترضى العلا وترفُّعُ
لكَ البسمةُ الزهراءِ تلمعُ كالضحى
وتُدفىء من قلبِ الجبانِ فيشجعُ
حريصٌ على ودِّ الصديقِ كأنّما
مودتهُ العهدُ الذي لا يُضيَّعُ

علي الجارم في سعد زغلول:
نَفسٌ كأنفاسِ الملائِكِ طُهِّرتْ
وشمائلٌ أحلى من السَّلسالِ
وتواضُعُ النُّساكِ فيهِ يَزينهُ
شَمَمُ المُلوكِ وعزَّةُ الأقيالِ
وخلائقٌ كالزّهرِ سارَ عبيرُهُ
ما بينَ أمواهٍ وبينَ ظِلالِ
وعزيمةٌ جبّارةٌ لو حُمّلتْ
أحداً،لما شعرتْ له بِكلالِ
وشجاعةٌ في الله يكلؤها الحِجا
والحزمُ في الإدبارِ والإقبالِ
وعقيدةٌ لو هُزَّتِ الأجبالُ من
ذُعرٍ لما اهتزّت مع الأجبالِ

علي الجارم في محمد عبده:
أطوي الدُّجى فإذا ما اليأسُ أدركني
وفلَّ عزمي بسيفٍ منهُ محدودِ
ذكرتُ عزماً من الأستاذِ فاتجهت
عزيمتي بينَ إقدامٍ وتسديدِ
وسِرتُ مثلَ قضاءِ الله ليس لهُ
نقضٌ ولا سَهمهُ يوماً بِمردودِ
علوتَ فازددتَ بين الناسِ معرفةً
والنجمُ يعلو فيبدو شِبه مفقودِ

علي الجارم:
يذوبُ مضاء السيف عند مضائه
فما هو إلا غمده وحمائلهْ
هوَ الشّمس يدنو في الظهيرة ضوءها
ويصعبُ مرآها على من يحاوله
هوَ الأملُ البسّامُ،رفّ جناحه
فطارت به من كلِّ قلب بلابله
ترى بسمة الآمال في بسماتهِ
وتلمح سراً النبل حين تُقابله
ورأيٍ كأنفاسِ الصباحِ وقد بدا
تشف مجاليه،وتهفو غلائله

علي الجارم:
ملَّ من وجدهِ ومن فرطِ ما بهِ
وأراقَ الشّرابَ من أكوابه
وإذا القلبُ أظمأتهُ الأما
نيّ ،فماذا يريده من شرابه؟
وإذا النفسُ لم تكن منبتَ الأنس
تناءى القريبُ من أسبابه
وأشدُّ الآلام أن تُلزمَ الثغرَ
ابتساماً والقلبُ رهنُ اكتئابه
كلّما اختالَ في الزمانِ شبابٌ
والنبوغ النبوغُ ممضي وتمضي

عصفت ريحهُ بلدن شبابه!
كلُّ آمالِ قومهِ في ركابه
وابتداءُ الكمال في عملِ العا
ملِ بدءُ الشّكاةِ من أوصابه

علي الجارم في رثاء شوقي:
هل نعيتم للبحتري بيانه
أو بكيتم لمعبد ألحانه
أو رأيتم روضَ القريضِ هشيماً
بعدما قصف الرّدى ريحانه
مات يا طير صادح تسجد الطير
إذا رجع الصدى تحنانه
مات شوقي،وكان أنفذ سهم
صائب الرمي من سهام الكنانه
أبك للشمس في السماء أخاها
وأبكِ للدهر قلبه ولسانه
وأبكه للنجوم،كم سامرته
مالئات بوحيها آذانه

عقولٌ من الأحجارِ هامت بمثلها
وكلُّ بكيمٍ للبكيمِ كفاءُ
يقودهم الغازي إلى خيرِ غاية
فأكرِم به ملكاً وأكرِم بهم جندا
كأنَّ غبار السيف في لهواتهم
سلاف من الفردوس مازجت الشّهدا
هم في سجل المجدِ أول صفحة
كفاتحة القرآن قد ملئت حمدا
ومن كتب المجد المبين بسيفه
على جبهة الدنيا فقد كتب الخلدا
مضى الهاشمي السمح زين شبابهم
وأعرقهم خالاً وأكرمهم جدا

والعلمُ ميزانُ الحياة فإن هوى
هوتِ الحياةُ لأسفل الأدراكِ
قد قامَ أهلُ العلمِ فيكِ ودّبروا
كاشفتهم سرَّ العناصرِ فانبروا

برئت يديّ من لإثمهم ويداكِ
يتخيّرونَ أمضّها لِرداكِ
نثروا كنائنهم وكلَّ سهامها
دخلوا على العِقبانِ في أوكارها

للفتكِ والتدميرِ والإهلاكِ
وتسرّبوا لمسابحِ الأسماكِ
فتأملي هل في تُخومكِ مأمنٌ
أم هل هنالكَ معقلٌ بدُراكِ
ظهرُ الليوثِ وذاكَ أصعبُ مركبٍ
أوفى وأكرمُ من أديمِ ثراكِ
ليتَ البحارَ طغت عليكِ وسُجّرتْ
أو أنَّ من يطوي السّماءَ طواكِ

لم يبقَ في الإنسانِ غيرُ ذمائهِ
فدَراكِ يا ربَّ السّماءِ دراكِ
كلامٌ من الله المهيمن روحه
ومن حلل الفصحى عليه رداءُ
كلامٌ أرادتهُ المقاويلُ فالتوى
عليها وضلّت طرقه الحكماءُ
فيا ربّ هىء للرشادِ سبيلنا
إذا جارَ خطبٌ أو ألمَّ بلاءُ
ونصراً وهدياً إن طغى السيل جارفاً
وفاضَ بما يحوي الإناءُ إناءُ
نناجيكَ هذي رايةُ العُربِ فاحمها
فمن حولها أجنادك البسلاءُ

رمينا بكفٍّ أنتَ سدّدتَ رميها
فما طاشَ سهمٌ أو أخلَّ رَماءُ
أعِرنا بحقِّ المصطفى منكَ قوّةً
فليسَ لغيرِ الأقوياءِ بقاءُ
وأسبِغْ علينا دِرعَ لطفكَ إنّها
لنا في قتامِ الحادثاتِ وقاء

علي الجارم يرثي ابنه:

قد كانَ لي أملٌ سقيتُ فروعَهُ
بدمي وغذيت المنى بغذاته
أحنو عليهِ من الهجير يمسسه
من النسيم يهزّ من أسلاته
وأذودُ عنه الطير إن حامت على
زهر يضىء الأفق في عذباته
الليل ينفحه بذائب طلّه
والصبحُ يمنحهُ شعاع إياته
حتى إذا قويت لدان غصونه
واستحصد المرجو من ثمراته
وأخذت أستجلي السّنا من نوره
وأشمُّ ريح الخلدِ من نفحاته
وأفاخر الزراع أن غراسهم
لم تزك مثل زكائه ونباته
عصفت به هوج فخرَّ مُعفراً
وجنى عليه الحين قبل جناته
ووقفتُ أنظرُ للحطامِ مُحطّماً
أهون بدنيا ما لحيّ عندها

متفتتَ الأفلاذ مثل فتاته
وعدُ ينجز غير وعد وفاتهِ


ومن الحفاظِ المُرِّ ما يعيى الفتى
ليست تكاليفُ العلا بمزاحِ
والنفسُ إن عَظمتْ يضيقُ بسعيها
صدرُ الفضاءِ برحبّهِ الفيّاح
رحا المنايا رُويداً
خلطت طحناً بطحنِ
وإنّما الناس ظَعنٌ
يسيرُ في إثرِ ظعنِ
فما حديدٌ بباقٍ
ولا حِذارٌ بِمُغني

إذا لم يكن في الحربِ قلبك باتراً
فماذا يفيدُ المرءَ في الحربِ باتره؟
عابوا السكوت عليه وهو فضيلةٌ
لغطُ الحديثِ مطيّةُ الإسفافِ
صَمتُ الهمام النجدِ أو اطراقُه
خطبٌ مُجلجلةٌ بغير هُتافِ

وأجلُّ ما يلقى الشريفُ ثوابَهُ
إن غسّلتهُ مدامعُ الأشرافِ
وسرُّ العلا نفسٌ كما شاءتِ العلا
طموحٌ ورأيٌ من شبا السيفِ أقطعُ
ومن يتجنّبْ في الحياةِ زحامها
فليسَ لهُ في ساحةِ المجدِ مَشرَعُ

وتريثْ في المقالِ لهُ
قد يكونُ الموتُ في اللّسنْ
والمرءُ يُحيى الأماني
فكمْ تمنيّتُ لكن

والدهرُ يُبلي ويُفني
ماذا أفادَ التمني

أبى الدهرُ أن ينقاد إلا لِعزمةٍ
يخرُّ لها الدهرُ العتيُّ ويخنعُ
أكُلّما مرَّ نعشٌ
أو طافَ نعيٌّ بأذني
طارَ الفؤادُ فلولا
بقيّةٌ،ندَّ عني
لولا التُّقى لم أجده
بجانبي أو يجدني

فكمْ شققتُ فؤادَ البيدِ مُنصلتاً
من يطلبُ المجدَ لا يبخل بِمجهودِ
وإذا النفوسُ تفرّقتْ نزعاتُها
قامتْ إذا قامتْ بغيرِ مَسَاكِ
والسيفُ أظلمُ ما فزِعْتَ لِحكمهِ
والحزمُ خيرُ شمائلِ الأملاكِ
ومن الدماءِ طهارةٌ وعدالةٌ
ومن الدماءِ جنايةُ السُّفاكِ
والعلمُ ميزانُ الحياةِ فإن هوى
هوتِ الحياةُ لأسفلِ الأدراكِ

أعددتُ ألواني لأرسمَ صورةً
أينَ السُّها من ساعدي المكدودِ
إن نبا خدُّك المُصعَّرُ عني
مُذْ نبا هجوي المُبرّحُ عنكا
فبجهل قابلت ما كان مني
وبحلم قابلت ما كان منك
ولو استطعتُ لابتدعتُ كُفوفا
من هجاءٍ تصكُ وجهك صكا
ولفككتُ من أساريرك الكِبرَ
بقول من وخزةِ الموت أنكى
إننا معشر نرى الذلّ في الودِّ
لغيرِ الله المهيمن شركا
قد رأينا في المال والذلِّ فقراً
ورأينا في العزِّ والفقرِ ملكا

من عهدِ قابيلٍ وليسَ أمامنا
في الأرضِ غيرُ تشاكُسٍ وعراكِ
ما بينَ فاتكةٍ تصولُ بقدِّها
وفتىً يصولُ برُمحهِ فتّاكِ
والموتُ أعمى في يديهِ سهامه
والموتُ قد يُخفي حَماهُ بنسمةٍ



رمى البرية من وراءِ سجاف
هفّافةٍ،أو في رحيقٍ سُلاف
يغشى الفتى ولو اطمأن لموئلِ
في الجو أو في غمرة الرجاف

إذا ذهبَ المِسكُ الذكيُّ فإنّهُ
يزولُ ويبقى نشرهُ المتضوِّعُ
أبصرتُ أعمى في الضبابِ بلندن
يمشي فلا يشكو ولا يتأوّه
فأتاهُ يسألهُ الهدايةَ مبصرٌ
حيران يخبط في الظلامِ ويعمه
فاقتاده الأعمى فسار وراءه
أنّى توّجه خطوهُ يتوّجه
وهنا بدا القدرُ المعربد ضاحكاً
ومضى الضباب ولا يزال يقهقه

ونرجع للحسنى كما كان عهدُنا
فلا نشتكي هَمّاً ولا نتوّجعُ
وكلُّ عقلٍ مُضىءٍ
إلى خمودٍ وافَنْ
يكادَ إن مالَ غصنٌ
يشكو الزمانَ لغصنِ
تعساً له،كم نُعزى
حيناً،وحيناً نُهنّي
من اجتماعٍ لِعُرسٍ
إلى اجتماعٍ لِدفنِ

هل الدهرُ إلا ليلةٌ طال سهدها
تنّفس عن يومٍ أحمّ عصيب
وليسَ ترابُ الأرضِ غير ترائبٍ
وغير عقولٍ حُطّمتْ وقلوبُ
وسِرتُ مثلَ قضاءِ الله ليسَ لهُ
نقضٌ ولا سهمهُ يوماً بمردودِ
دعِ الحسودَ أما يكفيكَ أنَّ لهُ
نفساً تفورُ،وحظاً غير مَجدودِ

وأعظمُ أخلاقِ الفتى هِمّة الفتى
وعزمٌ حديدُ النَّصل لا يتزعزعُ
هو الموتُ سهمٌ في يدِ الله قوسُهُ
فلا الحزمُ يُثنيه ولا الكفُّ تدفعُ
نروحُ إلى حاجاتنا وهو راصدٌ
وننثر من آمالنا وهو يجمعُ

ذكرياتٌ ردَّدَ الدهرُ صداها
وعهودٌ يحسدُ المِسكُ شذاها
قد ذهبَ العمرُ في جدالٍ
كُنّا لنيرانهِ وقودا
لا يُدركُ السؤلَ غير عزمٍ
مُثابرٍ يقرعُ الحديدا

وقد يُدركُ الغاياتِ رأيٌّ مُدّرع
إذا ناءَ بالأمرِ الكميُّ المُدّرع
والفتى في الحياةِ رهنُ عَوادٍ
لا يرى دونَ مُلتقاهُنّ بُدا
حكمَ الموتُ في الأنامِ فسوّى
لم يدعْ سيّداً،ولم يُبقِ عبدا

إذا ضيّعَ التاريخَ أبناءُ أمّةٍ
فأنفسهم في شِرعةِ الحقِّ ضَيّعوا
للموت أسلحة يطيح أمامها
حول الجرىء وحيلةَ المحتال
ما كان سعد آية في جيلهِ
سعد المُخلّد آيةُ الأجيال
تفنى أحاديثُ الرجال وذكره
سيظل في الدنيا حديث الرجال

لهم أملٌ لا ينتهي عند مطلبٍ
لقد ذلَّ من يُعطي القليلَ فيقنع
رُبَّ صدرٍ نافسَ الحِلمُ بهِ
كلَّ صحراءَ بعيدٍ مُنتهاها
وخِلالٍ أنبتت الجدبُ بها
عزّةُ البأسِ فما لانت قناها
أبتِ الضّيمَ فما مدّت يداً
لذوي النُّعمى ولم تغفر جباها
تحفظُ العِرضَ مصوناً ناصعاً
وإلى الطُّراقِ مبذولٌ قِراها

إذا لم يكنْ حلمُ الحليمِ بنافعٍ
فإنَّ صدامَ الجهلِ بالجهلِ أنفع
والسيفُ أظلمُ ما فزعتَ لِحكمهِ
والحزمُ خيرُ شمائلِ الأملاكِ
ومن الدماءِ طهارةٌ وعدالةٌ
ومن الدماءِ جنايةُ السُّفالِ

والسّيلُ إن أحكمتَ سدَّ طريقه
دكَّ الحصونَ فَعُدنَ كالأطلالِ
وإذا الماءُ كانَ ناراً فمن ير
جو لنارٍ إذا استطارت خمودا!
إنما الحربُ لعنةُ الله في الأر
ضِ،وشراً بمن عليها أريدا
كيف نصفو ونحنُ عنصرِ الطي
نِ،فساداً وظلمةً وجحودا
قد رأينا الأسودَ تقنعُ بالقو
تِ،فليتَ الرجالَ كانت أسودا

هي الدنيا فليسَ لها ذِمامٌ
وليسَ لها على الأيامِ خِلُّ
نعودُ إلى الترابِ كما بدأنا
فكلُّ حياتنا نقضٌ وغزلُ
تحيّةُ ناءٍ من شذى المِسكِ أطيبُ
وتبريحُ أشواقٍ إذا ما تنفسّتْ

ومن قطراتِ المُزنِ أصفى وأعذبُ
يكادُ لها فحمُ الدّجى يتلّهبُ
وقلبٌ يضيقُ الصدرُ عن نبضاتهِ
فيخفِقُ غيظاً بالجناحِ ويضربُ
تلفتَّ في الأضلاعِ حيرانَ يائساً
وأنَّ كما أنَّ السجينُ المُعذّبُ

إنَّ الشّجاعةَ أن تناضلَ مُصحراً
لا أن تدِبَّ كفاتكِ الأصلالِ
ومن أبصرَ الأيامَ خلفَ قناعها
رأى الدهرَ يلهو،والأماني تكذبُ
عجائبُ أحداثٍ تليها عجائبٌ
وصبري على تلكَ العجائب أعجبُ

علي الجارم يرثي أحمد شوقي:
سكتَ العندليب في وحشة الدو
ح وغنت نواعِقُ الغُربان
فسمعنا من النشوز أفا
نين يرعن صادح الأفنان
أسمعونا برغمنا فصبرنا
ثم ثُرنا غيظاً على الأذان
جلبوا للقريضِ ثوباً من الغر
بِ ولم يجلبوا سوى الأكفانِ
ثم قالوا مجدّدون فأهلاً
بصناديدِ أخريات الزمان
إنّما الشعرُ قطعة منك ليست
من دماءِ اللاتين واليونان
لا يهزّ النخيل إلا حنان النا
ي في صمت ليلة من حنان
وجهة الشرق غيرها وجهة الغر
ب فأنّى وكيفَ يلتقيان

من يشتري حُسنَ الثناءِ فإنّما
بِفعالهِ يشريهِ لا بالمالِ
إذا المجدُ لم يترك وراءكَ صيحةً
مدّويةً فالمجدُ أوهامُ كاذبِ
وأروعُ ما تهفو له العينُ رايةٌ
تُداعبها الأرواحُ في كفِّ غالبِ

جمعَ القلوبَ على الوفاقِ وصانهُ
من وهنِ رِعديدٍ وطيشِ مُغالي
تفنى أحاديثُ الرجالِ وذكرُهٌ
سيظلُّ في الدنيا حديثَ رجالِ
سارٍ كمصباحِ السّماءِ يحثّهُ
كرُّ الضحى وتعاقبُ الآصالِ

عرفوهُ وضّاحَ السريرةِ طاهراً
شرُّ البلاءِ خصومة الأندال
لا الدّمعُ غاضَ،ولا فؤادُكَ سالي
دخلَ الحِمامُ عرينةَ الرئبالِ
وأصابَ في الميدانِ فارسَ أمّةٍ
رفعَ الكنانةَ بعد طولِ نضالِ
رشقتهُ أحداثُ الخطوبِ فأقصدتْ
حربُ الخطوبِ الدّهمِ غيرُ سجالِ
للموتِ أسلحةٌ يطيحُ أمامها
حَولَ الجرىءِ،وحيلةُ المحتالِ
ما كانَ سعدٌ آية في جيلهِ
سعدُ المُخلّدُ آيةُ الأجيالِ

رأها وفي العنقودِ والكرمِ ما اشتهى
وأينَ من العنقودِ أيدي الثعالبِ
بنفسي الراحلينَ مَضوا سِراعاً
لِوردِ الموتِ كالهيمِ الظماءِ
تولّى عُهدُهم وبقيتُ وحدي
أُقلّبُ طرفَ عيني في السماءِ
رثيتهمُ فأدمى الحزنُ قلبي
فهل نَدبٌ يَخِفُّ إلى رثائي

يصلُ الحبُّ حيثُ لا تصلُ الشّمسُ
ويجتازُ شامخاتِ السدود
بنفسي الراحلينَ مَضوا سِراعاً
لِوردِ الموتِ كالهيمِ الظماءِ
تولّى عُهدُهم وبقيتُ وحدي
أُقلّبُ طرفَ عيني في السماءِ
رثيتهمُ فأدمى الحزنُ قلبي
فهل نَدبٌ يَخِفُّ إلى رثائي

إنَّ الشعوبَ تُصابُ في أبطالها
وحياتها في سيرةِ الأبطالِ
جَلَلٌ،هزَّ كلَّ رُكنٍ وهدّا
ومصابٌ،رمى القلوبَ فأردى
كلُّ صدرٍ بهِ أنينٌ ووجدٌ
مُرسلٌ خلفهُ أنيناً ووجدا
عبرات،من ساكبٍ ليس ترقا
ووجيبٌ من خافقٍ ليس يهدا
ونشيجٌ،أقضَّ من مضجعِ الليل
وماجتْ لهُ الكواكبُ سهدا
فزعتْ مصرُ فزعةً طار فيها
كلُّ عقلٍ من الرشادِ وندّا
هرعتْ سلعة الوداعِ تُفيضُ الدمع
بحراً،وترسلُ الشوقَ وقدا

علي الجارم في رثاء الملك فؤاد:
أُمّةٌ هالها المُصابُ فهامت
زُمرٌ تلتقي على الحُزنِ واليأسِ

تستحثُّ الخُطا،شيوخاً ومُردا
وحشدٌ باكٍ يُزاحمُ حشدا
وبحارٌ من الأناسيِّ ماجتْ
مُزبداتٍ،يَجشن جزراً ومدّا
وجبالٌ تسيرُ في يومِ حشرٍ
كلُّ فِندٍ تراهُ يتبعُ فِندا
فوق سطحِ البيوتِ كالنّحلِ فانظر
ثم إياكَ أن تحاولَ عدّا
كلُّ بيتٍ قد عافَ أحجارهُ الصُّمَّ
وأضحى دماً ولحماً وجِلدا
والميادينُ كلّها أُمَمٌ تُزجى
كما تُكدَسُ السحائبُ رُبدا

علي الجارم في رثاء الملك فؤاد:
يا مليكي والحزنُ يطحنُ نفسي
كلّما قلتُ:خفَّ،قال:سأبدأ
قد فقدناهُ والمُصابُ جليلٌ
وجميلُ العزاءِ بالحُرِّ أجدى
نحنُ لله راجعون،وكلٌ
بالغٌ في مجالةِ العمرِ حدّا
غير أن الفتى يغالبهُ الدمعُ
فلا يستطيعُ للدمعِ صدّا
كلُّ مهدٍ يصيرُ من بعدِ حينٍ
قصُرَ العمرُ أو تطاول لحدا

رانَ الذهولُ فكلُّ عقلٍ حائرٍ
وجرى القضاءُ فكلُّ طرفٍ غافي
والموتُ أعمى في يديه سهامهُ
يرمي البرية من وراءِ سِجافِ
رمتني الليالي قبلَ نعيّكَ رَميّةً
عرفتُ بها كيفَ القلوبُ تقطّعُ
نِصالٌ حِدادٌ قد ألمتُ لحملها
وأعلمُ أني هالكٌ حين تُنزعُ
فلما رماني سهمُكَ اليوم وانطوت
عليهِ جُنوبٌ خافقاتٌ وأضلعُ
أمنتُ على قلبي السهام فلم يعُدْ
به بعد خطبِ الأمسِ واليومِ موضعُ

قد عاشَ يحملُ روحَهُ في كفّهِ
ما قالَ في هولِ النضالِ كفافِ
أمينُ،وظلُّ الموتِ يفصلُ بيننا
سبقتَ وإنّي عن قليلٍ سأتبعُ
وما ماتَ من أبقى ثناءً مُخلّداً
وذكراً يُسامي في النيّراتِ ويفرَعُ

أتدري العُلا من شيّعتْ حينَ شيّعوا؟
ومن ودّعتْ يومَ الرحيلِ وودّعوا
هو الموتُ سهمٌ في يدِ اللهِ قوسهُ
فلا الحزمُ يُثنيهِ ولا الكفُّ تدفعُ
سدَّ القضاءُ منافذَ الأسماعِ
ماذا يقولُ إذا نعاكَ الناعي
وتنكّرتْ صورُ البيانِ وعقّني
عن أن أبوحَ كما أشاءُ يراعي
والشعرُ إن عقدَ المُصابُ لسانَهُ
فسكوتهُ ضربٌ من الإبداعِ
فإذا جفاني الشعرُ يوم رثائهِ
فلقد رثتهُ مآثرٌ ومساعي
وإذا فررتُ من الوداعِ وهولهِ
فلقد بعثتُ مع الدموعِ وداعي

قُمْ وانثُرِ الزهرَ على لحدهِ
وابكِ مضاءَ العزمِ من بعدهِ
مقصدهُ ضاقَ بهِ جسمهُ
ونفسهُ أكبرُ من قصدهِ
دموعُ عيونٍ أم دماءُ قلوبِ
على راحلٍ نائي المزارِ قريبِ
نعاهُ لنا الناعي فأفزع مثلما
تُراعُ بصوتٍ في الظلامِ رهيبِ
فقلنا أبِنْ ـ رُحماكَ ـ طارت عقولنا
وكم من يقينٍ في الحياةِ مُريبِ
شككنا وكانَ الشك أمناً وراحةٍ
فلم نستمع من فيكَ غير نعيبِ

وأنّ النوى الحمقاء شدّت رحالها
وأنَّ أمينَ الركبِ للبينِ مُزمعُ
وأنّ المعالي والمكارم والحِجا
سيضمنها قفرٌ من الأرضِ بلقعُ
فيا أيها الناعي،إذا قُلتَ فاتئدْ
فما مخطىءٌ في قولِ كَمصيبِ
حنانكَ،قلْ ما شئتَ إلا فجيعةً
بفقدِ كريمٍ أو فراقِ حبيبِ
فقال: قضى،قلنا:قضى حاجة العلا
فقال:مضى،قلنا: بغيرِ ضريب

فوا حسرتا
!
ماتَ الإمامُ ولم تكن
نهايةُ هذي الشمسِ غيرَ مغيبِ
وغاضَ مَعينٌ كان رِيّاً ورحمةً
وكلُّ مَعينٍ صائرٍ لِنضوبِ
لا الدمعُ غاض،ولا فؤادك سالي
دخل الحِمام عرينة الرئبالِ
وأصابَ في الميدانِ فارس أمّة
رفع (الكنانة) بعد طولِ نضالِ
رشقتهُ أحداث الخطوبِ فأقصدتْ
حربُ الخطوبِ الدُّهم غير سِجال
للموتِ أسلحةٌ يطيحُ أمامَها
حولَ الجرىء وحيلة المحتالِ
ما كانَ سعدٌ آية في جيله
سعدُ المُخلّد آيةُ الأجيال
تفنى أحاديثُ الرجالِ وذكرهُ
سيظل في الدنيا حديث رجال

علي الجارم يرثي سعد زغلول:
وإذا بصوتٍ هزّ مصر زئيره
غضبُ الليوث حمايةُ الأشبال
صوت كصور الحشر جمّع أمة
منحلة الأطراف والأوصال
فتطلعت عين وأصغت بعدها
أذن وهمت ألسنٌ بسؤال
من ذلك الشعشاع طال كأنه
صدر القناة وعاملُ العسال
ومن الذي اخترق الصفوف كأنه
قدرُ الإله يسيرُ غير مبال
سعدٌ،وحسبك من ثلاثة أحرف
وما في البرية من نُهى وكمال
ومن السيوف إرادةٌ مصقولة
طُبعت ليوم كريهة ونزال
ومضى يغبّر لا العسير بخاذل
أملاً ولا نيل السها بمحال
فكأنّهُ سيف المهيمن خالدٌ
وكأنّ دعوته أذان بلال
ما راعه نفيٌ ولا لعبت به
في حبِّ مصر زعازع الأوجال
كالشعلة الحمراء لو نكستها
لأضفتَ إشعالاً إلى إشعال
والسيل إن أحكمتا سدّ طريقه
دكّ الحصون فَعُدن كالأطلال
خصم شريف نال من خصمائه
ما نالَ من إجلال كل موال
عرفوه وضّاح السريرة طاهراً
شرُّ البلاء خصومةُ الأنذال
إن الشجاعة أن تناضل مُصحراً
لا أن تدب كفاتك الأصال

علي الجارم في قصيدة الشريد:
أطَلّتِ الآلامُ من جُحرهِ
ولُفَّتِ الأسقامُ في طِمرهِ
بُردتهُ الليل،على بردهِ
وكِنُّهُ القيظ،على حرّهِ
مُشرّدٌ يأوي إلى همّهِ
إذا أوى الطيرُ إلى وَكرهِ
ما ذاق حلوَ اللثمِ في خدّهِ
ولا حنانَ المسِّ في شعرهِ
ولا حوتهُ الأمُّ في صدرها
ولا أبٌ ناغاهُ في حِجرهِ
قد صيرَ النفسَ على ما بها
وانتظرَ الموعودَ من صبرهِ
البطنُ مهضومٌ،طواهُ الطَّوى
ونامَ أهلُ الأرضِ عن نشرهِ
والوجهُ لليأسِ بهِ نظرةٌ
يقذفها الحقدُ على دهرهِ
جَرّحهُ الدهرُ،فمن نابهِ
تلك الأخاديدُ،ومن ظُفرهِ
قد كتب الله على خدّهِ
خطاً يبينُ البؤسُ في سطرهِ
وغار ضوء الحِسِّ من عينهِ
وفرَّ لمحُ الأنسِ من ثغرهِ
والبِشرُ،أينَ البِشرُ؟ ويحى له!
يا رحمة الله على بِشرهِ
يجرُّ رجليهِ بطىء الخطا
كالجُعلِ المكدودِ من جرِّهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
إن نام أبصرتَ به كتلةً
تجمعُ ساقيهِ إلى نحرهِ
احتبست أواهُفي قلبهِ
واختنقت ويلاهفي صدره
وجفَّ ماءُ العينِ في مُوقها
ماذا أفاد العينَ من همرهِ
سالت به نهراً على لُقمةٍ
فعاد كالسائلِ في نهرهِ
لا يجدُ المأوى،ولو رامه
أحالهُ الدهرُ على قبرهِ
هناك يثوى هادئاً آمناً
من شظفِ العيشِ ومن وعرهِ
فكم بصدر القبر من ضَجعةٍ
أحنى من الدهرِ ومن نُكرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
مَتعبةُ الإنسانِ في حسّهِ
وشقوةُ الإنسانِ من فكرهِ
كيفَ يُرجى الصفوُ من كائنٍ
الحمأ المسنونُ في ذَرِّهِ
لم يَسمُ للأملاكِ في أوجها
ولا هوى للوحشِ في قفرهِ
رام اللبابَ المحضَ من سعيهِ
فلم يتلْ منهُ سوى قشرهِ
يسعى،وما يدري إلى نفعهِ
سعى حثيثاً،أم إلى ضرّهِ
آمنتُ بالله! فكم عالمٍ
أعجزه المحجوبُ من سرِّهِ
الله في طفلٍ غزاهُ الضَّنى
بأدهمِ الخطبِ ومُغبَرِّه
في ظلماتٍ،موجها زاخرٌ
كأنّهُ ذو النون في بحرهِ
والناسُ بالشاطىء،من غافلٍ
أو ساخرٍ،أمعنَ في سُخرهِ
والموجُ كالذؤبان حول الفتى
يسدُّ أُذنَ الأفقِ من زأرهِ
نادى،وما نادى سوى مرّةٍ
حتى طواهُ اليَمُّ في غمرهِ
تظنهُ طفلاً،فإن حقّقتْ
عيناكَ،لم تعثر على عُشرهِ
كأنه الشكُّ إذا ما مشى
أو ما يرى النائمُ في ذعرهِ
طغى به الجوعُ،ففي دمعهِ
ما فعلَ الجوعُ،وفي نبرهِ
واهاً لكفٍّ لصقت بالثرى
وائتدمت بالبؤسِ من عفرهِ
ماذا على الإحسان لو ردَّها
نديةَ الأطرافِ من بِرِّهِ
ماذا على الإحسان لو ردّها
رطيبةَ الألسنِ من شكرهِ
كم بسمةٍ أرسلها محسنٌ
أزهى من الروضِ ومن زهرهِ
ولقمةٍ سدَّت فماً جائعاً
رجّحت الميزانَ في حشرهِ
ومنّةٍ كانت جناحاً له
طارَ بهِ الذائع من ذكرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
ودمعةٍ يُذرفها مشفقاً
أصفى من المذخورِ من دُرّهِ
لا تُزهرُ الجنةُ إلا بما
يسفحهُ الباكي على وزرهِ
لو عرفَ الإنسانُ ما أجرهُ
ما ضنَّ بالنفسِ على أجرهِ
يبقى قليلُ المالِ من بعدهِ
ويذهبُ المالُ على كُثرهِ
بيضُ أيادي المرءِ في قومهِ
أغلى من البيضِ ومن صُفرهِ
والحرُّ،لا ينعمُ في وَفرهِ
حتى ينالَ الناسُ من وفرهِ
والمرءُ،لا يُعرفُ مقدارهُ
أو تُنبىءُ الأحداثُ عن قدرهِ
والناسُ كالماء،فمن ضحضحٍ
ومن عميقٍ،حِرتُ في سبرهِ
ليس الذي يُنفقُ من يُسرهِ
مثلَ الذي ينفقُ من عسرهِ
كم درهمٍ أُلقي في سجنهِ
ولم ينلْ عفواً مدى عمرهِ
لم يرَ حسنَ الصُّبحِ في شمسهِ
ولا جمالَ الليلِ في بدرهِ
يطمعُ وخزُ الجوعِ في وصلهِ
ويرسلُ الزفراتِ من هجرهِ
والمالُ كالخمرِ،إذا ما طغى
ضاقت فِجاجُ الأرضِ عن شرِّهِ
متى يهُبُّ العقلُ من نومه؟
أو يستفيقُ المالُ من سكرهِ؟
متى أرى النفسَ،وقد أُطلقت
من رِبقةِ المالِ ومن أسرهِ؟
متى أرى الحُبَّ كضوء الضحى
كل امرىءٍ يسبحُ في طُهرهِ؟
متى أرى الناسَ،وقد نُزِّهوا
عن شرهِ الذئبِ وعن غدرهِ؟
أُخُوَّةُ الغصنِ إلى صنوهِ
وبسمةُ الزهرِ إلى قَطرهِ
ورحمةٌ،رفّافةٌ لم تدعْ
قلباً يُوارى النارَ في صخرهِ
لا يُحسدُ الجاه على مالهِ
أو يُنهرُ البؤسُ على فقرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
كم شاردٍ في مصرَ،يا كُثره
من عددٍ،يسخرُ من حصرهِ
ذخيرةُ الأمّة أبناؤها
ماذا أفادَ النيلُ من ذخرهِ
ماذا أفادَ النيلُ من ساعدٍ
أسرعَ من ضِغثٍ إلى كسرهِ
وأرجلٍ أوهنَ من همسةٍ
ومن نسيم الصبحِ في مَرِّهِ
ومن فتاةٍ،فجرُها ليلُها
ومن غلامٍ،ضلَّ في فجرهِ
ألقتهُ مصرٌ هملاً ضائعاً
فصالَ يبغي الثأرَ من مِصرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
غاصَ من الآثامِ في آسنٍ
يكرعُ ملءَ الفمِ من مُرِّهِ
أسرى من الليل،وأمضى يداً
من عبثِ الليلِ،ومن مكرهِ
كم ضاقَ من شقوتهِ عصرُهُ
وضاقَ بالسُّخطِ على عصرهِ
شجاً بحلقِ الوطنِ المُفتدى
وشوكةٌ كالنّصلِ في ظهرهِ
مدرسةُ النشلِ وسلِّ المُدى
أسسها الشيطانُ في جُحرهِ
إذا هوى الخُلق،وضاع الحِجا
فكلُّ شىءٍ ضاعَ في إثرهِ
من يُصلحُ الأسرةَ يصلح بها
ما دمّرَ الإفسادُ في قُطرهِ
جنايةُ الوالدِ نبذُ ابنهِ
في عُسرهِ،إن كان،أو يُسرهِ
لا تتركُ الذئبةُ أجراءها
ولا يغيبُ الكلبُ عن وجرهِ
البيتُ صحراءُ إذا لم تجد
طفولةً تمرحُ في كِسرهِ
فعاقبوا الآباءَ إن قصّروا
لا بدَّ للسادرِ من زجرهِ
وأنقذوا الطفلَ،فما ذنبهُ
إن جمحَ الوالدُ في خُسرهِ
ربُّوهُ،ينمو ثمراً طيباً
لا ييأسُ الزارعُ من بَذرهِ
وعلِّموهُ عملاً صالحاً
يشدُّ ـ إن كافحَ ـ من أزرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد
:
ربُّوهُ في الريفِ،لعلَّ القرى
تُصلحُ ما أعضلَ من أمرهِ
النفسُ مرآةٌ،وغصنُ النّقا
يطيبُ أو يخبثُ من جذرهِ
لعلّ همسَ الغصنِ في أذنهِ
يُنسيهِ ما أضمر من ثأرهِ
لعلّ أنفاسَ نسيم الرُّبا
في صدرهِ ،تُبردُ من جمرهِ
النيلُ يستنجدُ مُستنصراً
فأسرعوا الخطوَ إلى نصرهِ
لا يذهبُ المعروفُ في لُجّةٍ
ولا يكفُّ المِسكُ عن نشرهِ

في كلِّ يومٍ رثاءٌ
لصاحبٍ أو لِخدنِ
حتى لقد كان شعري
يبكي لضعفي ووهني
فإنما أنا منهُ
وإنما هو مني
الوزنُ من نبضِ قلبي
والبحرُ من ماءِ جفني
اكشفوا الترب عن الكنز الدفين
وارفعوا الستر عن الصبحِ المُبينِ
جدث ضمّ سناء وسنى
ومُصاص الطهر في دنيا ودين
واخشعوا بالصمت في محرابه
أفصح الألسن صمت الخاشعين

علي الجارم في جميل صدقي الزهاوي:
جميل!نداء من أخٍ يقدر النهى
وإن لم يمتع باجتلائك ناظره
لنا نسب في المجد يجمعننا
تعالت أواسيه وشدّت أواصره
صببتُ عليك الدمع سحا ومدمعي
عزيز ولكن أجود الدرّ نادره
عليك سلام الله نوراً ورحمة
وغادتك من سيبِ الإله مواطره

علي الجارم في رثاء شوقي

مات يا طير صادح تسجد الطير
إذا رجع الصدى تحنانه
نبرات تخالها صوت داوود
بلفظ تخاله تبيانه
مات شوقي وكان أنفذ سهم
صائب الرمي من سهام الكنانه
أبك للشمس في السماء أخاها
وإبكِ للدهر قلبه ولسانه
وابكهِ للنجوم كم سامرته
مالئات بوحيها أذانه
وابكِ للروض واصفاً يخجل الروض
إذا هزّ باليراعِ بنانه
وابكهِ للخيال صفواً نقياً
إنه كان في الورى ترجمانه
ملأ الشرق موت من ملأ الشرق
حياة وقوة وزكانه
كان صباً بمصركم هام شوقاً
برباها وبثها أحزانه
دفن اللهو والصِّبا في ثراها
وطوى من شبابهِ عنفوانه
هي بستانه فغرّد فيه
وحبا كل قلبه بستانهْ
يحرس الفن في ظلاله نواحيه
ويرمي عن دوحهِ غربانه
يعشقُ النيل والخمائل تهتز
بِشطيهِ خضرة ولدانه
هكذا كل من يريد خلوداً
يجعل الكون كلّه ميدانه
هكذا فليسر إلى المجد من يشاء
ويرفع بذكره أوطانه
أيها الراحل الكريم لقد كنت
سواد العيون أو إنسانه
نمْ قليلاً في جنّة الخلد وانعمْ
برضا الله واغتنم غفرانه
ورثاء البيان جهد مقل
للذي خلّدَ الزمان بيانه
علي الجارم:

رمتني الليالي قبلَ نعيكَ رَميةً
عرفتُ بها كيفَ القلوبُ تقطّعُ
نصالٌ حِدادٌ قد ألمتُ لحملها
وأعلمُ أني هالكٌ حينَ تُنزعُ

علي الجارم يرثي قاسم أمين:

عصفت صيحة الرّدى بخطيب
وهو لم يَعدُ صفحة من خطابه
سكتة أطفأت منار طريق
كم مشت مصر في ضياءِ شهابه
ومضىقاسم وخلّفَ مجداً
تفرع النجم راسيات قبابه
قد نكرناه حين قام يُنادي
وفهمنا معناه يوم احتسابه
رُبَّ من كنتَ في الحياةِ لهُ حر
باً شققتَ الجيوبَ عند غيابه
وتحدّيت شمسه،فإذا ولّى
تمنيتَ لمحة من ضبابه
لم يفز منكَ مرة بثناء
فنثرت الأزهارَ فوق ترابه
يُعرف الورد حينما ينقضي الص
يفُ ويُبكى النبوغُ بعد ذهابه
كم ندبنا الشّبابَ حين تولّى
وشغفنا بالبدرِ بعد احتجابه

علي الجارم في اللغة العربية:
ماذا طحا بك يا صنّاجةَ الأدبِ
هلّا شدوتَ بأمداحِ ابنةِ العربِ؟
أطارَ نومَكَ أحداثٌ وجمتَ لها
فبتَّ تنفخُ بينَ الهمِّ والوَصبِ
واليعربيّةُ أندى ما بعثتَ بهِ
شجواً من الحزنِ أو شدواً من الطّربِ
روحٌ من الله أحيتْ كلَّ نازعةٍ
من البيانِ وآتتْ كلَّ مُطَّلبِ
أزهى من الأملِ البَسّامِ موقِعُها
وجَرْسُ ألفاظها أحلى من الضَّربِ
وسنى بأخبيةِ الصحراءِ يُوقظها
وحيٌ من الشّمسِ أو همسٌ من الشهبِ

علي الجارم في اللغة العربية:
تُحدى بها اليَعملاتُ الكومُ إن لعبتْ
فلا تُحسُّ بإنضاءٍ ولا لَغَبِ
تهتزُّ فوقَ بحارِ الآلِ راقصةً
والنَّصبُ للنِيبِ يجلو كُربةَ النَّصَبِ
لم تعرِف السَّوطَ إلا صوتَ مُرتجزٍ
كأنَّ في فيهِ مزماراً من القصبِ
تُصغي إلى صوتهِ الأطيارُ صامتةً
إذا تردَّدَ بينَ القُورِ والهِضبِ
كأنّهُ وظلام الليل يكنفهُ
غُثاءةٌ قُذفتْ في مائجٍ لَجبِ
جزيرةٌ أجدبت في كلِّ ناحيةٍ
وأخصبت في نواحي الخُلْقِ والأدبِ
جَدْبٌ بهِ تنبتُ الأحلامُ زاكيةً
إنَّ الحجارةَ قد تنشقُّ عن ذهبِ
تودُّ كلَّ رياضِ الأرضِ لو مُنحتْ
أزهارها قبلةً من خدِّها التَّرِبِ
وترتجى الغيدُ لو كانت لآلئها
نظماً من الشّعرِ أو نثراً من الخُطَبِ
يا جيرةَ الحرمِ المزهوِّ ساكنُهُ
سقى العهودَ الخوالي كلُّ مُنسَكبِ
لي بينكم صِلةٌ عزَّت أواصرُها
لأنّها صِلةُ القرآنِ والنَّسبِ
أرى بعينِ خيالي جاهليتكُم
وللتَّخيُّلِ عينُ القائفِ الدَّربِ
وأشهدُ الحشدَ للشورى قد اجتمعوا
ولستُ أسمعُ من لغوٍ ولا صَخَبِ
منْ كلِّ مُكتهلٍ بالبُردِ مُشتملٍ
للقولِ مُرتجلٍ للِهُجرِ مُجتنبِ
وألمحُ النارَ في الظلماءِ قد نُصبتْ
لِطارقِ الليلِ والحيرانِ والسّغبِ
نارٌ ولكنّها قد صوِّرتْ أملاً
بَرداً إذا خابتِ الآمالُ لم يَخبِ
رمزُ الحياةِ ورمزُ الجودِ ما فَتئتْ
فوقَ الثنيّاتِ ترمى الجوَّ باللّهبِ
يَشبُّها أريحى كلّما هدأتْ
ألقى على جمرها جزلاً من الحطبِ
وأُبصرُ القومَ يومَ الرّوعِ قد حُشدوا
للموتِ يجتاحُ،أو للِنّصرِ والغَلَبِ
يرمونَ بالشرِّ شرا حين يفجؤهم
ورايُهم فوقهم خفّاقةُ العَذَبِ
وأحضُرُ الشعراءَ اللُّسنَ قد وقفوا
وللبيانِ فِعالُ الصّارمِ الذَّربِ
أبو بَصيرٍ لهُ نبْرٌ لو اتُخذت
منهُ السهامُ لكانتْ أسهُمَ النُّوَبٍ
إذا رماها كما يختارُ قافيةً
دارت مع الفلكِ الدّوارِ في قُطُبِ
وأُغمِضُ العينَ حيناً ثم أفتحُها
على جلالٍ بنورِ الحقِّ مؤتَشِبِ
تكَلّمتْ سورُ القرآنِ مُفصِحةً
فأسكتت صخبَ الأرماحِ والقُضُبِ
وقامَ خيرُ قُريشٍ وابنُ سادتها
يدعو إلى الله في عزمٍ وفي دأبِ
بمنطقٍ هاشميِّ الوشى لو نُسجت
منهُ الأصائلُ لم تَنصُلْ ولم تغِبِ
طابتْ بهِ أنفسُ الأيامِ وابتهجت
ومرَّ دهرٌ ودهرٌ وهي لم تَطِبِ

علي الجارم في اللغة العربية:
وهُزَّت الراسياتُ الشمُّ،وارتعدت
لهولهِ الباتراتُ البيضُ في القُرُبِ
وأصبحت بنتُ عدنانٍ بنفحتهِ
تيهاً تُجرِّرُ من أذيالها القُشُبِ
فازت بركنٍ شديدٍ غير منصدعٍ
من البيانِ وحبلٍ غيرِ مُضطربِ
ولم تزل من حمى الإسلامِ في كَنفٍ
سهلٍ ومن عزِّهِ في منزلٍ خصبِ
حتى رمتها الليالي في فرائدِها
وخرَّ سلطانُها ينهارُ من صَببِ
وعاثت العجمةُ الحمقاءُ ثائرةً
على ابنةِ البيدِ في جيشٍ من الرَّهبِ
يقودُهُ كلُّ ولّاغٍ أخى إحنٍ
مُضَمَّخٍ بدماءِ العُربِ مُختضبِ
لم يُبقِ فيها بناءً غيرَ مُنتقضٍ
من الفصيحِ وشملاً غيرَ مُنقضبِ
كأنَّ عدنانَ لم تملأ بدائعهُ
مسامعَ الكونِ من ناءٍ ومُقتربِ
مضتْ بخيرِ كنوزِ الأرض جائحةٌ
وغابتْ الفصحى معَ الغَيَبِ
وردَّ بالمجمعِ المعمورِ غُربتها
وحاطها بكريمِ العطفِ والحدَبِ
يا عُصبةَ الخير للفصحى وشيعتها
حيَّاكِ صوبُ الحيا يا خيرةَ العُصَبِ
هَلمَّ فالوقتُ أنفاسٌ لها أمدٌ
ولا أقولُ بأنَّ الوقتَ من ذهبِ
فإنّما المرءُ في الدنيا إقامتُهُ
إقامةُ الطّيفِ والأزهارِ والحَببِ
الدهرُ يُسرعُ والأيامُ مُعجلَةٌ
ونحنُ لم ندرِ غيرَ الوخدِ والخَببِ
والمُحدثاتُ تسدُّ الشمسَ كثرتُها
ولم تَفُزْ بخيالِ اسمٍ ولا لقبِ
والترجماتُ تشنُّ الحربَ لاقحةً
على الفصيحِ فيا للويلِ والحَرَبِ
نطيرُ للفظِ نستجديه من بلدٍ
ناءٍ وأمثالُهُ منّا على كَثبِ
كَمهرقِ الماء في الصحرءِ حين بدا
لعينهِ بارقٌ من عارضٍ كَذِبِ
أزرى ببنتِ قريشٍ ثمَّ حاربها
من لا يُفرِّقُ بينَ النّبعِ والغَرَبِ
وراحَ في حملةٍ رعناءَ طائشةٍ
يصولُ بالخائبين:الجهلِ والشَّغبِ
أنتُركُ العربيَّ السّمحَ منطقُهُ
إلى دخيلٍ من الألفاظِ مُغتربِ
وفي المعاجمِ كنزٌ لا نفادَ لهُ
لمن يُميّزُ بينَ الدُّرِّ والسُّخُبِ
كم لفظةٍ جُهدتْ مما نُكرِّرها
حتى لقد لهثت من شدّةِ التَّعبِ
ولفظةٍ سُجنت في جوفِ مُظلمةٍ
لم تنظر الشمسُ منها عينَ مرتَقبِ
كأنّما قد تولّى القارظان بها
فلم يؤوبا إلى الدنيا ولم تؤُبِ
يا شِيخةَ الضّادِ والذكرى مخلِّدةٌ
هنا يؤسَّسُ ما تبنونَ للعِقبِ
هنا تخطون مجداً ما جرى قلمٌ
بمثلهِ في مدى الأدهارِ والحِقبِ

صادِحَ الشّرقِ قد سكتَّ طويلاً
وعزيزٌ عليهِ ألا تقولا
أين ذاكَ الشّعرُ الذي كنتَ تزجيه
فيسري في الأرضِ عرضاً وطولا

عباس محمود العقاد
يومَ الظنون صدعتُ فيكَ تجلّدي
وحملت فيك الضيم مغلول اليدِ
وبكيتُ كالطفلِ الذليلِ أنا الذي
ما لانَ في صعبِ الحوادثِ مِقودي
وغصصتُ بالماءِ الذي أعددته
للريِّ في قفرِ الحياةِ المجهدِ
لاقيت أهوال الشدائد كلها
حتى طغت فلقيت ما لم أعهد
نارَ الجحيم إليَّ غير ذميمة
وخذي إليك مصارعي في مرقدي
حيران أنظر في السماءِ وفي الثرى
وأذوقُ طعمَ الموت غير مُصدّدِ
أروى وأظمأ
:
عذبُ ما أنا شارب
في حالتيّ نقيع سمّ الاسودِ
وأجيل في الليل البهيم خواطري
لا شارق فيه ولا من مسعدِ
وتعيدُ لي الذكرات سالف صبوتي
شوهاء بوسم في السعير مخلد

حسن كامل الصيرفي

لم يبقَ لي في طريقِ العمر أحباب
خلا الطريقُ وأحبابُ الرؤى غابوا
كانوا خيالاً،وكان العيشُ حلم كرى
مضى به قدر للعمر نهاب
لم أنسَ آخر لقيانا وقد دمعت
شمسُ الاصيلِ ورقّت منهُ أطيابُ
وأنت في حجرة كان الشفاءُ بها
وهماً،وخلف صراع الطب وثاب




نهاية الحاكم

أحمد شوقي

نَجيَّ أبي الهولِ:آن الأوا
نَ ودانَ الزمانُ،ولانَ القدر
خبأتُ لقومك ما يستقو
نَ،ولا يخبأُ العذبَ مثلُ الحجر
فعندي الملوكُ بأعيانها
وعند التوابيتِ منها الأثر
محا ظلمةَ اليأسِ صبحُ الرجا
أبا الهول،ماذا وراءَ البقا
أيُّها المُنتحي(بأسوانَ)داراً
كالثريّا تريدُ أن تنقضّا
اخلعِ النعلَ،واخفضِ الطرفَ واخشع
لا تحاول من أيّةِ الدهرِ غضّا
قفْ بتلك القصورِ في اليّمِ غَرقى
مُمسكاً بعضها من الذعرِ بعضا
كعذارى أخفينَ في الماءِ بضّاً
سابحاتٍ بهِ وأبدينَ بضّا
رُبَّ “نقش” كأنّما نفضَ الصا
نعُ منهُ اليدينِ بالأمسِ نفضا
و”ضحايا” تكاد تمشي وترعى
لو أصابتْ من قدرة الله نبضا
حظُّها اليوم هَدَّةٌ،وقديماً
صُرّفت في الحظوظِ،رفعاً وخفضا
سقت العالمينَ بالسعدِ والنح
سِ إلىان تعاطتْ النحسَ عضا
صنعةٌ تدهش العقولَ ،وفنٌ
يا قصوراً نظرتها وهي تقضى

كان اتقانهُ على القوم فرضا
فسكبتُ الدموعَ،والحقُّ يُقضى
أنتِ سطرٌ،ومجدُ مصرَ كتابٌ
وأناالمحتفي بتاريخِ مصرٍ

كيفَ سامَ البلى كتابك فضَّا؟
من يَصُنْ مجدَ قومهِ صانَ عرضا

زمانُ الفردِ يا فرعونُ ولّى
ودالتْ دولةُ المتجبرينا
وأصبحتِ الرّعاةُ بكلِّ أرضٍ
على حُكمِ الرّعيةِ نازلينا
سلْ يلدزا ذات القصورِ
هل جاءها نبأُ البدورِ
لو تستطيعُ إجابةً
لبكتكَ بالدمعِ الغزير
جلالُ الملك أيامٌ وتمضي
ولا يمضي جلالُ الخالدينا
أيامكمْ ،أم عهدُ إسماعيلا؟
أم أنتَ فرعونٌ يسوسُ النيلا؟
أم حاكم في أرضِ مصر بأمرهِ
لا سائلاً أبداً ولا مسئولا
يا مالكاً رِقَّ الرقابِ ببأسهِ
هلّا اتخذتَ إلى القلوبِ سبيلا؟
لما رحلتَ عن البلادِ تشهّدتْ
فكأنّكَ الداءُ العياءُ رحيلا
أوسعتنا يومَ الوداعِ إهانةً
أدبٌ لَعمرُكَ لا يُصيبُ مثيلا
أنذرتنا رِقاً يدوم،وذلةً
تبقى،وحالاً لا ترى تحويلا
أحسبتَ أن الله دونكَ قدرةً؟
لا يملكُ التغييرَ والتبديلا؟
الله يحكمُ في الملوكِ،ولم تكن
دولٌ تنازعهُ القوى لتدولا
فرعونُ قبلكَ كان أعظم سطوةً
وأعزَّ بين العالمين قبيلا
اليوم أخلفت الوعود حكومةٌ
كنا نظنُّ عهودها الإنجيلا
فارحلْ بحفظِ الله جلَّ صنيعهُ
مستعفياً إن شئت،أو معزولا
إنا تمنينا على الله المنى
والله كان بنيلهنّ كفيلا
من سبّ دين محمد،فمحمد
(في وداع اللورد كرومر)

متمكن عند الإله رسولا
قِفْ بتلكَ القصورِ في اليمِّ غرقى
مُمسكاً بعضها من الذعرِ بعضا
حَظُّها اليومَ هَدّةٌ وقديماً
صُرِّفت في الحظوظِ رفعاً وخفضا
سقتِ العالمينَ بالسعدِ والن
حسِ إلى أن تعاطت النحس محضا
يا قصوراً نظرُتها وهي تقضى
فسكبتُ الدموعَ،والحقُّ يُقضى
قِفي يا أختَ يوشع خبرينا
أحاديثَ القرونِ الغابرينا
وقُصّي من مصارعهم علينا
فمثلُكِ من روى الأخبار طُرا
نرى لك في السماءِ خصيب قرن
تعينين الموالدَ والمنايا
فيالكِ هرّةً أكلت بنيها

ومن دولاتهم ما تعلمينا
ومن نسب القبائل أجمعينا
ولا نحصي على المشيب رحىً طحونا
وتبنينَ الحياةَ وتهدمينا
وما ولدوا وتنتظر الجنينا
الفرد بالشورى وباسم نديّها
لُفِظَ الخليفةُ في الظلامِ شريدا
خلعتهُ دونَ المسلمين عصابةٌ
لم يجعلوا للمسلمين وجودا
يقضون ذلك عن سوادٍ غافلٍ
خُلقَ السوادُ مُضللاً ومسودا
جعلوا مشيئتهُ الغبية سُلماً
نحو الأمورِ لمن أراد صعودا
أحسبتَ أنَّ الله دونكَ قدرةً
لا يملكُ التغييرَ والتبديلا
الله يحكمُ في الملوكِ ولم تكن
دولٌ تنازعهُ القوى لتدولا
فرعونُ قبلكَ كانَ أعظمَ سطوةً
وأعزَّ بين العالمين قبيلا
جرحَ الأهرامَ في عزّتها
(مشيراً لإلى نابوليون الذي مات مقهوراً في منفاه)

ومشى للقبرِ مجروحَ الإباءِ
دُوَلٌ كالرجالِ مرتهناتٌ
بقيامٍ من الجدودِ وتعسِ
وليالٍ من كلِّ ذات سِوارٍ
لطمتْ كلّ ربِ رومٍ وفرسِ
خَطبُ الإمامِ على النظيمِ
يَعزُّ شرحاً والنثير
شيخُ الملوكِ وإن تضعضع
في الفؤادِ وفي الضمير
نستغفرُ الله لهُ
والله يعفو عن كثير
ونراهُ عند مصابهِ
ونصونهُ ونجلّهُ

أولّى بباكٍ أو عذير
بينَ الشماتةِ والنكير
“عبد الحميد” حساب مثلك
سدت الثلاثين الطوال
تنهي وتأمر ما بدا

في يدِ الملك الغفورُ
ولسن بالحكم القصير
لكَ في الصغيرِ وفي الكبير
ماذا دهاكَ من الأمو
أين الرويّة والأنا

رِ وأنتَ داهية الأمورِ
ة وحكمة الشيخ الخبير
دخلوا السرير عليك يحت
كمون في ربِّ السرير
أعظم بهم من آسرين
أسد هصور أنشب
قالوا اعتزل قلت اعتز
ظنوا بضائع حقهم

وبالخليفةِ من أسير
الأظفار في أسد هصور
لت الحكم لله القدير
وضننت بالدنيا الغرور
لو أنّ سلطان الجمالِ مخلّد
لمليحةٍ لعذلتُ من عزلوك
خلعوك من سلطانهم فسليهم
أمنَ القلوبِ وملكها خلعوك
لا يَحزُنكَ من حُماتك خطة
كانت هي المثلى وإن ساءوك
أيقال فتيان الحمى بك قصّروا
أم ضيّعوا الحرمات أم خانوك؟
وهم الخفاف إليك كالأنصار إذ
قلَّ للنصير وعزَّ من يفديك
والمشتروك بمالهم ودمائهم
حين الشيوخ بجبّة باعوك
هدروا دماءَ الذائدين عن الحمى
بلسان مفتي النار لا مفتيك
شربوا على سرِّ العدوِّ وغردوا
كالبومِ خلف جدارك المدكوك
لو كنت مكة عندهم لرأيتهم
(مخاطباً استانبول بعد عزل السلطان عبد الحميد)

كمحمد ورفيقه هجروك
عادتْ أغاني العرسِ رجعَ نُواحِ
ونُعيت بين معالم الأفراح
ضجّتْ عليكِ مآذنٌ ومنابرٌ
وبكتْ عليكِ ممالكٌ ونَواحِ
يا للرجالِ لِحرّة مؤودةٍ
قُتلت بغيرِ جريرةٍ وجُناحِ
إن الذين أسَتْ جراحك حربهم
قتلتكِ سِلمهم بغيرِ جراحِ
هتكوا بأيديهم مُلاءةَ فخرهم
موشيّة بمواهب الفتّاحِ
إنّ الغرور سقى الرئيسَ براحه
(بعد قضاء أتاتورك على الخلافة العثمانية)

كيفَ احتيالكَ في صريعِ الراح؟
كم قبورٍ زيّنت جيد الثرى
تحتها أنجسُ من ميتِ المجوسِ
كانَ فيها وإن حازوا الثرى
قبلَ موتِ الجسمِ أمواتَ النفوسِ
وعِظامٌ تتزّكى عنبراً
من ثناءٍ صرنَ أغفال الرموسِ

حافظ إبراهيم

تلكَ عقبى أمّةٍ غادرةٍ
تنكثُ العهدَ ولا ترعى الذِّماما
تلكَ عقبى كلِّ جبارٍ طغى
أو تعالى أو عن الحقِّ تعامى
شَلّتْ أناملُ من رمى،فلِكفّهِ
حَزُّ المُدى ولكفّكَ التقبيل
إنّ الذي كانت الدنيا بقبضتهِ
أمسى من الأرضِ يحويهِ ذراعانِ
وغابَ عن مُلكهِ من لم تغبْ أبداً
عن مُلكهِ الشمسُ عزاً وسلطانِ
أصحيحٌ ما قيلَ عنكَ وحقٌّ
ما سمعناهُ من الرواةِ الشهودِ
أنَّ”عبد الحميد” قد هدمَ الشر
عَ وأربى على فعالِ الوليد
إن بريئاً وإن أثيماً ستُجزى
يوم تُجزى أمامَ ربٍّ شهيدِ
أصحيحٌ بكيتَ لما أتى الوف
دُ ونابتكَ رِعشةُ الرعديدِ
ونسيتَ الإباءَ والمجدَ والسؤ
ددَ والعزَّ يا كريمَ الجدودِ
ما عهدنا الملوكَ تبكي ولكن
علّها نزوةُ الفؤادِ الجليدِ
علّهادمعةُ الوداعِ لذاك ال
مُلكِ أو ذكرةٌ لتلكَ العهودِ
غسلَ الدمعُ عنكَ حوبةَ ماض
يكَ،ووقاكَ شرَّ يومِ الوعيدِ
شفعَ الدمعُ فيكَ عند البرايا
ليسَ ذاكَ الشفيعُ بالمردودِ
دمعُكَ اليومَ مثلُ أمركَ بالأم
سِ مُطاعٌ في سيّدٍ ومسودِ
قُلْ لهُ كيفَ زالَ ملكُكَ لم يع
صمُكَ إعدادُ عُدّةٍ أو عديدِ
لم تَصُنكَ الجنودُ تفديكَ بالأروا
حِ والمالِ يا غرامَ الجنودِ
قلْ لهُ كيفَ كنتَ؟كيفَ امتلكتَ ال
أرضَ؟ كيفَ انفردتَ بالتمجيدِ
فَثللتَ العروشَ عرشاً عرشاً
وصبغتَ الصعيدَ بعدَ الصعيدِ
كُلّما نِلتَ غايةً لم تنلها
هِمّةُ الدهرِ قُلتَ:هل من مزيدِ؟
ضاقتْ الارضُ عن مداكَ فأرسل
تَ بِطرْفٍ إلى السماءِ عتيدِ
قلْ لهُ :جلَّ من لهُ المُلك لا مُل
كَ لغيرِ المهيمنِ المعبودِ
سلوهُ أأغنتْ عنهُ في يومِ خلعهِ
عجائبه؟أو أحرزتهُ غرائبه؟
وقد نزلَ المقدارُ بالأمرِ صادعاً
فضاقتْ على شيخِ الملوكِ مذاهبهْ
وأصبحَ في منفاهُ والجيشُ دونَهُ
يُغالبُ ذكرى مُلكهِ وتُغالبهْ
يُناديهِ صوتُ الحقِّ:ذُقْ ما أذقتهم
فكلُّ امرىءٍ رهنُ بما هو كاسبهْ
هُمُ منحوكَ اليومَ ما أنتَ مُشتهٍ
فَرُدَّ لهم بالأمسِ ما أنتَ سالبهْ
ودعْ عنكَ ما أمّلتَ إن كنتَ حازماً
فلم يبقَ للآمالِ فضلٌ تُجاذبهْ
مضى عهدُ الاستبدادِ واندّكَ صرحهُ
وولتْ أفاعيهِ وماتت عقاربه
أكرموهُ وراقبوا الله في الشي
خِ ،ولا ترهقوهُ بالتهديدِ
لا تخافوا أذاهُ فالشيخُ هاوٍ
ليستْ فيهِ بقيةٌ للصعودِ
وَليَ الأمرَ ثُلثَ قرنٍ يُنادي
باسمهِ كلُّ مسلمٍ في الوجودِ
كلما قامتْ الصلاةُ دعى الدا
عي “لعبد الحميد” بالتأييدِ
فاسمُ هذا الاسيرِ قد كان مقرو
ناً بذكرِ الرسولِ والتوحيدِ
بتُّ أخشى عليكمُ أن يقولوا
إن أثرتم من كامناتِ الحقودِ
لارعى الله عهدَها من جُدودِ
كيفَ أمسيتَ يا بنَ”عبد المجيد”
مُشبعَ الحوتِ من لحومِ البرايا
ومُجيعَ الجنودِ تحتَ البنودِ
كنتُ أبكي بالأمسِ منكَ فما لي
بتُّ أبكي عليكَ “عبد الحميدِ”؟
فرحَ المسلمونُ قبل النصارى
فيكَ قبلَ الدروزِ ،قبلَ اليهودِ
شمتوا كلّهم وليسَ من الهِمّةِ
أن يشمت الورى في طريد
كانَ عبد العزيز أجملَ أمراً
منكَ في يومِ خَلعهِ المشهودِ
خافَ مأثورَ قوله فتعالى
عن صَغارٍ وماتَ موتَ الأسودِ
ضمَّ مقراضَهُ إليه ونادى
دونَ ذلِّ الحياةِ قطعُ الوريدِ

لقد حانَ توديعُ العميدِ وإنّهُ
حقيقٌ بتشييع المُحبينَ والعِدا
فودِّعْ لنا الطّودَ الذي كانَ شامخاً
وشيّع لنا البحرَ الذي كانَ مُزبدا
وزوّدهُ عنا بالكرامةِ كلّها
وإن لم يكنْ بالباقياتِ مُزوّدا
كأنّكَ لم تجزعْ عليه ولم تكنْ
ترى في حمى فرعونَ أمناً ولا جَدا
سلامٌ ولو أنا نُسىءُ إلى الأُلى
(وداع اللورد كرومر المعتمد البريطاني)

أساءوا إلينا ما مددنا لهم يدا
ولّى زمانُ المُعتدينَ كما انطوتْ
حَيلُ الشيوخِ وإمرةُ الخصيانِ
لا الشكُ يذهبُ باليقينِ ولا الرؤى
تُجدي المُسىءَ ولا رُقى الشيطانِ
وُضِعَ الكتابُ وسيقَ جمعهمُ إلى
يومِ الحسابِ وموقفِ الإذعانِ
وتوسموهم في القيودِ فقائلٌ:
ومُلببٌ لغريمهِ ومُطالبٌ

هذا فلانٌ قد وشى بِفلانِ
بدم أُريقَ بمسبحِ الحيتانِ
قد جاءَ يومهمُ هنا،وأمامهمْ
سبحانَ من دانَ القضاءُ بأمرهِ

بعدَ النشورِ هناكَ يومٌ ثاني
ليد الضعيفِ من القوي الجاني
يا صارماً أنِفَ الثواءَ بِغمدهِ
وأبى القرارَ،ألا تزالُ صقيلا
فالبيضُ تصدأ في الجفونِ إذا ثوتْ
والماءُ يأسنُ إن قام طويلا
أهلاً بمولايَ الرئيس وليس من
شرفِ الرئاسةِ أن أراكَ وكيلا
فاطرحْ معاذيرَ السكوت وقلْ لنا
(بعد استقالة اسماعيل صبري)

هلا وجدتَ إلى الكلامِ سبيلا
يناديهِ صوتُ الحقِّ ذُقْ ما أذقتهم
فكلّ امرىءٍ رهنٌ بما هو كاسبهْ
مضى عهدُ الاستبدادِ واندكَ صرحِهُ
وولّتْ أفاعيهِ وماتت عقاربُهْ
سَنُطري أياديكَ التي قد أفضتها
علينا فلسنا أمةً تجحدُ اليدا
أمِنّا فلم يسلُكْ بنا الخوفُ مسلكاً
ونِمنا فلم يَطرُقْ لنا الذعرُ مرقدا
وكنتَ رحيمَ القلبِ تحمي ضعيفنا
وتدفعُ عنا حادثاتِ الدهرِ إن عدا
ولولا أسىً في”دنشواي” ولوعةٌ
وفاجعةٌ أدمتْ قلوباً وأكبُدا
ورميُكَ شعباً بالتعصّبِ غافلاً
وتصويرُكَ الشرّقيِّ غِرّاً مجردا
لَذُبنا أسىً يومَ الوداعِ لأننا
نرى فيكِ ذاكَ المُصلِحُ المُتودّدا
تشعّبتِ الآراءُ فيكَ فقائلٌ
(في اللورد كرومر)

أفادَ الغنى أهل البلادِ وأسعدا
كنتَ تُعطي،فمالكَ اليومَ تُعطى
أينَ بانيكَ؟أينَ ربُّ المكانِظ
إن أطافتْ بك الخطوبُ فهذي
سُنّةُ الكونِ من قديمِ الزمانِ
رُبَّ بانٍ ،نأى،وربَّ بِناءٍ
أسلمتهُ النوى إلى غيرِ باني
كمْ دولةٍ شهِدَ الصباحُ جلالها
وأتى عليها الليلُ وهي فلولُ
وقصورِ قومٍ زاهراتٍ في الدجى
طلعت عليها الشمسُ وهي طلول
قالوا لقد هجرَ الس
ياسةَ وانزوى في عقر دار
تركَ المجالَ لغيرهِ
ورأى النجاةَ مع الفرار
لا تظلموا ربّ النُهى
وحذارِ من خطل حذار
هجر السياسة للسيا
سة لا لنوم أو قرار
لو أنهم علموا الذي
يُبنى لهم خلف الستار

خليل مطران

فلما انتهى أورى الزِّنادَ مُسدداً
إلى قلبهِ فانحطَّ يخبطُ بالدِّما
كأنّ بناءً راسخاً في مكانهِ
هوى بشهابٍ مُحرقٍ وتهدّما

محمود سامي البارودي

كلُّ حيٍّ سيموتُ
ليسَ في الدنيا ثبوتُ
حركاتٌ سوفَ تفنى
ثمّ يتلوها خفوتُ
أينَ أملاكٌ لهم في
كلِّ أفقٍ ملكوتُ
زالت التيجانُ عنهم
وخلتْ تلك التخوتُ
عمرت منهم قبورٌ
وخلتْ منهم بيوتُ
لم تذُدْ عنهم نحوسَ ال
دهرِ إذ خانت نجوت
إنّما الدنيا خيالٌ
باطلٌ سوفَ يفوتُ
ليسَ للإنسانِ فيها
غير تقوى الله قوت
فاذهبْ كما ذهبَ الطاعونُ من بلدٍ
تقفوهُ باللعنِ أرواحٌ وأجسامُ
زالوا فما بكتِ الدنيا لفرقتهم
ولا تعطّلت الأعياد والجمع
هلْ بالحمى عن سرير الملك من ينزع
هيهاتَ قد ذهب المتبوعُ والتبع
هذي”الجزيرة” فانظر هل ترى أحداً
ينأى بهِ الخوف أو يدنو به الطمع
أضحت خلاء وكانت قبل منزلة
للملك منها لوفد العزّ مرتبع
فلا مُجيب يرد القول عن نبأ
ولا سميع إذا ناديت يستمع
كانت منازل أملاك إذا صدعوا
بالأمرِ كادت قلوب الناس تنصدع
عاثوا بها حقبة حتى إذا نهضت
طير الحوادث من أوكارها وقعوا
لو أنهم علموا مقدار ما فغرت
يد الحوادث ماشادوا ولا رفعوا
دارت عليهم رحى الأيام فانشعبوا
أيدي سبأ وتخلّت عنهم الشيع
كانت لهم عصب يستدفعون بها
كيد العدو فما ضروا ولا نفعوا
أين المعاقل بل أين الجحافل بل
أين المناصل والخطيّة الشرعُ؟
لا شىء يدفع كيد الدهر إن عصفت
أحداثهُ أو بقي من شرٍّ ما يقعُ
زالوا فما بكت الدنيا لفرقتهم
ولا تعطلّت الأعيادُ والجمعُ
والدهرُ كالبحرِ لا ينفكّ ذا كدر
وإنما صفوه بين الورى لمعُ
لو كان للمرءِ فكرٌ في عواقبه
ما شابَ أخلاقه حرص ولا طمع
وكيف يدرك مافي الغيبِ من حدث
من لم يزل بغرور العيش ينخدعُ
دهر يغرُّ وآمال تسرُّ وأعما
رٌ تمرُّ وأيامٌ لها خدعُ
يسعى الفتى لامور قد تضرّ به
وليسَ يعلمُ ما يأتي وما يدعُ
يا أيها السادر المزور من صلف
مهلاً فإنك بالأيام منخدعُ
دعْ ما يريبُ وخذ فيما خلقت له
إنّ الحياةَ لثوبٌ سوف تخلعه

لعلّ قلبكَ بالإيمان ينتفعُ
وكلّ ثوبٍ إذا مارثَّ ينخلع

علي محمود طه

اعتزلتَ الحكم؟أم كانَ فرارا
بعد أن ألفيتَ حوليكَ الدمارا
سقت بالمجزرة الزغب الصغارا
بعد أن أفنيتَ في الحربِ الكبارا
يا لهم في حومةِ الموت حيارى
ذهبوا قتلى وجرحى وأسارى
يملأون الجوَ في الركضِ غبارا
وقبوراً ملأوا وجه الصحارى
نباٌ ،في لحظةٍ أو لحظتين
نبأٌ،لو كانَ همسَ الشفتين

طافَ بالدنيا وهزَّ المشرقين
منذُ عامٍ،قيلَ إرجافٌ ومَينُ
مُوسُليني:أينَ أنتَ اليوم؟أين؟
حلمٌ؟أم قصةٌ،أم بينَ بين؟
اعتزلتَ الحكمَ؟أم كانَ فراراً
بعد أن ألفيتَ حوليكَ الدمارا
سُقتَ للمجزرةِ الزُغبَ الصِّغارا
بعد أن أفنيتَ في الحروبِ الكبارا
يا لهمْ في حومةِ الموتِ حيارى
ذهبوا قتلى وجرحى وأسارى
يملأوونَ الجوَّ في الرّكضِ غبارا
وقبوراً ملا,اوجهَ الصحارى
يا أبا “القمصان” جمعاً وفُرادى
أحَمَتْ قُمصانكَ السودٌ البلادا؟
لم آثرتَ من اللونِ السوادا؟
لونها كانَ على الشعبِ حِدادا
جئتَ بالأزياءِ تمثيلاً مُعادا
أيُّ شعبٍ عزّ!َ بالزيِّ وسادا
إنّهُ الرُّوحُ شُبوباً وإتقاداً
لا اصطناعاً بل يقيناً واعتقادا
موسُليني!لستَ من أمسٍ بعيداً
فاذكر”المختارَ” والشعبَ الشهيدا
هو روحٌ يملأ الشرقَ نشيداً
ويناديكَ ،ولا يألو وعيدا:
مُوسليني!خذ بكفيكَ الحديدا
وضعِ القيدَ لساقيك عتيدا
أو فضَعْ منك على النّصلِ وريداً
فدمي يخنقُكَ اليوم طريدا
فاصعدْ لربّكَ فهو أعدلُ حاكمٍ
وهو الكفيلُ برحمةٍ وجزاءِ
وتلقَ من حكمِ الزمانِ وعدلهِ
ما شاءَ من نقدٍ ومن إطراءِ
هذا ضياءُ العدلِ بدّدَ ظلمهم
كالليلِ بدّدهُ الضحى بمنارهِ

سيد قطب

حطّمَ الدهرُ قواهُ فانحطمْ
وتنزّى الداءُ فيهِ والألمْ
ودوت من فيهِ تعوي صرخة
تتلوى فيه حتى تحتدم
صرخةُ الجبارِ يشكو مرغماً
ذلّةَ الشكوى وإهوان الرغم
يشتكي العجز الذي أقعدهُ
عن صراعاتٍ وهولٍ يقتحم
تسمعُ القوة في صرخته
من وراءِ العجز تدوي فَتُصّم
ويهم البأس في أشلائهِ
ناهضاً،لكنّما العجز جثم
أيّ معنى تحتوي صرختهُ
أيّ ماضٍ في ثناياها ارتسم؟
هو ماض نازل الدهر بهِ
في عناد شامخ حتى انحطم
هو ماض غامض تكتنفه
جلجلات،وهزيم ورُجم
هو ماض مارد مقتحم
هو ماض! أيّ ماض؟ يا لهُ

لا يهاب الموت فيما يعتزم
مبهم التعبير كالدهرِ الأصم

إسماعيل صبري

أينَ قومٌ شادوا البلادَ وسادوها
وكانت تهواهم العلياء
ملكوا الأرضَ حِقبةً ثم أمسوا
وهمُ في بطونها نزلاء
يا ناظرَ التُركِ قد فارت مراجلهمْ
بينَ الدروبِ وفي عَرضِ الميادينِ
قالوا:لقد خرَّ من صرحِ العلا وهوى
ذو السلطتينِ وربُّ الكافوالنونِ
قل للبراكينِ كُفّي نحنُ في شُغُلٍ
ذا اليوم عنكِ ببُركان البراكينِ
أهوِلْ بها صيحةً في الكونِ قاصفةً
تزلزلُ الأرضَ من حينٍ إلى حينِ
تالله إن صدقوا في قولهم كذبتْ
ألقابُ ذي المُلكِ من عزٍّ وتمكينِ
يا نائماً والقنا غابٌ تحفُّ بهِ
أفِقْ فرُبَّ أمانٍ غير مأمونِ
وانظر حواليكَ من خوفٍ ومن حذرٍ
فالغابُ مذ خُلقت مأوى السراحين
لم تأمن الشمسُ ـ وهي الشمس ـ ما خبأت
لها المقاديرُ في طَيِّ الأحايين



إن يرجحِ الخيرُ ـ نعمَ الخيرُ من عملٍـ
دخلت في زمرة الغُرِّ الميامين
أو يغلبِ الشرُّ ـ لا كانت عصابته ـ
عُددتَ في صرحهِ أقوى الأساطين
لا يثرهقنّك حكمُ الناس فهو غداً
مستأنفٌ عند سلطان السلاطين

ولي الدين يكن

أسجنُ مراد لو تكلّم منزلٌ
لأخبرتنا عمّا جرى لمراد
ثلاثونَ عاماً قد توالتهُ عانيا
بربعكَ في بثّ وطول سهاد
يطالعُ من خلفِ الستائرِ ملكه
يُخاطبهُ شوقاً له وينادي
بلادي، بلادي، إن يحل بيننا النوى
فعندك روحي دائماً وفؤادي
لقد ماتَ مجنياً عليه وما جنى
لكن لأحرارِ الملوكِ أعادِ
إنّ الثلاثينَ التي
مرّتْ بنا مرَّ العصورِ
وهبتكَ تجربة الأمور
فعشت في جهل الامور
من كان يدعوكَ الخبير
فلستَ عندي بالخبيرِ
عزاء أيها النافي الرعايا
ولا تجزعْ فخالقهم نفاكا
حرمت كراك أعواماً طوالاً
وليتكَ بعد ذا تلقى كراكا
تفارقكَ السعادة لا لعود
وقد عاشت خطاها في خطاكا
فدعْ صرحاً أقمتَ بهِ زماناً
وقل يا قصر لست لمن بناكا
نعم عبد الحميد ما ندب زماناً
تولّى ليس يحمده سواكا
تولّى بين أبكار حسان
تعلق في غدائرها نهاكا
جعلت فدائها الدنيا جميعاً
ولو ملكتها جعلت فداكا
وطالَ سرلكَ في ليلِ التصابي
وقد أصبحت لم تحمد سراكا
ستحيا في “سلانيك” زماناً
ستحسد فيه عن بعد أخاكا
وتعلم أن ملكاً ترتضيه
ولعت به،ولكن ما ارتضاكا
فإن زار الكرى عينيك ليلاً
وعادك تحت طيبه أساكا
تمثل في المنام لديك ناس
تخبر عن دمائهمو يداكا
رماهم بالأفول دجاك لما
تبدو كالكواكب في دجاكا
هاجتك خالية القصور
وشجتك آفلة البدور
وذكرت سكان الحِمى
ونسيت سكان القبور
وبكيت بالدمع الغز
ير لياعث الدمع الغزير
ولواهب المال الكثير
وناهب المال الكثير
إن كان أخلى يلدزا
مخلى الخورنق والسدير
سيتأهلن من بعدها
آلاف أطلال ودور
بعض النجوم ثواقب
والبعض دائمة المسير
ضاءت عقود الملك
مابين الترائب والنحور
والشيخ بات فؤاده
في أسرِ ولدان وحور
مازال معتصر الخدود
هوى ومهتصر الخصور
وإذا انقضت ليلاته
وصلت بليلات الشعور
أهدى الفتورُ لقلبه
ما باللواحظ من فتور
واستنفرته عن الرعا
يا كل آنسة نفور
تختال من حلل الصبابة
في الدمقس وفي الحرير
إن الزمان يغرّ ثمَّ
يذيق عاقبة الغرور
وعظتك واعظة القتير
ورأيت منقلب الدهور
وربيت في مجد الأمير
ولم تمت موتة الأمير
لما سُلبت الحكم قلت
الحكم لله القدير
ورآك جندك ضارعاً
لهمو ضراعات الأسير
لقد استجرت بمعشرٍ
ما كنت فيهم بالمجير
هيَ غارةٌ لكنها
دارت على رأسِ المُغير
من ذا استشرت لها ولم
تكُ في الحياة بمُستشير
لقد استطرت بشرِّ
يومك كلّ شرٍّ مستطير
من عاش يستحلي الشرور
يموت من تلك الشرور

أحمد نسيم

إنّ الملوكَ إذا استبدوا أصبحتْ
أيامُهم رهنَ الحوادثِ سودا
ورأوا قلوبَ العاملينَ حقيبةً
مُلئتْ ضغائنَ نحوهم وحقودا
حتى إذا شهرَ المَضيمُ حسامهُ
كانت لهُ مهجُ الجفاةِ غمودا
قُمتَ بوادي النيلِ حتى سقيته
مرارةَ صبرٍ لا يُطاقُ وصابِ
وغادرتهُ يشكو إلى الله مابهِ
وينزو بقلبٍ من أذاكَ مذابِ
دعا ربّهُ حتى أجابَ دعاءهُ
وقد كان قبلاً فيك غير مُجابِ
فسيّان سخط في كتابك أو رضى
إذا كانَ ترحالٌ بغيرِ إيابِ
حسبناكَ نسراً قد هممنا بزجرهِ
إذا بك يوم البينِ شرُّ غرابِ
خرجت على رغم وكان تشفياً
دعاءُ الورى ربِّ ارمهِ بشهابِ
ولونُكَ مُصفرٌ ورأسُكَ مطرقٌ
وطرفُكَ محسورٌ ووجهُكَ طاب
وعينُكَ تبكي عرش ملك نُزعتهُ
وترنو لنيلٍ مترعٍ وهضابِ
نأى النيل حتى صرت أشوق مولع
إلى رشفاتٍ من لماه عذاب
وساءكَ نأي القصر وهو مشيد
على هضباتٍ غضّةٍ وروابي
ثويتَ به تختالُ بين خمائلٍ
وبينَ عراصٍ شسع ورحابِ
فصار كَحلم أو كآل حسبته
من الجهل ماءً أو كلمعِ سراب
ومرّت ليالٍ لا تعود كأنها
سنوح شبابٍ أو مرور سحاب

أحمد فتحي

حلمٌ لاحَ لعينِ الساهرِ
وتهادى في خيالٍ عابرِ
وهفا بينَ سكون الخاطرِ
يصلُ الماضي بيُمنِ الحاضرِ
طاف بالدنيا شعاعٌ من خيالي
حائرٌ يسألُ عن سرِّ الليالي
يالهُ من سرّها الباقي ويا لي
لوعةُ الشعرِ ووهمُ الشاعرِ
حينَ ألقى الليلُ للنورِ وشاحه
وشكا الطلُّ إلى الرملِ جراحه
يا تُرى هل سمعَ الفجرُ نواحه
بينَ أنغامِ النسيمِ العاطرِ
صحت الدنيا على صُبحٍ رطيبِ
وهفاالمعبدُ للحنِ الغريب
مرهفاً ينساب من نبع الغيوب
ويناجيهِ بفنِ الساحرِ
ها هنا الوادي وكم من ملكٍ
صارعَ الدهرَ بظلِّ الكرنكِ
وادعاً يرقبُ مسرى الفلكِ
وهو يستحي جلالَ الغابرِ
أينَ يا أطلالُ جندُ الغالبِ
أيتَ آمونُ وصوتُ الراهبِ
وصلاةُ الشمس وهمي طار بي
نشوة تزري بكرمِ العاصرِ
أنا هيمانٌ ويا طولَ هُيامي
صورُ الماضي ورائي وأمامي
هي دمعي وغنائي ومدامي
وهي في حلمي جناح الطائر
ذلكَ الطائرُ مخضوب الجناحِ
يُسعدُ الليلَ بآياتِ الصباحِ
ويغني في غدوٍّ ورواحِ
بين أغصانٍ وورد ناضرِ
في رياضٍ نضّرَ الله ثراها
وسقى من كرم النيلِ رُباها
ومشى الفجرُ إليها فطواها
بينَ أفراحِ الضياءِ الغامرِ

هاشم رفاعي

أبى الله إلا أن تُذلَّ وتخضعا
وشاءَ لركنِ البغي أن يتصدّعا
ويا طولَ ما أوجعتَ في مصر آمناً
فبتَ مثلَ من قد باتَ بالأمسِ موجعا
وفارقتَ دستَ الحكمِ والأنفُ راغمٌ
فَمُتْ بالأسى أو عشْ ذليلاً مُضيّعا
هو الكأسُ قد ذقناهُ فاشربهُ علقماً
وعُدْ بمريرِ الخزي،منا مُشيّعا
هوى غيرَ مأسوفٍ عليه فلم يدعْ
بأيِّ فؤادٍ للترحمِ موضعا
وكانَ سقوطُ الفردِ مصدرَ فرحةٍ
فكيفَ يكونُ الأمرُ لو سقطوا معاً؟
تخذتمْ من الجُندِ الكثيفِ حصونكم
وكانت قلوبُ الشعبِ أقوى وأمنعا
وشاركتَ في نشرِ الظلامِ فَنبنّي
أما كان حكمُ النورِ أجدى وأنفعا
وثبتُمْ..فقلنا وثبةُ الحقِّ والهدى
فكنتمْ وبالاً ما أشدَّ وأفظعا
وجُرتمْ علينا مرةً بعد مرةٍ
وجرعتمونا الكأسَ بالهونِ مُترعا
أدرتُمْ جهازَ الحكمِ وفقَ هواكمُ
ولم ترتضوا منّا سواكم مُشرّعا
ومالتْ بكمْ فُلك السياسةِ بينما
أشارَ أخو رأيٍ فلم يلقَ مسمعا
تقاضيتموا منا جزاءَ وثوقنا
بكم يومَ أن جئتم دماءً وأدمعا
وأشعلتموا ناراً رأينا لهيبها
رعى من بني مصر العزيزةِ ما رعى
وقد فرغت منا..فأنتم وقودها
ولابدّ أن يلقى أخو البغي مصرعا

نزار قباني

يعمرُ الحاكمُ في بلادنا
ألف سنة
وعندما يذهبُ مضطراً
إلى ضريحهِ
يُهنىءُ المشيعون بعضهم
وترقصُ الأزهارُ خلف نعشه والأحصنة

بدوي الجبل

يفتكُ الظلمُ بالضعيفِ ويُردي
بعدَ حينٍ بشؤمهِ الظُّلاما
يفنى المُزوِّرُ من مجدٍ ومن خُدعتْ
بهِ الشعوبُ وتبقى أنتَ والأبدُ
عشرينَ عاماً شربنا الكأسَ مُترعة
من الاذى فتملّى صروفها الآنا
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا
على الأرائكِ خُدّاماً وعُبدانا
الله أكبر هذا الكونُ أجمعهُ
لله، لا لكَ تدبيراً وسلطانا
ضغينة تتنزى في جوانحنا
ما كانَ أغناكم عنها وأغنانا
كلّ طاغٍ ـ مهما استبدَ ـ ضعيف
كلّ شعبٍ ـ مهما استكان ـ قدير
كلّ ظلم له ـ وإن طالت الأيا
مُ ـ يومان:أوّلٌ وأخيرُ
يغضبُ القاهرُ المسلح بالنار
إذا أنَّ أو شكا المقهورُ
فاتقوا ساعةَ الحسابِ إذا دقّتْ
فيوم الحسابِ يومٌ عسيرُ
أرى الفردَ لا يبقى وإن طالَ حكمهُ
ويبقى بقاءُ الحقِّ والزمنُ الشعب
وأشهد أن الظلمَ يردى فلو طغى
على السفحِ هضب شامخ زلزل الهضب
شكتْ جبروتَ الكثب حبات رملها
إلى الله فانهارت مع العاصف الكثبُ
إنّي لأشمتُ بالجبّارِ يصرعهُ
طاغٍ ويُرهقهُ ظلماً وطغيانا
لعلّهُ تبعثُ الأحزانُ رحمتَهُ
فيُصبحُ الوحشُ في بُرديهِ إنسانا
والحزنُ في النفسِ نبعٌ لا يمرُّ بهِ
صادٍ من النفسِ إلا عادَ ريّانا
عبرةٌ للطغاةِ مصرعُ طاغٍ
وانتقامٌ من عادلٍ لا يجورُ
والذي عذَّبَ الأباةَ رأى التعذيبَ
حتى استجارَ من لا يُجير
قدماهُ لم تحملاهُ إلى الموتِ
فزحفَ على الثرى لا مسيرُ
وخزتهُ الحِرابُ وهو مسوقٌ
لِرداهُ،مُحطّمٌ مجرورُ
وكيفَ أرضى بقومٍ ألّهوا صنماً
وكفّروهُ وذَمّوا بعد أن حمدوا
حتى إذا راعَ قصفُ الرعد من سمعوا
وراعَ برقُ الدجى أحلام من شهدوا
تكّشفَ النقعُ عن أشلاءِ طاغيةٍ
وراحَ يخطرُ في غاباتهِ الاسدُ
ولَرُبَّ مختال تناساهُ الردى
ووددتُ لو بكرتْ عليَّ نعاته
صلى لتفريقِ الشعوبِ فبغضّتْ
عندي الديانة والتُقى صلواته

خير الدين زركلي

صبر العظيم على العظيم
جبار زمزم والحطيم
إن الفضاء إذا تسلط
ضاع فيه حجى الحكيم
والنفس جامحة فخذ
ما اسطعت منها بالشكيم
انهض فقد طلع الصبا
ح ولاح محمر الأديم
الق السلام على الطلو
لِ وحي شاخصة الرسوم
ودع قصور(أبي نمي)
لست فيها بالمقيم
راعتك رائعة الملوك
ويؤت بالخطب الجسيم
سهم رماك الأقربو
ن به فغلغل في الصميم
لم يجدك الحذر الطوي
ل من الموالي والخصيم
أيام كنت تسىء ظنك
بالرضيع وبالفطيم
ما كنت تحفل بالنص
حِ وكنت أحفى بالنموم
للنعميات يد الوشا
ةِ وللأباة لظى الجحيم
ريع الكرام بقصرك ال
عالي فذقْ روع الكريم
اسمع أنين (القبو) ويح
(القبو) من حنق كظيم
أعددت للأحرار فيه
عقاب منتقم ظلوم
أكلت حياة(القبو) من
أرواحهم ومن الجسوم
طال انقيادك للخصوم
وأنت أدرى بالخصوم
الإنكليز وما أرا
ك بأمرهم غير العليم
ما في جموعهم وإن
حدبوا عليك سوى غريم
ذؤبان واديك الفسيح
وآفة الملك العقيم
قد يستنيم أذاهم
حيناً وليس بمستنيم
كالنار تذكيها الريا
ح فكيف تطفأ بالنسيم
عجباً لمن طلب الخلا
فة والخلافة في النجوم
أين الخلافة لا خلا
فة في الحديث ولا القديم
أو لست أعجب للزعيم
يفوته سهر الزعيم
الجامع المتناقضات
من الغرائز والفهوم
الغافل اليقظ،الحريص
الباذل،العاتي الرحيم
يا ناظم العقد النثير
وناثر العقد النظيم
لم ألف قبلك هادماً
ما كان يبنى من أطوم
كانت تخومك لا تنال
فهل حميت حمى التخوم
العرب قومك يا حسين
وأنت منهم في الصميم
كم علموك وما علمت
وحاولوا بك من مروم
هلا اقتديت وأنت تش
هد بالفتى عبد الكريم
المستعز بقومه
والمستبد على الغشوم
والمسترد علا حماه
بحدِّ مرهفة الصروم
والمشهد الأقوام أن
الحقّ محمي الحريم
والمبلغ الأسماع أن
الضيم ينهض بالمضيم
رفع العقيرة في الجموع
وأنت لاه بالنعيم
ونفى الهموم عن الربوع
وأنت تبعث بالهموم
وشفى الصدور من الكلوم
وأنت كنت من الكلوم
ماذا ادخرت لمثل يو
مك والنذير نذير شؤم
يا عبرة لأولي البصا
ئرِ في الحميد وفي الذميم
قل للذين سيخلفو
نك من عدو أو حميم
شرُّ الممالك ما يسا
سُ سياسة البغي الوخيم
ما في العروش على الجها
لة والغباء بمستقيم
ما كان والله(الحسين)
الشيخ بالشيخ النؤوم
لكن من خالف الهز
يم رمته صاعقة الهزيم
من حاد عن شرك الغمو
م اصطاده شرك الغموم
طلب السلامة بالونى
فإذا به غير السليم
وإذا الظلامُ عتا تبلّجَ فجره
ظُلمُ الحوادثِ مطلعُ الأنوار

عصام العطار

لا بدَّ لليلِ أن ينزاحَ غيهبهُ
ويشرقُ الفجر بعد الظلمِ والظُّلمِ
الله أكبرُ والأقدارُ ماضية
أين الطواغيتِ من عادٍ ومن إرمِ
سنصدعُ الليلَ مهما اشتدَ غيهبهُ
ونحملُ الفجرَ للإنسانِ والأممِ
فجرٌ من العدلِ والإسلام مؤتلقٌ
نهدي سناهُ لأهلِ الأرضِ كلّهم

عمر بهاء الدين الأميري

حِكمةُ الله تُمهلُ الظلمَ حيناً
فتنةً منه للظلومِ الجحودِ
فإذا أمرهُ صدقَ الوعدُ
ويا هولَ أخذهُ بالوعيدِ
سُنّةُ الله قد خلتْ في الطواغيتِ
قديماً من قبلِ خلقِ ثمودِ
وستبقى مادامَ في الكونِ بغيٌ
فترّقبْ يا شعبُ! صدقَ الوعودِ
سيؤوبُ المظلومُ وهو سعيدٌ
ومصيرُ الظلومِ غير سعيد

فارس الخوري

خليفة الله قد خالفت ما أمرت
بهِ الشريعة والتنزيلُ والكلم
ركبتَ مركب جَورٍ ليس يقبلهُ
ممن يخلفه في قومه الصنم
تأبى الشريعة أن تُبقيكَ حافظها
وأنتَ بالغدرِ والإغواءِ متّهم
فاليوم تعلم عقبى من يخونُ ومن
يطغى وتندم إذ لا ينفعُ الندم
الله أكبر والظُّلامُ قد علموا
لأيِّ مُنقلبٍ يُفضي الألى ظلموا
لقد هوى اليومَ صرحُ الظلمِ وانتفضتْ
وحصحصَ الحقّ في عزٍّ وفي ظفرٍ
ثارت لهُ عصبةٌ كانت مشردةً
من كلِّ أروعَ في حيزومهِ حنقٌ

أركانهُ وتولّتْ أهلهُ النقمُ
يحفّهُ خادماهُ:السيفُ والقلمُ
وقد تهددها الإرهاقُ والعَدمُ
في نفسهِ عِزّةٌ في أنفهِ شممُ
غادرتَ أمتكَ المنكودُ طالعُها
أطلقتَ فيها سيوفَ الغادرينَ وقد

تغضُّ مقلتها إن عُدّتِ الأمَمُ
كانت بحبلك بعد الله تعتصمُ
حمّلتنا ما تنوءُ الراسياتُ به
الله الله يا راعي القطيع فقد

كيفَ الصنيعُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ
لاقت مصارعها في رعيك الغنم
فكم شكونا ولم تسمع شكايتنا
شادوا لك العزة القعساء من قدم
كانت لهم دولة بالسيفِ ناهضة
وليَّ نعمتنا قل لي أما بطلت
فلو رفقتَ أميرَ المؤمنينَ بنا
أينَ الغطاريفُ أربابُ العزائم من
كانت لهم دولةٌ بالسيفِ ناهضةٌ

وكم دعونا وحظُّ الدعوةِ الصممُ
فجئت تهدم ماشادوا وما رسموا
وفي زمانك لا سيفٌ ولا قلم
تلك الولايةُ لما ضاعتِ النِعمُ
ما كانَ أنفثّ مصدورٌ وسالَ دمُ
أسلافكَ الصيد من بالحزمِ قد عظموا
وفي زمانكَ لا سيفٌ ولا قلمُ
حصدت مازرعوا،فرّقتَ ما جمعوا
هدمتَ ما رفعوا،بعثرتَ ما نظموا
ملكتنا فرأينا منكَ طاغية
لم يلق نداً له المشهود والقدمُ
ففي هبوطكَ عاد الملك مرتفعاً
وفي هلاككَ كلّ الخلق قد سلموا
كانت بإقبالكَ الأقدارُ عابسة
فأصبحتْ بعدما أدبرتَ تتبسمُ
نيرون عندكَ أو فرعونُ قد غُفرت
زلاتهُ واستحبّتْ شاهها العجمُ
حَجاجُ عصركَ بل تُولي العقاب بلا
ذنبٍ ومزّاكَ عنهُ الجمعُ والنهمُ
قد اخترعتَ ضروباً للمظالمِ والت
نكيلِ ما فكرّوا فيها ولا حلموا
خليفة الله قد خالفتَ ما أمرتْ
بهِ الشريعة والتزيلُ والكَلِمُ
وسيرة الخلفاء الراشدين بها
خيرُ المواعظِ للظُّلامِ لو فهموا
ركبتَ مركبَ جورٍ ليسَ يقبلهُ
ممن يُخلّفهُ في قومهِ الصنمُ
دمرّتَ داركَ يا هذا فأنتَ إذن
عدوُّ نفسكَ أو قد مسّكَ اللممُ
حشدتَ حولكَ غدارين كم سفكوا
واستنزفوا ثمّ لا قِيدوا ولا غُرموا
المخلصونَ تواروا عنكَ وانهزموا
والمفسدونَ على أبوابكِ ازدحموا
أسرفتَ في نهبِ بيتِ المال فانتهبت
منهُ الجواسيسُ ما شاءوا وما غنموا
عصابةٌ ثقلتْ في الناسِ وطأتهم
صُّوا عن الحقِّ في أغراضهم وعَموا
اخترتهم واختيارُ المرءِ شاهدُهُ
يا ليتهم رفقوا بالخَلقِ أو رحموا
خانوكَ لما رأوا منكَ الخيانة في
بنيكَ والمرءُ موسومٌ كما يسِمُ
حبستَ آلكَ حتى بعضهم هلكوا
كأنّما لم تكن قربى ولا رحمُ
حاولتَ إطفاءَ نورِ الحقِّ وهو لظىً
تثورُ أفواههُ إن سُدَّ منهُ فمُ
طالَ الزمانُ على جورٍ تعالجهُ
وعيلَ صبرُ الورى واستحوذَ السأمُ
ضيّقتَ دارتهم في الأرضِ فاتسعت
والمرءُ مستبسلٌ إن عضّهُ الألمُ
قد جمع الظلمَ منهم كلّ مُفترقٍ
وشدَّ ما استتروا في الأمرِ واكتتموا
فكلما نامَ عنهم رهطكَ انبعثوا
يُدبرونَ وإن لاحظتهم جثموا
سلّوا عليكَ سيوفَ الحقّ مرهفةً
كأنها شُهبٌ في الأفقِ أو رُجمُ
شقّوا بها في جلابيبِ الدجى شفقاً
بَشّتْ له الأرضُ وانجابت الظلمُ
وطالبوكَ بحقٍّ كنتَ هاضمهُ
وحاكموكَ إلى البّتارِ واحتكموا
فادوا بأرواحهم حُبّاً بأمتهم
فلتحيَ تلكَ السجايا الغرُّ والشيمُ
قد كان ما كان والرحمنُ ناصرُنا
فالعدلُ منتصرٌ والجورُ منهزمُ
دبرّت فتنة سوءٍ تستعيدُ بها
من مجدكَ الباطلِ الغدّارِ ما هدموا
مجدٌ رهيبٌ حوتهُ ظلمةٌ كثفت
ثم انجلت فإذا ما خلفها ورمُ
كرّوا بعزمةِ حُرٍّ جاء منتصراً
لِحقّهِ واستباحوا منك ما احترموا
فأنزلوكَ عن العرشِ الرفيعِ وما
كانوا يُريدونها لكنهم رُغموا
تأبى الشريعةُ أن تُبقيكَ حارسها
وأنتَ بالغدرِ والإغواءِ مُتهمُ
فاليومَ تعلمُ عُقبى من يخونُ ومن
يطغى وتندمُ إذ لا ينفعُ الندم
هبطتَ من قمةِ الأمجادِ منحدراً
كصخرةٍ حطّها من شاهقٍ عَرِم
ففي هبوطِكَ عادَ المُلكُ مرتفعاً
وفي هلاكِكَ كلُّ الخلقِ قد سلموا
كانت بإقبالكَ الأقدارُ عابسةً
فاصبحت بعد أن أدبرتَ تبتسمُ

عدنان مردم بك

إنّ الخيانةَ ليسَ يغسلها
من خاطىءٍ دمعٌ ولا ندمُ

الأخطل الصغير

وَقفةً عندَ قصرِ يَلدزَ ليلاً
والورى بينَ هُجّدٍ ورقودِ
رقدوا في المهودِ لكنّما الأنفسُ
منهم في قبضةٍ من حديد
لا سلامٌ عليكَ يا قصرُ منّي

لا ولا جادك الحيا ببرودِ
زالَ عهدُ السجودِ يا أمم الأرضِ
فهذا عهد السلام الوطيدِ
لا بلغنا ذرى الحضارة إن لم
يمحُ عصرُ الإخاءِ عصر العبيدِ

ناصيف اليازجي

هذا الأميرُ قضى فسالت أكبد
ومدامع وجرى القضاءُ بما جرى
هذا الذي ضبط البلاد بكفّهِ
قد باتَ مغلول اليدين معفرا
أمسى وحيداً في جوانبِ حفرةٍ
من كان يجمعُ في حماه عسكرا
أولّى العبادِ برحمة من لم يكن
عرف المظالمَ في العبادِ ولا درى

محمد مهدي الجواهري

ما كانَ يحسبُ أن يُمدَّ بعمرهِ
حكمٌ أُقيمَ على أساسٍ هاوي؟
ومن الفظاعةِ أن تُريدَ رعيةً
في ظلِّ دستورٍ لها وشعارِ
ما يطلبُ المأسورُ من يدِ آسرٍ:
إسداءَ عارفةٍ وفكّ إسارِ
عصفتْ بأنفاسِ الطغاةِ رياحٌ
وتنّفستْ بالفرحةِ الأرواحُ
واليومَ تُشرقُ في النفوسِ وضاحةٌ
ويشعُّ في حلكاتها مصباحُ
طاحَ البلاءُ بخائرٍ في مَعركٍ
أشِبٍ تطيشُ بهولهِ الأحلامُ
وانجابَ عن متردّدينَ طلاؤهم
وانزاحَ عن متربصين لثامُ
من كانَ حابى أن يقولَ
الحقَّ إني لا أثحابي
لابدَّ أن يأتي الزما
ن على بلادي بانقلابِ
ويرى الذينَ توّطنوا
أنّ الغنيمةَ في الإيابِ
ماذا يقولُ المالءو الأكراشِ
من هذي النهابِ
إن دالَ تصريفُ الزما
نِ وآنَ تصفيةُ الحسابِ
جاءوا لنا صُفرَ العِيا
بِ وقد مضوا بُجرَ العيابِ
خمسٌ وعشرونَ انقضتْ وكأنّها
بشخوصها خبرٌ من الأخبارِ
ضِقنا بها ضيقَ السجينِ بقيدٍ
من فرطِ ما حملتْ من الاوزارِ
وتجّهمتْ فيها السماءُ فلم تُجدْ
للخابطينَ بكوكبٍ سيّارِ
شاخَ الشّبابُ الطيّبونَ وجُدّدت
فيها شبيبتهُ شِيخةٍ أشرارِ
وبدا على وجهِ الحفيدِ وجدّهِ
للناظرينَ تقاربُ الأعمار
لِشرِّ النهاياتِ هذا المطافُ
وكلُّ مطافٍ إلى منتهى

معروف الرصافي

يا ظالم الشعب مظلوماً بفعلته
عليكَ أم منكَ يبكي الشعبُ منتحبا
قد قمت للشرِّ لا للشرعِ منتصباً
حتى علوت به في الجوِّ منتصبا
لمن القصر لا يجيب سؤالي
آهلات ربوعه أم خوالي؟
مشمخر البناء حيث تراءى
باليد مجده بلا الأطلال
لم تصبه زلازل الأرض لكن
قد رمته السماء بالزلزال
قصر عبد الحميد أنت ولكن
أين يا قصر أين عرش الجلال
أين خاقانك الذي كان يدعى
قاسم الرزق باعث الآجال
قد تخونتنا ثلاثين عاما
جئت فيها لنا بكل محال
تلك أعوام رفعة للأداني
تلك أعوام حطة للأعالي
فابق يا قصر عابس الوجه كيما
ينهض العدل ناشطاً عن عقال
إنما نحن أمة تدرأ الضيم
وتأبى أن تستكين لوالي

جميل صدقي الزهاوي

يا ظلمُ إن طالتْ يدٌ لكَ برهةً
فالعدلُ ليسَ ذراعهُ يقصرُ

توفيق زياد

أيّ شىءٍ يقتلُ الإصرارَ
في شعبٍ مكافح؟
وطني ـ مهما نسوا ـ
مرّ عليهِ ألفُ فاتح
ثم ذابوا
مثلما الثلجُ يذوب
لستُ عرّافاً
ولا أفتحُ في الرمل
ولا أقرأُ النجومَ
إنما أعرفُ أن الظلم
شىءٌ عابرٌ
ليسَ يدومُ

محمد محمود الزبيري

ما كنتُ أحسبُ أني سوفَ أبكيه
وإن شعري إلى الدنيا سينعيه
وإنني سوف أبقى بعد نكبتهِ
حيّاً أمزّقُ روحي في مراثيه
وأنّ من كنتُ أرجوهم لنجدته
يومَ الكريهةِ كانوا من أعاديهِ
ألقى بأبطالهِ في شرِّ مهلكةٍ
لأنهم حققوا أغلى أمانيه
قد عاشَ دهراً طويلاً في دياجيره
حتى انمحى كلّ نورٍ في مآقيه
فصارَ لا الليلُ يؤذيهِ بظلمته
ولا الصباحُ إذا ما لاحَ يهديه
ربّ هذا الإمام أشلاء مقت
ولٍ،وهذا قبرُ وهذا رغامُ
ورحابُ الجحيم يصنع فيها
كلّ شىء من أجلهِ ويُقامُ
ويحه! مالهُ غبيٌ عنيد
ليسَ يدري أنَّ الحِمامَ حِمامُ
يعجب الموت أنّهُ لم يمتْ منه
ولم ينج من أذاه الأنامُ
وزعت روحه على الارض يرتا
ع اليمتنون منه حيث أقاموا
فإذا بالحياة شنعاء فيها
كلّ شخص وكلّ شىء إمامُ
أنا راقبتُ دفنَ فرحتنا الكب
رى وشاهدت مصر الإبتسامه
ورأيتُ الشعبَ الذي نزعَ القي
دَ وأبقى جذوره في الإمامه
وإذا بالطبوب عادت طبولاً
وإذا بالفطيمِ يلغي فطامه
وإذا بالدستورِ يصرعه البغ
ي ويلقى كصانعهِ حِمامه
وإذا الشعبُ بعدما حطّمَ الأصفا
دَ عنهُ لم نلق إلا حطامه
نحن شئنا قيامه لفخارٍ
فأراهُ الطغاةُ هولَ القيامهْ
ولُنسّلمْ بأنّهُ كلُّ شىء
ولنقُلْ إنّهُ إلهٌ تجسّدْ
غير أنا نرتهُ يمرضُ كالناس
ويحيا حياة من لا يُخلّدْ
ونحسُّ المنونَ تدنو إليهِ
ونرتهُ ينهارُ منها وينهد
يجتدي من يدِ الفرنجِ سويعات
من العمرِ عندهم قد تحدّد
والمنايا أمضى من الطبِّ إقداماً
وأهدى إلى الضحايا وأقصد

المتنبي

لعلّكَ يوماً يا دُمستق عائدٌ
فكمْ هاربٌ مما إليهِ يؤولُ
نجوتَ بإحدى مهجتيكَ جريحةٌ
وخلّفتَ إحدى مهجتيكَ تسيلً
أتُسلمُ للخطيّةِ ابنكَ هارباً
ويسكنُ في الدنيا إليكَ خليلُ
أكلما اغتال عبدُ السوءِ سيدَهُ
أو خانهُ فلهُ في مصر تمهيد؟
وقد قتلَ الأقرانَ حتى قتلته
بأضعفِ قِرنٍ في أذلِّ مكانِ
أتتهُ المنايا في طريق خفيّةٍ
على كلِّ سمعٍ حولهُ وعيانِ
نبكي على الدنيا وما من معشرٍ
جَمعتهمُ الدنيا فلم يتفرقوا
أينَ الأكاسرة الجبابرة الألى
كنزوا الكنوزَ فما بقينَ ولا بَقوا
من كلِّ من ضاقَ الفضاءُ بجيشهِ
حتى ثوى فحواهُ لحدٌ ضيقُ
خُرْسٌ إذا نُودوا كأن لم يعلموا
أنّ الكلامَ لهم حلالٌ مطلقُ
فالموتُ آتٍ والنفوسُ نفائسٌ
والمرءُ يأملُ والحياةُ شهيّةٌ

والمُستغرّ بما لديهِ الأحمقُ
والشيبُ أوقر والشبيبة أنزقُ
أينَ الذي الهرمانِ من بنيانهِ
ما قومهُ؟ما يومهُ؟ ما المصرعُ
تتخلّفُ الآثارُ عن أصحابها
حيناً،ويُدركها الفناءُ فتبعُ
يا منْ يُبدّل كلَّ يومٍ حُلّةً
آنّى رضيتَ بِحلُّةٍ لا تُنزعُ
ما زلتَ تدفعُ كلَّ أمرٍ فادحٍ
حتى أتى الأمرَ الذي لا يُدفعُ
وما طلبتْ زُرقُ الاسنّةِ غيرَهُ
ولكنَّ قسطنطينَ كانَ لهُ الفِدا
فأصبحَ يجتابُ المسوحَ مخافةً
وقد كان يجتابُ الدلاصَ المُسردا
ويمشي بهِ العُكازُ في الديرِ تائباً
وما كانَ يرضى مشيَ أشقرَ أجردا
وما تايَ حتى غادرَ الكرُّ وجههُ
جريحاً وخلّى جفنَهُ النقعُ أرمدا

أبو تمام

فولّى وما أبقى الرّدى من حُماتهِ
لهُ غيرَ أسارِ الرماحِ الذوابلِ
أما وأبيهِ وهو من لا أباً لهُ
يُفد لقد أمسى مضىءَ المقاتلِ
ما طالَ بغيٌّ قطُّ إلا غادرتْ
غلواؤُهُ الأعمارَ غيرَ طوالِ

البحتري

والدهرُ ذو دُولٍ تَنّقلُ في الورى
أيامُهنَّ تنقلَ الأوفياء
من كانَ يدري أنَّ آخرَ أمرهِ
يبقى أسيراً في يدِ الحُراسِ
وقد كنتُ ذا نابٍ وظفرٍ على العدى
فأصبحتُ لا يخشونَ نابي ولا ظُفري
أكانَ وليُّ العهدِ أضمرَ غدرَهُ
فمن عَجبٍ أن وُليَّ العهدَ غادره
فلا وُليَّ الباقي تراث الذي مضى
(بعد أن قتل المنتصر والده المتوكل)

ولا حملتْ ذاك الدعاءَ منابره
مازلتَ تقرعُ بابَ بابكَ بالقنا
وتزورهُ في غارةٍ شعواء
حتى أخذتَ بنصلِ سيفكَ عنوةً
منهُ الذي أعيا على الأمراءِ
أخليتَ منهُ البذَّ وهي قرارهُ
ونصبتهُ علماً بسامراءِ
لم يُبقِ فيهِ خوفُ بأسكَ مطعماً
للطيرِ في عَودٍ ولا إبداءِ
فتراهُ مُطرداً على أعوادهِ
مثلَ إطرادِ كواكبِ الجوزاء
مُستشرقاً للشمسِ منتصباً لها
(في مقتل وصلب بابك الخرمي على يد المعتصم)

في أخرياتِ الجذعِ كالحرباء
لإبن الخصيبِ الويل!كيفَ انبرى
بإفكهِ المُردي وإبطالهِ؟
كادَ أمينَ الله في نفسهِ
وفي مواليهِ وفي مالهِ
ورامَ في المُلكِ الذي رامهُ
بِغشّهِ فيهِ وإدغالهِ
فأنزلَ الله بهِ نقمةً
وساقهُ البغيُ إلى صرعةٍ
دِينَ بما دانَ،وعادت لهُ
وأمّلَ المكروهَ في غيرهِ
قد أسخطَ الله بإعزازهِ الد
ففرحةُ الناسِ بإدبارهِ
تشوّفوا أمس إلى قتله

غيّرتْ النعمة من حالهِ
للحَينِ لم تخطر على بالهِ
في نفسهِ أسوادُ أعماله
فنالهُ مكروهُ آمالهِ
نيا،وأرضاها بإذلاله
كغيظهم كان بإقبالهِ
وأملّوا سرعةَ إعجاله
فهو حلالُ الدمِ والمالِ إن
نظرتَ في باطنِ أحوالهِ
رامَ الذي رامَ وسَدآ الذي
سَدّاهُ من مُوبقِ أفعالهِ
والرأيُّ كلّ الرأي في قتلهِ
(ابن الخصيب وزير الخليفة المستعين بالله)

بالسيفِ واستصفاءِ أموالهِ
تغيّرَ حُسنُ”الجعفريُّ” وأُنسهُ
وقُوِّضَ بادي”الجعفريّ” وحاضرُهْ
تحمّلَ عنهُ ساكنوهُ فُجاءةً
فعادتْ سواءً دورُهُ ومقابرهْ
إذا نحنُ زُرناهُ أجدَّ لنا الأسى
وقد كانَ قبلَ اليومِ يبهجُ زائرهْ
ولم أنسَ وحشَ القصرِ إذ ريعَ سِربهُ
وإذ ذُعرتْ أطلاؤهُ وجآذرهْ
وإذ صيحَ فيهِ بالرحيلِ فَهُتّكتْ
على عجلٍ أستارهُ وستائرهْ
ووحشتهُ حتى كأن لم يُقمْ بهِ
أنيسٌ،ولم تحسُنْ لعينٍ مناظرهْ
كأن لم تبتْ فيهِ الخلافةُ طلعةً
بشاشتها،والمُلكُ يُشرقُ زاهرهْ
ولم تجمعِ الدنيا إليهِ بهاءَها
وبهجتها والعيشُ غضٌّ مكاسرهْ
فأينَ الحجابُ الصّعبُ،حيثُ تمنّعتْ
بهيبتها أبوابهُ ومقاصرهْ
وأينَ عميدُ الناسِ في كلِّ نوبةٍ
تنوبُ،وناهي الدهر فيهم وآمره؟
تَخفّى لهُ مُغتالهُ تحتَ غِرّةٍ
وأولّى لمن يغتالهُ لو يُجاهرهْ
فما قاتلتْ عنهُ المنونَ جنودَهُ
ولا دافعتْ أملاكهُ وذخائرهْ
ولا نصرَ المُعتزَّمن كانَ يُرتجى لهُ
وعزيزُ القومِ من عَزَّ ناصرهْ
ولو عاشَ ميتٌ،أو تقرّبَ نازحٌ
لدارتْ من المكروهِ ثمَّ دوائرهْ
حُلومٌ أضلتها الأماني،ومُدّةٌ
تناهتْ،وحتفٌ أوشكتهُ مقادرهْ
ومُغْتَصبٌ للقتلِ لم يُخشى رهطهُ
ولم يُحتشمْ أسبابهُ وأواصرهْ
صريعٌ تقاضاهُ السيوفُ حُشاشةً
يجودُ بها والموتُ حمرٌ أظافرهْ
أُدافعُ عنه باليدينِ ولم يكنْ
ليثني الأعادي أعزلُ الليلِ حاسرهْ
ولو كان سيفي ساعةَ القتلِ في يدي
درى القاتلُ العجلانُ كيفَ أساوره
حرامٌ عليَّ الراحُ بعدكَ أو أرى
دماً بدمٍ يجري على الارضِ مائرهْ
وهل أرتجي أن يطلبَ الدمَ واترٌ
يدَ الدهرِ،والموتورُ بالدمِ واترهْ
أكانَ وليُّ العهدِ أضمرَ غدرةً؟
فمن عجبٍ أن وُلي العهدَ غادرهْ
فلا مُليَّ الباقي تراث الذي مضى
ولا حملتْ ذاكَ الدعاءَ منابرهْ
ولا وألَ المشكوكُ فيه،ولا نجا
من السيفِ ماضي السيفِ غدراً وشاهره
كأنّكمْ لم تعلموا من وليه
وناعيهِ تحت المرهفاتِ وثائره
وإني لأرجو أن تُردَّ أموركم
إلى خَلَفٍ من شخصهِ لا يغادره
مُقَلِّب آراءٍ تُخافُ أناتهُ
(رثاء المتوكل الذي قتله ابنه المنتصر في قصره الجعفري)

إذا الأخرقُ العجلان خيفت بوادره
أصابَ الدهرُ دولةَ آلِ وهبٍ
ونالَ الليلُ منهم والنهارُ
أعارَهمُ رداءَ العزِّ حتى
تقاضاهم فردّوا ما استعاروا
حُلُمٌ مُطبقٌ على الشكِ عيني
أم أمانٍ غيّرنَ ظنّي وحَدسي؟
ليسَ يُدرى أصُنْعُ إنسٍ لِجنِّ
سكنوهُ أم صُنعُ جنٍّ لإنسِ
عُمرّتْ للسرورِ دهراً فصارتْ
(يصف إيوان كسرى)

للتعزّي رباعهم والتأسي

أبو فراس الحمداني

يا منْ أتتهُ المنايا،غيرَ حافلة
أينَ العبيدُ وأينَ الخيلُ والخَولُ
أينَ الليوثُ التي حواليكَ رابضةٌ؟
أينَ الصنائعُ،أينَ الأهلُ ما فعلوا
أينَ السيوفُ التي يحميكَ أقطعها؟
أينَ السوابقُ؟ أينَ البيضُ والأسلُ
يا ويحَ خالكَ بل يا ويحَ كلّ فتىً
أكلُّ هذا تخطّى نحوكَ الأجلُ
يا عصبة شقيتْ، من بعد ما سعدت
ومعشراً هلكوا من بعدما سلموا
لبئس ما لقيت منهم وإن بليت
بجانب الطعن تلك الأعظم الرمم

ابن الرومي

ومنْ تحصّنَ محبوساً إلى أجلٍ
فإنّما حِصنهُ سجنٌ لمسجونِ
أما رأيتَ ابنَ اسحاقَ ومصرَعهُ
ودونَهُ رُكنُ عزٍّ غيرُ موهونِ
بأسُ الأميرِ وأبطالٌ مُدججةٌ
وكلُّ أجردَ ملحوفٍ وملبونِ
خاضتْ إليهِ غمارَ العزِّ ميتتهُ
فربعهُ منهُ قفرٌ غيرُ مسكونِ
ما دافعت عنهُ أبوابٌ مُحجّبةٌ
كلا ولا حُجُرٌ مغشيّةُ الخون
مملوءةً ذهباً عيناً تجيشُ بهِ
جناتُ نخلٍ وأعنابٍ وزيتونِ
كذاكَ انتقامُ الله من كلِّ ظالمٍ
ظلمت صديقاً فابتليت بمنتقمِ
ألا كمْ أذلَّ الدهرُ من مُتعزّزٍ
وكمْ زمَّ من أنف حَميٍّ وكم خطمْ
وكم صالَ بالأملاكِ وسطَ جنودِها
وأخنى على أهلِ النبواتِ والحكم
وكم نعمةٍ أذوى،وكم غبطةٍ طوى
وكم سندٍ أهوى،وكم عروةٍ فصم
إنّ المنيّةَ لا تُبقي على أحدِ
ولا تهابُ أخا عزٍّ ولا حشدِ
هذا الأميرُ أتتهُ وهو في كَنفٍ
كالليلِ من عُددٍ ماشئتَ أو عددِ
حتى أتاهُ رسولُ الموتِ يؤذنهُ
أنّ البقاءَ لوجهِ الواحدِ الصّمدِ
علوتَ علواً لم تكنْ قطُّ أهلَهُ
وأنتَ جديرٌ بعدهُ بِسفالِ
ولقد رأيتُكَ والياً مُستعلياً
ولقد رأيتُكَ في الحديدِ مُقيّدا
إذ لم تزدكَ ولايةٌ في سؤددٍ
كلا،ولا الأخرى محت لك سؤددا
فطلعتَ كالسيفِ الحسامِ مُجرداً
للحقِّ أو مثل الهلالِ مجددا
لا أقذع السلطان في أيامه
خوفاً لسطوتهِ ومرّ عقابه
وإذا الزمانُ أصابه بصروفه
حاذرت رجعته ووشك مثابه
وأعدّ لؤماً أن أهم بعضّه
إذا فلّت الأيام من أنيابه
أحوجهُ الله إلى مثلهِ
يوماً لكي يُجزى بأفعالهِ
لا زالَ يومُكَ عبرةً لغدك
وبكتْ بشجوٍ عين ذي حسدك
فلئن نُكبتَ لطالما نُكبتْ
بكَ هِمّةٌ لجأتْ إلى سَندك
لو تسجد الأيام ما سجدت
إلا ليومٍ فتَّ في عضدِك
يا نعمةً،ولّت غضارتها
ما كانَ أقبحَ حسنها بيدك
فلقد غدتْ برداً على كبدي
لما غدتْ حرّاً على كبدك
ورأيتُ نعمى الله زائدةً
لما استبانَ النقصُ في عددك
لم يبقَ لي مابرى حسدي
إلا بقاءُ الروحَ في جسدك
أقبلتْ دولةٌ هي الإقبالُ
فأقامتْ وزالَ عنها الزوالُ
دولةٌ ليسَ يُعدَمُ الدهرُ فيها
باطلٌ مزهقٌ وحقٌّ كُدالُ
طالعت للعيونِ فيها مصا
بيحَ أضاءتْ لضوئها الآمالُ

بشار بن برد

أبا مُسلمٍ ما طولُ عيشٍ بدائمٍ
(رواية:أبا جعفرٍ)

ولا سالمٌ عما قليلٍ بسالمِ
على الملكِ الجبارِ يقتحمُ الردى
ويصرعُهُ في المأزقِ المُتلاحمِ
كأنّكَ لم تسمعْ بقتلِ مُتَوّجٍ
عظيمٍ ولم تسمع بفتكِ الأعاجمِ
تقسّمَ كسرى رهطُهُ بسيوفهم
وأمسى أبو العباسِ أحلامَ نائمِ
وقد كانَ لا يَخشى انقلابَ مكيدةٍ
عليهِ، ولا جريَ النحوسِ الأشائمِ
مُقيماً على اللذَّاتِ حتى بدتْ لهُ
وجوهُ المنايا حاسراتِ العمائم
ومروانُ قد دارتْ على رأسهِ الرَّحى
وكانَ لما أجرمتَ نزرَ الجرائمِ
فأصبحت تجري سادراً في طريقهم
ولا تتقّي أشباهَ تلكَ النقائمِ
تجرّدتَ للإسلامِ تعفو سبيلَهُ
وتُعري مَطاهُ لليوثِ الضراغم
فما زلتَ حتى استنصرَ الدِّينُ أهلَهُ
فَرُمْ وَزراً يُنجيكَ يا بنَ سلامةٍ

عليكَ فعاذوا بالسيوفِ الصوارمِ
فلستَ بناجٍ من مضيمٍ وضائم
فَرُمْ وَزراً يُنجيكَ يا ابنَ وشيكةٍ
فلستَ بناجٍ من مُضيمٍ وضائمِ
لحى الله قوماً رأسوكَ عليهمُ
وما زلتَ مرؤوساً خبيثَ المطاعمِ
أقولُ لبسلمٍ عليهِ جَلالةٌ
غدا أريّحياً عاشقاً للمكارمِ
من الهاشميينَ الدعاةَ إلى الهدى
جِهاراً ومن يَهديكَ مثلُ ابنِ هاشمِ
سراجُ لعينِ المُستضىء وتارةً
يكونُ ظلاماً للعدوِ المُزاحمِ

جرير

لا يأمننَّ قويٌّ نقضَ مِرّتهِ
إنّي أرى الدهر ذا نقضٍ وإمراء

الفرزدق

كيفَ ترى بطشةَ الله التي بطشتْ
بابنِ المُهلّب،إنّ الله ذو نِقمِ
قُلْ لنصرٍ والمرءُ في دولةِ السل
طانِ أعمى مادامَ يُدعى أميرا
فإذا زالت الولايةُ عنهُ
واستوى بالرجالِ عادَ بصيرا
أقولُ لهُ لما أتاني نعيّهُ
بهِ لا بظبي بالصريمةِ أعفرا

الأخطل

عشنا بذلكَ حقبةً من عيشنا
وثرىً،من الشهواتِ والاموالِ
رُبَّ جبّارٍ معشرٍ قد قتلنا
كان في يومهِ شديدَ النكيرِ

المعري:

تعالى الله كم ملكٍ مَهيبٍ
أقرَّ بأن لي رباً قديراً

تبدّلَ بعد قصرٍ ضِيقَ لحدِ
ولا ألقى بدائعه بجحدِ
وأرى الملوكَ ذوي المراتبِ غالبوا
أيامهم،فانظر بعيشك من غَلبْ
لم يعلموا أنَّ أقداراً ستنزلهمْ
بالعُنفِ من فوقِ أفدانٍ وأبراجِ
وما يحميكَ هِزٌّ أن تُسبى
ولو أنّ الظلامَ عليك سِبُّ
تُدالُ كراسيُّ الملوكِ،وطالما
غدتْ وهي تُحمى بالعوالي مروجها
وكم نزلَ القَيلُ عن منبرٍ
فعادَ إلى عنصرٍ في الثرى
وأُخرجَ عن ملكهِ عارياً
وخَلَّفَ مملكةً بالعَرا
أرى ملِكاً تحفُّ بهِ موالٍ
لهُ نظر إلى الدنيا جديدُ
ضفا برد الشّبابِ عليه ،حتى
مضتْ حقبٍ وملبسهُ جديد
يزول القيظُ في صيف ومشتى
ويسترُ شخصهُ ظلٌّ مديد
وفت عدد لديه،فمن دروع
وأسيافٍ ينوءُ بها عديدُ
وكانَ السعدُ صاحبهُ زماناً
ولكن طالما شقى السعيدُ
بدا شخص المنونِ لناظريهِ
وقيل له:ابتدىء أم تعيدُ
تصعد في المرابت غير وان
وأحرزه على الرغم الصعيد
تفرّقت الجنود فما حمته
وأبطلت المواعدُ والوعيد

أبو العتاهية

وكمْ من عزيزٍ هانَ من بعدِ عِزّةٍ
ألا قد يعزُّ المرءُ ثم يهونُ
المنايا تجوسُ كلَّ البلادِ
والمنايا تُفني جميعَ العباد
لتنالنَّ من قرونٍ أراها
مثلَ ما نِلنَ من ثمودٍ وعادِ
أينَ أينَ داود،أينَ سليما
نُ المنيعُ الأعراض والأجنادِ؟
راكبُ الريحِ قاهرَ الجنِّ والإن
سِ بسلطانهِ مُذلُّ الأعادي
أينَ نمرود وابنه؟أين قارو
نُ وهامانُ ذو الأوتادِ؟
إن في ذكرنا لهم لاعتباراً
ودليلاً على سبيلِ الرشادِ
وردوا كلّهم حياضَ المنا
يا ثمّ لم يصدروا عن الإيرادِ
ألمْ ترَ الملكَ الأمسيَّ حينَ مضى
هل نالَ حيٌّ من الدنيا كما نالا
أفناهُ من لم يزلْ يُفني الملوكَ فقد
أمسى وأصبحَ عنهُ الملكَ قد زالا
كم من ملوكٍ مضى ريبُ الزمانِ بهم
قد أصبحوا عبراً فينا وأمثالا
سلِ الأيامَ عن أممٍ تقضّتْ
ستنبيكَ المعالمُ والرسومُ
كم من عظيمِ الشأنِ في نفسهِ
أصبحَ مُعتزاً،فأمسى ذليلُ
وكمْ من ذليلٍ عزَّ من بعدِ ذِلّةٍ
وكم من رفيعٍ صارَ في الأرضِ أسفلا
ولقد عجبتُ لهالكٍ ونجاتُهُ
موجودةٌ ولقد عجبتُ لمن نجا
وعجبتُ إذ نسيَ الحِمامَ وليسَ من
دونِ الحِمامِ ولو تأخر منتهى
يا ساكنَ الدنيا أمِنتَ زوالها
ولقد ترى الأيام دائرة الرّحى
ولكم أبادَ الدهرُ من مُتحصنٍ
في رأسِ أرعنَ شاهقٍ صعبِ الذرى
أينَ الأُلى شادوا الحصونَ وجنّدوا
فيها الجنودَ تعزُّزاً أينَ الألى
أينَ الحماةُ الصابرونَ حَميّةً
يومَ الهياجِ لِحرّ مُجتلبِ القنا
وذوو المنابرِ والعساكرِ والدسا
كرِ والحضائرِ والمدائن والقرى
وذوو المواكبِ والكتائبِ والنجا
ئبِ والمراتبِ والمناصبِ في العلى
أفناهُمُ مَلِكُ الملوكِ فأصبحوا
ما منهمُ أحدٌ يَحِسُّ ولا يرى
أضحتْ قبورُهمُ من بعدِ عزّتهمْ
تسفي عليها الصَّبا والحرجفُ الشّملُ
لا يدفعونَ هواماً عن وجوههم
كأنهم خُشُبٌ بالقاعِ منجدلُ
إلى ديّانِ يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم
تموتُ غداً وأنتَ قريرُ عينٍ
من الغفلاتِ في لُججٍ تقومُ
تنامُ ولم تنمْ عنكَ المنايا
تنبّه للمنيّةِ يا نؤومُ
ترومُ الخلدَ في دارِ المنايا
لهوتَ عن الفناءِ وأنتَ تفنى

وكم قد رامَ غيرُكَ ما ترومُ
فما شىء من الدنيا يدومُ
يا ساكناً باطنَ القبورِ،أما
للواردينَ القبورَمن صَدَرِ
ما فعلَ التاركونَ مُلكهمُ
أهلُ القبابِ العِظامِ ،والحُجرِ
هل يبتنونَ القصورَ بينكمُ
أم هلْ لهم من عُلىً ومن خَطرِ
ما فعلتْ منهمُ الوجوه:أقدْ
بُدّدَ عنها محاسنُ الصوّرِ
كم رأينا من ملوكٍ سادةٍ
رجعَ الدهرُ عليهم فانقلبْ
وعبيدٍ خُوِّلوا ساداتهمْ
فاستقرَ المُلكُ فيهم ورسبْ
كمْ من ملوكٍ مضى رَيبُ الزمانِ بهم
فأصبحوا عبراً فينا وأمثالا
وكمْ من ملوكٍ شيّدوا وتَحصّنوا
فما سبقوا الأيامَ شيئاً ولا فاتوا
وكلُّ بني الدنيا يُعلّلُ نفسهُ
تمرُّ شهورٌ ذاهباتٌ وساعاتُ
فكمْ من ملوكٍ أملّوا أن يُخلّدوا
رأيتُ صروفَ الدّهرِ تجزرهم جَزرا
فكمْ من عزيزٍ قد رأينا امتناعهُ
فدارتْ عليه،بعدُ، إحدى الدوائرِ
وكم ملكٍ قد رُكِّمَ التربُ فوقَهُ
وعهدي بهِ بالأمسِ فوق المنابر
مالنا لا نتّفكرْ
أين كسرى،أينَ قيصر؟
أينَ من قد جمعَ الما
لَ مع المالِ،فأكثر
أينَ من كان يُسامي
بغنى الدنيا ويفخر
عِشْ ما بدا لك سالماً
في ظلِّ شاهقةِ القصورِ
يُسعى عليك بما اشته
يتَ لدى الرّواحِ أو البكورِ
فإذا النفوسُ تقعقعت
في ظلِّ حشرجةِ الصدورِ
فهناكَ تعلمُ موقناً
ما كنتَ إلا في غرور
ولقد رأيتُ مُسلطناً ومُملكاً
ومُوّهاً،وقد قيل: قال وقالا
ولقد رأيتُ الدهرَ كيفَ يُبيدهم
شِيباً،وكيفَ يُبيدهم أطفالا
كم ْ مُستظلٍّ بِظلِّ مُلكٍ
أُخرجَ من ظلّهِ الظليلِ
لا بُدّ للمُلكِ من زوالٍ
عن مُستدالٍ إلى مُديلِ
كم من ملوكٍ زالَ عنهمُ مُلكهم
فكأنّ ذاكَ المُلكَ كان خيالا

لا تأمنِ الموتَ في طَرْقٍ ولا نَفَسِ
وإن تَمّنعتَ بالحُجابِ والحرسِ
فما تزالُ سهامُ الموتِ نافذةً
في جَنبِ مُدّرعٍ منها زمُتّرسِ
أراكِ لست بوّقافٍ ولا حذرٍ
كالحاطبِ الخابطِ الأعوادِ في الغلسِ
آنّى لكَ الصحوَّ من سُكرٍ،وأنتَ متى
تصحُّ من سكرةٍ يغشاكَ في نَكَسِ
فصارَ علياً إلى ربّهِ
وكلنَ علياً فتى دهرهِ
أتتهُ المنيّةُ مُغتالةً
رويداً، تَخللّ من سترهِ
فلم تُغنِ أجنادهُ حولَهُ
وبُدّل بالقرش بسطَ الثرى

ولا المزمعونَ على نصرهِ
وطيب ندى الأرض من عطره
وأصبحَ يهدى إلى منزلٍ
عميقٍ،يجدّون في حفرهِ
تُغَلّقُ بالتُربِ أبوابهُ
أشدُّ الجماعةِ وجداً بهِ

إلى يومِ يُؤذن في حشرهِ
أشدُّ الجماعةِ في طمرهِ
وخلّى القصورَ التي شادها
وحلَّ من القبرِ في قعرهِ
وبَدّلَ بالبُسطِ فَرشَ الثرى
فلستُ أشيّعهُ غازياً
ولا مُتلقيهِ قافلاً

وريحَ ثرى الأرضِ من عطرهِ
أميراً يسيرُ إلى ثغرهِ
بقهرِ عدوٍّ ولا آسره
أخو سَفَرٍ مالهُ أوبَةٌ
وتطريه آلاؤوهُ الباقيا

غريبٌ،وإن كان في مِصرهِ
تُ لدينا إذا نحنُ لم نُطرهِ
فلا يَبعُدنَّ أخي ثاوياً
فكلُّ سيمضي على إثرهِ
هلْ أنتَ مُعتبرٌ بمنْ خَرِبتْ
منهُ غداةَ قضى دساكرُه؟
وبمنْ أذلَّ الدهرُ مصرَعَهُ
فتبرأتْ منهُ عساكره؟
وبمنْ خلتْ منهُ أسِرّتهُ
وتعطلّتْ منهُ منابرُه؟
أينَ الملوكُ وأينَ عِزّهمُ؟
صاروا مصيراً أنتَ صائرُه
يا مؤثرَ الدنيا للذّتهِ
والمستعد لمن يفاخره
نلْ ما بدا لك أن تنالَ من الد
نيا فغنَّ الموتَ آخره
كلما قامتْ لقومٍ دولةٌ
عجّلَ الحَينُ عليهم نُكسها
إنَّ الملوكَ الألى مضوا سلفاً
بادوا جميعاً،وما بادَ ما جمعوا
وما تنفكُّ من دُولٍ تراها
تُنّقلُ من أُناسٍ في أناسِ
أينَ الملوك التي حُفّتْ مدائنها
دونَ المنايا بِحُجّابٍ وحرّاسِ
لقد نسيتُ،وكأسُ الموتِ دائرةٌ
في كفٍّ لا غافلٍ عنها ولا ناسِ
ما يدفعُ الموتَ أرصادٌ ولا حرسُ
ما يغلبُ الموتَ لا جنٌّ ولا إنسُ
إذا ثوى في القبورِ ذو خَطَرٍ
فَزرهُ فيها،وانظر إلى خطرهْ
موتُ بعضِ الناسِ في
الأرضِ على البعضِ فتوحُ
يا منْ يموتُ،فلم يُحزنْ لميتتهِ
ومن يموتُ،فما أولاهُ بالحزانِ
لم يبقَ ممن مضى إلا توهمُّهُ
كأنَّ من قضى ،بالأمسِ لم يَكُنِ
أينَ القرونُ بنو القرونِ
وذوو المدائنِ والحصونِ
وذوو التجبرِ في المجالسِ
والتكبرِّ في العيونِ
كانوا الملوكَ فأيّهمْ
لم يُفنهِ رَيبُ المنونِ
أو أيّهم لم يُلفَ في
دارِ البلِى عِلقَ الرهونِ
ولو عَلوا في عيشةِ
ليست لأنفسهم بدون
صاروا حديثاً بعدهم
إنّ الحديثَ لذو شجون
والدهرُ دائبةٌ عجا
ئبُ صَرفهِ جمُّ الفنون
لا بدَّ فيه لأمن الأيا
م من يومٍ خؤون
وكمْ من ملوكٍ قد رأينا تحصنّتْ
فعطلّتِ الأيامُ منها حصونها
ورُبَّ سُلّطٍ قد كان فينا
عزيزاً،مُنكرَ السطواتِ فخما
ولو ينشقُ وجهُ الأرضِ عنهُ
عددتَ عظامَهُ عظماً فعظما
وكم من خطوة منحتهُ أجراً
وكم من خطوةٍ منحتهُ إثما

الشريف الرضي

أمسيتُ أرحمُ من أصبحتُ أغبطهُ
لقد تقاربَ بينَ العِزِّ والهُونِ
ومنظرٍ كانَ بالسّراءِ يُضحكني
يا قُربَ ماعادَ بالضراءِ يُبكيني
هيهاتَ أغترُّ بالسلطانِ ثانيةً
قد ضلَّ ولّاجُ أبوابِ السلاطين
أعجبْ لمُسكةَ نفسي بعدما رُميتْ
من النوائبِ بالأبكارِ والعُونِ
ومن نجائي يوم الدار حين هوى
غيري ولم ألُ من حزمٍ يُنّجيني
مرقتُ منها مروقَ النجمِ منكدرا
وقد تلاقتْ مصاريعُ الردى دوني
وكنتُ أول طلّاع ثنيّتها
ومن ورائي شرٌ غير مأمونِ
من بعد ما كانَ ربّ الملك مبتسماً
إليّ أدنوهُ في النجوى ويُدنيني
أمسيتُ أرحمُ من أصبحتُ أغبطهُ
لقد تقاربَ بينَ العزِّ والهونِ
ومنظر كان بالسّراءِ يُضحكني
يا قُربَ ما عادَ بالضراءِ يُبكيني
هيهاتَ أغترُّ بالسلطانِ ثانيةً
(كان في مجلس الخليفة الطائع عندما قتل)

قد ضلَّ ولاّجُ أبواب السلاطين
إن كانَ ذاكَ الطودُ خرَّ
فبعدما استعلى طويلاً
لهفي على ماضٍ قضى
ألا ترى منه بديلاً
وزوالُ مُلكٍ لم يكنْ
يوماً يقدرْ أن يزولا

دعبل

قد قلتُ إذ غيّبوهُ وانصرفوا
في شرِّ قبرٍ لشرِّ مدفونِ
اذهب إلى النارِ والعذابِ فما
مازلتَ حتى عقدتَ بيعةَ من

خلتُكَ إلا من الشياطينِ
أضرَّ بالمسلمين والدِّينِ
ما أعجبْ الدهرَ في تصرفه
والدهرُ لا تنقضي عجائبه
فكم رأينا في الدهرِ من أسدٍ
بالتْ على رأسهِ ثعالبه
الحمدُ لله لا صبرٌ ولا جَلَدُ
ولا عزاءٌ،إذ أهلُ البلى رقدوا
خليفةٌ ماتَ،لم يحزنْ له أحدٌ
فَمرَّ هذا ومرُّ الشؤمِ يتبعهُ

وآخرٌ قامَ لم يفرح بهِ أحدُ
وقام هذا،فقامَ الشؤمُ والنكدُ

كثير

أحاطتْ يداهُ بالخلافةِ بعدما
أرادَ رجالٌ آخرونَ اغتيالها
فما تركوها عنوة عن مودّةٍ
ولكن بحدِّ المشرفيِّ استقالها

امرؤ القيس

صُبّتْ عليهِ وما تَنصَبُّ من أَممِ
إنّ الشقاءَ على الاشقينَ مصبوبُ
بنو أسدِ قتلوا ربّهمْ
ألا كلُّ شىءٍ سواهُ جللْ
وإنّكَ لم يَفخرْ عليكَ كفاخرٍ
ضعيفٍ،ولم يغلبكَ مثلُ مُغَلّبِ

الأعشى

ومرُّ الليالي كلَّ وقتٍ وساعةٍ
يُزعزعنَ مُلكاً أو يُباعدنَ دانيا
أينَ الملوكُ ومنْ بالأرضِ قد عمروا
قد فارقوا مابنوا فيها وما عمروا
أينَ العساكرُ ما رُدّتْ وما نفعتْ
وأينَ ما جمعوا فيها وما ادّخروا
أتاهم أمرُ ربَِّ العرشِ في عجلٍ
لم يُنجهم منهُ لا مالٌ ولا وَزرُ

الأسود بن يعفر(أعشى نهشل)

أينَ الذينَ بنوا فطالَ بناؤهم
وتمتعوا بالأهلِ والاولادِ
فإذا النعيمُ وكلُّ ما يُلهى بهِ
يوماً يصيرُ إلى بِلى ونفادِ

عدي بن زيد

رُبَّ شَرْبٍ قد أناخوا حولنا
يمزجونَ الخمرَ بالماءِ الزُلالِ
ثمّ أضحوا عصفَ الدهرُ بهم
وكذاكَ الدهرُ حالاً بعدَ حالِ
أينَ كسرى ،كسرى الملوك أنوشِر
وبنو الأصفرِ الكرامُ ملوكُ الر

وانُ أم أينَ قبلهُ سابورُ
ومِ،لم يبقَ منهمُ مذكورُ
وأخو الحَضر إذ بناهُ وإذ دجل
ةُ تجبى إليهِ والخابورُ
شادَهُ مَرمراً وجلّلهُ كِلاً
فللطيرِ في ذُراهُ وكورُ
لم يَهبهُ رَيبُ المنونِ فبادَ ال
مُلكُ عنهُ فبابهُ مهجورُ
وتبيّنَ ربَّ الخَورنق إذ أش
رفَ يوماً وللهدى تفكيرُ
سَرّهُ حالهُ وكثرةُ ما يم
لك والبحرُ مُعرضاً والسّديرُ
فارعوى قلبُهُ فقال وما غب
طةُ حيٍّ إلى المماتِ يصيرُ
ثم بعد الفلاحِ والمُلك والن
عمة وارتهمُ هناك القبورُ
ثم أضحوا كأنهم ورقٌ جفَّ
وكذاكَ الأيامُ يغدرنَ بالنا

فألوتْ به الصَّبا والدّبورُ
سِ وفيها العوجاءُ والميسورُ
أينَ أهلُ الديارِ من قومِ نوحٍ
ثمّ عاد من بعدها وثمودُ
بينما همْ على الأسرّةِ والأنما
طِ أفضتْ إلى الترابِ الخدودُ
وصحيحٌ أمسى يعودُ مريضاً
وهو أدنى للموتِ ممّن يعودُ
ثمّ لم ينقض الحديث ولكن
بعد ذا كلّهِ وذاك الوعيدُ
خطفتهُ منيّة فتردّى
وهو في الملكِ يأملُ التعميرا

المتلمس

ومن يبغِ أو يسعى على الناسِ ظالماً
يقعْ غيرَ شكٍّ لليدينِ وللفمِ

محرز بن خلف

إذا ظالِمٌ قد حالفَ الظُلمَ مذهباً
وجارَ غُلواً في قبيحِ اكتسابهِ
فِكِلهُ إلى رَيبِ الزمانِ وجَورهِ
سَيبدي لهُ ما لم يكنْ في حسابهِ
فكم ذا رأينا ظالماً مُتجبراً
يرى النجمَ،تيهاً تحتَ ظلِّ رِكابهِ
فلمّا تمادى واستطالَ بِجَورهِ
أناختْ صروفُ الحادثاتِ ببابهِ
وعُوقبَ بالذنبِ الذي كان يجتني
وصَبَّ عليه الله سوطَ عذابهِ
فلا فِضّةٌ تحميهِ عند انفضاضهِ
ولا ذهبٌ يثنيهِ عند ذهابهِ

يزيد بن الحكم الثقفي

ومن يتخمط بالمظالم قزمه
وإن كرمت فيهم وعزت مناصبه
يخدش بأظفار العشيرة خدّه
ويجرح ركوبا صفحتاه وغاربه

القتال الكلابي

ولما رأيتُ أنني قد قتلته
ندمت عليه أي ساعة مندم

يزيد بن ربيعة بن مُفرغ

إنّ المنايا إذا ما زُرنَ طاغيةً
هتكنَ عنهُ سُتوراً بينَ أبوابِ
وما شُقَّ جيبٌ ولا ناحتكَ نائحةٌ
ولا بكتكَ جيادٌ عند أسلابِ
فَذُقْ كالذي قد ذاقَ منكَ معاشرٌ
لعبت بهم إذ أنتَ بالناسِ تلعبُ
قد خاننا زمنٌ لم نخشَ عثرتهُ
من يأمنِ اليوم أم من ذا يعيشُ غدا

علقمة بن عبدة(وقيل تميم ابن مقبل)

وكلُّ حُصنٍ وإن طالتْ إقامتُهُ
على دعائمهِ لا بُدَّ مهدومُ

علي بن الجهم

لم يبق منكَ سوى خيالك لامعاً
فوق الفراشِ مُمهداً بوسادِ
فرحتْ بمصرعكَ البريّة كلّها
من كان منهم موقناً بِمعادِ
كم مجلسٍ لله قد عطلّتهُ
كي لا يُحدَّثَ فيهِ بالإسنادِ
وكم مصابيحٍ لنا أطفأتها
حتى نحيدَ عن الطريق الهادي
ولكم كريمةِ معشرٍ أرملتها
ومُحدِّثٍ أوثقتَ في الأقيادِ
إن الأسارى في السجونِ تفرّجوا
لما أتتكَ مواكبُ العُوّادِ
وغدا لمصرعكَ الطبيبُ فلم يجد
لدواءِ دائكَ حيلة المرتادِ
فذُقْ الهوانَ مُعجلاً ومؤجلاً
والله ربُّ العرشِ بالمرصادِ
لازالَ فالجُكَ الذي بك دائماً
وفُجعتَ قبل الموتِ بالأولادِ

أشجع السلمي

إمامٌ قامَ حينَ مضى إمامُ
نظامٌ ليسَ ينقطعُ النظامُ
بكى ذاكَ الأنامُ أسىً ووجداً
وسُرَّ بذا الذي قامَ الأنامُ
مضى الماضي وكان لنا قواماً
وهذا بعد ذاكَ لنا إمامُ
إمامانِ استقرَّ بذا قرارٌ
وحولَ ذاك فاخترم الحِمامُ
على ذاك السلامُ غداةَ ولّى
ودام لذا السلامة والسلامُ
أميرُ المؤمنين ثوى ضريحاً
بطوسِ فلا يُحسُّ ولا يُرامُ
كأن لم تغنَ في الدنيا وتغدو
إلى أبوابهِ العصبُ الكرام
ولم ينحر بمكة يوم نحرٍ
ولم يبهج به البلدُ الحرام
ولم يلقَ العدوَّ بمقربات
يهيم أمامها جيشٌ لهام

ذو الإصبع العدواني

فإن تُصبكَ من الأيامِ جائحةٌ
لا نبكِ منك على دنيا ولا دينِ

ابن المعتز

يا ساكنَ القبرِ في غبراءَ مُظلمةٍ
بالطاهرية مقصى الدار منفردا
أينَ الجيوش التي قد كنت تسحبها
أينَ الكنوز التي لم تحصها عددا
أينَ السرير الذي قد كنتَ تملؤهُ
مهابةً،من رأتهُ عينهُ ارتعدا
أينَ الرماحُ تاتي غَذيتها مُهجاً
مُذْ مِتَّ ماوردت قلباً ولا كبدا

هند بنت النعمان بن المنذر

بينا نسوسُ والأمرُ أمرُنا
إذا نحنُ فيهم سُوقةً ننتصفُ
فأفٍ لدنيا لا يدومُ نعيمها
تقلّبُ تاراتٍ بنا وتصرَّفُ

محمد بن حازم الباهلي

ومُنتظرٍ للموتِ في كلِّ ساعةٍ
يشيدُ ويبني دائماً ويُحصّنُ
لهُ حينَ تبلوه حقيقةُ موقنٍ
وأفعالهُ أفعالُ من ليسَ يُوقنُ
يا راقدَ الليلِ مسروراً بأوّلهِ
إنّ الحوادثَ قد يطرقنَ أسحارا
أفنى القرونَ التي كانت مُسلّطةً
مرُّ الجديدينِ إقبالاً وإدبارا
يا من ْ يُكابدُ الدنيا لا مُقامَ بها
يُمسي ويُصبحُ في دنياهُ سيّارا
كم قد أبادتْ صروفُ الدهرِ من ملكٍ
قد كانَ في الأرضِ نفّاعاً وضرّارا

أشجع السلمي

سلبتَ رداءَ الملك ظالمَ نفسهِ
وصُنتَ الذي ولّاكَ قصمَ الجبابر
ملوكٌ أرادتْ أن تجدَ حبالها
من الله تعساً للجدودِ العواثرِ
أمستهم الدنيا بهِ من عذابها
وأظهرَ منهم كامناتِ السرائرِ
فلم تبكِ دنيا فارقوها عليهم
ولا بهم سُرّت بطونِ المقابرِ

ابنُ مُناذر

كلُّ حَيٍّ لاقى الحِمام فَمُودي
ما لحيٍّ مؤمل من خلودِ
لاتهابُ المنونُ شيئاً ولا تر
عى على والدٍ ولا مولودِ
ولقد تترك الحوادثُ والأيا
مُ وُهِيّاً في الصخرةِ الجلمودِ
يفعلُ الله مايشاء فيمضي
ما لفعلِ الإله من مردودِ
أينَ ربُّ الحصنِ الحصينِ بِسُورا
ءَ وربّ القصر المنيف المشيد
شادَ أركانهُ وبوّبهُ با
بي حديدٍ وحفّهُ بجنودِ
كان يُجبى إليهِ ما بين صنعا
ءَ فبصرى فقريتي يبرودِ
فرمى شخصه فأقصده الد
هرُ بسهم من المنايا سديد
ثم لم يُنجهِ من الموتِ حصنٌ
دونهُ خندقٌ وبابا حديد
وملوك من قبله عَمروا الأر
ضَ أُعينوا بالنصرِ والتأييدِ

العقيلي

لنا في أرضنا دول
نمنا بها تحت أفنان من النعم
فأيقظتنا سهام للردى صبب
يرمي بأفجع حتف من بهنّ رمي
فلا تنم تحت ظل الملك نومتنا
وأيّ ملك بظلِّ الملك لم ينمِ

ابن زيدون

رأى أنّهُ أضحى هِزبراً مُصمماً
فلم يعدُ أن أمسى طليماً مُشرداً
يُحاذرُ أن يُلفى قتيلاً معفراً
إذا الصبحُ وافى أو أسيراً مُقيدا
لقد سَرّنا أنَّ النعيَّ مُوكّلٌ
بطاغيةٍ قد حُمَّ منهُ حِمام
تجانبَ صوتُ المزنِ عن ذلك الصدى
ومرَّ عليهِ الغيثُ وهو جَهام

أبو البقاء الرندي

لِكُلِّ شىءٍ إذا ما تمَ نقصانُ
فلا يُغرَّ بطيبِ العيشِ إنسانُ
هيَ الأمورُ كما شاهدتها دولٌ
من سَرّهُ زمنٌ ساءتهُ أزمانُ
وهذه الدارُ لا تُبقي على أحدٍ
ولا يدومُ على حالٍ لها شانُ
يُمزّقُ الدهرُ حتماً كلَّ سابغةٍ
إذا نبت مشرفيات وخرصانُ
وينتضي كلَّ سيفٍ للفناءِ ولو
كان ابن ذي يزن والغمد غمدانُ
أينَ الملوكُ ذوو التيجانِ من يمنٍ؟
وأينَ منهم أكاليلٌ وتيجانُ؟
وأينَ ماشادهُ شدّادُ في إرمٍ؟
وأينَ ما ساسهُ في الفرسِ ساسانُ؟
وأينَ ماحازهُ قارونُ من ذهبٍ؟
وأينَ عادٌ وشدّادٌ وقحطانُ؟
أتى على الكلِّ أمرٌ لا مردِ لهُ
حتى قضوا فكأنّ القوم ما كانوا
وصارَ ما كان من مُلكٍ ومن مَلكٍ
دارَ الزمانُ على (دارا) وقاتلهِ
كأنما الصعبُ لم يسهل له سببٌ

كما حكى عن خيالِ الطيفِ وسنانُ
وأمَّ كسرى فما آواهُ إيوانُ
يوماً ولا ملك الدنيا سليمانُ
كأنّما الصعبُ لم يَسهل لهُ سببٌ
يوماً ولا ملكَ الدنيا سليمانُ
فجائعُ الدهرِ أنواعٌ مُنوّعةٌ
وللزمانِ مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادثِ سلوانٌ يُهوّنها
وما لما حلَّ بالإسلامِ سلوانُ

أبو اسحق الإلبيري

أينَ الملوك وأين ما جمعوا وما
ذخروهُ من ذهبِ المتاعِ الذاهب
قصفتهم ريحُ الرّدى ورمتهم
كفُّ المنونِ بكلِّ سهمٍ صائب
يارُبَّ جبار شديد القوى
أصابهُ سهمٌ من الله
فأنفذ المقتل منه وكمْ
أصمتْ وتُصمي أسهم الله
وغالهُ الدهرُ ولم تُغنهِ
أنصاره شيئاً من الله
واستُلّ قسراً من قصرهِ إلى
الأجداثِ واستسلم لله
مرتهناً فيها بما قد جنى
يُخشى عليه غضب الله
ليسَ لهُ حولٌ ولا قوةٌ
الحولُ والقوةُ لله
أينَ الجبابرة الألى ورياشهم
قد باشروا بعدَ الحريرِ ثراك
ولطالما ردوا بأرديةِ البها
فتعوّضوا منها رداء رداك
كانت وجوههم كأقمارِ الدجا
فغدتْ مسجاة بثوبِ دُجاك

ابن دراج القسطلي

تباً لسعيكَ إذ تسل معانداً
لخلافةِ السيفِ الذي حلاكا
وسقاكَ كأساً للحتوفِ وكمْ وكمْ
من قبلها كأس الحياةِ سقاكا
لا تفلل الأيام سيفاً ماضياً
فضَّ الإلهُ بشفرتيهِ فاكا
حييت لموتكَ أنفسٌ مظلومة
كانت مناياهنَّ في محياكا
فانهض بِخزي الدينِ والدنيا بما
قد قدّمتْ في المسلمينَ يداكا
هذا جزاءُ الغدرِ لا عدم الهدى
مولى بسعيك في النفاقِ جزاكا

لسان الدين بن الخطيب

يمضي الزمانُ وكلُّ فانٍ ذاهبٌ
إلا جميلُ الذكرِ فهو الباقي
لم يبقَ من إيوان كسرى بعد ذاكَ
الحفلِ إلا الذكر في الأوراقِ
هل كانَ للسفاحِ والمنصور وال
مهدي من ذكر على الإطلاق
أو للرشيد وللأمين وصنوهِ
لولا شباة يراعةِ الورّاق
رجع التراب إلى التراب بما اقتضت
في كلّ خلقٍ حكمةُ الخلّاق
إلا الثناء الخالد العطر الشذا
يهدي حديث مكارم الأخلاق

المعتمد بن عباد

فيما مضى كنتُ بالأعيادِ مسروراً
فساءكَ العيد في أغماتَ مأسورا
ترى بناتك في الأطمارِ جائعة
يغزلن للناسِ لا يملكن قِطميرا
برزنَ نحوكَ للتسليمِ خاشعةً
أبصارُهنَّ حسيراتٍ مكاسيرا
يطأنَ في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ
قد كانَ دهرُكَ إن تأمرهُ ممتثلاً
من يأتِ بعدَكَ في مُلكٍ يُسَرُّ بهِ

كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
فرَّدكَ الدهرُ منهياً ومأمورا
فإنّما باتَ بالأحلامِ مغرورا
غريبٌ بأرضِ المغربينِ أسيرُ
سيبكي عليهِ مَنبرٌ وسريرُ
وتندبهُ البيضُ الصوارِمُ والقنا
وينهلُّ دمعٌ بينهنَّ غزيرُ
سيبكيهِ في زاهيه والزاهرُ النّدى
وطُلّابهِ والعَرْفُ ثم نكيرُ
إذا قيلَ في أغماتَ قد ماتَ جودُهُ
فما يُرتجى للجودِ بعد نشورُ
مضى زمنٌ والملكُ مستأنسٌ به
وأصبحَ عنهُ اليومَ وهو نفورُ
برأيٍّ من الدهرِ المُضلل فاسدٍ
متى صلحت للصالحينَ دهورُ
قيدي أمّا تعلمني مُسلماً
أبيتَ أن تشفقَ أو ترحما
دمي شرابٌ لكَ واللحمُ قد
(يتكلم عن أثر القيد في ساقيه)

أكلتَ فلا تهشم الأعظما
كنتُ حِلْفَ النّدى وربَّ السّماحِ
وحبيبَ النفوسِ والأرواحِ
إذ يميني للبذلِ يومَ العطايا
ولقبضِ الأرواحِ يومَ الكفاحِ
وأنا اليومَ رهنُ أسرِ وفقرِ
مُستباحُ الحِمى مهيضُ الجناحِ
لا أجيبُ الصريخَ إن حضر النا
سُ ولا المُعتفينَ يوم السّماحِ
عادَ بِشري الذي عهدتُ عبوساً
شغلتني الأشجانُ عن أفراحي
فالتماحي إلى العيونِ كريهٌ
ولقد كان نزهةُ اللّماحِ
لما تماسكتِ الدموع
وتنهنهَ القلبُ الصديع
قالوا:الخضوع سياسةٌ
فَليبدُ منكَ لهم خضوع
وألذُّ من طعمِ الخضوع
على فمي السمُّ النقيعِ
إن يسلب القوم العدا
مُلكي وتُسلمني الجموعُ
فالقلبُ بين ضلوعه
لم تُسلم القلبَ الضلوع
لم أستلب شرفَ الطباع
أيُسلبُ الشرفُ الرفيع
قد رمتُ يوم نزالهم
ألا تُحضنّني الدروع
وبرزتُ ليس سوى القميصِ على
الحشا شىءٌ دَفوع
وبذلتُ نفسي كي تسيل
أجلي تأخر،لم يكن

إذ يسيلُ بها النجيع
بهواي ذلّي والخضوع
ما سرتُ قطّ إلى القتال
شيمُ الألى أنا منهمُ

وكان من أملي الرجوع
والأصلُ تتبعهُ الفروع
لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره
وليسَ إلا مع الأنفاسِ ممطورا
قد كانَ دهرُكَ إن تأمرهُ مُمتثلاً
فردّكَ الدهرُ منهياً ومأمورا
من باتَ بعدكَ في مُلكٍ يُسرُّ بهِ
فإنما باتَ بالأحلامِ مغرورا
فيا ليتَ شِعري هلْ أبيتنَّ ليلةً
أمامي وخلفي روضةٌ وغديرُ
بِمُنبتهِ الزيتونِ موروثةِ العلا
تغني قيانٌ أو ترِنُّ طيورُ
بزاهرها السامي الذي جادهُ الحيا
تُشيرُ الثريا نحونا ونُشيرُ

ابن الزقاق البلنسي

فكمْ قد مضتْ من أمّةٍ إثرَ أمّةٍ
وقرنٌ يليهِ بعد ذاكَ قرونُ

ابن اللبانة

حَموا حريمهمُ حتى إذا غُلبوا
سِيقوا على نَسْقٍ في حبلِ مرتادِ
وأُنزلوا عن متونِ الشُّهبِ واحتملوا
فُويقَ دُهْمٍ لتلكَ الخيلِ أندادِ
وعِيثَ في كلِّ طوقٍ من دروعهمُ
فصيِغَ منهنَّ أغلالُ الأجيادِ
حُطَّ القناعُ فلم تُسترْ مُخدرةٌ
ومُزّقت أوجهٌ تمزيقَ أبرادِ
حانَ الوداعُ فضجّتْ كلُّ صارخةٍ
وصارخٍ من مُفدّاهُ ومن فادي
سارت سفائنهم والنومُ يصحبها
كأنّها إبلٌ يحذو بها الحادي
كم سالَ في الماءِ من دمعٍ وكم حملت
تلكَ القطائعُ من قِطعاتِ أكبادِ
منْ لي بكم يا بني ماءَ السماءِ إذا
(يصف وقوع ابن عباد في الأسر من قبل المرابطين ونفيه مع أسرته)

ماءُ السماءِ أبى سُقياً حشا الصادي

ابن زريق البغدادي

أُعطيتُ مُلكاً فلمْ أُحسنْ سياستَهُ
وكلُّ من لا يسوسُ المُلكَ يخلعه

ابن العميد

ملكَ الدنيا أُناسٌ قبلنا
رحلوا عنها وخلّوها لنا
ونزلناها كما قد نزلوا
ونُخليّها لقومٍ غيرنا

أبو بكر المغيلي الأندلسي

فأينَ الملوكُ وأشياعهم
ودُنياهمُ أدبرتْ عنهمُ
فهذي القبورُ بهم عُمرتْ
وتلكَ القصورُ خلتْ منهمُ

صفي الدين الحلي

صبراً على وعدِ الزمانِ وإن لوى
فعساهُ يُصبحُ تائباً مما جنى
لا يُجزعنّكَ أنّهُ رفعَ العدى
فلسوفَ يهدمهُ قليلٌ ما بنى
حكموا فجاروا في القضاءِ وما دروا
أنّ المراتبَ تستحيلُ إلى فنا
ظنوا الولايةَ أن تدومَ عليهمُ
هيهاتَ لو دامت لهم دامت لنا
تقولُ رجالي حينَ أصبحتُ ناجياً
سليماً وصحبي في إسارٍ وفي قبضِ
حمدتُ إلهي بعد عُروةَ إذ نجا
خراشٌ،وبعضُ الشرِّ أهونُ من بعضِ
وأصبحتُ في مُلكٍ مُفاضٍ ونعمةٍ
منيعاً وطرفُ الدهرِ عني في غَضِ
لدى ملكٍ فاقَ الملوكَ بفضلهِ
وطالهم طولَ السماء على الارضِ
عجباً لمن تركَ التذكر وانثنى
في الامنِ وهو بعينهِ مغرور
في فقدنا الملك المؤيد شاهدٌ
ألا يدومَ مع الزمانِ سرورُ
ملِكٌ تيمّمتِ الملوكُ برأيهِ
فكأنّهُ لصلاحهم إكسيرُ
سرى نعشُهُ من بعدِ ما سارَ غِشّهُ
فأفنى بهِ الأحياءَ حالَ بقائهِ
وطالَ ازدحامُ الناسِ من حولِ نعشهِ
شماتاً بهِ لا رحمةً لثوائهِ
فلا رحمَ الرحمنُ من فوق تحتهِ
ولا من غدا يسري أمامَ ورائهِ
ونوّرَ من كِفلٍ من النارِ قبرهُ
وآنسهُ بالعبِ عند لقائهِ

العباس بن مرداس السلمي

اَكُليبُ مالكَ كلَّ يومٍ ظالماً
والظُّلمُ أنكدُ غِبّهُ ملعونُ
أتريدُ قومكَ ما أرادَ بوائلٍ
يومَ القليبِ سَميُّكَ المطعونُ
وأظنُّ أنّكَ سوف ينفِذُ مثلها
في صفحتيك سِناني المسنونُ
قد كانَ قومُكَ يحسبونكَ سيّداً
وأخالُ أنّكَ سيدٌ مغبونُ

عمرو بن الأهتم السعدي

فإنّ كُليباً كانَ يظلمُ رهطَهُ
فأدركهُ مثلُ الذي تريان
فلّما حساهُ السّمَّ رُمحُ ابن عمهِ
تذكرَ غِبَّ الظلمِ أيَّ أوان

معبد بن سعفة الضبي

أظنَّ ضِراراً أنني سأُطيعهُ
وأني سأُعطيهِ الذي كنتُ أمنعُ
إذا اغرورقت عيناهُ واحمرَّ وجههُ
وقد كاد غيظاً جلدهُ يتمزّعُ
كَفعلِ كُليبٍ ظنَّ بالجهلِ أنّهُ
يُحَوِّزُ أكلاءَ المياهِ ويمنعُ

سديف بن ميمون

إنّا لنأملُ أن ترتدَّ الفُتنا
بعدَ التباعدِ والشحناءِ والإحنِ
وتنقضي دولةٌ أحكامُ قادتها
فيها كأحكام قومٍ عابدي وثنِ

الإمام الشافعي

تحكّموا فاستطالوا في تَحكّمهم
عمّا قليل كأنّ الحكم لم يكنِ
لو أنصفوا أُنصفوا لكن بغوا فبغى
عليهم الدهرُ بالاحزانِ والمِحنِ
فأصبحوا ولسان الحالِ ينشدهم
هذا بذاكَ ولا عتب على الزمنِ
إذا ظالمٌ استحسنَ الظلمَ مذهباً
ولجَّ عُتواً في قبيحِ اكتسابهْ
فَكِلهُ إلى صرفِ الليالي فإنها
ستبدي لهُ مالم يكنْ في حسابهْ
فكمْ قد رأينا ظالماً متمرداً
يرى النجمَ يهوي تحتَ ظلِّ ركابهْ
فَعمّا قليلٍ وهو في غفلاتهِ
أناختْ صدورُ الحادثاتِ ببابهْ
فأصبحَ لا مالٌ ولا جاهَ يُرتجى
ولا حسناتٌ تُلتقى في كتابه
وجُوزيَ بالأمرِ الذي كانَ فاعلاً
وصبَّ عليهِ الله سوطَ عذابه

ابن نباتة

ألا رُبَّ ذي ظُلمٍ كمنتُ لحربهِ
فأوقعهُ المقدورُ أيَّ وقوعِ
وما كانَ لي إلا سلاحُ تهجدٍ
وأدعيةٍ لا تُتقى بدروعِ
وهيهاتَ أن ينجو الظلومَ وخلفهُ
سهامُ دعاءٍ من قِسٍيِّ ركوعِ

صريع الغواني(مسلم بن الوليد)

كم رأينا من أثناسٍ هلكوا
قد بكوا أحبابَهم ثمَّ بُكوا
تركوا الدنيا لمن بعدهم
وُدُّهم لو قدّموا ما تركوا
كم رأينا من ملوكٍ سُوقة
ورأينا سُوقةً قد ملكوا

العتابي

بغيتَ فلمْ تقعْ إلا صريعاً
كذاكَ البغيُ يصرعُ كلّ باغِ

صالح بن عبد القدوس

واحذر من المظلومِ سهماً صائباً
واعلمْ بأنّ دُعاءَهُ لا يُحجبُ

السري الرفاء

هيَ الأيامُ إن جمحتْ عناداً
أذلّتْ كلَّ جبارٍ عنيدِ

يحيى بن زياد

وبينا ترى السلطان بين مواكب
بدا لك يوماً شخصهُ وهو مفردُ
سحابةُ صيف كان فيها فأقشعت
فمقتضب منهم وآخر يحمد

عمرو بن قميئة

لا تحسبنَّ الدهر مخلدكم
أو دائماً لكم ولم يدم
لو دام دامَ لِتُبع وذوي
الاصناع من عاد ومن إرم

فخر الدين الرازي

وكم قد رأينا من رجالٍ ودولةٍ
فبادوا جميعاً مُسرعين وزالوا
وكم من جبالٍ قد علتْ شرفاتها
رجالٌ فزالوا والجبالُ جبالُ

ابن الوردي

كُتبَ الموتُ على الخلقِ فكمْ
فلَّ من جيشٍ وأفنى من دول
أينَ نمرود وكنعان ومن
ملكَ الأرضَ وولّى وعزل
أينَ من سادوا وشادوا وبنوا
هلك الكُلّ ولم تُغنِ القلل
أينَ أربابُ الحِجى أهلُ النهى
أين أهلُ العلمِ والقوم الأول
سيعيدُ الله كِلاً منهمُ
وسيجزي فاعلاً ما قد فعلوا

مالك بن دينار

أتيتُ القبورَ فناديت
هنَّ أينَ المُعظّمُ والمُحتقرْ
وأينَ المُدِّلُ بسلطانهِ
وأينَ المُزكيّ إذا ما افتخرْ
تفانوا جميعاً فما مُخبرٌ
وماتوا جميعاً وماتَ الخبرُ
تروحُ وتغدو بناتُ الثرى
فتمحو محاسنَ تلكَ الصوّرْ
فيا سائلي عن أُناسٍ مضوا
أمالكَ فيما ترى مُعتبرْ

الوزير ابن مُقلة

تحالفَ الناسُ والزمانُ
فحيثُ كانَ الزمانُ كانوا
عاداني الدهرُ نصفَ يومٍ
فانكشفَ الناسُ لي وبانوا
يا أيها المُعرضونَ عنّا
عُودوا فقد عادَ لي الزمانُ

محمد بن عبد الملك الزيات

هيَ السبيلُ فمنْ يومٍ إلى يومِ
كأنّهُ ما تُريكَ العينُ في النومِ
لا تعجلنَّ رويداُ إنما دُولٌ
دنيا تنقّلُ من قومٍ إلى قومِ
إنّ المنايا وإن أصبحت ذا فَرحٍ
تحومُ حولكَ حَوماً أيّما حَومِ

أحمد بن إبراهيم الأسدي

هكذا فلتكن منايا الكرامِ
بينَ نايٍ ومِزهرٍ ومُدامِ
بينَ كاسين أروتاهُ جميعاً
(يتكلم عن مقتل المتوكل في مجلس سمره)

كأس لذّاتهِ وكأسُ الحِمامِ

جعفر المصحفي

صبرتُ على الأيامِ حتى تولّتِ
وألزمتُ نفسي صبرَها فاستمرّتِ
فواعجباً للقلبِ كيفَ اعترافهُ
وللنفسِ بعد العزِّ كيفَ استذّلتِ
وما النفسُ إلا حيثُ يجعلها الفتى
فغن طمعت تاقتْ وإلا تسلّتِ
وكانتْ على الأيام نفسي عزيزة
فلما رأتْ صبري على الذلِ ذلّتِ
فقلتُ لها:يا نفسُ ،موتي كريمةً
فقد كانت الدنيا لنا ثم ولّتِ

الوزير المهلب

ألا موتٌ يُباعُ فأشتريه؟
فهذا العيشُ ما لا أشتهيه
جزى الله المهيمن نفس حرّ
تصدّقَ بالوفاة على أخيه
إذا أبصرتُ قبراً قلت شوقاً
(قالها عندما نُكب)

ألا يا ليتني أمسيتُ فيه

علي العبرتاني

لو أنَّ ما أنتم فيهِ يدومُ لكمْ
ظننتُ ما أنا فيهِ دائماً أبداً
لكنني عالمٌ أنّي وأنّكم
سنستجدُّ خلافَ الحالين غدا

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

طابَ يومي ولذَّ شرابُ السُلافه
إذ أتانا نعي منْ بالرُصافه
وأتانا البريدُ ينعي هشاماً
وأتاني بخاتمٍ للخلافة
فاصطبحنا بخمر عانة صرفا
(لما أتاه نعي هشام بن عبد الملك)

ولهونا بقينة عزّافة

ابن سكرة

وكلُّ بازٍ يمسسهُ هَرَمٌ
تخرا على رأسهِ العصافير

محمد بن يزداد

فلا تأمننَّ الدهرَ حُراً ظلمتهُ
فما ليلُ حُرٍّ إن ظلمت بنائم

ذو أينع الهمداني

ذكرتُ بني عاد وفي مثلهم أسى
أصابهم رَيبُ الزمان فأذهبا
منازل كانت للملوك فأصبحت
يباباً وأمست للثعالبِ ملعبا

أبو مسلم الخراساني

أدركتُ بالحزمِ والكتمانِ ماعجزت
عنهُ ملوكُ بني مروانَ إذ حشدوا
ما زلتُ أسعى عليهم في ديارهم
والقومُ في مُلكهم بالشام قد رقدوا
حتى ضربتهم بالسيفِ فانتبهوا
من نومةٍ لمىينمها قبلهم أحدُ
ومن رعى غنماً في أرضِ مسبعةٍ
ونامَ عنها تولّى رعيها الأسدُ

أبو علي ابن السلطان أبو سعيد المريني

فلا يغرنَّكَ الدهرُ الخئونُ فكمْ
أبادَ من كان قبلي يا أبا الحسنِ
الدهرُ مذ كانَ لا يُبقي على صفةٍ
لابدَّ من فرح فيهِ ومن حَزَنِ
أينَ الملوكُ التي كانت تهابهم
أُسدُ العرينِ ثووا في اللحدِ والكفنِ
بعدَ الأسرّةِ والتيجانِ قد مُحيت
رسومها وعفتْ عن كلِّ ذي حسنِ
فاعمل لأخرى وكن بالله مؤتمراً
واستعن بالله في سرٍّ وفي عَلَنِ
واخترْ لنفسكَ أمراً أنت آمره
(يخاطب أخاه وقد حاصره وأخذه قسرا)

كأنني لم أكنْ يوماً ولم تكنِ

ابن عبد الصمد

ملك الملوكِ أَسامِعٌ فأُنادي
أم قد عدتكَ عن السماعِ عوادِ
لما خلت منكَ القصورُ فلم تكنْ
فيها كما قد كنتَ في الأعياد
أقبلتُ في هذا الثرى لك خاضعاً
وتخذِتُ قبركَ موضعَ الإنشادِ
عهدي بِمُلككَ وهو طلقٌ ضاحِكٌ
مهلّلُ الصفحاتِ للقُصّادِ
أيامَ تخفقُ حولكَ الراياتُ فو
قَ كتائبِ الرؤوساءِ والأجنادِ
والأمرُ أمرُكَ والزمانُ مُبَشّرٌ
بممالكٍ قد أذعنت وبلادِ
من يفتح الأمصارَ بعد محمدٍ
من يعقدِ الراياتِ للقُواد
من يترك الأسطارَ في الأوراقِ
مثلَ الحلي في اللّبات والأجيادِ
من يفهم المعنى الخفيَّ ومن لهُ
صِدقُ الحديثِ وصحةُ الإيرادِ
من يبذلُ الألاف للزوارِ وال
(يرثي مملكة ابن عباد)

مُدّاحِ والقصادِ والروادِ

أحدهم

قتلوهُ ظُلماً وجَوراً وغدرا
حينَ أهدوا إليهِ حتفاً مُريحا
نضّرَ الله ذلك الوجه وجهاً
وسقى الله ذلك الروحُرَوحا
أيها التركُ تُلَقون للدهرِ
سيوفاً لا تستبل الجريحا
فاستعدوا للسيفِ عاقبة الأمرِ فقد
(في قتل الخليفة المعتز بالله)

جئتمُ فعالاً قبيحا
وسلاطينهم سَلِ الطينَ عنهمُ
والرؤوسُ العِظامُ صارتْ عظاما
لئن زالَ أملاكي وفاتَ ذخائري
وأصبحَ جمعي في ضمانِ التفرّقِ
فقد بقيتْ لي هِمّةٌ ما وراءها
منالٌ لراحٍ أو بلوغٌ لمرتقى
ولي نفسُ حرٍّ تكرهُالضيمَ مركباً
وتكرهُ وردَ المنهل المترنقِ
فإن تلِفتْ نفسي فلله دَرّها
(قابوس بن وشمكير كان ملكاً على طبرستان وخلعوه)

وإن بلغت ما أرتجيهِ فأخلِقِ
باتُوا على قُللِ الأجبالِ تحرسُهم
غُلبُ الرجالِ فلم تنفعهمُ القُلَلُ
واستُنزلوا بعدَ عِزٍّ من معاقلهمْ
فأُسكنوا حُفرةً يا بئسَ ما نزلوا
ناداهمُ صارخٌ من بعدِ ما دُفنوا
أينَ الأسرّةُ والتيجانُ والحُلَلُ
أينَ الوجوهُ التي كانت مُنّعمةً
من دونها تُضرب الأستارُ والكِلَلُ
فأفصحَ القبرُ عنهم حينَ ساءلهم:
تلكَ الوجوهُ عليها الدودُ يقتتِلُ
قد طالما أكلوا دهراً وما نعموا
وطال ما عمروا دوراً لتحصنهم
وطالما كنزوا الأموالَ وادّخروا
أضحتْ منازلُهم قفراً معطلّةً

فاصبحوا بعد طولِ الأكلِ قد أُكلوا
ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا
فخلّفوها على الأعداءِ وارتحلوا
وساكنوها إلى الأجداثِ قد رحلوا
سلْ الخليفةَ إذ وافت منيّتهُ
أينَ الجنودُ وأينَ الخيلُ والخَولُ
أينَ الكنوزُ التي كانت مفاتحها
تنوءُ بالعصبةِ المقوينَ لو حملوا
أينَ العبيدُ الأولى أرصدتهم عدداً
أينَ العديدُ وأينَ البيضُ والأسلُ
أينَ الفوارسُ والغلمانُ ما صنعوا
أينَ الصوارمُ والخطيّةُ الذُّبلُ
أين الكفاةُ ألم يكفوا خليفتهم
لما رأوه صريعاً وهو يبتهلُ
أين الكماةُ أما حاموا أما غضبوا
أينَ الحماةُ التي تُحمي بها الدولُ
أينَ الرماةُ ألم تمنع بأسهمهم
لما أتتك سهامُ الموتِ تنتصلُ
هيهات ما منعوا ضيماً ولا دفعوا
عنكَ المنيّة إذ وافى بها الأجلُ
ما ساعدوك ولا واساكَ أقربهم
بل أسلموكَ لها يا بئسَ ما فعلوا
ما بالُ قبركَ لا يُنثى به أحدٌ
ولا يطورُ به من بينهم رجلُ
ما بالُ قصركَ وحشاً لا أنيسَ به
يغشاكَ من كنفيهِ الرّوعُ والوهلُ
ما بالُ ذكركَ منسيّاً ومُطرّحاً
وكلّهم باقتسامِ المالِ قد شُغلوا
لا تُنكرنَّ فما دامتْ على مِلكٍ
إلا أناخَ عليهِ الموتُ والوجلُ
وكيفَ يُرجى دوامُ العيشِ متصلاً
وروحه بحبالِ الموتِ متصلُ
وجسمهُ للباناتِ الردى غرضٌ
وملكهُ زائلٌ عنهُ ومنتقلُ
كم من عزيزٍ أُعقبَ الذلّ عِزّهُ
فأصبحَ مرحوماً،وقد كانَ يُحسدُ
إنما تندملُ من المظلومِ جراحهُ
إذا انكسرَ من الظالم جناحه
ذَرِ البغيَ إنّ البغيَّ مُوبِقُ أهلهِ
ولم يَعدِمْ الباغي من الناسِ مصرعا
ولو بغى جبلٌ يوماً على جبلٍ
لَدُّكَ منهُ أعاليهِ وأسفله
مازالتِ الأرزاءُ تُلحقُ بؤسها
أبداً بغادرٍ ذِمّةٍ أو ناكثِ
أخلِقْ بمنْ رضيَ الخيانةَ شِيمةً
أن لا يُرى إلا صريعَ حوادِثِ
ومنْ يرَ يوماً بامرىءٍ يَرهُ بهِ
ومن يأمنِ الأحداثَ والدهرَ يجهلِ
تركَ الإمارةَ والحلائل هارباً
ومضي يخبط كالبعيرِ الشاردِ
وما من يدٍ إلا يدُ الله فوقها
ولا ظالم إلا سيبُلى بأظلمِ
وإياكَ والظُلمَ مهما استطعت
فظلمُ العبادِ شديدُ الوخم
وسافر بقلبك بين الورى
لتبصر آثار من قد ظلم
تلكَ مساكنهم من بعدهم
شهودٌ عليهم ولا تتهم
ليتَ شعري ما حالُ أهلك يا قصر
وأين الذين علَّوا بناكا
ما لأربابكَ الجبابرة الأملاك
شادوا ثمّ حلّوا سواكا
ألزهدٍ يا قصر فيك تحاموك
ألا نبئني ولست هناكا
ليت شعري وليتني كنت أدري
ليت أن الزمان خلف منهم

مادهاهم ياقصر ثم دهاكا
مخبراً واحداً فأعلم ذاكا
أينَ الملوكُ التي عن حظّها غفلتْ
حتى سقاها بكأسِ الموتِ ساقيها
وما سالم عمّا قليل بسالمِ
وإن كثرت حراسهُ ومواكبه
وما كانَإلا الدّفن حتى تفرّقتْ
إلى غيرهِ أفراسه ومواكبه
وأصبحَ مسروراً بهِ كلّ كاشحٍ
وأسلمهُ أحبابه وحبائبه
بكرَ التركُ ناقمينَ عليه
خَلَعتهُ،أفديه من مخلوع
قتلوهُ ظلماً وجوراً فألفو
هُ كريم الاخلاقِ غير جزوعِ
لم يهابوا جيشاً ولا رهبوا الس
يف فلهفي على القتيلِ الخليعِ
أصبحَ التركُ مالكي الأمرُ
والعالمُ بين سامعٍ ومطيعِ
ونرى الله فيهمُ مالك الامر
(قتل الخليفة المعتز بالله)

سيجزيهم بقتلٍ ذريع
كانوا ملوكاً يجرونَ الجيوشَ بما
يقلُّ في جانبيهِ الشوك والشجر
فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم
قفراً سوى الذكرِ والآثارِ إن ذكروا
كالرّمسِ غطتّهُ الزهورُ
وتحتهُ عَفِنٌ دفينه
لله دَرُّ عصابةٍ تُركيّةٍ
ردّوا نوائبَ دهرهم بالسيفِ
قتلوا الخليفةَ أحمد بن محمدٍ
وكسوا جميعَ الناسِ ثوبَ الخوفِ
وطغوا فاصبحَ ملكنا متقسّماً
وإمامنا فيهِ شبيهَ الضيفِ
إنَّ الأمورَ إذا دنتْ لزوالها
فعلامةُ الإدبارِ فيها تظهرُ
قلتُ لما مضى وانقضى
لا ردّكَ الرحمنُ من هالكِ
يا مَلك الموت تسلّمتهُ
مني فسلمهُ إلى مالكِ
رُبَّ قومٍ رتعوا في نعمةٍ
زمناً والعيشُ رَيّانُ غَدَقْ
سكتَ الدهرُ طويلاً عنهمُ
ثمّ أبكاهم دماً حينَ نطقْ
ما أوبقَ الأنفسَ إلا الأملُ
وهو غرورٌ ما عليهِ عملُ
يفرضُ منهُ الشخصُ وهماً مالهُ
حالٌ ولا ماضٍ ولا مستقبلُ
ما فوق وجهِ الأرضِ نفسٌ حيّةٌ
إلا قد انقضَّ عليها الأجلُ
أينَ الذينَ شيّدوا واغترسوا
وهدّوا وافترشوا وظلّلوا
أينَ ذوو الراحاتِ زادت حسرةً
إذ حملوا إلى الثرى وانتقلوا
لم تدفعِ الاحبابُ عنهم غير أن
بكوا على فراقهم وأعولوا
لتبكِ على(الفضل بن مروانَ) نفسهُ
فليسَ لهُ باكٍ من الناسِ يُعرفُ
لقد صحبَ الدنيا منوعاً لخيرها
وفارقها وهو الظلومُ المُعنفُ
إلى النار فليذهب ومن كان مثله
على أيِّ شىءٍ فإننا منه نأسفُ

من طرائف الشعر

من طرائف الشعر

حافظ إبراهيم

إنّي دُعيتُ إلى احتفالكَ فجأةً
فأجبتُ رغمَ شواغلي وسَقامي
ودعوتُ شعري يا “أمينُ” فخانني
أدبي ولم يرعَ القريضُ ذمامي
فأتيتُ صِفرَ الكفِّ لم أملكْ سوى
أملي بصفحكَ عن قصورِ كلامي
ياسيدي وإمامي
ويا أديبَ الزمانِ
قد عاقني سوءُ حظّي
عن حفلة المهرجانِ
وكنتُ أولَ ساعٍ
إلى رحابِ “ابن هاني”
لكن مرضنُ لنحسي
في يوم ذاكَ القِرانِ
وقد كفاني عقاباً
ما كانَ من حرماني
حُرمتُ رؤية “شوقي”
ولثمِ تلك البنانِ
فاصفح فأنتَ خليقٌ
بالصفحِ عن كلِّ جاني
وعشْ لعرشِ المعاني
ودٌمْ لتاجِ البيانِ
إن فاتني أن أُوفّي
بالأمسِ حقّ التهاني
فاقبلهُ مني قضاءً
والله يقبل منا
(حافظ يعتذر لشوقي عدم حضور قران ابنته لمرضه)

وكنْ كريمِ الجنانِ
الصلاةَ بعد الأوان
يُرغي ويُزبدُ بالقافاتِ تحسبها
قصفَ المدافعِ في أُفقِ البساتينِ
من كلِّ قافٍ كأنّ الله صورّها
من مارجِ النارِ تصويرَ الشياطينِ
قد خصّهُ الله بالقافاتِ يعلِكها
واختصَّ سبحانه بالكافِ والنونِ
يغيبُ عنه الحَجا حيناً ويحضرهُ
حيناً فيخلِك مختلاً بموزونِ
يُعفى من المهرِ إكراماً للحيتهِ
(يداعب الدكتور محجوب ثابت الذي عرف بكثرة ورود حرف القاف في حديثه)

ولما أظلّتهُ من دنيا ومن دينِ
وبيتي فارغٌ لاشىءَ فيه
سوايَ،وإنني في البيتِ عاري
ومالي جزمةٌ سوداءُ حتى
أوافيكمُ على قُربِ المزارِ
وعندي من صحابي الآن رهطٌ
إذا أكلوا فآسادٌ ضواري
فإن لم تبعثنَّ إليّ حالاً
بمائدةٍ على متنِ البُخارِ
تغطيها الحلوى صنوفٌ
ومن حَمَلٍ تتبتلَ بالبهارِ
فإني شاعرٌ يُخشى لساني
وسوفَ أُريكَ عاقبةُ احتقاري
عَطّلتَ فنَ الكهرباءِ فلم نجدْ
شيئاً يعوقُ مسيرها إلاكا
تسري على وجهِ البسيطةِ لحظةً
(حافظ يصف إنساناً عظيم البطن)

فتجوبها وتحارُ في أحشاكا
ثقلت عليكَ مؤونتي
إني أراها واهيهْ
فافرحْ فإنّي ذاهبٌ
(مخاطباً خاله)

مُتوجهٌ في داهيهْ
لي ولدٌ سميّتهُ حافظاً
تيمناً بحافظ الشاعرِ
كحافظ إبراهيم لكنّهُ
أجملُ خلقاً منهُ في الظاهرِ
فلعنةُ الله على حافظٍ
إن لم يكن بالشاعرِ الماهرِ
لعلّ أرض الشام تُزهى به
على بلاد الأدبِ الزاهرِ
على بلادِ النيل تلك التي
تاهت بأصحابِ الذكاء النادرِ
شوقيو مطرانو صبري ومن
سميتهُ في مطلعي الباهرِ
يقولون أن الشوق نارُ ولوعة
فما بال(شوقي) أصبح اليوم بارد

فأجابه أحمد شوقي

وأودعتُ إنساناً وكلباً وديعة
فضيّعها الإنسانُ والكلبُ(حافظ)

أحمد شوقي

إذا مانفقت ومات الحمار
أبينك فرق وبين الحمار
لنا صاحبٌ قد مُسَّ إلا بقية
فليسَ بمجنون،وليسَ بعاقلِ
لهُ قدمٌ لا تستقرُّ بموضعٍ
كما يتنزى في الحصى غيرُ ناعلِ
إذا ما بدا في مجلسٍ ظُنَّ حافلاً
من الصخبِ العالي،وليسَ بحافلِ
ويُمطرنا من لفظهِ كلّ جامدٍ
ويُمطرنا من رَيلهِ شرَّ سائلِ
ويُلقي على السُّمارِ كفاً دعابُها
كَعضّةِ بردٍ في نواحي المفاصلِ
سقط الثقيلُ من السفينةِ في الدجى
فبكى الرفاقُ لفقدهِ وترّحموا
حتى إذا طلعَ النهارُ أتت به
نحوَ السفينة كوجةٌ تتقدّمُ
قالت خذوهُ كما أتاني سالماً
لمأبتلعهُ لأنهُ لا يُهضمُ
رزقت صاحب عهدي
وتمَّ لي النسلُ بعدي
هم يحسدوني عليه
ويغبطوني بسعدي
ولا أراني ونجلي
سنلتقي عند مجدِ
وسوف يعلم بيتي
أني أنا النسلُ وحدي
فيا علي،لا تلمني
فما احتقارُكَ قصدي
وأنتَ مني كروحي
وأنتَ أنتَ عندي
فغن أساءكَ قولي
كذب أباك بوعدِ
صارَ شوقي أبا علي
في الزمانِ”الترلّلي”
وجناها جنايةً
(بعدما بُشر بابنه علي)

ليسَ فيها بأوّلِ
لقد وافتني البشرى
وأنبئتُ بما سرّا
وقالوا عنك لي أمس
ربحت النمرة الكبرى
فيا مطران،ما أولى
ويا مطران،ما أحرى
لقد أقبلت الدنيا
فلا تجزع على الأخرى
أخذت الصفر باليمنى
وكان الصفر باليسرى
وكانت فضة بيضا
فصارت ذهباً صفرا
وقال البعض:ألفين
(شوقي في خليل مطران بعد ربحه اليانصيب)

وقالوا: فوق ذا قدرا

خليل مطران

ومأدبةٍ بالنيوبِ الحِدادِ
غزونا مآكلها الطيبهْ
أكلنا بلا أدبٍ ما بها
ففيمَ يُقالُ لها مأدُبه

إبراهيم ناجي

يا جمالَ الصِّبا وأنس النفوسِ
خبرينا عن زوجكِ المنحوسِ
حَدّثي أنتِ عن عماهُ الحسّي
(يتحدث عن امرأة حسناء تزوجت أعمى بغيض)

وصفي لي الغرام بالتحسيسِ
بصرت به والصحنُ بالصحنِ يلتقي
فلم أرَ أبهى من غنيم وأظرفا
تراءى لهُ لحم فلم يدر عنه
كديك من بعد الطوى أم تخرفا
وأومأ لي باللحظِ يسألني به
أتعرفهُ ؟أومأتُ باللحظِ مسعفا
وقدمتهُ للديك وهو كأنما
يطيرُ إليهِ واثباً متلهفا
غنيم!أخونا الديك! قدّمتُ ذا لذا
فهذا لهذا بعد لأيٍّ تعرّفا
وما هي إلا لحظة وتغازلا
وقد رفعا بعد السلامِ التكلفا
فمالَ على الوركِ الشهيِّ ممزقاً
ومال على الصدرِ النظيف منظفا
جزى الله أسناناً هناك عتيقة
ظللن على الصحنِ الأباظيِّ عُكفا

علي الجارم

أتى رمضان غير أن سراتنا
يزيدون صوماً تضيقُ به النفس
يصومون صوم المسلمين نهاره
وصوم النصارى حين تغرب الشمس
تباً لهُ من ثقيل
دماً وروحاً وطينهْ
لو كانَ من قومِ نوح
لما ركبتُ السفينهْ
لنا شيخٌ تولّى أطيباهُ
يهيمُ بِحبِّ رباتِ القدودِ
يُغازلُ إذ يُغازلُ من قيامٍ
(أطيباه:الشباب والغنى)

وإن صلى يُصلي من قعودِ

عباس محمود العقاد

مُتحكّم في الراكبين
ومالهُ أبداً ركوبه
لهم المثوبة من بنانك
حين تأمر والعقوبة
مُرْ ما بدا لك في الطريق
ورض على مهل شعوبه
أنا ثائر أبداً وما في
ثورتي أبداً صعوبة
أنا راكبٌ رجلي فلا
(يصف عسكري المرور)

أمرٌ عليَ ولا ضريبة

حفني ناصف

أتذكر إذ كنا على القبرِ ستة
نعدّدُ آثارَ اللإمامِ ونندبُ
وقفنا بترتيب وقد دبَّ بيننا
ممات على دفق الرثاء مرتبُ
أبو خطوة ولّى وقفّاه عاصم
وجاءَ لعبد الرزاق الموت يطلبُ
فلبى وغابت بعده شمسُ قاسم
وعما قليل نجم حياتي يغربُ
فلا تخشَ هلكاً ما حييتُ وإن أمت
فما أنتَ إلا خائفٌ تترقبُ
فخاطر وقعْ تحت القطار ولا تخفْ
ونمْ تحت بيت الوقف وهو مخربُ
وخضْ لجج الهيجاءِ أعزلَ آمناً
فإن المنايا عنك تنأى وتهربُ

أرسل حفني ناصف هذه الرسالة إلى حافظ إبراهيم وكانوا ستة مات الواحد تلو الآخر عندما كانوا يشيعون الشيخ محمد عبده وكانت الوفاة بالترتيب لكل منهم:الشيخ أحمد أبو خطوة،ثم حسن عاصم،ثم حسن عبد الرزاق،ثم قاسم أمين،ثم حفني ناصف وآخرهم حافظ إبراهي

ابن الرومي

يُخالفُ إخوانهُ في الطريق
إلى أن تضمهم المائدهْ
فبينا كذلك إذ هُمْ بهِ
مع القومِ كالحيّةِ الراصدهْ
يلينُ الطعامُ على ضرسهِ
ولو كانَ من صخرةٍ جامدهْ
ويأكلُ زاد الورى كلّه
ولكنها أكلةُ واحدهْ
ولو عاينتهُ جحيمُ الإله
لخرّتْ لمعدته ساجدهْ
ترى الأفدامَ يعتلفون ثوماً
ويغشونَ المجالسَ كالهمومِ
فشهمُ القومِ مأثومٌ بخمرٍ
وفدمُ القومِ مأثومٌ بثومِ
فإن عيرّتهم بالنتنِ قالوا:
كذا نكهاتُ أفواه القرومِ
فسوء الفعل يردفُ سوءَ قول
ونتن الثومِ يردفُ نتن لوم
ألا قبحاً على قبحٍ وسحقاً
لهاتيك المناظر والجسومِ
شهرُ القيام وإن عظمت حرمتهُ

شهرٌ طويلٌ ثقيلُ الظلِّ والحركهْ
يمشي الهوينا،وأما حين يطلبنا

فلا السُليكُ يُدانيه ولا السُلكهْ
يا صدقَ من قال: أيامٌ مباركةٌ

إن كانَ يُكنى عن اسمِ الطولِ بالبركهْ
شهرٌ كأنّ وقوعي فيهِ من قلقي

وسوءِ حالي وقوعُ الحوتِ في الشبكهْ
قد كان لولا دفاعُ الله يُسلمنا

إلى الردى ويُؤدينا إلى الهلكهْ
أصبحَ يعقوبُ وتبجيلُهُ
للخبزِ مرئيٌّ ومسموعُ
رغيفهُ في قَدرِ ديناره
بتلكمُ السّكة مطبوعُ
لا يشتكي ضيفٌ لهُ كِظّةً
لكنهُ يقتلهُ الجوعُ
لإبنِ أبي الجهمِ وجهُ سوءٍ
مُقَبحٌ ظاهرٌ قبوحه
يعلوهُ بغضٌ له شديد
على قلوبِ الورى طفوحه
بغض تراه ولا يراه
ولو لم يُقصّر به وضوحه
لولا عمى ناظريه عنه
لذاب حتى تجف روحه
رأيتُ جحظةَ يخشى الناسَ كُلَّهمُ
إذا هم عاينوهُ الفالجَ الذكرا
تخال ما برقابِ الناسِ من مَيَلٍ
عنهُ،إذا ماتراءى وجههُ ،صَعرا
وإن تبدّى بصوتٍ ،خرَّ سامعُهُ
للبردِ ميتاً،ولو درّعتهُ سقرا
تخالهُ أبداً من قبحِ منظرهِ
مجاذباً وتراً أو بالعاً حجرا
كأنّهُ ضفدعٌ في لُجّةٍ هرمٌ
إذا شدا نغماً أو كرّرَ النظرا
لو كان لله في تخليدنا قَدرٌ
مع قربه،ما أردنا ذلكَ القدرا

وجهُكَ يا عمرو فيهِ طولُ
مقابحُ الكلبِ فيك طرّاً
وفيهِ أشياء صالحات

وفي وُجوهِ الكلابِ طولُ
يزولُ عنها ولا تزولُ
حماكها الله والرسولُ
فالكلبُ وافٍ ،وفيكَ غدرٌ
ففيكَ عن قدْرهِ سُفولُ
وقد يُحامي عن المواشي
وما تُحامي ولا تصولُ
وأنتَ من أهلِ بيتِ سوءٍ
قصتهم قصةٌ تطولُ
وجوهُهم للورى عِظاتٌ
لكنَّ أقفاءَهم طبولُ
مُستفعلن فاعلن فَعولنْ
مستفعلن فاعلن فعول
بيتٌ كمعناكَ ليسَ فيهِ
معنىً سوى أنه فضولُ
عشقنا قفا عمروٍ وإن كان وجههُ
يُذكرنا قُبحَ الخيانةِ والغدرِ
فتى وجههُ كالهجرِ لا وصلَ بعدَهُ
وأما قفاهُ فهو وصلٌ بلا هجرِ
لكَ أنفٌ يا ابنَ حربٍ
أنِفتْ منهُ الأنوفُ
أنتَ في القدسِ تصلي
وهو في البيتِ يطوفُ
حملتَ أنفاً يراهُ الناسُ كُلّهمُ
من رأسِ ميل عياناً لا بمقياس
قولوا لنحوِّينا أبي حسن
إنّ حسامي متى ضربتُ مضى
لا يأمننَّ السفيهُ بادرتي
فإنني عارضٌ لمن عرضا
عندي لهُ السوطُ إن تلوّمَ
في السيرِ وعندي اللجامُ إن ركضا
أقسمتُ بالله لا غفرتُ له
إن واحداً من عروقهِ نبضا
عجبَ الناسُ من أبي الصقرِ إذ ولّ
ى بعد الإجارة الديوانا
ولعمري ما ذاك أعجبُ من أن
كان علجاً فصارَ من شيبانا
إنّ للجدِّ كيمياء إذا ما
مسَّ كلباً أحالهُ إنسانا
يفعلُ الله مايشاء كما شا
ء متى شاء كائناً ما كانا
كانَ للأرضِ مرةً ثقلانِ
فلها اليومَ ثالثٌ بِفلانِ
أتقي عُضّةَ اسمهِ عَلِمَ الله
فأُكنّي عن ذكرهِ بالمعاني
يا ثقيلَ الثَّقالِ أفديتَ عيني
ليتَ أنّي كما أراكَ تراني
من يكنْ غانياً بُحبِّ حبيبٍ
ففؤادي بِبُغضكَ الدهرَ عانِ
وما صلحَ الرأسُ الذي أنتَ حاملٌ
(أي لصفع القفا)

أبا حسنٍ إلا لقفدِ قَذالِ
رجل وجههُ كضرعِ المِردِّ
حاش لله،أو كَسحر المُفِدِّ
جدَليٌّ إذا تُنوزعَ شِعرٌ
شاعرٌ حضرة الجدال الألدِّ
مستجيرٌ من ذكرِ هذا بهذا
ما لديهِ لسائل من مَرَدِّ
وبغيض …من بغيضٍ
(يصف ثقيلاً)

وتعالى عن كلِّ مثلٍ ونِدِّ
وأمّا يدُ البصري في كلِّ صُحفةٍ
فأقلعُ من سيلٍ وأغرفُ من رَفشِ
يُغيرُ على مالِ الوزيرِ وآلهِ
فَيُنفِشُ في رُغفاتهمْ أيّما نفشِ
على أنّهُ ينعي إلى كلِّ صاحبٍ
ضُروساً له تأتي على الثورِ والكبشِ
يُخبّرُ عنها أنَّ فيها تَتلّماً
وذلكمُ أدهى وأوكدُ للِجِرشِ
ألم تعلموا أنّ الرّحى عند نقرها
وتجريشها تأتي على الصُلبِ والهشِ
إن تَطُلْ لحيةٌ عليكَ وتَعرُضْ
فالمخالي معروفةٌ للحميرِ
علّقَ الله في عِذاريك مِخلاةً
لو غدا حكمها إليَّ لطارت

ولكنها بغيرِ شعيرِ
في مهبِ الرياحِ كلَّ مطير
لحيةٌ أُهملتْ فطالتْ وفاضتْ
ألقِها عنكَ يا طويلة!أو لا
إرعَ فيها الموسى فإنكَ فيها

فإليها تُشيرُ كفُّ المشير
فاتبسها شرارةً في السعير
يشهدُ الله في آثامٍ كبير
ما رأتها عينُ امرىءٍ ما رآها
روعة تستخفهُ لم يُرعها
فاتقِ الله ذا الجلالِ وغيّر
أو فقصّرْ منها فحسبكَ منها
لو رأى مثلها النبيُّ لاجرى
واستحبَّ الإحفاءَ فيهن والحل

قطُّ إلا أهلَّ بالتكبير
من رأى وجهَ منكر ونكير
منكراً فيك ممكن التغيير
نصفُ شبرٍ علامة التذكير
في لحى الناسِ سُنّة التقصير
ق مكانَ الإعفاءِ والتوفير
ولحيةٍ ذاتِ أصوافٍ وأوبارِ
منها يُحاكُ أثاثُ البيتِ والدارِ
منها متاعٌ إلى حينٍ لصاحبها
وللعيالِ وللإخوانِ والجارِ
ولحيةٍ يحملها مائقٌ
شبه الشراعين إذا أُشرعا
لو قابلَ الريحَ بها مرةً
لم ينبعث من خطوهِ إصبعا
أو غاصَ بها في البحرِ غوصة
صاد بها حيتانهُ أجمعا
إنّ أبا عمرو لهُ لحيةٌ
بعيدةُ البعضِ عن البعضِ
مضى إلى السوقِ وعثنونهُ
أقامَ في البيتِ فلم يمضِ
وهو إذا مامرَّ في سكّةٍ
يملؤها بالطولِ والعرضِ
يدوسها الناسُ بأقدامهم
كأنها أرضٌ على أرضِ
إن أنتَ صادفتَ أخا لحيةٍ
قد جللّتْ من كبر صدرَهْ
فاقبض بِيُسراكَ على أصلها
وضع على حلقومهِ الشفره
فأنّي خشيت الله في قتلهْ
وخفتُ منهُ سطوةًَ مره
فَثِبْ إلى عُثنونهِ ناتفاً
فأتِ عليهِ شعرةً فشعرهْ
لله لحيةُ حائكٍ أبصرتها
ما أبصرتْ عيناي في مقدارها
إنّي لأحسبُ أن من أشعارها
هذا الأثاثُ معاً ومن أوبارها
تخالهُ أبداً من قُبحِ منظرهِ
مُجاذباً وتراً، أو بالعاً حجرا
كأنّهُ ضِفدعٌ في لُجّةٍ هَرمٌ
إذا شدا نغماً أو كررا النظرا
لو كانَ لله في تخليدنا قَدرٌ
(يهجو جحظة المغني)

مع قُربةِ ما أردنا ذلكَ القَدرا
يا رحمتا لمنادميهِ تجشّموا
(يصف جحظة المغني)

ألمَ العيونِ للّةِ الآذان
حسبي منها يانديمي حسبي
وقد أصدأت سمعي وغمّت قلبي
ومُسمعٍ لا عدِمتُ فَرقتهُ
فإنها نعمةٌ من النِّعمِ
يفتحُ فاهُ من الجهادِ كما
يفتحُ فاهُ لأعظمِ اللقمِ
كأنني طولَ ما أشاهدهُ
أشربُ كأسي ممزوجةً بدمي
يُفزِّعُ الصبيةَ الصغارُ به
إذا بكى بعضهم ولم ينمِ
بتُّ وباتَ الصبيانُ في أرقٍ
من بحّةٍ لم تزل تُفزّعنا
يبكون من خوفها ويُسهرني
بكاؤهم،فالبلاءُ يجمعنا
نحتالُ للنومِ كي يُواتينا
بكلِّ شىءٍ وليسَ ينفعنا
لا حفظَ الله تلك مُسمعةً
مايكرهُ السامعون تُسمعنا
تضغط الصوت الذي تشدو به
غصّةً في حلقها معترضهْ
فإذا غنّتْ بدا في جيدها
كلُّ عِرقٍ مثلُ بيتِ الأرضهْ
لها غناءٌ يُثيبُ الله سامعهُ
ضِعفي ثوابِ صلاةِ الليلِ والصومِ
ظللتُ أشربُ بالأرطالِ لا طَرباً
عليه،بل طلباً للسُّكرِ والنَّومِ
أبو سُليمان لا تُرضي طريقتهُ
لا في غناءٍ ولا تعليمِ صبيانِ
له إذا جاوبَ الطنبورُ محتفلاً
صوتٌ بمصر وضربٌ في خراسان
عواء كلب على أوتار منذقةٍ
في قُبحِ قردٍ وفي استكبارِ هامان
وتحسبُ العين فكيه إذا اختلفا
(يهجو مغنياً)

عند التنغمِ فكي بغلِ طحان
دُريرةُ تجلبُ الطّربا
ونزهة تجلبُ الكُربا
تُغني هذه فيظ
لُّ عنك الحزنُ قد غربا
وتعوي هذه فتُطي
لُ منكَ الحزنَ والوصبا
أقولُ لجامعٍ لهما:
(يمدح مغنية ويهجو أخرى)

لقد أحضرتنا عجبا
غَنَتْ فمسَّ القلبَ كلُّ كَرب
واستوجبتْ منّا أليمَ الضّربِ
إذا ما شنطفٌ نكهتْ أماتتْ
فمن ندمائها قتلى وصرعى
يُلاقي الأنفُ من فمها عذاباً
وترعى العين منها شرّ مرعى
وإنّ سكوتها عندي لبشرى
وإن غناءها عندي لمنعى
مُغنيةٌ حقاً بإسقاطِ نقطةٍ
إذا ماشدتْ ظلّتْ وأشداقها تُلّوى
لها نكهةٌ تحكي بها إن تكلمتْ
فأهدتْ إلى المُشتّمِ من ريحها الفسوى
إذا شهدت للقومِ في اللهوِ مَعرساً
غدا مأتماً يمحو بأحزانهِ اللهوى
وإنّ امرأً يقوى على لثمِ ثغرها
على الضغطِ والتعذيبِ في قبرهِ يقوى
شُنطف،يا عُوذة السمواتِ والأ
رضِ وشمس النهار والقمر
إن كان إبليسُ خالقاً بشراً
فأنتِ عندي من ذلكَ البشر
لم تقطعي قطُّ ذا منكايدةٍ
بل تقطعينَ الوتين بالبَخر
ترمينَ آنافنا بأسهمهِ
عن شرِّ قوسٍ،وشرِّ ما وتر
قَصُرتْ أخادِعهُ وغابَ قذاله
فكأنّهُ متربصٌ أن يُصفعا
وكأنّما صُفعتْ قفاهُ مرةً
(يصف أحدباً)

وأحسَّ ثانيةً لها فتجمّعا
وقصيرٍ تراهُ فوقَ يفاعٍ
فتراهُ كأنّهُ في غَيابهْ
لم تدعْ قفدهُ يدُ الدهرِ حتى
قمعتْ فيهِ طولَهُ وشبابهْ
وجَلتْ رأسَهُ نِعمّا فأضحى
بارزَ الصّرحِ ما يُواري صُؤابه
يا أبا حفصٍ الذي فطنَ الده
رُ لميدانِ رأسهِ فاستطابهْ
ظَرُفَ الدهرُ في اتخاذك صنعا
ناً وما خلتهُ ظريفَ الدّعابهْ
وصفعانٍ يجودُ بمصفعيه
ويصفع نفسه في الصافعينا
كهدمِ المشركين بيوت سوءٍ
بأيديهم وأيدي المؤمنينا
أبا حفصٍ جزاكَ الله خيراً
فأنتَ السيد المفضال فينا
قفاكَ لمن أراد الصفع وقفٌ
وعِرسك منحةٌ للناكحينا

ضَرطةُ إبراهيمَ في البَربخِ
كنفخة النافخِ في المِنفخِ
رِيعَ لها الأحياءُ من هولها
وأفزعَ الامواتَ في البرزخِ
لولا دفاعُ الله قد زلزلت
بالارضِ في أجبالها الشّمخِ
قد أحسنَ الله بأسماعنا
إذ سلمتْ منها فلم تُصمخِ
أنذرتُ من في دارهِ مطبخٌ
ضرطةَ إبراهيم من فرسخِ
بَخ بَخ لإبراهيم من ضارط
ذي ضرطة مرهوبة بَخِ بَخِ
يظلُّ من يسمعُ أهوالها
من صارخ ذُعراً ومُستصرخِ
ضراطُ ابن ميمون فيه سَعَهْ
وضرطُ أبي صالح في دَعَهْ
فيضرط هذا على رجلهِ
ويضرطُ هذا على أربعهْ
إذا ما تضارط هذا وذا
سمعت رعوداً لها قعقعهْ
أتيتُكَ شاعراً فهجوتَ شعري
وكانت هفوةً مني وغلطهْ
لقد أذكرتني مثلاً قديماً:
جزاءُ مُقبّلِ الوجعاء ضرطه
يا أيها السائلي لأخبره
عني،لِمْ لا أراك معتجرا
أسترُ شيئاً لو كان يمكنني
(يتحدث عن صلعته)

تعريفُهُ السائلينَ ما سُترا
تَعمّمتُ إحصاناً لراسي برهةً
من القُرِّ يوماً والحرور إذا سفع
عزمتُ على وضع العمامة حيلة
لتستر ما جرّت عليَّ من الصلع
نحن تركناهُ قصيراً أصلعا
من بعدِ ما كانَ طويلاً أفرعا
مازالَ يكسوه إذا ما استصفعا
صعفاً…حتى قرّعا
يا صلعةً لأبي حفص مُمرّدةً
كأنّ ساحتها مرآةُ فولاذِ
ترنُّ تحتَ الأكفِّ الواقعاتِ بها
حتى ترنّ لها أكنافُ بغداذِ
كم من غناءٍ سمعنا في جوانبها
من حاذقٍ بلحونِ الصنعِ أستاذِ
قُلْ لأبي حفصٍ إذا جئتهُ
قول أخي نُصحٍ وإرشادِ:
آنّىّ تزوجتُ على صَلعةٍ
كأنّها سِندانُ حداد
للموزِ إحسانٌ بلا ذنوبِ
ليسَ بمعدودٍ ولا محسوبِ
يكادُ من موقعهِ المحبوبِ
يدفعهُ البلعُ إلى القلوبِ
أقصِرٌ وعَورٌ
وصلعٌ في واحدِ؟
شواهدٌ مقبولةٌ
ناهيكَ من شواهدِ
تُخبرنا عن رجلٍ
أقمأهُ القفدُ فأض

مستعمل المقافدِ(صفيع القفا بباطن الكف)
حى قائماً كقاعدِ
إذا عُرضتْ لحيةٌ للفتى
وطالت وصارتْ إلى سُرتهِ
فنقصانُ عقل الفتى عندنا
بمقدارِ مازاد في لحيته
ولحيةٍ يحملها مائقٌ
شِبه الشّراعينِ إذا أُشرعا
لو قابل الريح بها مرةً
لم ينبعث من خَطوهِ إصبعا
أو غاص في البحر غوصةً
صادَ بها حيتانهُ أجمعا
شِبه عصا موسى ولكنّه
لم يخلق الله لها فاها
رِفقاً بزادِ القوم لا تُفنهِ
يا ناقة الله وسُقياها
أكلتُ رغيفاً عند عيسى فَملّني
وكان كهميِّ من مُحبٍّ مُقرّبِ
رآني قليلَ الخوفِ من لحظاتهِ
وذلك من شأني لهُ غيرُ مُعجبِ
يُريدُ أكيلاً رزؤُهُ من طعامهِ
كَرزءِ كتابٍ من تراب مُترِّبِ
إذا لحظتهُ عينُهُ عندَ مَضغهِ
طوى الانسَ طيَّ الخائفِ المُترقبِ
يُحبُّ الخميصَ البطنِ من أُكلائهِ
ويضحى ويُمسي بطنهُ بطنَ مُقرِبِ
وما أُنسُ ذي أُنسٍ لعيسى بمؤنسٍ
ولا وقعُ أضراسِ الأكيلِ بِمُطربِ
تَزوّدْ إذا آكلتهُ فهي أكلةٌ
وما أختها إلا كعنقاءِ مُغربِ
بخيلٌ يُصوِّمُ أضيافَهُ
ويبخلُ عنهم بأجرِ الصيامِ
يَدسُ الغلامَ فيوليهمُ
جفاءً فيُشتمُ مولى الغلام
فهم مُفطرونَ ولا يُطعمونَ
وهم صائمون وهم في آثام
فيحتالُ بخلاً لأن يُفطروا
على رفثِ القولِ دونَ الطعام
لقد جاءَ باللؤمِ من فصهِ
وتمَّ لهُ البخلُ كلَّ التمام
يا أيها الهارب من دهرهِ
أدرككَ الدهرُ على خيله
يسوق من نقرته طرة
إلى مدى يقصرُ عن نيله
فوجههُ يأخذ من رأسه
أخذ نهارِ الصيف من ليله
مثل الذي يرفع من جبينه
وهباً بما يأخذ من ذيله
من كانَ يبكي الشّبابَ من جزعٍ
فلستُ أبكي عليهِ من جزعِ
لأنَّ وجهي بقبحِ صورته
مازالَ لي كالمشيبِ والصّلعِ
إذا أخذتُ المرآة سلّمني
وجهي وما متُّ هولَ مطلعي
شُغفتُ بالخرَّدِ الحسانِ وما
يصلحُ وجهي إلا لذي ورعِ
كي يعبد الله في الفلاةِ ولا
يشهد فيهِ مشاهد الجُمعِ
وفارسٍ ما شئتَ من فارسٍ
يهزم صفينِ من القملِ
إذا سرى في الجيشِ أغناهمُ
ضريطةٌ جُبناً عن الطبلِ
إقدامهُ تضبيعهُ حذره
من هوجٍ فيه ومن خبلِ
ينزعُ طولَ الدهرِ من جُبنهِ
لكنهُ نزعٌ على مهلِ
لنا صديق كلا صديقٍ
غثٍّ على أنهُ سمينُ
من أقبحِ الناس ولا أحاشي
من كان منهم ومن يكونُ
إذا بدا وجهه لقوم
لاذت بأجفانها العيون
كأنّهُ عندهم غريمٌ
حلّت عليهم له ديون
وهو على ما وصفتُ منه
متهم ودّه ظنين
شغفتُ بالخُردِ الحسانِ وما يص
لحُ وجهي إلا لذي ورع
كي يعبد الله في الفلاة ولا يش
هد فيها مشاهد الجمع
قد عاشَ دهراً خفيف الرأسِ نعلمهُ
حتى تزوجها بكراً على كِبرهْ
والبكرُ لاتترك الشّبانَ طائعةً
للشيخِ في أرذلِ النصفينِ من عمره
أقولُ لما علا قرناهُ صلعتهُ:
لبئس ما عُوِّض المسكينُ من شعره
ولقد منعت من المرافقِ كلّها
حتى مُنعتُ مرافقَ الأحلام
من ذاكَ أنّي ما أراني طاعماً
في النومِ أو متعرضاً لطعامِ
إلا رأيت من الشقاءِ كأنني
(كان ابن الرومي منهوما شرها للطعام ويأسف أن يذاد عنه ولو في المنام)

أثنى وأكبح دونه بلجام
جزى الله عني قُبحَ وجهي سعادةً
كما قد جزاهُ ،والإلهُ قديرُ
ذعرتُ به قوماً فأدّوا إتاوةً
كأنّي عليهم عند ذاكَ أميرُ
فدى نفسَهُ من قُبحِ وجهي سيّدٌ
وزيرٌ،أبوهُ سيّدٌ ووزيرُ
إنّي ليعجبني تمام هلاله
(هلال رمضان)

وأسرُّ بعد تمامهِ بنحوله
رم
شهرٌ
وك
ت
ف
ل
لح
شهرُ الصيامِ مباركٌ لكنّما
جُعلت لنا بركاتهُ في طولهِ
إنّي ليعجبني تمامُ هلاله
وأسرُّ بعد تمامهِ بنحولِه
شهرٌ يصدُّ المرءَ عن مشروبهِ
مما يحلُّ له ومن مأكولِه
لا أستثيبُ على قبولِ صيامهِ
حسبي تصرّمهُ ثوابَ قبوله
شهرُ الصيامِ مباركٌ
ما لم يكنْ في شهرِ آب
خفتُ العذابَ فصمتهُ
فوقعتُ في نفسِ العذاب
وأما يدُ البصري في كلِّ صفحةٍ

فأقلعُ من سيلٍ وأغرقُ من رفشِ
أأوعده بالشعر وهو مسلّطٌ

على الإنس والجنِ والطيرِ والوحشِ
ألم أره لو شاءَ بلْعَ تهامةٍ

وأجبالها،طاحت هناك بلا أرشِ
على أنّهُ ينعى إلي كل صاحبٍ

ضروساً له تأبى على الثورِ والكبشِ
يخبر عنها أن فيها تثلماً

وذلكم أدهى وأوكد للجرشِ

أبو نواس:

ألومُ عباساً على بُخلهِ
كأنَّ عباساً منَ الناسِ
وإنّما العباسُ في قومهِ
كالثومِ بينَ الوردِ والآسِ
لبني البرمكيّ قصرٌ منيفُ
وجمالٌ،وليسَ فيهم حنيفُ
دارهم مسجدٌ يُؤذنُ فيها
لاتقاءٍ،وليسَ فيها كنيفُ
فإذا أذنوا لوقتِ صلاةٍ
(كنيف:مرحاض)

كرروا:لا إله إلا الرغيف
صَحّفتْ أمُّكَ إذ
سَمتّكَ في المهدِ أبانا
صيّرتْ باءً مكان التاءِ
تصحيفاً عيانا
قد علمنا ما أرادتْ
لم تُردْ إلا أتانا
ثقيلٌ يُطالعنا من أَممْ(قريب)
لطلعته وخزةٌ في الحشا

إذا سَرّهُ رعفّ أنفي ألمْ(زار)
كوقعِ المشارطِ في المُحتجِم
أقولُ له إذ بدا: لا بدا
ولا حملتهُ إلينا قدمْ
فقدتُ خيالكَ لا من عمىً
تغطّ بما شئت من ناظري

وصوتَ كلامكَ لا من صممْ
ولو بالرداء بهِ تلتثِم
رأيتُ الرّقاشي في موضعٍ
وكانَ إليَّ بغيضاً مقيتا
فقال اقترحْ بعضَ ما تشتهي
فقلتُ اقترحتُ عليكَ السكوتا
نمتُ إلى الصُبحِ وإبليسُ لي
في كلِّ مايُؤثمني خصمُ
رأيتهُ في الجو مستعلياً
ثمّ هوى يتبعهُ نجمُ
فقال لي لما هوى:مرحبا
بتائبٍ توبتهُ وهم
ما أنا بالآيسِ من عودةٍ
منكَ،على رغمكَ :يا فدم
لستُ أبا مُرّةٍ إن لم تعدْ
فغيرُ ذا من فعلك الغشم
وجهُ بنانٍ كأنّهُ قمرٌ
يلوحُ في ليلةِ الثلاثين
والخدّ من حسنهِ وبهجته
كطاقة الشوكِ في الرياحين
والفم من شيقهِ إذا ابتسمتْ
كأنّهُ قصعةُ المساكين
لهُ ثنايا تحكي ببهجتها
وحسنها ألسن الموازين
والجيدُ زَينٌ لمن تأملهُ
أشبه شىءٍ بجيدِ تنين
ومنكباها في حُسنِ خلقهما
في مثلِ رمانتين من طين
والبطنُ طاوٍ تحكي لطافتهُ
ما ضمنوهُ كتبَ الدواوين
تفتنُ من رامها بلحظتها
ولدت من أسرةٍ مباركةٍ

كأنهُ لحظةُ المجانين
لا عيبَ فيهم…من الشياطين
إنّي قصدتُ إلى فقيه عالم
مُتنسك حبرٌ من الأحبارِ
مُتعّمقٌ في دينهِ،متفقه
مُتبصر في العلمِ والأخبارِ
قلتُ :النبيذَ تُحلّه؟فأجابَ لا
إلا عقاراً ترتمي بشرارِ
قلتُ السماعَ فما علمت أجابني:
إلا بخفقِ العودِ والمزمارِ
قلتُ المنادم من يكون؟أجابني:
لا تعدلنَ عن ماجنٍ عيّارِ
قلتُ الصلاةَ فقال: فرضٌ واجبٌ
صلِ الصلاةَ وبت حليفَ عَقارِ
اجمع عليَ صلاة حولٍ كاملٍ
من فرضِ ليل فاقضهِ بنهارِ
قلتُ :الصيام فقال لي:لا تنوهِ
واشدد عرى الإفطارِ بالإفطارِ
لم يكن فيك غيرَ شيئين مما
قلت من بعد خَلقِكَ الدّحداح
لحية سبطة وأنف طويل
وهباءٌ سواهما في الرياح
فيك تيهٌ وفيكَ عُجبٌ شديدٌ
وطِماحٌ يفوقُ كلَّ طِماح

باردُ الطرفِ مظلمُ الكذبِ تيا

هٌ معيدُ الحديثِ غثّ المزاح
أماتَ الله من جوعٍ رُقاشاً
فلولا الجوعُ ما ماتت رُقاشُ
ولو أشممتَ موتاهم رغيفاً
وقد سكنوا القبورَ إذاً لعاشوا
وباخلٍ جئتهُ فقدّمَ لي
كِسرةَ خبز وعينهُ عبرى
فقال ما تشتهي؟فقلتُ له:
قطعةُ جُبنٍ وكسرةً أخرى
على خبز إسماعيل واقية البخلِ
فقد حلَّ في دارِ الأمانِ من الأكلِ
وما خبزهُ إلا كآوى يرى ابنها
ولسنا نراها في الحزون ولا السّهلِ
أصبحتَ أجوعَ خلقِ الله كلّهم
وأفرغَ الناسِ من خيرٍ إذا وضعا
خبزُ ابن سابه مكتوبٌ عليه ألا
لا باركَ الله في ضيفٍ إذا شبعا
إنّي أحذركم من خبز صاحبنا
فقد ترونَ بحلقي اليومَ ما صنعا
قالوا:امتدحت فماذا اعتضت، قلت لهم
خَرقُ النعالِ وإخلاق السرابيل
قالوا:فسمِّ لنا الممدوحَ،قلت لهم
أو وصفهُ يعدلُ التفسيرَ في القيل
ذاكَ الأميرُ الذي طالت علافتهُ
(يهجو جعفر بن يحيى وكان طويل العنق)

كأنّهُ ناظرٌ في السيفِ بالطولِ
لي صاحبٌ أثقلُ من أحد
قرينهُ ما عاشَ في جهدِ
علامة البغضِ على وجههِ
تبينُ مذ أن حلّ في المهدِ
إن دخل النار طفا حرّها
فمات من شدّةِ البردِ
نفسُ الخصيبِ جميعهُ كذِبُ
وحديثُهُ لجليسهِ كربُ
تبكي الثيابُ عليه مُعولةً
أن قد يُجر ذيولها كلبُ

فأق

ع
أ
وأ

ضر
يخبر
وذلك
قولا لإبراهيمَ قولاً هِترا
غلبتني زندقةً وكفرا
إن قلت:ماتتركُ؟قال برّا
أوقلتَ:ماترهبُ؟قال:بحرا
أو قلتَ:ماتقولُ؟قال:شرّا
أصلاهُ ربي لهيباً وجمرا
رأيتُ الفضلَ مكتئباً
يُناغي الخبز والسمكا
فقطب حين أبصرني
ونكس رأسه فبكى
فلما ان حلفت له
بأني صائمٌ ضحكا
فتى لرغيفهِ قرطٌ وشنفُ
وخلخالان من حرزٍ وشذرِ
إذا فقد الرغيفَ بكى عليه
بُكا الخنساء إذ فُجعت بصخر
ودونَ رغيفه قلعُ الثنايا
وحربٍ، مثل وقعة يوم بدر
ارفقْ بحفصٍ حين تأ
كلُ يا مُعاويَ من طعامه
الموتُ أيسرُ عندهُ
من مضغِ ضيفٍ والتقامه
وتراهُ من خوفِ النزيلِ
به يُروّعُ في منامه
سيّان كسرُ رغيفه
أو كسرُ عظمٍ من عظامه
لا تكسرنَّ رغيفهُ
لإن كنتَ ترغبُ في كلامه
وإذا مررتَ ببابهِ
فاحفظ رغيفكَ من غلامه
سِيَّانِ كسرُ رغيفهِ
أو كسرُ عظمٍ من عظامهْ
فارفقْ بكسرِ رغيفهِ
إن كنتَ ترغبُ في كلامهْ
أبو نوحٍ دخلتُ عليهِ يوماً
فَغدّاني برائحةِ الطعامِ
وقدّمَ بيننا لحماً سميناً
أكلناهُ على طبقِ الكلامِ
فلما أن رفعتُ يدي سقاني
كؤوساً خمرُها ريحُ المُدامِ
فكانَ كمن سقى الظمآن آلاً
وكنتُ كمن تغدّى في المنام
رغيفُ سعيدٍ عندهُ عِدلُ نفسه
يُقلّبهُ طوراً وطوراً يُلاعبهْ
ويُخرجهُ من كُمّهِ فيشمُّهُ
ويُجلسهُ في حجرهِ ويُخاطبه
وإن جاءهُ المسكينُ يطلبُ فضلََهُ
فقد ثكلتهُ أمّهُ وأقاربُه
يكرُّ عليهِ السوطَُ من كلِّ جانبٍ
وتُكسرُ رجلاهُ ويُنتفُ شاربه
أيُّ ديوان كآبهْ
مذ تولاهُ ابنُ سابه
يا غرابَ البينِ في الشؤ
مِ وميزابَ الجنابهْ
يا كتاباً بطلاقٍ
يا عزاءً ومصابه
ما على وجهٍ به قابل
تني اليومَ مهابهْ
كاتبٌ أيضاً فما مرَّ
على رأس الكتابهْ
خبزُ الخصيبِ مُعلّقٌ بالكوكبِ
يُحمى بكلِّ مُثقَفٍ ومشطبِ
جعل الطعامَ على بنيه محرّماً
قوتاً وحلّلهُ لمن لم يسغبِ
فإذا همُ نظروا الرغيفَ تطرّبوا
طربَ الصيامِ إلى أذان المغربِ
فإذا همُ رأوا الرغيفَ تَطرّبوا
طربَ الصيامِ إلى أذان المغربِ
إذا ما كنت عند قيانِ موسى
فعند الله فاحتسب السرورا
إذا غنينَ صوتاً قيل موتا
وهجنَ بهِ عليك الزمهريرا
أبا العباس كُفَّ عن الملام
ودعْ عنكَ التعمق في الكلام
فقد،وحياةُ من أهوى وتهوى
أقامَ قيامتي شهرُ الصيام
أماتَ مجانتي وأبادَ لهوي
وعطلَّ راحتي عن المُدام
ولو أبصرتني عند السواري
أطوفُ عند تأذين الإمام
علمت بأنني عذبتُ نفساً
لها عاد ورسم في الحرام
فكم لي ثم من تقبيلِ خدٍّ
ومن عضٍّ ورشف والتثام
شهرُ القيام وإن عظمت حرمتهُ
شهرٌ طويلٌ ثقيلُ الظلِّ والحركهْ
يمشي الهوينا،وأما حين يطلبنا
فلا السُليكُ يُدانيه ولا السُلكهْ
يا صدقَ من قال: أيامٌ مباركةٌ
إن كانَ يُكنى عن اسمِ الطولِ بالبركهْ
شهرٌ كأنّ وقوعي فيهِ من قلقي
وسوءِ حالي وقوعُ الحوتِ في الشبكهْ
قد كان لولا دفاعُ الله يُسلمنا
(الشعر لإبن الرومي وليس لأبي نواس)

إلى الردى ويُؤدينا إلى الهلكهْ
لقد سرّني أنّ الهلالَ غُدّيةً
بدا وهو ممشوقُ الخيالِ دقيقُ
أضرّتْ به الأيامُ حتى كأنّهُ
عِنانٌ لواهُ باليدينِ رفيقُ
وقفتُ أُعزيهِ وقد دقّ عظمهُ
وقد حانَ من شمسِ النهارِ شروقُ
ليهنَ ولاة اللهو أنك هالكٌ
فأنتَ بما يجري عليك حقيقُ
وإني بشهر الصومِ إذ بانَ شامتٌ
وإنك يا شوالُ لي لصديقُ
فقد عاودت نفسي الصبابة والهوى
وحانَ صبوحٌ باكرٌ وغبوق
أكثري أو فأقلّي
قد مللناكِ فَحلّي
ما إلى حبكِ عَودٌ
ما دعا الله مصلي
لم يكن مثلكِ لولا
سفهُ الرأي وهوىً لي
أيها السائلُ عنها
اسمع اللفظ المُجلّي
شخصها شخصٌ قبيحٌ
ولها موجهُ مُولّى
وخفت عن كلِّ عينٍ
وخفت عن كلِّ دلِّ
ولها ثغرٌ كأن الله
غشاهُ بكحلِ
تصف النكهة منها
جيفةً في يومِ طلِّ
ردفها طستٌ ولكن
بطنها كوّةُ خلِّ
اشهدوا أني برىءٌ
من هواها مُتخلّي

المتنبي

يمشي بأربعةٍ على أعقابهِ
تحتَ العلوجِ ومن وراءٍ يُلجمُ
وجفونُهُ ما تستقرُّ كأنّها
مطروفةٌ أو فُتَّ فيها حصرمُ
وإذا أشارَ مُحدثاً فكأنهُ
قردٌ يقهقهُ أو عجوزٌ تلطمُ
يقلي مُفارقة الأكفِّ قذالهُ
حتى يكادَ على يدٍ يتعمّمُ

بشار بن برد

أبو دُلفٍ كالطّبلِ يذهبُ جوفُهُ
وباطنهُ خِلوٌ من الخيرِ أخربُ
أبا دُلفٍ يا أكذبَ الناسِ كُلّهم
سِوايَ،فإني في مديحكَ أكذبُ
قُلْ لشهرِ الصيامِ أنحلتَ جسمي
إنّ ميقاتنا طلوع الهلالِ
اجهدْ الآن كلّ جهدكَ فينا
سترى ما يكونُ في شوال
إذا سلّمَ المسكينُ طارَ فؤادهُ
مخافةَ سُؤلٍ واعتراهُ جنونُ
سيدي !مِلْ بِعناني
نحو بابِ الأصبهاني
إنّ بالبابِ أتاناً
فَضلتْ كلَّ أتانِ
تيّمتني يوم يومَ رُحنا
بثناياها الحِانِ
تيّمتني ببنانٍ
وبِّدلٍّ قد شجاني
وبُحسٍ ودلالٍ
سلَّ جسمي وبراني
ولها خدٌّ أسيلٌ
مثلُ خدِّ الشيفرانِ
فَبها مِتُ ولو عِش
(بشار يتندر عن حمار مات عشقاً بأتان)

تُ إذن طال هواني

المعري

هذا أبو القاسمِ أعجوبة
لِكلِّ من يدري ولا يدري
لا يقرض الشعر ولا يقرأ ال
قرآن،وهو الشاعر المقري
سألتْ مُنجمها عن الطفل الذي
في المهدِ كم هو عائش دهره
فأجابها مائةٌ ليأخذ درهماً
وأتى الحِمامُ وليدها في شهره

الحطيئة

كدحتُ بأظفاري، وأعملتُ معولي
فصادفتُ جلموداً من الصخرِ أملسا
تشاغلَ لما جئته في وجه حاجتي
فأجمعتُ أن أنعاهُ حينَ رأيتهُ

وأطرقَ حتى قلتُ:قد ماتَ أو عسى
يفوقُ فواقَ الموتِ حتى تنّفسا
فقلتُ له:لابأس،لست بعائدٍ
فأفرخَ، تعلوه السمادير مُبلسا
جزاكِ الله شراً من عجوزٍ
ولقّاكِ العقوقَ من البنينا
تَنّحي فاقعدي مني بعيداً
أراحَ الله منكِ العالمينا
أغربالاً إذا استودعتِ سراً
وكانوناً على المتحدثينا
ألم أُظهر لكِ الشحناء مني
ولكنْ لا إخالُكِ تعقلينا
حياتُكِ ما علمتُ حياةُ سوءٍ
وموتُكِ قد يسرُّ الصالحينا
أبت شفتايَ اليومَ إلا تكلّما
بِشرٍّ فما أدري لمنْ أنا قائلهْ
أرى لي وجهاً شوّهَ الله خَلقَهُ
فقبُحَ من وجهٍ وقبح حامله

البحتري

بكى المنبرُ الشرقيُّ إذ خارَ فوقَهُ
على الناسِ ثورٌ قد تدّلتْ غباغبهْ
ثقيلٌ على جَنبِ الثّريدِ،مُراقبٌ
لشخصِ الخوانِ يبتدي فيواثبه
إذا ما احتشى من حاضرِ الزادِ لم يُبلْ
(يهجو الخليفة المستعين بالله)

أضاءَ شهابُ الملك أم كلَّ ثاقبه
لم يسمعوا بالمكرُماتِ ولم يَنُحْ
في دارهم ضيفٌ سوى إبليسِ
فعلى وجوههم لباسُ خوايةٍ
وعلى رؤوسهم قرونُ تيوسِ
لا تدعونَ أبا الوليدِ لنائلٍ
خُلُقُ الحمارِ وخِلقةُ الجاموسِ
رأيتُ(الخثعميّ) يُقِلُّ أنفاً
يضيقُ بعرضهِ البلدُ الفضاء
سما صَعداً فقصّرَ كلُّ سامٍ
لهيبتهِ وغصَّ به الهواء
هو الجبلُ الذي لولا ذُراهُ
(يهجو اخثعمي الشاعر)

إذاً وقعت على الارضِ السماء
جُعلتُ فِداكَ! لي خبرٌ طريفٌ
وأنتَ بكلِّ مكرُمةٍ خبيرُ
غداةَ النّحرِ ينحرُ كلّ قومٍ
ولا شاةً لديَّ ولا بعيرُ
بلى عندي حمارٌ لي،فقل لي
أتُقبلُ من مُضحيها الحميرُ؟
لئن لم تفدِهِ ـ تفديك نفسي ـ
بذبحٍ فهو في غدهِ نحيرُ
تزيدُ الإهانةُ في شأنهِ
صلاحاً،وتفسدهُ التكرمة
يُرعشُ لَحييهِ عند الغناءِ
كأنَّ بهِ النافِضَ المؤلمة
وأنفٌ إذا احمرَّ في وجههِ
وقامَ توهمّتهُ محجمه
ومُنتشرُ الحلقِ واهي اللَهاة
إذا ما شدا فاحِشُ الغلصمه
إذا صاحَ سالت له مَخطةٌ
على العودِ وانقلعت بلغمه
كثيرُ التلفتِ والاعتراض
شديدُ التفلتِ والهمهمه
يجىء بما هو أهلٌ له
فلولا الحياء كسرنا فمه
تَغنّى ونحنُ على لذّةٍ
فأرعدَ بعضٌ،وبعضٌ نَعَسْ
فقال:اقترحْ بعضَ ما تشتهي
فقلتُ:اقترحتُ عليكَ الخَرَسْ

أبو تمام

قد كان يُعجبني لو أنّ غيرتهُ
على جراذقِهِ كانت على حُرَمِهْ
إن رمتَ قتلته فافتك بخبزتهِ
(جراذق:الرغيف)

فإنّ موقعها من لحمه ودمه
يا منْ تبرّمتِ الدنيا بطلعتهِ
كما تبرّمتِ الأجفانُ بالرّمدِ
يمشي على الارضِ مختالاً فأحسبهُ
لِبُغضِ طلعتهِ يمشي على كبدي
لو أنّ في الأرضِ جزءاً من سماجتهِ
لم يقدم الموتُ إشفاقاً على أحدِ

أبو العتاهية

رُبّما يثُقلُ الجليسُ وإن كان
خفيفاً في كفّةِ الميزانِ
كيفَ لا تحمل الأمانةَ أرضٌ
حملت فوقها أبا عمران
لا جعلَ الله لي إليكَ ولا
عندكَ ما عشتُ حاجة أبدا
ما جئتُ في حاجةٍ أُسرُّ بها
إلا تثاقلتَ ثمّ قلتَ غدا

الفرزدق

بَكَرت عليَّ نوارُ تنتِفُ لحيتي
تنتافَ جَعدة لحية الخشخاش
كلتاهما أسدٌ إذا ما أُغضبت
ورضاهما وأبيكَ خيرُ معاشِ

الأخطل

كأنّ أبا مروانَ يُنزعُ ضِرسُهُ
إذا القومُ قالوا متعونا بدرهمِ

مسلم بن الوليد

يا ضيفَ موسى أخي خُزيمة صُمْ
أو فتزوّدْ إن كنتَ لم تَصُمِ
أطرقَ لما أتيتُ مُمتدحاً
فلم يَقُلْ لا فضلاً على نعمِ
فَخفتُ إن ماتَ أن أُقادَ به
فقمتُ أبغي النجاةَ من أَممِ
لو أنَّ كنزُ البلادِ في يدهِ
لم يَدَعِ الإعتلال بالعدمِ

النجاشي الحارثي

وأُقسمُ لو خرّتْ من استِكَ بيضةٌ
(يهجو قصيرا)

لما انكسرتْ من قربِ بعضكَ من بعض

ابن مفرغ الحميري

ألا ليتَ اللُحى كانت حشيشاً
فنعلفها دوابَ المسلمينا
يغسل الماءُ مافعلتَ وقولي
راسخٌ منك في العظام البوالي
إذا ما الرزقُ أحجمَ عن كريمٍ
فالجأهُ الزمانُ إلى زياد
تلّقاهُ بوجهٍ مكفهِر
كأنّ عليهِ أرزاقُ العباد

أبو حية النميري

إذا أنتَ رافقتَ الحُتات بن جابر
فقلْ في رفيقٍ غائبٍ وهو شاهدُ
أصمّ إذا ناديتَ جهلاً وإن تسرْ
فأعمى وإن تفعل جميلاً فجاحدْ
أواني وإياهُ الطريق عشيّةً
يهابُ سُراها إلا حمسيُّ المعاود
فأقسمَ براً أنّ لولا خيالهُ
لما كنتُ إلا مثل من هو واحد

أبو العيناء

من كانَ يملكُ درهمين تعلّمتْ
شفتاهُ أنواعَ الكلامِ فقالا
وتقدّمَ الفصحاء فاستمعوا لهُ
ورأيتهُ بين الورى مختالا
لولا دراهمهُ التي في كيسهِ
لرأيتهُ شرَّ البرية حالا
إنّ الغنيَّ إذا تكلم كاذباً
قالوا:صدقتَ وما نطقتَ مُحالا
وإذا الفقيرُ أصابَ قالوا:لم يُصبْ
وكذبتَ يا هذا وقلتَ ضلالا
إنّ الدراهمَ في المواطنِ كلها
تكسو الرجالَ مهابةً وجلالا
فهي اللسانُ لمن أرادَ فصاحةً
وهي السلاحُ لمن أرادَ قتالا

ابن حمديس الصقلي

لا أركبُ البحرَ خوفاً
عليَّ منهُ المعاطب
طينٌ أنا وهو ماءٌ
والطينُ في الماءِ ذائب

أبو القاسم الإلبيري

قالوا أتسكنُ بلدةً
نفسُ العزيزِ بها تهونْ
فأجبتهم بتأوهٍ
كيفَ الخلاصُ بما يكونْ
غرناطةٌ مثوى الج
نينِ يلذُّ ظلمتهُ الجنين

أبو الفتح البُستي

رغيفُ أبي عليٍّ حلَّ خوفاً
من الاضيافِ منزلةَ السِّماكِ
إذا كسروا رغيفَ أبي عليٍّ
بكى يبكي بكاءً فهوَ باكِ

الراعي النميري

طافَ الخيالُ بأصحابي فقلت لهم:
أأم شذرة زارتنا أم الغول
لا مرحباً بابنةِ الأقيانِ إن طرقت
كأنّ محجرها بالقارِ مكحول
سودٌ معاصمها جعدٌ معاقصها
قد مسّها من عقيد القارِ تفصيل

مروان بن أبي حفصة

لقد كانت مجالسنا فساحاً
فضيّقها بلحيتهِ رباحُ
مبعثرةُ الأسافلِ والأعالي
لها في كلِّ زاويةٍ جناحُ

أبو نواس:

إذا عبّا أبو الهيجا
ء للهيجاء فرسانا
وسارت راية الموت
أمام الشيخِ إعلانا
وشبّتْ حربها واشت
علت تُلهبُ نيرانا
وأبدتْ لوعةَ الوقع
ةِ أضراساً وأسنانا
جعلنا القوسَ أيدينا
ونَبل القوسِ سوسانا
وقدمنا مكان البذ
لِ والمطرد ريحانا
فعادت حربُنا أُنساً
وعدنا نحنُ خُلانا
بفتيانٍ يرونَ القت
لَ في اللذةِ قربانا
إذا ما ضربوا الطبلَ
ضربنا نحن عيدانا
وأنشأنا كراديساً
من الخيري ألوانا
وأحجار المجانيقِ
لنا تفاحُ لبنانا
ومنشا حربنا ساقٍ
سبا خمراً فسقّانا
فهذي الحربُ لا حربٌ
تغمُّ الناسَ عدوانا
بهم نقتلهم ثمّ
بها ننشرُ قتلانا

دعبل

رأيت أبا عمران يبذلُ عرضهُ
وخبزُ أبي عمران في أحرز الحرز
ومُغنٍّ إن تغنّى
أورثَ الندمانَ همّاً
أحسنُ الأقوام حالاً
فيهِ كانَ أصمّا
بعثتَ إليَّ بأُضحيةٍ
وكنتَ حريّاً بأن تفعلا
ولكنّها خرجت غثيّة
كأنّكَ أرعيتها حَرملا
فإن قبلَ الله قربانها
فسبحان ربّكَ ما أعدلا
يا تاركَ البيتِ على الضيفِ
وهارباً منهُ من الخوفِ
ضيفُكَ قد جاء بزادٍ لهُ
فارجع فكن ضيفاً على الضيفِ
إذا اشتهى الضيفُ طبيخَ الشتاء
أتاهُ بالشهوةِ في الصيف
وإن دنا المسكينُ من بابهِ
شَدَّ على المسكينِ بالسيفِ
وضيفُ عمروٍ وعمروٌ يسهران معاً
عمروٌ لبطنتهِ والضيفُ للجوع
استبقِ وُدَّ أبي المقا
تلِ حينَ تأكل من طعامهِ
سِيّانِ كسرُ رغيفهِ
أو كسرُ عظمٍ من عظامهِ
فتراهُ من خوفِ النز
يلِ به يُروّع في منامه
فإذا مررتَ ببابهِ
فاحفظ رغيفكَ من غلامه
بُرهانُ لا تُطربُ جُلاسها
حتى تُريكِ الصّدرَ مكشوفا
شبهُها لما تغنّت لهم
بنعجةٍ قد مضغت صوفا

حماد عجرد

ويا أقبح من قردٍ
(يهجو بشار بن برد)

إذا عميَ القردُ
نهارهُ أخبثُ من ليلهِ
ويومهُ أخبثُ من أمسهِ
ما خلقَ الله شبيهاً لهُ
من جنّهِ طُراً ومن إنسهِ
والله ما الخنزيرُ في نتنهِ
بربعه في النتنِ أو خُمسهِ
بل ريحهُ أطيبُ من ريحهِ
(يهجو بشارا)

ومسّهُ أطيبُ من مسَهِ
ألا من مُبلغ عني ال
ذي والدهُ بُردُ
إذا ما نسبَ الناسُ
فلا قبلُ ولا بعدُ
وأعمى قلطبانٍ ما
على قاذفهِ حدّ
وأعمى يشبهُ القردَ
إذا ما عميَ القردُ
دنىءٌ لم يَرُح يوماً
إلى المجدِ ولم يغدُ
ولم يحضر مع الحا
ضرِ في خير ولم يُبدُ
ولم يخشى لهُ ذمُّ
ولم يرجَ له حمدُ
جرى بالنحسِ مذ كا
نَ ولم يجرِ له سعدُ
هو الكلبُ إذا ما ما
تَ لم يوجد لهُ فقدُ
لو طُليتْ جِلدتهُ عنبراً
لَنتنّت جلدتهُ العنبرا
أو طُليتْ مسكاً ذكيّاً إذاً
(يهجو بشارا)

تحوّلَ المسكُ عليهِ خرا
زرتُ امرأً في بيتهِ مرةً
لهُ حياءٌ ولهُ خِيرُ
يكرهُ أن يُتخِمَ أضيافهُ
إنّ أذى التخمةِ محذورُ
ويشتهي أن يُؤجروا عندَهُ
بالصومِ والصائمُ مأجورُ

البهاء زهير

وأحمقَ ذي لحيةٍ
كبيرةٍ منتشرة
طلبتُ فيها وجههُ
بشدّةٍ فلم أره
معروفةٌ لكنّهُ
أصبحَ فيها نكره
وثقيلٍ ما برحنا
نتمنى البُعدَ عنهُ
غابَ عنا ففرحنا
جاءنا أثقل منه

أبو دلامة

ألا أبلِغْ إليك أبا دُلامة
فلستَ من الكرامِ ولا كرامه
إذا لبسَ العِمامه كانَ قرداً
وخنزيراً إذا نزعَ العِمامه
جمعتَ دمامةً وجمعتَ لؤماً
كذاك اللؤمُ تتبعهُ الدمامه
فإن تكُ قد أصبتَ نعيمَ دُنيا
(يهجو نفسه)

فلا تفرحْ فقد دنتِ القيامه
فما ولدتك مريم أمُّ عيسى
ولم يكفلكِ لقمانُ الحكيمُ
ولكن قد تضمّكِ أمُّ سوءٍ
(بعد أن رزق بابنة)

إلى لَبّاتِها وأبٌ لئيم

صفي الدين الحلي

وبخيلٌ ينالُ من عِرضهِ النا
سُ ولكنَّ رغيفُهُ لا يُنالُ
كلّ يوم يأتي بحرف رغيفٍ
كهلالٍ لم يدنُ منه كمال
مُستقرٌ في وسطِ سفرتهِ الزر
قاء لا يعتريه منهُ زوال
فتعجّبتُ من سماءٍ بأرضٍ
كلّ يوم يلوحُ فيها هلال
أعودُ حماركم في كلِّ يوم
إذا ما ضرّهُ فرطُ الشعيرِ
ويُمرضني التألم من جفاكم
فلم أرَ عائداً لي من زفيري
فإن يكُ ذا حقّ جزايَ منكم
لإفراطِ المحبة في ضميري
فشكراً للمحبةِ إذ حططتم
بها الأصحاب عن قدرِ الحمير
وشحيحٍ من لؤمهِ يخبزُ الب
خلَ ببسطِ الأخلاقِ بين الرفاقِ
فهو من شُحّهِ يُثّمنُ في الخر
جِ علينا مكارمَ الأخلاق
وليلةٍ زارني فقيهٌ
في رُشدهِ ليسَ بالفقيهِ
رأى بِيُمنايَ كأسَ خمرٍ
فظلَّ ينأى ويتقيهِ
فقلتُ هلا،فقال كلا
فقلتُ لم لا،فقال إيهِ
ما ذاكَ قنّي فقلتُ عدلٌ
أنزّهُ الكأسَ عن سفيه
وشادٍ يُشتت شملَ الطربْ
يُميتُ السرورَ ويُحي الكُربْ
بوجهٍ يبيدُ إذا ما بدا
وكفٍّ تضرُّ إذا ما ضربْ
شدا،فغدا كلُّ قلبٍ بهِ
قليل النصيب كثيرَ النَّصَب
تغنّى،فغنّى قلوبَ الرفاق
وماسَ،فمسّى القلوبَ العطب
حَوتْ ضدينِ إذ ضربتْ وغنّتْ
فقد ساءت وسرّت من رآها
غناءٌ تستحقُ عليه ضرباً
وضرباً يستحقُّ به غناها
لو تراني من فوقِ طودٍ من الجو
عِ أناجي رغيف نجل سنان
كلما قمتُ قائلاً أرني وجه
كَ نادى وعزتي لن تراني
يحفظُ في الجوعِ ألفَ منفعةٍ
ومثلها في مضرّةِ البطنة
ويُوهمُ الناسَ أنَّ شبعهمْ
يطفىءُ نورَ الذكاءِ والفطنة
إن حاول الضيفُ أن يُلّمَ به
أعطاهُ من قبل نطقهِ القَطَنة
لما اغتنى أفقدنا نفعَهُ
وتلكَ من شيمةٍ بيت الخلا
يُسعى إليه إن غدا فارغاً
وما بهِ نفعٌ إذا ما امتلا
وافى،وقد شفع التقطبُ وجهه
وطحا بها مرحُ التكبرِّ فانثنى
يبدو فتقذفهُ النفوسُ لثقلهِ
فتراهُ أبعدَ مايكونُ إذا دنا
فطفقتُ أُنشدُ إذ بصرتُ بحمقهِ
بيتاً جعلتُ الشّطرَ نته مضمناً
يا ثقلَ صورته،وخفة رأسهِ
هلا نقلتِ إلى هنا من ها هنا

علي بن الجهم

أمّا الرغيفُ لدى الخِوا
نِ فمن حماماتِ الحرمْ
ما إن يُمسُّ ولا يُجسُّ
ولا يُذاقُ ولا يُشم
وتراهُ أخضرَ يابساً
يأبى النفوس من الهرم
أنتَ كالكلبِ في حفاظكَ للودِّ
وكالتيسِ في قراعِ الخطوبِ
أنتَ كالدلوِ لا عدمناك دلواً
من كبارِ الدلا كثير الذنوبِ
ما كنتُ أحسَبُ أنَّ الخبزَ فاكهةٌ
حتى نزلتُ على زيد بن منصور
الحابسِ الروثَ في أعفاجِ بغلتهِ
خوفاً على الحَبِّ من لقطِ العصافير
يا أُمّنا أفديكِ من أُمِّ
أشكو إليك فظاظةَ الجَهمِ
قد سرّحَ الصبيانَ كلّهم
(كتب هذا وهو صغير بعد أن حبسه والده)

وبقيتُ محصوراً بلا جُرمِ

محمود الوراق

أظهروا للناسِ نُسكاً
وعلى المنقوشِ داروا
ولهُ صاموا وصلوا
ولهُ حجوا وزاروا
ولهُ قاموا وقالوا
ولهُ حلّوا وساروا
لو غدا فوقَ الثريا
ولهم ريشٌ لطاروا

محيى الدين بن عربي

إذا رأى أهل بيتي الكيسَ ممتلئاً
تبسمت ودنتْ مني تُمازحني
وإن رأتهُ خلياً من دراهمهِ
تكرّهتْ وانثنتْ عني تقابحني

الحارث الكندي

فلما أن أتيناهُ وقلنا
بحاجتنا تلوّنَ لونَ وَرسِ
وآضَ بكفّهِ يحتكُّ ضِرساً
يُرينا أنّهُ وجعٌ بضرسِ
فقلتُ لصاحبي أبِهِ كُزازٌ
وقلتُ أسرّه أتراهُ يُمسي
وقمنا هاربين معاً جميعاً
نُحاذرُ أن نُزنَّ بقتلِ نفسِ

ابن هانىء الاندلسي

يا ليتَ شعري،إذا أومى إلى فمهِ
أحلقُهُ لهوات أم ميادينُ
كأنّها وخبيثُ الزادِ يضرمها
(يصف أكولا)

جهنم،قذفت فيها الشياطين

أحمد بن كشاجم

صديقُ لنا من أبرعِ الناسِ في البخلِ
وأفضلهم فيه،وليسَ بذي فضلِ
دعاني كما يدعو الصديقُ صديقَهُ
فجئتُ كما يأتي إلى مثلهِ مثلي
فلما جلسنا للطعامِ رأيتُهُ
يرى أنّهُ من بعضِ أعضائه أكلي
ويغتاظُ أحياناً ويشتمُ عبدَهُ
وأعلمُ أنَّ الغيظَ والشتمَ من أجلي
فأقبلتُ أستلُّ الغداءَ مخافةً
وألحاظُ عينيهِ رقيبٌ على فِعلي
أمدُّ يدي سراً لاسرقَ لقمةً
فيلحظني شرراً فأعبثُ بالبَقلِ
إلى أن جنت كفّي لحتفي جنايةً
وذلكَ أنّ الجوعَ أعدمني عقلي
فجرّت يدي للحين رِجلَ دجاجةٍ
فَجُرّتْ،كما جرّتْ يدي رجلها رجلي
وقدّمَ من بعد الطعامِ حلاوةً
فلم أستطعْ فيها أُمرُّ ولا أُحلي
وقمتُ لو أني كنتُ بَيّتَ نيّةً
ربحتُ ثوابَ الصومِ مع عدم الأكلِ

ابن عنين

طوّلت يا دولعيُّ فقصّرْ
فأنتَ في غيرِ ذا مُقصّرْ
خطابةٌ كلها خطوبٌ
وبعضها للورى مُنّفرْ
البغلُ والجاموس في جدليهما
قد أصبحا مثلاً لكلِّ مناظرِ
برزا عشيّة ليلةٍ فتناظرا
هذا بقرنيهِ وذا بالحافرِ

بديع الزمان الهمذاني

ويلي على كَفينِ من سَويق
أو شحمةٍ تُضربُ بالدقيقِ
تفتأ عنا سطواتِ الريقِ
يا جالبَ الرحمة بعد الضيقِ

أبو علي البصير

غناؤُكِ عندي يُميتُ الطرب
وضرُبكِ بالعودِ يُحي الكرب
ولم أرَ قبلكِ من قينةٍ
تغني فأحسبها تنتحبْ
ولا شاهدَ الناسُ إنسيّةً
سواكِ لها بدنٌ من خشبْ
ووجه رقيب على نفسهِ
ينفر عنه عيون الرِّيب

ابن هرمة

نكس لما أتيتُ سائلَهُ
واعتلَّ تنكيس ناظم الخرز

أبو الحسن علي بن يونس المنجم

وذي حرصٍ تراهُ يلمُّ وَفراً
لوارثه،ويدفع عن حِماه
ككلبِ الصيدِ يُمسك وهو طاوي
فريستهُ ليأكلها سواه

إسماعيل بن عمار

جارٌ لهُ باب ساج مغلقٌ أبداً
عليه من داخلٍ حُرّاسُ أحراسِ
عبدٌ وعبدٌ وبنتاهُ وخادمهُ
يدعونَ مثلهم ماليسَ من ناسِ
صفرُ الوجوهِ كأنَّ السّلَ خامرهم
وما بهم غير جهدِ الجوعِ من باسِ
لهُ بنونٌ كأطباءٍ مُعلقة
في بطنِ خنزيرٍ في دارِ كناسِ
إن نفتح الباب عنهم بعد عاشرة
تظنهم خرجوا من قعرِ أرماسِ

الحمدوي

عذلوني على الحماقةِ جهلاً
وهيَ من عقلهم ألذُّ وأحلى
لو رأوا ما لقيتُ من حرفةِ العقل
لطاروا إلى الحماقة رسلا
حُمقي اليومَ قائمٌ بعيالي
ويموتونَ إن تعاقلتُ ذلا

ابن العلاف

يا هر فارقتنا ولم تعد
وكنتَ منا بمنزلة الولد
وكيف ننفكُّ عن هواك
وقد كنت لنا عدّة من العدد
تمنعُ عنا الاذى وتحرسنا
بالغيبِ من حية ومن جرد
وتخرج الفأر من مكامنها
ما بين مفتوحها إلى السدد
يلقاك في البيت منهم عدد
وأنت تلقاهم بلا عدد

محمد بن موسى الحدادي البلخي

نال الحمارُ بالسقوطِ في الوحل
ما كانَ يهوى ونجا من العمل

أبو اسحق الصابي

يا منْ تَعمّمَ فوق رأسٍ فارغٍ
بعمامةٍ مَروية بيضاء
حسنت وقُبِحَ كلّ شىء تحتها
فكأنّها نورٌ على ظلماء
لما بدا فيها أطلت تعجبني
من شرِّ شىءٍ في أجلِّ إناء
لو أنني مُكنت مما أشتهي
وأرى من الشهواتِ والآراء
لجعلتُ موضعك الثرى وجعلتها
في رأس حرِّ من ذوي العلياء

الهلال الحموي

ليت شعري منْ لقلبي أمرضوا
هم إلى الآن غضابٌ أم رضوا
غرضي همُ أعرضوا أم أغرضوا
بالتجني أم على قتلي نووا
عني لووا،قلبي كووا،عزّاً حووا
وعلى العرش من الحسنِ استووا

زين الدين الحمصي

لحماً شووا،خبزاً طووا،بيضاً قلووا
وعلى السّمنِ القبوات استووا
أيها الإخوان للأكل انهضوا
وذروا الجوعَ وعنهُ أعرضوا
وعلى الخروفِ بالكفِّ اقبضوا
بأصابيع على الصحنِ هووا
يا صدرَ بَصما كم برزتُ أحاربه
والقطرُ طابت للنفوسِ مشاربه
ما من أرز واللحوم تصاحبه
إلا ومغناطيس قلبي جاذبه
بالكفّ والاسنان بالله
يا جوعان ،قم سغسغ الرغفان
فالجوع شَين
والطعام يناسبه

يحيى بن عبد العظيم الملقب بالجزار

لا تلمني يا مولاي في سوءِ فعلي
عندما قد رأيتني قصّابا
وكيفَ لا أرضى الجزارة ما ع
شتُ قديماً وأترك الأدابا
وبها صارت الكلاب ترجي
ني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ابن حزمون

تأملتُ في المرآة وجهي فخِلتهُ
كوجهِ عجوزٍ قد أشارتْ إلى اللهوِ
إذا شئتَ أن تهجو تأمّلْ خليقتي
فإنّ بها ما قد أردتَ من الهجوِّ
كأنَّ على الأزرارِ مني عَورةً
تُنادي الورى غُضوا ولا تنظروا نحوي
فلو كنتُ مما تُنبتُ الأرضُ لم أكنْ
من الرائقِ الباهي ولا الطيّبِ الحلوِ

حميد الأرقط

أواثبُ ضيفي حينَ يُقبلُ طارقاً
بسيفي ولا أرضى بما صنعَ الكلبُ
وأضربهُ حتى يقول قتلتني
على غيرِ جرمٍ قلتُ قلَّ لكَ الضربُ

أوس بن ثعلبة التيمي

صبرتُ على ليلى ثلاثينَ حجّةً
تُعذبني ليلى مراراً وتصخبُ
إذا قلتُ هذا يوم ترضى تنّمرتْ
وقالتْ فقيرٌ سىء الخُلقِ أشيبُ
فقلتُ لها قد يفقرُ المرءُ حقبة
ويصبرُ والأيامُ فيها التقلّبُ
فلما رأيتُ أنّها ليَ شانىءٌ
تنكبتها والحرُّ يحمى ويغضبُ
وطلقتها إني رأيتُ طلاقها
أعفُّ في الأرض العريضة مذهبُ

الشاعر القروي

قالوا حلقت الشاربين
ويا ضياع الشاربين
فأجبتهم بل بئس ذان
ولا رأت عيناي ذين
الشاغلين المزعجين
الطالعين النازلين
ويلي إذا ما أرهفا
ذنبيهما كالعقربين
إن ينزلا لجما فمي
أو يطلعا التطما بعينين
وإذا هما بُسِطَ الخوان
تراهما بسط اليدين
فإذا أردت الأكل يقتسمان
بينهما وبيني
وإذا أردت الشرب يمتص
ان كالاسفنجيين
فكأنني بهما وقد وقفا
ببابِ المنخرين
عبدان من أشقى العبيد
تقاضيا ملكاً بدينِ

معروف الرصافي

سوّدَ الله منك يا شيخ وجهاً
غشَّ حتى باللحيةِ السوداءِ
لو نتفنا من شعرها وغزلنا
لنسجنا خمسين ثوب رياء

أحمد صافي النجفي

أُكابدُ البردَ في سراجٍ
يكادُ من ضعفهِ يموتُ
في غرفةٍ ملؤها ثقوبٌ
أو قُلْ ملؤها بيوتُ
يسكنُ فيها بلا كراءٍ
فأرٌ وبقٌ وعنكبوتُ
للفأرِ في مأكلي غذاءٌ
والبقُّ جسمي لديهِ قوتُ
واعتزل العنكبوتُ أمري
وفي بقاهُ معي رضيتُ
كم صادَ في الصيفِ من بعوضٍ
قد كنتُ من لذعهِ خشيتُ
ينسجُ فوقَ الثقوبِ بيتاً
به من الشمسِ قد وُقيتُ

عبد الله النجار الوزير السوري السابق

ولقد ذكرتُكِ والحمارُ مُعاندي
فوقَ الحديدِ وقد أتى الوابور

خليل مردم بك

جَهمٌ كظلِّ الصخرِ من يرهُ يقُل
هو وجهُ ميت بالسخام مُحنطُ
فإذا تمعرَّ أو تكشرَّ ضاحكاً
أحفى شواربه ولحيته معاً
ومشى العَرضنة حاسراً عن رأسه
ويشيرُ إذ يبدى بعشر أصابعٍ

فكأنّهُ من وجههِ يتغوّطُ
أرأيتَ رأسَ التيس ساعة يُسمطُ
فكانهُ إذ ذاكَ قردٌ أشمطُ
ويدورُ مثل أبي الرياح وبلعطُ
وإذا تنحنحَ في الكلامِ حسبتهُ
وكلامهُ متقطع بسعاله
فكأنهُ بضجيجهِ وعجيجهِ

ثوراً يخورُعلى العليقِ وينحطُ
كالعيرِ يبهر في النهيقِ فيغططُ
ذو جنّةٍ بقيودهِ يتخبطُ

جمال الدين المصري

تزوجَ الشيخُ أبي شيخةً
ليسَ لها عقلٌ ولا ذهنُ
لو برزت صورتها في الدجى
ما جسرتْ تبصرها الجنُّ
كأنّها في فرشها رَمّةً
وشعرها من حولها قطنُ
وقائلٍ قال فما سِنّها
فقلتُ ما في فمها سنُّ

حسن جبينة الدسوقي

إن ترغبوا يا قومُ في السيران
فجمعوا دراهم الإخوان
وبعدُ سيروا بالسرورِ والهنا
وأرسلوا أكلاً لنا يُشبعنا
وهيئوا هذا الذي ذكرتهُ
ونوع حلوى ليس يخفى نعتهُ
واصطحبوا صوتاً جميلاً حسناً
ومن يكونُ مطرباً يُضحكنا
وأبعدوا عنا عذولاً يرقبُ
وإن تشاؤوا في الرياضِ فالعبوا
وانتخبوا لنا مكاناً معتبر
وأجلسونا حول زهرٍ ونهر
لنجتلي ثلاثة تجلو الحَزن
الماءُ والخضرةُ والشكل الحسن

نعمة قازان

لقد أهديتُ توفيقاً حذاءً
فقال الحاسدون وما عليه
اما قال الفتى العربي يوماً
شبيهُ الشىء مُنجذبٌ إليه
فردّ عليه:

لو كان يُهدى إلى الإنسانِ قيمته
لكنت أستأهلُ الدنيا وما فيها
لكن تقبلتُ هذا النعل معتقداً
أن الهدايا على مقدارِ مُهديها

فضالة بن شريك

إذا جئتهُ تبغي القِرى باتَ نائماً
بطيناً وأمسى ضيفهُ غيرُنائمِ
أناسٌ إذا ما الضيفُ حلَّ بيوتهم
غدا جائعاً عيمانَ ليسَ بغانمِ

حران العود

يقولونَ في البيتِ لي نعجةٌ
وفي البيتِ لو يعلمون النّمرْ
أحبّي لي الخيرَ أو ابغضي
كلانا بصاحبهِ ينتظرْ

ابن دريد الأزدي

لو أنزل الوحيُ على نفطويه
لكانَ هذا الوحيُ سُخطاً عليه
وشاعرٌ يُدعى بنصف اسمه
مستأهلٌ للصفعِ في أخدعيه
أفٍ على النحو وأربابهِ
قد صار من أربابه نفطويه
أحرقهُ الله بنصف اسمه
وصيّرَ الباقي صُراخاً عليه

حماد بن جعفر

حديثُ أبي الصّلتِ ذو خبرةٍ
بما يُصلحُ المعدة الفاسده
تَخوّفَ تُخمةَ إخوانهِ
فعوّدهم أكلةً واحده

الضحاك بن قيس الشيباني

تزوجتُ أبغي قُرّة العين أربعاً
فياليتني والله لم أتزوجِ
فواحدةٌ لا تعرفُ الله ربّها
ولم تدرِ ما التقوى ولا ما التحرّجِ
وثانيةٌ حمقاء تزني مخافةً
تُواثبُ من مرّتْ به لا تُعَرِّجُ
وثالثةٌ ما إن توارى بثوبها
مُذكرّةٌ مشهورةٌ بالتبرّجِ
ورابعةٌ ورهاءُ في كلِّ أمرها
مُفَرّكةٌ هوجاءُ من نسلِ أهوجِ
فهُنَّ طلاقٌ كلّهنَّ بوائنٌ
ثلاثاً ثباتاً فاشهدوا لا ألجلج

أبو الشمقمق

إنّ رياحَ اللؤمِ من شحهِ
لا يطمعُ الخنزيرُ في سَلحهِ
كفاهُ قفلٌ ضلَّ مفتاحهُ
قد يئسَ الحدادُ من فتحهِ
برزتُ من المنازلِ والقبابِ
فلم يعثر على أحد حجابي
فمنزليَ الفضاءُ وسقفُ بيتي
سماءُ الله أو قطعُ السحابِ
فأنتَ إذا أردتَ دخلتَ بيتي
عليَّ مُسلّماً من غيرِ بابِ
لاني لم أجد مصراعَ بابٍ
يكونُ من السحابِ إلى الترابِ
ولا انشقّ الثرى عن عودِ تختٍ
أُؤمل أن أشدّ به ثيابي
ولا خفتُ الإباقَ على عبيدي
ولا خفتُ الهلاكَ على دوابي
ولا حاسبتُ يوماً قهرماناً
مُحاسبةَ فأغلظُ في حسابي
وفي ذا راحةٌ وفراغُ بالٍ
فدأبُ الدهرِ ذا أبداً ودأبي
لي بُييتٌ من النضارة قفرٌ
ليسَ فيهِ إلا النوى والنُخالة
فارقتهُ الجرذان من قلّة الخير
وطارَ الذبابُ نحو زبالة
وأقامَ السنّورُ فيهِ بِشرٍ
يسأل الله ذا العلا والجلالة
أن يرى فأرةً فلم يرَ شيئاً
ناكساً رأسه لطول الملالة
ثم ولّى كأنه شيخُ سوءٍ
أخرجوهُ من مَحبسٍ بكفالة
ما جمعَ الناسُ لدنياهم
أنفعَ في البيتِ من الخبزِ
وقد دنا الفِطرُ وصبياننا
ليسوا بذي تمرٍ ولا أرزِ
كانت لهم عنزٌ فأودى بها
وأجدبوا من لبنِ العنزِ
فلو رأوا خبزاً على شاهقٍ
لأسرعوا للخبزِ بالقفزِ
ولهُ لحيةُ تيسٍ
ولهُ منقارُ نَسرْ
ولهُ نكهةُ ليثٍ
خالطت نكهتهُ صَقرْ
هيهات تضربُ في حديدٍ باردٍ
إن كنتَ تطمعُ في نوالِ سعيدِ
والله لو ملكَ البحارَ بأسرها
وأتاهُ سُلمٌ في زمانِ مدودِ
يبغيه منها شَربة لطهورهِ
لأبى وقال تيممنَ بصعيدِ

حميد بن مالك الارقط

أتى يخبطُ الظلماءَ والليلُ دامسٌ
يُسائلُ عن غير الذي هوَ آملُ
فقلتُ لها قومي إليهِ فيسري
طعاماً فإنّ الضيفَ لا بدّ نازلُ
يقولُ وقد ألقى مراسيهِ للقِرى
أبنْ ليَ ما الحجاجُ بالناسِ فاعلُ
فقلتُ لعمري مالهذا طرقتنا
فكُلْ ودعِ الحجاجَ ما أنتَ آكلُ
فما زالَ عنهُ اللقم حتى كأنّهُ
من العِيِّ لما أن تكلمَ باقلُ

ابن دانيال الكحال

أصبحتُ أفقرَ من يروحُ ويغتدي
ما في يدي من فاقةٍ إلا يدي
في منزلٍ لم يحوِ غيري قاعداً
فإذا رقدتُ رقدت غيرَ ممدّدِ
لم يبقَ فيه سوى رسوم حصيرةٍ
ومِخدّةٍ كانت لأم المهتدي
ملقى على طَرحة في حشوها
وترى البعوضَ يطيرُ وهو بريشةٍ

قملٌ كمثل السمسم المتبدِّدِ
فإذا تمكنَ فوقَ عِرقٍ يفصدِ
والفأرُ يركض كالخيولِ تسابقت
وترى الخنافسَ كالزنوجِ تصفّعتْ

من كلِّ جرداء الأديم وأجردِ
من كلِّ سوداءِ الاديمِ وأسودِ
هذا ولي ثوبٌ تراهُ مرقعاً
ولكيفَ أرضى بالحياةِ وهمتي

من كلِّ لون مثل لونِ الهدهد
تسمو وحظّي في الحضيضِ الأوهدِ

اسحق بن خلف

ما سرّني أنني في طولِ داوودِ
وأنني علمٌ في البأسِ والجودِ
ماشيتُ داوودَ فاستضحكتُ من عَجبٍ
كأنني والدٌ يمشي بمولودِ
ما طولُ داوودَ إلا طولُ لحيتهِ
يظلُّ داوود فيها غيرَ موجودِ
لكنّهُ خصلةٌ منها إذا نفختْ
ريحُ الشتاءِ وجفَّ الماءُ في العودِ

أرطأة بن سهية

لقد رأيتُكَ عُرياناً ومؤتزرا
فما دريتُ أأنثى كنتَ أم ذكرا

الحزين الكناني

كأنما خلقت كفاهُ من حجر
فليسَ بين يديه والندى عمل
يرى التيمّمَ في برٍّ وفي بحرٍ
مخافة أن يرى في كفّهِ بللُ

مسكويه

أيا ذا الفضائل واللام حاءُ
وياذا المكارم والميم هاء
ويا أنجب الناس والباء سينٌ
ويا ذا الصيانة والصاد خاء
ويا أكتب الناس والتاء ذالٌ
ويا أعلمَ الناسِ والعينُ ظاء
تجود على الكلِّ والدال راء
فأنتَ السخيُّ ويتلوه فاء

ابن المجاور

صديق قال لي لما رآني
وقد صلّيت زهداً ثم صُمت:
على يدِ أيّ شيخٍ تبت؟قل لي
فقلت: على يدِ الإفلاسِ تبت

ابن الحجاج الكاتب

يا رائحاً في دارهِ غاديا
بغيرِ معنىً وبلا فائدة
قد جُنَّ أضيافُكَ من جوعهم
فاقرأ عليهم سورة المائدة

مزاحم العقيلي

أتاني بظهرِ الغيبِ أن قد تزوجتْ
فظلّتْ بيَ الأرضُ الفضاء تدورُ
وقد زايلتْ لُبّي ـ وقد كان حاضراً ـ
وكاد جناني عند ذاك يطيرُ
فقلتُ وقد أيقنتُ أن ليسَ بيننا
تلاقٍ وعيني بالدموعِ تمورُ:
أيا سُرعة الأحبابِ حين تزوجتْ
فهل يأتيني بالطلاقِ بشيرُ

أبو الحسين يحيى الجزار

سقى الله أكناف الكنافة بالقطر
وجادَ عليها سكراً دائم الدّر
وتباً لأيامِ المخلل إنها
تمرُّ بلا نفع وتُحسب من عمري

أبو العباس الأعمى

ألا من يشتري جاراً نؤوماً
بجارٍ لا ينامُ ولا يُنيمُ
ويلبسُ بالنهارِ ثيابَ ناسٍ
وشطرَ الليلِ شيطانٌ رجيمُ

عبد الله بن أوفى الخزاعي

فإن تشربْ الزقّ لا يَروِها
وإن تأكلِ الشاةَ لا تشبعِ
وليستْ بتاركةٍ مُحرّماً
ولو حُفَّ بالأسلِ الشُّرَعِ

ابن منير الطرابلسي

وصاحبٍ لا أملُّ الدهرَ صُحبتهُ
يشقى لنفعي وأجني ضرّهُ بيدي
أدنى إلى القلبِ من سمعي ومن بصري
ومن تلادي ومن مالي ومن ولدي
أخلو ببثي من خالٍ بوجنته
مدادهُ زايدُ التقصيرِ للمددِ
لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا
(يتكلم عن الضرس)

لناظريَّ افترقنا فرقةَ الأبد

اسماعيل بن إبراهيم الحمدوني

يا بنَ حربٍ كسوتني طيلسانا
ملَّ من صحبةِ الزمانِ وصدّا
إن تنفّستُ فيه ينشقُّ شقاً
أو تنحنحتُ فيه ينقدُّ قدّا
طال تردادهُ إلى الرّفو حتى
(طيلسان:ثوب)

لو بعثناهُ وحده لتهدّى

إبراهيم بن نصر الشافعي

متى سمع الناسُ في دينهم
بأنّ الغنا سنّةٌ تُتبعْ
وأن يأكلَ المرءُ أكلَ البعيرِ
ويرقص في الجمعِ حتى يقع
وقالوا:سكرنا بِحُبِّ الإله
وما أسكرَ القوم إلا القِصع
كذاكَ الحميرُ إذا أخصبت
يُهيّجها رِيّها والشبع

أحدهم

ولو عليكَ اتكالي في الغِداءِ إذاً
لكنتُ أولَ مدفونٍ من الجوعِ
وتراهم خشيّةَ الأضيافِ خُرساً
يُصلون الصلاةَ بلا أذان
ويكَ أبا طلحة ما تستحي
بلغتَ سبعين ولم تلتحي
وإنّي لأجفو الضيفَ من غيرِ عُسرةٍ
مخافةَ أن يضرى بنا فيعودُ
حيوا الحكيمَ ولا تنسوا قرينته
فهو سليمان والمدام بلقيس
لهُ غلامٌ أطالَ الله مدّتهُ
تنازع العرب فيه والفرنسيس
لا تعذلوه إذا ما خانَ أمته
فنصفهُ صالح والنصف موريس
إذا ما ماتَ ميتٌ من تميم
فَسرّكَ أن يعيش فجىء بزادِ
بخبزٍ أو بسمنٍ أو بتمر
أو الشىءُ المُلفّفِ في البجادِ
تراهُ يطوفُ في الآفاقِ حرصاً
ليأكل رأسَ لقمان بن عادِ
تزوجتُ اثنتينِ لفرطِ جهلي
بما يشقى بهِ زوجُ اثنتين
فقلتُ أصيرُ بينهما خروفاً
أنعمُ بين أكرمِ نعجتين
فصرتُ كنعجةٍ تُضحي وتُمسي
تداولُ بينَ أخبثِ ذئبتين
ولقد مدحتُكَ كي أجيدَ قريحتي
وعرفتُ أنّ المدحَ فيكَ مُضيَعُ
فلما تبدّى للقوابلِ وجههُ
نكصنَ على أعقابهن من الندمِ
وقُلنَ وأخفينَ الكلامَ تستراً
ألا ليتنا كنا تركناهُ في الرّحمِ
وإن أتوكَ وقالوا إنها نصف
فإن أحسنَ نصفيها الذي ذهب
عجوزٌ تُرَجّي أن تكونَ فتيةً
وقد لُحِبَ الجنبانِ واحدودبَ الظهرُ
تدسُ إلى العطارِ سِلعةَ أهلها
وهل يُصلحُ العطار ما أفسدَ الدهرُ
تسائلني عن نفسها هل أحبّها
فقلت لها:لا والذي أمرهُ الأمرُ
وما غرّني إلا خضابٌ بكفّها
وكُحلٌ بعينها وأثوابُها الصفرُ
وجاؤوا بها قبل المِحاقِ بليلةٍ
فكان مِحاقاً كلّهُ ذلك الشهر
لو أنَّ خِفةَ عقلهِ في رجلهِ
سبقَ الغزالَ ولم يُفتهُ الأرنبُ
ولقد قتلتك بالهجاءِ فلم تمتْ
إنّ الكلابَ طويلةُ الأعمار
وجيرةٍ لاترى في الناسِ مثلهم
إذا يكونُ لهم عيدٌ وإفطارُ
إن يوقدوا يوسعونا من دُخانهمُ
وليسَ يبلغنا ما تُنضجُ النارُ
لها جسمُ بُرغوثٍ وساقا بعوضة
ووجهٌ كوجهِ القردِ بل هو أقبحُ
وتبرُقُ عيناها إذا ما رأيتها
وتعبِسُ في وجهِ الضجيعِ وتكلَحُ
وتفتحُ ـ لا كانت ـ فماً لو رأيته
توهمتهُ باباً من النارِ يُفتحُ
فما ضحكت في الناسِ إلا ظننتها
أمامهم كلباً يَهرُّ وينبحُ
إذا علينَ الشيطانُ صورةَ وجهها
تعوّذَ منها حينَ يُمسي ويُصبحُ
وقد أعجبتها نفسُها فتملحت
بآيّ جمال ليت شعري تَملحُ
أتيتُ المُساورَ في حاجةٍ
فما زالَ يسعلُ حتى ضَرطْ
وحكَّ قفاهُ بكرسوعهِ
ومسّحَ عثنونهُ وامتخط
فأمسكتُ عن حاجتي خيفةً
لأخرى تُقطَعُ شرجَ السَّقط
فأقسم لو عدتُ في حاجتي
للطخَ بالسّلحِ وشىَ النمط
وقالَ غلطنا حسابَ الخراج
فقلتُ من الضرطِ جاء الغلط
خبروها بأنني قد تزوج
تُ فظلتْ تكاتمُ الغيظَ سراً
ثم قالت لأختها ولأخرى
جزعاً:ليتهُ تزوجَ عشرا!
وأشارتْ إلى نساءٍ لديها
لا ترى دونهنَّ للسرِّ سترا
ما لقلبي كأنّهُ ليسَ مني
وعظامي كأنَّ فيهنَّ فترا
من حديثٍ نما إليَّ فظيعٌ
خِلتُ في القلبِ من تلظيهِ جمرا
إخواننا طلبوا الصبوح بسحرة
بعثوا رسولهم إليَّ خصيصا
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه
قلت اطبخوا لي جبّةً وقميصا
يجوعُ ضيفُ أبي نو
حٍ بُكرةً وعشيّة
أجاعَ بطني حتى
وجدتُ طعمَ المنيّه
وجاءني برغيفٍ
قد أدركَ الجاهليه
فقمتُ بالفأسِ كيما
أدقُّ منه شظيه
فَثلمَ الفأسَ وانصا
عَ مثلَ سهمِ الرّميه
فشجَّ رأسي ثلاثاً
ودقَّ مني ثنيّه
فما الفيلُ تحملهُ ميتاً
بأثقلَ من بعضِ جُلاسنا
أيا من أذاقَ النفوسَ الغصص
رفعنا إلى الله فيك القصص
فوقع فيها ألا فاصبروا
فما زاد مازاد إلا نقص
قالت وقد شاهدت بِلمّته
صِبغاً وسجادة بجبهته
هذا الذي كنت قبل أعرفه
يكذب في وجهه ولحيته
شيخ كبير لهُ ذنوب
تعجز عن حملها المطايا
قد بيضّت شعرهُ الليالي
وسوّدت وجهه الخطايا
رأى”الصيف” مكتوباً على بابِ داره
فصحّفهُ “ضيفاً” فقام إلى السيفِ
فقلنا له”خيراً” فظنَّ بأننا
نقول له”خبزاً” فماتَ من الخوفِ
نوالُكَ دونهُ خرطُ القتادِ
وخبزُك كالثريا في البعادِ
ولو أبصرت ضيفاً في منامٍ
لحرّمت الرقاد على العبادِ
تغيّرَ إذ دخلتُ عليه حتى
فطنتُ فقلتُ في عرض المقالِ
عليَّ اليوم نذرٌ من صيامٍ
فأشرقَ وجهه مثل الهلال
لحمصَ أم لحماة اليوم تنتسبُ
هنا العمى وهناكَ المعشرُ الجدبُ
وفي دمشق علاكاتٌ مصدّيةٌ
وللتناحةِ دارٌ اسمها حلبُ
جئتُ إلى بابِ صديقٍ لنا
وبابهُ من دونهِ مُقفلُ
وحول ذاك البابِ غلمانه
قد أحدقوا بالبابِ واستكملوا
فقلتُ: ما يفعلُ مولاكم؟
قالوا:سمعنا أنه يأكلُ
قلتُ:وهل يفتحُ مولاكم؟
قالوا:نعم رأس الذي يدخلُ
إن شئت أن تبصر أعجوبةً
من جَورِ أحكامِ أبي السائب
فاعمِدْ من الليلِ إلى صُرّةٍ
وقرر الأمرَ مع الحاجب
حتى ترى مروان يقضي له
على علي بن أبي طالب
يُحصّنُ زادهُ عن كلِّ ضرسٍ
ويُعملُ ضرسهُ في كل زاد
ليتني كنتُ ساعةً مَلكَ المو
ت فأفني الثقالَ حتى يبيدوا
ولو أني وأنتَ في جنةِ الخ
لدِ لقلتُ الخروج منها أريدُ
لدخول الجحيم أهون من
جنة خلدٍ أراكَ فيها ترودُ
أوصيتُ من بَرَّة قلباً حراً
بالكلبِ خيراً والحماة شراً
لا تسأمي ضرباً لها وجرّاً
حتى يروا حلوَ الحياةِ مرا
سُبي الحماةَ وابهتي عليها
وإن رنت فازدلفي إليها
وأوجعي بالفِهرِ ركبيها
ومرفقيها واضربي جنبيها
لا تخبري الدهر بذاك لبنيها

أهدتْ إليهِ سفرجلا فتطيرَّ
منهُ وظلّ متيماً مستعبرا
خاف الفراق لأن أول اسمه
سفر فحقّ له بأن يتطيرا
لا يحبُّ الشقائقا
كلّ من كان عاشقا
إن نصف اسمه شقا
ء إذا فهت ناطقا
أهدى لهُ أحبابهُ أترجة
فبكى وأشفقَ من عيافة زاجر
خاف التلون إذ أتتهُ لأنها
لونان باطنها خلاف الظاهر
أهدت إليه بنفسجاً يسليه
تُنبيه أن بنفسها تفديه

الغربة والحنين إلى الوطن ـ الجزء الثاني ـ

الغربة والحنين إلى الوطن

الجزء الثاني

المتنبي

ذِكرُ الصّبا ومراتعُ الآرامِ
جلبتْ حِمامي قبل وقتِ حمامي
دِمنٌ تكاثرتِ الهمومُ عليَّ في
عرصاتها كتكاثرِ اللّوامِ
ذَرِ النفسَ تأخذ وُسعها قبل بينها
فمفترق جارانِ دارهما العمرُ
بأبي مَنْ ودِدتهُ فافترقنا
وقضى الله بعدَ ذاك اجتماعا
فافترقنا حولاً،فلما اجتمعنا
كانَ تسليمهُ عليَّ الوداعا
لك يا منازلُ في القلوبِ منازلُ
يعلمنَ ذاكِ،وما علمتِ،وإنّما

أقفرتِ أنت وهنَّ منك أواهلُ
أولاكما يبكي عليهِ العاقلُ
كلّ يومٍ لكَ احتمالٌ جديد
ومسيرٌ للمجدِ فيهِ مُقام
تذكرتُ مابينَ العُذيبِ وبارق
مجرّ عوالينا ومجرى السوابق
شرُّ البلادِ بلادٌ لا صديقَ بها
وشرُّ ما يكسبُ الإنسانُ ما يَصِمٌ
يامنْ يَعِزُّ علينا أن نفارقهم
وجدانُنا كلَّ شىء بعدكم عَدمُ
أرى النّوى يقتضيني كلَّ مرحلةٍ
لا يستقلُّ بها الوخادةُ الرُسمُ
إذا ترّحلتَ عن قومٍ وقد قدروا
أن لا تُفارقهم فالراحلونَ هُمُ
أجابَ دمعي وما الداعي سوى طلل
دعا فلبّاهُ قبل الركبِ الإبلُ
ظللتُ بينَ أصيحابي أكفكفه
وظلّ يسفحُ بينَ العذر والعذلُ
أشكو النوى ولهم من عبرتي عجب
كذاك كانت وما أشكو سوى الكللُ
وما صبابةُ مشتاقٍ على أمل
من اللقاءِ كَمُشتاقٍ بلا أملُ
قد ذُقتُ شدّة أيامي ولذّتها
فما حصلتُ على صابٍ ولا عسلُ
ألِفتُ تَرحلُّي وجعلتُ أرضي
فتودي والعزيريّ الجُلالا
فما حاولتُ في أرضٍ مُقاما
ولا أزمعتُ عن أرضٍ زوالا
على قلقٍ كأنَّ الريحَ تحتي
أُوجهها جَنوباً أو شمالا
بأيَّ بلادٍ لم أجُرَّ ذؤابتي
وأيُّ مكانٍ لم تطأهُ ركائبي
والعيشُ غضٌّ والحواسدُ نُوّمٌ
عنا وعينُ البينِ قد كُحلت عمى
بقائي شاءَ ليسَ هُمُ ارتحالا
وحُسنَ الصبرِ زَمُوا لا الجمالا
تولّوا بغتةً فكأنَّ بيناً
تهيّبني ففاجأني اغتيالا
فكانَ مسيرُ عيسهم ذَميلاً
وسيرُ الدمعِ لإثرهمُ انهمالا
كأنَّ العيسَ كانت فوقَ جفني
مُناخاةٍ فلما ثُرنَ سالا
وحجّبتِ النوى الظبياتِ عنّي
فساعدتِ البراقعَ والحجالا
في الخدِّ أن عزمَ الخليطُ رحيلاً
مطرٌ تزيدُ بهِ الخدودُ مُحولا
يا نظرةً نفتِ الرّقادَ وغادرتْ
في حَدِّ قلبي ما حييتُ فُلولا
أحيا وأيسرُ ما قاسيتُ ما قتلا
والبَينُ جارَ على ضعفي وما عدلا
والوجدُ يقوى كما تقوى النّوى أبداً
والصبرُ ينحلُ في جسمي كما نحلا
لولا مفارقةُ الأحبابِ ما وجدتْ
لها المنايا إلى أرواحنا سُبلا
فيا شوق ما أبقى ويالي من النّوى
ويادمع ما أجرى ويا قلبِ وما أصبى
لقد لعبَ البينُ المُشتُّ بها وبي
وزوّدني في السير ما زوّدَ الصّبا
ومن لي بيومٍ مثلِ يومٍ كرهتُهُ
قَرُبتُ به عند الوداعِ من البُعدِ
وألا يخصَّ الفقدُ شيئاً فإنني
فقدتُ فلم أفقد دموعي ولا وجدي
تَمَنٍ يلذُّ المُستهامُ بذكرهِ
وإن كانَ لا يُغني فتيلاً ولا يُجدي
وغيظٌ على الأيام كالنارِ في الحشا
فإمّا تريني لا أقيمُ ببلدةٍ

ولكنهُ غيظُ الاسيرِ على القِدِّ
فآفةُ غمدي في دُلوقيَ من حدّي
فديناكَ من ربعٍ وإن زدتنا كرباً
فإنّكَ كنتَ الشّرقَ للشمسِ والغربا
وكيفَ عرفنا رسمَ من لم يدع لنا
فؤاداً لعرفانِ الرسومِ ولا لُبّا
نذمُ السحابَ الغُرَّ في فعلها به
ونعرضُ عنها كلّما طلعت عتبا
لمّا تقطّعتِ الحمولُ تقطّعتْ
نفسي أسىً وكأنهنَّ طُلوحُ
وجلا الوداعُ من الحبيبِ محاسناً
حسنُ العزاءِ وقد جُلينَ قبيحُ
فيدٌ مُسلّمةٌ وطرفٌ شاخصٌ
وحشىً يذوبُ ومدمعٌ مسفوحُ
قِفا قليلاً بها عليَّ فلا
أقلّ من نظرة أزودها
ففي فؤادِ المُحبِّ نارُ جوىً
أحرُّ نار الجحيمِ أبردها
سهرتُ بعد رحيلي وحشة لكم
ثمّ استمرَ مريري وارعوى الوسن
وإن بُليت بودّ مثل ودّكم
فإنني بفراقِ مثله قمن
لو كُنَّ يومَ جرينَ كُنَّ كصبرنا
عند الرحيلِ لكُنَّ غيرَ سجامِ
لم يتركوا لي صاحباً إلا الأسى
وذَميلَ دعبلةٍ كفحلِ نعامِ
غنيٌّ عن الأوطانِ لا يستفزني
إلى بلدٍ سافرتُ عنهُ إيابُ
وكيفَ التذاذي بالأصائلِ والضحى
إذا لم يعدْ ذاكَ النسيمُ الذي هبّا
ذكرتُ بهِ وصلاً كأن لم أفز بهِ
وعيشاً كأنّي كنتُ أقطعهُ وثبا
وتوّقدت أنفاسُنا حتى لقد
أشفقت تحترقُ العواذلُ بيننا
أفدي المُودّعةَ التي أتبعتُها
نظراً فُرادى بينَ زفراتٍ ثُنا
طالَ غشيانكَ الكرائهَ حتى
قال فيكَ الذي أقولُ الحسامُ
وكفتكَ الصفائحُ الناسَ حتى
قد كفتك الصفائحَ الأقلامُ
وكفتكَ التجاربُ الفكرَ حتى
قد كفاكَ التجاربَ الإلهامُ
فارسٌ يشتري برازكَ للفخرِ
بقتلِ مُعجّلٍ لا يُلامُ
فواحسرتا ما أمرَّ الفراقَ
وأعلقَ نيرانَهُ بالكبودِ
حاشى الرقيب فخانتهُ ضمائره
وغيض الدمع فانهلّت بوادره
وكاتم الحبّ يومَ البينِ منهتك
وصاحبُ الدمعِ لا تخفى سرائره
فارقتكم فإذا ما كانَ عندكم
قبلَ الفراقِ أذى بعد الفراق يد
إذا تذكرت مابيني وبينكم
أعانَ قلبي على الشّوقِ الذي أجد
أحِنُّ إلى أهلي وأهوى لقاءَهم
وأينَ من المُشتاقِ عنقاء مغرب؟
بمَ التعلّلُ؟ لا أهلٌ ولا وطنٌ
ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سَكنُ
في سعة الخافقين مضطربٌ
وفي بلادٍ عن أختها بدلُ
وكم ذنبٍ مولده دلال
وكم بعد مولده اقترابُ
يُضاحكُ في ذا العيدِ كلّ حبيبه
حذائي،وأبكي من أحبّ وأندبُ
أحنُّ إلى أهلي وأهوى لقاءَهم
وأينَ من المشتاقِ عنقاء مغرب
وكلُّ امرىء يُولي الجميلَ مُحبّبٌ
وكلُّ مكانٍ يُنبتُ العزَّ طيبُ
إذا التوديعُ أعرضَ قال قلبي
عليكَ الصمت لا صاحبتَ فاك
ولولا أن أكثر ما تمنى
معاودةٌ لقلت:ولا مناك

أبو تمام
أآلفةَ النحيبِ كم افتراقٍ
ألمَّ فكانَ داعيةَ اجتماعِ
وليستْ فرحةُ الأوباتِ إلا
لموقوفٍ على تَرحِ الوداعِ
قالوا:أتبكي على رسمٍ ؟فقلت لهم:
من فاتهُ العينُ أدنى شوقهُ الأثرُ
لم يبقَ للصيفِ لا رسمٌ ولا طللُ
ولا مشيبٌ فيستكسى ولا سملُ
عدلٌ من الدمعِ أن يبكي المصيف
كما يبكي الشّباب ويبكي اللهو والغزلُ
أزعمتَ أنَّ الرّبعَ ليسَ يُتيّمُ
والدمعُ في دِمنٍ عَفتْ لا يَسجمُ
يا موسم اللذاتِ غالتك النوى
بعدي فربُعكَ للصبابةِ موسمُ
ولقد أراكَ من الكواعبِ كاسياً
فاليومَ أنت من الكزاعبِ مُحرِمُ
لحظت بشاشتُكَ الحوادثُ لحظة
مازلتُ أحلمُ أنها لا تسلمُ
البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ
والبينُ أثكلني وإن لم أثكلِ
ما حسرتي أن كدت أقضي إنّما
حسراتُ قلبي أنني لم أفعلِ
يا سَهمُ كيفَ يُفيقُ من سكرِ الهوى
حرّانُ يُصبحُ بالفراقِ ويُغبَقُ
مازالَ مُشتملَ الفؤادِ على أسىٍ
والبَينُ مُشتملٌ على من يعشقُ
حكمتْ لأنفسها الليالي أنّها
أبداً تُفرقنا ولا تتفرّقُ
ودِّعْ فؤادكَ توديعَ الفراقِ فما
أراهُ من سفر التوديعِ مُنصرفا
نأوا فظلّتْ لوِشكِ البينِ مقلتهُ
تندى نجيعاً ويندى جسمهُ سَقما
أظلّهُ البينُ حتى أنّهُ رجلٌ
لو مات من شُغلهِ بالبينِ ما علما
فكادَ شوقي يتلو الدمع منسجماً
إن كانَ في الا{ضِ شوقٌ فاضَ فانسجما
وما القَفرُ بالبيدِ الفضاء،بل التي
نبتْ بي وفيها ساكنوها هي القفرُ
كذلكَ لا يُلقي المسافرُ رَحْلهُ
إلى منقل حتى يُخلِّف منقلا
ولا صاحبُ التطوافِ يعمرُ منهلاً
ورَبعا إذا لم يُخلِ ربعاً ومنهلا
ومن ذا يداني أو ينائي؟وهل فتى
يحلُّ عُرى الترحالِ أو يترحلا؟
سقى عهدَ الحمى سَبَلُ العِهادِ
ورُوّي حاضر منهُ وبادِ
نزحت بهِ رَكيَّ الدمعِ لما
رأيتُ الدمعَ من خيرِ العتادِ
قالوا الرحيل! فما شككتُ بأنّها
نفسي عن الدنيا تريدُ رحيلا
الصبرُ أجملُ غيرَ أنَّ تلدُّداً
في الحبِّ أحرى أن يكون جميلا
كانتْ لنا ملعباً نلهو بزخرفهِ
وقد ينفسُ عن جدِّ الفتى اللعبُ
لأوّدعنكَ ثمَّ تدمعُ مقلتي
إنّ الدموعَ هي الوداعُ الثاني
لا والذي هو عالِمٌ أنّ النّوى
صبرٌ وأنّ أبا الحسين كريمُ
مازلتُ عن سَننِ الودادِ ولا عدتْ
نفسي على إلفٍ سواكِ تحومُ
ما اليومُ أوّلُ توديعي ولا الثاني
وما أظنُّ النوى ترضى بما صنعت

البينُ أكثرَ من شوقي وأحزاني
حتى تشافه بي أقصى خراسان
نسائلُها أيَّ المواطنِ حَلّتِ
وأيِّ ديارٍ أوطنتها وأيتِ
وماذا عليها لو أشارت فودّعتْ
إلينا بأطرافِ البنانِ وأومتِ
وما كانَ إلا أن تولّتْ بها النّوى
فولّى عزاءُ القلبِ لمّا تولّتِ
فأمّا عيونُ العاشقينَ فأسخنت
ولما دعاني البينُ ولّيت إذ دعا
فلم أرَ مثلي كان أوفى بعهدها
مشوقٌ رمتهُ أسهمُ البينِ فانثنى
لئن ظمئت أجفانُ عينٍ إلى البكا
عليها سلامُ الله آنّى استقلّتِ

وأمّا عيونُ الشامتينَ فَقرّتِ
ولمّا دعاها طاوعتهُ ولبّتِ
ولا مثلها لم ترعَ عهدي وذمّتي
صريعاً لها لما رمتهُ فأصمتِ
لقد شربت عيني دماً فتروّتِ
وآنّى استقرّت دارها واطمأنتِ
على أنّ الغريبَ إذا استمرّت
بهِ مَرُ النّوى آسى الغريب
عذلتْ غروبُ دموعهِ عذالهُ
بسواكبٍ فَندَّنَ كلَّ مُفَندِ
أتت النوى دونَ الهوى فأتى الأسى
دونَ الأسى بحرارةٍ لم تبرُدِ
جارى إليهِ البينُ وصلَ خريدةٍ
ماشت إليه المَطلَ مشيَ الأكبدِ
عبثَ الفراقُ بدمعهِ وبقلبهِ
عبثاً يروحُ الجدُّ فيهِ ويغتدي
يا يومَ شردَ يومَ لهوي لهوهُ
بصبابتي وأذلَّ عزَّ تجلّدي
ليالينا بالرقتينِ وأهلها
سقى العهدَ منكِ العهدُ والعهدُ والعهدُ
غدت تستجيرُ الدّمعَ خوفَ نوى غدِ
وعادَ قتاداً عندها كلَّ مَرقدِ
وأنقذها من غمرةِ الموتِ أنّهُ
صدودُ فراقٍ لا صدودُ تعمّدِ
فأجرى لها الإشفاقُ دمعاً مُورداً
من الدّمِ فوقَ خدٍّ موردِ
صريعُ هوى تُعاديهِ الهمومُ
بنيسابورَ ليسَ لهُ حميمُ
غريبٌ ليسَ يؤنسهُ قريبٌ
ولا يأوي لِغربتهِ رحيمُ
مقيمٌ في الديارِ نوى شطونٌ
يُشافههُ بها كمدٌ مقيمُ
يمدُّ زمامهُ طمعٌ مقيمٌ
تدّرعَ ثوبهُ رجلٌ عديمُ
ولو تراهمْ وإيانا وموقفُنا
في مأتمِ البينِ لاستهلالنا زجل
من حُرقة أطلقتها فرقةٌ أسرت
قلباً ومن غزلٍ في نحرهِ عذلُ
وقد طوى الشّوقَ في أحشائنا بقرٌ
عينٌ طوتهنَّ في أحشائها الكِللُ
فرغن للسحر حتى ظلَّ كلُّ شجٍ
حرّان في بعضهِ عن بعضهِ شغلُ
فقد فارقتُ بالغربيِّ داراً
بأرضِ الشآمِ حَفَّ بها النعيمُ
وكنتُ بها المُمّنعُ غير وغد
ولا نكدٍ إذا حلَّ بها العظيمُ
فإن أكُ حللتُ بدارِ هونٍ
صبوتُ بها فقد يصبو الحليمُ
وما أظنُّ النّوى ترضى بما صنعتْ
حتى تطوحَ بي أقصى خراسانِ
لا عذرَ للصبِّ أن يقنى الحياء ولا
للدمعِ بعدَ مضي الحيِّ أن يقفا
حتى يظل بماء سافح ودم
في الربعِ يحسب من عينيهِ قد رعفا
إنّي لمنْ أن أرى حياً وقد برحتْ
بكَ النّوى يا شقيقَ النفس محتشمُ
إن لم أُقِمْ مأتماً للبينِ أُشهدهُ
أهلُ الوفاءِ فَودّي فيك مُتّهمُ
أو لوعةٍ منتوجةٍ من فُرقةٍ
حُقُّ الدموعِ عليَّ فيها واجبُ
وولهتُ مذ زُمّتْ ركابُكِ للنّوى
فكأنّني مذْ غُبتِ عني غائبُ
البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ
والبينُ أثكلني وإن لم أثكلِ
ما حسرتي أن كدتُ أقضي إنما
حسراتُ نفسي أنني لم أفعلِ
ما اليومُ أوّلَ توديعٍ ولا الثاني
البينُ أكثرُ من شوقي وأحزاني
دعِ الفراقَ فإنّ الدهرَ ساعدَهُ
فصار أملكَ من روحي بجثماني
وغرّبتُ حتى لم أجد مشرقاً
خطوبٌ إذا لاقيتهنَّ رددنني
وقد يَكهَمُ السيفُ المُسّمى منيّةً

وشرّقتُ حتى قد نسيتُ المغاربا
جريحاً كأنّي قد لقيتُ الكتائبا
وقد يرجعُ المرءُ المظفر خائبا
لا أنتَ،أنتَ،ولا الديارُ ديارُ
خفَّ الهوى وتولّت الأوطارُ
كانت مجاورة الطلولِ وأهلها
زمناً عِذابَ الوِردِ فهي بِحارُ
أجلْ أيها الربعُ الذي خفّ أهلهُ
لقد أدركتْ فيكَ النوى ما تحاوله
ذكرتكم الأنواءُ ذكري بعضكم
فبكتْ عليكم بكرةً وأصيلا
وبنفسيَ القمرُ الذي بمحجر
أمسى مصوناً للنّوى مبذولا
جزى الله أيامَ الفراقِ ملامةً
كما ليس يومٌ في التفرُّقِ يُحمد
إذا ما انقضى يوم بشوقٍ مُبرّح
فلم يبقِ مني طولُ شوقي إليهم

أتى باشتياقٍ فادح بعده غدُ
سوى حسراتٍ في الحشا تتردّدُ
وأصرِف وجهي عن بلادٍ غدا بها
لسانيَ معقولاً وقلبي مُقفلا
وجدَّ بها قومٌ سواي فصادفوا
بها الصُّنع أعشى والزمانُ مغفلا
ما أقبلتْ أوجهُ اللذاتِ سافرةً
مذ أدبرتْ باللّوى أيامنا الأولُ
إن شئتَ ألا ترى صبراً لمصطبرِ
فانظرْ على أيِّ حالٍ أصبحَ الطللُ
كأنّما جادَ مغناهُ،فغيّرهُ
دموعُنا،يوم بانوا،وهي تنهملُ
ولو تراهم وإيانا وموقفنا
في مأتمِ البينِ لاستهلا لنا زحلُ
من حرقةٍ أطلقتها فرقةٌ أسرتْ
قلباً ومن غزلٍ في نحرهِ عذلُ
رحلَ العزاءُ مع الرحيلِ كأنّما
أُخذتْ عهودَهما على ميعادِ
فما وجدتُ على الأحشاءِ أوقدَ من
دمعٍ على وطنٍ لي،في سوى وطني
صيّرتُ لي من تباري عبرتي سَكناً
مذْ صرتُ فرداً بلا إلفٍ ولا سَكنِ
الموتُ عندي والفراقُ
كلاهما ما لا يُطاقُ
يتعاونان على النفوسِ
فذا الحِمامُ وذا السياق
لو لم يكن هذا كذا
ما قيلَ موتٌ أو فراق
وطولُ مقامِ المرءِ في الحيِّ مُخلِقٌ
لديباجتيه فاغتربْ تتجدّدِ
فإنّي رأيتُ الشمس زيدتْ محبة
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمدِ
يا بُعدَ غايةِ دمعِ العينِ إن بعدوا
هي الصّبابةُ طول الدهرِ والسُّهدِ
قالوا الرحيلُ غداً لاشكَّ قلتُ لهم:
آلانَ أيقنتُ أنّ اسم الحِمامِ غدُ
ما لامرىءٍ خاض من بحرِ الهوى عمرٌ
إلا وللبين منهُ السهلُ والجَلّدُ
كأنّما البينُ من إلحاحهِ أبداً
على النفوسِ أخٌ للموتِ أو ولدُ
النار نارُ الشّوقِ في كبد الفتى
والبينُ يوقدهُ هوى مسموم
خيرٌ له من أن يخامر صدرهُ
وحشاهُ معروف امرىء مكتوم
البحتري
سقى الغيثُ أجراعا عهدتُ بجوِّها
غزالاً تُراعيه الجآذرُ أغيدا
عَذَلاً يتركُ الحنينَ أنيناً
في هوىً يتركُ الدموعَ دماء
لا تلمني على البكاءِ فإنّي
نِضوُ شجوٍّ ما لُمتُ فيه البكاء
كيفَ أغدو من الصّبابةِ خِلواً
بعدما راحت الديارُ خلاء
وقوفكَ في أطلالهم وسؤالها
يُريكَ غروبَ الدمعِ كيف انهمالها
وكيفَ رحيلي والفؤادُ مُخَلّفٌ
أسيرٌ لديها لا يُفكُّ بِفادِ
فوالله ما أدري أأثني عزيمتي
عن الغربِ أم أمضي بغيرِ فؤادِ؟
وما بلغَ النَّومُ المُسامحُ لذةً
سوى أرقي في حُبّها وسُهادي
منازلٌ أنكرتنا بعد معرفةٍ
وأوحشت من هوانا بعد إيناسِ
ويومَ النّقا والبينُ يطرِفُ أعيناً
ذوارفَ لم تهممْ أسىً بجمودِ
فزعتُ إلى السّلوانِ فانحزتُ لاجئاً
إلى قل صبرٍ بالعزمِ مذود
رحلوا..فأيّةُ عبرةٍ لم تُسكبِ
أسفاً،وأيُّ عزيمةٍ لم تُغلّبِ؟
قد بيّنَ البينُ المٌفرّقُ بيننا
عشقَ النوى لربيب ذاك الربربِ
يا يومُ عَرِّجْ ،بل وراءكَ يا غدُ!
قد أجمعوا بيناً وأنتَ الموعدُ
ألفوا الفراقَ كأنّهُ وطنٌ لهم
لا يقربون إليهِ حتى يبعدوا
حجبوها حتى بدتْ لفراقِ
كانَ داءً لعاشقٍ ودواءَ
أضحكَ البينُ يومَ ذاكَ وأبكى
كلُّ ذي صَبوةٍ وسَرَّ وساءَ
فجعلنا الوداعَ فيه سلاماً
وجعلنا الفراقَ فيهِ لقاءَ
ووشتْ بي إلى الوشاةِ دموعُ ال
عينِ حتى حسبتها أعداءَ
فهلّا جزى أهلُ الحمى فيض عبرتي
وشوقي إلى أهلِ الحمى وتطلّعي
ألا لا تُذكرّني الحمى إنّ عهدهُ
جوىً للمشوقِ المستهامِ المُعذّبِ
ويا لائمي في عبرةٍ قد سفحتها
لبينٍ،وأخرى قبلها للتجنّبِ
تُحاولُ مني شيمةً غير شيمتي
وما كبدي بالمستطيعة للأذى
ولما تزايلنا من الجزع وانتأى
تبينتُ أن لادار من بعد عالج

وتطلبُ عندي مذهباً غير مذهبي
أسلو،ولا قلبي كثير التقلّبِ
مشرق ركب مصعد عن مغرب
تسرُّ وأن لا خلّة بعد زينب
رأى البرقَ مجتازاً فباتَ بلا لُبِّ
وأصباهُ من ذِكرِ البخيلة ما يُصبي
وقد عاجَ في أطلالها غيرَ مُمسكٍ
لدمعٍ،ولا مُصغٍ إلى عَذَلِ الرّكبِ
عَدتنا عوادي البعدِ عنها،وزادنا
بها كَلَفاً أنّ الوداعَ على عَتبِ
ولم أكتسبْ ذنباً فتجزيني بهِ
ولم أجترمْ جُرماً فُتعتب من ذنبِ
وأنّي اليومَ عن وطني شريدٌ
بلا جُرمٍ ومن مالي حريبُ
على حين استتمَّ الوهنُ عظمي
وأعُطيَ فيَّ ما احتكمَ المشيبُ
تشكو الفراقَ إلى قتيلِ صبابةٍ
شَرِقِ المدامعِ بالفراقِ مُعذّبُ
زِدني اشتياقاً بالمُدامِ وغَنّني
أعززْ عليَّ بِفرقةِ القرناءِ
فلّعلني ألقى الردى فيُريحني
عمّا قليل من جوى البُرحاءِ
وما التقتِ الأحشاءُ يومَ صبابةٍ
على بُرحاءٍ مثلَ بُعدِ الأقاربِ
إبكيا هذهِ المغاني التي أخ
لقها بُعدُ عهدها بالغواني
زعمَ الغرابُ مُنبىءُ الأنباءِ
أنّ الأحبّةَ آذنوا بتناءِ
فأثلجَ ببردِ الدمعِ صدراً واغراً
وجوانحاً مسجورةُ الرّمضاءِ
لا تأمرنّي بالعزاءِ،وقد ترى
أثرَ الخليطِ ولاتَ حينَ عزاءِ
قصرَ الفراقُ عن السّلوِّ عزيمتي
وأطالَ في تلك الرسوم بكائي
ولمّا تزايلنا من “الجزع” وانتأى
مُشرِّقُ ركبٍ مُصعداً عن مُغرِّبِ
تبينتُ أن لادارَ من بعد “عالج”
تسرُّ وأن لا خُلّةَ بعد زينبِ
عَزّيتُ نفسي ببردِ اليأسِ بعدَهمُ
وما تعزّيتُ من صَبرٍ ولا جَلَدِ
إنّ الهوى والنوى شيئان ما اجتمعا
فخليا أحداً يصبو إلى أحدِ
فسلامٌ على جَنابك والمن
هل فيه وربعكَ المأنوسِ
حيثُ فعلُ الأيامِ ليسَ بمذمو
مٍ ووجهُ الزمانِ غيرُ عبوسِ
وما انفكَ رسمُ الدارِ حتى تهللّتْ
دموعي وحتى أكثرَ اللّومَ صاحبي
وإذا الزمانُ كساكَ حُلّةَ مُعدمٍ
فالبس له حُللَ النوى وتغرّبِ
عجباً لهجركِ قبلَ تشتيتِ النّوى
منّا،ووصلُكِ في التنائي أعجبُ
عفَتِ الرسوم،وما عفَتْ أحشاؤهُ
من عهدِ شوقٍ ما يحولُ فيذهبُ
أفي كلِّ دارٍ منكَ عينٌ ترقرقُ
وقلبٌ على طولِ التذكرِ يخفقُ؟
نعم،قد تباكينا على الشِّعبِ ساعةً
ومن دونهِ شعبٌليلى مُفرِّقُ
وقفتُ،وأوقفتُ الجوى موقفَ الهوى
لياليَ عودُ الدهرِ فينا مُورقُ
فَحرّكَ بَثَّي ربعها وهو ساكنٌ
وجدّدَ وجدي رسمها وهو مُخلِقُ
الله جارُكَ في انطلاقكْ
تلقاءَ شامكَ أو عراقكْ
بكيتُ من الفراقِ غداةَ ولّت
بنا بُزْلُ الجمالِ على الفراقِ
فما رقأتْ دموعُ العينِ حتى
شفى نفسي الفراقُ من التلاقي
غداً تغدو مطايا السيرِ مني
بشوقٍ لا يُقيمُ على الرفاقِ
حلفتُ لها بالله يومَ التفرُّقِ
وبالوجدِ من قلبي بها المُتّعَلقِ
وبالعهدِ ،ما البذلُ القليلُ بضائعٍ
لديّ ولا العهدُ القديمُ بِمُخلّقِ
وعَزّكَ مهراقٌ من الدمعِ حيث ما
توّجهَ بعدَ البينِ صادفَ مُهرْقا
وطيفٍ سرى حتى تناولَ فِتيةً
سروا يجذبونَ الليلَ حتى تمزّقا
فعاودَ يومَ الهجرِ أسوانَ بعدما
قرعنا لهُ باباً من الشّوقِ مُغلقا
أأسطيعُ العزاءَ وقد تراءتْ
عيونُ العينِ تُؤذنُ بالفراقِ؟
ولوينَ البنانَ غداةَ بَينٍ
بتسليمٍ وهنَّ على انطلاقِ
هنالكَ تتلفُ المُهجاتُ ضُراً
لما فيهنَّ من حُرقٍ بواقِ
أما أبصرتُهنَّ شُموسَ دَجنٍ
على قُضُبٍ مهفهفةٍ دِقاقِ
وما إن زال مكتوماً هواهم
وعند البينِ بٌحتُ بما أُلاقي
جفا مِضجعي وأيُّ مضجعٍ مُغرمٍ
يغصُّ بلوعاتِ الفراقِ فلا يجفو
إنّ سَبرَ الخليطِ حينَ استقلا
كان عوناً للدّمعِ حتى استهلا
والنّوى خُطّةٌ من الدهرِ ما ينف
كُّ يشجى بها المُحبُّ ويبلى
هَبِّ الدارَ ردّتْ رجعَ ما أنتَ قائلهْ
وأبدى الجوابَ الرّبعُ عمّا تسائلهْ
أفي ذاكَ بُرءٌ من جوىً ألهبَ الحشا
تَوقدُّهُ واستغزرَ الدمعَ جائلهْ
هو الدمعُ موقوفاً على كلِّ دِمنةٍ
تُعرِّجُ فيها أو خليطٍ تُزايلهْ
ولقد تأمّلتُ الفراقَ فلم أجدْ
يومَ الفراقِ على امرىءٍ بطويلِ
قَصرت مسافتهُ على مُتَزوِّرٍ
منهُ لدهرِ صبابةٍ وعويلِ
إنّ يومَ النّوى ليومٌ طويلٌ
ليسَ يفنى ويومُ حزنٍ طويل
فراقٌ يُعجلُ الإيشاكُ منهُ
عن التسليمِ فيه والعناقِ
لعلَّ تخالُفَ الطّياتِ منّا
يعودُ لنا بُقربٍ واتفاقِ
فلولا البعدُ ما طُلبَ التداني
ولولا البينُ ما عُشقَ التلاقي
فإن أفقدِ العيشَ الذي فاتَ باللّوى
فقدِماً فقدتُ الظّلَ عند انتقاله
لعلّ اقترابَ الدارِ يثني دموعَهُ
فيُقلعَ أو يشفي جوىً من غليله
وما زالَ توخيدُ المطايا وطَيّها
بنا البُعدَ من حَزنِ الملا وسهوله
إلى أن بدا صحنُ العراقِ وكُشّفتْ
سجوف الدّجى عن مائهِ ونخيله
يظلُّ الحمامُ الوُرقُ في جنباته
يذكرنا أحبابنا بهديله
فاحيتْ مُحبّاً رؤيةً من حبيبه
وسَرّتْ خليلاً أوبةً من خليله
كنتُ الغريبَ فإذ عرفتُكَ عادَ لي
أُنسي وأصبحتِ العراقُ عراقي
قالوا: مطايا التي تهوى سترتحلُ
في يومنا أو غدٍ والبينُ مُقتبلُ
فأضرموا ـ إذ أشاعوا البينَ ـ في كبدي
والقلبِ نارَ الهوى والشوقَ تشتعلُ
والبينُ يفعلُ بالعشاقِ محتكماً
ما ليسَ يفعلهُ الهنديُّ والأسلُ
مضى العامُ بالهجرانِ منهم وبالنّوى
فهل مُقبلٌ بالقُربِ والوصلِ قابله
لا دِمنةٌ بِلوى خبتْ ولا طللُ
يردُّ قولاً على ذي لوعةٍ يَسَلُ
إن عَزَّ دمعُكَ في آي الرسوم فلم
يصُبْ عليها فعندي أدمعٌ ذُلَلُ
أنسى ليالينا هناكَ وقد خلا
من لهونا في ظلّها ما قد خلا؟
عيشٌ عزيزٌ،لو ملكتُ لما مضى
ردّاً،إذا لرددتهُ مستقبلا
لاموا علي ليلي الطويل وكلّما
عادوا بلومٍ كانَ ليلي أطولا
أفي كلّ دار منك عينٌ ترقرقُ
وقلبٌ على طولِ التذكرِ يخفقُ
وقفنا على دارِ البخيلة فانبرتْ
بوادرُ قد كانت بالعينِ تبخلُ
فلم يدرِ رسمُ الدارِ كيف يجيئنا
ولا نحنُ من فرط الجوى كيفَ نسألُ
أجَدّكَ !هل تنسى العهود فينطوي
بها الدهر،أو يُسلى الحبيبُ فيذهلُ
كَلَفي ما أراهُ عني يريمُ
وصروفُ النوى عذابٌ أليم
متى جرى الدمعُ عن بَينٍ تقدمهُ
الهجرانُ كان خليقاً أن يكونَ دما
ليتَ الخليطَ الذي قد بانَ لن يَبنِ
بل ليتَ ما كانَ من حُبيّكِ لم يكُنٍ
أحرى العيونِ بأن تدمى مدامعها
عينٌ بكتْ شجوها من منظرٍ حسنِ
أكثرتَ في لومِ المُحبِّ فأقللِ
وأمرتَ بالصبرِ الجميلِ فأجملِ
لم يكفهِ نأيُ الاحبّةِ باللّوى
حتى ثنيتَ عليهِ لومَ العُذّلِ
قسمَ الصبابة فِرقتين: فشوقهُ
للظاعنين،ودمعهُ للمنزلِ
لامتْ،على أنّها في الدمعِ لم تَلُمِ
لكن على أنّ فيضَ الدمعِ لم يَدُمِ
واستشعرتْ ألماً لما رأت ألمي
من حادثِ البينِ أنساني جوى الألمِ
راحتْ تُسّرُ دموعاً غيرَ مُعلنةٍ
ورحتُ أُعنُ دمعاً غيرَ مُكتتمِ
أرى الحرمانَ أبعدَهُ قريبٌ
بها،والنُّجحَ أقربهُ بعيدُ
تقاذفَ بي بلادٌ عن بلادي
كأنّي بينها خبرٌ شَرودُ
أما ومن ما ذكرتُ فرقتهُ
إلا يرى القلب حاشداً شجنه
ويومَ تأوّهتْ للبينِ وجداً
وكفّتْ عبرتينِ تباريان
جرى في نحرها من مقلتيها
جُمانٌ يستهلُّ على جُمان
لقد سرَّ الأعادي فيَّ أنّي
برأسِ العينِ محزونٌ كئيبُ
وأنّي اليوم عن وطني شريدٌ
بلا جُرمٍ ومن مالي حريبُ
هوَ المشوقُ استغررتْ دمعَهُ
معاهدُر اللإلافِ وهي الربوعُ
طوَّلَ هذا الليلُ أن لا كرى
يُريكَ من تهوى وأن لاهجوعُ
إذا توّقعنا نواها جرتْ
سواكبٌ يَحمرُّ فيها النجيعُ
ويوم تلاقٍ في فراقٍ شهدتهُ
بعينٍ إذا نهنها دمعت دما
لحقنا الفريقَ المُستقلَّ ضحىً وقد
تيّممَ من قَصدِ الحمى ما تيمّما
فقلت:أنعموا منا صباحاً!وإنّما
أردتُ بما قلتُ الغزالَ المُنّعما
تلكَ الديارُ ودارساتُ طلولها
طَوعَ الخطوب:دقيقها وجليلها
متروكةً للريحِ بين جنوبها
وشمالها ودَبورها وقَبولها
يادارُ غيّرها الزمانُ،وفرّقتْ
عنها الحوادثُ شَملها المجموعا
لو كانَ لي دمعٌ يُحسِّنُ لوعتي
لتركتهُ في عَرصتيكِ خليعا
لا تخطبي دمعي إليَّ فلم يدعْ
في مقلتي جوى الفراقُ دموعا
أمّا راعكَ الحيُّ الحِلالُ بهجرهمْ
وهم لك غَدوا بالتفرُّقِ أروَعُ
بلى!وخيالٌ من “أثيلة” كلّما
تأوّهتُ من وجدٍ تعرَّضَ يُطمِعُ
وقوفُكَ في أطلالهم وسؤالها
يُريكَ غروبَ الدمعِ كيفَ انهمالها
أكنتَ مُعّنفي يومَ الرحيل
وقد لَجّتْ دموعي في الهمولِ
عشيّةَ لا الفراقُ أفاءَ عزمي
إليَّ ولا اللقاءُ شفى غليلي
فؤادٌ بذكرِ الظاعنينَ مُوَّكلُ
ومنزلُ حيٍّ فيهِ للشوقِ منزلُ
أراحلةٌ”ليلى” وفي الصدرِ حاجةٌ
أقامَ بها وجدٌ فما يترّحلُ؟
ذاك”وادي الأراكِ” فاحبس قليلاً
مُقصراً من صبابةٍ أو مُطيلا
قِفْ مشوقاً أو مُسعداً أو حزيناً
أو مُعيناً أو عاذراً أو عذولا
أسيتُ فأعطيتُ الصّبابة حقّها
غداةَ استقلّتْ للفراقِ حُمولها
ولما خطونادجلةانصرم الهوى
فلم يبق إلا لفتةَ المُتذكرِ
وخاطرُ شوقٍ مايزال يهجنا
لبادينَ من أهلِ الشام وحُضّرِ
ولن تعتادني أشكو مقاماً
على مضضٍ وفي يديَ انطلاقي
في حضورِ الفراقِ عند لقائي
ك احتراقٌ يفوقُ كلَّ احتراقِ
وإذا ما نأيتُ هوّنَ ما ألقاهُ
من نأيكم رجاءُ التلاقي
ليتني قد رأيتُ وجهك عن قربٍ
فأنّى أليكَ بالأشواقِ
إذا أردتُ لراقي الدّمعِ مُنحدراً
ذكرتُ مرتبعاً فيها ومصطافا
إن أُتبع الشّوقَ إزراءً عليه
فقد جافى من النومِ عن عيني ما جافى
مُتّعنا باللقاءِ عند الفراقِ
مستجيرينَ بالبُكا والعناقِ
كمْ أسرّا هواهما حذرَ البينِ
وكم كاتما غليلَ اشتياقِ
فأطلّ الفراق فاجتمعا فيه
فراقٌ أتاهما بإتفاقِ
كيفَ أدعو على الفراقِ بِبينٍ
وغداةَ الفراقِ كانَ التلاقي
لوأنّ أنواءَ السّحابِ تُطيعني
لشفى الربيعُ غليلَ تلك الأرُبعِ
ما أحسنَ الأيام،إلا أنها
يا صاحبي إذا مضت لم ترجعِ
كانوا جميعاً ثمّ فرّقَ بينهم
بَينٌ كتقويضِ الجهامِ المُقلعِ
من واقفٍ في الهجرِ ليسَ بواقفٍ
ومودِّعٍ بالبينِ غيرِ مودِّعِ
ووراءهم صُعداءُ أنفاسٍ إذا
ذُكرَ الفراقُ أقمنَ عُوجَ الأضلعِ
وطليحٍ من الوداعِ تُعنّيهِ
نوى غربة،ووجناء حرْفُ
وأناةٌ عن كلِّ شىء سوى البينِ
وإلا بينٌ فصدٌّ وصَدفُ
قِفْ بربعٍ لهم عفاهُ ربيعٌ
ومَصيفٍ محاهُ مّرُّ مصيفِ
واعصِ هذا الرّكبِ الوقوفَ وإن أفتوكَ
لوماً في فرطِ ذاك الوقوفِ
وصلنا إلى التوديعِ غيرَ مُودّعِ
سنحفظُ عهداً منكَ غيرُ مُضيّعِ
ومن أعجبِ الأشياءِ أنّ قلوبنا
صِحاحٌ لخوفِ البينِ لم تتقّطعِ
ولو أنّ غَرْبَ الدمعِ كانَ مُشاكلاً
لَغربِ الأسى لأرفضَّ كلِّ مدمعِ
وأحبُّ أوطانِ البلادِ إلى الفتى
أرضٌ ينالُ بها كريم المطلب
دعْ دموعي في ذلكَ الإشتياقِ
تتناجى بفعلِ يومِ الفراقِ

فقر كَفقرِ الأنبياء وغربةٌ
وصبابةٌ ليسَ البلاءُ بواحد
حُلمٌ مُطبقٌ على الشّكِّ عيني
أم أمانٍ غيّرَنَ ظنّيِّ وحَدسي؟
وكأنَّ اللقاءَ أوّلُ من أم
سٍ ووشكَ الفراقِ أوّلُ أمسِ
عُمرتْ للسرورِ دهراً فصارت
للتعزّي ربوعهم والتأسي
بعدتْ بي مسافةٌ وتمادى
أمدٌ دون ما طلبتُ طويلُ
وسئمتُ المقامَ حتى لقد صارَ
شبيهاً بالنُجحِ عندي الرحيلُ
ما كفى موقف التفرّقِ حتى
عادَ بالبثِّ موقف الاجتماعِ
أعناقُ اللقاءِ أثلمُ في الأحشا
ء والقلبِ،أم عناقُ الوداعِ
جمعتْ نظرةَ التعجب إذ حاو
لتُ بيناً ووقفةَ المُرتاعِ
وبكت فاستثار مني بكاها
زفرةً ما تطيقها أضلاعي
كم تندّمت للفراقِ وكم أزمعتُ
بيناً فما حمدتُ زَماعي
آن أن أسأمَ اجتيابي الفيافي
وارتدائي من الدّجى وادّراعي
لم تبلغ الحقّ ولم تُنصفِ
عينٌ رأت بيناً فلم تذرفِ
الله جارُك في انطلاقك
تلقاء شامِك أو عراقك
لا تعذلني في مسي
ري يوم سِرتُ ولم ألاقكْ
إنّي خشيتُ مواقفاً
للبينِ تسفحُ غربَ مآقك
وعلمتُ ما يلقى المودِّعُ
وعلمتُ أنّ بُكاءَنا
وذكرتُ ما يجدُ المٌودِّ

عند شمّك واعتناقك
حسبَ اشتياقي واشتياقكْ
عُ عندَ ضَمّكَ واعتناقكْ
فتركتُ ذاكَ تعمداً
وخرجتُ أهربُ من فراقك
وقد تجاذبني شوقانِ عن عَرض
من بَينِ مُطّرفٍ عندي ومُتّلدِ
لا عيشُ وجرةُ يُنسى عيشَ ذي سلمِ
ولا هوى القربِ يُسلي عن هوى البُعدِ
ما باتَ للأحبابِ ضامنَ لوعةٍ
من باتَ بعد البينِ غيرَ مُسّهدِ
يا ربوعَ الديارِ إنّي على ما
قد أراهُ منكنَّ غيرُ جليدِ
فرّقتْ شملنا النوى بعدما كنا
جميعاً في ظلِّ عيشٍ حميدِ
لو ترانا عند الوداعِ وقد لوّ
نَ سكبُ الدموعِ وردَ الخدودِ
حينَ ساروا بغانياتٍ وسامٍ
آنسات حورِ المدامعِ غيدِ
يتلفتنَّ من بعيدٍ،وينظر
نَ استراقاً إلى المُحبِّ العميدِ
سلامٌ عليكمْ لا وفاءٌ ولا عهدُ!
أما لكمْ من هجرِ أحبابكمْ بُدُّ؟
أأحبابنا قد أنجزَ البينُ وعدَهُ
وشيكاً ولم يُنجزْ لنا منكم وعدُ
أأطلالَ دارِ “العامرية” باللوى
سقت ربعكِ الأنواء! ما فعلتْ هندُ؟
بنفسي من عّّبتُ نفسي بِحبّهِ
وإن لم يكنْ منهُ وصالٌ ولا ودُّ
حبيبٌ من الاحبابِ شطّتْ بهِ النوى
وأيُّ حبيبٍ ما أتى دونهُ البعدُ
أما مصافحةُ الوداعِ فإنّها
ثقُلتْ فما اسطاعتْ تنوءُ بها يدي
فعليكَ تضعيفُ السلام فإنني
إما أروحُ غداً ,وإما أغتدي
وما القربُ في بعضِ المواطنِ للذي
يرى الحزمَ إلا أن يشطَّ ويبعدا
وباكيةٍ تشكو الفراق بأدمعٍ
تبادرها سحاً كما انتشرَ العقد
بشار بن برد
كأنَّ جفوني كانت العيسُ فوقها
فسارت وسالت بعدهنَّ المدامعُ
وكنتُ إذا ضاقتْ عليَّ محلّةٌ
تيممّتُ أخرى ما عليَّ مضيقُ
متى تعرف الدارَ التي بانَ أهلها
بسعدى فإنّ العهدَ منك قريبُ
تذكرك الأهواء إذ أنت يافعٌ
لديها فمغناها لديك حبيبُ
أبى طَللٌ بالجزعِ أن يتكلما
وماذا عليهِ لو أجابَ مُتيّما
وبالقاعِ آثار بقين،وباللوى
ملاعب لا يعرفن إلا توهما
إنّ الوداعَ من الأحبابِ نافلةٌ
للظاعنين إذا ما يمّموا بلدا
ولستُ أدري إذا شطَّ المزارُ غداً
هل تجمعُ الدار أم لا تلتقي أبدا
دعا بِفراقِ من تهوى أبانُ
ففاضَ الدمعُ واحترقَ الجَنانُ
كأنَّ شرارةً وقعتْ بقلبي
لها في مقلتي ودمي استنانُ
إذا أنشدتُ أو نسمتْ عليها
رياحُ الصيفِ هاجَ لها دخانُ
تنّفستُ شوقاً كلّما ذكروا نجدا
ولم يرقَ دمعي من بُعدهم وجدا
تحمّلَ الظاعنون فأدلجوا
والقلبُ مني الغداةَ مختلجُ
بانوا بخودٍ كأنّ رؤيتها
بدرٌ بدا،والظلامُ مُرتهجُ
حشاشتي ودّعتني يومَ بينهم
وسابقتهم وخلّتني لأحزاني
وقد أشاروا بتسليم على حذر
من الرقيبِ بأطرافِ وأجفان
وإذا ما تنكرّتْ لي بلادٌ
وخليلٌ فإنني بالخيارِ
للهِ ما تجني صروفُ النوى
على حديثِ العهدِ بالهجرِ
ليالينا بين “اللّوى” ف”محجرِ”
سُقيتِ الحيا من صَيّبِ المزنِ مُمطرِ
مضى بكِ وصلُ الغانياتِ ونشوةُ
الشبابِ ومعروفُ الهوى المتنكرِ
فإن أتذكر حسن ما فات لا أجدْ
رجوعاً لما فارقتهُ بالتذكرِ
نضوتُ الاسى عني اصطباراً وربما
أسيتُ فلم أصبر ولم أتصبّرِ
يا طللَ الحيِّ بذاتِ الصّمدِ
بالله حدّث:كيفَ كنتَ بعدي
أوحشتَ من دعدٍ ونُؤيَ دعدٍ
بعد زمانٍ ناعمٍ ومَرْدِ
حتى إذا بعثَ الصباحُ فراقنا
ورأينَ من وجهِ الظلامِ صُدودا
جرت الدموع وقلن فيكَ جلادة
عنا وتكرهُ أن تكونَ جليدا
وإذا خشيتَ تعذراً في بلدةٍ
فاشدُدْ يديكَ بعاجلِ الترحالِ
واصبر على غِيرِ الزمانِ فإنما
فرجُ الشدائدِ مثلُ حلِّ عقال
أبو تمام
بَيّنَ البينُ فقدها قلّما تعرفُ
فقداً للشمسِ،حتى تغيبا
أبو تمام
أجلْ أيها الربعُ الذي خفَّ آهلِهْ
لقد أدركتْ فيكِ النوى ما تُحاولُهْ
وقفتُ وأحشائي منازلُ للأسى
بهِ،وهو قفْرٌ قد تعّفتْ منازِلُهْ
أسائلكمْ ما بالهُ حكمَ البِلى
عليهِ،وإلا فاتركوني أسائلهْ
البحتري
يا أيها المكتوي على ظعنٍ
باتوا وما سلّموا على أحدِ
أبو تمام
إذا انصرفَ المحزونُ قد فلَّ صبرَهُ
سؤالُ المغاني فالبكاءُ لهُ ردُّ
بدتْ للنوى أشياءٌ قد خلتُ أنها
سيبدؤني ريبُ الزمانِ إذ تبدو
أبو تمام
وأبي المنازلِ إنّها لشجونُ
وعلى العجومةِ إنّها لَبينُ
فاغقِلْ بنضوِ الدارِ نِضوكَ يقتسم
فرطَ الصبابةِ مسعدٌ وحزينُ
لا تمنعني وقفةً أشفي بها
داءَ الفريقِ فإنّها ماعونُ
واسقِ الأثافي من شؤوني ريّها
إنَّ الضنينَ بدمعهِ لَضنينُ
لولا التفجُعُ لادعى هضب الحِمى
وصَفا المُشَّقرِ أنّهُ محزونُ
أبو تمام
لو يُفاجا ركنُ النسيب كثيرٌ
بمغانيهِ خالهُنَّ نسيبا
غَرّبتهُ العلى على كثرةِ النا
سِ فأضحى في الأقربينَ جَنيبا
فليطُلْ عمرُهُ،فلو مات في مر
و مقيماً بها لماتَ غريبا
البحتري
ألا إنّ قلبي من فراقِ أحبّتي
وإن كنتُ لا أبدي الصبابةَ جازعُ
ودمعي بين الحزنِ والصبرِ فاضحي
وستري عن العذالِ عاصي وطائعِ
قضت عقب الأيام فينا بفرقة
متى ما تغالب بالتجلد تغلب
فإن أبك لا أشفِ الغليل وإن أدع
أدع لوعة في الصدر ذات تلهب
ألا لا تذكرني الحمى إن ذكره
جوى باطن للمستهام المعذب
أتت دون ذاك العهد أيام جرهم
وطارت بذاك العيش عنقاء مغرب
أنزاعاً في الحبِّ بعدَ نزوعِ
وذهاباً في الغَيِّ بعد رجوعِ؟
قد أرتكَ الدموعَُ يوم تولّتْ
ظُعنُ الحيِّ ماوراء الدموع
عبراتٌ ملءَ الجفونِ مَرَتْها
حُرقٌ في الفؤادِ ملءُ الضلوع
فرقةٌ لم تدعْ لعيني مُحبٍ
إن تبتْ وادعَ الضميرِ فعندي

منظراً بالعقيقِ غيرَ الربوع
نَصَبٌ من عشيّةِ التوديعِ
سأودّعُ الإحسانَ بعدكَ واللّهى
إذ حانَ منكَ البينُ والتوديعُ
وسأستقلُّ لكَ الدموعَ صبابةً
ولو أن “دجلة” لي عليكَ دموعُ
وسينزعُ العشاقُ عن أحبابهم
جَلداً،ومالي عن نداكَ نزوعُ
فإذا رحلتَ رحلتُ عن دارٍ إذا
بُذلَ السّماحُ فجارُها ممنوعُ
عزّيتُ نفسي بِبرْدِ اليأسِ بعدهمُ
وما تعزّيتُ من صبرٍ ولا جَلَدِ
إن الهوى والنوى شيآنِ ما اجتمعا
فخلّيا أحداً يصبو إلى أحدِ
تأبى المنازلُ أن تُجيبَ ومن جوىً
يومَ الديارِ دعوتُ غيرَ مُجيبِ
فسقى الغضا والنازليهِ وإن همُ
شبوُّهُ بين جوانحٍ وقلوبِ
وقصارَ أيامٍ بهِ سُرِقتْ لنا
حسناتُها من كاشحٍ ورقيبِ
كانت فنونَ بَطالةٍ فتقطعت
عن هجرِ غانيةٍ وَوخطِ مشيبِ
جَدِّدْ بكاءً لبينٍ جديد
ونّبِهْ أقاصي الدموعِ الهجودِ
فسوفَ تُحِلُّ الخليطَ القريبَ
دواعي النّوى في مَحَلٍ بعيدِ
ألم ترني يومَ فارقتهُ
أودّعهُ والهوى يستزيدْ؟
أُوَلّي إذا أنا ودّعتهُ
فيغلبني الشّوقُ حتى أعودْ
أفي كلّ يوم لنا رحلةٌ
فينأى قريبٌ،ويدنو بعيدْ
فإن يُبلني الشوقُ من بعدهِ
فإنّ اشتياقي إليهِ جديد
لولا الفراقُ لمّا استرابتْ مقلتي
عهد الكرى لزمتنك المعهودِ
أيامَ اتباعُ الجهالة بالنّهى
وأرى حليفَ الرُّشدِ غير رشيدِ
أُمسي صريعَ مُدامةٍ في مجلسٍ
ريحانُهُ لحظاتُ مُوقِ الغيدِ
وقفتُ وقد فقدتُ الصبرَ حتى
تبين موقفي أنّي الفقيدُ
وشككَ فيّ عذالي فقالوا
لَرسمُ الدارِ أبكى العميدُ
إنّ الوداعَ من الأحبابِ نافلةٌ
للظاعنينَ إذا مايممّوا بلدا
ولستُ أدري إذا شطَّ المزارُ بهم
هل تجمعُ الدار أم لانلتقي أبدا
وجدت رقابُ الوصل أسياف هجرنا
وقدت لرجل البين يغلين من خدّي
إذازُرتَ أطلالاً بقينَ على اللّوى
ملأنكَ من شوقٍ وهنَّ عُذوبُ
ونمّتْ عليكَ العينُ في عرصاتها
سرائرَ لم ينطق بهنَّ عَريبُ
متى تعرفُ الدار التي بانَ أهلُها
بِسُعدى فإنّ الدمعَ منكَ قريبُ
تذكر من أحببتَ إذ أنتَ يافِعٌ
غلامٌ فمغناهُ إليكَ حبيبُ
أبو فراس الحمداني
ولّما وقفنا للوداعِ،غدّيةً
أشارتْ إلينا أعينٌ وأصابعُ
وقالت:أتنسى العهدَ بالجِزعِ واللّوى
وما ضمّهُ منا النقا والأجارعُ؟
وأجرتْ دموعاً من جفونِ لحاظها
شفارٌ،على قلبِ المُحبِّ قواطعُ
فقلتُ لها: مهلاً فما الدمعُ رائعي
وما هو للقرمِ المصمم رائعُ
وقد كنت أشكو البعد منك وبيننا
بلادٌ إذا ماشئتُ قرّبها الوجدُ
فكيفَ وفيما بيننا مُلكُ قيصرٍ
ولا أملٌ يُحيى النفوس ولا وعدُ
يا طولَ شوقي إن كانَ الرحيلُ غداً
لا فرّقَ الله فيما بيننا أبدا
يا ليلُ ما أغفل عمّا بي
حبائبي فيك وأحبابي
يا ليلُ نامَ الناسُ عن مُوجعٍ
ناءٍ،على مضجعه نابي
هبّتْ له ريحٌ شآميةٌ
متّتْ إلى القلبِ بأسبابِ
أدّت رسالاتِ حبيبٍ لنا
فهمتها من بين أصحابي
عزيز حيثُ حطَّ السيرُ رحلي
تُداريني الأنامُ ولا أداري
وأهلي من أنحتُ إليهِ عنسي
وداري حيث كنت من الديار
يُمسي وكلُّ بلادٍ حلّها وطنٌ
وكلّ قومٍ،غدا فيهم عشائر
وما تُمدُّ له الأطنابُ في بلدٍ
إلا تضعضعَ باديه وحاضرهْ
لي التخيّرُ،مشتطاً ومنتصفاً
وللأفاضل بعدي ما أغادرهْ
وراحل أوحشَ الدنيا برحلته
وإن غدا معه قلبي يُسايره
هل أنتَ مُبلغهُ عني بأنّ له
ودّاً تمكّنَ في قلبي يجاوره؟
إلى الله أشكو من فراقك لوعةً
طويتُ لها مني الضلوعَ على الجمرِ
لا رعى الله يا خليلي دهراً
فرّقتنا صروفهُ تفريقا
فاذكراني !وكيفَ لا تذكراني
كلّما استخونَ الصديقُ الصديقا
أقولُ وقد ناحتْ بقربي حمامةٌ
أيا جارتا هلْ تشعرينَ بحالي
معاذَ الهوى ما ذقتِ طارقةَ النّوى
ولا خطرت منكِ الهمومُ ببالي
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ
على غصنٍ نأي للمسافر عالي
أيا جارتا ما أنصفَ الدهرُ بيننا
تعالي أقاسمكِ الهمومَ تعالي
تعالي تري روحاً لديَ ضعيفةٌ
تردّدَ في جسم يُعذبُ بالي
أيضحكُ مأسورٌ وتبكي طليقةٌ
ويسكتُ محزونٌ وينطقُ سالي
لقد كنتُ أولّى منكِ بالدمعِ مقلةً
ولكنّ دمعي في الحوادثِ غالي
ألا يازائرَ الموصلِ
حَيِّ ذلك النادي
فبالموصل أخواني
وبالموصلِ أعضادي
فقلْ للقومِ يأتو
نني من مثنىً وأفرادِ
فعندي خِصبُ زوّارٍ
وعندي ريِّ رُوّادِ
وعندي الظلّ ممدود
على الحاضرِ والبادي
سقى الله أياماً بسبطان فاللّوى
إلى بلد غيثاً تهلل بالقطر
سلامٌ على تلك الديار وأهلها
سلامٌ غريب ظلَ يزري على الدهر
البينُ بيّنَ ما يجنّ جناني
والوجدُ جدّدَ بعدكم أحزاني
وبِلى الرسوم الدارساتِ بذي الغضا
أغرى بي الكمد الذي ابلاني
ألوى اللّوى بجميلِ صبري في الهوى
ودعا حنيني أبرق الحنان
بُليتُ بِبينٍ بانَ إثرهُ صبري
وأخنى على عزمي بفادحةِ الدهرِ
أبتْ عبراتهُ إلا انسكابا
ونارُ ضلوعهِ إلا التهابا
ومن حقِّ الطلولِ عليّ إلا
أغبّ من الدموعِ لها سحابا
وما قصرت في تسآلِ ربع
ولكنّي سألتُ فما أجابا
ومن مذهبي حبُّ الديارِ وأهلها
وللناسِ فيما يعشقونَ مذاهبُ
سقى ثرى حلبٍ، ما دُمتَ ساكنها
يا بدرُ،غيثانِ مُنهَلٌ ومُنبجسُ
أسيرُ عنها وقلبي في المقام بها
كأنّما الأرضُ والبلدان موحشةٌ

كأن مهري لثقل السير مُحتبس
وريعها دونهنّ العامر الأنس
مثل الحصاة التي يُرمى بها أبداً
إلى السماء،فترقى ثم تنعكس
بدوتُ وأهلي حاضرون لأنني
أرى أنّ داراً لستِ من أهلها قفرُ
وإنّ وراءَ السِّترِ أماً بكاؤها
عليَّ وإن طالَ الزمانُ طويلُ
فيا أُمتا لا تعذلي الصبرَ إنهُ
إلى الخيرِ والنُجحِ القريبِ رسولُ
ويا أمّتا لا تخطئي الأجرَ إنّهُ
على قَدرِ الصبرِ الجميلِ جزيلُ
أما لكِ في ذاتِ النطاقينِ أُسوةٌ
بمكة،والحرب العوان تجولُ
أراد ابنها أخذَ الأمانِ فلم تجب
وتعلمُ علماً إنّهُ لقتيلُ
والمرءُ ليسَ ببالغٍ في أرضهِ
كالصقرِ ليسَ بصائدٍ في وكرهِ
أبيتُ كأنّي للصبابةِ صاحبُ
وللنومِ،مذ بانَ الخليطُ،مجانبُ
وما أدّعي أنّ الخطوبَ تخيفني
لقد خبرّتني بالفراقِ النواعبُ
ولكنني مازلتُ أرجو وأتقي
وجد وشيك البينِ والقلبُ لاعبُ
عليّ لربع العامرية وقفةٌ
تمل علي الشوق والدمعُ كاتبُ
فلا وأبي العشاق ما أنا عاشقٌ
إذا هي لم تلعب بصبري الملاعبُ
يُذكرني “نجداً” حبيبٌ بأرضها
أيا صاحبي نجواي هل ينفعُ الذكر
تطاولتْ الكثبانُ بيني وبينهُ
وباعد فيما بيننا البلدُ القفرُ
مفاوزَن لا يعجزن صاحبَ همّةٍ
وإن عجزت عنها الغريرية الصُبّرُ
ولقد سألتُ الرّبعَ عن سكانهِ
لو كانَ يخبرني عن السكانِ
إذا لم أجدْ من بلدة ما أريدهُ
فعندي لأخرى عزمة ورِكاب
وليسَ فِراقٌ ما استطعتَ فإن يكنْ
فِراقٌ على حالٍ فليسَ إيابُ
ما أنسَ لا أنسَ يوم البينِ موقفنا
والشوق ينهى البكا عني ويأمره
وقولها ودموعُ العينِ واكفةٌ
هذا الفراقُ الذي كنّا نحاذره

أُشيّعهُ، والدمعُ من شدّةِ الأسى
على خدّهِ نظمٌ ،وفي نحرهِ نثرُ
وعدتُ ،وقلبي في سجاف غبيطهِ
وفيمن حوى ذاك الحجيج خريدة
وفي الكُمِّ كفّ لايراها عديلها

ولي لفتات نحو هودجهِ كثرُ
لها دون عطف الستر من صونها ستر
وفي الخدرِ وجه، ليس يعرفه الخدر

أما ودموعي بينَ تلك المعالم
وشقوي إلى تلكَ الخدودِ النواعمِ
لقد أورثوني يومَ بانوا صبابة
وناموا وطرفي بعدهم غير نائمِ
وقائلةِ ماذا دهاكَ تعجباً
فقلتُ لها يا هذهِ أنت والدهرُ
أبالبينِ أم الهجرِ أم بكليهما
تشاركَ فيما ساءني البينُ والهجرُ
فَعُدْ يا زمانَ القُربِ في خيرِ عيشة
وأنعم بال،ما بدا كوكب دريّ
أيا لاهياً،والبينُ قد جدَّ جدّه
أأنتَ خلي القلب أم أنتَ غافلُ؟
وعيشك،لولا رحلة الحيِّ لم يرح
على أهله شاء غزير وحامل
وما العيس سارت بالجآذرِ،غُدوةً
ألا إنّما صبري استقلّتْ عزائمه
أمّا الخليطُ ،فَمُتهم أو مُنجد
فاذرف ،فمالكَ ،غير دمعكَ مُنجدُ
رحلوا فأخلق ربعهم،وصبابتي
أبداً،لإخلاقِ الربوع تجدّدُ
وتحالفا،في يوم زمّت عيسهم
دمعٌ يفيضُ،وحسرةٌ تتردّدُ
وقفنا فسّقينا المنازلَ أدمعاً
هي الوبل،والأجفانُ منها غمائمه
وما الدمعُ يوماً،ناقعاً من صبابةٍ
ولو فاضَ حتى يملأ الارض ساجمه
وكانَ عظيماً عندي الهجرُ مرةً
وقد كانَ تنعابُ الغرابِ مُخبراً

فلما رأيتُ البينَ هانتْ عظائمه
بوشكِ فراق،أو حبيبٍ نصارمه
تلكَ المنازلُ والملا
عبُ لا أراها الله محلا
أوطنتها زمنَ الصِّبا
وجعلتُ فيها لي محلا
حيثُ التفّتُ رأيتُ ماءً
سائحاً ورأيتُ ظلاً
والنهرُ يفصلُ بين زهرِ الر
وضِ في الشطينِ فصلا
كبساطٍ وشيٍّ جرّدتْ
أيدي القيونِ عليهِ نصلا
وقد كنتُ أخشى الهجرَ والشّملُ جامع
وفي كلِّ يوم لقيةٌ وخطابُ
فكيفَ وفيما بيننا مُلك قيصر
وللبحرِ حولي زخرةٌ وعُبابُ
ودّعوا خشيةَ الرقيبِ،بإيما
ءٍ،فودّعتُ،خشية اللّوامِ
لم أبُحْ بالوداعِ جهراً ولكن
كان جفني فمي ودمعي كلامي
فما كنا إذ بانوا بنفسك فاعلاً
فدونكه،إنّ الخليط لزائلُ
هي الدارُ من سلمى وهاتي المرابع
فحتى متى يا عين دمعُكِ هامع؟
بكيتُ فلما لم أرَ الدمعَ نافعي
رجعتُ إلى صبرٍ أمرَّ من الصبرِ
وقدّرتُ أنّ الصبرَ بعد فراقهم
يساعدني وقتاً فعزيتُ عن صبري
دعِ الوطنَ المألوف،دأبك أهله
وعدَّ عن الأهل،الذين تكاشروا
فأهلُكَ من أصفى وودُّك ما صفا
وإن نزحت دار،وقلّت عشائرُ
أحبُّ بلاد الله، أرضٌ تحلّها
إليّ،ودارٌ تحتويك ربوعها
أفي كلّ يومٍ رحلةٌ بعد رحلةٍ
تُجرِّعُ نفسي حسرةً وتروعها
هل أنتِ،يا رفقة العشاق،مخبرتي
عن الخليطِ الذي زُمّتْ أباعره
وهل رأيتِ أمام الحيِّ جاريةً
كالجؤذر الفرد تقفوه جآذره
وأنت يا راكباً يُزجي مطيّته
يستطرقُ الحيَّ ليلاً أو يباكره
إذا وصلتَ فعرّض بي وقل لهم:
هل واعدُ الوعدِ يوم البينِ ذاكره
ما لمتُ ذا شجنٍ بكى أوطانه
مذْ أقفرت فبكيتها أوطاني
ولئن سلوتُ عن الأحبّةِ نائياً
ما غرد القمري في الأفنان
فهراق فيك دمي حسام مكذب
عن قرنه وشبا سنان جبان
ابن الرومي
وأبرحُ شىءٍ فُرقةٌ بعدَ ألفةٍ
وفقدُكَ من عُلِّقت بعد التقاربِ
ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ
وألا أرى غيري لهُ الدهر مالكا
وحبّبَ أوطانُ الرجالِ إليهمُ
مآربُ قضّاها الش!بابُ هنالكا
إذا تذكروا أوطانهم ذكرّتهمُ
عهودَ الصِّبا فحنّوا لذالكا
أأبكتكَ المعاهدُ والمغاني
كدأبكَ قبلهنَّ من الغواني
وقفتُ بهن فاستمطرتُ عيني
غياثاً والتذكرُ قد شجاني
فجادَ سحابُها تَمريه ريحٌ
من الزفراتِ تلحى من لحاني
تُرى الأيامُ تُدني بعدَ بُعدٍ
وتُعطينا اجتماعاً والتئاما
وتشفي من جوى الابراحِ صَبّاً
يكادُ يموتُ سُقماً واغتماما
فكفا بالذي أبلى وعافى
عن المشغول بالحُبِّ الملاما
وقع الفراقُ وما يزالُ يروعني
فكأنَّ واقع شرّهِ مُتوّقعُ
سقى الله أوطاراً لنا ومآرباً
تقطّعَ من أقرانها ما تقطعا
ليالي تُنسينا الليالي حسابها
بُلهنيَّةٌ أقضى بها الحولَ أجمعا
سُدى غِرَّةٍ لا أعرفُ اليوم باسمهِ
وأعملُ فيه اللهوَ مرأىً ومسمعا
الموتُ دون تفرُّقِ الأحبابِ
وعذابُ نأيهمُ أشدُّ عذابِ
لم تُبلَ ـ مذ خلقت ـ نفوسُ ذوي الهوى
يوماً بمثل ترُّحلٍ وذهاب
بانوا بِلُبّكَ رائحين وخلّفوا
لكَ دمعةً موصولة التسكاب
بانوا فبانَ جميل الصبر بعدهم
فللدموع من العينين عينان
بلدٌ صحِبتُ بهِ الشبيبة والصِّبا
ولبستُ ثوبَ العيشِ وهو جديدُ
فإذا تمثّلَ في الضمير رأيته
وعليهِ أغصان الشّباب تميدُ
لعلَّ الليالي بعدَ شَحط من النوى
ستجمعنا في ظلِّ تلكَ المآلفِ
نعمْ إنَّ للأيامِ بعد انصرامها
عواطفَ من أفضالها المُتضاعفِ
لو كنتَ يومَ الفراقِ حاضرنا
وهنَّ يُطفئنَ لوعةَ الوجدِ
لم ترَ إلا دموعَ باكيةٍ
تَهجعُ من مقلةٍ على خدِّ
كأنّ تلكَ الدموعَ قطرُ ندى
يقطرُ من نرجسٍ على وردِ
أذاقتني الأسفارُ ما كرّهَ الغنى
إليَّ وأغراني برفضِ المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراءِ أزهدَ زاهدٍ
وإن كنتُ في الإثراءِ أرغبَ راغبِ
حريصاً جباناً،أشتهي ثم أنتهي
بلحظي جنابَ الرزقِ لحظَ المراقبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بِمُخفقٍ
ولا كلُّ من شدَّ الرحالَ بكاسبِ
كُفّي الدموعَ وإن كانَ الفراقُ غداً
فرحلتي لتعيشي عيشةً رغدا
بُنيَّ:قد قعد الدهرُ الخؤون بنا
وليسَ مثليَ في أمثالهِ قعدا
سلامُ مُحبٍ نازحِ الدارِ شَفّهُ
وأقرحَ عينيهِ فراقُ حبيبِ
تحكّمتِ الأيامُ في ذاتِ بيننا
فقلّلن منهُ بالفراقِ نصيبي
قد كنتُ أبكي على من ماتَ من سَلفي
وأهلُ ودّي جمبعٌ غيرُ أشتاتِ
فاليوم إذ فرّقت بيني وبينهمُ
نوىً بكيتُ على أهلِ الموداتِ
وما حياةُ امرىءٍ أضحتْ مدامعُهُ
مقسومةً بين أحياءٍ وأمواتِ
كيفَ يا مَنْ بها قِوامُ حياتي
كنتِ بعدي مذْ بِنتِ يا مولاتي
أعلى العهدِ أنتِ أم خلتِ عنه؟
جعلَ الله قبلَ ذاك مماتي
لستُ أنسى امتناع صبرك للتو
ديع،والبينُ مؤذنٌ بِشتاتِ
وانحدارُ الدموعِ كاللؤلؤ الرط
بِ هوى من مدامعٍ قرِحات
في رياضٍ من الشقائقِ والنّس
رين فوق المراشفِ البارداتِ
والتفاتاً نحوي،وقد قبضتني
عنك أيدي النوى حيال التفاتي
ومقالاً جرى وللشوق في الأح
شاءِ نارٌ أليمةُ الحرقات
حاطكَ الله بالكلاءةِ والصن
ع ووقاك أعينَ العائدات
أسايَ أسى يوم التفرّقِ وحدهُ
ولكنَّ شوقي شوق فرقة أعوام
أشجتكَ داعيةٌ مع الإشراقِ
هتفت بساقٍ في ذوابةِ ساقِ
أيكيةٌ تدعو بشجنٍ إن دعا
ريبُ الزمانِ قرينها بِفراق
نظرت حضرةَ الوداعِ بعينٍ
غسلتها الدموعُ وهي كحيلُ
يحدُرُ الماءُ من محاجرِ عين
ها على خدِّها مسيلٌ أسيلُ
أشكو الفراق إلى التلاقي
وإلى الكرى سهر المآقي
وإلى السلوُّ تفجعي
وإلى التصبّرِ ما ألاقي
وإلى الذي شطّتْ به
عني النوى طول اشتياقي
وطوتْ حشاي على الجوى
لما طوتهُ يدُ الفراقِ
صبراً فَرُب تفرقٍ
آتٍ بقربٍ واتفاقِ
أشكو الفراق إلى التلاقي
وإلى الكرى سهر المآقي
وإلى السلوُّ تفجعي
وإلى التصبّرِ ما ألاقي
وإلى الذي شطّتْ به
عني النوى طول اشتياقي
وطوتْ حشاي على الجوى
لما طوتهُ يدُ الفراقِ
صبراً فَرُب تفرقٍ
آتٍ بقربٍ واتفاقِ
يحولُ الحول في الوصل
ويبقى لي تذكارهْ
ويوم الهجر والبين
كيومٍ كانَ مقدارهْ
يا نظرةً لي،والنوى
نحوي بعينِ الموت تنظرْ
بكروا لبينهمُ وقلب
ي في هواه بهم مُبكرْ
بكتِ العيون عليهمُ
كَبُكايَ إذ بانوا،وأغزرْ
فلقد كسوا بفراقهم
أحشايَ نيراناً تسّعرْ
ولمّا رأيتُ البينَ قد جدَّ جَدّهُ
وقد قُرنتْ للبينِ عشرُ سفائن
أماطتْ رداءَ الخزِّ عن حُرِّ وجهها
ولم تخشَ من داياتها والحواضن
فإنى يقضِ لي الله الرجوعَ فإنّهُ
عليَّ له أن لا أفارقكم نذرُ
ولا أبتغي عنكم شخوصاً وفرقةً
يدَ الدهر إلا أن يُفرّقنا الدهرُ
فما العيشُ إلا قربُ من أنتَ آلف
وما الموتُ إلا نأيهُ عنكَ والهجرُ
وشجعنا على التوديعِ شوقٌ
تحرّق بين أثناء الضلوعِ
تلاقينا لقاءً لا فتراقٍ
كلانا منه ذو قلبٍ مروعِ
فما افترّتْ شفاهٌ عن ثغورٍ
بل افترت جفونٌ عن دموعِ
لهم على العيسِ إمعانُ يشطّ بهم
وللدموعِ على الخدّينِ إمعانُ
تلاحظُكَ العيونُ وأنتَ فيها
كأنّ عليك أفئدة الرجال
المعري
إلى كمْ أُمنّي القلب،والقلبُ مولعٌ
وأزجرُ طرفَ العين،والطرفُ يدمع
وحتى متى أشكو فراق أحبّةٍ
عفا بالنوى منهم مصيف ومربعُ
وأستعرضُ الركبان عنهم مُسائلاً
عسى خبرٌ عنهم بهِ الرّكبُ يرجعُ
تصّبرتُ عنهم وانثنيت إليهمُ
ولم يبقَ في قوسِ التصبرِ منزعُ
أُراعي نجومَ الليلِ أرقبُ طيفهم
وكيفَ يزورُ الطيفُ من ليسَ يهجعُ
وما زلتُ أبكي لؤلؤاً بعدَ بَينهم
إلى أن بدا مرجان دمعي يهمعُ
وما كان تبكي العين لولا فراقهم
عقيقاً،ولا يشفي الفؤاد طويلعُ
كمْ بلدةٍ فارقتُها ومعاشرٍ
يُذرونَ من أسفٍ عليَّ دموعا
خاللتُ توديعَ الأصادقِ للنّوى
فمتى أودِّعُ خِليَّ التوديعا
فيا برق ليس الكرخ داري وإنما
رماني الدهرُ إليها منذ ليالي
فهل فيك من ماءِ المعرةِ قطرة
تُغيثُ بها ظمآن ليس بسالِ
إذا نمتُ لاقيتُ الأحبّةَ بعدما
طوتهم شهور في التراب وأحوال
ينبعُ من عينيكَ ماءٌ لها
إذا خليطٌ يمّموا يَنبُعا

أبو نواس

ركبٌ تساقوا على الاكوارِ بَينهمُ
كأسَ الكرى فانتشى المسقيُّ والساقي
كأنّ أرؤسَهمْ والنومُ واضِعها
على المناكبِ لم تُخلقْ بأعناقِ
ساروا فلم يقطعوا عقداً لراحلةٍ
حتى أناخوا إليكم بعد أشواقِ
من كلِّ جائلةِ الطرفينِ ناجيةٍ
مشتاقةٍ حملتْ أوصالَ مشتاقِ
ألا هلْ على الليلِ الطويلِ مُعينُ
إذا بعدت دارٌ،وشطَّ قرينُ
تطاولَ هذا الليلُ،حتى كأنّما
على نجمهِ ألا يعودَ يمينُ
كفى حَزناً أنّي بِفُسطاطَ نازحٌ
ولي نحو أكنافِ العراقِ حنينُ

إلى أهلهَ من أعظمِ الحدثان
ذكرَ الكرْخَ نازحُ الأوطانِ
فبكى صبوةً ولاتَ أوانِ
وأوبةُ مشتاق بغير دراهم
إلى أهلهَ من أعظمِ الحدثان
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفاً، ماضرّ لو كان جلس
كفى حَزناً أنّي بفسطاط نازحٌ
ولي نحو أكنافِ العراقِ حنينُ
إلفان كانا لهذا الوصلِ قد خُلقا
داما عليهِ ودام الحبُّ فاتفقا
كانا كغُصنينِ في ساقٍ،فشانهما
ريبُ الزمانِ،وصرفُ الدهر فانفلقا
واصفرّ عودٌ لها من بعد خضرتهِ
وأسقطَ البينُ عن أغصانه الورقا
باتت عيونهما للبينِ ساهرةً
وللفراقِ،ولولا البينُ ما افترقا
إنّما يُفتضحُ العاشق
في وقت الرحيل
ألا هلْ على الليلِ الطويلِ مُعين
إذا نَزحتْ دارٌ وحنَّ حزينُ
فوالله مافارقتكم قالياً لكم
ولكن ما يُقضى فسوفَ يكونُ
لمّا تيّقنتُ أنَّ روحتهم
ليسَ لها ما حييتُ مُنقَلبُ
أبليتُ صبراً لم يُبله أحد
واقتسمتني مآربٌ شُعَبُ
يا دارُ! ما فعلت بكِ الأيامُ
لم تبق فيك بشاشة تُستامُ
رواية:ضامتكِ،والأيامُ ليس تُضام
عرمَ الزمانُ على الذينَ عهدتهمْ
بكِ قاطنين ،وللزمان عُرامُ
أيامَ لا أغشى لأهلك منزلاً
إنّي أنا الوضاحُ إن تصلي
شطت فشفّ القلبُ ذكرها

إلا مراقبةً عليَّ ظلامُ
أحسنْ بكِ التشبيبَ والوصفا
ودنتْ فما بذلت لنا عُرفا
وكأنَ سُعدى إذ تُودّعنا
وقد اشرأبَ الدمعُ أن يكفا
فالحبُّ ظهرٌ أنت راكبُهُ
فإذا صرفتَ عِنانهُ انصرفا
ذكرتمُ من الترحالِ يوماً فَغمّنا
فلو قد فعلتم صبّحَ الموتُ بعضنا
زعمتم بأنَّ البينَ يحزنكم ،نعم
سيحزنكم حُزناً ولا مثلَ حُزننا
تعالوا نقارعكمْ ليحقق عندكم
من أشجى قلوباً أم من أسخن أعيُنا

أبو العتاهية

أشاقكَ من أرضِ العراقِ طُلولُ
تَحمّلَ منها جيرةٌ وحمولُ
وكيفَ يلذُّ العيشُ بعد معاشرٍ
بهم كنتُ عند النائباتِ أطولُ
إنَّ المُحبَّ إذا شطّتْ منازلُهُ
عن الحبيبِ بكى أو حنَّ أو ذكرا
يا رُبَّ ليلٍ طويلٍ بتُّ أرقبُهُ
حتى أضاءَ عمودَ الصبحِ فانفجرا
والليلُ أطولُ من يومِ الحسابِ على
عينُ الشجىِّ إذا ما نومهُ نفرا
طلبتُ المُستقرَّ بكلِّ أرضٍ
فلم أرَ لي بأرضٍ مُستقرا
أطعتُ مطامعي فاستعبدتني
ولو أني قنعتُ لكنتُ حرّا
ووجدتُ بردَ اليأسِ بينَ جوانحي
فأرحت من حِلٍّ ومن ترحالِ
وإذا خشيتَ تعذراً في بلدةٍ
فاشدد يديكَ بعاجلِ الترحال
من لقلبٍ مُتيّمٍ مشتاقِ
شفّهُ شوقهُ وطول الفراقِ
طالَ شوقي إلى قعيدة بيتي
ليتَ شعري فهل لنا من تلاقي
جمعَ الله عاجلاً بكِ شملي
عن قريبٍ وفكنّي من وثاقي
ولمّا استقلوا بأثقالهم
وقد أزمعوا الذي أزمعوا
قرنتُ التفاتي بآثارهم
وأتبعتهم مقلةً تدمعُ

الشريف الرضي

وشممتُ في طفل العشيّة نفحةٌ
حبست برامة صُحبتي وركابي
متململين على الرّحالِ كأنّما
مرّوا ببعض منازلِ الأحبابِ
ذكرت لي الأربَ القديم من الهوى
عهدَ الصِّبا ولياليَ الأطرابِ
يا دارُ من قتلَ الهوى بعدي
وجدوا ولا مثلَ الذي عندي
لا تعجبي،يا دارُ،أنهم
أبدوا،ومن يكُ واجداً يُبدي
رَبعٌ قريبُ العهدِ أحسبُهُ
بالظاعنينَ،وقد مضى عهدي
لو حرّكت ذاك الرّمادَ يدٌ
ارأت بقايا الجمرِ والوقدِ
إني لَيُعجبني حِماكَ،إذا
نشر النسيمُ ذوائبَ الرّندِ
غرامي جديدٌ بالديارِ وأهلها
وعهدي بهاتيكَ الطلولِ قديمُ
يقولون:ما أبقيتَ للعينِ عبرةً
فقلتُ:جوىً،لو تعلمونَ أليمُ
أيسمحُ جفني بالدموعِ وأغتدي
ضنيناً بها؟إني إذاً للئيمُ
ولو بخلت عيني إذاً لعسفتها
فكيف ودمعُ الناظرين كريم
أعادَ لهُ البرقُ الحجازيُّ مَوهناً
عقابيلَ أيام اللقاءِ السوالفِ
ما ساعفتني الليالي بعدَ بَينهمُ
إلا بكيتُ ليالينا بذي سَلَمِ
ولا استجدَّ فؤادي في الزمانِ هوىً
إلا ذكرتُ هوى أيامنا القدُمِ
لا تطلبنَّ لي الابدالَ بعدهمُ
فإن قلبي لا يرضى بغيرهم
شجاكَ الفراقُ فما تصنع
أتصبرُ للبينِ أم تجزعُ
إذا كنتَ تبكي وهم جيرةٌ
فكيفَ بذاكَ إذا ودّعوا
عهدُ الحمى ،لا أينَ عهدُ الحمى
قضى على الصّبِّ جوىً وانقضى
يا قلبِ جَدّدْ كمدا
فموعدُ البينِ غدا
لم أرَ فَرْقاً بعدهمْ
بين الفراقِ والرّدى
ما أطيبَ الامرَ ولو أنّهُ
على رزايا نَعَمٍ في مُراح
وأشعثِ المفرقِ ذي هِمّةٍ
طوّحهُ الهمُّ بعيداً فطاح
لما رأى الصبرَ مُضراً بهِ
راحَومن لم يُطقِ الذلَّ راح
يا ديارَ الأحبابِ كيفَ تغيّرَ
تِ ويا عهد ما الذي أبلاكا
هل أولاكَ الذين عهدي بهم في
كَ على عهدهم وأينَ أولاكا
ورُبّ وميضٍ نبّهَ الشوقَ ومضَهُ
ورُبَّ نسيمٍ جدّدَ الوجدَ نسمُهُ
عَزَّ صبري يومَ اللقاءِ ولكنْ
فضحتهُ الأشجانُ يومَ الفراقِ
نسرِقُ الدمعَ في الجيوبِ حياءً
وبنا ما بنا من الإشفاقِ
سقى منىً وليالي الخَيفِ ما شربتْ
من الغمامِ وحيّاها وحيّاكِ
إذ يلتقي كلُّ ذي دَينٍ وماطلَهُ
منا،ويجتمعُ المشكو والشاكي
ولم يبقَ عندي للهوى غيرَ أنني
إذا الرّكبُ مرّوا بي على الدارِ أشهقُ
لا تخلدن إلى أرضٍ تهونُ بها
بالدارِ دارٌ وبالجيرانِ جيرانُ
أألله،إني إن مررتُ بأرضها
فؤادي مأسورٌ ودمعي مُطلقُ
فواهاً من الرّبعِ الذي غيّرَ البلى
وآهاً على القومِ الذينَ تفرّقوا
أصونُ ترابَ الارضِ كانوا حلولُها
وأحذرُ من مرّي عليها وأُشفقُ
أيها الرائحُ المُغِذُّ تحمّلْ
حاجةً للمُعذبِ المشتاقِ
أقرِ عنّي السلامَ أهلَ المصلى
وبلاغُ السلامِ بعد التلاقي
وإذا مامررتَ بالخيفِ فاشهدْ
أنّ قلبي إليهِ بالاشواقِ
ضاعَ قلبي فانشدهُ لي بين جمعٍ
ومنىً عند بعض تلكَ الحِداقِ
وابكِ عني فطالما كنتُ منْ قب
لِ أُعيرُ الدموعَ للعشاقِ
رعى الله من فارقتُ من غيرِ رغبةٍ
على الوجدِ مني والسّقامِ المُطابقِ
فكلُّ غريبٍ يألفُ الهمُّ قلبَهُ
ولاسيا قلبُ الغريبِ المُفارقِ
فكيفَ بطرفٍ لحظهُ لحظُ مُدنفٍ
سقيمٍ وجسمٍ قلبهُ قلبُ عاشقِ
أحِنُّ إلى من لا يحنّ صبابةً
وما واجدٌ قلبا مشوقٍ وشائقِ
من رأى البارقَ في مجنوبةٍ
هَبّهُ البارقِ قد راعَ الظلاما
كلما أومضَ من نحوِ الحمى
أقعدَ القلبَ من الشوقِ وقاما
يا خليليَّ انظرا عنّي الحمى
إن طرْفَ العينِ بالدمعِ أغاما
طال ما استسقوا لعيني دمعها
أينما استسقيتُ للدارِ الغماما
آهاً على نفحاتِ نجدٍ إنها
رُسلُ الهوى وأدّلةُ الاشواقِ
أسقيت بالكأسِ التي سُقّيتها
أم هل خطتكَ إليَّ كفُّ الساقي
لا يُبعدِ الله فتياناً رُزئتُهمْ
رُزءَ الغصونِ وفيها الماءُ والورَقُ
إن يرحلوا اليومَ عن داري فإنهمْ
جيرانُ قلبي أقاموا بعدما انطلقوا
بانوا فكلُّ نعيمٍ بعدهمْ كمدٌ
باقٍ وكلُّ مساغٍ بعدهم شَرَقُ
أراكَ تجزعُ للقومِ الذين مضوا
فهل أمنتَ على القومِ الذين بقوا
وكيفَ ينعمُ بالتغميضِ بعدهمُ
عينٌ أعانَ عليها الدمعُ والارقُ
ولقد رأيتُ “بدير هندٍ” منزلاً
ألِماً من الضّراءِ والحدثانِ
أغضى كمستمعِ الهوان،تغيبت
أنصارهُ وخلا من الاعوان
دعْ من دموعك بعد البينِ للدِمن
غداً لدارهم واليوم للظعن
فاتني أن أرى الديارَ بطرفي
فلعلي أرى الديار بسمعي
ووقفتُ أسألُ بعضها عن بعضها
وتُجيبني عِبراً بغيرِ لسانِ
قدَحتْ زفيري فاعتصرتُ مدامعي
لو لم يَؤُل جزعي إلى السّلوانِ
ترقى الدموعُ ويرعوى جَزعُ الفتى
وينانُ بعد تفرّق الأقران
وتلّفتت عيني،فمذ خفيت
عنها الطلولُ،تلّفتَ القلبُ
وعندي من الأحبابِ كلّ عظيمةٍ
تُزَهدُ في قربِ الضجيعِ المعانقِ
تعطلّتِ الأحشاءُ من كلِّ آنّةٍ
فلا القربُ يُضنيني ولا البعدُ شائقي
وما في الغواني من سرورٍ لناظرٍ
ولا في الخزامى من نسيمٍ لناشقِ
رمى الله بي من هذه الأرض غيرها
وقطّعَ من هذا الأنامِ علائقي
أسرِعْ السير أيها الحادي
إنّ قلبي إلى الحِمى صادي
فالثُمْ الأرضَ خاضعاً فلقد
نلت والله خير إسعاد
وإذا ما حللت ناديهم
يا سقاهُ الإله من نادي
فاغضُض الطرفَ خاشعاً ولهاً
واخلع النعلَ إنّهُ الوادي
من مُعيد أيامَ سلع على ما
كانَ فيها وأينَ أيام سلع؟
أعددتكم لدفاعِ كلّ مُلّمة
عني فكنتم عون كلّ مُلّمة
فلأرحلن رحيل لا مُتلّهف
لفراقكم أبداً ولا متلّفتِ
ولأنفضنَّ يديَّ يأساً منكم
نفضَ الأنامل من تراب الميتِ
هي الدارُ ما شوقي القديم بناقص
إليها ولا دمعي بجامدِ
أما فارق الأحبابَ بعدي مفارقٌ
ولا شيّعَ الأظعانَ من مثلي بواجد
ياليلة السفح ألا عدت ثانية
ماضٍ من العيشِ لو يُفدى بذلتُ لهُ

سقى زمانكَ هطالٌ من الديمِ
كرائمَ المالِ من خيلٍ ومن نَعمِ
لم أقضِ منكِ لُباناتٍ ظفرتُ بها
فليت عهدكِ إذ لم يبقَ لي أبداً

فهل لي اليومَ إلا زفرةُ الندمِ
لم يُبقِ عندي عقابيلاً من السَقمِ
تعجبوا من تمنّي القلبِ مُؤلمهُ
ردّوا عليَّ ليالي َّ التي سلفت

وما دروا أنّهُ خِلوٌ من الألمِ
لم أنسهنَّ ولا بالعهدِ من قِدمِ
يا حبذا لمّةً بالرملِ ثانية
وحبذا نهلةٌ من فيكِ باردةٌ

ووقفةٌ ببيوتِ الحيِّ من أممِ
يُعدي على حَرِّ قلبي بردها بفمي
ما ساعفتني الليالي بعد بينهم
إلا بكيتُ ليالينا بذي سَلمِ
ولا استجدَّ فؤادي في الزمانِ هوىً
إلا ذكرتُ هوى أيامنا القُدُم
لا تطلبنَّ ليَ الأبدالَ بعدهمُ
فإنّ قلبي لايرضى بغيرهم
أقولُ لركب رائحين لعلّكم
تحلّون من بعدي العقيق اليمانيا
خذوا نظرةً مني فلاقوا بها الحِمى
ونجداً وكثبان اللّوى والمطاليا
ومُرّوا على أبياتِ حيٍّ برامةٍ
فقولوا لديغٌ يبتغي اليوم راقيا
عدمتُ دوائي بالعراقِ فربما
وجدتم بنجدٍ لي طبيباً مداويا
عارضا بي ركبَ الحجازِ أسائله
متى عهدهُ بأعلام جمع
واستملا حديث من سكن الخيف
ولا تكتباهُ إلا بدمعي
يا غزالاً بعينِ النقى والمصلى
ليسَ يبقى على منالك درعي
كل ما سلّ من فؤاده سهم
عادَ سهم لكم مضيض الوقع
عللّاني بذكرهم واسقياني
وامزجا لي دمعي بكأس دهاقِ
وخذا النوم من جفوني فإني
قد خلعتُ الكرى على العشاقِ
والبعدُ عنكَ بلاني باستكانهمُ
إنّ الغريبَ لمضطرٌ إلى السّكنِ
أسِلْ بدمعكَ وادي الحي إن بانوا
إنّ الدموعَ على الاحزانِ أعوانُ
لا عُذرَ بعد تنائي الدارِ من سَكنٍ
لِمدّعي الوجدِ لم يدمع له شانُ
سارتْ بقلبكَ في الأحشاءِ زفرتهُ
واستوقفتك بأعلى الرّملِ أظعانُ
لمّا مررنا على تلكَ السّروبِ ضحىً
نضَتْ إلى الرّبعِ أجيادٌ وأعيانُ
من كلِّ غيداءَ قد مالَ النعيمُ بها
كما تخايلَ بالبُردينِ نشوانُ
تهفو إلى البانِ من قلبي نوازعهُ
وما بيَ البانُ بل من دارُهُ البانُ
أسدُّ سمعي إذا غنى الحمامُ به
ألا يُبين بسرِّ الوجد إعلانُ
خذي نفسي يا ريحُ من جانبِ الحمى
فلاقي بها ليلاً نسيمَ رُبى نجدِ
فإن بذاكَ الحيِّ إلفاً عهدتهُ
وبالرّغمِ مني أن يطولَ به عهدي
ولولا تداوي القلب من ألمِ الجوى
بذكرِ تلاقينا قضيتُ من الوجدِ
قال لي صاحبي غداةَ التقينا
نتشاكى حرَّ القلوبِ الظّماء:
كنتَ خبّرتني بأنكَ في الوج
دِ عقيدي،,انّ داءكَ دائي
ما ترى النّفرَ والتحمل للب
ينِ ،فماذا انتظارُنا للبكاء
لم يقلها حتى انثنيتُ لما بي
أتلّقى دمعي بفضلِ ردائي
يا روضَ ذي الأثلِ من شرقيِّ كاظمةٍ
قد عاودَ القلبُ من ذكراكَ أديانا
أمرُّ بالرّكبِ مجتازاً بذي سَلمٍ
لو ماشريتُكَ بالأوطانِ أوطانا
شغلتَ عيني دموعاً والحشى حُرقاً
فكيفَ ألفّتَ أمواهاً ونيرانا
أشمُّ منكَ نسيماً لستُ أعرفُهُ
أظنُّ ظمياءَ جرّتْ فيك أردانا
ألقاكَ والقلبُ صافٍ من رجيعِ هوىً
وأنثني عنكَ بالأشواقِ نشوانا
ولا تداويتُ من قُرحٍ فَرى كبدي
ولا سقاني راقي الحيِّ سُلوانا
يقولُ صحبي وقد أعياهمُ طربي:
بعضَ الاسى إنما أحببتَ إنسانا
أنسيتني الناسَ إذ أذكرتني بهمُ
يا مُهدياً ليَ تذكاراًونسيانا
أحبُّ ثرى أرضٍ أقامَ بِجوّها
حبيبٌ إلى قلبي وإن لم يُلائمِ
وأستشرفُ الأعلامَ حتى تدُّلني
على طيبها مرُّ الرياحِ الهواجمِ
وما أنسِمُ الأرواحَ إلا لأنها
تجوزُ على تلك الرُّبى والمعالمِ
ولله أيامٌ عفونَ كما عفا
ذوائب ميّاسي العرار رطيبه
أحنُّ إلى نورِ الربى في بطاحهِ
وأظمأ إلى ريّا اللّوى في هبوبه
وذاكَ الحِمى يغدو عليلاً نسيمهُ
ويُمسي صحيحاً ماؤهُ في قليبه
حَببتُ لقلبي ظلّه في هجيرهِ
غّا ما دجا،أو شمسهُ في ضريبه
مهيار الديلمي
يا نسيمَ الصُبحِ من كاظمةٍ
شَدَّ ما هِجتَ الجوى والبَرحا
الصّبا ـ إن كانَ لابُدّ ـ الصّبا!
إنّها كانت لقلبي أروحا
يا ندامايَ بِسَلعٍ،هل أرى
ذلكَ المَغبقَ والمُصطبحا؟
فاذكرونا ذِكرنا عهدَكمُ
رُبّ ذكرى قرّبتْ من نزحا
وارحموا صبّاً إذا غنى بكم
رجعَ العاذلُ عني آيساً
قد شربتُ الصبرَ عنكم مُكرهاً

شربَ الدمعَ وعافَ القدحا
من فؤادي فيكمُ أن يُفلحا
وتبعث السقم فيكم مُسمحا
وعرفتُ الهمَّ من بعدكمُ
ما لساري اللهوِ في ليلِ الصِّبا
ما سمعنا بالسّرى من قبلهِ
أنكرت تبديلَ أحوالي،ومن
شدَّ ما منّى غروراً نفسَهُ

فكأنّي ما عرفتُ الفرحا
ضلَّ في فجرٍ برأسي وضحا؟
بابن ليلٍ ساءهُ أن يُصبحا
صحبَ الدنيا على ما اقترحا؟
تاجرُ الآدابِ في أن يربحا
يا سائقَ الأظعانِ لا صاغراً
عُجْ عَوجةً ثم استقم واذهبِ
دعِ المطايا تلتفت إنها
تلوبُ من جفني على مشربِ
عَرِّجْ على الوادي فقل عن كبدي
للبانِ ما شئت الجوى والحُرقا
أتكتُمُ يوم”بانة” أم تبوحُ؟
وأجدرُ لو تبوح فتستريح
حملتَ البينَ جَلداً والمطايا
بوازلها بما حملتْ طلوحُ
وقمت وموقف التوديعِ قلبٌ
يطيرُ به الجوى وحشاً تطيحُ
فهل لك غير هذا القلب تحيا
به أو غير هذي الروح روحُ
فمن يكُ في النّوى بطلاً فإنّي
أنا المقتولُ والبينُ السلاح
فراقٌ سابقَ اللقيا وعطفٌ
من الايامِ زاحمهُ أطراحُ
لئن قصرت مساعيها وضاقت
ففي الأشواقِ طولٌ وانفساحُ
فغن كسرت عصا جَلدي عصاها
فآمالي برجعتها صحاحُ
الآن إذ بردَ السلوُّ ظمائي
وأصابَ بعدكم الأُساةُ دوائي
كانت عزيمة حازمٍ أضللتها
في قربكم فأصبتها في النائي
وقذاءُ قلبي أن يحنَّ لناظرٍ
يومَ الرحيلِ تفرّق الخلطاءِ
مستمطرين ولم تجدهم أدمعي
ومؤججين ومالهم أحشائي
أظمى ورِيى في السؤالِ فلا يفي
حرُّ المذلةِ لي ببردِ الماءِ
أصبو إلى “طَيبةَ” من” بابلٍ
ما أقربَ الشوقَ وما أبعدا
يا حبذّا الذكرى وإن أسهرتْ
لا تأخذِ النّفرَ بتفريقنا

بعدكَ والدمعُ وإن أرمدا
فرّبما عاد لنا موعدا
بالغَورِ” دارٌ ،”وبنجدٍ “هوىً
يا لهفَ من غارَ لمن أنجدا

ليتَ الذين أصاخوا يومَ صاح بهم
داعي النّوى،ثوّروا،وصموا كما سمعوا
أو ليتَ ما أخذَ التوديعُ من جسدي
قضى عليَّ فللتعذيبِ ما يدعُ
وعاذلٍ لحَّ أعصيهِ ويأمرني
فيهم وأهربُ منهُ وهو يتتّبعُ
يقول:نفسكَ فاحفظها فإن لها
حقاً وإن علاقاتِ الهوى خُدَعُ

سلا جمراتِ البينِ :كيف دُستها
يوّقدُ بالأنفاسِ تحتي سعيرُها
حملتُ بقلبي منهمُ وهو حَبّةٌ
ومن عيسهم ما لا تُقِلُّ ظهورُها
بكيتُك للفراقِ ونحن سفرٌ
وعدتُ اليوم أبكي للإيابِ
كفى البينُ أني لِنتُ تحتَ عراكهِ
وخُرتُ وعودي في الخطوبِ صليبُ
وقاربتُ من خَطوي رضاً بقضائهِ
ولي بين أحداثِ الزمانِ وثوبُ
فِكاكُكَ أيها القلبُ الأسيرُ
غداً،لو قالَ حادي الرّكب،سيروا
وإن أخذوكَ أنتَ وخلّفوني
فَسِرْ معهم فذاكَ لهم يسيرُ
وكيفَ يخافُ تيهَ الليلِ ركبٌ
تطّلعُ من هوادجهِ البدورُ
يناجزُ في الوداعِ معاتباتٍ
لَهُنَّ كبودنا ولنا الزفيرُ
ما لقلوبٍ جُبلت لدنةً
يعطفها العاجمُ والكاسرُ
قست على البُعدِ وقنطنَّ
بالوفيِّ منها أنه غادرُ
ما لدهري قضى الفراقَ عليها
عذّبَ الله بالفراقِ الدهرا
كم النّوى؟قد جزع الصابرُ
وقنط المهجورُ يا هاجرُ
أم كانَ يومُ البينِ ـ حاشاكم ـ
أوّلَ شىءٍ مالهُ آخرُ
لمن الظُّعنُ تهتدي وتجورُ؟
سائقٌ مُنجد وشوقٌ يغيرُ
تُتبِعُ الخطرَ قاهراً بينَ أيديها
ومن خلفها هوىً مقهورُ
ووراءَ الحُدوجِ في البيدِ أرواحُ
المقيمين في الديار تسيرُ
رفعوها وهي الخدور وراحوا
وهي مما تحوي القلوب صدورُ
حدّثني عن “الغضا” وأهلهِ
فانكشفَ السترُ ونمَّ الكاتِمُ
للبارقاتِ مطرٌ وهذه
مُزنتها دموعيَ السواجمِ
في كلِّ ذاتِ صبوةٍ من عبرتي
ما يشكرُ الراعي ويرضى السائمُ
سلا المُحبّون،وعندي زفرةٌ
عسراء لا تنقضها الغرائِمُ
ولما جلا التوديعُ عمّا عهدتهُ
ولم يبقَ إلا نظرةٌ تُتغنّمُ
بكيتُ على الوادي فحرّمتُ ماءه
وكيفَ يحلُّ الماءُ أكثرهُ دمُ
يا حبّذا ليلُ”الغضا” وطولهُ
تَمّتْ لنا أقمارُهُ ولم تتِمْ
أفذكرةٌ تُرضي الوفاءَ على النّوى
إذ لا رجاءَ لنظرةٍ تُرضيني
ردّوا ولو يوماً ،ولو ساعةً
على”الغضا” من عيشنا الزائلُ
لي ذلّةُ السائلِ ما بينكم
فلا تفتكم عزّةُ الباذلِ
أشتكي البُعدَ وهو ظلمٌ ولولا
لذّةُ القُربِ ما ألِمتُ البُعدا
أجيرانَنا “بالغورِ” والركبُ مُتهِمُ
أيعلمُ خالٍ كيفَ باتَ المُتيّمُ؟
رحلتم وعمرُ الليل فينا وفيكمُ
سواءٌ وفيكم ساهرونَ ونُوّمُ
بنا أنتمُ من ظاعنينَ وخلّفوا
قلوباً أبت أن تعرفَ الصبر عنهمُ
يقون الوجوه الشمسَ والشمسُ فيهمُ
ويسترشدونَ النجمَ والنجمُ منهمُ
أمنتُكَ يا فراقُ ورُبَّ يومٍ
حذرتُ لو أنّهُ نفعَ الحذارُ
أخذت فلم تدعْ شيئاً عليه
يُخافُ أسىً ولا يُرجى اصطبارُ
حبيبٌ خنتني فيهِ ودارٌ
وللناسِ الأحبّةُ والديارُ
أدمعُكَ أم عارضٌ ممطرٌ؟
أم النفسُ ذائبة تقطرُ؟
دعوا بالرحيلِ فمستذهلٌ
أضل! البكاء ومُستعبرُ
وقالوا:الوداع على”رامة”
فقلت لهم:“رامةٌ”المحشرُ
وأرسلتُ عينيَ “بالأنعمينِ”
لتُبصرَ لو أنّها تُبصرُ
فما حملتْ خبراً يُستطا
بُ إلا الذي كذبَ المُخبرُ
وعنّفني منذرٌ خالياً
ألفتَ وفُورقتَ يا مُنذرُ
وقالوا:تحمّل ولو ساعةً
فقلت لهم:مُدّتي أقصرُ
دعوني فلي إن زُمّتْ العيسُ وقفةٌ
أُعلِّمُ فيها الصخرَ كيفَ يلينُ
وخلّوا دموعي أو يُقال نعم بكا
وزفرةُ صدري أو يُقالَ حزينُ
فلولا غليلُ الشّوقِ أو دمعةُ النّوى
لما خُلقتْ لي أضلعٌ وجفونُ
لو كنتَ تبلو غداةَ “السفح” أخباري
علمتَ أن ليسَ ما عَيّرتَ بالعارِ
شوقٌ إلى الوطن المحبوبِ جاذبَ أضلا
عي ودمعٌ جرى من فرقةِ الدارِ
ووقفةٌ لم أكنْ فيها بأوّل من
بانَ الخليطُ فداوى الوجدَ بالدارِ
توّهموا أنّ الفراقَ سلوةٌ
عنهم فلا أحللتُ من توّهما
وأن عيني مُلئتْ من غيرهم
إذ منعوا،إذن رأت عيني العمى
يلومُ على “نجدٍ” ضنينٌ بدمعهِ
إذا فارقَ الأحبابَ جفت غروبه
فما أسفتُ لشىءٍ فائتٍ أسفي
من أن أعيشَ وجيرانُ”الغضا” غيبُ
قد كنتُ أسرقُ دمعي في محاجرهِ
تطيراً بالبكى فاليوم أنتحبُ
تظنُّ ليالينا عُوّدا
على العهدِ من “برقتي ثهمدا؟
وهل خبرُ الطيفِ من بعدهم
إذا طابَ يصدُقك الموعدا؟
أفي كلِّ دارٍ تمرُّ العهودُ
عليك ولم تنسَ منها العهودا؟
خليليَّ هذي دار”لمياء” فاحبسا
معي واعجبا إن لم تُميلا فتُسعدا
فعاتب فيها الدهر،لا! كيفَ عتبهُ
وأخلاقهُ إخلاقُ ما كان جدّدا
وليلة”ذات البانِ” ساهرتُ طالعاً
من النجمِ لم يُكتبْ عليهِ غروبُ
أُسائلُ عن نومي وضوءِ صباحها
وأعيا،فأيُّ الغائبينَ يؤوبُ
تحدّثْ بما أبصرتَ يا بارقَ الحِمى
فإنّكَ راوٍ لا يُظنُ بكَ الكذبُ
وقُلْ عن حشىً عن حرّها وخفوقها
تعلّمتَ ماتنزو خِطاراً وتشبّبُ
وعن بدنٍ لم يبرح الشوقُ مُعرياً
وشائطهُ حتى التقى الخببُ والخببُ
وقفتُ وصحبي في “اللوى” فأملّهم
وقوفي حتى قد وقفتُ ولا صحبُ
أُذاكرهُ مرآة يومي بأهلهِ
فيشكو الذي أشكو ويصبو كما أصبو
ولم أحسب الأطلالَ تُخضعها النّوى
ولا أن جسم الربعِ يُنحلهُ الحبُّ
تصبّرَ على البينِ واجزعْ له
ولو كنتُ أصبرُ لم أجزعِ
غداً موعدُ البينِ ما بيننا
فما أنتِ صانعة فاصنعي
عسى الله يجعلها فرقةً
تعودُ بأكرمِ مستجمعِ
سلمت وما الديارُ بسالماتٍ
على عنتِ البِلى يا دارَ هندِ
ولا برحتْ مفوّفة الغوادي
تُصيبُ رُباكِ من خطأ وعمدِ
بموقظة الثرى والترب هاد
ومجدية الجنى والعام مكدي
على أني متى مطرتكِ عيني
ففضلٌ ماسقاكِ الغيث بعدي
أميلُ إليكِ،يجذبني فؤادي
وغيرُكِ ما استقامَ السير قصدي
وأشفقُ أن تبدّلك المطايا
بوطأتها كأنّ ثراكِ خدّي
يا ديارَ الحيِّ من جَنبِ الحمى
عدتِ ظناً بعدما كنتِ حقيقهْ
فلئنْ كُنتِ عدوَّ العينِ من
بعدهم إنكَ للقلبِ صديقهْ
لم أكنْ أعلمُ حتى نحلتْ
كنحولي أنها مثلي مشوقهْ
أينَ جيراني بها،لهفي بهم
لهفة سكرتُها غير مُفيقهْ
ويُسليك أنك مذ فارقوك
على عهد من أتلف البينُ باقي
فقلتُ:وهل هو إلا الحِمام
أحلى من العيش بعد الفراقِ
فداؤُك طائفةُ البينِ في
بكائي على إثرهِ واحتراقي
وقلبٌ على العهدِ أما سلو
تَ من حفظ ميثاقكم في وثاقِ
سلْ الجيرةَ الغادينَ هلْ مُودّعَ الهوى
أمينٌ وهل بعد التفرّقِ ملتقى
كأنّ فؤادي عند صائحة النوى
وقد رقَّ ضُعفاً أن يجيش فيخفقا
ولما اتقى نبلَ الوشاةِ بصبرهِ
رمتهُ وشاةُ الدمعِ من حيثما اتقى
أليلَ سوادي ما أرى الصُبحَ سرّني
فمن ردَّ لي ذاك الظلام فأغسقا
قضتْ ظُلماتُ البُعدِ فيك قضاءَها
فصُبحاً،فهذا الفجرُ منك قريبُ
أرى كبدي قد أثلجت في ضلوعها
وكانت على جمرلاِ الفراقِ تذوبُ
بكر العارضُ تحدوهُ النّعامى
فسقاكِ الريَّ يا دارَ أُماما
وتمشّتْ فيكِ أرواحُ الصّبا
يتأرجنَّ بأنفاسِ الخُزامى
قد قضى حفظُ الهوى أن تُصبحي
للمحبينَ مُناخاً ومُقاما
وبجرعاءِ الحِمى قلبي،فعجْ
بالحِمى واقرأ على قلبي السلاما
وترّحل فتحدث عجباً
أنّ قلباً سارَ على جسمٍ أقاما
قلْ لجيرانِ الغضا آهاً على
طيبِ عيش بالغضا لو كانَ داما
حملّوا ريحَ الصّبا من نشركم
قبلَ أن تحملَ شِيحاً وثُماما
وابعثوا أشباحكم لي في الكرى
إن أذنتم لجفوني أن تناما
سَلْ بما سرَّ غير قلبي فالحز
نُ به مذ نأيتُ عنك محيق
وكم لي في ليلِ الحمى من إصاخةٍ
إلى خبرِ الأحلامِ وهو كذوبُ
توقّرُ منها ثم يسفهُ أضلعي
ويجمدُ فيها الدمعُ ثم يذوبُ
رأت شعراتٍ غيّرَ البينُ لونها
فأمست بما تطريهِ أمس تعيبُ
هل عند ريحُ الصَّبا من “رامةٍ” خبرُ
أم طابَ أن أصابَ روضاتُ اللّوى المطرُ
علامةٌ لك من “أم الوليد” أتتْ
تعلو الرياحُ بها والمزنُ تنحدرُ
هوىً ترامتْ بهِ الأيام تبعده
وقرّبتهُ لك الآياتُ والذكرُ
النابغة الذبياني
يا دارَ مَيّةَ بالعلياءِ فالسّندِ
أقوتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ
وقفتُ فيها أُصيلاناً أسائلها
عَيّتْ جواباً وما بالربعِ من أحدِ
أمستْ خلاءً وأمسى أهلها احتملوا
أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ
زعمَ البوارحُ أنّ رحلتنا غداً
وبذاكَ تنعابُ الغرابِ الأسودِ
لا مرحباً بغدٍ،ولا أهلاً بهِ
إن كانَ تفريقُ الأحبّةِ في غدِ
أمِنْ آلِ ميّةَ رائحٌ أو مُغتدِ
عجلانَ،ذا زادٍ وغير مزوّدِ
أفِدَ الترحلُ،غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا،وكان قد قدِ
فأضحتْ بعدما فُصلتْ بدارٍ
شطونٍ، لا تُعادُ ولا تعودُ
قالت:أراكَ أخا رحلٍ وراحلةٍ
حيّاكَ ربي،فإنا لا يحلُّ لنا

تغشى متالف، لن ينظرنك الهرما
لهو النساء وإنَّ الدِّينَ قد عزما
طرفة بن العبد
تُعيّر سَيري في البلادِ ورحلتي
ألا رُبّ دار لي سوى حُرّ داركِ
وليسَ امرؤٌ أفنى الشباب مجاوراً
سوى حيّهِ إلا كآخرَ هالكِ
قِفي لا يكنْ هذا تعلّة وصلنا
لبين،ولا ذا حظّنا من نوالكِ
أخبرّكِ أنّ الحيّ فرّقَ بينهم
نوى غُربةٍ،ضرارةٍ لي كذلكِ
ولم يُنسني ما قد لقيتُ،وشَفّني
من الوجدِ أنّي غير ناسٍ لقاءكِ
وقفتُ فيها،سراةَ اليوم،أسألها
عن آلِ نُعْمٍ،أمُونا،عبرَ أسفارِ
فاستعجمتْ دارُ نُعْمٍ،ما تُكلّمنا
والدارُ،لو كلمتنا،ذاتُ أخبارِ
وقد أراني ونُعماً لاهيينِ بها
والدهرُ والعيشُ لم يَهمم بإمرارِ
أيامَ تُخبرني نُعمٌ وأخبرُها
ما أكتمُ الناس من حاجي وأسراري
ولا غروَ إلا جارتي وسؤالها:
ألا هل لنا أهل؟سئلتِ كذلكِ
تُعيِّرُ سَيري في البلادِ ورحلتي
ألا رُبّ دارٍ لي سوى حُرّ داركِ
عنترة العبسي
لقد ودّعتني عبلةٌ يومَ بَينها
وداعَ يقين أنني غير راجعِ
وناحتْ وقالتْ كيفَ تُصبحُ بعدنا
إذا غبتَ عنا في القفا الشواسعِ
وحقّك لا حاولت في الدهرِ سلوةً
ولا غيّرتني عن هواك مطامعي
فكنْ واثقاً بحسنِ مودةٍ
وعشْ ناعماً في غبطةٍ غيرَ جازعِ
يا طائرَ البانِ قد هيّجتَ أشجاني
وزدتني طَرباً يا طائرَ البانِ
إن كنتَ تندبُ إلفاً قد فُجعتَ بهِ
فقد شجاكَ الذي بالبينِ أشجاني
زِدني من النَوحِ واسعدني على حَزني
حتى ترى عجباً من فيضِ أجفاني
وقِفْ لتنظرَ ما بي لا تكنْ عَجلاً
واحذرْ لنفسكَ من أنفاسِ نيراني
وطِرْ لعلّكَ في أرضِ الحجازِ ترى
ركباً على عالجٍ أو دونَ نَعمانِ
يسري بجاريةٍ تنهلُّ أدمعها
شوقاً إلى وطنٍ ناءٍ وجيرانِ
ناشدتُكَ الله يا طيرَ الحمام إذا
رأيتَ يوماً حُمولَ القوم فانعاني
وقلْ طريحاً تركناهُ وقد فنيتْ
دموعهُ وهو يبكي بالدم القاني

ألا قاتلَ الله الطلولَ البواليا
وقاتلَ ذِكراكَ السنينَ الخواليا
وقولكَ للشىء الذي لا تنالهُ
إذا ماهو احلولى ألا ليتَ ذا ليا
وحقّك أشجاني التباعد بعدكم
فهل أنتمو أشجاكم البعد من بعدي
حذرت من البينِ المُفرِّق بيننا
وقد كانَ ظني لا أفارقكم جهدي
فغن عاينت عيني المطايا وركبها
فرشت لدى أخفافها صفحة الخدَّ
ولقد ناحَ في الغصونِ حمامٌ
فشجاني حنينينُهُ والنحيبُ
باتَ يشكو فراقَ إلفٍ بعيد
وينادي أنا الوحيدُ الغريبُ
إذا ريحُ الصَّبا هبّتْ أصيلا
شفتْ بهبوبها قلباً عليلا
وجاءتني تُخبِّرُ أنّ قومي
بمن أهواهُ قد جَدّوا الرحيلا
وما حَنّوا على من خَلّفوهُ
بوادي الرملِ منطرحاً جديلا
يحِنُّ صبابةً ويهيمُ وجداً
إليهمُ كلّما ساقوا الحمولا
ألا ياعبلَ إن خانوا عهودي
وكانَ أبوكِ لايرعى الجميلا
حملتُ الضيمَ والهجرانَ جُهدي
على رغمي وخالفتُ العذولا
لقد ذَلَّ من أمسى على ربعِ منزلٍ
ينوحُ على رسمِ الديارِ ويندبُ
هلْ غادرَ الشعراء من مُتردمِ
أم هلْ عرفتَ الدارَ بعد توهمِ
قِفْ بالمنازلِ إن شجتكَ رُبوعُها
فلعلَّ عيناكَ تستهلُّ دموُعها
أرضُ الشّربةِ شِعبٌ ووادي
رحلتُ وأهلُها في فؤادي
يحلّون فيه وفي ناظري
وإن بعدوا في محلِ السّوادِ
إذا خفقَ الربقُ من حيّهم
أرقتُ وبتُّ حليفَ السّهادِ
وريحُ الخُزامى يُذّكرُ أنفي
نسيم عذارى وذاتَ الأيادي
فبالله يا ريحَ الحجازِ تنّفسي
على كبدٍ حرّى تذوبُ من الوجدِ
ويا برقُ إن عرّضتَ من جانبِ الحِمى
فَحيِّ بني عبسٍ على العلم السّعدي
وإن خمدتْ نيرانُ عبلة موهناً
فَكُنْ أنتَ في أكنافها نيرَ الوقدِ
وخلِّ الندى ينهلُّ فوقَ خيامها
يذكرّها أني مُقيمٌ على العهدِ
ما راعني إلا الفراق وجَورهِ
فأطعتهُ والدهرُ طوعُ زمامي
فكمْ أبكي بإبعادٍ وبَينٍ
وتشجيني المنازلُ والطلولُ
وكمْ أبكي على إلفٍ شجاني
وما يُغني البكاءُ ولا العويلُ
تلاقينا فما أطفى التلاقي
لهيباً لا ولا بردَ الغليل
أيا صادحاتِ الأيكِ إن متّ فاندبي
على تربتي بين الطيورِ السواجعِ
ونوحي على من ماتَ ظلماً ولم ينلْ
سوى البُعدِ عن أحبابهِ والفجائعِ
امرؤ القيس
كأنّي غداةَ البينِ يومَ تحملّوا
لدى سَمُراتِ الحيِّ ناقفُ حنظلِ
وقوفاً بها صَحبي عليَّ مطيّهمْ
يقولونَ لا تهلِكْ أسىً وتجمّلِ
فدعْ عنكَ شيئاً قد مضى لسبيلهِ
ولكنْ على ما غالكَ اليوم أقبِلِ
وقفتُ بها حتى إذا ما تردّدتْ
عَمايةُ محزونٍ بشوقٍ مُوَّكلُ
وإنّ شفائي عبرةٌ إن سفحتُها
وهلْ عندَ رسمٍ دارسٍ من مُعوَّلِ؟
ففاضت دموعُ العينِ مني صبابةً
على النّحرِ حتى بلَّ دمعي مِحملي
ولو أنّي هلكتُ بأرضِ قومي
لقلتُ الموتُ حقٌّ،لا خلودا
أُعالجُ مُلكَ قيصرَ كلّ يومٍ
وأجدرْ بالمنيّةِ أن تقودا
بأرضِ الشامِ لا نسبٌ قريبٌ
ولا شافٍ فيسندَ أو يعودا
فأضحتْ بعدما فُصلتْ بدارٍ
شطونٍ، لا تُعادُ ولا تعودُ
ألا عِمْ صباحاً أيّها الربعُ وانطقِ
وحدِّثْ حديثَ الركبِ إن شئت واصدقِ
يجولُ بآفاقِ البلادِ مُغرِّباً
وتسحقهُ ريحُ الصَّبا كلّ مُسحقِ
أجارتنا إنّ المزارَ قريب
وإنّي مقيم ما أقامَ عسيب
أجارتنا إنا غريبان هاهنا
فإن تصلينا فالقرابةُ بيننا

وكلّ غريبٍ للغريبِ نسيب
وإن تصرمينا فالغريبُ غريبُ
ذكرتُ بها الحيِّ الجميع فهيّجت
عقابيلَ سُقمٍ من ضميرٍ وأشجانِ
فَسّحتْ دموعي في الرداءِ كأنّها
كُلىً من شعيبٍ ذاتُ سَحٍّ وتهتان
وما تدري إذا يمّمت أرضاً
بأيِّ الأرضِ يُدركُكَ المبيتُ
ظللِتُ،ردائي فوقَ رأسي قاعداً
أعدُّ الحصى ما تنقضي عبراتي
أعِنّي على التهمامِ والذِّكراتِ
يبتنَ على ذي الهمِّ مُعتكراتِ
تذكرتُ أهلي الصالحينَ وقد أتتْ
على”خملى”خوص الركابِ وأوجرا”
فلما بدتْ حورانُ في الآلِ دونها
نظرتَ فلم تنظرُ بعينكِ منظرا
تقّطعَ أسبابُ اللبانةِ والهوى
عشيّةَ جاوزنا حماةً وشيزرا
فدعْ ذا وسَلِّ الهمَّ عنك بجسرةٍ
ذَمولٍ إذا صامَ النهارُ وهَجّرا

ألِمّا على الرّبعِ القديمِ بِعَسعسا
كأنّي أنادي أو أُكلِمُ أخرسا
فلو أنّ أهلُ الدارِ فيها كعهدنا
وجدتُ مقيلاً عندهم ومَعرسا
الحطيئة
ألا طرقتنا بعدما هجدوا هندُ
وقد سِرنَ غَوراً واستبانَ لنا نجدُ
ألا حبذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ
وهندٌ أتى من دونها النأيُ والبعدُ
أمِنْ رسمِ دارِ مَربعٌ ومَصيفُ
لعينيكَ من ماءِ الشؤونِ وكيفُ
تذّكرتُ فيها الجهلَ حتى تبادرتْ
دموعي،وأصحابي عليَّ وقوفُ
وقفتُ بها فاستنزفتُ ماءَ عبرتي
بها العينُ إلا ما كففتُ بهِ طرفي

زهير بن أبي سلمى

وقفتُ بها من بعدِ عشرينَ حِجّةً
فلأياً عرفتُ الدارَ بعدَ توهُّمِ
فلما عرفتُ الدارَ قلتُ لربعها
ألا عِمْ صباحاً أيها الرّبعُ واسلمِ
ومن يغترِبْ يحسب عدواً صديقَهُ
ومن لم يُكرِّم نفسهُ لم يُكرَّمِ
فَقرِّي في بلادكِ إنّ قوماً
متى يدعوا بلادهم يهونوا
كأنّ عيني ،وقد سالَ السّليلُ بهمْ
وعبرةٌ ما همُ لو أنّهمْ أَمَمُ
تأوّبني ذكرُ الأحبّةِ بعدما
هجعتُ ودوني قُلَّةُ الحَزنِ فالرّملُ
تأمل خليلي هل ترى من ظعائن
تحملن بالعلياء من فوق جرثم

حسان بن ثابت

تطاولَ بالجمانِ ليلي فلم تكن
تهمُّ هوادي نجمهِ أن تصوبا
أبيتُ أراعيها كأنّي موكلٌ
بها لا أريد النوم حتى تغيبا
إذا غار منها كوكبٌ بعد كوكبٍ
أخافُ مفاجأة الفراقِ ببغتةٍ

تراقبُ عيني آخرَ الليلِ كوكبا
وصرفَ النوى أن تشتَّ وتشعبا
وأيقنتُ لما قوَّضَ الحيُّ ضمهم
بروعاتِ بينٍ تتركُ الرأسَ أشيبا
وأسمعكَ الداعي الفصيح بفرقة
وبيّنَ في صوتِ الغرابِ اغترابُهم
وفي الطيرِ بالعلياءِ إذ عرضت لنا

وقد ضحت شمسُ النهارِ لتُغربا
عشيّةَ أوفى غُصنَ بانٍ فطرّبا
وما الطيرُ إلا أن تمُرَّ وتنعبا

لبيد

وإذا رُمتَ رحيلاً فارتحلْ
واعصِ مايأمرُ توصيم الكسل

حاتم الطائي

حننتُ إلى الأجبالِ،أجبالِ طىءٍ
وحنّتْ قلوصي أن رأتْ سوط أحمرا
فقلتُ لها:إنّ الطريقَ أمامَنا
وإنّا لمحيو ربعنا إن تيّسرا
وأخرى لحتني يوم لم أمنع النّوى
قيادي ولم ينقض زماعي ناقضُ
أرادت بأن يحوي الغنى وهو وادعٌ
وهل يفرِسُ الليثُ الطبا وهو رابضُ
من مُبلغ قومنا النائين إذ شحطوا
أنّ الفؤادَ إليهم شيّق ولعُ
سقى الله،ربِّ الناسِ،سحاً وديمةٍ
جَنوبَ السّراةِ،من مآبٍ إلى زُعَرْ
بلاد امرىء،لا يعرفُ الذمُّ بيتَهُ
لهُ المشرب الصافي،وليسَ لهُ الكدرُ
بكيتَ،وما يُبكيكَ من طلل قفرِ
بسيفِ اللّوى بين عموران فالغمر
عبيد بن الأبرص

لمنْ جِمالٌ قُبيلَ الصبحِ مزمومة
مُيمماتٌ بلاداً غير معلومة
ساعدْ بأرضٍ إذا كنتَ بها
ولا تقلْ إنني غريب
فقد يوصل النازحُ النائي
وكلُّ ذي غيبةٍ يؤوبُ

ويقطعُ ذو السهمةِ القريبُ
وغائبُ الموتِ لا يؤوبُ
إذازُرتَ أطلالاً بقينَ على اللّوى
ملأنكَ من شوقٍ وهنَّ عُذوبُ
ونمّتْ عليكَ العينُ في عرصاتها
سرائرَ لم ينطق بهنَّ عَريبُ
وحنّتْ قَلوصي بعد وَهنٍ وهاجها
مع الشّوقِ يوماً بالحجازِ وميضُ
فقلتُ لها:لا تضجري،إنّ منزلاً
نأتني بهِ هندٌ إليَّ بغيضُ
زعمَ الأحبّة أنّ رحلتنا غداً
وبذاك خبرّناالغُدافُ الاسودُ
يا دار هندٍ عفاها كلُّ هطالِ
بالجوِّ مثلُ سحيق …البالي
حبستُ فيها صحابي كي أُسائلها
والدمعُ قد بلَّ مني جيبَ سربالي
شوقاً إلى الحيِّ أيام الجميعُ بها
وكيفَ يطربُ أو يشتاقُ أمثالي
عروة بن الورد
قالت تماضر إذ رأت مالي خوى
وجفا الأقاربُ،فالفؤادُ قريحُ
مالي رأيتُكَ في النّدى مُنكساً
وصباً،كأنّكَ في الندى نطيحُ؟
إذا المرءُ لم يطلب معاشاً لنفسهِ
شكى الفقرَ أو لامَ الصديق فأكثرا
وصارَ على الادنين كَلاً وأوشكت
قلوبُ ذوي القربى له أن تنّكرا
فَسرْ في بلاد الله والتمس الغنى
تعشْ ذا يسارٍ أو تموتَ فتعذرا
ولا ترضَ من عيشٍ بدونٍ ولا تنمْ
وكيفَ ينامُ الليلِ من كانَ مُعسرا
وإذا رُمتَ رحيلاً فارتحلْ
واعصِ مايأمرُ توصيم الكسل
ذريني للغنى أسعى فإنّي
رأيتُ الناس شرّهمُ الفقيرُ
وأبعدهم وأهونهم عليهم
وإن أمسى لهُ حسبٌ وخيرُ
وتعصيه الندى وتزدريه
حليلته وينهرهُ الصغير
ذريني أُطوِّفُ في البلادِ لعلّني
أُخَلّيكِ، أو أُغنيكِ عن سوءِ محضرِي
فإن فازَ سهمٌ للمنيةِ لم أكنْ
جزوعاً،وهل عن ذاكِ من متأخرِ؟
وإن فازَ سهمي كفّكم عن مقاعدٍ
لكم خلفَ أدبارِ البيوتِ ومنظرِ
وسائلةٍ أينَ الرّحيلُ،وسائلٍ
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبهْ
مذاهبهُ أنَّ الفجاجَ عريضةٌ
إذا ضنَّ عنه بالفعالِ أقاربُه
فلا أتركُ الإخوانَ،ماعشتُ للردى
كما أنهُ لايترك الماءَ شاربُه
لعلّ انطلاقي في البلدِ ورحلتي
وشدّي حيازيم المطيّة بالرّحلِ
سيدفعني يوماً إلى رب هجمة
يدافع عنها بالعقوق وبالبخل

خاطرْ بنفسك كي تُصيبَ غنيمةً
إنّ القعودَ مع العيالِ قبيحُ
المالُ فيهِ مهابةٌ وتجلّةٌ
والفقرُ فيهِ مذلةٌ وفضوحُ
أرى أمّ حسان الغداة تلومني
تُخوّفني الأعداء والنفسُ أخوفُ
تقول سُليمى لو أقمت بأرضنا
ولم تدرِ أنّي للمقام أطوفُ
لعلّ الذي خوّفتنا من أمامنا
يصادفهُ في أهلهِ المُتخلّفُ
إذا قلتُ قد جاءَ الغنى،حال َ دونهُ
أبو صبية يشكو المفاقر أعجفُ
لهُ خلّة لا يدخل الحقّ دونها
كريم أصابتهُ خطوب تجرفُ
فإنّي لمستاف البلاد بسربة
فَمُبلغ نفسي عذرها أو مطوف

الشنفرى

أقيموا بني أُمّي صدورَ مَطيّكمْ
فإنّي إلى أهلٍ سواكم لأميلُ
فقد حُمّتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ
وشُدّت لِطياتي مطايا وأرحلُ
هجرتَ أمامةَ هجراً طويلاً
وحَملّكَ النأيُ عبئاً ثقيلاً
وحُملّت منها على نأيها
خيالاً يُوافي ونيلاً قليلاً
ونظرة ذي شجنٍ وامقٍ
إذا ما الركائبُ جاوزنَ ميلا

تأبط شراً

تشكّي للهمومِ تُصيبهُ
كثيرُ الهوى،شتى النوى والمسالكِ

المغيرة بن حبناء

ومثلي إذا ما الدارُ يوماً نَبتْ بهِ
تحوّلَ عنها واستمرتْ مرائرهْ
ولا أنزِلُ الدارَ المُقيمَ بها الأذى
ولا أرأمُ الشىء الذي أنا قادرهْ
إذا أنتَ لم ترغبْ بدارٍ نزلتها
فَبِعها بدارٍ أو بجارٍ تجاورهْ

عوف بن مُحلم الخزاعي

أفي كلِّ عامٍ غُربةٌ ونزوحُ
أما للنوى من ونيةٍ فتُريحُ
لقد طلّحَ البينُ المُشتُّ ركائبي
فهل أرينَ البينَ وهو طليحُ
وأرّقني بالريِّ نوحُ حمامةٍ
فَنحتُ وذو اللبِّ الحزينِ ينوحُ
على أنها ناحت فلم تُرِ عبرةً
ونُحتُ وأسرابُ الدموع سفوحُ
وناحتْ وفرخاها بحيثُ تراهما
ومن دونِ أفراخي مهامهُ فيحُ
ألا ياحمام الأيكِ فرخك حاضر
وغصنُكَ ميّادٌ ففيمَ تنوحُ
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى
فتضحى عصا التسيار وهي طريحُ
فإنّ الغنى يُدني الفتى من صديقه
وعُدم الغنى للمعسرين طروحُ

بشامة بن الغدير

هجرتَ أمامةَ هجراً طويلاً
وحملّكَ النأيُ عبئاً ثقيلا
وحُملّتَ منها على نأيها
خيالاً يُوافي ونيلاً قليلاً
ونظرةَ ذي شَجنٍ وامقٍ
إذا ما الركائبُ جاوزنَ ميلا
أتتنا تُسائلُ ما بثنّا
فقلنا لها:قد عزمنا الرحيلا
وقلتُ لها:كنتِ وقد تعلمي
نَ،منذُ ثوى الركبُ عنا غَفولا
فبادرناها بِمُستعجلٍ
من الدّمعِ ينضحُ خداً أسيلا
وما كانَ أكثرُ ما نوّلتْ
من القولِ إلا صِفاحاً وقيلا
وعِذرتها أنّ كلَّ امرىء
مُعِدٌ له كلّ يومٍ شكولا
كأنّ النوى لم تكنْ أصقبت
ولم تأتِ قومَ أديم حلولا

علقمة بن عبدة الطبيب (علقمة الفحل)

هل ماعلمتَ وما استودِعتَ مكتومُ
أم حبلُها إذ نأتْ مصرومُ
أم هل كبيرٌ بكى لم يقضِِ عبرتهُ
إثرَ الأحبّةِ يومَ البينِ مشكوم
لم أدرِ بالبينِ حتى أزمعُوا ظعناً
كلُّ الجمالِ، قُبيلَ الصبحِ مزمومُ

الشمردل

ليتَ المُقيمُ مكانَ الظاعنين وقد
تدنو الظنونَ وينأى من بهِ تثِقُ
وما استحالوا عن الدارِ التي تركوا
عني كأنّ فؤادي طائرٌ علقُ
وفي الخدورِ مهاً لما رأينَ لنا
نحواً سوى نحوهنَّ اغرورقَ الحدقُ
أريننا أعيناً نُجلاً مدامعها
دافعنَ كلّ دوى أمسى بهِ رمقُ
بموطنٍ يتقى بعض الكلامِ بهِ
وبعضهُ من غشاش البينِ مسترقُ
القتال الكلابي
إذا هَبّتِ الأرواحُ،كان أحبّها
إليَّ التي من نحوِ نجدٍ هُبوبُها

الأقيشر

أيا صاحبي أبشرْ بزورتنا الحِمى
وأهلَ الحِمى من مُبغضِ وودودِ
قد اختلجت عيني فدلَّ اختلاجُها
على حُسنِ وصلٍ بعدَ قُبحِ صُدودِ

سلامة بن جندل

أبى القلبُ أن يأتي السديرَ وأهلَهُ
وإن قيل:عيشٌ بالسديرِ،غريرُ
بهِ البقّ،والحمى،وأسد خفيةٍ
وعمرو بن هندٍ يعتدي ويجورُ
فلا أُنذرُ الحيَّ الألى نزلوا بهِ
وإنّي لمن لم يأتهِ لنذيرُ

المخبل السعدي

ألا يالقومي وللرسومِ تبيد
وعهدُكَ ممن حبلهن جديد
وللدار بعدَ الحيّ يُبكيكَ رسمها
وما الدارُ إلا دِمنة وصعيد
أتهجرُ ليلى،بالفراقِ حبيبها
وما كانَ نفساً،بالفراقِ،تطيبُ

المُثقب العبدي

أكُلَّ الدهرِ حلٌ وارتحالُ
أما تبُقي عليَّ وما تقيني

مالك بن الريب

ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
بجنبِ الغضى أزجي القلاص النواجيا
فليتَ الغضا لم يقطع الرّكبُ عَرضهُ
وليتَ الغضا ماشى الركابَ لياليا
لقد كان في أهلِ الغضا لو دنا الغضا
مرارٌ ولكنَّ الغضا ليسَ دانيا
ففي الأرضِ عن دارِ المذلّة مذهبٌ
وكلُّ بلادٍ أُوطنتْ كبلادي

الأخفش

أقولُ لصاحبيَّ بأرضِ نجدٍ
وجَدَّ مسيرُنا ودنا الطّروق
أرى قلبي سينقطعُ اشتياقاً
وأحزاناً وما انقطع الطريق

ذو الإصبع العدواني

عَفٌ يؤوسٌ،إذا ماخِفتُ من بلدٍ
هُوناً،فلستُ بوقافٍ على الهونِ

ابن كعب الغنوي

فإذا بلغتُم أرضَكمْ فتحدّثوا
ومن الحديثِ متالفٌ زخلودُ

المرقش الأكبر

أينما كنتِ أو حللتِ بأرضٍ
أو بلادٍ،أحييتِ تلك البلادا

المرقش الأصغر

أفاطمَ لو أنَّ النساء ببلدةٍ
وأنتِ بأخرى،لاتبعتُكِ هائما

الصمة القشيري

حننتَ إلى رَيّا ونفسُكَ باعدتْ
مزاركَ من ريّا وشَعباكما معا
فما حسَنٌ أن تأتي الامرَ طائعاً
فليت جمال الحيِّ يومَ ترّحلوا
فيصبحن لا يحسنَّ مشياً براكبٍ
كأنّكَ بِدْعٌ لم ترَ البينَ قبلها
كأتكَ لم تشهد وداعََ مفارقٍ
ألا يا غرابي بينها لا ترفّعا

وتجزعَ أن داعي الصّبابةِ أسمعا
بذي سَلَمٍ أمست مزاحيف ظُلعا
ولا السيرُ في نجدٍ،وإن كانَ مهيعا
ولم تكُ بالآلافِ قبلُ مفجعا
ولم ترَ شعبيَ صاحبين تقّطعا
وطيرا جميعاً في الهوى وقعا معا
قِفا ودِّعا نجداً ومن حلَّ بالحِمى
بنفسي تلك الأرضُ ما أطيبَ الربى
وأذكرُ أيامَ الحمى ثمّ أنثني

وقلَّ لنجدٍ عندنا أن يُودَّعا
وما أحسنَ المصطافَ والمتربعا
على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا
وليستْ عشيّاتُ الحمى برواجعٍ
عليكَ ولكنْ خَلِّ عينيكَ تدمعا
ولمّا رأيتُ البِشرَ أعرضَ دونَنا
أمن أجلِ دار بالرّقاشين أعصفتْ

وجالتْ بناتُ الشّوقِ يَحنِنَّ نُزَّعا
عليها رياح الصيفِ بدءاً ورُجّعا
بكتْ عينيَ اليمنى فلما زجرتها
أتجزعُ والحيّانِ لم يتفرقا
تحملَ أهلي من قُنين وغادروا
فرحتُ ولو أسمعت مابي من الجوى

عن الجهلِ بعدَ الحلمِ أسبلتا معا
فكيفَ إذا داعي التفرّقِ أسمعا
به أهل ليلى حين جيد وأفرعا
رذيَّ قطاء حنَّ شوقاً ورّجعا
تَلفّتُ نحوَ الحمى ثم أنثني
على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا
كأنّ فؤادي من تذكره الحمى
وأهلُ الحمى،يهفو به ريشُ طائر
سلامٌ على الدنيا فما هي راحةٌ
إذا لم يكنْ شملي وشملكمُ معا
ولا مرحباً بالرّبعِ لستم حُلولَهُ
ولو كانَ مخضّل الجوانبِ مُمرعا
لَعمري ولقد نادى منادي فراقنا
بنفسي تلكَ الأرضُ ما أطيبَ الرُّبى

بتشتيتينا في كلّ وادٍ فأسمعا
وما أحسنَ المصطافَ والمُتربعا
كأنّا خُلقنا للنوى وكأنّما
ولم أرَ مثل العامرية قبلها
تُريكَ غداةَ البينِ مقلةَ شادنٍ

حرامٌ على الأيامِ أن نتجمعا
ولا بعدها يوم ارتحلنا مودّعا
وجيدَ غزال في القلادة أتلعا
أوس بن حجر
لا تُحزنيني بالفراقِ فإنني
لا تَستهلُّ من الفراقِ شؤوني

معن بن أوس

تأوّبهُ طيفٌ بذاتِ الجراثمِ
فنامَ رفيقاهُ وليسَ بنائم

المسيب بن علس

أرحلت من سلمى بغير متاعِ
قبلَ العُطاسِ ورُعتها بوداع

سوار بن المضرب

سقى الله اليمامةَ من بلادٍ
نوافحها كأرواحِ الغواني
وجوٌّ زاهرٌ للريحِ فيه
نسيمٌ لا يروعُ التُربَ،وانِ
بها سُقتُ الشبابَ إلى مشيبٍ
يُقبحُ عندنا حسنَ الزمانِ
أُحبُّ عُمانَ من حبي سُليمى
وما طِبّي بِحبِّ قرى عمان
علاقة عاشقٍ وهوىً متاحاً
فما أنا والهوى متدانيان
فلا أنسى لياليَ بالكلندى
فنينَ وكلُّ هذا العيشِ فاني

صدفة بن نافع الغنوي

ألا ليتَ شعري هل تَحنِنَّ ناقتي
ببيضاءِ نجدٍ حيثُ كانَ مسيرُها
فتلكَ بلادٌ حبّبَ الله أهلها
إليك،وإن لم يُعطِ نصفاً أميرُها
بلادٌ بها أنضيتُ راحلةَ الصِّبا
ولانتْ لنا أيامها وشهورُها
فقدنا بها الهمَّ المُكدّرَ شُربُهُ
ودارَ علينا بالنعيمِ سرورها

عبد يغوث بن وقاص الحارثي

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
فما لكما في اللومِ خيرٌ ولا ليا
أيا راكباً إمّا عرضت فبلغنَّ
نداماي من نجران ألا تلاقيا
أقولُ وقد شدّوا لساني بنسعةٍ
أمعشر تيمٍ أطلقوا عن لسانيا
أحقاً عباد الله أن لست سامعاً
نشيد الرّعاء مغربين المتاليا
وقد علمت عرسي مُليكة أنني
أنا الليثُ معدواً عليَّ وعاديا
وقد كنتُ نحّارَ الجزور ومُعمل ال
عطيَّ وأمضي حيث لا حيَّ ماضيا
وأنحرُ للشّربِ الكرام مطيتي
وأصدعُ بين القينتين ردائيا
وكنتُ إذا ما الخيلُ شمسها القنا
لبيقا بتصريف القناة بنانيا
كأني لم أركب جواداً ولم أقل
لخيلي كُرّي نفسي عن رجاليا
ولم أسبأ الزِّق لبردّيّ ولم أقل
لأيسار صدق …ناريا

أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرتهُ
إثرَ الأحبّةِ يومَ البينِ معذورُ
الأعشى الأكبر(ميمون بن قيس)
تصابيتَ أم بانتْ بعقلك زينبُ
وقد جعلَ الودُّ الذي كان يذهبُ
وشاقتكَ أظعانٌ لزينبَ غدوة
تحملنَ حتى كادت الشمسُ تغرُبُ
ودِّعْ هريرةَ إنَّ الرّكبَ مُرتحلُ
وهلْ تُطيقُ وداعاً أيها الرجلُ

متى يغتربْ عن قومهِ لا يجد لهُ
رواية:”ومن يغترب عن قومه لايزل يرى

على من لهُ رهطٌ حواليه مُغضبا
مصارع مظلوم مَجرّاً ومَسحبا”
وتدفنُ منهُ الصالحاتُ ،وإن يُسىء
ليسَ مُجيراً إن أتى الحيَّ خائِفٌ
ورُبَّ بقيعٍ لو هتفتُ بجوّهِ

يكن ما أساءَ ،النارَ في رأس كبكبكا
ولا قائلاً إلا هو المُغيّبا
أتاني كريمٌ يُنفضُ الرأسَ مُغضبا

عمرو بن هبيرة العبدي

أبى الله للجيران إلا مذلة
ومن يغترب عن قومهِ يتذلل

عتبة بن حوط التميمي
أقيمُ بالدارِ ما اطمأنتْ بي الدارُ
وإن كنتُ نازعاً طربا
وإن بأرض نبت بي الدار عجلت
إلى غير أهلها القربا
لا سانح من سوانح الطير بثنيني
ولا ناعب إذا نعبا

ربيعة بن مقروم الضبي
ودار الهوان أنفنا المقام
بها فحللنا محلاً كريماً

الحريش السعدي

ألا خلّني أذهبْ لشأني ولا أكنْ
على الناسِ كِلاً،إنّ ذا لشديدُ
أرى الضَرْبَ في البلدانِ يُغني معاشراً
ولم أرَ من يُجدي عليهِ قعودُ
أتمنعني خوفَ المنايا ولم أكنْ
لأهربَ مما ليسَ عنهُ مَحيدُ
فلو كنتُ ذا مالٍ لَقُرِّبَ مجلسي
وقيلَ إذ أخطأتُ أنتَ سديدُ
فدعني أُطوِّفُ في البلادِ لعلّني
أسرُّ صديقاً أو يُساءُ حسودُ

أحمر بن سالم

مُقِلٌ رأى الإقلالَ عارٌ فلم يزلْ
يجوبُ بلادَ الله حتى تموّلا
إذا جابَ أرضاً ينتويها رمت به
مَهامِهَ أخرى عيسهُ فتغلغلا
ولم يُثنهِ عمّا أرادَ مهابةٌ
ولكن مضى قدماً وإن كان مُبْسَلا
يلاقي الرزايا عسكراً بعدَ عسكرٍ
ويغشى المنايا جحفلاً ثمّ جحفلا
على ثقةٍ أن سوفَ يغدو مُجدِّلاً
على المالِ قرناً أو يروحُ مُجدلا
فلما أفادَ المالَ جادَ بفضلهِ
لمن جاءهُ يرجو جَداهُ مُؤمّلا
وإنّ امرءاً قد باعَ بالمالِ نفسَهُ
وجاد بهِ أهلٌ لأن لا يُبخلا

أبو النشناش النهشلي
وسائلةٍ أينَ ارتحالي وسائلٍ
ومن يسألُ الصعلوكَ أين مذاهبهْ
لِيُدركَ ثأراً أو لِيُدركَ مغنماً
جزيلاً،وهذا الدهرُ جمٌّ عجائبهْ
إذا المرءُ لم يَسرحْ سَواماً ولم يُرِحْ
سواماً ولم تعطِفْ عليهِ أقاربهْ
فللموتُ خيرٌ للفتى من قعودهِ
عديماً ومن مولىً تدِبُّ عقاربهْ
فلم أرَ مثلَ الفقرِ ضاجعهُ الفتى
ولا كسوادِ الليلِ أخفقَ طالبهْ
فَمُتْ مُعدماً أو عشْ كريماً فإنني
أرى الموتَ لا بنجو من الموتِ هاربهْ
ودعْ عنكَ مولى السّوءِ والدّهرِ إنّهُ
سيكفيكهُ أيامهُ وتجاربه

عبدُ قيس بن خفاف البرجمي
واترك محلَ السّوءِ لا تحللْ به
وإذا نبا بك منزلٌ فتحوّلِ
دارُ الهوانِ لمن رآها دارَهُ
أفراحلٌ عنها كمن لم يرحلِ

الحارث بن حلزة
ألا بانَ بالرهن الغدتةَ الحبائبُ
كأنّكَ معتوبٌ عليكَ وعاتبُ

لا أرى من عهدت فيها فأبكي اليوم
دلها وما يُجيرُ البكاء

الأقرع بن معاذ العامري
إذا راحَ ركبٌ مُصعدونَ ،فقلبهُ
مع الرائحين المصعدين جَنيبُ
وإن هبَّ عُلويُّ الرياحِ وجدتني
كأنّي لعلو ياتهنَّ نسيبُ

أبو الرّبيس التغلبي
أيُّ عيشٍ عيشي إذا كنتُ فيهِ
بينَ حَلٍّ وبينَ وشكِ رحيلِ
كلُّ فجٍّ من البلادِ كأنّي
طالبٌ بعضَ أهلهِ بدحولِ
ما أرى الفضلَ والتكرُمَ إلا
ترككَ النفسَ عن طِلابِ الفضولِ
وبلاءٌ حملُ الأيادي وأن تسمع
مَنّاً تُؤتى بهِ من مُنيلِ

أبو عدي العبلي
أحِنُّ إلى وادي الأراكِ صبابةً
لعهدِ الصِّبا وتذكار أوّلِ
كأنَّ نسيمَ الريحِ في جنباتهِ
نسيمُ حبيبٍ أو لقاءُ مُؤّملِ

جابر بن الثعلب الطائي

وقامَ إليَّ العاذلاتُ يلمنني
يَقُلنَ:ألا تنفكُّ ترحَلُ مَرحلا
فإنّ الفتى ذا الحزم رامٍ بنفسهِ
جواشِنَ هذا الليلِ كي يتموّلا
ومن يفتقرْ في قومهِ يحمدِ الغنى
وإن كانَ فيهم واسط العمِّ مُخولا
كأنَّ الفتى لم يَعْرَ يوماً إذا اكتسى
ولم يكُ صعلوكاً إذا ما تموّلا
ولم يكُ في بؤسٍ إذا نامَ ليلهُ
يُناغي غوالاً فاترَ الطرفِ أكحلا

مضرس بن قرط الحارثي المزني
تكادُ بلادُ الله يا أمَّ مَعمرٍ
بما رَحبُتْ يوماً عليَّ تضيقُ
وهيّجني للوصلِ لأيامُنا الألى
مررنَ علينا والزمانُ وريقُ
لياليَ لا تهوينَ أن تشحط النوى
وأنت خليلٌ لا يُلامُ صديقُ
أتجمعُ قلباً بالعراقِ فريقُهُ
ومنهٌُ بأطلالِ الأراكِ فريقُ

أبو المياح العبدي
إذا خفتَ من دارٍ هواناً فولّها
سِواكَ،وعن دار الاذى فتحوّلِ

الخطيم المحرزي
عليكَ السلامُ فارتحلْ غيرَ باعدٍ
وما البعدُ إلا في التنائي وفي الهجرِ


معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب

ذكرتُ بها الإيابَ ومن يُسافر
كما سافرتُ يَدِّكرِ الإيابا

عمرو بن الأهتم السعدي النقري
وهانَ على أسماءَ أن شطّتِ النّوى
يحنُّ إليها والهٌ ويتوقُ

راشد السلمي وقيل غيره
فألقتْ عصاها واستقرّ بها النوى
كما قرَّ عيناً بالإيابِ المسافرُ

حزن بن جناب
وإن خفتَ من دارٍ هواناً فولّها
سواك وعن دارِ الاذى فتحوّلِ

سعدى بنت الشمردل
كم من جميعِ الشملِ ماتئمِ الهوى
كانوا كذلك قبلهم فتصدّعوا

أبو جويرية العبدي
سلّمنَ نحوي للوداعِ بمقلةٍ
فكأنّما نظرت إلينا الربربُ
وقرأن بالحَدقِ المِراضِ تحية
كادت تكلمنا وإن لم تُعرِبُ

علي بم محمد الإيادي
بالجزعِ فالخبتين أشلاء دار
ذات ليال قد تولّتْ قِصارُ
بانوا فماتت أسفاً بعدهم
وإنما الناسُ نفوسُ الديارُ

مالك بن أسملء الفزاري
بكتِ الديارُ لفقدِ ساكنها
أفعندَ قلبي أبتغي الصبرا؟

عبيد السلامي
فهل مثلُ أيامٍ تسلّفن بالحمى
عوائدُ أو غيثُ الستارين واقعُ
فإنّ نسيم الريح من مدرج الصَّبا
لأورابِ قلبٍ شفّهُ الحبُّ نافعُ

الزبير بن عبد المطلب:
ولا أُقيمُ بدارٍ لا أشدُّ بها
صوتي إذا ما اعترتني سَورةُ الغضبِ

أمية بن أبي عائذ الهذلي
ألا إنّ قلبي مع الظاعنينا
حزينٌ،فمن ذا يُعزّي الحزينا
فيالكِ من روعةٍ يومَ بانوا
بمن كنتُ أحسبُ ألا يبينا
أحدهم:
إذا ما ذكرتُ الثغرَ فاضت مدامعي
وأضحى فؤادي نهبة للهماهم
حنيناً إلى أرض بها اخضرَ شاربي
وحُلت بها عني عقودُ التمائم
وألطف قوم بالفتى أهل أرضه
وأرعاهم للمرءِ حق التقادم