الإعجاز الطبي في القرآن والسنّة

بسم الله الرحمن الرحيم

الإعجاز الطبي في القرآن والسنّة

معنى الإعجاز:

تعريف الإعجاز:

مشتق من العجز,والعجز:الضعف أو عدم القدرة،وهو مصدر أعجز بمعنى الفوت والسبق(كما جاء في لسان العرب لإبن منظور والمفردات للراغب الأصفهاني).

والمعجزة:

في اصطلاح العلماء:أمر خارق للعادة،مقرون بالتحدي،سالم من المعارضة(تفسير القرطبي وفتح الباري).وهي ظاهرة تكررت في حياة الرسل صلوات الله عليهم وسلم لتكون دليلاً على صدق دعواهم ونبوتهم.يُظهرها الله على أيديهم ويعجز البشر عن معارضتها،فلا بد للمعجزة أن يتوفر فيها أمورٌ ثلاث:

1 ـ أنها أمرٌ خارقٌ للعادة،غيرُ جارٍ على ما اعتاد الناس عليه من سنن الكون والظواهر الطبيعية.

2 ـ أنها مقرونة بالتحدي.

3 ـ أنها أمرٌ سالم عن المعارضة،فمتى أمكن لأحد أن يعارض هذا الأمر ويأتي بمثله بطل أن يكون معجزة.

والمعجزة:إما أن تكون حسية كأكثر معجزات الأنبياء السابقين ومنها إحياء الموتى،وميلاد المسيح عليه السلام من غير أب(سيدنا عيسى) أو انشقاق البحر(سيدنا موسى)وعدم احتراق سيدنا إبراهيم عليه السلام بالنار،وانشقاق القمر(سيدنا محمد)…

وإما أن تكون المعجزة عقلية،فالقرآن الكريم معجزة عقلية.

والمعجزات قد تكون آنية تقع وتنقضي:كالإسراء والمعراج،وانشقاق القمر،وفلق البحر…وإما أن تكون معجزة خالدة باقية كالقرآن الكريم،لأن الإسلام آخر الشرائع وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،وفيه الإعجاز البياني،والإعجاز الغيبي،والإعجاز التشريعي،والإعجاز العلمي(يمكن الرجوع إلى مقال “إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا” في الموقع).

وإعجاز القرآن:

يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله.أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله.

ووصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم.والعلم:هو إدراك الأشياء على حقائقها أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً(المفردات للراغب الأصفهاني،والشوكاني).والمقصود بالعلم في هذا المقام:العلم التجريبي.

وعليه فإن الإعجاز العلمي: هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مما يظهر صدقه فيما أخبره به الوحي عن ربه سبحانه وتعالى،ويعجز البشر عن نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى أي مصدر بشري.

ولقد حان الزمن لمعرفة الحقائق العلمية التي توجد في القرآن والسنة النبوية.{ولَتعلمُنَّ نبأَهُ بعدَ حينٍ}[ص 88]، {لِكُلِّ نبأٍ مستقرٌّ وسوفَ تعلمون}[الأنعام 67].ولرؤية حقائق العلم الذي نزل به الوحي{حتى يتبينَ لهم أنهُ الحق}[فصلت 53].

الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي:

التفسير العلمي:هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ماترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية.

يقول الدكتور زغلول النجارحفظه الله:(التفسير العلمي للقرآن الكريم):

“هو توظيف كل المعارف المتاحة للإنسان في كل عصر من العصور،وفي مختلف مجالات الدراسات العلمية،البحثية منها والتطبيقية،في حسن فهم دلالات الآية القرآنية وذلك لأن الآيات القرآنية في كتاب الله ترد كلها في صياغة ضمنية لطيفة يظهر منها أهل كل عصر معنى معيناً على ضوء المعارف المتاحة لهم وتظل هذه المعاني المتتالية للآية الواحدة تتسع باتساع دائرة المعارف الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد وذلك تحقيقاً لوصف المصطفى صلى الله عليه وسلم لكتاب الله بأنه:”لايخلق على كثرة الرد ولاتنقضي عجائبه”.

ولما كان التفسير جهداً بشرياً لحسن فهم دلالة الآية القرآنية إن أصاب فيه المفسر فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد جاز للمفسر استخدام كل الوسائل المتاحة له سواء كانت حقائق علمية أو فروضاً أو نظريات مادام الإخلاص والتجرد وصدق النية قد توفر ومادام قد استعان بالأدوات اللازمة للتعرض لتفسير كلام الله بعد إلمام باللغة العربية ومفرداتها وقواعدها وأساليب التعبير فيها وبكل من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والمأثور وجهود السابقين في ذلكم المجال”.

وأما الإعجاز العلمي:

فهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم امكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.

يقول الدكتور زغلول النجار:”أما الإعجاز العلمي للقرآن والسنة:فهو موقف تحد نثبت فيه للناس كافة ـ مسلمين وغير مسلمين ـ أن هذا الكتاب الذي أنزل قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة على نبي أميِّ في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين يحوي من حقائق هذا الكون مالم يستطع الإنسان أن يصل إلى شىء من إدراكه إلا منذ عشرات قليلة من السنين وبعد مجاهدة استغرقت جهود أعداد كبيرة من العلماء في فترات زمنية طويلة.وهذا الموقف المتحدي لايجوز أن يوظف فيه إلا الحقائق العلمية القاطعة التي حسمها العلم ولم تعد مجالاً للخلاف لأنه إذا وظفت فيه الفروض والنظريات وهي عرضة للتغيير والتبديل انهارت القضية وبطل التحدي بل انقلب على صاحبه وعلى القضية التي استخدمها من أجل الانتصار لها”.

ويقول الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“نحن نعلم أن الحق سبحانه وتعالى أنزل كتاباً هو القرآن،وجعله معجزة ومنهجاً،وهذه هي الميزة التي امتاز بها الإسلام،فمنهج الإسلام هو عين المعجزة،وكل رسول من الرسل كان منهجه شيئً ومعجزته كانت شيئاً آخر.والمنهج القرآني فيه أحكام،والأحكام معناها افعل كذا،ولاتفعل كذا…وأما آيات الله الكونية التي لا تتأثر،فقد طمرها الله وسترها في القرآن مع إشارة إليها،لأن العقل المعاصر لنزول الكتاب لم يكن قادراً على استيعابها في زمن الرسالة.وكل الآيات الكونية لم يعط الله أسرارها إلا بقدر ما تتسع العقول،وترك في كتابه مايدل على مايمكن أن تنتهي إليه العقول الطموحة بالبحث العلمي…والبشرية عندما تكتشف شيئاً جديداً،نقول لهم:القرآن مسّها وجاء بها،فيقولون: عجباً هل فعل القرآن ذلك منذ أربعة عشر قرناً،على الرغم من أنه نزل ليخاطب أمة أميّة،وجاء على لسان رسول أميّ. ونقول: نعم…”.

قواعد وأسس أبحاث الإعجاز العلمي:

1 ـ علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لايعتريه خطأ،ولايشوبه نقص،وعلم الإنسان محدود وهو معرض للخطأ والنقصان{ولو كانَ من عندِ غيرِ الله لوجدوا فيهِ اختلافاً كثيراً}[النساء 82].

2 ـ هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة،كما أن هناك حقائق علمية كونية قاطعة.

ولا يمكن أن تتناقض آيات القرآن،ولا يمكن أن يتناقض حديث صحيح مع آية قرآنية،فإذا وجد شىء مما سبق فلا بد أن يكون هناك سوءاً في الفهم،أو تقصيراً في البحث،أو نقصاً في العلم البشري.

3 ـ هناك في الوحي نصوص ظنية في دلالتها،وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها.

4 ـ لايمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي،فإن وقع في الظاهر،فلابد أن هناك خللاً في اعتبار قطعية أحدهما وهذه قاعدة جليلة قررها علماء المسلمين.

5 ـ إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شىءٍ علماً.وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلاً على صحة تلك النظرية،وإذا كان النص ظنياً والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها.

6 ـ إذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية،وبين حديث ظني في ثبوته،فيؤول الظني من الحديث ليتفق مع الحقيقة القطعية وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.

7 ـ عدم توظيف سوى الحقائق العلمية الثابتة التي حسمها العلم وأصبحت من الأمور القطعية المسلمة التي لارجعة فيها وذلك في الاستدلال على سبق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في الإشارة إلى تلك الحقيقة الكونية.

8 ـ عدم التكلف وعدم ليّ أعناق الآيات للتوافق مع الحقيقة العلمية لأن القرآن الكريم أعزّ علينا من ذلك وأصدق.

9 ـ احترام التخصص العلمي حتى لايخوض في هذه القضية التخصصية كل خائض ولايخوض متخصص في فرع من فروع العلم لإثبات الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كافة التخصصات الخارجة عن مجاله فقد انتهى زمن العلماء الموسوعيين وأصبح مستحيلاً على فرد واحد أن يخوض في قضية الإعجاز من علم الأجنة إلى علوم الفلك.

10 ـ لابد لفهم النص القرآني أو الحديث النبوي من مراعاة ما يلي:

ـ معاني المفردات:كما كانت هذه المعاني في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

ـ القواعد النحوية والبلاغية ودلالاتها.

ـ مراعاة جميع النصوص القرآنية والنبوية حول نفس الموضوع.

ـ هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة وهناك حقائق علمية كونية قطعية الدلالة.

ـ هناك نصوص من الوحي ظنية الدلالة(أي تحتمل عدة معان…)وهناك في العلم نظريات ظنية في ثبوتها.

11 ـ التأكد من صحة الحديث النبوي الشريف ودرجة ذلك قبل التعرض لإثبات جوانب الإعجاز العلمي فيه.

12 ـ إن نصوص الوحي نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني في مواضعها التي قد تتابع في ظهورها جيلاً بعد جيل وزمناً بعد زمن.

13 ـ لايعتمد على النصوص الظنية أو الأحاديث الضعيفة أو النظريات العلمية المتبدلة في إظهار أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

إن القرآن الكريم كما يقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله:

“هو كتاب هداية وإرشاد أنزله الله تعالى{آلم*ذلك الكتاب لاريبَ فيه هدىً للمتقين}[البقرة 1 ـ 2]،وهذا هو الهدف الرئيسي من كتاب الله عز وجل،فهو كتاب هداية،ولم يتنزل ليكون كتاب طب أو فلك أو زراعة أو صناعة”.

ومن جهة أخرى وكما تقول الأمانة العامة لهيئة الإعجاز العلمي:

“إن معجزة القرآن العلمية تظهر لأهل العلم في كل مجال من مجالاته،فهي ظاهرة في نظمه،وفي إخباره عن الأولين،وفي إنبائه بحوادث المستقبل،وحكم التشريع وغيرها،ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا،للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة التي كشفت عنها العلوم الكونية”.

ولكنه من المقرر أيضاً كما يقول الدكتور عبد الحافظ حلمي:

“أن القرآن تعرّض في آيات كثيرة إلى الكثير من مظاهر هذا الوجود الكوني،ومنها ذكر السموات والأرض والشمس والقمر،والمشارق والمغارب،والبروج والنجوم والكواكب،والليل والنهار،والفجر والغسق،والظلمات والنور،والبحار والأنهار والعيون،والرياح اللواقح والعقيم،والسحاب الثقال والمركوم والمنبسط،والبرق والمطر،والجبال الراسيات والجُدد الحمر والغرابيب السود،والأرض الهامدة والأرض المهتزة الرابية،والجنات والنخيل والأعناب والتين والزيتون والطلح والسدر واليقطين،والنمل والنحل وجناح البعوض والذباب وبيت العنكبوت،والطير الصافات والإبل والأنعام،واللبن يخرج من بين الفرث والدم،والشراب الشافي الذي يخرج من بطن النحل،وخلق الإنسان من ماء مهين وتطوره في ظلمات ثلاث،خلقاً من بعد خلق في قرار مكين،والحديث عن شفتيه ولسانه وسمعه وبصره وفؤاده،….هذه كلها أمثلة قليلة،بعيدة عن تمام الحصر….وكثيراً ما تُختم هذه الآيات بالحثّ على التعقل والتفكر والتدبر والنظر:

{أفلا يتدبَّرونَ القُرآنَ أم على قلوبٍ أقفالُها}[محمد 24]،{قلِ انظُروا ماذا في السَّماواتِ والأرض}[يونس101]،{فلينظر الإنسانُ مِمَّ خُلِقْ*خُلِقَ من ماءٍ دافقٍ}[الطارق 5 ـ 6]،{وفي الأرضِ آياتٌ للِموقنينَ*وفي أنفُسكمْ أفلا تُبصرونَ}[الذاريات 20 ـ 21]،{انظروا إلى ثمرهِ إذا أثمرَ وينعهِ إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنونَ}[الأنعام 99]…..

بل أبعد من هذا لقد قرن الله تعالى الإيمان بالتدبر في خلق السمواتِ والأرض{إنَّ في خلقِ السّماواتِ والأرضِ واختلاف الليلِ والنهارِ لآياتٍ لأولي الألباب*الذينَ يذكرونَ اللهَ قياماً وقعوداً وعلى جنوبهمْ ويتفكرونَ في خلقِ السّماواتِ والأرضِ ربّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سُبحانكَ فَقِنا عذابَ النّار}[آل عمران 190 ـ 191]

لقد وجّه الله سبحانه وتعالى كما يقول الدكتور محمد علي البار إلى ذلك الأسلوب الداعي إلى التعلم والتدبر،ومخاطبة العقل،واستنباط الأمورمن واقع الحياة،ومن آيات الله الكونية والنفسية{ولا تقفُ ماليسَ لكَ بهِ علمٌ إنَّ السّمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كانَ عنهُ مسئولا}[الإسراء 36].وإنّ المتأمل بصورة رئيسية إلى هذا الكائن الحي الإنسان وتركيبه ووظائفه ومواهبه أدهشهُ ذلك الصُنع البديع{صُنعَ الله الذي أتقنَ كلَّ شىءٍ إنّهُ خبيرٌ بماتفعلون}[النمل88].

وإن كلّ هذه المعاني التي يدركها الإنسانُ في نفسه،فيما يحفّ به من آيات الملكوت إن هي إلا وَشل في محيط،وغيضٍ من فيض،وجزيرة صغيرة في بحرٍ لا نهاية له حيال تلك الآيات{وما أُتيتمْ من العلمِ إلا قليلا}[الإسراء 85].

ويقول الشيخ العلامة إمام الدعاة محمد متولي الشعراوي رحمه الله (معجزة القرآن):

“القرآن الكريم هي معجزة خالدة باقية إلى يوم القيامة…والقرآن خاتم الكتب السماوية…ليس له عصر معين في إعجازه ولا زمن محدد في تحديد للبشرية كلها…وهو لم يأت ككتاب علم…هذه حقيقة يجب أن نضعها في أذهاننا…ولكنه في نفس الوقت جاء كمعجزة خالدة باقية…ومن هنا فإن فيه إعجازاً لكل العصور…إعجازاً لمن عاشوا قبلنا وإعجازاً لعصرنا هذا وإعجازاً لمن سيأتون بعدنا…حتى تنتهي الدنيا وما فيها…والقرآن جاء لينذر من كان حياً…ومن هنا فإنه موجه إلى الأحياء…وتحديه هو بالنسبة لمن يقيمون على هذه الأرض…وليس لمن انتقلوا منها إلى العالم الآخر..فأولئك يرون عين اليقين…ويعرفون الحق بعد مغادرتهم الدنيا….والقرآن مزق حجب الغيب الثلاثة…حجاب الزمن الماضي وحجاب الحاضر وحجاب المستقبل…بل إنه دخل إلى داخل النفس البشرية ليظهر مايخبئه الإنسان…ولا يبوح به..ولايعلمه إلا الله…ومزق القرآن بعد ذلك حجب المستقبل القريب والبعيد فأنبأ عن أشياء لم يكن العقل يعتقد أنها ستحدث أو أنها يمكن أن تحدث…وتنبأ بنتائج حروب ومصائر شعوب…وقال لنا أن الأرض كروية،وبين لنا علم الأجنة قبل أن يعرفه العالم،وتحدى البشرية في أن تخلق ذبابة واحدة…وكشف عما هو أصغر من الذرة..ونلاحظ أن كلمة أصغر معناها منتهى الدقة في صغر الحجم،لأن هناك صغيراً وأصغر وقال:{وماتحت الثرى}مشيراً إلى أن هناك ثروات هائلة في باطن الأرض…ثم أنبأنا عن معجزة الخلق،وكيف يتم،وأبان لنا أشياء وصلنا إليها بالعلم الأرضي،وأشياء لم نصل إليها حتى الآن”.

ولكن عند التدبر في آيات الله واستخراج مافيها من الإعجاز لابد أن نذكر دوماً أن القرآن الكريم لم يكن في يوم من الأيام،ولم ينزله الله كتاب علم ولا طبّ ولا صيدلة ولا فلك…ويجب أن لانخرجه عن هذه الغاية الرئيسية التي نزّله الله من أجلها وهو أنه كتاب هداية وإصلاح،وأن لاننحى منحى بعض المؤلفين والمفسرين في القديم والحديث ونقول أن القرآن الكريم قد تضمن كل أصول العلوم الكونية…إن مانحى إليه هؤلاء وأمثالهم هو جهد مشكور،ولكنه تكليفٌ بما لم يكلفنا الله به قد يصل في كثير من الأحيان إلى درجة التكلف،فهذه ناحية مهمة لابد من الاهتمام بها عند التعرض لهذا البحث وأمثاله.

يقول الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“إن محاولة ربط القرآن بالنظريات العلمية،أخطر ما نواجهه،ذلك أن بعض العلماء في اندفاعهم في التفسير وفي محاولاتهم ربط القرآن بالتقدم العلمي،يندفعون في محاولة ربط كلام الله بنظريات علمية مكتشفة،يثبت بعد ذلك أنها غير صحيحة،وهم في اندفاعهم هذا يتخذون خطوات متسرعة،ويحاولون إثبات القرآن بالعلم،والقرآن ليس في حاجة إلى العلم ليثبت،فالقرآن ليس كتاب علم،ولكنه كتاب عبادة ومنهج.ولكن الله سبحانه وتعالى في علمه،علم أنه بعد عدة قرون من نزول هذا الكتاب الكريم سيأتي عدد من الناس ويقولون انتهى عصر الإيمان،وبدأ عصر العلم،ولذلك وضع في قرآنه ما يعجز هؤلاء الناس،ويثبت أن عصر العلم الذي يتحدثون عنه قد بينّه القرآن  في صورة حقائق الكون…بينّه منذ أربعة عشر قرناً ولم يكشف العقل البشري معناها إلا في السنوات الماضية مصداقاً للآية الكريمة{سنريهم آياتنا في الآفاق…} ومن هنا فإن الله سبحانه قد أعلمنا أن هناك حقائق وآيات سيكشف عنها لكل جيل،ولكن ليس معنى هذا أن نحمل معاني القرأن أكثر مما يحتمل،وأن نتعامل معه على أساس أنه كتاب جاء يُنبئنا بعلوم الدنيا،فالقرآن لم يأت ليُعطينا أسرار علم الهندسة أو علم الفلك أو علم الفضاء…إلى آخر هذا”.

وبعض هؤلاء المفسرين والمؤلفين ـ جزاهم الله كل خير ـ يستندون في هذا القول والاجتهاد في أن القرآن جامع لكل العلوم من خلال قوله تعالى{ما فَرّطنا في الكتابِ من شىءٍ}[الأنعام 38]،وهذا تفسير غير صحيح لأنّ هذه الآية جزء من آية{وما منْ دابَّةٍ في الأرضِ ولا طائرٍ يطيرُ بجناحيهِ إلا أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتابِ من شىء ثُمَّ إلى ربّهم يُحشرونَ}[الأنعام 38]،فالكتابُ هنا ليس القرآن الكريم بل الكتاب الذي قال عنه ربّ العالمين:{وما يَعزُبُ عن ربّكَ من مثقالِ ذرّةٍ في الأرضِ ولا في السّماءِ ولا أصغرَ من ذلكَ ولا أكبرَ إلا في كتابٍ مُبين}[يونس 61].

والآن لنأتي إلى آيةٍ عظيمةٍ في القرآن الكريم نستشف منها ونستنبط منها بعض المعاني والعبر. يقول عزّ وجلّ :{سَنُريهمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنفسهمْ حتّى يتبيّنَ لهمْ أنّهُ الحقُّ }[فصلت 53].

يقول الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“في الآية الكريمة لم يقل الله سبحانه وتعالى سنريهم آياتنا في الأرض،بل استخدم بدلاً منها لفظ الآفاق،ونحن نعلم أن القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى وهو غاية في الدقة واختيار اللفظ الذي يطابق المعنى تماماً.ولقد وصل الإنسان إلى القمر والمريخ،وكل ما يحدث محاولة للكشف عن أسرار الكون والآفاق المحيطة بالأرض يأتي مصداقاً لهذه الآية الكريمة”.

ويتابع رحمه الله:”ومعنى”سنريهم”:إن الرؤية لاتنتهي،لأن السين تعني الاستقبال،ومن نزل فيهم القرآن قرؤها هكذا،ونحن نقرؤها هكذا،وستظل هناك آيات جديدة وعطاء جديد من الله سبحانه إلى أن تقوم الساعة”.

ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله:

“إنه وعد الله لعباده ـ بني الإنسان ـ أن يطلعهم على شىء من خفايا هذا الكون،ومن خفايا أنفسهم على السواء.وعدهم أن يريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم،حتى يتبين لهم أنه الحق.هذا الدين وهذا الكتاب وهذا المنهج وهذا القول الذي يقوله لهم.ومن أصدق من الله حديثاً.

ولقد صدقهم الله وعده،فكشف لهم عن آياته في الآفاق في خلال القرون الأربعة عشر التي تلت هذا الوعد،وكشف لهم عن آياته في أنفسهم.وما يزال يكشف لهم في كل يوم عن جديد.وينظر الإنسان فيرى البشر قد كشفوا كثيرأ جداً منذ ذلك الحين.فقد تفتحت لهم الآفاق،وتفتحت لهم مغاليق النفوس بالقدر الذي شاءه الله.لقد عرفوا أشياء كثيرة،لو أدركوا كيف عرفوها وشكروا لكان لهم فيها خير كثير.

عرفوا منذ ذلك الحين أن أرضهم التي كانوا يظنونها مركز الكون،إن هي إلا ذرة صغيرة تابعة للشمس،وعرفوا أن الشمس كرة صغيرة منها في الكون مئات الملايين،وعرفوا طبيعة أرضهم وطبيعة شمسهم،وربما طبيعة كونهم إن صح ماعرفوه.

وعرفوا الكثير عن مادة هذا الكون الذي يعيشون فيه.إن صح أن هناك مادة.عرفوا أن أساس بناء هذا الكون هو الذرة.وعرفوا أن الذرة تتحول إلى إشعاع،وعرفوا إذن أن الكون كله من إشعاع.في صور شتى:هي التي تجعل منه هذه الاشكال والأحجام.

وعرفوا الكثير عن كوكبهم الأرضي الصغير.عرفوا أنه كرة أو كالكرة.وعرفوا أنه يدور حول نفسه وحول الشمس.وعرفوا قاراته ومحيطاته وأنهاره.وكشفوا عن شىء من باطنه.وعرفوا الكثير من المخبوء في جوف هذا الكوكب من الأقوات والمنثور في جوه من هذه الأقوات أيضاً.

وعرفوا وحدة النواميس التي تربط كوكبهم بالكون الكبير،وتصرف هذا الكون الكبير،ومنهم من اهتدى فارتقى من معرفة النواميس إلى معرفة خالق النواميس.ومنهم من انحرف فوقف عن ظاهر العلم لايتعداه.ولكن البشرية بعد الضلال والشرود من جراء العلم،قد أخذت عن طريق العلم تثوب،وتعرف أنه الحق عن هذا الطريق.

ولم تكن فتوح العلم والمعرفة في أغوار النفس بأقل منها في جسم الكون.فقد عرفوا عن الجسم البشري وتركيبه وخصائصه وأسراره الشىء الكثير.عرفوا عن تكوينه وتركيبه ووظائفه وأمراضه،وغذائه وتمثيله،وعرفوا عن أسرار عمله وحركته،ما يكشف عن خوارق لا يصنعها إلا الله.

وعرفوا عن النفس البشرية شيئاً…إنه لايبلغ ماعرفوه عن الجسم.لأن العناية كانت متجهة بشدة إلى مادة هذا الإنسان وآلية جسمه أكثر مما كانت متجهة إلى عقله وروحه.ولكن أشياء قد عرفت تشير إلى فتوح ستجىء.

وما يزال الإنسان في الطريق!ووعد الله مايزال قائماً:{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}.

والشطر الأخير من الوعد قد بانت طلائعه منذ مطلع هذا القرن بشكل ملحوظ.فموكب الإيمان يتجمع من فجاج شتى.وعن طريق العلم المادي وحده يفد كثيرون.وهناك أفواج وأفواج تتجمع من بعيد.ذلك على الرغم من موجة الإلحاد الطاغية التي كادت تغمر هذا الكوكب في الماضي.ولكن هذه الموجة تنحسر الآن.تنحسر،على الرغم من جميع الظواهر المخالفة،وقد لايتم تمام هذا القرن العشرين الذي نحن فيه،حتى يتم انحسارها أ يكاد إن شاء الله.وحتى يحق وعد الله الذي لابد أن يكون.

أو لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد؟

وهو الذي أعطى وعده عن علم وعن شهود”.

وجاء في مقالة للأستاذ الدكتور عماد الدين خليل حفظه الله بعنوان”حتى يتبين لهم أنه الحق”:

“على مدى أشهر معدودات يشهد العالم وقائع ومعطيات تفصح بلسان الحال والمقال معاً عن إعجاز كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،والمصداقية المطلقة لتعاليمه وتحذيراته.

قبل ذلك وعلى مدى القرنين الأخيرين تحديداً،جاءت الكشوف العلمية وبخاصة في مجالات التاريخ والخليقة والفيزياء والجيولوجيا والكوزمولوجي والبيولوجي والجغرافيا والتشريح وعلم الاجنة،لكي تتطابق بشكل يثير الدهشة مع آيات الله البينات.

وكلنا نذكر عشرات الكتب،ومئات البحوث التي تحدثت عن ذلك،ونذكر معها المؤسسات والدوائر التي تمحضّت لمتابعة قضية العلم والإيمان أو القرآن والعلم الحديث،والتي قدّمت منظومة من الكشوف العلمية والمعرفية المتوافقة مع ماسبق وأن أشار إليه كتاب الله سبحانه وتعالى.

وكلنا نذكر  ـ مع هذا وذاك ـ الجهد الكبير الذي بذله العالم الفرنسي المشهور”موريس بوكاي” في كتابه القيم”القرآن الكريم والتوراة والإنجيل”:دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة،والذي خلص فيه بعد عشرين عاماً من البحث المكافح إلى أن تسعة أعشار ماورد من معطيات معرفية في التوراة والإنجيل،تسقط إذا أحلناها على الكشوف المعرفية الحديثة،ولايمر سوى العشر،وفي المقابل فإن عشرة أعشار ماورد في القرآن الكريم يتوافق  مع هذه الكشوف.ويقول الرجل معقباً:”لايمكن ل”محمد”على افتراض تأليفه للقرآن أن يتعامل مع معطيات التوراة والإنجيل في ضوء معرفة لن تتشكل إلا بعد أربعة عشر قرناً،فيسقط منهما مالايتوافق والحقائق العلمية،ولا يستبقي سوى العشر،أيضاً في ضوء معرفة ستتشكل بعده بزمن بعيد…لا يمكن لرجل كهذا إلا أن يكون نبياً يتلقى عن مصدر علوي مطلق هو الله سبحانه”.

وجاء في مقال للأمانة العامة لهيئة الإعجاز العلمي:

“معنى آيات الله في الآفاق وفي الأنفس:ماظهر من نواحي الفلك وأطراف الأرض وآفاق السماء.وآيات الله في آفاق الأرض والسماء تحمل معاني ثلاثة:

الأول:المخلوقات التي خلقها الله في شتى آفاق الارض والسماء مثل قوله تعالى:{ومن آياته خلق السموات والأرض وما بثّ فيهما من دابة}[الشورى 29]

والثاني:آيات القرآن التي تخبر وتصف أنواع المخلوقات،وهي آيات كثيرة.

والثالث:البينات والمعجزات التي يظهرها الله تصديقاً لرسوله في شتى آفاق الأرض والسماء برؤية مصداقها من حقائق الخلق حيناً بعد حين.

إننا على وعد من الله عز وجل بأن يرينا آياته فيتحقق لنا ـ بهذه الرؤية ـ العلم الدقيق بمعاني هذه الآيات كما قال تعالى:{وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}[النمل 93]

يقول الأستاذ جودت سعيد رحمه الله في هذه الآية:

“إن ثراء موضوعات هذه الآية تجعلنا نتأكد أنها ستنال ما تستحق من النظرات الشاملة والعميقة في الفكر الديني والإنساني في المستقبل،وأنه ستظهر مؤلفاتٌ ودراساتٌ كثيرة تفتحُ آفاقاً جديدة فسيحة سوف لا تكفّ عن التوسع والتعمق من دارسين يأتون بعدنا سيمنحون من البيان والقدرة على حلّ كثيرٍ من الأشياء”.

ويقول الدكتور خالص كنجو:

“إن هذه الآية تشير إلى أن آيات الله متجددة وسوف تظهر مع الوقت،سواء في مستوى داخل الإنسان أو العالم المحيط به،وهذا يعني أن هذه الآية هي أكثر من آية،وما سوف نراه في المستقبل من آيات مكتوبة ناطقة ،جديدة،مكتوبة بحروف الطبيعة سوف يظهر لنا الإعجاز في هذه الآية”.

كما أن الآية تشير إلى أن آيات الله في الكون والنفس والآفاق سوف تظهر،وسوف تستمر(سنريهم)بشكل ظاهرة حتى تقود إلى الحق،أي الإيمان،فما علينا إذن سوى أن نكشف الغطاء عن هذه الآيات المبثوثة قي الزمن والمكان.

وهناك ملاحظة أخرى:في قوله تعالى”سنريهم” “ويتبين لهم” فهل هو خطاب بأن غير المؤمنين سوف يكون لهم السبق في الاكتشافات وأنها ستقودهم إلى الحق أي الإيمان،الله أعلم.

ولقد أسلم كثير من العلماء والأطباء ورجال البحث من خلال آيات الله في الكون والإنسان بعد أن اطلعوا عليها ومنهم الدكتور كيث مور عالم الأجنة الكندي،والدكتور موريس بوكاي الفرنسي،والمؤرخ والفيلسوف رجاء جارودي الفرنسي،والدكتور مراد هوفمان السفير الألماني والسياسي،وكذلك ماري شيمل الألمانية،وأيوب أكسل كوللر وكان عضواً في حزب الليبراليين الأحرار في ألمانيا وأصبح رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا….

أما الطبيب الجراح موريس بوكاي فقد ولد لأبوين فرنسيين،وترعرع كاهله في الديانة النصرانية،وسبب إسلامه أنه لما تم نقل مومياء فرعون مصر إلى فرنسا وأجريت عليه الدراسات،وكان رئيس الجراحين والمسئول الأول عن دراسة هذه المومياء الفرعونية هو البروفيسور موريس بوكاي.

والذي أثار تعجبه هو كيف بقيت هذه الجثة ـ دون باقي الجثث الفرعونية المحنطة ـ أكثر سلامة من غيرها،رغم أنها استخرجت من البحر؟ولما أراد أن يعد تقريره عما يعتقده كشفاً جديداً في انتشال جثة فرعون وتحنيطها بعد غرقه مباشرة،حتى همس أحدهم في أذنه قائلاً:”لاتتعجل،إن قرآنهم الذي يؤمنون به يتكلم عن غرق هذه المومياء”.فازداد ذهولاً وأخذ يتساءل كيف يكون هذا،ولم تكتشف المومياء أصلاً إلا في عام 1898م،بينما قرآنهم موجود قبل عدة قرون من هذا الاكتشاف؟وحضر موريس بوكاي مؤتمراً في السعودية لعلماء التشريح وفتح لهم أحدهم المصحف وقرأ:”فاليوم نُنجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإنَّ كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون}[يونس 92]،وكان وقع الآية عليه شديداً وصرخ بأعلى صوته أمام الحضور:لقد دخلت الإسلام،وآمنت بهذا القرآن”.وفيما بعد كتب كتاباً رائعاً في المقارنة بين الأديان السماوية سماه”القرآن والتوراة والإنجيل والعلم…دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة”.ويقول في هذا الكتاب:”إن أول مايثير الدهشة في روح من يواجه نصوص القرآن لأول مرة،هو ثراء الموضوعات العلمية المعالجة،وعلى حين نجد في التوراة الحالية أخطاء علمية ضخمة،لا نكتشف في القرآن أي خطاً،ولو كان قائل القرآن إنساناً،فكيف يستطيع في القرن السابع أن يكتب حقائق لاتنتمي إلى عصره”.

أما البروفسور كيث مور وهو من أشهر علماء العالم في علم التشريح والأجنة،وتسلم في عام 1984م الجائزة الأكثر بروزاً في حقل علم التشريح في كندا، وكتابه في علم الاجنة مرجع عالمي مترجم إلى عدة لغات،وجاء بعد اقتناعه بأبحاث الإعجاز العلمي وألقى محاضرات عدة تحت عنوان”مطابقة علم الأجنة لما في القرآن والسنة”.ووقف أمام الجميع في مؤتمرعقد في موسكووقال:”إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث.وهذا إن دلّ على شىء فإنما يدل على أن هذا القرآن لا يمن إلا أن يكون إلا كلام الله،وأن محمداً رسول الله”.وفي مؤتمر الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عُقد في القاهرة عام 1986م وقف قائلاً:”إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم،ولست أعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم أو أي شخص آخر يستطيع معرفة مايحدث من تطور الجنين،لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين،وأريد أن أوكد على أن كل شىء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين”

آيات الحواس

1-آيات السمع

من الناحية الطبية

نظرة جنينية:

في الاسبوع الثاني إلى الثالث من الحمل يتكون لدى الجنين ثلاث وريقات:الوريقة الباطنة والوريقة الظاهرة والوريقة الوسطى.

وفي الاسبوع الثالث من الحمل تظهر الصحيفة السمعية.

بينما تظهر الصحيفة البصرية في أول الاسبوع الرابع من حياة الجنين.

وأول أقسام الأذن تشكلاً هي الأذن الداخلية والتي تتشكل من الوريقة الظاهرة  في اليوم الثاني والعشرين من تطور الجنين.

فيظهر في الاسبوع الرابع الكيس الغشائي لحلزون الأذن الداخلية.والذي ينمو طولياً ويلتف لفتين ونصف مكوناً الحلزون الكامل في الاسبوع الثامن.ثم تتم إحاطة الحلزون بغلاف غضروفي في الاسبوع الثامن وينمو هذا حتى يصل حجمه الطبيعي له عند البالغين في نهاية الاسبوع الواحد والعشرين،عندما ينمو عضو كورتي وهو عضو حس السمع في الأذن الداخلية،وتظهر فيه الخلايا الشعرية الحسية التي تحاط بنهايات العصب السمعي.

ويبدأ تشكل العصب السمعي في حوالي اليوم الثامن والعشرين.

وبهذا تكون الأذن الداخلية قد نمت ونضجت لتصل إلى حجمها الطبيعي عند البالغين وأصبحت جاهزة للقيام بوظيفة السمع المخصصة لها في الشهر الخامس من عمر الجنين.

وفي الاسبوع التاسع من الحمل تظهر فجوات أو ثقوب صغيرة على جانبي الرقبة وتكون فيما بعد الأذنين الوسطى والخارجية.

وأما الأذن الوسطى ومكوناتها فإنها تنشأ من القوسين البلعومي الأول والثاني،وتظهر العظيمات السمعية خلال النصف الأول من نمو الجنين.أي أنها تنشأ من الوريقة الوسطى.

وأما الاذن الخارجية فإنها على عكس الأذن الداخلية والوسطى،والتي تتطور من الجيوب البلعومية فإنها تنشأ من الشق البلعومي الأول.وتنشأ من الوريقة الظاهرة.

وفي الاسبوع الثامن عشر من الحمل يبدأ الجنين بسماع الأصوات وخاصة من خلال التقاط  الذبذبات الخارجية الواصلة له عبر السائل الأمنيوسي،،إلا أن حاسة السمع تستمر في التطور والتحسن مع الوقت،ولكن تبقى الأصوات التي يسمعها الجنين محدودة حتى الاسبوع الرابع والعشرين من الحمل وتقتصر على الأصوات التي يسمعها في الرحم وخاصة نبضان  قلبه وقلب الأم،والهواء الداخل والخارج من الرئتين،وأصوات المعدة وصوت الدم الذي يتحرك في الحبل السري.كما أنه يتأثر بالأصوات الخارجية حتى أن سرعة دقات قلبه تتغير حسب نوع الصوت الذي يسمعه وشدته.وتتولد نتيجة هذا السمع إشارات عصبية سمعية في الأذن الداخلية،والعصب السمعي والمنطقة السمعية في قشر المخ ويمكن تسجيلها بآلات التسجيل الخاصة.

وفي الاسبوع 25 ـ 26 من الحمل يبدي الجنين استجابة للأصوات والضوضاء داخل الرحم،ويعتبر أهم صوت يسمعه في الثلث الثالث من الحمل صوت والدته.

وتعد حاسة السمع الحاسة الأولى التي تبدأ بالعمل عند الطفل بعد ولادته مباشرة.ومن الملاحظ أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يبدأ بسماع الاصوات وهو في رحم أمه وبعيد الولادة مباشرة،ولكن جميع الحيوانات لا تبدأ بسماع الاصوات إلا بعد ولادتها بفترة.

نظرة تشريحية وظيفية:

تعتبر الأذن مركز لجهازي السمع والتوازن عند الإنسان. وتقسم الأذن إلى الأذن الخارجية والوسطى، والأذن الداخلية.وتعتبر الأذن الباطنة المستقبل للأصوات،والأذن الوسطى والخارجية الجهاز الناقل للأصوات

1ـ الأذن الخارجية:External Ear

وهذه تتألف بدورها من الصيوان ومجرى السمع الظاهر.والأذن الخارجية تتألف من مادة غضروفية وهي وسط مابين اللحم والعظم.

الصيوان:Pinna:Auricula

ينمو صيوان الأذن لأول مرة في الاسبوع السادس من الحمل لدى الجنين البشري،وينشأ من القوسين البلعومي الأول والثاني.

قطعة ملتوية تلتقط الأمواج الصوتية.وهو الجزء المنحني والظاهر من الأذن خارج الرأس،وهو خال من العظام.وقد شاء الله تعالى أن يجعله في موقع متوسط بين اتجاهي الأمام والخلف،وعلى الجانبين الأيمن والأيسر،ليلتقط الموجات الصوتية المنتشرة الاتجاهات بسهولة وكفاءة،ومن ثم يستطيع الإنسان أن يلتقط من موقع واحد الأصوات المحيطة به كافة.وصيوان الأذن يقوم بالتمييز بين أصل الصوت من الخلف إلى الأمام أو من أعلى إلى أسفل.ويقوم صيوان الأذن بتجميع الصوت وتحويله إلى معلومات اتجاهية وغيرها.وهو يعمل كالقمع يقوم بتجميع الصوت ويضخم الصوت ويوجهه إلى مجرى السمع.

كما يعمل صيوان الأذن على المحافظة على فرق الضغط الهوائي مابين الأذن وخارجها،مما يساعد في رفع كفاءة الأذن لالتقاط الأصوات وحسن استماعها.

ويتكون من نسيج مرن ومتين يسمى الغضروف،والذي يُغطى بطبقة رقيقة من الجلد،وهو خال من الطبقة الشحمية الواقية وغالباً لا يوجد إلا طبقة واحدة من الأوعية الدموية،ولذلك فإن الصيوان عرضة للإصابة بضربة الصقيع في حالات البرودة الشديدة.

ويسمى الجزء الأسفل من الصيوان بشحمة الاذ ن أو الفصيص وتتكون من مادة دهنية،ولاتحتوي على مادة غضروفية .

تربط ثلاث عضلات الصيوان بالعظم الصدغي بالرأس،وليس لهذه العضلات استعمال مفيد لدى الإنسان إلا أنها يمكن أن تتحرك عند بعض الاشخاص مما يجعل أذانهم تهتز.ولكن هذه العضلات تكون شديدة النمو عند بعض الحيوانات وتجعل الصيوان يتحرك بصورة جيدة وخاصة عند القطط والكلاب والأرانب والخيول،حيث يمكنها من توجيه آذانها نحو مصدر الصوت،وتزداد بالتالي حدة السمع لديها.ويقوم بتعصيب هذه العضلات العصب الوجهي.بينما يقوم بالتعصيب الحسي للصيوان العصب مثلث التوائم أي العصب الخامس،والعصب العاشر أي المبهم،وذلك عن طريق الفروع العصبية لهما وهي:العصب الاذني الكبير والعصب القفوي الصغير والشعب الأذنية من المبهم وتسمى عصب أرنولد.والعصب الاذني الصدغي وهذا مهم لأنه في الآلام الأذنية الانعكاسية حيث يحدث ألماً في الأذن بوجود ألم في الأضراس بسبب التعصيب المشترك..

يتغذى صيوان الأذن من ناحية التروية الدموية من خلال فروع من الشريان السباتي الظاهر وهي:الشريان الأذني الخلفي والشريان الصدغي السطحي والشريان القفوي.

مجرى السمع الظاهر:External Auditory Meatus

قناة تمتد من الصيوان إلى غشاء الطبل.ثلثاه الأنسيان (أي القريبان من الأذن الوسطى)عظميان وثلثه الوحشي غضروفي.والثلث الغضروفي يحتوي فقط على الأجربة الشعرية والغدد الدهنية والتي تفرز الصملاخ.

بطول حوالي 2،5سم،ونصف قطر حوالي 10مم،جداره العلوي أقصر ب 5 مم من الجدار الأمامي السفلي ولذلك فمن الطبيعي أن يكون غشاء الطبل مائلاً إلى الأسفل والأنسي.وكذلك يوجد في مجرى السمع اعوجاج كما أنه يتضيق على بعد 7مم من غشاء الطبل ويدعى التضيق بالمضيق.وإن انحناء المجرى مهم في موضوع الحماية إذا دخل فيه شىء لأن الطريق المستقيم سهل أما المتعرج فإنه يجعل الإصابة لا تأتي مباشرة على غشاء الطبل.

يجاوره في الأمام المفصل الفكي الصدغي ومن الخلف الخشاء،ومن الأعلى الحفرة الدماغية الوسطى،ومن الأسفل والأمام الغدة النكفية.

ويحتوي في الثلث الخارجي على جلد سميك ويحتوي على الأشعار(التي تمنع دخول الأجسام الأجنبية إلى الأذن)،وإن دمل الأذن لا يحدث إلا في هذه المنطقة من الأذن. إن الجلد في الأذن لا يستند على نسيج ضام خلوي وإنما على الصقل الغضروفي مباشرة،لذا فإن دمل الأذن يسبب أوجاعاً شديدة . كما يحتوي مجرى السمع الظاهر بعض الغدد العرقية التي تسمى الغدد الشمعية  والتي تفرز الصملاخ. ويعمل الصملاخ والشعر والانحناء في مجرى السمع الظاهر على حماية الأذن ووقايتها من دخول الأجسام الغريبة كالحشرات مثلاً،وهذا يؤدي بدوره إلى حماية طبلة الأذن التي تسد الفتحة الداخلية لمجرى السمع الظاهر.

والصملاخ عبارة عن سائل دهني وظيفته حماية الأذن من الفطور والجراثيم.كما أنه يساعد على حماية غشاء الطبل بالتقاط الأوساخ التي تتجمع حوله.وقد يتراكم الصملاخ ويسبب انسداد مجرى السمع الظاهر وحدوث الألم وتشوش السمع وهذا ما يسمى بالسدادة الصملاخية،والتي تستوجب أحياناً اللجوء إلى الطبيب لإزالتها. وأما الجلد الذي يستر القسم العظمي من مجرى السمع فهو رقيق جداً وليس فيه أشعار ولا غدد وإن أقل رض يحدث فيه يسبب ورماً دموياً.والقسم العظمي من مجرى السمع الظاهر يكون عند الكهل أطول بقليل من القسم الغضروفي.

ويحيط العظم الصدغي بثلثي مجرى السمع الظاهر الخارجي،وهذا العظم من أكثر العظام صلابة في الجسم،وهو يحيط أيضاً بالأذن الوسطى والداخلية.ويتم تعصيب عضلات الاذن من خلال العصب الوجهي(العصب السابع ) وهو أيضاً يوفر الإحساس لجلد الأذن أيضاً.

وقد وجد أن التدخين يخرب الأهداب في الخلايا المخاطية في مجرى السمع الظاهر والتي تعمل من خلال حركتها على دفع الإفرازات المخاطية باتجاه الصيوان أي نحو الخارج،وهذا يؤدي إلى تراكم هذه المفرزات عند المدخنين،وحدوث التهاب الأذن المتكرر.

2ـ الأذن الوسطى:Middle Ear

وتتركب من غشاء الطبل،ونفير أوستاش،ومن الأجواف الخشائية .

إن صندوق الطبل أو الأذن الوسطى عبارة عن علبة ذات ستة جدران:

1 ـ الجدار الخارجي:يتمثل في غشاء الطبل والذي يفصل الأذن الخارجية عن الوسطى.

2 ـ الجدار الداخلي:ويفصل بين الأذن الوسطى والداخلية،ويتميز بوجود فتحتين:

ـ الفتحة العليا وتسمى النافذة البيضية وتسدها قاعدة عظمة الركابة.

ـ والفتحة السفلى وتسمى النافذة المدورة ويسدها غشاء مطاطي يسمى طبلة الأذن الثانوية.

  • 3ـ الجدار العلوي:يتكون من عظام رقيقة تفصل الأذن الوسطى عن المخ،ونظراً لرقته فإن الالتهاب المزمن للأذن الوسطى قد ينتقل من خلاله إلى المخ ومسبباً مضاعفات خطيرة.

ـ 4 ـ الجدار السفلي ويتكون من عظام رقيقة وهي جزء من قاعدة الجمجمة.

وأما الجدار السفلي لصندوق الطبل فهو عبارة عن صفيحة عظمية رقيقة تفصله عن الحفرة الوداجية،وإن التهابات الأذن الوسطى قد تصيب الوريد الوداجي الباطن وتسبب حدوث الخثرات الوعائية فيه.

  • 5 ـ الجدار الخلفي:وأهم مايميزه وجود القناة التي يمر بها العصب القحفي السابع أي العصب الوجهي،والذي يغذي معظم عضلات الوجه.

6ـ الجدار الأمامي:وأهم مايميزه وجود قناة أو نفير أوستاش التي تربط الأذن الوسطى والبلعوم الأنفي،وهذه القناة تسمح بمرور الهواء بين الأذن الوسطى والوسط الخارجي عن طريق فتحتي الانف والفم،مما يؤدي إلى تعادل ضغط الهواء على جانبي غشاء الطبل،وهذا أمر ضروري لحدوث عملية السمع الطبيعي،ولذلك فعند الإصابة بالزكام أو الرشوحات وخاصة عند الاطفال فإن الطفل يشكو من ألم الأذن واضطراب السمع،بسبب انسداد قناة النفير بالالتهاب والاحتقان مما يؤدي إلى تغير في ضغط الهواء على جانبي غشاء الطبل.

إن صندوق الطبل حجرة ممتلئة بالهواء،حجمها حوالي 2سم مكعب،وتتركب من صندوق وغشاء الطبل،ونفير أوستاش الذي ينفتح على البلعوم،ومن الأجواف الخشائية.وتحتوي على عظام الأذن الوسطى أو مايسمى عظيمات السمع،والمكونة من “المطرقة” “والركابة”. هي أصغر عظمة في الجسم.ووظيفة العظيمات السمعية توصيل الاهتزازات السمعية مضخمة إلى قوقعة الأذن.

1 ـ غشاء الطبل:Tympanic Membrane

غشاء مدور أبيض، مرن،شفاف،له شكل مخروطي خفيف وهو مائل. يفصل الأذن الوسطى عن مجرى السمع الظاهر،ويتصل مع البلعوم الأنفي بواسطة نفير أوستاش .يتألف من طبقة جلدية شائكة من الخارج وطبقة مخاطية مكعبة من الداخل،وطبقة ليفية في الوسط تفقد في القسم العلوي المحصور بين الالتوائين الكعبيين الأمامي والخلفي والمدعو بغشاء شرابنل أو القسم الرخو،بينما القسم السفلي الذي يحوي الطبقة الليفية يدعى بالغشاء المشدود.

وترتكز على غشاء الطبل العظيمات السمعية متراكبة فوق بعضها وتنقل الاهتزازات السمعية من غشاء الطبل إلى القوقعة الأذنية(الحلزون).وإن اهتزاز غشاء الطبل يعني هز عظيمات السمع الثلاثة لأن كل عظم متمفصل مع الآخر،ويتصل بغشاء الطبل عظم المطرقة، بينما يتصل مع الأذن الباطنة عظم الركابة وبينهما عظم السندان،وهي من أصغر العظام في الجسم ولايبلغ مجموع وزنها جميعاً أكثر من 55 ملغرام فقط.

يتم تعصيب غشاء الطبل السطح الخارجي بشكل رئيسي من العصب الأذني الصدغي وهو شعبة من العصب الفكي السفلي(العصب القحفي الثالث)،ويساهم في التعصيب أيضاً الفرع الاذني للعصب العاشر(المبهم)وفروع من العصب الوجهي(العصب السابع)وفروع من العصب البلعومي اللساني(العصب التاسع).وأمت تعصيب السطح الداخلي لغشاء الطبل فيأتي من العصب البلعومي اللساني بشكل كامل.

ملاحظة:يقوم أفراد شعب الباجاو في منطقة المحيط الهادي بتمزيق غشاء الطبل عمداً في سن مبكرة بهدف تسهيل الغوص والصيد في البحر،ولذا يصاب الكثرة منهم مع تقدم العمر بنقص السمع.

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“إن بين جوانحك آياتٍ لا تُعدّ ولا تحصى،منها غشاء الطبل،فكل واحدٍ غشاءُ طبلهِ يعمل بانتظام،وغشاء الطبل غشاءٌ رقيق،لاتزيد سماكته على نصف ميليمتر،ولايزيد قطره على تسع ميلميترات،متينٌ كالصلب،مرن كالمطاط،حيويٌّ جداً لنقل الاصوات،لو تعطل هذا الغشاء لفقد الإنسان سمعه،لذلك فقد جهزه الله عز وجل بما يحفظه من التلف،وجعله في آخر قناة منحنية أضيق من خنصر الإنسان لئلا يعبث به الصغير فيخرقه.

لقد جعل الله عز وجل الأذن الوسطى ـ وهذا من حكمته ـ موصولة بقناةٍ إلى البلعوم،فإذا جاء ضغط كبيرٌ كافٍ لخرق هذا الغشاء جاء الضغط المقابل من الفم،فتوازن الضغطان،وسلم غشاء الطبل من التمزق،إذ أن الاصوات الشديدة من شأنها أن تمزق غشاء الطبل.

وهذا الغشاء مربوطٌ بأربعة عُظيمات،لايزيد وزنها على 55ميليغرام،ولايزيد طولها مجتمعة على 19 ميليمتر،هذه العظيمات لها وظيفة رائعة جداً،إنها تُكبّر الاصوات الضعيفة إلى عشرين مثلاً،وتخفض الأصوات الضخمة المؤذية،فجهاز واحدٌ يعمل على تكبير الصوت،وعلى خفض الصوت،وهذا مالايستطيعه البشر،وهذا من الآيات الدالة على عظمة الله تعالى.

بل إن الأصوات التي تزيد على مئة ديسبيل والتي من شأنها أن تؤذي الأذن،هناك آلية عصبية معقدة جداً تخفضها،حين لا تسمع صوت إنسان فتقول له:أعد،ما سمعت،فإن بعض حركات الوجه تؤثر على عصبٍ مشترك بين الوجه وعضلة متعلقة بعظم الركاب من شأنها أن تزيد حساسية الاذن،أي حينما تتغير ملامح وجهك،حينما لا تفهم الكلام هناك آلية معقدة جداً تنتقل عبر العصب السمعي إلى عضلة تضاعف حساسية الاذن.

الصوت اهتزاز ينتقل عبر وسط مرن،والوسط المرن هو الهواء،لكن الوسط المرن القاسي الصلب ينقل الصوت بسرعة أشد،والوسط السائل ينقلها بسرعةٍ أشدّ،وبدقةٍ أعلى،لذلك ينتقل الصوت إلى غشاء الطبل عبر الهواء،وغشاء الطبل ينتقل به الصوت عبر أربعة عظام،ثم في قناة قوامها سائل.

فالصوت ينتقل عبر الهواء تارة،وبعد غشاء الطبل عبر أجسام صلبة،وبعد الأجسام الصلبة عبر قناة فيها سائل.

يقول الدكتور خالص جلبي(الطب في محراب الإيمان ج1):

“والعجيب أن أوساط الأذن تناسب نقل الصوت تماماً،وهي الهواء في مجرى السمع،والأجسام الصلبة المتمثلة بعظيمات السمع الثلاثة في الأذن الوسطى،والأجسام الصلبة والسوائل في داخل الأذن الباطنة والمتمثلة في الرمال السمعية والبلغم الداخلي والخارجي،تقوم عظيمات السمع بتسريع الصوت إلى الأذن الباطنة كما أنها تضخم الصوت أيضاً. فسطح غشاء الطبل يبلغ 20 ضعفاً لسطح فاعدة عظم الركابة،ولقد وجد أن الصوت يزداد عشرة أضعاف حينما يصل إلى قاعدة الركابة،واهتزاز عظم الركابة يمثل أعجب مفصل يمكن تصوره فهو يمكن أن يهتز بشكل مختلف من حين لآخر،خاصة إذا قارنا هذا المفصل بمفصل الركبة مثلاً الذي يتحرك باتجاه واحد،لا أكثر مع شىء من التدوير،ولكن المفصل هنا يتحرك وفقاً للصوت أو الاهتزاز الذي يصل من غشاء الطبل،وقاعدة عظم الركابة تستند إلى نافذة بيضية الشكل،مستورة بغشاء،وعندما تهتز قاعدة عظم الركابة فإنها تهز معها هذا الغشاء،وهذا بدوره يخض اللنف الداخلي المحيطي بشكل يتوافق مع طبيعة لحن الصوت وشدته،ولكن ماذا يحدث فيما إذا كانت الاصوات القادمة شديدة؟لقد وجد أن هذا العظم الصغير يحور اتجاه تمفصله بحيث يبقى محافظاً على نقل الصوت إلى الاذن الباطنة على شكل يقيها من الأذى إلى حد ما،وأما العضلتان أي عضلة المطرقة وعضلة الركابة،فإن الأولى تسعى لإدخال عظم الركابة أكثر إلى داخل النافذة البيضية،وعضلة الركابة تفعل بالعكس،وهكذا يحدث الاتزان بتقلص العضلتين معاً.وحسب الحالة والصوت يشتد تقلص إحداهما على الاخرى،وإذا اشتد الصوت أكثر فإن كلا من العضلتين يخفف من حدة التأثير على الاذن الباطنة”.

ويعتبر انتقال الصوت نتيجة اهتزاز جزيئات المادة،والصوت له سرعة معينة ثابتة هي 340متر في الثانية،وسرعة انتشار الصوت في الماء هو أسرع منه في الهواء حيث يبلغ 1345متر في الثانية،أي أكبر من سرعة انتقال الصوت في الهواء بأربع مرات،وهذا الرقم يتضاعف إذا كان الانتقال في الأوساط الصلبة،فوضع الأذن على سكة القطار يجعلنا نسمع صوت قدومه من بعد عدة كيلومترات.

وهناك خمسة وعشرون ألف خلية سمعية تلتقط السمع،وتنقله إلى الدماغ كي تدرك،وحتى هذه الساعة لايستطيع العلماء أن يكتشفوا كيف تستطيع الأذن أن تفرق بين النغم والضجيج”.

ويوجد في الأذن الوسطى ثلاث عظيمات،وهي أصغر عظام في جسم الإنسان وتسمى العظيمات السمعيةOssicle bones  وهي:

1ـ المطرقة: Malleusأطول هذه العظيمات ،لايتجاوز طولها 8مم،لها رأس وعنق ونتوء وحشي صغير وقبضة.القبضة والنتوء القصير تنطمر في غشاء الطبل بينما الرأس والعنق تقع في القسم العلوي من صندوق الطبل المسمى بالعليّة،رأس المطرقة يتمفصل مع جسم السندانة بمفصل حقيقي له محفظة وأربطة.

2 ـ السندان:Incus يصل مابين المطرقة والركابة عن طريق مفاصل متحركة،له جسم ونتوء قصير يمتد إلى الخلف،يعمل كمحور حركة السندان،ونتوء طويل يمتد إلى الأسفل والأنسي ليتمفصل مع رأس الركابة.

  • ـ الركابة:Stapesولها رأس وسويقتان أمامية وخلفية وقاعدة تغلق النافذة البيضية،ويصل قاعدة الركابة بالنافذة البيضية الرباط الحلقي.
  • وهناك عضلتان:

1ـ عضلة المطرقة أو موترة الغشاء:وعملها توتير غشاء الطبل بجذب قبضة المطرقة إلى الأنسي،وتتعصب بشعبة من العصب الخامس.

2 ـ عضلة الركابة:وهي أصغر عضلة في الجسم،وتتعصب بشعبة من العصب الوجهي،وعملها جذب الركابة إلى الخلف لتمنع حركاتها عند التعرض للأصوات الشديدة وذلك من أجل حماية الأذن الباطنة.وإن إحدى العضلتين تمسك بعنق عظمة المطرقة،والأخرى بعنق عظمة الركابة،وهما تحميان الأذن من الأصوات العالية.وذلك بالتحكم في حركة العظيمات السمعية الثلاثة.

نفير أوستاش:Eustachian tube

ويسمى أيضاً قناة أوستاكيوس،أو نفير أوستاش(نسبة إلى العالم الإيطالي بارتولوميو أوستاكي وكان من علماء التشريح وعاش في القرن السادس عشر).أو القناة السمعية.وتنشأ قناة النفير من الجيب البلعومي الأول والذي تتكون منه طبلة الأذن أي غشاء الطبل.

فهو قناة عظمية غضروفية ليفية(ثلث عظمي في قسمه الأذني،وثلثين غضروفي في قسمه البلعومي)،يبلغ طول النفير حوالي 3 ـ 4 سم،يمتد من الجدار الأمامي للأذن الوسطى إلى الجدار الجانبي للبلعوم الأنفي حيث ينفتح فوق مستوى قاع الأنف.

ووظيفة النفير خلق التوازن بين الضغط في الأذن الوسطى والضغط الجوي الخارجي.خاصة وأن غشاء الطبل يسد الفوهة سداً محكماً.

ولكنه أيضاً قد يكون واسطة لنقل الأمراض الإنتانية المعدية من البلعوم الأنفي للأذن الوسطى.

وفي حالات السفر بالطائرة فإن الإنسان ينتقل من الضغط العالي على سطح الأرض إلى الضغط المنخفض في طبقات الجو العليا،وعند هبوط الطائرة لابد من انفتاح  قناة أو نفير أوستاش حتى لايشعر المسافر باختلاف الضغط والذي قد يسبب ألماً شديداً في الأذن،وفي هذه الحالة ينصح بتكرير عملية البلع لتحصل الموازنة بين الضغوط المختلفة أو استنشاق كمية وافرة من الهواء وابتلاعه مع قفل الفم،فتنفتح قناة النفير ويتعادل الضغطان.وأثناء عملية البلع يحدث تقلص في إحدى العضلات والتي ينجم عنها فتح فوهة النفير ودخول الهواء وتعادل الضغط.ولعل هذا أيضاً هو السر في أن الذين يرمون بالمدافع يبقون أفواههم مفتوحة أثناء انطلاق القذيفة،وحصول الصوت المرتفع حيث يحصل توازن في الضغط مابين الاذن الوسطى والخارج.

وهناك أربعة عضلات لها علاقة مع عمل قناة النفير وهي تتغذى بشعب عصبية من العصب العاشر أي المبهم والعصب الخامس أي مثلث التوائم وهي:العضلة الرافعة لشراع الحنك،والعضلة النفيرية البلعومية،والعضلة الموترة لغشاء الطبل،والعضلة الموترة لشراع الحنك.

وفي حالات الرشوحات الحادة أو الزكام أو التهاب المجاري التنفسية العليا يحدث الاحتقان في نفير أوستاش،وبالتالي يقل الهواء الداخل والخارج عن طريق القناة،وهذا قد يسبب ألماً في الأذن وأحياناً عند الاطفال وخاصة دون السابعة من العمر، قد يحدث تمزق في غشاء الطبل.وآلم الاذن عند الأطفال أكثر شيوعاً من الكبار،لأن قناة النفير لديهم أكثر أفقية وأضيق مما هي عند الكبار،مما يجعل حركة الإفرازات المخاطية عبر القناة أصعب.

إن القسم العظمي من النفير يكون مفتوحاً دائماً بينما تلعب العضلتان المحيطتان باللهاة  الوحشية والأنسية دوراً في فتح قناة النفير الغضروفية،وهذا ما يعلل انغلاق النفير في أمراض شق شراع الحنك.

وأما الخشاء:Mastoid

فهو نتوء عظمي من العظم الصدغي يقع خلف الأذن مباشرة، ترتكز عليه العضلة القصية الترقوية الخشائية(القترائية) وعضلات صغيرة أخرى،وعند الولادة يكون النتوء الخشائي صغيراً ثم يكبر بالتدريج وتنشأ الخلايا الخشائية بالتفرع من الغار الخشائي الذي هو عبارة عن خلية كبيرة.والخلايا الخشائية تُستر بمخاطية رقيقة تتصل ببعضها وتتصل بمخاطية الأذن الوسطى.ويجاور الخشاء السحايا من الأعلى،والمخيخ في الخلف وكذلك الجيب الجانبي الوريدي الذي يشكل خليج الوريد الوداجي الواقع تحت قاع الأذن الوسطى.وأمام الخشاء والأذن الوسطى يسير الشريان السباتي الباطن.

وتعصب الأذن الوسطى والخشاء بشعب من الأعصاب الخامس والسابع والتاسع والعاشر.ولهذا فإن الأمراض والاضطرابات التي تصيب أماكن أخرى معصبة بهذه الأعصاب مثل الأسنان واللوزات واللسان والحنجرة يمكن أن تسبب ألماً انعكاسياً في الأذن.

إن الألم الإنعكاسي في الأذن ينجم عن عدة طرق:

فالعصب العاشر ومن خلال عصب أرنولد يسبب الألم حسياً انعكاسياً في آفات البلعوم من خلال العصب الحنجري العلوي.

والعصب التاسع ومن خلال عصب جاكوبسون والضفيرة الطبلية يسبب ألماً حسياً انعكاسياً في الأذن،وإن أولى أعراض سرطان قاعدة اللسان هو الألم الانعكاسي في الأذن،وكذلك آفات اللوزتين.

والعصب الخامس ومن خلال العصب الأذني الصدغي يسبب ألما انعكاسياً في آفات الأسنان والأنف،وهذا العصب هو شعبة من العصب الفكي السفلي،وكذلك العصب اللساني الذي يعصب ثلثي اللسان الأمامي حسياً.

والعصب الأذني الكبير وهو من الأعصاب الرقبية العليا ويسبب ألماً انعكاسياً في أمراض الفقرات.

3ـ الأذن الباطنة:Internal Ear

وتتألف من الدهليز(عضو التوازن)،والأقنية الهلالية،والحلزون (عضو السمع).

تستقر في تجويف عظمي يسمى الصخرة في العظم الصدغي وهو أكثر عظام البدن صلابة،وإن الحماية المؤمنة لهذه الأعضاء في الأذن الباطنة لا تتوفر لأي عضو آخر،فعلاوة على المحفظة العظمية الصلبة فإن التيه الغشائي محاط بسائل اللمف الظاهر ويملؤه سائل آخر هو اللمف الباطن،وهذا الترتيب يحمي الأعضاء الحساسة في الاذن الباطنة من تأثير الصدمات والحركات الفجائية للرأس.

وتتألف الأذن الباطنة من عدة مكونات بشكل تجاويف وقنيات محتفرة في العظم الصدغي  لذلك دعيت “التيه”،والتيه ذو جدر عظمية كثيفة،ولكنه لا يكون عظماً مستقلاً عن العظم الصدغي.يشكل هذا التيه العظمي قالباً للتيه الغشائي ويفصل بينهما فراغ يملؤه اللمف الخارجي،ويمتلىء التيه الغشائي باللمف الداخلي.واللمف الباطن مغلق بينما اللمف الظاهر يتصل بالمسافة تحت العنكبوتية والسائل الدماغي الشوكي بالقناة الحلزونية.

وأما مكونات التيه فهي:

الدهليز،والحلزون (أو القوقعة) والأقنية نصف الهلالية.وتتصل هذه التشكيلات مع بعضها بطلاقة تامة.

الدهليز:Vestibule

ويتكون من الاقنية نصف الهلالية والقريبة والكؤيس.

فهو غرفة صغيرة دائرية الشكل طولها حوالي 5مم،وهو يمثل الجزء الأوسط من الأذن الباطنة،وتربط جدرانه العظمية بين القنوات الهلالية الثلاثة والحلزون (أو القوقعة).ويوجد بداخله كيسان يشبه كل منهما الحقيبة ويدعيان القُريبة والكؤيس،ويوجد على الجدار الداخلي لكلا الكيسين انتفاخ مبطن بخلايا شعرية،وهذه عبارة عن خلايا حسية ذات بروزات دقيقة تشبه الشعر،وهي متصلة بالألياف العصبية،وتغطى بغشاء رقيق تنطمر فيه حبوب معدنية صغيرة تسمى غبار التوازن.وللدهليز غشاءان صغيران يواجهان الأذن الوسطى،أولهما النافذة البيضية التي تستند إلى الصفيحة القاعدية لعظم الركابة،وأما الثاني فهو النافذة المستديرة التي تقع أسفل النافذة البيضية مباشرة.

وأما القنوات الهلالية أو نصف الدائرية:Semicircular ducts

فهي ثلاث وتقع خلف الدهليز،وهذه القنوات الثلاثة مرتبة فيما بينها بزوايا قائمة أي تتوضع بشكل عمودي على بعضها،وهي القنوات الأفقية والعليا والخلفية،وتقع القناة الأفقية في مستوى أفقي وتكون القناتان الأفقيتان في الجانبين على مستوى واحد.،في حين توجد القناتان العلوية والخلفية بشكل عمودي،وتتفتح الأقنية على القريبةUtricle وقرب القريبة تتوسع كل قناة محدثة مايسمى المجل (أمبولا)

وفي المجل توجد خلايا شعرية تتصل بألياف عصبية،وفي المجل تقع الخلايا الحساسة للتوازن في تشكيلة القنزعة المجلية،وفيها خلايا مشعرة أشعارها بتماس كتلة من مادة هلامية معلقة في اللمف الباطن.

كما أن الأنابيب تتصل بالقريبة والتي تتصل بدورها بالكؤيسSaccule.وفي كل منهما لطخة تحوي العناصر الحساسة وهي عبارة عن خلايا مشعرة أشعارها بتماس لوحة من مادة هلامية تحوي ذرات ثقيلة من أملاح الكلس تسمى الرمال السمعية رغم أنها ليس لها علاقة بالسمع وهي بثقلها تجعل الطبقة الهلامية تطبق ضغطاً على أشعار الخلايا المشعرة.

وعملية التوازن في الجسم تقع على عاتق القنوات شبه الدائرية والقريبة والكؤيس،وهي تسمى أيضاً أعضاء الدهليز أو أعضاء التيه.وهذه العناصر الحساسة في الأقنية نصف الدائرية والقريبة والكؤيس تتصل بالعصب الدهليزي الذي يسير مع العصب الحلزوني في مجرى السمع الباطن ليدخل إلى الدماغ وينتهي في نويات أربعة في قاع البطين الرابع قريباً جداً من النواة الظهرية الحركية للعصب العاشر وهذا يفسر المنعكس المبهم(العصب العاشر)(التعرق وهبوط الضغط وبطء النبض والغثيان والإقياء)والذي يشاهد عند تنبيه الدهليز.

الحلزون:أو القوقعة Cochlea

يقع أمام الدهليز،وهي تشبه الصدفة الحلزونية،وتتكون من حلزون يدور حول نفسه مرتين ونصف المرة،وبداخله ثلاثة أنابيب ملتفة حولها ومليئة بسائل،ويبدأ الأنبوب الأول من النافذة البيضية ويبدأ الثاني من النافذة المستديرة،ويلتقي هذان الأنبوبان عند قمة الحلزون.أما الأنبوب الثالث والذي يسمى انبوب الحلزون فيقع بين الاثنين.ويحتوي على الغشاء القاعدي الذي يوجد به أكثر من 15 ألف خلية شعرية،وهذه الخلايا تكون عضو كورتي،وهو عضو السمع الفعلي.وتنقل التنبيهات إلى العصب السمعي والذي يسير في مجرى السمع الباطن ثم يدخل الحدبة الحلقية.

يتم توعية الحلزون من شعب من الشريان القاعدي عن طريق الشريان السمعي الباطن.والشريان الحلزوني هو شريان انتهائي ولاتوجد مفاغرات جانبية.

يسمى عصب الاذن الداخلية المسؤول عن السمع والتوازن بالعصب الدهليزي الحلزوني،وله فرعان:العصب الحلزوني والذي تمتد أليافه مع خلايا عضو كورتي،وتنقل حس السمع،والثاني هو العصب الدهليزي والذي تتصل أليافه مع الخلايا الشعرية قي القريبة والكؤيس وتنقل حس التوازن.

يقول الدكتور خالص جلبي(الطب في محراب الإيمان ج1):

“يتكون جدار الأذن الباطنة من نافذتين :علوية هي النافذة البيضية،وسفلية هي النافذة المدورة،وإن هاتين النافذتين تتصلان بعالم داخلي خاص،ولنحاول الآن أن نعبر النافذة البيضية مع هزات الصوت إلى الداخل لنتعرف إلى العناصر الخفية التي تختبىء داخل هذه الصخرة(حيث أن عناصر السمع ترقد في العظم الصدغي وهذا بدوره يقسم إلى أقسام ومنها قسم يدعى الصخرة وهو ذو تركيب معقد،وداخل هذا القسم تحتفر عناصر الأذن الباطنة وهي الدهليز والحلزون والأقنية نصف الدائرية والقريبة والكُييس).قاعة واسعة يسبح فيها سائل هو البلغم المحيطي،ولنتجه إلى اليمين حيث يواجههنا الحلزون وهو نفق يدور دورتين ونصف،لنحاول دخول النفق فماذا سنرى؟إن هذا النفق ليس مدوراً ولكنه مقسوم بصفيحة من وسطه،وهكذا فإن فيه طابقاً علوياً وطابقاً سفلياً،ولنحاول دخول الطابق العلوي بعد أن عبرنا منطقة الدهليز،إن النفق مظلم ونحن نتحسس الجدران وإذا بنا نصطدم في الأيمن بحاجز يرتفع بشكل مائل إلى الأعلى حتى يصل إلى جدار النفق،ماهذا الجدار؟إنه غشاء “رايسنر” وهذا الغشاء يقسم أيضاً الطابق العلوي إلى قسمين:قسم مثلث في الأيمن حيث توجد قناة خاصة تحتوي على عضو مهم هو عضو كورتي،والقسم الباقي من الطابق العلوي ويسمى بالزاحف الدهليزي لأنه يزحف من الدهليز إلى قمة الحلزون،وأما الطابق السفلي فيسمى بالزاحف الطبلي،لأنه يزحف  إلى النافذة المدورة التي تتصل بالأذن الوسطى وبالتالي غشاء الطبل.

إن الزاحف الدهليزي العلوي والزاحف الطبلي السفلي يحتويان اللنف الخارجي ويتصلان ببعضهما في القمة،وهكذا فإننا ندور في الحلزون بعد أن دخلنا الزاحف الدهليزي العلوي لنصل إلى قمة الحلزون.ولندخل الطابق السفلي وهكذا نمر في أسفل المكان الذي كنا نمر فيه قبل قليل،وإننا لننظر إلى سقف الطابق السفلي ونسمع قرع الأصوات في الطابق الذي يعلونا،إن كلاً من الطابقين يشكل نصف دائرة حيث يكون سقف الطابق السفلي هو أرض الطابق العلوي،وهكذا يتصل كل من الطابقين ببعضهما ولكن إلى أين سنصل في هذه الجولة الدوارة؟إننا نكاد نشعر بالدوار ونحن نفتل في هذا الطابق السحري وإذا بنا نصل مرة أخرى إلى الجدار الذي بدأنا في الدخول منه وهو الجدار المشرف على الأذن الوسطى،ولكننا في هذه المرة نصل إلى النافذة المدورة،وهكذا فإننا بدأنا الرحلة من النافذة البيضية ووصلنا في ختامها إلى النافذة المدورة.

لنعود من جديد إلى الدهليز الذي دخلنا منه حتى نصل في طريقنا إلى قمة الحلزون وهناك ندخل الطابق العلوي مرة أخرى،إن المنطقة المثلثية اليمنى تحتوي عضواً حساساً جداً،هو عضو كورتي،لنحاول أن نقترب من غشاء رايسنر ولنضغطه قليلاً،إنه لين جداً،ولكن ماذا حدث ياترى بعد أن ضغطنا هذا الغشاء بمثل هذا الهدوء؟إنه يحتوي بلغماً(سائل لنفاوي) داخلياً،وهو إذا تحرك فإنه يؤثر على رمال موضوعة على بساط خاص ومن هذا البساط تبرز أهداب صغيرة وكأنها الحشائش الجميلة،إن هذه الرمال هي الرمال السمعية وعند اضطراب السائل الداخلي تتحرك الرمال والأهداب المتصلة من تحت البساط بخلايا خاصة بالسمع وهي متوضعة بكيفية خاصة بحيث تشكل من اجتماعها نفقاً صغيراً يسمى بنفق كورتي!

لنحبس أنفاسنا قليلاً فنحن الآن في عالم عجيب:أنفاق ضمن أنفاق،وسراديب داخل سراديب،ودهاليز في دهاليز!!إن هذا العضو المسمى بعضو كورتي يضم مايقرب من مائة ألف خلية سمعية،حيث تتصل بالخلايا ومن بين العظم الكثيف الذي يصل إلى عقدة سكاربا ثم الحدبة الحلقية ثم الفص الصدغي من فصوص الدماغ لأن اختصاص هذا الفص هو السمع.

إن كيفية السمع حتى الآن غامضة لم تعرف منها إلا الأمور السطحية البسيطة ولكنها على قلتها وبساطتها دليل إيماني مهم على أن القرآن هو كتاب الله المقروء،كما أن الكون بكل قطاعاته الأحياء والموات والإنسان كتاب الله المنظور،وإن كل صغيرة وكبيرة في بناء التركيب الإنساني هو آية ودليل تقرب الإنسان من الخالق العظيم.

لقد وجد الأطباء أن اهتزاز البلغم المحيطي الذي يسبح في الزاحف الدهليزي والزاحف الطبلي يؤثر على القناة الملعقية التي تحوي عضو كورتي وهي تحوي البلغم الداخلي،وهذه القناة مغلقة من نهايتيها وتتصل بقناة  بعضو التوازن أي القريبة والكُييس،واهتزاز البلغم الداخلي يؤثر على أهداب الخلايا والرمال السمعية وهذه بالتالي تنقل عبر ألياف العصب السمعي بشكل سيالة عصبية ونبضات كهربية إلى الفص الصدغي حيث تفهم على أتم وجه،ولقد وجد أن هذا العضو حساس تجاه كافة أنواع الأصوات،وكل قسم منه خاص بنوع خاص من الاصوات،فالأصوات الغليظة تتمركز مناطق استقبالها في قمة الحلزون،والأصوات الحادة في القاعدة،ونتساءل كيف يتم تمييز هذه الآلاف المؤلفة من المزيج العجيب الغريب من الاصوات؟وكيف تفهم في الفصوص الدماغية؟وكيف تميز الأذن بين القول الهادىء والشديد؟وبين النثر والشعر.وبين الكللام العادي والنغم الموسيقي؟وحتى النغم الموسيقي له أنواعه المختلفة المتباينة والتي يتفنن أصحاب الموسيقى في إظهارها للبشر إلى درجة الإزعاج الشديد”.

فيزلوجية السمع في الأذن الخارجية والوسطى:

إن الصيوان عند بعض الحيوانات  له وظيفة متحركة فهو عند بعضها كالأرنب مثلاً يمتاز أنه يتحرك نحو مصدر الصوت، كما أن عضلات الصيوان الداخلية تهئ الوضعية المناسبة للصيوان بحيث يبلغ أقصى مساحة له من أجل التقاط مدى أوسع من الأمواج الصوتية ولكن عند الإنسان فإن وظيفة الصيوان تكون فقط في التقاط الأصوات وليس له وظيفة التوجه والإتساع،وهو يلعب دورا مهماً في تحديد مصدر الأمواج الصوتية الصادرة من الخط المتوسط بالنسبة للإنسان(أعلى ،أمام ،خلف) ولذا فإن المحرومين من الصيوان لا يستطيعون تحديد اتجاهات هذه الأصوات . وإن تنبه الأذن اليمنى واليسرى يعتمد على الفارق الزمني في وصوت الصوت إلى الأذنين .

يتكون الصوت من ذبذبات تسير في موجات عبر الهواء أو الأرض أو مواد وأسطح أخرى.وتختلف الاصوات من حيث التردد والشدة،والتردد هو عدد الذبذبات التي تحدث كل ثانية وتقاس بالهرتز،والهرتز يساوي ذبذبة واحدة كل ثانية،والصوت ذو التردد العالي له درجة نغم عالية.وبالمقابل فإن الصوت ذا التردد المنخفض له درجة نغم منخفضة.

إن الاذن الطبيعية تستطيع أن تسمع شدات مختلفة جداً بحيث أن شدة أقوى صوت تستطيع سماعه تبلغ تريليون مرة شدة الصوت العتبة للأذن ولهذا فقد استعملت الطريقة اللوغاريتمية في هذه القياسات لتصغير الأرقام.

فالديسبيل:هو لوعاريتم نسبة شدة الصوت المراد قياسه إلى وحدة قياسية مضروباً بعشرة،وعليه فإذا قلت 10 ديسبيل فهذا يعني أن الصوت أشد عشر مرات وإذا قلت 20 ديسبيل فهو أشد بمائة مرة،و30 ديسبيل أشد بألف مرة،و120 ديسبيل تريليون مرة.

وشدة الصوت العادي للكلام تبلغ 50 ديسبيل،بينما محرك الطائرة 100 ديسبيل،والمكتب العادي تحدث فيه ضجة تعادل 30 ديسبيل.

يتراوح مدى السمع الطبيعي للإنسان ما بين 20 وعشرين ألف هرتز.وتقل قدرة الإنسان على سماع الأصوات ذات التردد العالي مع التقدم في العمر.وقد تتفوق أذن بعض الحيوانات على أذن الإنسان حتى أن الخفافيش والدلافين تستطيع أن تسمع حتى 120 ألف ذبذبة لكل ثانية.

وتبلغ حساسية الأذن لسماع الأصوات درجة كبيرة بحيث أنها تفرق مابين صوتين فيما إذا زاد أو نقص عدد التواترات ثلاثة فقط،وهكذا يمكن للأذن فيما إذا بقيت الشدة ثابتة أن تميز مابين 1500 لحن مختلف.

يتميز كل صوت بثلاثة صفات فيزيائية:

أما شدة الصوت:وهي الصفة التي تميز بها الأذن الصوت الشديد القوي عن الصوت الضعيف الخافت،وتتعلق شدة الصوت بسعة الموجات الصوتية. وهي كمية الطاقة في موجة الصوت،وهي تقاس بالديسيبيل.

ويصعب على الإنسان أن يسمع صوتاً قوته صفر ديسبيل،أما الأصوات الأعلى من 140 ديسبيل فإنها قد تسبب ألماً للأذن،وقد تتضرر الأذن بشكل خطير.

وتواتر الصوت:وهو الصفة التي تميز فيها الأذن الصوت الحاد الرفيع عن الصوت الغليظ الأجش كالاختلاف بين صوت المرأة والرجل.ويتعلق تواتر الصوت بعدد هزاته في الثانية وتنحصر التواترات المسموعة بين 10 ـ 24 ألف هرتز،علماً أن الأصوات البشرية محصورة بين التواترات 75  ـ 1400 هرتز.

وطابع الصوت:وهو الصفة التي تميز فيها الأذن بين صوتين متماثلين شدة وارتفاعاً يصدرهما منبعان مختلفان كالتعرف على شخص من صوته ويتعلق طابع الصوت بمدروجاته.

تنتقل الأمواج الصوتية من المحيط أي الهواء إلى الداخل إلى اللمف الباطن عن طريق وسيط هو الأذن الوسطى،وإن تركيب الأذن الوسطى وخاصة وجود العظيمات السمعية والعضلات السمعية قد هيأ الأذن من أجل نقل الضغط الواقع على غشاء الطبل إلى الأذن الداخلية  بصورة أكبر وذلك بسبب وجود حركة العظيمات السمعية من جهة (حيث يلاحظ في مرض تصلب الأذن Otosclerosis_والذي يمتاز بأن قاعدة عظم الركابى بدلاً من أن ترتبط مع النافذة البيضية بواسطة رباط حلقي ليفي فإنها ترتبط معه بواسطة رابط عظمي وهذا بالتالي يعيق حركة عظم الركابى ويسبب فقدان السمع أو الصمم المُترقي والذي ينتهي بفقد السمع ويلاحظ هذا المرض عند الشباب) ، ومن جهة أخرى فإن الضغط الواقع على غشاء الطبل هو ضغط يقع على سطح واسع بالنسبة لسطح عظم الركابى وهذا الإنتقال يسبب تضاعف الضغط مرات عديدة.

تدخل موجات الصوت إلى قناة مجرى السمع الظاهرومن المعروف أن حساسية الأذن تكون عظمى في التواترات 1000 ـ 3000هرتز والسبب في ذلك هو طول مجرى السمع الظاهر،إذ أنه من المعروف أن الرنين في انبوب مغلق من أحد أطرافه يكون أفضل عندما يكون طول موجة الصوت المار منه يعادل أربعة أضعاف طوله.ومن ثم  ترتطم هذه الامواج الصوتية بغشاء الطبل،فتجعله يهتز،وتحدث ذبذبات تنتقل من غشاء الطبل إلى عظيمات الاذن الوسطى الثلاث،المطرقة والسندان فالركابة،وتهتز الصفيحة القاعدية للركابة داخل النافذة البيضية التي تقع بين الأذن الوسطى والأذن الباطنة محدثة موجات في سائل أنابيب الحلزون.ومن الثابت والمؤكد اليوم أن القسم الفعال من الصوت الذي تدركه الأذن هو الذي يدخل عن طريق السلسلة العظمية إلى النافذة البيضية.

إن الاهتزازات التي تصل إلى غشاء الطبل فإن قسماً منها تصطدم بالغشاء وتنعكس،وقسم منها يمر إلى الاذن الوسطى وعن طريق الهواء يصل النافذة المدورة،وقسم ثالث يدخل الأذن الوسطى ويصل إلى النافذة البيضية عن طريق العظيمات السمعية،وهذا القسم الأخير هو الأكثر أهمية بالنسبة للسمع.

وإن وجود انثقاب في غشاء الطبل يسبب نقصاً في السمع يتناسب حسب مساحة ومكان الانثقاب،وإذا كانت العظيمات السمعية سليمة فإن نقص السمع الناتج عن انثقاب غشاء الطبل يتراوح بين 5 ـ 20 ديسبيل.وإن حالة العظيمات السمعية وحرية حركتها أكثر أهمية للسمع من انثقاب غشاء الطبل.

وهناك وظيفة أخرى للعظيمات السمعية،وهي تضخيم أي تقوية الموجات الصوتية معوضة بذلك الفقدان الجزئي لقوة الصوت الناجم عن مروره في سائل الحلزون إذ أنها تقل تقريباً بمقدار 30 ديسبيل مقارنة بقوتها أثناء المرور في الهواء

والسمع عملية معقدة فكل شىء يتحرك يحدث صوتاً،ويتكون الصوت من اهتزازات لجزيئات الهواء التي تنتقل في موجات،ثم تدخل هذه الموجات الصوتية إلى الاذن،حيث تتحول من حزمة تموجية إلى إشارات عصبية ترسل إلى الجزء المسؤول عن السمع في الدماغ،والذي يقوم بدوره بترجمة هذه الإشارات العصبية إلى مانسمعه من أصوات.

اما بالنسبة للنفير فإن النهاية البلعومية للنفير التي تنفتح على البلعوم الأنفي في الحالة الطبيعية تكون مغلقة ولكن خلال البلع فإنها تنفتح  لكي تسمح لضغط الهواء في الأذن الوسطى أن يساوي ذلك في المحيط الخارجي أي الهواء المحيط ، فإذا تساوى الضغط في الجانبين أدى هذا إلى تمزق غشاء الطبل أو اندفاعه نحو الداخل كما هي الحال عند الغواص عند هبوطه تحت الماء أو يندفع للظاهر كما يشاهد عند ركوب الطائرة .

إن وظيفة نفير أوستاش هو تأمين دخول الهواء إلى الأذن الوسطى ليتحقق وجود ضغط متعادل على وجهي غشاء الطبل.وهذا النفير يكون مغلقاً في حالة الراحة ويفتح أثناء بعض حركات البلع أو عند التثاؤب بفعل العضلتين رافعة وموترة شراع الحنك ومدة الانفتاح قصيرة جداً أقل من عشر الثانية،ويمكن فتح النفير بعدة طرق ومنها إغلاق الأنف وضغط الهواء في البلعوم الأنفي أو مايسمى حركة فالسالفا،ومنها إغلاق منخر ثم ضغط الهواء في المنخر الآخر بواسطة إجاصة مطاطية مع إجراء حركة بلع ومنها أيضاً ادخال قثطار معدني إلى فوهة النفير وضغط الهواء فيه.

إن تشوش السمع ونقصه قد يشاهد أحياناً في حال احتقان وتوذم نفير اوستاش كما في الزكام ففي هذه الحالة فإن الاوكسجين في الأذن الوسطى يمتص من قبل الأوعية الدموية ويسبب ضغط الهواء المحيطي اندفاع غشاء الطبل نحو الداخل .

إن الصوت عبارة عن اهتزازات تنتقل عبر وسط مرن،وهو غالباً الهواء،ولكن الوسط المرن القاسي الصلب ينقل الصوت بسرعة أشدّ،والوسط السائل ينقلها بسرعة أشد وبدقة أعلى،فالصوت ينتقل عبر الهواء من الأذن الخارجية إلى الوسط العظمي (عظيمات السمع) في الأذن الوسطى ثم ينتقل عبر السائل اللمفي إلى الأذن الباطنة ،أي من الهواء إلى الجسم الصلب إلى الوسط السائل..

وإن انتقال الصوت من وسط غازي إلى وسط سائل يضيع قسماً كبيراً من قدرته فعند اصطدام الصوت السائر في الهواء بسطح الماء ينعكس منه أكثر من 99% ولايخترق الماء إلا قسم ضئيل منه،وهذا يبدو واضحاً بعدم سماع السابح ضمن الماء مايجري خارج الماء،بينما هو يسمع أضعف الأصوات ضمن الماء،وكذلك فمن المعروف عند الصيادين أن الأصوات خارج الماء لا تؤدي إلى هرب الأسماك وذلك لعدم اختراقها الماء.

وهذا ما يحدث في الأذن إذ أن انتقال الاهتزازات الصوتية في الهواء ومن ثم إلى اللمف الظاهر واللمف الباطن لتؤثر على النهايات العصبية،إن هذا الانتقال من الوسط الغازي إلى الوسط السائل يسبب ضياعاً كبيراً في قدرة الصوت يقد بأكثر من 99%،وهذا يعادل خسارة قدرها 30 ديسبيل ويكون عمل الأذن الوسطى تعويض القسم الكبير من هذه الخسارة ويتم هذا بآليتين:

1 ـ تأثير الرافعة:وذلك أن قبضة المطرقة أطول من النتوء الطويل للسندان بحوالي1،3مرة،والمطرقة والسندان تشكلان رافعة ذراعها قبضة المطرقة،وهذا التأثير يعطي كسباً قدره 2 ـ 3 ديسبيل.

2 ـ تأثير المساحة:ونعني بها مساحة غشاء الطبل وهو يعادل 90مم مربع والقسم الفعال يعادل 55 مم مربع بينما مساحة النافذة البيضية تبلغ 2،3مم مربع،والاهتزازات الصوتية تنتقل من سطح غشاء الطبل الواسع إلى سطح النافذة البيضية فتزيد قدرتها بنسبة الساحتين أي حوالي 17 مرة وهذا يعطي كسباً قدره حوالي 25 ديسبيبل.

وأما عضلة المطرقة والتي تتعصب من العصب الخامس وهي تنشأ جنينياً من القوس الغلصمي الأول،وعضلة الركابة وتتعصب بالعصب السابع أيضاً ولكنها تنشأ من القوس الغلصمي الثاني وإن عمل العضلتين هو عمل واق حيث أنهما تتقلصان تجاه الأصوات الشديدة وذلك لمنع وصولها إلى الأذن الباطنة وأذيتها ويبلغ مقدار وقايتهما حوالي 10 ديسبيل،أما إذا كان الصوت شديداً وفجائياً فإنه يجتاز الأذن الوسطى قبل أن تتقلص العضلتان.

ثم تنتقل الأمواج الصوتية السمعية إلى قاعدة الركابة والتي تهز اللمف الظاهر فيهتز الغشاء القاعدي ويتم تنبيه بعض الأشعار الخاصة في عضو كورتي والغشاء القاعدي في الحلزون الذي يعتبر من مكونات الأذن الداخلية التي لها دورا هاما في السمع والتوازن .وينقلب هذا الاهتزاز في الخلايا المشعرة من عضو كورتي(حوالي خمسة وعشرون ألف خلية) ويتحول من حركة ميكانيكية إلى تنبيه كهربي كيميائي ينبه العصب السمعي.وإن وجود اللمف الظاهر ضمن جوف عظمي ثابت الحجم يجعل من الضروري لحدوث اهتزاز فيه أن يكون له منفذين وهذين المنفذين هما النافذة البيضية والنافذة المدورة.

ويكون لكل منبه ولكل موجة صوتية ارتكاس معينا على هذه البنيات الحساسة وقد تبين أن المنبهات ذات التواتر العالي تنبه القسم القاعدي من الغشاء أما ذات التوترات المنخفضة فتنبه القسم الذروي ويتم تحويل هذه الموجات الصوتية إلى سيالات عصبية وهذه تتوجه إلى المراكز السمعية في  قشر الدماغ .

وإلى الآن لم يستطع العلماء أن يكتشفوا كيف تستطيع الأذن أن تفرق بين النغم والضجيج،لماذا عندما تشعر ببعض الأصوات تحس أنك في ضيق شديد،وعندما تسمع أصوات أخرى تحس بالارتياح والهدوء؟كيف تستطيع الأذن أن تلتقط مئات الألوف من الاصوات،ولكل صوت نبرة خاصة تسجل في المراكز الدماغية،وكيف تستطيع الأذن من خلال المكالمة الهاتفية أن تتعرف على الشخص ولو كانت مكالمة بعد افتراق عشرات السنين وكيف تتعرف من خلال نبرة الصوت على هذا الشخص؟

ولقد أثبتت الأبحاث أن المنطقة السمعية في الدماغ تتطور وتتكامل وظائفها قبل مثيلتها البصرية،ولهذه الأسباب يتعلم الطفل المعلومات الصوتية في أوائل حياته قبل تعلمه المعلومات البصرية،ويتعلمها ويحفظها أسرع بكثير من تعلمه المعلومات المرئية،فهو مثلاً يفهم الكلام الذي يسمعه ويدركه ويعيه أكثر من فهمه للرسوم والصور والكتابات التي يراها،ويحفظ الأغاني والأناشيد بسرعة ويتمكن من تعلم النطق في وقت مبكر جداً بالنسبة لتعلمه القراءة والكتابة.وكل ذلك لأن مناطق دماغه السمعية أكثر وأ بكر نضوجاً من مناطقه البصرية{لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية}[الحاقة 12].

إن الأصوات كما ذكرنا تصل إلى الأذن الداخلية عن طريق الأذن الخارجية ومن ثم الوسطى وهما مملوءتان بالهواء في الحالة الطبيعية،ولكن يمكن للإنسان أن يسمع بشكل جيد إذا كانتا مليئتان بالسوائل كما هو الحال عند غمر رؤوسنا عند السباحة حيث يمكن من سماع الأصوات جيداً.وهذا ينطبق أيضاً على الجنين الذي يحيط به السائل الأمنيوسي داخل الرحم.

وهناك وسيلة أخرى لوصول الموجات الصوتية إلى الأذن الباطنة ويتم ذلك عن طريق عظام الجمجمة وتسمى هذه الطريقة بالنقل العظمي،وينتقل بهذه الطريقة أيضاً جزء من صوت الإنسان نفسه إلى أذنه الداخلية.

كيفية وصول الصوت إلى مراكز الدماغ السمعية

تتحرك الصفيحة القاعدية للركابة في النافذة البيضية محدثة موجات في سائل الحلزون الذي يضغط على الغشاء القاعدي ويجعله يتحرك،فتنزلق الخلايا الشعرية لعضو كورتي على الغشاء السفلي السقفي المتدلي فوقها،وينتج عن ذلك انثناء الخلايا الشعرية مما يحدث دفعات في ألياف عصب الحلزون الملامس لهذه الخلايا.ويقوم عصب الحلزون بنقل هذه الدفعات إلى الفص الصدغي وهو المركز السمعي في الدماغ،ويقوم الدماغ بترجمة هذه الدفعات إلى أصوات.

تتفاوت أماكن تأثير الأصوات المختلفة على الخلايا الشعرية للغشاء القاعدي،فالأصوات ذات التردد العالي تؤثر على الخلايا الشعرية الموجودة في أسفل الحلزون،وتحرك الأصوات ذات التردد المتوسط الخلايا الشعرية القريبة من وسط الحلزون،في حين أن الاصوات ذات التردد المنخفض تؤثر في الحلزون.إضافة لذلك ترسل الألياف العصبية الموجودة في الغشاء القاعدي دفعات لها تردد الصوت نفسه المولد لهذه الدفعات.

يعتمد ما نسمعه من صوت على شدة الصوت الخارجي وعلى عدد الخلايا الشعرية في الأذن التي تتأثر بالصوت وعلى عدد الدفعات التي يرسلها عصب الحلزون إلى الدماغ،فالأصوات العالية تحرك عدداً كبيراً من الخلايا الشعرية وعليه يرسل عصب الحلزون إشارات كثيرة.

يعتمد تحديد الاتجاه الذي يأتي منه الصوت على السمع بالأذنين معاً،فالصوت الصادر من الجانب الأيمن لشخص يصل إلى الأذن اليمنى قبل اليسرى بجزء من الثانية،ويكون كذلك أقوى بقليل في الأذن اليمنى،ويقوم الدماغ بإدراك هذا الاختلاف اليسيرفي الوقت والقوة،ويتمكن بالتالي من تحديد الاتجاه الذي صدر منه الصوت.

يمكن للأذن البشرية بشكل عام سماع الاصوات بترددات تتراوح بين عشرين هرتز و20 كيلوهيرتز(نطاق الصوت).وتعتبر الاصوات التي تقع خارج هذا النطاق دون الصوتية( دون 20 هرتز) أو الموجات فوق الصوتية أي فوق 20 كيلو هيرتز )،على الرغم من أن السمع يتطلب جزءاً سمعياً سليماً وعاملاً من الجهاز العصبي المركزي بالإضافة إلى أذن عاملة،إلا أن الصمم البشري أي عدم الحساسية تجاه الصوت يحدث بشكل شائع بسبب تشوهات الاذن الداخلية،وليس في الأعصاب أو المسالك في الجهاز السمعي المركزي.

ولقد أثبت العلم أن الإنسان لايستطيع سماع كل شىء حوله بل إن بعض الحيوانات تتفوق عليه في ذلك فالكلاب مثلاً تتنبأ بحدوث الزلازل قبل وقوعها،والخفافيش تستطيع سماع الموجات فوق الصوتية.حيث أن الخفافيش وهي حيوانات ليلية وتعيش في الظلام وبالتالي فإن الرؤية عندها شبه معدومة،وبالتالي تعتمد على حاسة السمع وهي نامية عندها جداً،وهي تستطيع أن تسمع الأصوات وحتى ذبذبات تقدر بحوالي 120000هيرتز،ويعتمد الخفاش على السمع في حركته وذلك من خلال الاستعانة ببروز يسمى محدد موقع الصدى،إذ يُطلق نبضات فوق صوتية تنعكس من أي شىء يقع في طريقه أثناء الطيران فيسمعها بأذنيه الكبيرتين،ويقرر بكل دقة بُعد الاشياء والفريسة تماماً،وكذلك يحدد بشكل رائع اتجاهها،وقد قلده البشر وقلده العلماء ودرسوا هذه الظاهرة وكانت هي القاعدة الأساسية ألتي أقاموا عليها فكرة الرادار في اكتشاف الطائرات.

وكان يظن قديماً أن الأذن اليمنى مثل اليسرى من الناحية الوظيفية،ولكن الكثير من الباحثين يقولون الآن أن الأذن اليمنى أكثر تمييزاً للأصوات من اليسرى،وأن اليسرى أكثر تمييزاً للموسيقى.

إن الأذن هي العضو الحسي الذي يمكننا من خلالها السمع،فنحن نتفاهم مع بعضنا عن طريق الكلام،وهذا يعتمد على السمع بشكل رئيسي.ويتعلم الأطفال الكلام عن طريق الاستماع إلى حديث الآخرين وتقليده.وإذا أصيب الطفل بإعاقة في السمع،فهي غالباً تؤدي إلى صعوبة في الكلام والنطق.

ومن فوائد السمع أنه يحذرنا من الأخطار كسماعنا صوت تحذير بوق السيارة أو صفارة القطار.وحتى أثناء النوم تبقى حاسة السمع موجودة ونستمع من خلالها للتحذير من الحريق أو نباح كلب الحراسة..

فحاسة السمع هي الحاسة الوحيدة التي تبقى قيد العمل أثناء النوم،ولهذا فإن ربّ العالمين عندما أراد من أهل الكهف أن ينعزلوا عن الدنيا ولايتأثروا بما حولهم قال عز وجل:{ًفضربنا على آذانهم في الكهفِ سِنينَ عدداً } [الكهف11].

ولقد لوحظ أن هناك قدرة على التمييز بين الأصوات أثناء النوم والتي تقرر ماهي الأصوات التي تستدعي الإستيقاظ،أو عدمه،وهذا عمل موكول بمنظومة اليقظة التي تقع في الفص الجبهي للدماغ،فالأم مثلاً تسمع أصواتاً كثيرة أثناء نومها ولا تستيقظ،ولكنها بمجرد سماع صوت طفلها تقفز من سريرها لتتفقده.

وإن إصابة الإنسان لفقد السمع يجعله يعيش في صعوبات كبيرة مع الجو الذي يحيط به،وحيث يؤدي إلى إصابته بمضاعفات شديدة جسمية وعقلية.وقد يفقد الإنسان حاسة البصر ولكنه يكون من العباقرة والنوابغ مثل أبو العلاء المعري،أو بشار بن برد أو طه حسين أو الشيخ عبد الحميد كشك أو الشيخ ابن باز أو الشيخ القارىء محمد رفعت،ولكن قد يكون من الصعوبة أن تشاهد عباقرة فيمن فقد حاسة السمع في المراحل الأولى من الحياة.

وللأذن وظيفة أخرى وهي حفظ التوازن،فهي تحتوي في الاذن الداخلية على أعضاء خاصة تستجيب لحركات الرأس فتعطي الدماغ معلومات عن أي تغيير في وضع الرأس.فيقوم الدماغ ببعث رسائل إلى مختلف العضلات التي تحفظ الرأس والجسم متوازنين،كما في حال الوقوف،أو الجلوس،أو السير،أو أي حركة أخرى.

تطور السمع عند الوليد والرضيع:

1ـ منذ الولادة وحتى الشهر الثالث من العمر: يظهر الوليد الاندهاش من الأصوات المزعجة والمرتفعة،والتفاعل مع الأصوات المألوفة،وإصدار بعض الأصوات كالهديل.

2ـ من الشهر الثالث وحتى السادس:البحث عن اتجاه الصوت،والتفاعل مع نبرة الصوت بالضحك أو البكاء،ونطق بعض الكلمات البسيطة مثل:با،و”غا” ولاسيما بعد سماع الأصوات المألوفة.

3ـ من الشهر السادس وحتى التاسع:النظر في اتجاه الصوت،والتمتمة بكلمات بسيطة مثل ماما،وفهم الكلمات البسيطة مثل” لا”

4ـ من الشهر التاسع وحتى نهاية السنة الأولى من العمر:الإستجابة للأصوات ذات الدرجات المختلفة،وتقليد أصوات الحيوانات ونغمة الحديث،والتعرف على أسماء الأشياء البسيطة كالحليب والكأس.

5ـ من الشهر الثاني عشر وحتى الثامن عشر:يمكن للطفل الاستجابة لأسمه والكلمات المألوفة،وفي عمر السنة ونصف يمكن للطفل استخدام 20 كلمة،وفهم 50 كلمة.

6ـ من 18 ـ 24 شهر:تكوين عبارات قصيرة من كلمتين،والإستماع للقصص والأغاني البسيطة،والبدء في استخدام ضمائر الملكية مثل لي وأنا.

ـ 2 ـ 3 سنوات:تكوين جمل من كلمتين أو ثلاثة،والإستجابة للتعليمات متعددة الخطوات،وتسمية بعض الأشياء.7

الصمم:

قد يكون فقدان السمع جزئياً أو كلياً،خلقياً أو مكتسباً،وقد تعرف أسبابه وقد تكون مجهولة.

عندما يكون فقدان السمع على مستوى الأذن الظاهرة أو الوسطى فإنه يسمى فقدان السمع التوصيلي أو النقلي،وعندما يكون بسبب آفة في الأذن الداخلية أو على مستوى العصب السمعي أو الدماغ فإنه يسمى فقدان السمع الحسي العصبي أو الإستقبالي.

ومن الطبيعي أن يحدث تراجع في حاسة السمع مع التقدم في العمر،ويقدر أن حوالي ثلث الأفراد الذين تجاوزوا سن الستين يعانون من مشاكل ضعف السمع.وهذا مايسمى بالصمم الشيخي،ويعود السبب غالباً إلى فقدان المستقبلات الحسية في الأذن الداخلية.ويشاهد نقص السمع عند الرجال أكثر من النساء.

ومن أسباب نقص السمع التوصيلي أو النقلي نذكر:

انسداد قناة الأذن الخارجية أي مجرى السمع الظاهر: بالسدادة الصملاخية،أو وذمة التهابية أو جسم أجنبي أو من منشأ خلقي. وهناك حالات تشوهات في صيوان الأذن وهذا يشاهد غالباً في الأمراض الخلقية الوراثية الصبغية.

أو وجود انثقاب في غشاء الطبل،وقد ينجم عن التهاب الأذن الوسطى المزمن أو المتكرر،أو بسبب رضي نتيجة صفعة أو انفجار شديد…. وهناك انثقاب غشاء الطبل لأسباب أخرى،وخاصة ادخال بعض الأشياء في الأذن ومنها أعواد تنظيف الأذن الخارجية،وانثقاب غشاء الطبل عند الغوص أو الطيران أو وقوع انفجارات كبيرة قريبة.

وهناك الأسباب العديدة التي تسبب انسداد نفير أوستاش،والتهاب الأذن الوسطى القيحي الحاد أو المزمن،وهناك مرض تصلب الأذن أو مايسمى الاستحالة الإسفنجية حيث تتثبت قاعدة الركابة.

ومن أسباب نقص السمع العصبي الحسي أو الاستقبالي نذكر:

بعض الأمراض الوراثية الخلقية،وقد تكون بسبب مورثي يعود إلى خلل في المورثات،أو قد يكون تالياً لإصابة الحامل بمرض الحصبة الألمانية أو الأمراض الانتانية الأخرى،وخاصة في الأشهر الأربعة الأولى من الحمل.وقد يكون بسبب تناول بعض الأدوية أثناء الحمل ومنها مركبات الستربتو مايسين أو الكاناميسين أو النيومايسين،أو الكينين أو الساليسلات.ومن الاسباب أيضاً نقص الأوكسجين الشديد لدى الوليد في حالات الولادات المتعسرة والصعبة،أو بسبب انحلال الدم المشاهد بسبب اختلاف الزمر الدموية ،ونذكر أيضاً الإفرنجي الولادي.وكذلك النكاف قد يؤدي إلى فقد السمع في أذن واحدة.

ومن الاسباب أيضاً الترفع الحروري الشديد وخاصة عند الأطفال الصغار بسبب بعض الأمراض الانتانية،إذ أن الترفع الحروري الشديد قد يسبب نقصاً في السمع وقد يصل إلى درجة الصمم،ولذا لابد من خفض الحرارة بالطرق المختلفة.

وهناك الأسباب الرضية ومنها رضوض الجمجمة التي تسبب ارتجاجاً أو كسر في عظم الصخرة.

وهناك نقص السمع لأسباب وعائية ومنها النزوف في الاذن الباطنة.وهناك أيضاً داء منيير،وورم العصب السمعي.وهناك نقص السمع الشيخي وهو ثنائي الجانب مترق بالتدريج يشاهد عند المسنين ويعود إلى تنكس الخلايا المشعرة في عضو كورتي أو في خلايا العصب السمعي.وهناك نقص السمع النفسي،وهو ثنائي الجانب ويظهر بعد حادث معين وغالباً مايشفى بالمعالجة.

وهناك أسباب في المجتمعات الحديثة تسبب تلفاً في الأذن الداخلية وخاصة المستقبلات الحسية فيها وهي:نقص السمع بالرض الصوتي:ويكون نتيجة التعرض لصوت شديد ولمرة واحدة كما في الانفجارات.

أو التعرض لمستويات صوت مرتفعة:كما يشاهد في بعض المهن والصناعات والضوضاء المستمرة..وهذه تسبب تمزق الخلايا الشعرية في الحلزون في الأذن الداخلية.ومن المهن التي يكثر بها نقص السمع العصبي نذكر العاملين بأدوات ذات صوت عالي مثل المنشار الآلي والخرامة الكهربائية أو العاملين بالمطرقة الكهربائية في رصف الشوارع،ولذا يجب أن يحموا آذانهم بما يشبه السماعات لتحجب الاصوات عنهم.

وينبه الأطفال الذين يستعملون السماعات بشكل متواصل وخاصة لأصوات عالية.وهذا يحدث غالباً إذا تعرض الإنسان إلى أصوات شديدة أعلى من 90 ديسبيل ولمدة طويلة.ويبدأ ضعف السمع بعدم سماع الموجات الصوتية بين 40000 و60000 هرتز،بسبب تمزق الخلايا الشعرية في حلزون الاذن الداخلية.

وقد بيّن الله تعالى تأثير وأذية الأصوات الشديدة على الاذن فقال تعالى:{فإذا جاءت الصاخة}[عبس 33]والصاخة هي الصيحة تصمُّ الاذن لشدتها،أي تصيبها بالصمم،ومنه سُميت القيامة الصاخة.

ولايشاهد فقدان السمع بسبب آفة في التلافيف في مراكز السمع في التلفيف الصدغي لأن الاتصالات ثنائية الجانب،ولايتم ذلك إلا بإصابة الفص الصدغي في الجانبين وهذا لايتوافق مع استمرار الحياة.

وهناك موضوع هام جداً :وهو فناء بعض الأقوام كما جاء في القرآن الكريم بسبب الصيحة.

كما حدث لقوم صالح في مدين وقوم ثمود وقوم لوط.والسؤال كيف يمكن للنفس أن تموت وهي في دارها وبدون أن تتأثر المساكن أو ماحولها من خلال الصيحة الشديدة،والذي غالباً مايتم في وقت الصبح.

فقوم شعيب كانوا يسكنون مدين ومساكنهم كانت في الجبال(وهي تقع حالياً إلى الشمال الغربي من السعودية في وادي عفال وتبعد 225كم عن مدينة تبوك غرباً وتبعد عن خليج العقبة حوالي 30 كم شرقا)،فلما كفروا بشعيب حقّ عليهم العذاب وأخذتهم الصيحة.

يقول تعالى:{ولمّا جاءَ أمرُنا نجينا شُعيباً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا وأخذتِ الذين ظلموا الصيحةُ فأصبحوا في ديارهم جاثمين}[هود 94].

وفي قوم لوط:{فأخذتهم الصيحة مُشرقين*فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارةً من سجيل}[الحجر 73 ـ 74].

(مُشرقين :عند شروق الشمس).

وفي قوم هود أصحاب الحجر وقوم صالح عليه السلام يقول تعالى:{فأخذتهم الصيحةُ مُصبحين*فما أغنى عنهم ماكانوا يكسبون}[الحجر 83 ـ 84].

إن الصيحة التي ذكرها القرآن الكريم هي الصوت الشديد،ولكن يظن علمياً أنها موجات صوتية غير مسموعة،أي تحت الصوتية،يمكن أن تسبب اهتزازاً ورجفاناً في الجسم مع تمزق الأحشاء الداخلية فيه.وهناك حالياً تستعمل بعض الأسلحة الفتاكة التي تعتمد على الموجات تحت الصوتية والتي يبلغ ترددها 7 هيرتز مع درجة شدة معينة من الديسبيل فإنها تولد ذبذبة مماثلة لدرجة ذبذبة الموجات الصوتية،نتيجة للرنين وتصاب الأعضاء الداخلية بالتمزق.

ويقول تعالى في كتابه العزيز:”{ونُفخَ في الصور فصعِقَ من في السمواتِ ومن في الارض إلا من شاء الله ثم نُفخَ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون}[الزمر 68]،فماهي حقيقة النفخ في الصور،وما هو تأثير الصوت على الإنسان،وما علاقة الصاعقة بالنفخ في الصور؟

إن الصوت عبارة عن اهتزازات ميكانيكية تنتقل في الهواء على شكل موجات صوتية،وتؤثر في غشاء الطبل في الأذن الوسطى فتجعله يهتز وينقل هذه الذبذبات كما ذكرنا إلى الأذن الداخلية ومن ثم إلى المراكز الدماغية لتحللها وتدركها وتميزها.وإن الصوت له تأثيره على الإنسان بشكل كبير وبخاصة إذا كانت قوة الصوت عالية ويؤدي إلى اضطرابات فيزلوجية ونفسية عديدة حسب شدة الصوت وحسب المدة التي يتعرض بها الإنسان إلى هذه الشدة.

إن المجال الصوتي الذي يسمعه الإنسان يتراوح مابين 20 وألفين هيرتز.والترددات الصوتية التي تقل عن 20 تسمى الموجات تحت الصوتية أو السمعية،والترددات التي تزيد عن الألفين تسمى الترددات فوق الصوتية أو فوق السمعية.

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“ولو أن عتبة السمع ارتفع مستواها قليلاً لما أمكنك أن تنام الليل،لأن الأصوات كلّها تتلقفها،بل إن أصوات جهاز الهضم وحده تكاد كالمعمل الكبير،لذلك جعل الله لك عتبة خاصة في السمع لاتزيد على حدّها،وصدق الله تعالى:{إنّا كل شىءٍ خلقناهُ بقدرٍ}[القمر 49].

تقاس قوة الصوت بوحدة الدسبيل،فعندما تصل قوة الصوت إلى 120 ديسبيل تتعرض الاذن لآلام شديدة،وعند درجة 140 يحدث تمزق وانفجار غشاء الطبل،وعند 150 ديسبيل يبدأ القفص الصدري بالاهتزاز ويتعرض الإنسان للغثيان والسعال الحاد وضيق التنفس الشديد.وعند درجة 200 ديسبيل تنفجر الرئتان،ويتأذى كل الجسم وخاصة القلب والدماغ وتحدث الوفاة.

وعندما يتعرض الإنسان لترددات صوتية عالية فوق السمعية فإن درجة حرارة الجسم ترتفع ويبدأ بالاحتراق،بسبب موجات الضغط العالية التي تسخن الهواء من حوله،وعندما تكون الترددات عالية والصوت شديداً فإن هذا الصوت سيولد فقاعات في الجسم وجروح دقيقة ويبدأ النسيج العضلي بالتمزق .

وإن سرعة الصوت عند مستوى سطح البحر هي 1223كم في الساعة،فإذا ماتجاوزت الطائرة هذه السرعة فإنها تخترق ما يسمى حجاز الصوت وتشكل خلفها موجات اهتزازية عنيفة تسبب تكاثف جزيئات البخار وتشكيل غيمة مؤقتة.

الصوت والصاعقة:

إن الترددات الصوتية العالية تسبب انضغاطاً عنيفاً للهواء في مناطق محددة وتمدداً مفاجئاً في مناطق أخرى،وإذا كانت هذه الترددات عالية جداً سببت موجات ضغط متقاربة تجعل جزيئات الهواء تحتك ببعضها بعنف مما يولد كمية كبيرة من الحرارة.

ولذلك فإن مايحدث أثناء صاعقة البرق هو العكس،حيث يتمدد الهواء فجأة بسبب الارتفاع الكبير في درجة حرارة شعاع البرق(30 ألف درجة مئوية وهذه الدرجة تساوي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس)وهذا يسبب موجات ضغط تصلنا على شكل صوت للرعد.

ولذلك هناك علاقة عكسية بين الصوت والصعق أو الحرارة الزائدة المفاجئة.

والله تعالى يقول:{وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين}[هود 67]،ويقول تعالى:{وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون}[فصلت 17].ونلاحظ هنا أن الله تعالى ذكر الصيحة مرة،والصاعقة مرة أخرى،لأن الترددات الصوتية إذا كانت قوية بما فيه الكفاية تسبب الصاعقة التي تحرق أي شىء تصادفه.

القوة التدميرية للصوت:

كذلك تحدث القرآن عن القوة التدميرية للصوت،وذلك في عذاب قبيلة ثمود قال تعالى:{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنّا دمرناهم وقومَهم أجمعين*فتلكَ بيوتهم خاويةٌ بما ظلموا إنَّ في ذلك لآيةً لقومٍ يعلمون}[النمل 51 ـ 52].

إذن الصوت كان سبباً في تدمير هؤلاء الطغاة،وهذا مايقوله العلم اليوم،حيث يؤكد الباحثن في هذا المجال أن الترددات الصوتية عند قوة معينة تكون مدمرة وتفتت أي شىء تصادفه حتى الصخور.ولذلك قال تعالى عن عذاب ثمود:{إنّا أرسلنا عليهم صيحةً فكانوا كهشيم المُحتظِر}[القمر 31].وهشيم المحتظر هو المرعى اليابس والمحترق والشوك،كما في تفسير ابن كثير.وقال تعالى أيضاً:{فأخذتهم الصيحةُ بالحقِّ فجعلناهم غُثاءً فَبُعداً للقومِ الظالمين}[المؤمنون 41].والغثاء كما في القاموس المحيط:هو البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل.

تسلسل تاثير الصوت:

ومن الاشياء الرائعة في هذه المعجزة أنها تصف لنا بدقة مذهلة مايراه هؤلاء الكفار أثناء تعذيبهم،فالأذن هي العضو الأكثر تأثراً بالترددات الصوتية القوية،ثم تتأثر الرئتان والقلب والدماغ وأخيراً تتأثر العين،ولذلك فإن المُعذّب بالصوت يرى نفسه وهو ينهار شيئاً فشيئاً،وهذا ما حدث مع قبيلة ثمود،حيث أصابتهم الصاعقة وهم ينظرون،قال تعالى:{وفي ثمودَ إذ قيلَ لهم تمتّعوا حتى حين*فعتوا عن أمرِ ربِّهم فأخذتهم الصاعقةُ وهم ينظرون*فما استطاعوا من قيامٍ وما كانوا منتصرين}[الذاريات 43 ـ 45]

إن هذه الصاعقة ماهي إلا ترددات صوتية اهتزازية شديدة،ويقول العلماء إن الإنسان إذا تعرض لترددات صوتية عنيفة فإن جسده يبدأ بالاهتزاز والرجفان،ولذا فقد حدثنا القرآن عن”الرجفة” التي أصابت هؤلاء القوم،قال تعالى:{فأخذتهم الرّجفةُ فأصبحوا في دارهم جاثمين}[الأعراف 78].

وقد يقول قائل إن القرآن وصف عذاب قبيلة ثمود مرة بالصيحة ومرة بالرجفة ومرة بالصاعقة ومرة بالهشيم،فأين التوافق في هذه الكلمات مع أنها مختلفة من حيث المعنى؟

ونقول نعم إن الله تعالى وصف عذاب قبيلة ثمود بأوصاف مختلفة ولكن العلم الحديث كشف عن الآثار التدميرية للصوت القوي،ورتب لنا النتائج والآثار بترتيب يتناسب مع الحدث كما يلي:

1 ـ الصوت أي الصيحة يسبب الاهتزاز والرجفان وهذا ماعبر عنه القرآن بقوله تعالى:{فأخذتهم الرجفة}،وذلك لأن الصوت هو عبارة عن أمواج اهتزازية،وعندما يتعرض الإنسان لصوت قوي جداً بشدة أكثر من 200 ديسيل يبدأ الجسم بالاهتزاز والرجفان بسبب الأمواج الاهتزازية العنيفة.

2 ـ الصوت القوي يسبب الصعق والحرائق وهذا ما عبر عنه القرآن بكلمة”الصاعقة” يقول تعالى:{فأخذتهم الصاعقة}،لأن الترددات العالية والشديدة تجعل الهواء يتمدد بشكل مفاجىء وينضغط بشدة،وهذا يؤدي إلى رفع درجة حرارة الهواء إلى آلاف الدرجات المئوية،فيكون الصوت مترافقاً بالحرارة العالية وهذه هي الصاعقة.

3 ـ إن الأصوات القوية أكثر من 200 ديسبيل تؤدي إلى تمزق الجلد وانفجار الأذن والرئتين،ثم إذا زادت شدة الصوت فإنه يمزق أنسجة الجسم ويفتتها إلى قطع صغيرة محروقة تشبه الهشيم الذي تخلفه حرائق الغابات،وهذا ما وصفه الله تعالى بقوله:{فكانوا كهشيمِ المُحتظر}.وكذلك فإن الصوت القوي جداً يحول الاشياء إلى مايشبه الغثاء وهو بقايا السيل،وهذا ما وصفه القرآن بعبارة:{فجعلناهم غثاءً}.

النفخة الأولى:

هذا في الدنيا فماذا عن الآخرة؟

إن النفخة الأولى هي النفخة التي تنتهي بها الحياة ويمكن أن نسميها نفخة الموت،إذ أن الله تعالى يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة قوية تكون سبباً في هلاك جميع المخلوقات بما فيها الكائنات التي تعيش على كواكب أخرى خارج الأرض،لان الله تعالى يقول:{ونُفخ في الصورفصُعِقَ من في السّمواتِ ومن في الأرض}[الزمر68]أي أن هناك مخلوقات أخرى تنتشر في الفضاء الخارجي سوف تتأثر بهذا الصوت والصعق.

وكما ذكرنا هناك علاقة بين الصوت والصعق،لأن الصوت المرتفع جداً يملك قوة تدميرية ويمكن أن يحرق أكثر من النار نفسها!

النفخة الثانية:

وهي نفخة الحياة،حيث يأمر الله إسرافيل عليه السلام فينفخ في الصور فتكون هذه النفخة سبباً في إحياء جميع الخلائق،وقيامهم من تحت الارض،يقول تعالى:{ثمَّ نُفخَ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون}[الزمر 68].

(نقلاً عن موقع مكافحة الإلحاد)

فسيولوجيا التوازن:

لايدرك معظم الناس خاصية التوازن بنفس درجة إدراكهم للسمع والبصر وبقية الحواس،إذ لا يمكننا بغياب خاصية التوازن أن نحفظ أجسامنا قائمة،بل قد نترنح ونقع إن حاولنا التحرك.

وظيفة الدهليز في الأذن الباطنة في حفظ التوازن.والتوازن يتم بمنعكسات تجعل البدن في وضعية تحميه من السقوط فإذا مال الرأس إلى إحدى الجهتين أخذت الأطراف والجذع وضعية مناسبة بحيث لايسقط الشخص.وترد المعلومات عن وضعية أجزاء الجسم إلى الجملة العصبية المركزية بثلاثة طرق :العين والاذن والحس العميق.

فالعين تعطي معلومات بالرؤية المباشرة،والحس العميق يعطي معلومات بما يطرأ من شدّ على الأوتار والمفاصل عند أخذ الجسم وضعية معينة،والأذن تعطي معلومات عن وضعية الرأس في الحركة والسكون بما فيها من أقنية نصف دائرية وقريبة.أما الكؤيس فمختلف في أمر وظيفته بعد.

لكل قناة نصف دائرية نهاية متسعة تسمى المجل،وفي المجل يقع الجزء الحساس من القناة ويتألف تشريحياً مما يسمى القنزعة المجلية وهي تألف من طبقة من الخلايا المشعرة والاستنادية فوقها مخروط هلامي خفيف معلق يسمى القبعة،وتسبح القنزعة في سائل اللمف الباطن.وإن أي تحاك بين القبعة وبين أشعار الخلايا المشعرة يحدث تنبيهاً في القناة وهذا التحاك يحدث إذا ما تحرك اللمف الباطن حيث أن القبعة خفيفة جداً ومعلقة تعليقاً تتحرك لأقل حركة في اللمف الباطن.

يتحرك اللمف الباطن عندما يدور الشخص إذ أن للمف الباطن عطالة،ففي بدء الدوران يتأخر اللمف الباطن في دورانه قليلاً وكذلك يتأخر في وقوفه قليلاً في نهاية الدوران،ولذا فإن القناة نصف الدائرية تتنبه في بداية الدوران وفي نهايته أي عند وجود تسارع زاوي إيجابي أو سلبي،فالأقنية نصف الدائرية تقع في مستويات متعامدة على بعضها بحيث تكون إحداها متنبهة تنبهاً أعظمياً مهما كان مستوى الدوران الذي يدوره الجسم.والقناة نصف الدائرية الأفقية ليست في وضع أفقي تماماً إذا كان الرأس منصباً،وإنما ترتفع نهايتها الأمامية بمقدار 30 درجة عند نهايتها الخلفية.

يقوم الدماغ بحفظ التوازن عن طريق الإستجابة للمعلومات التي تصله من مختلف الأعضاء الحسية،فتصله المعلومات عن التغيرات في وضع الرأس عن طريق أعضاء الدهليز في الأذن،وهي القنوات شبه الدائرية والقريبة والكؤيس.أما في حالة تغير وضع الجسم،فإن المعلومات تصل إليه عن طريق العينين وعن طريق الأطراف.والأجزاء الأخرى من الجسم التي تمتلك خلايا خاصة حساسة للضغط،فيقوم الدماغ بتنسيق حركات مختلف العضلات التي تحفظ الرأس والجسم في حالة توازن.وتحدث هذه الحركات العضلية تلقائياً وتسمى الفعل المنعكس.

تساعد القنوات شبه الدائرية المليئة بالسائل على حفظ التوازن،ويتدفق السائل في اتجاه معين عند تحريك الرأس،وتؤثر مختلف أنواع الحركات في جميع القنوات،ويؤثر التفات الرأس على القناة الجانبية في كل أذن.

تستجيب القنوات شبه الدائرية للتغيرات في زاوية الرأس كالالتفات والميل والتثني،ويتدفق سائل أنابيب القنوات في اتجاه معين نتيجة لهذه الحركات،فإذا التفت الرأس تتأثر القناة الجانبية أو الأفقية في كل أذن،فيتحرك السائل في اتجاهات معاكسة ضمن أنابيب القناتين،وهذه الحركة تنبه الخلايا الشعرية لجراب إحدى الأذنين فترسل عدداً كبيراً من الدفعات إلى الدماغ عبر ألياف العصب الدهليزي الملامسة لهذه الخلايا.أما في الأذن الأخرى فإن لحركة السائل تأثيراً عكسياً وترسل دفعات أقل عدداً إلى الدماغ.وإذا أدرت رأسك جهة اليسار مثلاً فإن الدفعات المرسلة من الأذن اليسرى إلى الدماغ تزداد،وتقل تلك المرسلة من الأذن اليمنى،ويمكن للدماغ أن يحدد الاتجاه الذي استدار إليه الرأس تبعاً لاختلاف عدد الدفعات القادمة إليه من كل أذن.وعندما يكون الرأس ثابتاً ترسل الأذنان عدداً متساوياً من الدفعات إلى الدماغ الذي يدرك بدوره أن الرأس ثابت.

وعند حدوث اضطراب في أعضاء التوازن فإنه يصعب على الإنسان أن يحفظ رأسه وجسمه معتدلين،إذ ترسل أعضاء الدهليز دفعات زائدة أو ناقصة عن الحد الطبيعي إلى الدماغ،ويقوم الدماغ بتفسير هذه الرسالة المشوهة على شكل فقدان لتوازن الجسم.ويشعر الإنسان حينها بعدم الاتزان وحدوث الدوار،ويبدأ الإنسان يعتمد في هذه الحالة على بصره وحواسه الأخرى للحفاظ على توازنه.

يعاني بعض الأشخاص من دوار الحركة لدى سفرهم بالسفينة أو السيارة أو القطار أو عند دورانهم حول أنفسهم بشكل سريع،ويحدث لديهم الدوار والغثيان والإقياء،وتنجم هذه الحالة عن التنبيه  الشديد لأعضاء الدهليز،ولازال العلماء يجهلون حدوث هذا لدى بعض الأشخاص دون آخرين.

تعصيب الأذن الباطنة وجهاز التوازن:

يتعصب دهليز الأذن الباطنة بالفرع الدهليزي من العصب الثامن.وتتوضع خلايا هذا الفرع في عقدة”سكاربا” والموجودة في القسم الوحشي من مجرى السمع الباطن.

وللعصب الدهليزي ثلاثة فروع:العلوي وهو يعصب القناتين الهلاليتين العلوية والوحشية والقريبة.والفرع السفلي وهو يعصب الكُييس.والفرع الخلفي وهو يعصب القناة الهلالية الخلفية.

أما الاستطالات المركزية لخلايا عقدة سكاربا فتدخل البصلة السيسائية وتنتهي في أربع نويات دهليزية ومجموعات خلوية أخرى صغيرة.تتصل النويات الدهليزية بالمخيخ والنخاع الشوكي،وبنويات الأعصاب المحركة لعضلات العينين.

فاتصالاتها مع المخيخ تنشأ من النويتين السقلية والأنسية وربما أيضاً من الوحشية وتنتهي في القسم الأمامي من الدودة المخيخية.

واتصالتها مع نويات الأعصاب المحركة للعينين تتم عن طريق الشريط الطولاني الأنسي حيث تصل إلى نويات الأعصاب الثالث والرابع والسادس.

وهناك نظام خاص للطريقة التي تتصل بها النويات الدهليزية بعضلات العينين،فالألياف الناشئة من النويات الدهليزية في إحدى الجهتين تتصل مع المناطق النووية التي تعصب العضلات المستقيمة الأنسية والعلوية والمنحرفة العلوية في الجهة الموافقة،وفي المناطق النووية التي تعصب العضلات المستقيمة السفلية والوحشية والمنحرفة السفلية في الجهة المعاكسة.

أما اتصالات النويات الدهليزية مع النخاع الشوكي فتتم عن طريق الشريط الطولاني الانسي الذي يؤمن الاتصال بعضلات العنق أو عن طريق الحزمة الدهليزية الشوكية التي تؤمن الاتصال مع عضلات الأطراف.وإن هذه الاتصالات تؤمن جعل الرأس والأطراف في وضع يحفظ التوازن.ولقد اكتشفت حديثاً ألياف واردة من القشرة الدماغية إلى النويات الدهليزية يعتقدى أنها ذات عمل يخفف من تنبه النويات.

إن القسم الوحيد من الدماغ الضروري لحدوث الرأراة هو القسم الواقع بين النويات الدهليزية في الاسفل ونويات الأعصاب المحركة للعينين في الأعلى.

إن وظيفة دهليز الأذن الباطنة هي المساهمة في حفظ التوازن.وهو يؤمن ذلك باتصالاته مع عضلات العنق والاطراف،وعضلات العينين.وإن أية آفة في دهليز الأذن الباطنة أو في اتصالاته المركزية يمكن أن يسبب اضطراباً في توازن عضلات العينين ومن ثم حدوث الرأرة.كما أن بعض آفات الجهاز البصري يمكن أن تسبب حركات غير طبيعية في العينين ،وبالتالي فإن وجود الرأرة العينية دليل على وجود اضطرابات في الجهاز البصري أو في دهليز الأذن الباطنة.

يقول الدكتور خالص جلبي(الطب في محراب الإيمان ج1):

“جهاز التوازن في الأذن الباطنة مكوّن من أقنية ثلاثة،وزقين يشبهان في شكليهما القربة والكيس ولذا سُميا بالقُريبة والكُييس،أما الأقنية الثلاثة فهي تمثل أبعاد الفراغ الثلاثة،أي من الأمام إلى الخلف،ومن اليمين إلى الشمال،ومن الأعلى إلى الأسفل،وبهذه الكيفية يتوازن الرأس والاعضاء في الفراغ،ويبدو أن القريبة والكييس لهما اختصاص في توازن بقية الأعضاء…ولقد وجد أن تخريب إحدى الأقنية يحدث رأرأة في العين على مستوى القناة المخربة،فإذا خربت القناة الأفقية حدثت رأرأرة أفقية في العين،وهكذا تتصل بهذه الأعضاء ألياف العصب الدهليزي الذي ينقل حس الأوضاع ووضعية الرأس إلى المخيخ حيث يتم التوازن بالاشتراك مابين الدهليز والمخيخ والحبال الخلفية من النخاع الشوكي التي تنقل الحس العميق،بالإضافة إلى البصر الذي يقدر الوضع والمسافات والعظام والمفاصل والعضلات التي تتلقى الأوامر اللازمة حتى تحدث الشد المناسب،وهكذا يتوازن الإنسان،ولذلك لاعجب إذا قلنا أن أبسط العمليات الجسمية مثل الوقوف أو المشي أو الجلوس أو الركض أو التسلق أو الكتابة أو القيادة أو الأعمال المعقدة تعتبر حركات بهلوانية من أعلى المستويات”.

الإعجاز الطبي في آيات السمع:

مقدمة:

ليست أهمية السمع في حياة الإنسان كأهمية القلب أو الرئة،أو الدماغ،حيث أن عملها بشكل سليم ومستمر ضروري لبقاء الإنسان على الحياة.

والإنسان قد يعيش بدون حاسة السمع،ولكن حياته تكون ذات أبعاد صعبة،وقد لاتأخذ المنحى الإنساني السليم لدى المصاب بفقدان السمع.إذ أن السمع يشكل أحد العناصر الرئيسية في “التلقي” عند الإنسان,

وجهاز السمع ـ النطق هو المسؤول عن نقل المعارف الإنسانية عند الإنسان منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا.

يقول الدكتور زغلول النجار حفظه الله:

“من نِعم الله تعالى على خلقه الحواس التي وهبها للإنسان،وفي مقدمتها نِعم السمع والبصر والأفئدة،والتي يمنُّ علينا ربنا تبارك وتعالى بإنشائها في العديد من آيات القرآن الكريم،وقد جاءت بهذا الترتيب في سبعة مواضع من القرآن الكريم(الإسراء37،النحل78،المؤمنون78،السجدة9،الأحقاف26 مكررة،الملك23).

وكذلك جاء ذكر كلمة”السمع” بمشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم 185مرة،بينما جاء ذكر كلمة”البصر” بمشتقاتها وتصاريفها 148مرة،وجاء ذكر لفظة الفؤاد بمشتقاتها وتصاريفها 16 مرة،وترافقت كلمتا”السميع” و”البصير” في 38 آية كريمة،كذلك تلازمت كلمتا ا”العُمي” و”الصم” في ثماني آيات.

وفي كل هذه الحالات جاء ذكر”السمع”قبل”البصر” كما جاء ذكرهما قبل وصف الفؤاد،وذلك فيما عدا عدد قليل من آيات العذاب أو الإنذار به،أو آيات وصف الكفار والمشركين دون إشارة إلى خلق هاتين الحاستين،أو وصف لوظيفة كل منهما،فتقدم فيها ذكر “البصر” على ذكر”السمع”.انتهى كلام الدكتور زغلول النجار

ويقصد بالإستماع في اللغة:الإصغاء،وهو مصدر للفعل”استمع”،والسماع يكون بقصد أو بغير قصد{وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه}[القصص55]،وأما الاستماع فلا يكون إلا بالقصد من أجل الاستفادة يقول تعالى:{وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن}[الأحقاف 29]..وفي لغة الفقهاء فإن الاستماع:القصد إلى السماع بما يمكن من فهم المسموع وتعرفه.

وأما الإصغاء:فهو التركيز وتفاعل القلب والمشاعر،يقول تعالى:{إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}[التحريم 4].

وأما الإنصات:فهو ترك الأشغال والتفرغ للإستماع،يقول تعالى:{وإذا قُرىءَ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون}[الأعراف 204}.

وجاء في الحديث النبوي الشريف عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنما جُعل الإمام ليؤتم به فإذا كبّر فكبّروا وإذا قرأ فأنصتوا“[أخرجه مسلم].

والسمع حاسة تتميز بكل صفات السهولة والدقة،فأنت عندما تتكلم مع إنسان آخر فإنه يسمع من أي جهة كلمته منها،وأنت لست بحاجة إلى أي وسائل لتحقيق ذلك سوى توفر الهواء من حولك والذي ينقل هذه الاهتزازات الصوتية وينقلها إلى الدماغ عبر الأذن بأقسامها الثلاثة.

والسمع يتضمن ثلاث درجات:

1 ـ الإحساس بالصوت دون الفهم:وهذا مايحدث لدى الوليد الذي يسمع في البداية ولكنه لايفقه معنى الكلام،أو مثل الدواب التي تسمع صوت الناعق أي الراعي إذا دعاها ولكن لاتفقه معناه يقول تعالى:{ومثل الذين كفروا كمثلِ الذي ينعِقُ بما لايسمع إلا دعاءً ونداءً}[البقرة 17]

2 ـ الإحساس بالصوت مع الفهم ومخالفة العقل: يقول تعالى:{وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلامَ الله ثم يُحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}[البقرة 75]،وقال تعالى في يهود :{ قالوا سمعنا وعصينا وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}[البقرة93].

3 ـ الإحساس والفهم والإقتناع والتطبيق: يقول تعالى:{وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانكَ ربّنا وإليكَ المصير}[آل عمران 285]،وقال تعالى:{ إنّما يستجيبُ الذين يسمعون}[الأنعام 36].

ولقد جاءت آيات عديدة في القرآن الكريم وذُكر فيها السمع قبل البصر ونذكر منها:

{وما كُنتمْ تستترونَ أن يشهدَ عليكمْ سَمعكُم ولا أبصارُكم ولا جلودُكم}[فصلت 22]

{حتّى إذا ما جاءُوها شهدَ عليهمْ سمعهُم وأبصارُهم وجلودُهم بما كانوا يعملون}[فصلت 20]

{أمَّنْ يملِكُ السّمعَ والأبصارَ ومن يُخرجُ الحيَّ من الميتِ ويُخرجُ الميتَ من الحيّ}[يونس 31]

{واللهُ أخرجكم من بطونِ أُمهاتِكم لاتعلمونَ شيئاً وجعلَ لكم السّمعَ والأبصارَ والأفئدةَ لعلَّكم تشكرون}[النحل 78]

{وهو الذي أنشأ لكمُ السَّمعَ والأبصارَ والأفئدةَ قليلاً ما تشكرون}[المؤمنون 78]

{قُلْ هوَ الذي أنشاكمْ وجعلَ لكمُ السّمعَ والأبصارَ والأفئدةَ قليلاً ما تشكرون}[الملك 23]

{وجعلنا لهمْ سمعاً وأبصاراً وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شىء}[الأحقاف 26]

{قُلْ أرأيتم إن أخذَ الله سمعكم وأبصاركم وختمَ على قلوبكم}[الأنعام 46]

{أولئكَ الذينَ طبعَ الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئكَ همُ الغافلونَ}[النحل 108]

[أولئكَ ؤالذينَ لعنَهمُ الله فأصمّهمْ وأعمى أبصارهم}[محمد 23].

{لم تعبد ما لايسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا}[مريم 42]

{ماكانوا يستطيعون السَّمع وما كانوا يبصرون}[هود20].

{إنَّ السمعَ والبصرَ والفؤادَ كلّ أولئك كان عنه مسئولا}[الإسراء 36]

{ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}[البقرة 20]

{ثمَّ سوَّاهُ ونفخَ فيه من روحهِ وجعلَ لكمُ السَّمعَ والأبصارَ والأفئدةَ قليلاً ما تشكرون}[السجدة 9]

{إنا خلقنا الإنسانَ من نطفةٍ أمشاج نبتليه فجعلناهُ سميعاً بصيراً}[الإنسان 2]

وقد ذكرت كلمة السمع ومشتقاتها وتصاريفها في القرآن الكريم 227مرة،بينما وردت كلمة البصر ومشتقاتها وتصاريفها 148مرة.وحينما وردت كلمة “السمع” في القرآن الكريم فإنها كانت تعني دائماً سماع الكلام والأصوات وإدراك ما تنقله من معلومات،بينما لم تعني كلمة البصر رؤية الضوء والأجسام والصور بالعينين إلا في 88 حالة فقط،ودلت في الباقي على التبصر العقلي والفكري بظواهر الكون والحياة.وقد ترافقت كلمتا السمع والبصر في 38 آية كريمة.

وقد وردت كلمة الصمم مترافقة مع العمى في ثمان آيات سبقت في معظمها كلمة الصمم كلمة العمى كما في قوله تعالى:

ولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}[محمد23]

{صمٌ بكمٌ عميٌّ فهم لايعقلون}[البقرة 171]

{صمٌ بكمٌ عُميٌّ فهم لايرجعون}[البقرة 18]

{والذين إذا ذكروا بآياتِ ربّهم لم يخروا عليها صماً وعميانا}[الفرقان 73]

{والذينَ لايؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى}[قصلت 44]

وقد جاء ذكر لفظة السمع مقترن بلفظة البصر في 38 موضعاً في القرآن الكريم.وكان السمع يسبق البصر ،

ولا يُستثنى من هذه القاعدة إلا آيات: آية في سورة السجدة حيث يسبق ذكر البصر السمع وهي قوله تعالى:

{ربّنا أبصرنا وسمعنا فأرجعنا نعملْ صالحاً إنّا موقنون}[السجدة 12].

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“إن الله تعالى قدّم السمع على البصر في سبع عشرة أية في كتاب الله تعالى،ولكن لماذا قدّم الله البصر على السمع في هذه الآية الكريمة من سورة السجدة؟

قال العلماء:”لأن سرعة انتقال الصورة تزيد على سرعة انتقال الصوت،فالصورة تنتقل بسرعة ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية،أما الصوت فلا ينتقل إلا بسرعة ثلاثمائة وثلاثين متراً في الثانية،إذاً لمّا كان الحديث عن الإنشاء،إنشاء السمع والأبصار قُدِّم السمع على البصر في سبع عشرة آية،وحين انصبَّ الحديث على فعلِ الإبصار ،حيث إن الصور تراها العين قبل الصوت قُدّم الإبصار على السمع،وأصدق شاهدٍ على ذلك زمجرة الرعد،فترى البرق،وبعد حينٍ تستمع إليه,

ويتابع الدكتور النابلسي حفظه الله:

“والآيات القليلة التي ورد فيها ذكر”البصر” قبل السمع هي تلك الآيات التي تنذر بالعقاب،أو تصف الكافرين،وليس في أيِّ منها إشارةٌ لخلق هذين الحِسّين،أو لوصف وظيفتهما،أو تطورهما.يقول تعالى:

{لهم قلوبٌ لايفقهونَ بها ولهم أعينٌ لايبصرون بها ولهم آذانٌ لايسمعونَ بها أولئك كالأنعامِ بل هم أضلُّ سبيلا}[الأعراف 179]

وآية في سورة المائدة{وحسبوا ألا تكونَ فتنةٌ فعموا وصمُّوا ثمَّ تابَ الله عليهم ثمَّ عَموا وصمُّوا كثيرٌ منهم والله بصيرٌ بما يعملون}[المائدة 71]

وآية في سورة الإسراء:{ونحشرهم يومَ القيامة على وجوههمْ عُمياً وبُكماً وصماً}[الإسراء 97]

وآية في سورة الأعراف:{أم لهم أعينٌ يبصرون بها أم لهم آذانٌ يسمعون بها قل ادعوا شركاءَكم ثمَّ كيدونِ فلا تُنظرون}[الأعراف 195].

(انتهى كلام الشيخ النابلسي)

وهذه الآيات تشترك جميعاً في أنها تصف حالة الكافرين والمشركين الذين عطلوا حواسهم استكباراً وحسداً ولم يستجيبوا لدعوة الحق.

وآية في سورة يونس{هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون}[يونس 67].

وآية في سورة الكهف{قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والارض أبصر به وأسمع مالهم من دونه من ولي ولايشرك في حكمه أحدا}[الكهف 26].

ولم يقتصر الأمر على آيات القرآن الكريم بل أيضاً الأحاديث النبوية ذكرت تقديم خلق السمع على البصر كما في الحديث النبوي:”إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة،بعث الله إليها ملكاً،فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها”[جزء من حديث نبوي رواه مسلم عن عامر بن واثلة أبو الطفيل].

ومن الأحاديث النبوية الأخرى التي تقدّم فيها كلمة السمع على البصرنذكر:”اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوّتنا ما أحييتنا ،واجعله الوارث منا”[جزء من حديث شريف أخرجه الترمذي والنسائي والطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال الألباني حديث حسن]،وحديث:”اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري، ومن شر لساني، ومن شرِّ قلبي، ومن شرِّ منيي”.[حديث حسن أخرجه ابن حجر العسقلاني عن شكل بن حميد العبسي]

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سجد يقول:” سجد وجهي للذي خلقه وشقّ سمعه وبصره  بحوله وقوته “[رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقال الألباني: حديث صحيح]..

(وكلمة شق:فيها إعجاز حيث أن الأذن تتكون من ثلاثة أجزاء وهي تنشق وتتشكل من الوريقة الداخلية والوسطى ،وبعد أن تتشكل الأذن الداخلية تبداً الأذن الخارجية على هيئة شق وتبدأ كتلة خلوية في التكون]

إن ذكر السمع قبل البصر في هذه الآيات العديدة يستوقفنا ويجعلنا نتساءل،هل هناك حكمة من تقديم الله عز وجل حاسة السمع على حاسة البصر؟والإنسان كما يظن الكثير من الناس حين يفقد بصره يفقد كل شىء،ويعيش في ظلام دائم،ولا يرى شيئاً على وجه الإطلاق.ولكنه حين يفقد سمعه فإنه يرى وتكون المصيبة كما يظن الكثيرون أهون عليه من فقد بصره.

يقول ابن قتيبة ووافقه طائفة من العلماء واحتج بقوله تعالى:{ومنهُم من يستمعونَ إليكَ أفأنتَ تُسمعُ الصُّمَّ ولو كانوا لايعقلون* ومنهم من ينظرُ إليكَ أفأنتَ تَهدي العُميَ ولو كانوا لايُبصرون}[يونس 42 ـ 43]،قال: فلما قرن بذهاب السمع ذهاب العقل ولم يقرن بذهاب النظر إلا ذهاب البصر كان دليلاً على أن السمع أفضل.

وقد نقل القول بتقديم السمع على البصر عدد من المفسرين مثل الفخر الرازي والألوسي والطاهر بن عاشور والسمرقندي .ومن المتأخرين الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله.

إن الله عز وجل حين يذكر السمع ويقدمه على البصر،إنما لأن نعمة السمع أفضل وأرقى من نعمة البصر،وهذا ماتؤكده الأبحاث الطبية والواقع اليومي الحياتي لمن أصيب بالعمى أو أصيب بالصمم.وهذا يعتبر أيضاً من إعجازات القرآن الكريم الذي لاتنقضي عجائبه.

لقد فضل الله سبحانه وتعالى السمع على البصر وفي هذا الكثير من الحقائق العلمية:

1 ـ يكتمل نمو السمع عند الجنين داخل الرحم قبل البصر :

في الاسبوع الثامن عشر من الحمل يبدأ الجنين بسماع الأصوات وخاصة من خلال التقاط الذبذبات الخارجية الواصلة له عبر السائل الأمنيوسي،إلا أن حاسة السمع تستمر في التطور والتحسن مع الوقت،ولكن تبقى الأصوات التي يسمعها الجنين محدودة حتى الاسبوع الرابع والعشرين من الحمل وتقتصر على الأصوات التي يسمعها في الرحم وخاصة نبضان  قلبه وقلب الأم،والهواء الداخل والخارج من الرئتين،وأصوات المعدة وصوت الدم الذي يتحرك في الحبل السري.كما أنه يتأثر بالأصوات الخارجية حتى أن سرعة دقات قلبه تتغير حسب نوع الصوت الذي يسمعه وشدته

وفي الاسبوع 25 ـ 26 من الحمل يبدي الجنين استجابة للأصوات والضوضاء داخل الرحم،ويعتبر أهم صوت يسمعه في الثلث الثالث من الحمل صوت والدته.

وتعد حاسة السمع الحاسة الأولى التي تبدأ بالعمل عند الطفل بعد ولادته مباشرة.

وهنا نذكر أيضاً هذه الآية العظيمة في كتاب الله والتي يؤيدها العلم:

{إنا خلقنا الإنسانَ من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً}[الإنسان2]،فهو يثبت تقديم تشكيل السمع على البصر عند المضغة الأمشاج وهذا ما أثبته العلم وبكل وضوح.

2 ـ عندما يولد الطفل فإنه لا يستطيع أن يدرك المبصرات إلا بشكل ضعيف،ولكن إدراكه السمعي يكون جيداً منذ الولادة،بل وقبل الولادة كما ذكرنا سابقاً،فالطفل الوليد يمكن أن تمرر اليد أمام عينيه فلا يتابعها بنظره،ولكن إذا سمع صوتاً أمامه فإنه يلجأ للبكاء.فالسمع من أوائل أعضاء الحواس التي تؤدي وظيفتها في الدنيا.

ومن السنة النبوية الشريفة أن يكون أول مايستقبله الوليد بعد الولادة ومجيئه إلى الدنيا أن يستقبل الأذان في إحدى أذنيه والإقامة في الأذن الأخرى،عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أذنَّ في أذن الحسن بن علي يوم ولد وأقام في أذنه اليسرى[سلسلة الأحاديث الضعيفة]،وعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه رضي الله عنه قال:رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة رضي الله عنهما[رواه الترمذي وأحمد وأبو داود والبيهقي وغيرهم وقال الألباني: حديث حسن].

وقد يسأل سائل:لماذا آذن الرسول صلى الله عليه وسلم في أذن الوليد مباشرة ولم يؤذن في المكان الذي يوجد فيه الوليد؟

من المعروف أن كل تجاويف الجنين ومن ثم الوليد بما فيها الأذن الخارجية والوسطى تكون مملوءة بالسائل الأمنيوسيى،وبالتالي يحدث ضعفاً عند الوليد يقدر ب20 ـ 40 ديسبيل،وبالتالي إذا أُذن في المكان وليس في الاذن مباشرة قد لايتمكن الوليد من السماع الجيد والله أعلم.

وبناء على هذين الحديثين استحبّ جمهور أهل العلم أن يؤذن في أذن المولود اليمنى وأن تقام الصلاة في أذنه اليسرى وهذا في مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة.

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله:

“وسر التأذين والله أعلم أن يكون أول مايقرع سمع الإنسان كلماته ـ أي كلمات الأذان ـ المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام فكان ذلك بمثابة تلقينه لشعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر مع ما في ذلك من فائدة أخرى وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به.وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على تغيير الشيطان ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم”[تحفة المودود بأحكام المولود لإبن القيم].

3ـ إن الكثيرين من الذين حُرموا نعمة البصر وهم في مرحلة الطفولة الباكرة أو عند الولادة تمكنوا أن يتعلموا ويبلغوا درجة راقية من العلم والمعرفة والفهم والإدراك،ونحن نسمع عن الكثيرين من هؤلاء العباقرة وفي مختلف الميادين الذين لم يمنعهم فقدان البصر والإصابة بالعمى من أن يكونوا من المتفوقين في مجالاتهم وعلى أقرانهم ونذكر منهم أحد مؤذني الرسول صلى الله عليه وسلم وابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنهما عبد الله بن أم مكتوم وفيه نزل قوله تعالى “عبس وتولى”،وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستخلفه على المدينة المنورة في غزواته.و في الشعر والأدب أبو العلاء المعري وبشار بن برد،وفي مجال الأدب والكتابة عميد الأدب الدكتور طه حسين، والشاعر اليمني عبد الله البردوني، وفي مجال العلم الشرعي الشيخ  الخطيب عبد الحميد كشك(ألقى أكثر من 2000خطبة خلال أربعين سنة) ،والشيخ عبد العزيز بن باز،ومن أشهر قراء القرآن الشيخ محمد رفعت…ولكننا لم نسمع ـ أو نادراً مانشاهد ـ أن الإنسان الذي يولد أصم أبكم لا يمكن أن يرتقي في سلم المعرفة ويصبح عالماً مشهوراً ـ الاستثناء هيلين كيللر ـ وذلك لأن فقدان السمع عند الولادة أي الصمم يقترن دوماً بفقدان النطق أي البكم.

  • ـ (وكما يقترن الصمم مع البكم من الناحية الطبية فإنهما يقترنان أيضاً عند الكافرين الذين يعطلون حواسهم في مواجهة الحق واستقبال آيات الله عناداً واستكباراً{صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لايعقلون}[البقرة 171]{صمٌ بكمٌ عميٌّ فهم لايرجعون}[البقرة 18].
  • ـ 4 ـ إن الأذن لاتنام أبداً وإذا نام الإنسان فإنه يسكن فيه كل شىء وتتعطل حواسه إلا سمعه،فالأم تستيقظ مذعورة على بكاء طفلها،والنائم يستيقظ في حال حدوث الضجيج بجانبه مذعوراً،ودائرة الكشف السمعية أوسع بكثير من الدائرة البصرية،ودائرة الأمان في السمع أكبر بكثير من دائرة البصر،والإنسان محصن بسمعه تحصيناً أكبر من تحصين بصره،فالإنسان وهو نائم يستطيع أن يسمع الأصوات من مختلف الاتجاهات،وأما إذا كان في غرفة النوم فإنه إذا استيقظ لايرى إلا ما في غرفة النوم ولايتجاوزها.
  • وحين أراد الله تعالى من أهل الكهف أن يناموا سنيناً عدداً قال عز وجل:{فضربنا على آذانهم في الكهف سنينَ عدداً}[الكهف11].

وهنا نلاحظ أن الله تعالى لم يقل ضربنا على سمعهم بل قال على آذانهم،والمعروف أن في الاذن أعضاء السمع والتوازن،فهي ليست للسماع فقط وإنما أيضاً لحس التوازن وهذا له أهميته أيضاً في حالة اليقظة والوعي وتنشيط فعاليات أجهزة الجسم المختلفة.

  • 5 ـ وإن ضجيج الحركة في النهار يمنع الإنسان من النوم العميق المريح،وإن سكون الحركة في الليل يجعله ينام نوماً مريحاً.ويقول تعالى:{ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليلَ سرمداً إلى يوم القيامة من إلهٌ غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون}[القصص 71]،فربط بين السمع والليل.
  • 6 ـ.وتدل الدراسات الحديثة كما جاء في موقع الجزيرة نت:”أن السمع آخر حاسة تنفصل عن وظيفة الدماغ،وفي تقرير نشرته مجلة”لامينتي إيس مارافايوسا”الإسبانية،قالت الكاتبة إديث سانتشيز إن الموت يبقى من الألغاز المحيرة التي يسعى البعض لفهمه.ولعل أحد البيانات التي تمكن العلم من إثباتها أن السمع يعتبر آخر حاسة يفقدها الإنسان قبل أن يموت.وأوردت الكاتبة أن هذا الاكتشاف ليس بسيطاً إذا أخذ المرء في الاعتبار أن التحدث إلى الميت من قبل أحد أفراد أسرته قبيل الموت يمكن أن يكون مريحاً للمتحدث والشخص الذي يحتضر،وقد تساعد الكلمات المحبة الأشخاص على قضاء اللحظات الأخيرة من حياتهم بهدوء أكبر.وبالتالي فإن هذه الدراسات تدعم الرأي القائل بأن السمع هو آخر حاسة نفقدها.
  • وقد بينت الدراسات الحديثة ومنها في جامعة ستوني بروك في نيويورك أن الدماغ يتوقف عن العمل بمجرد الوفاة أو بعدها بدقائق ولكن تبين أن هذا التوقف يكون بنسبة تقارب 95% وتشمل كل المراكز الحيوية كالتنفس والنبض والحركة ولكن مراكز السمع تستمر في إعطاء إشارات لفترات طويلة بعد الوفاة تجاوزت بضع ساعات…وهي نفس الإشارات التي تعطيها المراكز نفسها للشخص الحي…الميت يسمعنا حوله وبكل وضوح،ولكنه أصبح حبيس نفسه وانعدمت عنه الحركة وردود الفعل،ولكنه يسمع تماماً كما لو كان حياً.

جاء في الصحيحيين عن أبي طلحة رضي الله عنه:أن نبي الله  صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فقذفوا في طويّ من أطواء بدر خبيث مُخبّث،وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال،فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها،ثم مشى واتبعه أصحابه وقالوا: مانرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الرَّكيّ،فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يافلان بن فلان،ويافلان بن فلان،أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله؟فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقاً،فهل وجدتم ماوعدكم ربكم حقاً؟)فقال عمر:يارسول الله،ما تُكلّم من أجساد لا أرواح فيها؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”والذي نفس محمد بيده،ما أنتم بأسمع مما أقول لهم”.وفي رواية”ولكنهم لايستطيعون أن يجيبوا”.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

“إن الله نفى السماع عن الميت في قوله:{فإنّكَ لاتُسمعُ الموتى}[الروم 52]،وكيف تزعمون أن الموتى يسمعون؟فقال:”وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء،ولا هو السمع المنفي بقوله{فإنك لاتسمع الموتى}فإن المراد بذلك:سمع القبول والامتثال،فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لايستجيب لمن دعاه،وكالبهائم التي تسمع الصوت،ولاتفقه المعنى،فالميت وإن سمع الكلام وفقه المعنى،فإنه لايمكنه إجابة الداعي،ولا امتثال ما أمر به ونُهي عنه،فلا ينتفع بالأمر والنهي،وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهي،وإن سمع الخطاب وفهم المعنى،كما قال تعالى:{ولو علمَ الله فيهم خيراً لأسمعهم}[الأنفال 23]،وقد جاءت النصوص دالة أيضاً على أن الميت مع سماعه يتكلم،فإن منكراً ونكيراً يسألونه،فالمؤمن يوفق للجواب الحق،والكافر والمنافق يضلّ عن الجواب،ويتكلم أيضاً في غير سؤال منكر ونكير،وكل هذا مخالف لما عهده أهل الدنيا من كلام،فإن الذي يُسأل ويتكلم الروح،وهي التي تُجيب وتقعد وتُعذّب وتُنعّم،وإن كان لها نوع اتصال بالجسد،وقد سبق القول أن بعض الناس قد يسمعون الكلمة من الميت،وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمع من هذا شيئاً كثيراً”[مجموع الفتاوى لإبن تيمية5/364].

وفي حديث نبوي رواه البخاري قال صلى الله عليه وسلم:”إذا وُضعت الجَنازة واحتملا الناس أو الرجال على أعناقهم،فإن كانت صالحة قالت:قدّموني قدّموني،وإن كانت غير صالحة،قالت:يا ويلها أين تذهبون بها؟يسمع صوتها كل شىء إلا الإنسان ولو سمعه لصعق”.

7ـ ولا ننسى أيضاً أن الأذن هي أداة الاستدعاء في الآخرة ويوم القيامة حين ينفخ في الصور:{ونُفخَ في الصور فصعقَ من في السماواتِ ومن في الأرض إلا من شاء الله ثمَّ نُفخَ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون}[الزمر68]،{فإنما هيَ زجرةٌ واحدةٌ فإذا هم ينظرون}[الصافات 19]،{فإنما هي زجرةٌ واحدة*فإذا هم بالساهرة}[النازعات 13 ـ 14].

7ـ ازدياد ورهافة حاسة السمع عند من يفقد البصر،ولكن حاسة البصر لاتقوى ولا تزداد عند من يصاب بالصمم.

8ـ والأذن هي أول من يُصغي للأوامر وينفذها قبل الحواس الأخرى،{فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله}[البقرة 279]،{وأذنت لربها وحُقَّت}[الإنشقاق 2]..

9 ـ ومن الناحية الطبية وجد أنه في حال فقدان حس البصر فإن المنطقة البصرية المخية تقوم بوظائف ارتباطية فترتبط وظيفياً مع المناطق الارتباطية الدماغية الأخرى فتزيد من قابلية الدماغ على حفظ المعلومات والذاكرة والذكاء،ولا تقوم المناطق السمعية بذلك ولسبب غير معروف بمثل هذا الارتباط عند فقدان حس السمع،ولذلك نبغ الكثيرون ممن فقدوا حس البصر،ولم ينبغ أحد ممن فقد حس السمع إلا نادراً مما يدل على أهمية حس السمع والمبلغة في تخصص مناطقه المخية.

10 ـ ولابد من الإشارة والتنويه هنا أن المجتمع والمحيط الأولي الذي أنزل فيه القرآن الكريم كان يعتمد على السمع والحفظ أكثر من اعتماده على البصر والتدوين لأنه كان مجتمعاً أمياً ندر فيه من كان يقرأ ويكتب،ولذلك كان الاعتماد على السمع والحفظ والذاكرة الوسيلة الرئيسية في حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وحفظ الشعر العربي وهو ديوان العرب.

  • 11ـ وهناك ملاحظة أخرى:وهي أن الله سبحانه وتعالى يأتي بكلمة السمع مفردة غالباً،ويأتي بكلمة الأبصار مجموعة أحياناً،[فصلت 20،22،يونس 31،النحل 78،المؤمنون 78،الملك 23،الأحقاف 26، الأنعام 46،النحل 108…}فهل هناك حكمة من ذلك؟لأنه إذا كان هناك سمع وبصر فالجمع أسماع وأبصار،ولكن الله سبحانه وتعالى له حكمة في الموضوع.

يقول الشيخ العلامة محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“إن الله سبحانه وتعالى أراد بهذا التعبير أن يكشف لنا عن دقة القرآن الكريم،فالبصر حاسة يتحكم فيها الإنسان بإرادته فأنا أستطيع أن أبصر ولا أبصر،وأستطيع أن أغمض عيني عما لا أريد أن أراه،أو أدير وجهي وعيني بعيداًعن الشىء الذي أريد تجاهله،ولكن الأذن ليس لها اختيار في أن تسمع أو لاتسمع،فأنت في حجرة يتكلم فيها عشرة أشخاص تصل أصواتهم جميعاً إلى أذنك سواء أردت أم لم ترد،فأنت تستطيع أن تبصر أو لاتبصر من تريد ولكنك لا تستطيع أن تسمع أو لاتسمع ماتريد،فالأبصار تتعدد،ولكن السمع واحد والله أعلم.

وجاء في كتاب الكامل للمبرد(ج1 ص370):”قال الله عز وجل :{ختمَ الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ ولهم عذابٌ عظيم}[البقرة 7]،لأن السمع في الأصل مصدر ومثله قول جرير:

إنَّ العيونَ التي في طرفها حَوَرٌ       قتلننا ثمَّ لم يُحيينَ قتلانا

ولم يقل أطرافها لأن تقديرها تقديراً لمصدر من طرفت طَرْفاً.ويعقب المرصفي فيقول:يوهم أن أطرافاً جاء جمعاً لطرف العين وليس كما وهم وإنما هو مصدر لا يثنى ولا يجمع”.

12 ـ ويتمكن الإنسان من سماع الاصوات التي تصل إلى أذنيه من كل الاتجاهات والارتفاعات فيمكننا القول أن الساحة السمعية هي 360،بينما لو ثبت الإنسان رأسه في موضع واحد فلن يتمكن من رؤية الأجسام إلا في ساحة بصرية محدودة تقارب 180 في المستوى الافقي و145 في الاتجاه العمودي،أما ساحة إبصاره للألوان فهي أقل من ذلك كثيراً،كما أن أشعة الضوء تسير بخط مستقيم دائماً فإذا اعترضها جسم غير شفاف فلن تتمكن من عبوره أو المرور حوله ولكن الموجات الصوتية تسير في كل الاتجاهات ويمكنها أن تلف حول الزوايا وعبر الأجسام التي تصادفها فهي تنتقل عبر السوائل والأجسام فيسمعها الإنسان حتى عبر الجدران.

ومن الناحية الطبية فإنه يوجد مركزان لحاسة البصر في القشر الدماغي بينما نجد أن مركزي السمع مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بحيث يمكن اعتبارهما مركزاً واحداً،ولذا لايشاهد نقص السمع بالأذيات الدماغية إلا إذا كانت في جانبي مركزي السمع ،ولايشاهد فقدان السمع بسبب آفة في التلافيف في مراكز السمع في التلفيف الصدغي لأن الاتصالات ثنائية الجانب،ولايتم ذلك إلا بإصابة الفص الصدغي في الجانبين وهذا لايتوافق مع استمرار الحياة.

فإذا أصيب أحد نصفي الدماغ بمرض فلن يفقد المصاب السمع في أي من أذنيه،وأما في حالة البصر فيتمثل كل نصف من نصفي العين الواحدة على جهة المخ المعاكسة لها فإذا ما أصيب الدماغ بمرضفي أحد نصفيه فقد المصاب البصر في نصفي عينيه المعاكسين لجهة الإصابة.

كما أن تطور منطقة التفسير اللغوي في قشر الدماغ تنمو وتتطور وتنضج بالقرب من منطقة حس السمع وترتبط معها ارتباطاً أقرب وأوثق من ارتباطها مع منطقة حس البصر.وإن هذا التقارب بين هاتين المنطقتين ناتج عن حقيقة تطور منطقة حس السمع ووظائفه في وقت مبكر وقبل نضوج منطقة ووظائف حس البصر.

13 ـ ومن المعروف طبياً وفيزلوجياً أن الإنسان يفقد حس البصر قبل فقدانه حس السمع عند بدء النوم أو عند التخدير، أو عند الاحتضار قبيل الموت،وعند هبوط ضغط الاوكسجين في الهواء كما هو الحال عند الصعود في المناطق الجبلية العالية أو عند الطيران في الأجواء العليا،أو عند فقر دم الدماغ أو عند النهوض السريع والمفاجىء من وضع الاستلقاء،ففي كل هذه الحالات يتم فقدان البصر قبل السمع.

14ـ وقد خصّ الله سبحانه وتعالى حس السمع وجهازه عندما أراد تخصيص أهمية حواس بعض عباده فقال سبحانه وتعالى:{وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي أذانهم وقرا}]الأنعام 25]

{يجعلون أصابعهم في أذانهم من الصواعق حذر الموت}[البقرة 19]

{جعلوا أصابعهم في أذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا}[نوح 7]

15ـ وهناك ملاحظة هامة أيضاً وكما ذكرنا فإن الاهتزازات الصوتية تنتقل عن طريق الهواء أو السوائل حسب البيئة والمحيط الذي يوجد به الإنسان إلى الأذن الخارجية والوسطى ومن ثم تنتقل عبر الأذن الداخلية بشكل سيالات عصبية ينقلها العصب السمعي من الشعيرات الحسية في عضو كورتي ومنها إلى قشر الدماغ وخاصة التلفيف الصدغي والذي يتعامل معها ويتحقق السمع بشكله النهائي حسب الصوت وشدته وطبيعته أي أن الدماغ يعي هذه الرسالات العصبية ويحولها إلى حس حقيقي للسمع وصدق الله العظيم:{لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية}[الحاقة 12].

16ـ وقد وصف الله تعالى سيد الخلق والمرسلين بأنه أذن خير يقول تعالى:{ومنهم الذينَ يؤذونَ النبيَّ ويقولونَ هوَ أُذنٌ قلْ أُذنُ خيرٍ لكم يؤمنُ بالله ويؤمنُ للمؤمنينَ ورحمةٌ للذينَ آمنوا منكم والذينَ يؤذونَ رسولَ الله لهم عذابٌ أليم}[التوبة 61]،وذلك رداً على المنافقين الذين قالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم “هو أذن” أي سمّاع لكل قول يجوز عليه الكذب والخداع.فقال لهم تعالى نعم هذا النبي الامي أذن خير للناس يستمع إلى الوحي ثم يبلغه لهم وفيه خيرهم وصلاحهم.

17ـ والعين حتى تؤدي وظيفتها تحتاج إلى النور حتى تتمكن من رؤية الأشياء،حيث تنعكس الأشعة على الأشياء ثم تدخل العين فترى،أما إذا كانت الدنيا ظلاماً فإن العين لاترى،وأما السمع فيحتاج إلى وجود الهواء الذي يحيط بالأذن وينقل إليها الاهتزازات الصوتية التي تحولها إلى تيارات عصبية تنتقل إلى قشر الدماغ والمراكز السمعية.

18:يقول تعالى:{وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}[الملك 10]،يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“هنا ملمح خطير ودقيق،هذا الكون آية كبرى تدل على وجود الله وكماله ووحدانيته،أنت إما أن تفكر في خلق السموات والارض فتصل إلى كل الحقائق،وإما أن تستمع إلى علم بأذنيك،فإما أن تأخذ العلم من تجربتك،أو من إصغائك لعالم،فهناك طريقان كل منهما يوصلك إلى الله،إما التفكر في خلق السموات والأرض أو أن تقرأ كيف تفكر بعض العلماء وجاؤوا بأفكارهم الرائعة،وأنا لا أنسى كلمة قالها أنشتاين وهو من كبار علماء الفيزياء يقول:كل إنسان لايرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون،عليمة هي أعلم ما تكون،حكيمة هي أحكم ما تكون ،رحيمة هي أرحم ما تكون،هو إنسان حي ولكنه ميت”.

  • ـ19 ـ والأمر لايقتصر على الدنيا بل يصل فضل السمع إلى الحياة الباقية في الآخرة،فالله أكرم المؤمنين في جناته أنهم لايسمعون فيها إلا الكلام الطيب المبارك،يقول تعالى:{لايسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً* إلا قيلاً سلاماً سلاما}[الواقعة 25 ـ 26].

بينما الكافرون كما أنهم عطّلوا آذانهم عن سماع كلمة التوحيد في الدنيا حسداً واستكباراً فإنهم عطلوا السمع في الآخرة{لهم فيها زفيرٌ وهم لايسمعون}[الأنبياء 100].

  • 20 ـ وهناك ملاحظة أخيرة:فإن مراكز السمع في قشر الدماغ تكون في الفص الصدغي من المخ ويقع الفص الصدغي على جانبي الرأس وعلى نفس مستوى الأذنين ويعتبر الفص الصدغي من أكبر الفصوص الدماغية بعد الفص الجبهي إذ يشكل حوالي 22% من حجم القشرة المخية،بينما مراكز البصر تقع في الفص القفوي من المخ،وحتى هنا يتقدم السمع على البصر..حيث أن مراكز السمع عند الإنسان تقع في الجانب العلوي من الفص الصدغي،وتضم أجزاء من تلفيف هيشل ومناطق برودمان.وترتب الخلايا العصبية في القشر السمعي الدماغي وفقاً لتردد الصوت الذي تستجيب له بشكل أفضل،فالخلايا العصبية في إحدى نهايات القشرة السمعية تستجيب بشكل أفضل للترددات المنخفضة،في حين أن تلك الموجودة في النهاية الاخرى تستجيب أفضل للترددات العالية.

2ـ آيات البصر

حاسة البصر:

العين هي المنفذ الذي تستطيع به أن تدرك حقيقة النفس الإنسانية،وتستطيع من خلال النظر إلى العين أن تعرف أهي نظرة محب أم نظرة مبغض،وتستطيع من نظرة العين أن تعرف هل هي نظرة إعجاب أم احتقار،وتستطيع من نظرة العين أن تدرك الحالة النفسية لصاحبها هل هو في سرور وحبور،أم اكتئاب وغضب…

كما أن الكثير من أمراض الجسم يمكن معرفتها من خلال العين كفقر الدم أو اليرقان أو الجحوظ أو غؤور العينين…..

وتعتبر حاسة البصر في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد حاسة السمع.وهي من أكبر النعم التي أنعمها الله الخالق سبحانه وتعالى على الكائنات كلها،حيث تُعد مرآة الجسم وآلة التمييز،والنافذة التي يطل منها الإنسان على العالم الخارجي،ويكشف عن أسرار الأشكال والأحجام والألوان،فهي وسيلة الإنسان للإبصار والتفكر في خلق السماوات والأرضين،والكائنات بشكل عام،وصدق ربّ العزة إذ يقول:

{{قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله يُنشىء النشأة الأخرى إن الله على كل شىءٍ قدير}[العنكبوت 20].

نظرة جنينية في تشكل حاسة البصر:

إن حاسة البصر لاتتم بشكل واضح إلا بعد الولادة على الرغم من تشكل أعضاء الإبصار أثناء الحياة داخل الرحم،واكتمال تكوينها،والسبب في ذلك هو انعدام الضوء اللازم لنقل صور المرئيات،على العكس من حاسة السمع عند الجنين التي تكون موجودة وبشكل مبكر أثناء الحياة داخل الرحم.

ويبقى الجفنان لدى الجنين في حالة إغلاق وذلك لحماية العينين من السائل الأمنيوسيى{الصائي} الذي يغمر جسمه ووجود الجنين  في ظلمات ثلاث.وهو لايبدأ فتح جفونه إلا بعد خروجه إلى عالم النور حيث يكون لأشعة الضوء أثرها في تنبيه أعضاء جهاز الإبصار،وتتحسن وظيفة الرؤية والإبصار عند الوليد بشكل مترق ومتطور.

إن شبكية العين عند الجنين لايتم تكاملها وتشكيلها إلا بعد الأسبوع الخامس والعشرين ولا تتغطى ألياف العصب البصري بطبقة النخاعين وتتمكن من نقل السيالات العصبية إلى الدماغ إلا بعد أسابيع من الولادة.

وهناك بعض أوجه الاختلاف من الناحيتين التشريحية والوظيفية بين عين طفل حديث الولادة وعين الشخص البالغ الكهل ومنها:

1 ـ حجم العين عند الولادة يعتبر كبير نسبياً إذ أنها تصل إلى حوالي 70% من حجمها الطبيعي عند البالغين.وأما حجم مساحة القرنية فيكاد يكون مساوياً للقرنية عند البالغ.

2 ـ إن قوة إبصار العين بعد الولادة مباشرة لايزيد عن خمس عملها عند البالغ،وتزداد قوة الإبصارشيئاً فشيئاً عند الوليد.ويصعب على الوليد تمييزالضوء من الظلام ولايرى إلا صوراً مشوشة للمرئيات ،وتتحرك عيناه من دون تركيز البصر أو تثبيته.ويستطيع الوليد ابتداءً من الشهر الثالث أو الرابع تمييز شكل أمه أو زجاجة الحليب ويتتبع حركاتهما.وعند الشهر السادس يتمكن من تفريق وجوه الأشخاص .

ورؤية الألوان عند الوليد لاتتكون إلا بعد الشهر الرابع.

3 ـ تكون حركات العين لمتابعة الأشياء المتحركة عند الوليد غير منتظمة وغير متناسبة ومتوافقة في الأسابيع الأولى من العمر،وكثيراً ما يظن الآباء والأمهات أن لدى وليدهم”حول”،وهذا يتحسن فيما بعد.

أي أن رؤية الضوء عند الوليد موجودة،ولكن المطابقة عنده لاتعمل،وفي نهاية الشهر الثاني من العمر يتابع الطفل أي جسم يتحرك أمامه بعينيه،ويكتمل عمل المطابقة في نهاية الشهر السادس.

4 ـ لا يغلق الطفل عينه لحمايتها من شىء يتهددها بشكل انعكاسي قبل الأسبوع السابع بعد الولادة.

  • 5ـ إن التدميع كاستجابة لتهييج العين بتعريضها لرائحة نفاذة أو أبخرة نفاذة يظهر بعد الولادة،ولكن التدميع نتيجة الألم أو الجوع أو البلل لايشاهد إلا بعد بضعة أسابيع من الولادة.
  • 6 ـ إن لون العين كما هو معروف يرجع إلى لون القزحية في العين،وهي فاتحة اللون عند الولادة،ويزداد اللون تدريجياً،وبحيث تصل إلى اللون الطبيعي بعد السنة الأولى من العمر.

نظرة تشريحية عصبية:

إن مركز البصر في القشر الدماغي عند الإنسان يقع على شفتي الشق المهمازي وعلى قاعه وذلك على الوجه الإنسي من الفص القفوي،وتوافق الساحة 17 وتسمى منطقة برودمان،ويمكن أن تمتد قليلاً على الوجه الظاهر للفص القفوي.

تبدأ الطرق البصرية من الخلايا العقدية الموجودة في شبكية العين وتتمادى محاورها الأسطوانية مشكلة العصب البصري.وإن هذه الألياف العصبية تنقسم إلى قسمين: الأنفية والصدغية،وتسير الألياف الأنفية اليسرى مع الألياف الصدغية اليمنى،والألياف الأنفية اليمنى مع الألياف الصدغية اليسرى،وتشكل هذه الألياف في كل جانب الشريط البصري والذي ينتهي في كل جانب بالجسم الركبي الوحشي ومنه تذهب ألياف إلى الهنة الخلفية أو الوسادة وهذان المركزان يرسلان الألياف البصرية نحو الفص القفوي باسم الاكليل المشعع البصري والذي يمر في الذراع الخلفي من المحفظة الداخلية ومنها إلى الفص المهمازي لتنتهي على شفتي الشق المهمازي.

وتنطلق من اللطخة(Macula)من شبكية العين أو البقعة المركزية أليافاً تختص بالرؤية المركزية وهذه الألياف تتوضع بصورة مركزية في الشريط البصري يظل بعضها مستقيماً بينما يتصالب بعضها بالآخر.

واللطخة تتكون فقط من الخلايا المخروطية في شبكية العين،وهذه المخاريط ذات محاور ترتفق مع خلية ثنائية القطب واحدة فقط أي أن المخروط ليس له عدة ارتفاقات مثل الخلايا العصبية العصوية الشكل في الشبكية وكذلك فإن الخلية ذات القطبين ترتفق مع مخروط واحد فقط وترتفق مع خلية عقدية واحدة فقط.وتنتهي الألياف اللطخية في القسم الخلفي من الجسم الركبي الوحشي ومن ثم ترتسم هذه الحزمة اللطخية على منطقة واسعة من القشر القفوي بصورة أنه لايمكن إلا للآفات القشرية القفوية الواسعة أن تؤثر في الرؤية المركزية.

إن القسم النصفي العلوي من الشبكية(النصف السفلي من حقل الرؤية)يتمثل في القسم العلوي من مساحة الرؤية.وعلى العكس فإن النصف السفلي من الشبكية(الحقل العلوي من مساحة الرؤية) يتمثل في القسم السفلي من مساحة الرؤية القشرية الدماغية.

إن المنطقة من القشر القفوي الدماغي والتي تتعلق باللطخة والرؤية المركزية يعتقد أن لها القدرة على إدراك الألوان والدقائق البصرية وهذه المنطقة لها علاقة مع الرؤية المحيطية.

إن الطريق من شبكية العين إلى القشر القفوي الدماغي يمكن أن نعبر عنه بأنه عبارة عن ستة خلايا عصبية:ثلاثة في الشبكية،وواحد في الجسم الركبي الوحشي،واثنان في القشر القفوي.وإن الخلايا العقدية في الشبكية وخلايا الجسم الركبي الوحشي وخلايا القشر القفوي ترتفق عدة ارتفاقات(Synopsis)وإن بعض \هذه الارتفاقات مثبط وبعضها منبه،وإن بعض الخلايا قد تتلقى أحد النوعين أو كلاهما.

وتصنف الخلايا القشرية في الفص القفوي إلى نوعين:الخلايا البسيطة وهذه ترتكس مع المنبهات الخطية كخطوط الضوء في الساحات العتمة والخطوط المظلمة في الساحات النيرة أو شديدة الضياء.وإن ارتكاس أي خلية من هذه الخلايا يعتمد على جهة المنبه،وعلى سبيل المثال فإن عموداً من النور يمكن أن ينبه خلية واحدة فقط إذا كانت بوضعية قائمة،ولكن لا ينبه إذا كانت بوضعية أفقية،وإن بعض الخلايا البسيطة الأخرى ترتكس إذا كان عمود النور أفقياً ولكن لاترتكس إذا كان شاقولياً.

أما النوع الآخر من الخلايا فيسمى الخلايا المعقدة أو المركبة وهي ترتكس لنفس المنبهات،وهي أيضاً ترتكس مع الخطوط المتحركة للضوء..وعلى سبيل المثال إن الخلايا المعقدة  القشرية يمكن أن تطلق عدداً كبيراً من السيالات العصبية في حال وجود حركة بسيطة لعمود مظلم أفقي ولكن يمكن أن تطلق عدداً أقل من السيالات لنفس العمود إذا كان بوضع شاقولي.

مراكز البصر:

1 ـ شفتي الشق المهمازي وهذه المنطقة تمتد إلى الوحشي باسم المنطقة 17 وإن بناء هذه المنطقة يمتاز بتخطيطات ظاهرة بالعين المجردة وتسمى تخطيطات جيناري.ولذلك تسمى المنطقة17 باسم الساحة المخططة.وتسمى المنطقة18 بالساحة حول المخططة.وتسمى المنطقة19 باسم الساحة جنب المخططة.

الألياف الاشتراكية البصرية:

يرتبط مركز الرؤية المادي بنظيره المقابل بألياف تسير عن طريق حوية الجسم الثفني.كما يرتبط بالفص الصدغي بمكان يختص بتذكر سمع الكلمات فإذا خرب حدث مايسمى “عمى القراءة”.

كما يرتبط بألياف مع مركز رؤية الألوان على الوجه الوحشي من الفص القفوي وتخريبها يسبب عمى الألوان.كما أن هناك ارتباطاً مع الساحات المحركة للعين الجبهية.

الناحية التشريحية:

توجد كرة العين في تجويف عظمي يدعى الحجاج أو الوقب(Orbita)،وهو جزء من عظم الجمجمة يحيط بالعين ليحميها من الإصابات،ويحتوي الحجاج على عدة فتحات تعبر من خلالها الأوعية الدموية والألياف العصبية،وتحيط بكرة العين والعضلات المرتبطة بها وسادة شحمية تفصلها عن الحجاج،وتسهل حركة مقلة العين داخل تجويف الحجاج.وإن استقرار مقلة العين في الحجاج،وفوق أنسجة شحمية متعددة،تحيط بها وتحميها من خلال ثلاثة أماكن مرتفعة وهي: الحاجب والبروز العظمي الجبهي من الأعلى،وارتفاع الوجنة من الأسفل،والبروز الأنفي من الجانب،هذه المرتفعات والإنخفاضات تحميها من تأثير الضربات المباشرة كاللكمات ومن الصدمات المفاجئة وصفق الرياح والأغبرة وغير ذلك.

كما أن جفون العين بحركتها المستمرة تحمي العين وتبعد عنها الأضرار،وخاصة من خلال الأهداب العينية(الرموش) وهي عبارة عن شعيرات قوية بالغة الحساسية لأي شىء يمر على العين حيث تتفاعل معه مباشرة،وكذلك فإن حواجب العين تمنع سقوط العرق على العين وتشارك في حمايتها.

وتتألف العين من ثلاثة طبقات:

الغلاف الخارجي ويسمى الصلبة:Sclera  

وهي الطبقة الخارجية للعين،والتي تشكل بياض العين،وتعطي للعين شكلها المحدد،وتحيط الصلبة بمعظم كرة العين حوالي 80% إلا الجزء الأمامي الذي يتشكل من القرنية الشفافة.والصلبة طبقة ليفية معتمة خارجية لحماية العين،وتحتوي على الكولاجين وألياف مرنة.

وتتألف الصلبة من أربع طبقات:

1ـ الطبقة السطحية الخارجية:Episclera ـ

2ـ الصفيحة السمراء للصلبة Lamina fuscaـ

3ـ طبقة اللحمة Stromaـ

4ـ الطبقة الداخلية:Endo scleraـ

وللصلبة وظائف عديدة ومنها:

الحفاظ على ضغط العين الداخلي،والحفاظ على شكل مقلة العين،وتساهم في حماية العين من الأضرار والأذيات الخارجية،كما أنها توفر ارتباطاً قوياً مع العضلات الخارجية التي تتحكم في حركة العينين.

ويغطي السطح الأمامي للعين ويبطن السطح الداخلي للجفن غشاء الملتحمة،وهو غشاء متصل ليس فيه فراغات وبالتالي يمنع نفوذ الأجسام الغريبة إلى العين.

ويمكن أن نقسم الملتحمة إلى جزئين:

1 ـ الملتحمة البصلية التي تغطي الجزء الأمامي من الصلبة وتمتد إلى نقطة التقاء الصلبة مع القرنية.

2 ـالملتحمة الجفنية: وهي التي تبطن الغشاء الداخلي للجفن العلوي أو السفلي .

وأهم وظائف الملتحمة:المحافظة على ترطيب سطح العين الأمامي،والمساعدة على الحفاظ على السطح الداخلي للجفن رطباً عند فتح العين أو إغلاقها،دون أن يسبب ذلك تهيجاً أو احتكاكاً.كما تساعد الملتحمة على حماية العين من الغبار والعوامل الممرضة،وتوفر الملتحمة التغذية الكافية لكل من العين والجفن،بسبب احتوائها على العديد من الأوعية الدموية الصغيرة.وتساعد على ترطيب العين بسبب إفرازاتها.

القرنية: Cornea

فهي تقع في مقدمة العين،وهي شفافة تسمح بمرور الأشعة الضوئية إلى الداخل،وتستقر خلفها عدسة العين،وهي شفافة أيضاً لنفس السبب،ووظيفة العدسة هي تجميع الاشعة الضوئية الصادرة من مختلف المرئيات،وإسقاطها على الشبكية،وعن طريق العصب البصري تنتقل إلى المخ حيث يستطيع الإنسان التعرف عليها،فإذا فقدت هذه الشفافية كما في مرض الساد(إعتام العدسة والجسم البلوري) فإن المريض يفقد القدرة على الإبصار كلياً أو جزئياً حسب تقدم المرض.

وتتكون القرنية من رقاقات تكون أليافها مصفوفة بطريقة متوازية بلا تقاطع أو ميلان وفي طبقات متعامدة بعضها مع بعض،وهذا يعني أن الأشعة الضوئية تستطيع النفاذ دون انعكاس أو تفرق.فالقرنية ليس لها أي دور في انكسار الضوء عند نفوذه.وهذا الدور يفقد في أمراض القرنية وخاصة وجود القرحات المندملة الندبية.أو وجود بعض الترسبات كما في بعض الأمراض الخلقية مثل “داء فانكوني”.

وتعد القرنية خط الدفاع الأول للعين ضد الإصابات والأجسام الغريبة،وهي من الأجزاء الحساسة التي يكثر فيها وجود النهايات العصبية وخاصة الأعصاب الحساسة وبشكل خاص للألم وهذا يجعلها جهاز انذار بالغ الحساسية.وبالتالي فإن رد الفعل الفوري عند الإحساس بجسم غر يب أو وجود ألم في القرنية هو قفل العين مباشرة مع الابتعاد عن مصدر الأذى سواء بحركة الرأس أو الجسم ككل.وعند حدوث الإحساس بالألم في سطح القرنية فإن ذلك يعقبه احتقان في شبكة الأوعية الدموية في الملتحمة،وسرعة افراز الدموع والتي تخفف وتقلل من تأثير العوامل الضارة.كما أن غشاء القرنية جهز بشكل خاص لمنع نفوذ الجراثيم والعوامل الضارة إلى داخل العين.

كما أنها الجزء الوحيد في الجسم الذي لايحتوي على أوعية دموية،وبذلك تبقى محافظة على شفافيتها،كما أنها تستطيع أن تكسر الضوء.

وتأخذ القرنية ماتحتاج إليه من غذاء وأوكسجين من الخلط المائي الذي يفرز من الجسم الهدبي في الحجرة الأمامية التي تقع بين القرنية في الأمام والقزحية في الخلف،والخلط المائي في الغرفة أو الحجرة الأمامية تفرزه الغدد الهدبية،وهو دائم التغير،وهو يحمل الغذاء للقرنية والعدسة،وفي نفس الوقت يحمل مخلفاتهما إلى الدم عن طريق قنوات خاصة.

وأما القزحية:Iris

فهي غشاء حلقي الشكل يوجد في مقدمة العين خلف القرنية بمسافة 3مم،وتنشأ من المشيمية،ويحيط بفتحة صغيرة تسمى الحدقة أو  البؤبؤ،وتحتوي القزحية والجسم الهدبي على ألياف عضلية ملساء،بعضها شعاعي التوضع وبعضها دائري،تنظم كميات الضوء الداخلة للعين من خلال التحكم بحجم البؤبؤ.وهما العضلة الدائرية المضيقة،وهي عضلة ملساء تحيط بالحدقة على شكل حلقة،وتنقبض بتأثير ألياف من العصب نظير الودي،وأما العضلة الثانية فهي العضلة الشعاعية الموسعة،وهي أيضاً عضلة ملساء،تمتد من حافة الحلقة باتجاه حافة القزحية،وتتلقى التعصيب بالانقباض من شعب من العصب الودي،والذي يعصب أيضاً بتفرعاته الصدر والرقبة.وبالتالي فإن كلا النوعين من العضلات يتلقى تعصيباُ من العصب نظير الودي والعصب الودي وهما متناقضان في تأثيراتهما وفي عملهما.وعمل كل واحد منهما يعاكس عمل الآخر.

فالعصب الودي الذي يعصب العضلات الشعاعية يزداد نشاطاً في حالات الغضب والانفعال أو الخوف والهرب…وهو يسبب بتقلص العضلات الشعاعية وهذا يؤدي إلى توسع الحدقة وهذا مايشاهد في حالات الغضب والخوف والانفعال.

وأما العصب نظير الودي فهو يسيطر في حالة الراحة والسكينة والنوم والهدوء وبالتالي يؤدي عمله في تقلص العضلات الدائرية إلى تقبض الحدقة وهذا مايشاهد عند النائم.

وفي حال وجود إضاءة ساطعة فإن هذه العضلات تنقبض مؤدية إلى تصغير حجم البؤبؤ،وعلى العكس ففي حال وجود إضاءة خافتة فإن هذه العضلات تسترخي مما يسبب ازدياد حجم البؤبؤ.ويبلغ قطر الحدقة في حال الإضاءة الشديدة حوالي 1ميليمتر،وفي حالات الظلام يصل إلى 8 ميليمتر.ففي حالات الضوء الشديد يتأثر العصب الحسي في الشبكية فيقوم بإرسال أوامره عبر العصب المحرك للعين إلى العضلة الدائرية في القزحية فتتقلص وتضيق الحدقة بسرعة،لحماية العين من أذى الأشعة،وتمكين العين من الرؤية الصحيحة.وأما في حالات النور الخافت فإن العضلة الدائرية ترتخي بينما تتقلص العضلة الشعاعية بتنبيه الأعصاب الودية،فتتسع الحدقة وهذا يمكن من دخول حزمة أوسع من الأشعة الخافتة من أجل أن تتمكن العين من الرؤية بوضوح.وكذلك تبين أن النظر إلى جسم بعيد يوسع الحدقة،وأن النظر إلى جسم قريب يسبب تضيقها.

وتعود درجة تأثر القزحية بالضوء إلى كمية القتامين(Melanin)،وهي مادة صبغية تعطي القزحية لونها المميز،فكثافة هذه المادة الكبيرة تعطي القزحية اللون الأسود،وكلما قلت كثافتها تدرج لونها إلى البني حتى اللون الأزرق.وإن الخلايا الملونة والتي تحوي الأصبغة في القزحية تقي العدسة من أن تتأثر خلاياها من الأشعة القصيرة أو الاشعة الشديدة والضارة،وتقلل من كمية الضوء النافذ إلى العين،ولذا فإن المصابون بالبهق أي عدم وجود الأصبغة في القزحية يعانون بشكل شديد عند التعرض للشمس أو الأضواء الشديدة.

كما أن القزحية هي الجزء المسؤول عن تحديد لون العين وذلك اعتماداً على تركيز الصباغ فيها،ففي حال كونه كثيفاً فإنها تعطي لون العين البني،وإذا كان الصباغ قليلاً فإنها تعطي لون العيون الزرقاء،أو فاتحة اللون.

كما أن القزحية تعتبر خط الدفاع الثاني بعد القرنية،ففي حال انهيار خط الدفاع الأول أي القرنية وحدث اختراق للجراثيم أو العوامل الضارة من خلال تقرحات القرنية،فيبرز هنا دور القزحية حيث تلتصق بظهر القرنية وتسد الثغرة التي تشكلت في سطح القرنية وذلك لمنع نفوذ العوامل الضارة إلى داخل تجويف العين.

والقزحية في العين لايمكن أن توجد وتتماثل عند الأشخاص فلكل فرد قزحية عين لاتتشابه عند سائر البشر مثل بصمات الاصابع،فالقزحية تميز كل إنسان عن الآخرـ وهناك بعض الأقفال في بعض الدول الأوروبية لايمكن فتحها إلا حين يقوم صاحب القفل بوضع العين على القفل فيفتح ـ .

وأما الجسم الهدبي:Ciliary body

فهو يتشكل خلف القزحية ويحيط به زوائد هدبية تفرز الخلط المائي.وهو يحتوي على العضلة الهدبية التي تسيطر على شكل العدسة ،ويحتوي الزوائد الهدبية التي تفرز الخلط المائي.ويوجد الجسم الزجاجي في الجزء غير المصبوغ من الجسم الهدبي.

والجسم الهدبي عبارة عن سماكة نسيجية على شكل حلقة داخل العين تفصل غرفة العين الخلفية عن الجسم الزجاجي،ويحتوي على العضلة الهدبية والأوعية الدموية،والأنسجة الضامة الليفية.وتوجد فيه الزوائد الهدبية والتي تفرز الخلط المائي في الغرفة الخلفية.ثم يتدفق الخلط المائي من خلال الحلقة إلى الغرفة الأمامية للعين.ويتصل الجسم الهدبي بالعدسة بواسطة النسيج الضام المسمى “ألياف زن”،وبسبب استرخاء العضلة الهدبية يحدث توتر على هذه الألياف مما يؤدي لتغير شكل العدسة من أجل تركيز الضوء على الشبكية.

والطبقة الداخلية للجسم الهدبي شفافة،وتغطي الجسم الزجاجي،وهي مستمرة مع النسيج العصبي للشبكية،بينما الطبقة الخارجية فهي شديدة الصباغ ومستمرة مع ظهارة الشبكية المصبوغة،وتشكل خلايا العضلة الموسعة،وتبقى الطبقة الداخلية غير مصبوغة حتى تصل إلى القزحية،حيث تاخذ الصباغ.

يتم تعصيب الجسم الهدبي بشكل رئيسي من خلال ألياف من العصب اللاودي والتي تنشأ من خلال نواة”ايدنغر ـ وستفال” عن طريق العصب القحفي الثالث(المحرك للعين) ،والذي ينجم عن تنشيط المستقبلات الموسكارينية للألياف العصبية اللاودية حدوث تقلص في العضلات الهدبية،وهذا يؤدي بدوره إلى حدوث التكيف المناسب في العدسة والذي يلعب دوراً هاماً وخاصة أثناء القراءة القريبة.وكذلك يتم تعصيب الجسم الهدبي بألياف من العصب الودي عن طريق الأعصاب الهدبية الطويلة.

وبالتالي فإن للجسم الهدبي ثلاثة وظائف رئيسية:تكيف العدسة(المطابقة)،وإفراز الخلط المائي،والارتشاف.وهو يقوم من خلال ألياف “زن” بتثبيت العدسة في مكانها.

1 ـ تكيف العدسة:وذلك عندما تتقلص العضلة الهدبية فإن العدسة تصبح أكثر تحدباً،مما يحسن التركيز على الأشياء القريبة،ومع استرخاء العضلة الهدبية تصبح العدسة مسطحة،مما يحسن التركيز على الأشياء البعيدة.

2 ـ إفراز الخلط المائي:

تقوم الزوائد الهدبية بإفراز الخلط المائي المسؤول عن توفير الأوكسجين والمواد المغذية،وإزالة الفضلات الاستقلابية من العدسة والقرنية،والتي لاتحتوي على الاوعية الدموية،ويتم إفراز الخلط المائي بنسبة 80% بآليات فاعلة،و20% من خلال الترشيح الفائق للمصورة الدموية،ويؤثر ضغط العين على معدل الترشيح الفائق،ولكن لايؤثر على الأليات الفعلة النشيطة للإفراز.

ويعتمد ضغط العين على مستويات انتاج وامتصاص الخلط المائي،ولأن الجسم الهدبي ينتج الخلط المائي،فهو الهدف الرئيسي للعديد من الأدوية التي تعطى من أجل معالجة داء الزرق(الجلاكوما)،حيث يؤدي تثبيطه إلى خفض انتاج الخلط المائي،وبالتالي هبوط الضغط داخل العين.وهناك أربعة زمر دوائية رئيسية تعطى من أجل معالجة الزرق:

1 ـ حاصرات بيتا:حيث تقلل من انتاج الخلط المائي،ومن أبرز مركباتها”التيمولول،والليفوبونول والبيتا كسولول”.

2 ـ منبهات ألفا الأدرينالينية:وهي تقلل انتاج السوائل وزيادة الصرف،وأهم مركباتها:”البريمونيدين”وال”أبراكلونيدين”.

3 ـ مثبطات خميرة الأنهيدراز الكربونية:وهي تقلل من انتاج الخلط المائيومن أهم مركباتها:الدوروزلاميد(الدياموكس).

4 ـ نظائر البروستاغلاندينات:وهي تستعمل بنجاح من أجل معالجة الزرق ومن ىأهم مركباتها:”الميزوبروستول”،ومن التأثيرات الجانبية لها ازدياد نمو الأهداب العينية،وتصبغ القزحية،وتغميق الجلد حول العين.

الأوساط الشفافة في العين:وتشمل:

1 ـ القرنية الشفافة:وقد سبق الحديث عنها.

2 ـ الخلط المائي: Aqueous humour وهو السائل الذي يشغل الحجرة الأمامية من العين،ويغذي القرنية لخلوها من الأوعية الدموية.وهو سائل شفاف مائي يشبه المصورة الدموية،ولكنه يحتوي تركيز أقل من البروتينات،ويتم إفرازه عن طريق الزوائد الهدبية للجسم الهدبي،ويمر الضوء من خلاله إلى شبكية العين،وزيادة الخلط المائي قد تسبب ارتفاع الضغط داخل العين وحدوث داء الزرق.

وظيفته المحافظة على ضغط العين،وينفخ مقلة العين،وهو الذي يبقي العين في شكلها الكروي تقريباً.وهو يوفر الاغذية مثل الحموض الأمينية والغلوكوز للأنسجة العينية اللاوعائية مثل القرنية والعدسة والجسم الزجاجي الأمامي.

3 ـ الخلط الزجاجي أو الجسم الزجاجيVitreous humour:وهو السائل الذي يشغل الحجرة الخلفية من العين مابين حليمة العصب البصري في الخلف والجسم البلوري في الأمام.وهو جسم هلامي شفاف خال من الأوعية الدموية،ويشكل ثلثي وزن عين الكهل ويعطي العين شكلها.يتركب من كتلة من الحمض الهياليني ومن شبكة من ألياف الكولاجين وكلاهما محب للماء،ويؤلف الماء ما نسبته 99% من تركيب الجسم الزجاجي،ويحتوي كميات قليلة من البروتينات غير المنحلة في الماء وبعض الشوارد.

4 ـ العدسة:Lens أو الجسم البلوري:

فهي الغشاء المرن الذي يوجد خلف القزحية والبؤبؤ،وهي جسم متعدد الطبقات شفاف ومرن،وكل طبقة من طبقاتها يزيد مُعامل انكسار الضوء بها على الطبقة السابقة عليها،وبحيث يتجمع الضوء في بؤرة هندسية في الشبكية،وتكمن وظيفتها في تركيز الضوء على الشبكية،بحيث تحل في المرتبة الثانية بعد القرنية،ويساعدها في عملها هذا العضلات الهدبية والتي بتقلصها أو استرخائها تمكن من تغيير درجة انحناء سطح العدسة للتمكن من رؤية الأشياء القريبة أو البعيدة،حيث تكون العدسة بيضوية الشكل عند النظر للأجسام البعيدة،بينما تصبح أكثر استدارة عند النظر للأجسام القريبة،ومع مرور الزمن قد تفقد العدسة جزءاً من مرونتها مما يقلل من قدرتها على رؤية الأجسام القريبة وهذا مايشاهد عند المسنين مع التقدم في العمر.

وتتألف عدسة العين من بروتينات شفافة يطلق عليها اسم البلوراتCrystallins،ولذا تسمى أيضاً بالجسم البلوري.وهذه البروتينات مرتبة إلى مايقرب من عشرين ألفاً من الطبقات المتحدة مركزياً وغير سميكة.

ولايوجد في العدسة أوعية دموية كي لاتتعكر شفافيتها،وتحصل على غذائها من الخلط المائي للعين من الحجرة الأمامية.

وتركيب العدسة العضوي يتم منذ المراحل الأولى لنمو الجنين وتبقى في نمو بطىء طوال العمر،مما يجعلها الجزء الوحيد في العين الدائم النمو،وخلاياها رقائق تلبس بعضها البعض،وبكل طبقة من هذه الرقائق حدة معينة لكسر الضوء.وفي منتصف العمر تضعف خلايا الرقائق المركزية ـ كونها أقدم خلايا العدسة تكوينا ـ ثم تذوي وتموت،بعد أن تنعدم قدرتها على تمرير أشعة الضوء،فتفقد العدسة بالتالي مرونتها في التغير مع الأبعاد والأجسام المختلفة وهذا مايفسر ضعف قوة الإبصار عند المسنين.

والسوائل الشفافة الكاسرة في العين تتميز بأنها مصنوعة من مادة لايمكن أن تصاب بالتجمد ولو كان الشخص في أقصى القطب الشمالي،فهي مصنوعة من مادة مقاومة للتجمد.

2ـ المشيمية:Choroidـ 

وهي الغلاف الأوسط من طبقات العين.تقع بين شبكية العين في الخلف وطبقة الصلبة في الأمام.

وتحتوي على شبكة غنية بالأوعية الدموية التي تغذي العين وتغطي ثلثي كرة العين .يتراوح سماكتها أقل 2،مم،وهي تغذي الطبقات الخارجية من شبكية العين وتمدها بالأوكسجين والغذاء.وهي غنية بصباغ الميلانين(القتامين) والذي يمتص الفائض من الأشعة الضوئية التي تجتاز الشبكية،فيمنع انعكاسها،ويسبب وضوح الرؤية.

إن المشيمية وبفضل صلتها الوثيقة مع الصلبة التي تحيط بها،تقوم بوظيفة الغرفة المظلمة في آلة التصوير،والتي تقوم فيها الشبكية مقام اللم،وتقوم مقام العدسة الجملة الكاسرة المؤلفة من الخلط المائي والخلط الزجاجي والعدسة التي بينهما.وتستطيع العدسة أن تتكيف بتعديل بؤرتها(محرقها)بحيث يمكن أن يرى الجسم المنظور إليه بوضوح،وذلك بفضل العضلات الهدبية.أما القزحية فإنها تقوم بدور الحجاب في آلة التصوير هذه.

وتنقسم المشيمية إلى أربع طبقات::

ـ طبقة هاللر:وهي الطبقة الخارجية في المشيمية وتضم الأوعية الدموية الكبيرة.

ـ طبقة ستالر:وهي الطبقة المتوسطة وتضم الأوعية الدموية المتوسطة.

ـ المشيمية الشعرية.وتحتوي على الشعيرات الدموية.

غشاء بروخ:وهو أعمق طبقات المشيمية.ويسمى أيضاً الصفيحة القاعدية.

3ـ الشبكية:Retina

وهي الطبقة الداخلية في العين.

وهي الجزء الحساس من العين، وهي طبقة رقيقة لايتعدى سمكها سمك ورقة كتاب.وتعتبر الشبكية جزءاً من الجملة العصبية المركزية وامتداداً للدماغ إلى داخل العين،وهي أهم وأعجب طبقات العين الثلاثة،وأكثر الأجزاء حساسية وتأثراً.

وتتألف الشبكية من وريقتين:

1ـ الوريقة الصباغية الخارجية:

وهي تلتصق بالوجه الداخلي للمشيمية،وتحوي خلاياها صباغاً أسوداً له وظيفتان:يجعل جوف كرة العين مظلماً فيحقق وضوح الرؤية،ويختزن كميات كبيرة من الفيتامين A.

2ـ الوريقة العصبية الداخلية.تتألف من ثلاث طبقات خلوية عصبية تفصل بينها طبقتان من المشابك وهي بالترتيب من الخارج إلى الداخل:

1ـ طبقة الخلايا البصرية:وهي عصبونات ثنائية القطب يوجد منها نوعان:العصي والمخاريط،وهذه العصي والمخاريط هي خلايا الإبصار،وفيها تجري العمليات الكهرو كيميائية للإبصار.

2ـ الطبقة الوسطى:وتحوي أنماطاً خلوية عديدة وبخاصة عصبونات ثنائية القطب.

3ـ طبقة المشابك الداخلية.

4ـ الطبقة العقدية:وتحوي الأقطاب عصبونات متعددة تشكل أليافها العصب البصري،وهي تتصل من خلال الاستطالات والتفرعات مع خلايا الطبقة التالية الممتدة كالأذرع المفتوحة،وتتصل مع الخلايا ثنائية الأقطاب،وهذه الخلايا تتصل بدورها مع خلايا الطبقة الثالثة والتي تحتوي على العصي والمخاريط.

والشبكية تغطي ثلث العين الخلفي،وهي الطبقة الحساسة للضوء والرؤية،وتضم حوالي 140 مليون خلية عصبية بصرية،كل منها تعمل مثل آلة تصوير تلفزيونية،فتلتقط جزءاً من الصورة المعروضة أمام العين،ثم تنقلها إلى العصب البصري الذي ينقلها إلى مراكز الرؤية في الدماغ ليعيد تجمعيها في صورة واحدة.فهذه الخلايا تلتقط الأشعة الضوئية وتحولها إلى سيالات عصبية تنقلها إلى المراكز البصرية في قشر الدماغ،حيث يتعامل معها.وتحتوي هذه الخلايا على جزيئات من البروتينات الحساسة للضياء تدعى الأوبسين.

ويوجد من هذه الخلايا العصبية في الشبكية نوعان:

1ـ الخلايا المخروطية أو المخاريط:Cones وهذه الخلايا موجودة في منتصف الشبكية في منطقة تسمى البقعة الشبكية : ‘Macula وهذه البقعة تكون مقابلة لعدسة العين،وتتجمع الاشعة فيها في مركز يسمى النقرة Fovea ، ويبلغ عدد المخاريط في النقرة حوالي 350 ألف ،ويقع تحت النقرة مباشرة العصب البصري،والمخاريط في النقرة لها أعلى حساسية لتكوين صورة للشىء المرئي وعن طريقها تتم الرؤية الحادة.ويبلغ عدد الخلايا المخروطية حوالي أربعة ملايين ونصف،أما عدد الخلايا العصوية فهو حوالي 91مليون.ويقل عدد المخاريط كلما اتجهنا نحو محيط الشبكية.والمخاريط تعمل بشكل أفضل في حالات الضوء الساطع.بينما العصي تعمل بشكل أفضل في حالات الرؤية أو الإضاءة المنخفضة.

أثناء القراءة مثلاً تنصب الأشعة الآتية من كلمة واحدة في النقرة فنرى الكلمة جيداً،ولقراءة سطر تنتقل العين من كلمة إلى كلمة بحيث تقع كل كلمة على حدة في النقرة،وهذا مانفعله لا إرادياً عند القراءة،وأنت عندما تقرأ كلمة تراها بوضوح بينما الكلمة قبلها والتي بعدها تكونان أقل حدة لأنهما خارج النقرة.فالنقرة المركزية لها أعلى حساسية للبصر الدقيق،ورؤية تفاصيل الشىء المنظور.

وتعتبر المخاريط هامة جداً من أجل الرؤية المفصلة بالألوان،حيث تساعد على التفريق بين الألوان المختلفة،بوجود ظروف إضاءة طبيعية،وتقسم المخاريط إلى ثلاثة أشكال:المخاريط الزرقاء أو القصيرة،والمخاريط الخضراء أو المتوسطة،والمخاريط الحمراء أو الطويلة.وكما أن المخاريط تساهم في الإدراك اللوني فإنها تساهم أيضاً في التفاصيل الأدق والتغيرات السريعة في الصور،بسبب أن زمن استجابتها للتحفيز أسرع منها في الخلايا العصوية.

وهناك ثلاثة أنواع من المخاريط ذات بروتينات فوتوبسين مختلفة،ويوجد بعض الأشخاص يعانون من عدم وجود مخاريط في الشبكية وهذا مايسمى عمى الألوان،والإنسان يتمتع عادة برؤية ثلاثية الألوان،ولكن هناك قلة من الناس يتمتعون بوجود أربع  أنواع أو أكثر من المخاريط مما يعطيهم رؤية رباعية اللون

2 ـ العصي أو الخلايا العصويةRods:وسميت كذلك بسبب شكلها الاسطواني الطويل، وهي توجد على جوانب الشبكية ولها دور في الرؤية المحيطية،وهي شديدة الحساسية للضوء بحيث يمكنها التقاط الضوء في ظروف الإضاءة الخافتة،والمساعدة على الرؤية في هذه الحالة.أي أن الخلايا العصبية ذات العصي تساعد على الرؤية الليلية،ولا تميز الألوان.ويوجد حوالي 120 مليون خلية عصوية في الشبكية.

ومن حكمة الله تعالى أنه أثناء الضوء بالنهار والظلام بالليل تتبادل كل من العصي والمخاريط عملها لتمكن الإنسان من الرؤية في الظروف المختلفة،وهذا يمنع أن تصاب هذه الخلايا الحساسة الإعياء أو الإجهاد والتلف.

كما تتأثر بطريقة شديدة لو تعرضت العين للظلام أوللإضاءة الشديدة لفترة طويلة،فإذا اشتدَ الظلام وطال أصيبت العين بغشاوة والعشى لتوقف دورة الفيتامينA والريتينول وهما المسؤولان عن تكوين مادة الرودبسين اللازمة للرؤية وخاصة في غياب الضوء.

وأما العصب البصري: Optic Nerve

فهو يتألف من مجموعة الألياف العصبية التي يقارب عددها المليون والتي تنقل الإشارات من الشبكية إلى الدماغ،وتعرف هذه الألياف بالخلايا العقدية.Ganglion Cells ويوجد مجموعات مختلفة من هذه الخلايا العقدية.

كل خلية من الخلايا العقدية متخصص بنقل وتسجيل معلومات محددة،فمنها ماهو مسؤول عن الشكل والتفاصيل وآخر مسؤول عن الحركة والتباين وتعمل هذه المجموعات مع بعضها البعض لإيصال الصورة للدماغ،والذي يُكون صورة ثلاثية الأبعاد من خلال مقارنة الإشارات الواصلة إليه من كلتا العينين،وتسمى المنطقة المسؤولة في الدماغ عن تحويل الإشارات القادمة من شبكية العين بالقشرة البصرية في الفص القفوي من المخ.

وهناك مايسمى الحليمة البصرية وهي منطقة خالية من العناصر المستقبلة ولاتحوي على خلايا من العصي أو المخاريط وتسمى البقعة العمياء في العين Blind spotوتقع بالقرب من الحفيرة المركزية أو اللطخة الصفراء.وهذه البقعة العمياء تعبر من خلالها الأوردة والشرايين الدموية،كما تعبرها ألياف العصب البصري.ونظراً لعدم وجود نستقبلات للضوء في هذه البقعة فإن الجزء المقابل لها في مجال الرؤية يكون غير مرئي.

فبعد التقاط الصورة بشكل يشبه مايحدث في آلة التصوير،تصل الصورة إلى مستوى النُقيرة المركزية،حيث تبدو الصورة أصغر بكثير من الحقيقة كما نراها مقلوبة رأساً على عقب.وفي هذه النقطة تقوم العصي والمخاريط التي هي بتماس الاستطالات المتشجرة للخلايا ذات القطبين بنقل التنبيه إلى هذه الخلايا.وهذه بدورها تنقله من قطبها الآخر ومن ثم تنتقل عبر ألياف العصب البصري إلى المراكز البصرية في الفص القفوي من الدماغ.

حركة العين:

توجد 6 عضلات خارجية لكل عين،تربط كرة العين بالجمجمة ببياض العين،وتقوم العضلات بتحريك العين في كل الاتجاهات،وهذه العضلات هي:

1 ـالعضلة المستقيمة العلوية Superior Rectus وهي تتحكم بعملية تحريك العين للأعلى.

2ـ العضلة المستقيمة السفلية:Inferior Rectus وهي تحرك العين للأسفل.

3ـ العضلة المستقيمة الانسية Medial Rectus،وهي تحرك العين باتجاه الأنف.أي بالاتجاه الأنسي.

4ـ العضلة المستقيمة الوحشية Lateral Rectus،وهي تحرك العين باتجاه الأذن أي بالاتجاه الوحشي.

5 ـ العضلة المائلة العلوية Superior Obliqueـ ـ وهي تساعد على تحريك العين بمساعدة العضلات الأخرى على الدوران العمودي للعين.

6ـ العضلة المائلة السفلية Inferior Obliqueـ وهي تقوم مه العضلات الأخرى بالمساعدة على الدوران الأفقي للعين.

7ـ العضلة الرافعة للجفن Levator palpebare،وتعمل على رفع الجفن.

وحركة العينين سريعة متوافقة مع بعضها،وإذا اختلفت إحداهما عن الأخرى تحدث الازدواجية في الرؤية،حيث جُعلت الحركة لكل عين بتوازن دقيق يمنع تداخل حركة العينين،وبالتالي يرى الشخص صورة واحدة.

وهناك مايسمى “ظاهرة بيل”:وهي تشاهد عند محاولة فتح الجفون غصباً أثناء النوم أو في حالات توقع الخطر أو عند الفحص العيني ووضع القطرات…حيث تتجه العين إلى أعلى وتختفي القرنية خلف الجفن العلوي وربما تحت السطح العلوي للحجاج،وهذا كله يشير إلى فعالية العضلات العينية في توجيه المقلة إلى المكان الآمن حتى لا تتعرض للأضرار.

وظيفة الرؤية:

رؤية جميع الأجسام تحصل بسقوط أشعة النور عليها ثم انعكاسها عنها إلى العين،فيبصرها الإنسان وإن كان في مكان مظلم،إذ شرط الرؤية أن يكون المرئي في مكان مضىء لا الرائي.والنور الأبيض مركب من سبعة ألوان وهي البنفسجي والنيلي والأزرق والأخضر والأصفر والبرتقالي والأحمر.وإذا انعكست جميع الموجات في النور الأبيض من الجسم إلى العين رأينا لونه الأبيض،ومن ذلك نفهم حكمة لبس الملابس البيضاء في الصيف فإنها تعكس جميع أشعة النور والحرارة إلى الخارج وأما الاجسام السوداء فهي تمتص جميع الاشعة ولاتعكس منها شيئاً.وأما الأجسام الأخرى كالزرقاء مثلاً فهي تمتص جميع أنواع النور ماعدا التي تحدث اللون الازرق،وهذا ينطبق على باقي الألوان الاخرى.

تعتبر الألوان عامل هام يعكس الحالة النفسية للإنسان كما أن لها تأثيراً على الذات الداخلية،وغالباً مايكون ذلك مرتبطاً بطبيعة الشخصية،وتظهر تلك التأثيرات فوراً على الشخص،ومن مظاهرها تسرع القلب وحركات الجفون والإفراز العرقي.

وفي علم النفس يعتبر اللون الأخضر من الألوان المهدئة،حيث يبعث في المكان جواً من السكون والطمأنينة،وينعكس على النفس بشكل إيجابي.ويستخدم أيضاً كرمز للسلام،كما أن له القدرة على امتصاص الطاقة السلبية من جسم الإنسان.كما أن لون الحياة الطاغي هو اللون الأخضر،والموجات الخضراء تُدخل على النفس البشرية الانشراح والشعور بالحب،والراحة والاسترخاء.ويطلق البعض على اللون الاخضر”لون التوازن”فهو ينفذ للعين بهدوء وبدون جهد،وهو يتوسط ألوان الطيف.وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الألوان تمتلك التأثير الكبير على الخلايا البشرية،حيث أن لكل لون موجة ضوئية خاصة لها طول معين يختلف من لون إلى آخر،ولكل موجة أثرها الذي يظهر على الجهاز العصبي والحالة النفسية للإنسان.ويتوسط اللون الأخضر الدائرة اللونية بين الأزرق والأصفر،فهذا الموقع يجعله بين هدوء اللون الازرق وحرارة اللون الأصفر،كما أنه لون مريح ينفذ للعينين بسهولة.

يقول الدكتور زغلول النجار حفظه الله:

“كثيراً مايرد لفظ الخضرة في آيات القرآن الكريم والتي تصف حال أهل الجنة أو مايحيط بهم من النعيم في جو رفيع من البهجة والمتعة والاطمئنان النفسي.فقال تعالى:{متكئين على رفرفٍ خُضرٍ وعبقريٍّ حِسان}[الرحمن76]،وقال تعالى:{عاليهم ثيابُ سُندسٍ واستبرق وحُلوا أساورَ من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا}[الإنسان 21]،وقال تعالى:{متكئين على فرشٍ بطائنها من استبرقٍ وجنى الجنتينِ دان}[الرحمن 45].

يقول أحد علماء النفس وهو اردتشام:إن تأثير اللون في الإنسان بعيد الغور وقد أجريت تجارب متعددة بينت أن اللون يؤثر في إقدامنا وإحجامنا ويشعر بالحرارة أو البرودة وبالسرور أو الكآبة،بل يؤثر في شخصية الرجل وفي نظرته إلى الحياة.ويسبب تأثير اللون في أعماق النفس الإنسانية فقد أصبحت المستشفيات تستدعي الأخصائيين لاقتراح لون الجدران الذي يساعد أكثر في شفاء المرضى وكذلك الملابس ذات الألوان المناسبة وقد بينت التجارب أن اللون الأصفر يبعث النشاط في الجهاز العصبي،أما اللون الارجواني فيدعو إلى الاستقرار واللون الأزرق يشعر الإنسان بالبرودة عكس الأحمر الذي يشعره بالدفء،ووصل العلماء إلى أن اللون الذي يبعث السرور والبهجة وحب الحياة هو اللون الأخضر.لذلك أصبح اللون المفضل في غرف العمليات الجراحية لثياب الجراحين والممرضات.واللون الأخضر يريح البصر ذلك لأن الساحة البصرية له أصغر من الساحة البصرية لباقي الألوان كما أن طول موجته وسطي فليست بالطويلة كاللون الأحمر وليست بالقصيرة كالأزرق”.

والضوء هو شكل من أشكال الطاقة وهو جزء من الموجات الكهرومغناطيسية،والتي تبدأ من الأشعة الكونية الشديدة القصر،ويزيد ىطول موجتها حتى تصل إلى الموجات اللاسلكية الطويلة التي تستخدم في الإذاعة.

والعين تستطيع رؤية الموجات التي تتراوح طول موجاتها من حوالي 400 نانومتر للضوء البنفسجي إلى حوالي 700 نانومتر للضوء الأحمر،ولا تستطيع العين رؤية الموجات الكهرومغناطيسية المتبقية وهي ما فوق أو تحت التردد المذكور وهي الأشعة الكونية وأشعة جاما،وأشعة أكس،والاشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء،وأشعة الرادار،والموجات الدقيقة الصغرى،والأشعة الراديوية،..وتستخدم أشعة جاما وشعاع الاكترونات في تدمير الأورام السرطانية داخل الجسم،كما أن أشعة جاما تستخدم في تعقيم الأدوات الطبية،وحفظ الأطعمة بتعقيمها بواسطة أشعة غاما.وأما أشعة أكس في تستعمل للتصوير الشعاعي وفي الكشف عن ماخفي من المخدرات والأسلحة ومحتويات الحقائب المختلفة كما هو الحال في المطارات.

وإذا تعرضت العين للضياء الشديد أو بعض الأشعة فإنها يمكن أن تصاب بالتلف.يقول الله تعالى:{يكاد البرق يخطف أبصارهم}[البقرة 20]،ويقول تعالى:{يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}[النور 43].

والبرق هو ظاهرة طبيعية بصرية تظهر في صورة شرارة كهربائية،والتي تنشأ عن تفريغ مفاجىء وعنيف في مناطق الغلاف الجوي المشحونة.وغالباً مايتشكل البرق أثناء العواصف الرعدية،إذ أن الرعد هو صوت موجة الصدمة الناتجة عن ازدياد الصغط المفاجىء للجزيئات الغازية.عندما يكون التفريغ الكهربائي شديداً بين السحاب وبين جسم مشحون على الارض يسمى البرق والرعد المصاحب له حينها بالصاعقة.ويماثل أثر الصاعقة عندما تضرب أحداً ما أثر الصدمة الكهربائية من مصادر الجهد والتوتر المرتفع،بحيث تحصل إصابات تتراوح من الحروق بالإضافة إلى حدوث أضرار في الجهاز العصبي وكذلك عضلة القلب،وباقي الأعضاء الداخلية.

والعلماء ينصحون الإنسان بعدم النظر إلى السماء وقت حدوث كسوف الشمس نظراً لما يسببه من آثار ضارة على العين قد تصل إلى درجة حد العمى،وذلك بتأثير الأشعة فوق البنفسجية.

يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في تفسير الآية الكريمة من سورة البقرة:

“أن الإنسان لايملك من القدرة مايمكنه من منع البرق من لفت وخطف انتباهه وبصره،أما كلمة “يكاد” فهي تخص لحظة لمعان البرق،والتي تُذهب الأبصار لبضع جزيئات من الثانية ثم تتكيف العين تدريجياً مع استرجاع المادة الصبغية “الرودبسين” الموجودة في خلايا الشبكية.والسؤال لماذا قال الله تعالى”يخطف أبصارهم”ولم يقل يذهب بأبصارهم،وهنا إعجاز علمي وبلاغي،فكلمة”يخطف” تدل على السرعة الفائقة والتي تقف العين عاجزة عن إدراكها.حيث أن سرعة شعاع البرق تقدر بأكثر من 150 ألف كيلومتر في الثانية.

ولماذا قال الله تعالى”أبصارهم” ولم يقل أعينهم؟وهنا وجه إعجازي آخر حيث أن تأثير البرق يكون على العصب البصري والشبكية والقرنية والجسم الزجاجي في العين،وهي عناصر تتعلق بعملية الإبصار”.

إن ومضة البرق بسرعتها وشدة لمعانها تؤثر سلباً على العين،وتُحدث نوعاً من العمى المؤقت،حالها حال ضوء الليزر إذا تم توجيهه على العين بشكل مفاجىء،حيث يتسبب هذا الضوء بتثبيط عمل المستقبلات الضوئية في شبكية العين وهذا يسبب شللها المؤقت لبضع ثوان.

إن الكمية الكبيرة من الضوء التي ينتجها البرق تحتوي على أنواع مختلفة من الأشعة الضارة بالبصر،والتي تصل إلى العين على شكل طاقة حرارية تتسبب في تلف القرص البصري،وتتطور مع الوقت وتحلل النسيج الموجود في مركز الشبكية وتتحول إلى ثقب يؤدي بدوره إلى فقدان البصر المركزي بصفة دائمة.وأما جوانب الشبكية فلا تتأثر بفعل الضوء وبالتالي يستطيع المصاب من رؤية الأشياء الموجودة حول البقعة المركزية المعتمة في حقل النظر،وبالتالي يكون العمى جزئياً وليس تاماً.

إن العين عندما تستقبل الأشعة الضوئية الصادرة من جسم ما وتسقط على خلايا الشبكية فإن صباغ “الرودبسين”يمتص الضوء.وعندئذ يحدث تفاعل كيميائي يؤدي إلى تحلل الرودبسين إلى الريتنين وبروتين الأبسين وينتج عن هذا التفاعل إشارات عصبية تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ الذي يقوم بتحليلها وترجمتها.أما الريتنين فيتحد مع الأبسين ليكون الرودبسين أو قد يختزل إلى فيتامين”أ” الذي يتحد مع الابسين ليكون أيضاً الرودبسين.

وإن معظم الإصابات بالبرق تنتج عن تأثير الشرارة الكهربائية أو الحرارة أو الطاقة الميكانيكية المرافقة لضربة البرق.وتؤثر ضربة البرق بشكل أساسي على الجملة العصبية للجسم وعلى الرئتين وهناك تأثيرات على البصر،فقد تؤدي إلى العمى.وهناك أيضاً اضطرابات في القلب واضطرابات نفسية.وينصح عند حدوث البرق تجنب الوقوف في المرتفعات العالية وقرب الأبراج المعدنية أو قرب مصادر المياه مثل المسابح أو البحيرات أو قرب الأشجار لأن هذه ستكون أهدافاً سهلة أمام شرارة البرق،كما ينصح بتفادي استعمال الهاتف الجوال أو الماء أو لمس الاشياء المعدنية،لأن هذه الأشياء تعتبر موصلاً جيداً للكهرباء وذات مقاومة منخفضة وبالتالي هي المفضلة لدى البرق ليفرغ شحنته من خلالها.

والبرق يسبق الرعد لأن سرعة البرق هي 300ألف كم في الثانية،بينما سرعة الصوت 330 متر في الثانية،ويأتي البرق بالنور المضىء في ومضة قصيرة،يؤثر على العين التي تدرك هذا النور،وتسبب حدوث العمى.إن هذا العمى ينتج عن مصادر ضوء ساطع ومفاجىء مثل البرق أو الليزر،أو انعكاس الضوء من المباني العالية الزجاجية،وهذا يسبب بقعة في مركز مجال الرؤية ويحدث تثبيطاً في عمل المستقبلات الضوئية في الشبكية تستمر لثوان وربما عدة دقائق،مما تسبب العمى المؤقت.وفي بعض الحالات الشديدة العمى الدائم.

العين غرفة تصوير رائعة:

تعتبر كرة العين من أروع غرف التصوير الفنية،فهي غرفة مظلمة تماماً رغم مرور أشعة الضياء فيها،وهي مغلقة بثلاثة جدران وهي على الترتيب الصلبة والمشيمية والشبكية.

إن العين تعطينا رؤية الأشكال بحجمها الحقيقي،بينما أعظم آلة للتصوير تعطينا صورة لاتزيد على مساحة الكف.

وإن النظر بعين واحدة يختلف عما يراه الإنسان في كلتا العينين.فالنظر بالعينين معاً يعطي للأشياء تجسيماً ووضوحاً لا يوجد في النظر بعين واحدة.وعمل العينين معاً في رؤية الأشياء يعتبر مهماً من أجل عملية الرؤية.وهذا مايمكن أن تدركه تماماً عند النظر في الناظور، حيث أن الرؤية فيه بعين واحدة تختلف عن الرؤية فيه بالعينين معاً وخاصة  من روعة النظر المجسم وجمال المنظورات وتناسق ألوانها وأجزائها.

يقول تعالى:{ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين}[البلد 8]،ولم يقل ألم نجعل له أذنين،لأن الإنسان إذا فقد السمع بإحدى أذنيه استطاع بأذن واحدة أن يستمع بدون خلل أو اضطراب أو تغيير في سماع الموجات الصوتية،بينما يحتاج الإنسان إلى الرؤية بالعينين معاً للتمتع بجمال المنظورات ورؤيتها بأبعادها الثلاثة،فإنك إن حاولت أن ترى بعين واحدة أو بالعينين معاً ستدرك الفرق الكبير والشاسع للمنظورات والمرئيات،وتفقد روعتها وجمالها.

والعين ترى الأشياء بأبعادها الثلاثة،الطول والعرض والعمق،وذلك يتم بالعينين معاً،وإن الصورة التي تقع على الشبكية تنتقل إلى الدماغ في أقل من جزء من خمسين جزءاً من الثانية،وفي كل ثانية تستطيع العين نقل خمسين صورة إلى الدماغ،والذي يُدرك المراد منها.

إن العين تشاهد المرئيات بأبعادها الثلاثة بشكل مجسم،وهذا ما يساعد في تحديد مواضع الاشياء وأحجامها وأبعادها،عن موقع الناظر،كما أن العين تكيف نفسها بالنسبة لرؤية الأشياء القريبة والبعيدة،فالعضلات تتحرك لتكيف وضع عدسة العين لترى بدقة ووضوح،كما أن حدقة العين تضيق وتتسع وفقاً للضوء الذي تستقبله العين.

وتستطيع العين أن ترى الصور سواء القريبة منها أو البعيدة عنها وهنا يأتي دور العدسة البللورية التي تمتاز بمرونتها بحيث تؤمن المطابقة أو التلاؤم وتعمل على تئبير الصور أي جعلها في البؤرة،ويساعد في عملية المطابقة هنا العضلة الهدبية،والتي تجعل العدسة أكثر تحدباً عند رؤية الأشياء القريبة،وأكثر استواءً عند رؤية الأشياء البعيدة.وعندما تدخل الأشعة المتوازية إلى العين السوية البصر،فإنها تتلاقى في مركز الشبكية في “النقيرة”(Fovea) المركزية،وبذلك يمكن رؤية الأشياء بوضوح من مسافات بعيدة،وحتى الخمسة والعشرين سنتمتراً القريبة،ولكن هناك حالات يتم فيها تبئير الجهاز البصري إما خلف الشبكية(حالات مد البصر)أو أمام الشبكية(حالان قصر البصر) والتي يمكن علاجها بعدسات معينة مناسبة لكل حالة.

وظاهرة التبئير(Focus)تجعل العدسة أكثر تحدباً ولكنها محدودة بحدين اثنين:

1 ـ نقطة المدى:أو المسافة الأعظمية التي يقع عليها الشىء بحيث يرى بوضوح وبدون اضطرار لإجهاد التركيز.وفي العين السوية البصر تكون نقطة المدى في اللانهاية.

2 ـ نقطة الكثب:أو المسافة الأصغرية التي يرى المرء الأشياء بوضوح وهي 12 ـ 15 سم ثم تصعب الرؤية دون ذلك،لأن قدرة التئبير تقف عند هذا الحد.

وللعين البشرية قدرة باهرة على التمييز بين الأشكال والألوان والصور،فهي تستطيع التمييز بين 10 ملايين لون مختلف،علماً أن أدق آلات التصوير التي اخترعها الإنسان لايمكنها الوصول إلى هذه القدرة،فتبارك الله أحسن الخالقين.

ونحن نرى الأشياء في صورة معتدلة،ولكن في الحقيقة تكون العدسة صورة مصغرة  مقلوبة على البقعة الحساسة من الشبكية،وتترجم تلك الصورة بألوانها في الشبكية،إلى إشارات كهرو كيميائية تنتقل عن طريق العصب البصري إلى الدماغ لمعاملتها.وتحدث تغيرات كيميائية في أقل من البليون في الثانية.ويخرج من قاع العين العصب البصري والمؤلف من نصف مليون ليف عصبي وينقل طيف الضوء إلى مركز البصر في الفص القفوي من الدماغ والذي يحولها إلى صورة مرئية،ويبلغ سرعة إرسال الصورة في العصب البصري ألف مرة في الثانية.

ترى كل عين من العينين صورة للشىء ويقوم الدماغ بدمج الصورتين فنرى صورة مجسمة للشىء.

إن الصور التي تسقط على الشبكية لاتنطبع عليها مثلما تنطبع الصورة الفوتوغرافية على سطح الفيلم الخام،ولا حتى على الورق الحساس بعد تحميض الفيلم،وإنما تنتقل فوراً على شكل تيارات عصبية ومن خلال ألياف العصب البصري لتصل بسرعة لحظية إلى مركز الرؤية في الدماغ.وهي هنا أيضاً لاتتراكم وإنما يتم ترحيلها أولاً بأول إلى مركز عصبي آخر في المخ وهو متصل عضوياً بمركز الإبصار، حيث يتم تصنيفها وفهرستها وحفظها .وإن المخ قادر على استحضار أي عدد من تلك الصور المخزونة في أي وقت لاحق بحيث يقوم مركز الرؤية بإعادة مشاهدتها أي استعراضها بعد زوال الأجسام التي تمثلها بوقت يتناسب عكسياً مع قوة الملاحظة والقدرة على الاستيعاب والتذكر.

تتم رؤية الألوان بواسطة نوع معين من الخلايا الحساسة لألوان الضوء،تلك هي الخلايا المخروطية،ومنها أنواع فهناك من يرى اللون الأحمر أو الاخضر أو الأزرق،وهذا يكفي العين أن تميز جميع الألوان التي نراها للأشياء.ويلعب الفيتامين”أ” دوراً رئيسياً في رؤية الاشياء ولأنه المصدر الرئيسي لمادة الريتينال.

ومن الظواهر المتعلقة بإدراك الألوان مايعرف بظاهرة استمرار الرؤية وظاهرة الإجهاد.أما الأولى فتحدث إذا ماركزت العين على ضوء أبيض ساطع لفترة طويلة،ثم أغمضت،حيث يتراءى لها أن الضوء مازال مستمراً،وهي الظاهرة المطبقة في السينما والتلفزيون.وأما الأخرى فتحدث عند تركيز النظر على جسم أبيض ناصع،خلفه أرضية سوداء داكنة،ثم تحول النظر بعد ذلك إلى حاجز أبيض،فيتراءى للعين بقعة سوداء مكان الجسم الأبيض.

وهناك أيضاً عمى الألوان الذي يصيب العين،فيجعلها تدرك الألوان بطريقة تختلف عن إدراك العين السوية.وربما كان أكثر أنواع عمى الألوان شيوعاً هو عمى الألوان الأحمر،وفيه يتعذر على العين المصابة أن تميز بين اللونين الأحمر والأخضر،أو الأحمر والازرق،وخاصة إذا كانت الألوان داكنة.

والعين حساسة لموجات الضوء التي لاتقل عن 350 ولا تزيد عن 750 جزءاً من بليون من الأمتار الضوئية.

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“إن هذه العين ترى مابين عتبتين،لو أن الرؤية زادت على حدّها الذي هو عليه لأصبحت حياتنا جحيماً،إنك إذا نظرت إلى كأس الماء الذي تشربه الآن،تراه صافياً عذباً فراتاً رائقاً،لو أن عتبة البصر زادت قليلاً،ودقّت أكثر مما هي عليه لرأيت في هذه الكأس العجب العجاب،لرأيت الكائنات الحية،والجراثيم غير الضارة،بعدد لا يحصى،إنك لن تشرب الماء عندها،ولرأيت هذا الطفل الصغير بخدّهِ الأسيل كأنه مغارات ونتوءات،لذلك يقول سبحانه وتعالى:{إنّا كلَّ شىءٍ خلقناهُ بقدرٍ}[القمر 49]”.

تتطلب عملية النظر في العين إلى حدوث تفاعلات كيميائية في الشبكية.تعمل القرنية مثل النافذة التي تسمح للضوء بالمرور عبر أنسجة عديدة في العين قبل أن يصل إلى الشبكية.

يتم تجميع بروتينات المستقبلات الضوئية الخارجية في قطاعات داخلية يتم حملها بواسطة جهاز غولجي للقطاعات الخارجية.وفي نهاية المطاف يتم التخلص من أقدم البروتينات عن طريق البلعمة من قبل الخلايا الصباغية المجاورةRetinal pigment epithelial cells،ومن ثم الحفاظ على المنطقة الواقعة بين قسم القطاعات الخارجية نظيفة.وتحدث عملية البلعمة على مدى 24ساعة،وتحدث عملية البلعمة في الخلايا ذات العصي أثناء النهار،وفي الخلايا ذات المخاريط أثناء الليل.

تتكون كل من الخلايا العصوية والمخروطية من جسم الخلية ومن الارتفاق(Synapsis) وجزء متخصص للرؤية:الجزئين الداخلي والخارجي.

تحتوي الخلايا العصوية على أحد أنواع أصبغة الرؤية ويسمى الرودوبسين والتي تبلغ حساسيتها مايمكن للضوء عند طول موجة 500 نانومتر،أي للون بين الأخضر والأزرق.والخلايا العصوية هي التي تقوم بالرؤية في الظلام،حيث أنها شديدة الحساسية للنور الضعيف،وهي تساعد الإنسان على الرؤية المحيطية في الظلام،بنسبة أحسن عن بصره في مركز الشبكية.

إن للعين قدرة كبيرة وهائلة في تمييز الأشياء،والإبصار وعملية استيعاب المرئيات والإحساس بها تتم على مرحلتين:

1 ـ المرحلة  الأولى:

وهي تتمثل في تكوين الصورة على شبكية العين،وتبدأ من دخول الأشعة الضوئية من خلال القرنية ومن ثم في الأوساط الشفافة في العين وهي العدسة(الجسم البللوري) والخلط المائي والخلط الزجاجي ومن ثم تسقط هذه الاشعة على البؤرة الشديدة التركيز في الشبكية وما فيها من خلايا الإبصار وخاصة العصي والمخاريط والتي تحدث فيها تفاعلات كيميائية من جراء ذلك.

2 ـ المرحلة الثانية:

وتبدأ من استقبال الخلايا البصرية للضوء وهي المخاريط والعصي،في كل شبكية من العينين وتكون المرئيات بشكل مقلوب على الشبكية،ومن ثم تحدث تفاعلات كهرو كيميائية وبحيث تتحول إلى سيالات عصبية تنتقل عن طريق ألياف العصب البصري والتي تبلغ حوالي المليون ليف،ومن ثم تنتقل هذه السيالات إلى المراكز البصرية في الفص القفوي من قشر الدماغ،وهناك يتم إدراكها وتحليلها في القشرة المخية.أما كيف يحدث الإدراك وماهية أعمال التحليل التي تحدث في قشر الدماغ فهذا لم يصل العلم فيه إلى الشىء الكثير،وسبحان الله رب العالمين،{صنع الله الذي أتقن كل شىء}[النمل 88].

والسؤال كيف نرى صورة واحدة بالعينين؟

إن هذه الخاصية التي يمتاز بها الإنسان،تنجم عن وقوع أخيلة المرئيات في مناطق متوافقة من الشبكيتين في العينين،إذ إن لكل نقطة من إحدى الشبكيتين نقطة موافقة لها في الشبكية الأخرى،وتعمل عضلات العين على تطابق هذه النقاط الموافقة،ولولا هذا التطابق لشوهدت المرئيات بشكل مزدوج،ولرأينا الواحد اثنين،ولكن هناك انسجاما وتوافقاً في عمل العضلات في العينين لتحريك مقلتي العينين بالشكل المناسب والموافق.

ولقد وجد أن الألياف البصرية الناقلة للصورة من العين اليمنى ومن العين اليسرى تلتقيان في منطقة التصالب البصري،ومن ثم تنقسم كل مجموعة ألياف إلى نصفين،وبحيث تمر الألياف الناقلة من النصف الأيمن لكل عين في الطريق البصري الأيمن،لتصل بصور المرئيات إلى مركز البصر،في نصف كرة المخ اليمنى،وكذلك تمر الألياف الناقلة من النصف الأيسر لكل عين في الطريق البصري الأيسر ويحيث تصل المرئيات إلى مركز البصر في نصف كرة المخ الأيسر.وهذه تصل إلى قشرة المخ والذي يقوم بتجميع أشكال المرئيات من الناحيتين الإثنين وتعديلها،لأن الصور كما ذكرنا تكون على شبكية العين بالوضع المقلوب،ثم ترينا صورة واحدة كاملة سوية معتدلة.

{فبصرك اليوم حديد}

يقول تعالى في كتابه العزيز:{لقد كنت في غفلةٍ من هذا فكشفنا عنك غطاءكَ فبصرك اليوم حديد}[ق22].

من المعروف أنه أثناء الحياة التي يعيشها الإنسان هناك الجهاز البصري الذي يعمل واستطاع الطب أن يكشف لنا عن ماهية الرؤية والإبصار بشكل مفصل وملحوظ،ولكن مالذي يحدث والإنسان على فراش الموت وهو يُحتضر؟

إن العين البشرية في الحياة تعمل ضمن نطاق محدد للرؤية،فهي مصممة لترى الأضواء المرئية مابين الأشعة الحمراء والأشعة البنفسجية،أو مانعرفه بألوان قوس قزح،رغم وجود ألوان وأضواء أخرى ذات ترددات وموجات ضوئية عديدة مختلفة في الكون.

والآية الكريمة من سورة ق تفيد أن الإنسان يملك بصراً حديداً أي قوياً نافذاً،أي أن بصر الإنسان عند الوفاة أو يوم الوفاة يكون نافذاً قوياً يرى ماكان محجوباً عنه.وعند الوفاة يتوقف عمل البصر العادي عن النشاط ويبدأ عمل البصر الحديد ربما لثوان معدودة قليلة أخيرة،بحيث يكون نطاق الرؤية واسعاً وحاداً،يتم أثناءه رفع الحجاب،أو كشف الغطاء كما في الآية،حيث يرى الإنسان في الثواني الأخيرة من عمره بعض المخلوقات التي كانت مخفية ومحجوبة عنه كالملائكة والجن وغيرها،وربما رؤية تلك المخلوقات بعد كشف الحجاب عنها هو تفسير لتلك الصدمة التي تجعل نشاط الدماغ عند الإنسان بعد أن يسلم الروح،بحيث يزداد لثوان قليلة وربما دقائق معدودة،كما لاحظ ذلك الأطباء.

هناك بصر يتبع الروح مفصول عنها وهو البصر الحديد،الذي لاندري مم يتكون،ومن المعروف أنه عند الموت ينتهي عمل البصر العادي،وعندئذ ينشط البصر الحديد،المكشوف عنه الغطاء،وأول ما يقوم به هذا البصر الحديد هو تتبع الروح،قال تعالى:{فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}.

يقول الدكتور محمد السقا أخصائي طب وجراحة العيون والباحث في قضايا الإعجاز العلمي:”البصر الحديد هو البصر كثير الحدّ،البصر النافذ،وبصر المرء يوم القيامة نافذ لأنه من السهل عليه يومئذ رؤية حقيقة الأمور فلا يتأثر ولاينخدع بالمظاهر.

ويوجد على بصر كل إنسان غطاء يمنعه من رؤية أشياء كثيرة،وبعد الموت يصبح بصر الإنسان قوياً بعد أن يزاح هذا الغطاء عن العين،عندها سيرى كل شىء،الجن والملائكة وغير ذلك،حتى أنه يرى روحه وهي تطلع،وأحياناً يزاح هذا الغطاء قبيل الموت،ولهذا نسمع من البعض الذين هم على فراش الموت أنهم يرون الملائكة أو أنهم يرون الجنة إن كانوا من عباد الله الصالحين.ولذا كثيراً مايقال عن المؤمنين الصالحين أنه ترتسم على وجوههم علامات البشر والطمأنينة عند الموت وذلك ربما لرؤية مقعدهم في الجنة أو رؤية ملائكة الرحمة تقبض أرواحهم بكل لطف وهدوء فتخرج أرواحهم هادئة مطمئة،بينما تظهر على وجوه الكافرين والملحدين علامات الحزن والاكتئاب عندما يرون ملائكة العذاب تقبض أرواحهم بكل قسوة وعذاب.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دخل على أبي سلمة وقد شَقَّ بصره(أي بقي بصره مُنفتحاً ومتسعاً بعد خروج روحه إلى بارئها) فأغمضه ثم قال:”إنَّ الرُّوحَ إذا قُبِضَ تَبعهُ البصر”(حديث صحيح أخرجه مسلم عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها]،والحديث يشير إلى أن العين تظل مفتحة حال الاحتضار وترتفع كما لو أنها تتبع أمراً أو شيئاً ما يحدث أمامها.والحديث يشير إلى أن ذلك الأمر هو الروح وهي تخرج من عالم الحياة الدنيا،إلى عالم أو حياة البرزخ،لتعيش تلك الروح وفق قوانين معينة لانعلم بها،في حياة البرزخ.

يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:

“يقول تعالى:”{حتى إذا جاء أحدَهُمُ الموتُ قال ربِّ أرجعون}[المؤمنون 99]،وذلك لمجرد أن تحضره سكرات الموت ويوقن أنه ميت تتكشف له الحقائق ويرى مالانراه نحن،كما جاء في قوله تعالى:{فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}،فيتمنى الإنسان أن يرجع إلى الدنيا وهو مايزال يحتضر،لماذا؟ لأنه رأى الحقيقة التي كان ينكرها ويكذب بها،والذين يشاهدون حال الموتى ساعة الاحتضار يرون منهم إشارات تدل على أنهم يرون أشياء لانراها نحن،كل حسب حالته وخاتمته”.

.ويقول الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“يقول تعالى:{وجاءت سكرةُ الموتِ بالحق}[ق19]،إن سكرة الموت جاءت بالحق الذي سمعته في الدنيا،رأيت الحق رأي العين،سمعت أن الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء،سمعت أن الدنيا ملعونة،ملعون مافيها إلا ذكر الله،وما والاه،كل شىءٍ سمعته في الدنيا من كلام،أو فكرة سمعتها،فعند الموت تراها رأي العين.وعند الموت يطلب العبد من الله أن يؤخر أجله يقول تعالى:{رب أرجعون*لعلي أعمل صالحاً فيما تركت}[المؤمنون 99 ـ100]،ويقول:{ ربِّ لولا أخرتني إلى أجلٍ قريب فأصدَّق وأكن من الصالحين*ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلُها والله خبيرٌ بما تعملون}[المنافقون 10 ـ11]ويندم الإنسان بعد رؤية الموت رأي العين فيقول:{ياليتني قدمت لحياتي}[الفجر24]ويقول:{ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً}[الفرقان27]ويقول:{ياويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا}[الفرقان 28]،ويقول:{ويوم يعض الظالم على يديه}[الفرقان 27]،هذا كله عند الموت لأنه رأى الحقيقة،رآها رأي العين كانت خبراً وعلماً يقيناً،ثم أصبحت عين اليقين،وحق اليقين.ويتابع حفظه الله:”عند الاحتضار يرى المؤمن مقامه في الجنة فيقول:لم أر شراً قط،والكافر يرى مكانه في النار فيقول:لم أر خيراً قط”.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستيقظ البصر الحديد ونحن أحياء؟

والجواب أنه يستيقظ وينشط أحياناً وخاصة عند بعض الناس وخاصة من الصالحين والذين مثلاً يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام،أو رؤية بعض الصحابة أو الصالحين،أو رؤية بعض الأشخاص الذين توفوا منذ سنوات…ومن هنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رؤيته أو رؤيا الأنبياء حق.

ومن الناحية العلمية اكتشف بعض الأطباء الكنديين نشاطاً كهربائياً للدماغ بعد وفاة المريض وتوقف كافة الأجهزة الداخلية للجسم كالقلب والكلى والكبد…كما أن الدكتورة “جيمو بورجين”من جامعة ميتشيغن في أمريكا قامت بإجراء تجارب وتبين لها أن العين تظل تعمل لمدة 30 ثانية بعد الوفاة،والغريب في الأمر أنها لاحظت وجود توهج شديد في الدماغ وخاصة في الأجزاء الخاصة بالإبصار،مما يؤكد أن العين رصدت لأول مرة أشياء غير مألوفة على رؤيتها.

إن البصر المحبوس في النطاق المحدود أو المسموح هو نعمة من الله تجعلنا نعيش حياتنا بشكل طبيعي،فمن ذا الذي يملك تلك القدرة لأن يرى الملائكة الكرام بأحجامها التي لايتخيلها عقل بشري؟ومن يتخيل نفسه وهو يرى الملكين رقيب وعتيد يلازمانه وهما يرصدان تحركاه ونفساته في كل ثانية من حياته؟

وظيفة دمع العين

يتم إفراز الدمع من قبل الغدد الدمعية في العينينLacrimal glands،والغدة الدمعية الواحدة لها شكل اللوزة،طولها حوالي 2سم،وتتوضع في حفرة الغدة الدمعية في القسم العلوي الوحشي من الحجاج.وتتكون كل غدة من عدة فصوص منفصلة،ويخرج من هذه الفصوص حوالي 6 ـ 12 قناة دمعية مفرغة.

تتلقى الغدد الدمعية تعصيباً من الجملة الودية ونظير الودية،وذلك من أجل الإشراف على تنظيم افراز الدموع.كما تتلقى تعصيباً حسياً ينقل حس الضغط والألم…إلى الدماغ.وتنتقل الألياف الإفرازية نظير الودية مع العصب الوجهي(السابع)من خلال العصب الصخري الكبير ومن ثم العصب الجناحي.وأما الألياف الودية فهي تأتي من الغدد الودية الرقبية العليا،عبر الضفيرة السباتية الباطنة والعصب الصخري العميق،وتنضم إلى الألياف نظير الودية لتشكل العصب الجناحي.ويحمل العصب الوجني وهو فرع من العصب الفكي العلوي كلا نوعي الألياف إلى العصب الدمعي وهو فرع من العصب العيني.وتتلقى الغدد الدمعية تعصيباً حسياً من العصب الدمعي،وهو فرع من العصب العيني والذي هو بدوره فرع من العصب مثلث التوائم.

وإن من حكمة الخالق أن جعل العين تدمع طيلة الوقت على مدى 24 ساعة،فالغدد الدمعية تفرزالدمع الدمع بواسطة 7 ـ 10 أقنية دمعية صغيرة،فيسيل الدمع على العينين قبل أن ينتقل إلى الجيب الدمعي ومنه إلى القناة الأنفية.

وللدموع فوائد عديدة،فالدمع سائل مالح الطعم،قلوي الخصائص،ينظف الملتحمة ويرطبها،ويساعد على قتل الجراثيم،كما أنه يساهم في تغذية القرنية وحمايتها،حيث يحتوي الدمع على انزيمات مطهرة ومنها الليزوزيم،ومن عظمة الله أننا لانشعر بها،لأنها تتكون وتنصرف،وعندما نشعر بها إذا زادت الكمية نتيجة لمؤثر خارجي،فلا تستوعبها المصارف،فتنزل على الوجنتين {ترى أعينهم تفيض من الدمع}[المائدة 83].

كما أن الدموع وبسبب خصائصها الحركية تستطيع أن تذيب بعض الأجسام الغريبة أو تساعد على تخفيفها والتخلص منها عن طريق توجيهها إلى المجاري الدمعية الأنفية.

والدموع لها ثلاث طبقات:

1ـ طبقة مخاطية رقيقة متصلة بالقرنية وتغطيها،تسمح بثبات الطبقة الدمعية رأسياً ضد الجاذبية،وتفرز المخاط خلايا من غشاء الملتحمة تسمى خلايا جوبلت،ويساعد المخاط الدموع على الالتصاق بسطح العين.

2ـ طبقة مائية،وهي تسمح بذوبان الأوكسجين فيها لتغذية القرنية.وهذا السائل تكونه الغدد والقنوات الدمعية،ويحتوي على بروتينات مثل لاكتوفيرين ولاكريتين.وهذه الطبقة المائية تساعد على الحماية من الجراثيم.

3ـ طبقة دهنية تمنع تبخر الدموع،وتحافظ على ثباتها.وهذه الدهون تفرز من الغدد الميبوميوسية وهي توجد في جفون العين.وهذه الطبقة الغنية بالزيوت تغطي الطبقة المائية وتشكل حاجزاً طارداً للماء يعيق التبخر،ويمنع الدموع من السيلان على الخدين.وتوجد الغدد المفرزة لها في الصفائح الجفنية،ولذا فإن السائل الدمعي ينحبس بين جسم العين والحواجز الدهنية للجفون.

وقد وجد أنه توجد أنواع للدموع وهي:

1ـ الدموع الأساسية:Basal Tears

وهي الدموع التي تفرزها العين بشكل منتظم،بهدف ترطيب العين وتغذيتها وحمايتها.

2ـ الدموع الانعكاسية::Reflex Tears

التي تفرزها العين للتخلص من المواد المهيجة،مثل الغبار والأجسام الغريبة،وغيرها،وتحتوي هذه الدموع على أضداد مناعية بكميات أكبر من الدموع الأساسية وذلك للمساعدة على مواجهة العوامل الممرضة وخاصة الجرائيم.

3ـ الدموع العاطفية:وهي التي تفرز بسبب مؤثرات عاطفية أو انفعالية وخاصة بسبب الحزن أو الفرح أو الخوف ،ويظن أنها تحتوي على هرمونات وبروتينات أكثر من الدموع السابقة الذكر.

جفون العين

من عظمة الله تعالى أن العين تقع في تجويف عظمي لحمايتها وتثبيتها من الخلف،أما من الأمام حيث لاتوجد حماية عظمية،فقد زوّد الله سبحانه وتعالى العين بالجفون العلوية والسفلية،وهي غطاء جلدي للعين يعمل مثل الستائر المتحركة،تظل مفتوحة لتسمح للعين بالرؤية،ولكنها تغلق عند وجود أي خطر حماية للعين،وقد زوّد رب العالمين الجفون بعضلات تسمح لها بأن تظل مفتوحة طيلة الوقت دون إرهاق،وفي الوقت نفسه تُغلق بشكل تام على فترات منتظمة،وذلك لتنظيف القرنية،ولإعادة توزيع الدموع على سطحها لتمنع جفاف العين.كما أن ملامسة حواف الجفن لجسم المقلة يولد خاصية التوتر السطحي بينها وبين الدموع فلا تنهمر خارج العين وإنما توجه إلى الكيس الدمعي.

والجفون تحمي العين من الضوء الساطع ومن دخول الأجسام الغريبة وخاصة الرمال المتطايرة والرياح والأشياء البارزة،.وعندما ترمش العين فإن الجفن يتحرك ويساعد على نشر الدمع على سطح العين مما يساعد على ترطيبها.

وقد زودت الجفون بالرموش أي الأهداب،وهي تعمل أيضاً على حماية العين،وكذلك تعمل كمصفاة لمنع دخول الأتربة والغبار والأوساخ،وإذا كان شعر رأس الإنسان ينمو بدون توقف أو حدود،فإن الرموش أو الأهداب إذا نتفت فإنها تعاود النمو وتصل إلى طول معين بدون زيادة.

ويمكن تلخيص وظيفة الجفون بما يلي:

1 ـ توزيع الدموع والإفرازات الدمعية على سطح المقلة فتجعلها دائماً رطبة،وفي بعض الأمراض التي تصاب بها الغدد الدمعية ويقل إفرازاها من الدموع تصاب العين وخاصة القرنية بالالتهابات والتقرحات…

2 ـ تعطي شبكية العين فترات من الراحة لحجب الضوء عنها.

3 ـ تزيل الأجسام الغريبة عن سطح المقلة العينية وتدفعها إلى الكيس الدمعي.

4 ـ تقلل نسبة التبخر للإفرازات الدمعية فتظل القرنية دائماً شفافة.

صحة العين

من أهم الأشياء للمحافظة على صحة العين وخاصة مع التقدم في السن مايلي:

1ـ معالجة داء السكري لأنه من أهم الأسباب لإعتلال الشبكية وحدوث مضاعفات خطيرة ومنها ضعف أو انعدام الرؤية في الحالات المتقدمة،كما أنه يسبب حدوث الساد أي إعتام الجسم البلوري،كما أنه يرفع الضغط داخل العين ويساعد على حدوث الزرق،…وكذلك أيضاً معالجة ارتفاع التوتر الشرياني وارتفاع شحوم الدم وخاصة الكولسترول لأنها تسبب آفات وعائية عامة وتصلب الشرايين في الجسم بشكل عام والعين بشكل خاص.

2ـ تناول الفيتامين أ ومشتقاته  وهذا يتم من خلال التغذية الجيدة وخاصة بالمركبات الحاوية على الفيتامين،وإن نقص الفيتامين أ يسبب العشى الليلي.

3ـ الامتناع عن التدخين:حيث أنه يؤدي إلى نقص التروية الدموية كما أنه قد يسبب التهاب العصب البصري.

كما أن تناول الغول يسبب التهابات في العصب البصري.و خاصة مشتقات الميتانول.

4 ـ ارتداء النظارات الشمسية في حال التعرض للضياء وأشعة الشمس والتي تقي من الأشعة فوق البنفسجية بنوعيها.

5ـ تجنب النظر لساعات طويلة في شاشات الهواتف النقالة والحواسيب..

6 ـ زيارة طبيب العيون بشكل دوري ومنتظم.

  • 7ـ جاء في الحديث الشريف:”عليكم بالإثمد،فإنه يجلو البصر،ويُنبتُ الشَّعر”[أخرجه الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال الألباني:حديث صحيح].
  • والإثمد:حجر أسود اللون يميل إلى الحمرة، يستخرج منه كحل العين.وهو أي الإثمد خير أنواع الكحل،ويوجد في بلاد الحجاز وأجوده يؤتى به من أصبهان،والكحل يجلو البصر أي يحافظ على العين ويقويها ويزيد من إبصارها،ويُنبت الشعر في الجفون.
  • وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:”وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم له مكحلة،أي الأداة مثل القنينة والزجاجة،التي يكون فيها الكحل،.وعن أنس رضي الله عنه :”كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات،واليسرى مرتين”.(حديث صحيح)
  • ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد:
  • “وفي الكحل حفظ لصحة العين،وتقوية للنور الباصر،وجلاء لها،وتلطيف للمادة الرديئة،واستخراج لها،وله عند النوم مزية أفضل،لاشتمالها على الكحل،وسكونها عن الحركة المضرة بها،وخدمة الطبيعة لها”.

بصمة العين

بصمة قزحية العين التي هي في الوقت الحاضر من أفضل الطرق الأمنية للتأكد من هوية الأشخاص حيث أنها تعتبر الأسهل تطبيقاً على الأشخاص من بين نوع البصمات الأخرى،وذلك لعدم علم أو حتى شعور الشخص أنه يتم قراءة بصمة عينه بواسطة كاميرات الفيديو ذات الدقة العالية التي تستخدم لقراءة البصمة.

اكتشف العلماء في البدء بصمة الاصابع،ومن بعدها بصمة الصوت،وثبت أيضاً أنها لاتتكررمن شخص لآخر،وأحدث بصمة توصل إليها العلماء هي بصمة العين.فهي تختلف من شخص لآخر،كما أن بصمة العين اليمنى تختلف عن بصمة العين اليسرى للشخص الواحد.

وقد أمكن تكبير بصمة العين بأجهزة خاصة 300 مرة،ووجد أن لكل عين بصمة أمامية وبصمة خلفية،وبهما تحدد هوية الشخص، ويستحيل التزوير في شخصيته،وبصمة العين موجودة في شبكية العين،وقد وجد العلماء أن مسار الأوعية الدموية يختلف من شخص لآخر،في شكلها ومكانها وتفرعاتها.حتى يوجد الاختلاف بين العين اليمنى واليسرى للشخص الواحد.وكذلك فإن القزحية وهي الجزء الملون في العين وتتحكم في كمية الضوء النافذة من خلال إنسان العين(البؤبؤ) تتركب من نسيجين عضليين،وتجمعات من ألياف مرنة،وتتكون هذه الالياف بشكلها النهائي في الجنين وهو في بطن أمه،ولاتتغير أبداً بعد الولادة،فبهذا أصبحت بصمة العين دليلاً قاطعاً لتحديد صاحبها.

اللهم إني أعوذ بك من شرِّ بصري:

إنّ العين من أعظم نعم الله على الإنسان فيجب عليه أن يستعملها فيما يرضي الله،وعدم استخدامها في معصية الله، {إنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولا}[ الإسراء36]،وفي الحديث الشريف الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو:” اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري،ومن شرِّ لساني،ومن شرِّ قلبي،ومن شرِّ منيى[ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن شكل بن حميد العبسي وقال الألباني حديث صحيح]..

فالتحديق بالبصر في معصية الله وما يجلبه على النفس من إثم الشهوات يتنافى مع الفطرة والعقيدة،ومن عصم بصره عما يغضب الله تعالى كان له جزيل الثواب.

العين الحاسدة:العين حقّ

لقد تأكد بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة وجود العين الحاسدة،وكذلك بإجماع علماء الشريعة.

فالعين حقّ وهي تصيب الأشياء فتتلفها ولاتفسدها إلا بإذن الله تعالى،وقد أكد القرآن الكريم على حدوثها في قوله عز وجل:{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون*وما هو إلا ذكر للعالمين}[القلم 51 ـ 52]،وقد فسر علماء المسلمون المتقدمين منهم والمتأخرين على إثبات إصابة الإنسان بالعين الحاسدة،وخلاصة التفسير أن الله تعالى كشف لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن خبث نفوس الكافرين فقال إنهم يصوبون نظراتهم المحتقنة بالحقد والحسد تجاهك،كما يصوب الرماة سهامهم المبللة بالسُّم إلى أعدائهم،وقصدهم من وراء هذا العمل المقيت هو أن يُهلكوا رسول الله صلى الله عليه وسلم،ويُزلوا قدمه الشريفة حتى تتعثر ويسقط على الارض صريعاً،ليتمتعوا برؤيته وهو في حالة مهانة.

وقد جاء في تفسير البغوي والقرطبي سبب نزول الآيات من سورة القلم:”أن المشركين أرادوا أن يصيبوه بالعين،فنظر إليه قوم من قريش وقالوا: مارأينا مثله ولامثل حججه،وقيل: كانت العين في بني أسد،حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم،فيعاينها ثم يقول:ياجارية،خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة،فما تبرح حتى تقع للموت،فتُنحر،وقال الكلبي:كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئاً يومين أو ثلاثة،ثم يرفع جانب الخباء،فتمر به الإبل أو الغنم،فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه،فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها هالكة،فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم،فلما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم أنشد:

قد كان قومك يحسبونك سيداً     وإخال أنك سيدٌ معيون

فعصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم ونزلت :{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم}

يقول الشهيد سيد قطب في الظلال:

“وفي الختام يرسم مشهداً للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم،في غيظ عنيف،وحسد عميق ينسكب من نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه،ويصفها القرآن بما لايزيد عليه،فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول صلى الله عليه وسلم فتجعلها تزلق وتزل،وتفقد توازنها على الأرض وثباتها،وهو تعبير فائق عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق وشر وحسد ونقمة وضغن ـوحمى وسُم…مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح والشتم البذىء والافتراء الذميم:{ويقولون إنه لمجنون}.

وإن السنة النبوية تتضافر مع القرآن الكريم في إثبات وجود مرض الإصابة بالعين،ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”العين حق”.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”العين حق ولو كان شىء سابقَ القدرَ سبقتُه العين وإذا استُغسلتم فاغسلوا”[رواه مسلم].

وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين” [رواه الألباني باسناد حسن والبزار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].

ويقول الشاعر:

يتقارضون إذا التقوا في موطن        نظراً يُزيل مواطىء الأقدام

ويقول شاعر آخر:

ترميك مزلقة العيون بطرفها    وتكل عنك نصال نبل الرامي

جاء في المثل:إنَّ العينَ تُدني الرجال إلى أكفانها والإبل إلى أوضامها(الوضم:خشبة الجزار)

ومما يدل على أن الإصابة بالعين حق قصة الصحابي سهل بن حنيف رضي الله عنه الذي أصيب بعين عامر بن ربيعة رضي الله عنه حين رآه هذا الأخير وهو يغتسل فقال لم أر كاليوم ولا جِلد مُخبّأةٍ فما لبث أن لُبطَ فأتيَ به النبي صلى الله عليه وسلم فقيلَ له أدرك سهلاً صريعاً قال من تتهمون به قالوا عامر بن ربيعة قال علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعجبه فليدعُ لهُ بالبركة ثم دعا بماءٍ فأمر عامراً أن يتوضاً فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ورُكبتيه وداخلةَ إزاره وأمره أن يصبَّ عليه[أخرجه ابن ماجه عن أبو أمامة بن سهل بن حنيف وقال الألباني حديث صحيح].

(وهذا يعني الدعاء بالبركة والخير عند رؤية ما يُعجب حتى تندفع العين ولا يقع التحاسد بين الناس)

يقول الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله:

“إن أصل الإصابة بالعين هو نظرة باستحسان ممزوجة بحسد،تصدر من الإنسان الخبيث الطبع،يحصل للمنظور من خلالها ضرر بإذن الله تعالى”.

وأما علماء النفس الغربيين فإنهم صنفوا تأثير العين ضمن تخصص علمي مستقل تأسس عام 1889م وعلى يد العالم الألماني ماكس دسوار تحت اسم ماوراء علم النفس أو علم النفس الخوارق(Parapschology)وينقسم إلى عدة فروع ومن بينها:

1 ـ قراءة الأفكار أو التخاطر(Telepathy):ويعني قدرة بعض الأشخاص على التواصل الذهني فيما بينهم.دون الحاجة للكلام أو الكتابة أو الإشارة.وهو مصطلح صاغه فريدريك مايرز عام 1882م ويشير إلى المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر.

2 ـ الجلاء البصري أو الرؤية عن بعد(البريكونجينشن) أو الاستشعار عن بعد أو القدرة على معرفة الاحداث قبل وقوعها عن طريق إدراك ماوراء البصر،كرؤية شخص يتعرض لحادثة من مسافة بعيدة.أو وصف حادث ما يقع في مكان بعيد لايرى بالعين.

3 ـ تحريك الاشياء عبر النظر إليها(السايكوكينيزيا)وهو الأقرب لما يسمى بالعين الحاسدة.

التفسير العلمي للإصابة بالعين الحاسدة:

تتمكن العين من الإبصار من خلال الموجات الكهرومغناطيسية،وهي موجات تتكون من مجالين كهربائي وآخر مغناطيسي متعامدين على بعضهما البعض،وتقاس هذه الموجات بوحدة النانومتر،والذي يساوي جزء من مليار من المتر،ويعد الضوء المرئي الذي يتم بواسطته إبصار الأشياء من أشهر الموجات الكهرومغناطيسية،ويتراوح طول موجاته مابين 380 ـ 750 نانومتر،ويبدأ عند اللون الأحمر(630 ـ 700 نانومتر)وينتهي عند اللون البنفسجي 400ـ 450 نانومتر،وبينهما توجد أطوال مختلف الألوان،وإذا نقص الضوء أو زاد عن هذه القيم أصبحت موجاته غير مرئية،كالأشعة مافوق البنفسجية والاشعة تحت الحمراء.

إن العين حسب هذه المعطيات تستقبل الموجات الكهرومغناطيسية التي يتم تحليلها على مستوى الدماغ فيتم الإبصار،ولكن العين البشرية قادرة أيضاً على إرسال موجات كهرومغناطيسية تؤثر في أجسام الأشياء التي تشاهدها،كما ذكرنا في قوله تعالى:{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم}وقول النبي صلى الله عليه وسلم:”العين حق”.

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله:”إن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة،انبعث منه قوة سُميّة تتصل بالمعيون فيتضرر بها”.

ومن الناحية الدينية:

إن نعمة البصر هي من أجلّ نعم الله على عباده،والعين هي النافذة التي يطل منها الإنسان على ماحوله،ومن خلالها تتحصل لديه المعارف،والتعامل مع الاشخاص وما يحيط به.

نعمة البصر تعتمد على العين،وكما هو معروف لدينا جميعاً أن العين أغلى مايمتلكه الإنسان،فهي الدرة الثمينة التي لاتقدر بثمن،وقد سماها الله تعالى الحبيبة والكريمة،كما جاء في حديث رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه الألباني،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إن الله عز وجل قال:” إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا ،لم يكن له جزاءً عندي إلا الجنة”

ولقد جاءت عدة ألفاظ للتعبير عن البصر في آيات القرآن الكريم:

ـ جاءت بلفظ البصر:كما قال تعالى على لسان السامري مخاطباً نبي الله موسى عليه السلام :{بصرتُ بما لم يُبصروا به}[طه 96].

والبصر في اللغة العربية:جاء في لسان العرب،قال ابن الأثير،في أسماء الله تعالى البصير،هو الذي يشاهد الاشياء كلها ظاهرها وخافيها بغير جارحة،وقيل:البصر حاسة الرؤية.وقال ابن سيده:البصر حسّ العين والجمع أبصار.وقال سيبويه:بصر صار مبصراً،وأبصره إذا أخبر بالذي وقعت عينه عليه،وأبصرت الشىء:رأيته.وباصره:نظر معه إلى شىء أيهما يبصره قبل صاحبه،وباصره أيضاً:أبصره.

2 ـ وجاءت بلفظ النظر:كما جاء في قوله تعالى:{قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}[يونس 101]

3 ـ وجاءت بلفظ رأى،كما قال تعالى:{وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت}[الحج5].

وقد تجتمع هذه الألفاظ في آية واحدة كما قال تعالى:{وإن تدعوهم إلى الهدى لايسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لايبصرون}[الأعراف 198].

والألفاظ الثلاثة مختلفة تماماً في البنية اللغوية،كما أنها ليست من المترادفات بحيث يصح استعمال أي لفظ منها مكان أي لفظ آخر دون الإخلال بالمعنى.

وتبين لنا الحقائق العلمية مايلي:إن وظيفة الإبصارهي عملية مركبة من شقين متكاملين:النظر،وتقوم به العين،والرؤية ويقوم بها المركز العصبي الخاص في الفص القفوي من قشر الدماغ.وهو متصل بشبكية العين عن طريق العصب البصري.وبقيام هذا المركز بإدراك مايرد إليه من الشبكية تتم عملية الإبصار.

وعملية الإبصار لاتتم إذا انعدم أحد شقيها،ومن هنا نجد الاختلاف فيما يلي:

1 ـ النظر بلا رؤية:وهنا يحدق الناظر بعينين سليمتين مفتوحتين في الجسم الموضوع أمامهما،ولكن الناظر إذا سئل عما أمامه لأنكر أن أمامه شيئاً على الإطلاق،وهو في ذلك صادق بالفعل لأنه لايبصر شيئاً بسبب عدم قيام مركز الإبصار على عمله في وقت النظر.

والنظر بلارؤية وبالتالي بلا إبصار يحدث عندما يكون الناظر شارد الذهن أو في حالة رعب شديد مفاجىء أو واقعاً تحت تأثير الخمر أو المخدرات.فهنا يحدث تعطلاً مؤقتاً لخلايا المراكز العصبية في المخ وفي مركز الإبصار في الدماغ.وهذا يسبب حالة عمى مؤقت يزول بزوال أسبابه.وأما إذا أصيبت خلايا مركز الإبصار بتلف عضوي فالنتيجة هي العمى الدائم على الرغم من سلامة العينين.والعمى الدائم يمكن أن يشاهد أيضاً ورغم سلامة العينين وسلامة مركز الرؤية في الدماغ إذا حصل تلف في العصب البصري.لأن الصورة الواقعة على الشبكية لاتجد ما ينقلها إلى مركز الرؤية.

ومن أمثلة النظر بلا تدبر أو تفكير،هو حال الكافرين والمعاندين الذين عطلوا عقولهم وعطلوا حواسهم ومنها حاسة البصر فلم يتدبروا ولم يتفكروا في خلق الله وعظيم صنعه،يقول تعالى:{وإن تدعوهم إلى الهدى لايسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لايبصرون}[الأعراف 198].والمقصود هنا ليس البصر الحسي وإنما البصر بمدلوله المعنوي وهو البصيرة التي يمكن بها تمييز الحق من الباطل والصواب من الخطأ.

إن الرؤية وتقدير المسافات والأبعاد وفهم المرئيات يتعلق بقشر الدماغ حيث توجد مراكز الوعي والإدراك والفهم والتحليل والإبداع،وإصابة هذه المناطق تؤدي لما يسمى”العمى الروحي” أي أن الإنسان المصاب يرى الأشياء ولكن لايفقهها،وهكذا فإن المخ يتدخل بشكل كبير في موضوع الرؤية وحتى فهم الصور والمنظورات وحتى في فهم الألوان.

إن الجزء الحساس للرؤية هو شبكية العين وتوجد فيها الخلايا الحسية للإبصار،وهذه الخلايا الحسية كما ذكرنا منها مخروطي الشكل وهي المسؤولة عن الرؤية في ضوء النهار العادي،وهناك الخلايا العصوية الشكل وهي المسؤولة عن الرؤية في الليل والظلام والضوء الخافت الضعيف…وفي هذه الخلايا العصوية توجد صبغة بصرية قرمزية تزول سريعاً عند التعرض للضوء الشديد،بحيث إذا انتقل المرء بعد هذا التعرض إلى الضوء الخافت الضعيف يبقى فترة من الزمن فاقداً للرؤية والإبصار حتى ترجع هذه الصبغة البصرية من جديد،ويدخل في تركيب هذه الصبغة الفيتامين A.

ويعد ضوء النهار العادي ضعيفاً جداً إذا ما قورن بضوء البرق الساطع المتوهج،وبحيث إذا تعرضت العين وبصورة مباشرة له يظل المرء بعده فاقداً القدرة على الإبصار لفترة من الزمن تطول أو تقصر حسب شدة ضوء المصدر الذي تعرضت له العين مباشرة،وكذلك مدة التعرض،ومن هنا الإعجاز القرآني في قوله تعالى:{يكاد البرق يخطف أبصارهم}[البقرة 20]،وقوله تعالى :{يكاد سنا برقه يذهبُ بالأبصار}[النور 43]،جيث وردت كلمة “يكاد”في كلتا الآيتين فهذا بالضبط مايحدث للبصر بعد التعرض لضوء البرق الخاطف.

إن كثيراً من الناس يقفون عند حدود رؤية العين فحسب،وتعمى قلوبهم عن رؤية الحق عن طريق آيات الله سبحانه وبديع صنعه ودقة تشريعه:{أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوباً يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}[الحج46].وعلى العكس فإن هناك من كفّ بصره وانطفأ نور عينه ولكن بصيرته مستنيرة توصله إلى الحق.

2ـ النظر مع الرؤية والتثبت:وهذا مايخبرنا عنه رب العالمين في قصة سيدنا موسى عليه السلام وأمه وأخته:{وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لايشعرون}[القصص 11]فهنا قامت أخت موسى عليه السلام بالنظر هنا وهناك بحثاً عن أخيها بعد إلقاءه في اليمّ،ومن ثم مشاهدة من أخذه من طرف آل فرعون إلى أخر القصة،فهنا يحدث النظر والإبصار والتركيز على الحوادث المختلفة التي تراها العينان ويسجل الدماغ وقوعها لحظة بلحظة.

ومنها أيضاً قول الله عز وجل في سيدا إبراهيم الخليل عليه السلام:{فنظر نظرة في النجوم}[الصافات 88]،فهي نظرة تدبر وتفكر وتأمل.

ومنها قوله تعالى:{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}[الغاشية 17]،{قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}[يونس 101]وغيرها الكثير من الآيات التي تحض على التأمل في خلق الله واستشعار عظمته.

ويمكن لله عز وجل أن يعطل حاسة الإبصار مؤقتاً لغرض ما،ومنها ماحدث مع كفار قريش حيث ألغى الله حاسة الإبصار لديهم مؤقتاً عند خروج الرسول صلى الله عليه وسلم للهجرة وكانوا يترصدونه على باب بيته وهم يتوشحون السيوف من أجل قتله،يقول جلّ من قائل:{وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لايبصرون}[يس 9].

وقد استعمل الله تعالى لفظ “رأى” ومشتقاته في التعبير عن عملية الإبصار كلها،وخصوصاً إذا كان الهدف الرئيسي منها التدبر والاعتبار،يقول تعالى:{ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}[الفيل 1]،وهنا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم الذي ولد في عام الفيل ولكنه لم يشاهد مافعل أبرهة الحبشي وجنوده ومحاولة هدم الكعبة ومنع الله ذلك وإرسال الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل،ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع من أهل مكة عنما كبر بهذه الحادثة ،ولكن عندما يخبره الله تعالى بها ينتقل الأمر من الخبر اليقين إلى العلم اليقين وكأنه ينظر إلى الحادثة أمام عينيه طالما أنها جاءت إخباراً من الله عز وجل.

“ومالا تبصرون”

يقول تعالى:{فلا أقسم بما تُبصرون* وما لاتُبصرون}[الحاقة 38 ـ 39]،جاء في التفاسير الحديثة:

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله:

“بهذه الفخامة وبهذه الضخامة،وبهذا التهويل بالغيب المكنون،إلى جانب الحاضر المشهود…والوجود أضخم بكثير مما يرى البشر.بل مما يدركون.ومايبصر البشر من الكون ومايدركون إلا أطرافاً قليلة محصورة،تلبي حاجتهم إلى عمارة هذه الأرض والخلافة فيها ـ كما شاء الله لهم ـ والأرض كلها ليست سوى هباءة لاتكاد ترى أو تحس في ذلك الكون الكبير.والبشر لايملكون أن يتجاوزوا ماهو مأذون لهم برؤيته وبإدراكه من هذا الملك العريض،ومن شؤونه وأسراره ونواميسه التي أودعها إياه خالق الوجود.

ويتابع رحمه الله:”ومثل هذه الإشارة تفتح القلب وتنبه الوعي إلى أن هناك وراء مد البصر ووراء حدود الإدراك جوانب وعوالم وأسراراً أخرى لايبصرها ولا يدركها.وتوسع بذلك آفاق التصور الإنساني للكون والحقيقة.فلا يعيش الإنسان سجين ماتراه عيناه،ولا أسير مايدركه وعيه المحدود.فالكون أرحب والحقيقة أكبر من ذلك الجهاز الإنساني المزود بقدر محدود من الطاقة يناسب وظيفته في هذا الكون.ووظيفته في الحياة الدنيا هي الخلافة في هذه الأرض…ولكنه يملك أن يكبر ويرتفع إلى آماد وآفاق أكبر وأرفع حين يستيقن أن عينه ومداركه محدودة،وأن هناك وراء ما تدركه عينه ووعيه عوالم وحقائق أكبر ـ بما لا يقاس ـ مما وصل إليه…عندئذ يتسامى ويرتفع على نفسه،ويتصل بينابيع المعرفة الكلية التي تفيض على قلبه بالعلم والنور والاتصال المباشر بما وراء الستور.

إن الذين يحصرون أنفسهم في حدود ماترى العين،ويدرك الوعي،بأدواته الميسرة له…مساكين! سجناء حسهم وإدراكهم المحدود.محصورون في عالم ضيق على سعته،صغير حين يقاس إلى ذلك الملك الكبير…

وفي فترات مختلفة من تاريخ هذه البشرية كان كثيرون أو قليلون يسجنون أنفسهم بأيديهم في سجن الحس المحدود،والحاضر المشهود،ويغلقون على أنفسهم نوافذ المعرفة والنور،والاتصال بالحق الكبير،عن طريق الإيمان والشعور.ويحاولون أن يغلقوا هذه النوافذ على الناس بعد ما أغلقوها على أنفسهم بأيديهم..تارة باسم الجاهلية.وتارة باسم العلمانية!وهذه كتلك سجن كبير.وبؤس مرير.وانقطاع عن ينابيع المعرفة والنور.

والعلم يتخلص في هذا القرن الأخير من تلك القضبان الحديدية التي صاغها ـ بحمق وغرور ـ حول نفسه في القرنين الماضيين…يتخلص من تلك القضبان،ويتصل بالنورـ عن طريق تجاربه ذاتها ـ بعد ما أفاق من سكرة الغرور والاندفاع من أسر الكنيسة الطاغية في أوروبا،وعرف حدوده،وجرب أن أدواته المحدودة تقوده إلى غير المحدود في هذا الكون وفي حقيقته المكنونة.وعاد العلم يدعو إلى الإيمان في تواضع تبشر أوائله بالفرج،أي نعم بالفرج.فما يسجن الإنسان نفسه وراء قضبان المادة الموهومة إلا وقد قدر عليه الضيق.

ولقد رأينا عالماً مثل ألكسيس كارليل الطبيب المتخصص في بحوث الخلية ونقل الدم والمشتغل بالطب علماً وجراحة وإشرافاً على معاهد العلاج والنظريات العلاجية،وصاحب جائزة نوبل سنة 1912م ومدير معهد الدراسات الإنسانية بفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية يرى:

“أن الكون على رحبه مملوء بعقول فعالة غير عقولنا،وأن العقل الإنساني هاد قاصد بين دروب التيه التي حوله إذا كان معوله كله على هدايته.وإن الصلاة من وسائل الاتصال بالعقول من حولنا،وبالعقل الأبدي المسيطر على مقادير الأكوان قاطبة،فيما هو ظاهر لنا وما هو محتجب عنا في طي الخفاء”.

ورأينا طبيباً آخر مثل”دي نوي” الذي اشتغل بمباحث التشريح والعلم الطبيعي،وعمل مع الاستاذ كوري وقرينته،واستدعاه معهد روكفلر لمواصلة بحث مع أعضائه في خصائص وعلاج الجراح يقول:

“كثير من الأذكياء وذوي النية الحسنة يتخيلون أنهم لا يستطيعون الإيمان بالله لأنهم لا يستطيعون أن يدركوه.على أن الإنسان لأمين الذي تنطوي نفسه على الشوق العلمي لايلزمه أن يتصور الله إلا كما يلزم العالم الطبيعي أن يتصور الكهرب.فإن التصور في كلتا الحالتين ناقص وباطل.وليس الكهرب قابلاً للتصور في كيانه المادي،وإنه مع هذا لأثبت في آثاره من قطعة الخشب”.

ورأينا عالماً طبيعياً مثل سير أرثر طومسون المؤلف الاستكلندي الشهير يقول:

“إننا في زمن شفت فيه الأرض الصلبة،وفقد فيه الأثير كيانه المادي،فهو أقل الازمنة صلاحاً للغلو فيي التأويلات المادية”.

وهكذا بدأ العلم يخرج من سجن المادية وجدرانها بوسائله الذاتية،فيتصل بالجو الطليق الذي يشير القرآن الكريم إليه بمثل تلك الآية الكريمة{فلا أقسم بما تبصرون ومالاتبصرون}.ونظائره المتعددة.وإن يكن بيننا نحن من أقزام التفكير والشعور من لايزال يغلق بكلتا يديه نوافذ النور على نفسه وعلى من حوله باسم العلم،في تخلف عقلي عن العلم،وفي تخلف روحي عن الدين،وفي تخلف شعوري عن الحرية الطليقة في معرفة الحقيقة،وفي تخلف إنساني عما يليق بالكائن الإنساني الكريم”.

ويقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“فما الذي لانبصره؟كان علماء الفلك في عشرينيات القرن الماضي يعتمدون في دراساتهم على الضوء المرئي الآتي من الأجرام فقط،أي اعتبروا النجم الموجود هو النجم الذي يصلنا ضوءه،وما كانوا يعتقدون أن هناك نجوماً لانراها،ثم اكتشفوا فجأة أن حقيقة الضوء حركة تموجية،وأن لون الضوء يعتمد على طول هذه الموجة وأن العين البشرية لاتستطيع أن ترى من طول هذه الأمواج إلا مابين أربعة آلاف بوحدة قياس الموجة وسبعة آلاف ومائتين،بين هذين الترددين الموجيين يرى الإنسان وقبل هذا التردد لايرى وبعد هذا لايرى.فإذا وقع الضوء خارج هذين الحدين البنفسجي أربعة آلاف وحدة والأحمر سبعة آلاف ومائتين إذا وقعت تموجات الضوء قبل أو بعد هذين الحدين فإن الشىء لايرى مع أنه موجود.لذلك لانرى الأشعة فوق البنفسجية ولانرى الأشعة السينية وأشعة غاما النافذة والأشعة تحت الحمراء.والموجات الدقيقة لانراها،الموجات الإشعاعية لانراها،فالعين لاترى إلا في حدود ضيقة جداً،لذلك قال تعالى:{ومالاتبصرون}

ويتابع:”بتفسير أبسط هناك كائنات لانراها،نحن لانرى الجراثيم ولا الفيروسات.هناك ماوراء حدود رؤيتنا.إذا يجب أن نؤمن أن الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل،ربما كانت أكثر عدداً وأعظم شأناً من التي نراها،وحدّث الشىء نفسه عن السمع،هناك أصوات لانسمعها،بين عتبتين،وهناك أشياء لا نلمسها.يقول ربنا سبحانه وتعالى:{إنا كل شىء خلقناه بقدر}،بالقدر المناسب،بالقدر الحكيم،بالقدر الذي لايزعج،بالقدر الذي لايؤذي.فلو أن الله سبحانه وتعالى رفع عتبة الحواس في الإنسان إلى درجة أعلى لأصبحت حياة الإنسان جحيماً.أقل شاهد على ذلك لو أن كأس الماء الصافي الذي تنعم بصفاته ومذاقه لو رأيت مافيه من الكائنات الحية لعافت نفسك أن تشربه،فالحد الذي جعله الله في الرؤية هو حدّ مناسب وحكيم ومعقول،ولكن يجب أن تعلم أن هناك أشياء كثيرة لاتراها،وأن من الحكمة أن لاتراها،ولكنها آيات عظيمة دالة على وجود الله وعلى وحدانيتة وعلى عظمته”.

ـ يقول الدكتور عبد الرزاق نوفل في كتابه”القرآن والعلم الحديث:

“إن التقدم في العلوم قد أثبت أن الوجود ينقسم إلى عالمين:عالم منظور،وآخر غير منظور.فالأول هو كل مايراه الإنسان سواء بعينه المجردة أو بالمجاهر أو الاجهزة المقربة،والعالم غير المنظور قد أصبح حقيقة لا تقبل الشك والجدل،ويقول العلماء أن هذا العالم أوسع وأرحب من العالم المنظور وأكثر ازدحاماً”.

ـ يقول الدكتور عدنان الشريف في كتابه”من علم الفلك القرآني:

“أقسم المولى في الآية الكريمة بجميع مخلوقاته سواء كانت مرئية بالعين المجردة أو بواسطة المجهر والمرصد،أو غير مرئية كالأشعة المجهولة والملائكة والروح والجان والجنة والنار وكل الغيبيات.وربما كان ذلك والله أعلم لكي يتوقف الإنسان العاقل مطولاً أمام بديع الصنعة والإعجاز الكامن في كل خلق من المخلوقات بدءاً من أصغر جسيم في الذرة وانتهاء بأكبر المجرات وأبعدها.

غضّ البصر

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله(موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة):

“حينما ينظر الإنسان إلى امرأة،ويُعيد النظر،فإن هذه النظرة أشبه بالضغط على زناد السلاح،تنطلق على إثرها هرمونات جنسية تجوب أنحاء الجسم،هذه الهرمونات الجنسية تبدل ضربات القلب،وتوسع الأوردة المحيطية،وتضيق الشرايين المتوسطة والصغيرة،وترفع ضغط الدم،هذه الهرمونات الجنسية تصل إلى البروستات،فتغلق طريق البول،ويُفتح طريق ماء الحياة،وتنطلق مادة مطهرة،ومادة معطرة،ومادة مغذية،ثم يجري تبدل في كيمياء الدم،من أجل أن تتم عملية اللقاء الزوجي،ويحافظ على النوع البشري.

أما حينما يطلق الإنسان بصره طوال النهار،ماالذي يحصل؟هناك هرمونات جنسية تجوب أنحاء جسمه عبر الاوعية الدموية.يقول الله عز وجل:{قُلْ للمؤمنينَ يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم}[النور 30].

قال العلماء:”أزكى”:أي أطهر،ويمكن أن يكون المعنى:أنفع وأطيب.إما أن يكون أزكى لهم هو الطهر من الذنوب،أو الوقاية من الأمراض،فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:قال عليه الصلاة والسلام:”النظرة سهم من سهام إبليس ، من تركها من مخافتي ،أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه”.[قال الألباني حديث ضعيف].

السهم إذا دخل في الجسم أحدث جرحاً،فقد يتلف مكاناً معيناً،أما حينما يكون السهم مسموماً فإن السم يسري إلى كل أنحاء الجسم.

النبي عليه الصلاو والسلام قبل أربعة عشر قرناً بيّن مخاطر النظرة التي تتبع النظرة،فالنظرة كالضغط على الزناد،الذي تبدأ بسببه سلسلة من التفاعلات والإفرازات الهرمونية الجنسية المعقدة،التي لها تأثيراتها على كل عضو،بل على كل خلية،والتي تهىء الجسم لعملية الإتصال الجنسي لتؤدي مهمتها في استمرار النسل،كل هذا يجب أن يتم في وقت محدد،أما إذا استمر انطلاق هذه الهرمونات في الجسم دون تفريغ لهذه الشحنة،فإنها ستؤدي إلى مضاعفات خطيرة في الجسم”.

(يمكن الرجوع إلى الموضوع بشكل مفصل في الموقع”الصحة الجنسية بين الطب والإسلام”).

العين مرآة الداخل

العين مرآة الجسم والداخل:حيث أن هناك الكثير من الأمراض العضوية يمكن تشخيصها والاستدلال عليها من خلال العين.وهناك أمثلة عديدة على ذلك:

1 ـ وجود الكتل الشحمية في جفون العين يدل على ارتفاع الشحوم والكولسترول في الدم وخاصة في الأشكال الوراثية من ارتفاع شحميات الدم.

2 ـ وجود ترسبات بنية اللون في قزحية العين يدل على بعض الأمراض الوراثية وخاصة ارتفاع تركيز النحاس في الدم وفي مدخراته وهذا مايسمى داء ويللسون.

3 ـ وجود تبدلات في شبكية العين قد يكون المؤشر على أمراض ارتفاع التوتر الشرياني وخاصة الوخيم ،والداء السكري وخاصة غير المراقب جداً،وبعض أمراض الكلية المزمنة،وأمراض التصلب الشرياني…

4 ـ وجود وذمة في حليمة العصب البصري قد يكون المؤشر على وجود أورام في الدماغ أو استسقاء الدماغ…أو داء التصلب اللويحي

5 ـ وجود مرض الساد وهو اعتام عدسة العين قد يكون المؤشر على الداء السكري أو المعالجة المزمنة بالكورتيزون..

6 ـ وجود اليرقان يدل على وجود إصابات كبدية أو أمراض انسدادية في الأقنية الصفراوية أو أمراض فاقات الدم الانحلالية…

7 ـ وجود جفاف العين قد يدل على نقص إفراز الدمع والذي قد يشاهد في بعض أمراض المناعة الذاتية ومنها داء جوغرن…

8 ـ وجود الجحوظ في العينين قد يدل على فرط نشاط الغدة الدرقية أو مايسمى داء بازدو،كما أن وذمة الجفنين قد يدل على وجود أمراض في الكلية أو قصور نشاط الدرق أو بعض الأمراض التحسسية.

  • 9ـ وجود تدلي الجفن قد يدل على متلازمة هورنر والتي قد تنجم عن أورام في الرقبة أو الرئة..

10ـ وجود الشحوب في ملتحمة العين وخاصة في الجفنين قد يدل على أمراض فقر الدم.

كما أن العين قد تدل على الحالة النفسية للإنسان فهي تدل على الحالات المختلفة التي تمر بها النفس الإنسانية من الفرح والسرور،والاكتئاب واليأس،والحزن والهم ،والغرور والذلة،وكل أشكال المشاعر والشعور.ولذلك المتعارف عند الناس قولهم لبعض:”قرأت ذلك في عينك”.

وفي نظرات العين تظهر مختلف التعابير والاحساسات التي تعتلج نفس الإنسان فهناك النظرة الحانية،والمعاتبة،والواثقة،والطيبة،والحالمة،والراضية،والناعسة،والتائهة،والحائرة،والماكرة،والغائرة،والصارمة…

قال ابن القيم رحمه الله:

“إن العيون مغاريف القلوب،بها يعرف مافي القلوب وإن لم يتكلم صاحبها”.

فالعينُ تنطقُ والأفواهُ صامتةٌ            حتى ترى من ضمير القلب تِبيانا

تريك أعينهم ما في صدورهم    إن العيون يؤدي سرها النظر

وقد اهتم الكثير من الشعراء في وصف حالة النفس الإنسانية من خلال العيون ونظراتها وحركاتها:

1 ـ العين تبدي البغض والود:

زهير بن أبي سلمى:

الوُدُّ لايخفى وإن أخفيتهُ    والبُغضُ تُبديهِ لكَ العينانِ

عبد الله بن معاوية:

وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ      ولكن عين السخط تُبدي المساويا

سبط ابن العاويذي:

عيناكِ قد دلَّتا عينيَّ منكِ على        أشياءَ لولاهُما ما كنتُ أرويها

والعينُ تعلمُ من عينِ مُحدِّثِها    إن كانَ  من حِزبها أو من أعاديها

الحيص بيص:

العينُ تُبدي الذي في قلب صاحبها      من الشّناءةِ أو حبٍ إذا كانا

إنَّ لبغيضَ لهُ عينٌ تُكشفهُ                لاتستطيعُ لما في القلب كتمانا

فالعينُ تنطقُ والأفواهُ صامتةٌ            حتى ترى من ضمير القلب تِبيانا

وقال أحدهم:

إن العيون لتبدي في نواظرها    مافي القبول من البغضاء والإحن

قيس بن الملوح:

أمست وُشاتكَ قد دبّت عقاربُها       وقد رموكَ بعينِ الغشِّ وابتدروا

تريك أعينُهُم ما في صُدورهمُ    إنَّ الصدورَ يؤدّي غيبها النظرُ

2 ـ العين تبدي لوعة الفراق والمحبة:

قيس بن الملوح:

وليسَ الذي يجري منَ العينِ ماؤُها    ولكنَّها نفسٌ تذوبُ وتقطُرُ

جميل بثينة:وقيل قيس بن الملوح

ومما شجاني أنَّها يومَ ودَّعت    تولَّت وماء العين في الجفنِ حائرُ

فلما أعادت من بعيدٍ بنظرةٍ       إليَّ التفاتا أسلمتهُ المحاجر

3 ـ العيون الفاترة الساحرة

ويقول يزيد بن معاوية في وصف العيون الفاترة الساحرة:

على أني أجيب إذا دعتني     ذوات الدلِّ والحدق المراض

ابن الرومي:

يسبي العقول بمقلةٍ مكحولةٍ    بفتور غنجٍ لافتور نعاس

وقال شوقي:

أداري العيون الفواتر ساجياً    وأشكو لها كيد إنسانها ليا

وهناك حالات متعددة وصفات كثيرة للنفس البشرية تبدو من خلال العين والأمر يحتاج لموضوع مفصل قد نتعرض له فيما بعد إن شاء الله.

وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل على الحالة الإنسانية للنفس البشرية.

والله عز وجل وفي مواضع كثيرة من القرآن بين لنا العناية الربانية والرحمة الإلهية بعباده وخاصة المقربين من خلال التعبيرات الرائعة  التالية:فهو يخاطب سيدنا نوح أن يصنع الفلك تحت رعاية وعناية الله،وأنها سوف تجري بهم رغم الطوفان إلى بر السلامة لأنها تجري تحت عين الله ورعايته:

{واصنَعِ الفُلكَ بأعيُنِنا ووحينا}[هود 37]

{تجري بأعيننا}[القمر14]

{وألقيتُ عليكَ محبةً منّي ولتُصنعَ على عيني}[طه39]،

يقول سيد قطب رحمه الله:

“إنها مقابلة عجيبة في تصوير المشهد…مقابلة بين القوى الجبارة الطاغية التي تتربص بالطفل الصغير،والخشونة القاسية فيما يحيط به من ملابسات وظروف..والرحمة اللينة اللطيفة تحرسه من المخاوف،وتقيه من الشدائد وتلفه من الخشونة،ممثلة في المحبة لا في صيال أو نزال{ولتصنع على عيني}…وما من شرح يمكن أن يضيف شيئاً إلى ذلك الطفل الرفيق اللطيف العميق الذي يلقيه التعبير القرآني العجيب{ولتصنع على عيني}وكيف يصف لسان بشري،خلقاً يصنع على عين الله؟إن قصارى أي بشري أن يتأمله ويتملاه…إنها منزلة وإنها كرامة أن ينال إنسان لحظة من العناية.فكيف بمن يصنع صنعاً على عين الله؟

ولتصنع على عيني.تحت عين فرعون ـ عدوك وعدوي ـ وفي متناول يده بلا حارس ولامانع ولامدافع.ولكن عينه لاتمتد إليك بالشر لأني ألقيت عليك محبة مني.ويده لاتنالك بالضر وأنت تصنع على عيني”.

{واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}[الطور 48]

يقول سيد قطب رحمه الله:

“وياله من تعبير وياله من تصوير وياله من تقدير.

إنها مرتبة لم يبلغها قط إنسان.هذه المرتبة التي يصورها هذا التعبير الفريد في القرآن كله.حتى بين التعبيرات المشابهة.

لقد قيل لموسى عليه السلام:{وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى}…وقيل له:{وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني}..وقيل له:{واصطنعتك لنفسي}…

وكلها تعبيرات تدل على مقامات رفيعة.ولكنه قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم:{فإنك بأعيننا}وهو تعبير فيه إعزاز خاص،وأنس خاص، يلقي ظلاً فريداً أرقّ وأشفّ من كل ظل.ولا يملك التعبير البشري أن يترجم هذا التعبير الخاص.فحسبنا أن نشير إلى ظلاله،وأن نعيش في هذه الظلال”.

ومن التعبيرات القرآنية التي تدل على حالة النفس البشرية من خلال مرآة العيون نذكر:

1 ـ نظرة الحزن الشديد:

{ولا على الذين إذا ما أتوكَ لتحملَهُم قلتَ لا أجدُ ما أحملُكُم عليه تولَّوا وأعينُهُم تفيضُ من الدَّمع حَزناً ألا يجدوا ما ينفقون}[التوبة 92]

يقول سيد قطب رحمه الله:

“وإنها لصورة مؤثرة للرغبة الصحيحة في الجهاد،والألم الصادق للحرمان من نعمة أدائه.وإنها لصورة واقعة حفظتها الروايات عن جماعة المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.بمثل هذه الروح انتصر الإسلام،وبمثل هذه الروح عزت كلمته،فلننظر أين نحن من هؤلاء.ولننظر أين روحنا من تلك العصبة.ثم لنطلب النصر والعزة إن استشعرنا من أنفسنا بعض هذه المشاعر.وإلا فلنسدد ولنقارب والله المستعان”.

{وابيضَّتْ عيناهُ من الحُزنِ فهو كظيمٌ}[يوسف 84]

يقول سيد قطب رحمه الله:

“وهي صورة مؤثرة للوالد المفجوع.يحس أنه منفرد بهمّه،وحيد بمصابه،لاتشاركه هذه القلوب التي حوله ولا تجاوبه،فينفرد في معزل،يندب فجيعته في ولده الحبيب.يوسف.الذي لم ينسه،ولم تهون من مصيبته السنون،والذي تذكره به نكبته الجديدة في أخيه الأصغر فتغلبه على صبره الجميل.

يا أسفا على يوسف!

ويكظم الرجل حزنه ويتجلد فيؤثر هذا الكظم في أعصابه حتى تبيض عيناه حزناً وكمدا”.

2 ـ النظرة الراضية المطمئنة المتلذّذة:

{وفيها ماتشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعينُ وأنتم فيها خالدون}[الزخرف 71]:

{ تعرف في وجوههم نضرة النعيم}[المطففين 24]

{وجوه يومئذٍ ناضرة}[القيامة 22]

{إن الأبرار لفي نعيم}[الانفطار 13]

يقول ابن القيم رحمه الله:

“ولاتظن أن قوله تعالى مختص بيوم المعاد فقط،بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة،وأي لذة ونعيم في الدنيا أطيب من برِّ القلب،وسلامة الصدر،ومعرفة الربّ تبارك وتعالى،ومحبته،والعمل على موافقته؟وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟

ويتابع رحمه الله:”وقد جعل الله سبحانه للحسنات والطاعات آثاراً محبوبة لذيذة طيبة،لذتها فوق لذة المعصية بأضعاف مضاعفة،لا نسبة لها إليها،وجعل للسيئات والمعاصي آلاماً وآثاراً مكروهة،وحزازاتٍ تُربي على لذة تناولها بأضعاف مضاعفة،قال ابن عباس:إن للحسنة نوراً في القلب،وضياءً في الوجه،وقوةً في البدن،وزيادة في الرزق،ومحبة في قلوب الخلق،وإن للسيئة سواداً في الوجه،وظلمةً في القلب،ووهناً في البدن،ونقصاً في الرزق،وبغضةً في قلوب الخلق،وهذا يعرفه صاحب البصيرة ويشهده من نفسه ومن غيره”.

3 ـ نظرة التأثر بالحق والإقرار به:

{وإذا سمعوا ما أُنزلَ إلى الرسولِ ترى أعينَهُم تفيض من الدَّمعِ مما عرفوا من الحقّ يقولون ربَّنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}[المائدة 83]

يقول سيد قطب رحمه الله:

“فهذا مشهد حي يرتسم من التصوير القرآني لهذه الفئة من الناس،الذين هم أقرب مودة للذين آمنوا.إنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول من هذا القرآن اهتزت مشاعرهم،ولانت قلوبهم،وفاضت أعينهم بالدمع تعبيراً عن التأثر العميق العنيف بالحق الذي سمعوه.والذي لايجدون له في أول الأمر كفاء من التعبير إلا الدمع الغزير ـ وهي حالة معروفة في النفس البشرية حين يبلغ بها التأثر درجة أعلى من أن يفي بها القول،فيفيض الدمع،ليؤدي ما لا يؤديه القول،وليطلق الشحنة الحبيسة من التأثر العميق العنيف”.

4 ـ العين القريرة:

{وقالتِ امرأةُ فرعونَ قُرّةُ عينٍ لي ولك}[القصص 9]

{فَكُلي واشربي وقرّي عيناً}[مريم 26]

{فرددناهُ  إلى أمهِ كي تقرَّ عينُها ولاتحزن}[القصص13]

{ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين واجعلنا للمتقين إماما}[الفرقان 74]

يقول سيد قطب رحمه الله:

“وأخيراً فإن عباد الرحمن لايكفيهم أن يبيتون لربهم سجداً وقياما،وأنهم يتسمون بتلك السمات العظيمة كلها،بل يرجون أن تعقبهم ذرية تسير على نهجهم،وأن تكون لهم أزواج من نوعهم،فتقر بهم عيونهم،وتطمئن بهم قلوبهم،ويتضاعف بهم عدد(عباد الرحمن)ويرجون أن يجعل الله منهم قدوة طيبة للذين يتقون الله ويخافونه”.

{فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخفيَ لهم من قُرّةِ أعيُنٍ جزاءً بما كانوا يعملون}[السجدة17]

يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير:

“أي لا تبلغ نفسٌ من أهل الدنيا معرفة ما أعد الله لهم قال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:”أعددت لعبادي الصالحين مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر“فدل على أن المراد ب”نفس”في هذه الاآية أصحاب النفوس البشرية فإن مُدركات العقول منتهية إلى ماتدركه الأبصار من المرئيات من الجمال والزينة،وما تُدركه الأسماع من محاسن الأقوال ومحامدها ومحاسن النغمات،وإلى ما تبلغُ إليه المتخيلات من هيئات يركبها الخيال من مجموع مايعهده من المرئيات والمسموعات مثل الأنهار من عسل أو خمر أو لبن،ومثل القصور والقباب من اللؤلؤ،ومثل الأشجار من زبرجد،والأزهار من ياقوت،وتراب من مسكٍ وعنبر،فكل ذلك قليلٌ في جانب ما أُعد لهم في الجنة من هذه الموصوفات ولاتبلغه صفات الواصفين لأن منتهى الصفة محصور فيما تنتهي إليه دلالات اللغات مما يخطر على قلوب البشر فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:”ولاخطر على قلب بشر“وهذا كقولهم في تعظيم شىء:هذا لا يعلمه إلا الله.

قال الشاعر:

فلم يدرِ إلا الله ما هيّجت لنا      عشيّةَ آناءِ الديارِ وشامُها

وعبر عن تلك النِعم بما أخفي لأنها مُغيّبة لاتُدرك إلا في عالم الخلود”.

{ذلكَ أدنى أن تَقرَّ أعينُهُنَّ ولايَحزنَّ ويرضينَ بما آتيتهُنَّ كُلُّهُنَّ والله يعلمُ مافي قلوبكُم وكان الله عليماً حليما}[الأحزاب 51]

5ـ النظرة الممتدة الطامعةغير القنوعة:

{لا تَمُدَّنَّ عينيكَ إلى ما متعنا به أزواجاً منهم}[الحجر88]

وهذا يعني ألا ينظر الإنسان إلى ماعند غيره متمنياً أن يكون له،حسداً وطمعاً.

يقول سيد قطب رحمه الله:

“والعين لاتمتد.إنما يمتد البصر أي يتوجه.ولكن التعبير التصويري يرسم صورة العين ذاتها ممدودة إلى المتاع.وهي صورة طريفة حين يتصورها المتخيل.والمعنى وراء ذلك ألا يحفل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك المتاع الذي آتاله الله لبعض الناس رجالاً ونساء ـ امتحاناً وابتلاء ـ ولا يلقي إليه نظرة اهتمام.أو نظرة استجمال.أو نظرة تمن.فهو شىء زائل وشىء باطل،ومعه هو الحق الباقي من المثاني والقرآن العظيم”.

ويقول إمام الدعاة الشيخ الشعراوي رحمه الله:”والمراد بمد العين ليس إخراج حبّة العين ومدّها،ولكن المراد إدامة النظر والإمعان،ولكن الحق سبحانه عبّر في القرآن هذا التعبير،وكأن الإنسان سيخرج حبة عينه ليجري بها،وليمعن النظر،وهذا ما يفهم من منطوق الآية يشير إلى المفهوم المراد،وهذا عين الإعجاز”.

6ـ النظرة الزاغية:

{مازاغ البصر وما طغى}[النجم 17]

{اتَّخذناهم سِخريَّاً أم زاغت عنهمُ الأبصار}[ص63]

{وإذ يُريكمُوهُم إذ التقيتُم في أعينِكُم قليلاً ويُقلّلكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولا}[الأنفال 44]

{إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الطنونا}[الأحزاب10].

فالنظرة الزاغية هنا تكشف عما يعتمل في النفوس من الخوف والوجل،وزيغ الأبصار ميلها عن مستوى نظرها فعل الواله الجزع.وقد تشتت ألحاظ العين وعدلت عن جهة استقامتها ،ومن عادة الخائف الوجل أن يكثر التفاته وتتفتح ألحاظه.

7ـ نظرة الاستسلام والخضوع:

يعد الخشوع بالأبصار من الحركات التي تخفي وتدل على صفات ودلالات نفسية كثيرة،والخشوع بالبصر هو النظر إلى الأرض وغض البصر،يقال خشع بصره أي انكسر،والخشوع هو الضراعة.والخشوع هو سكون الأبصار بحيث لاتلتفت يمنة ولايسرة.

  • يقول تعالى:{خاشعة أبصارُهم ترهقهم ذِلَّةٌ}[القلم43]،فالأبصار ذليلة وأصحابها لايستطيعون رفعها من شدة الهول .

{وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي}[الشورى45]

{خُشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداثِ كأنهم جرادٌ منتشر}[القمر7]

{ولاتحسبنَ اللهَ غافلاً عمّا يعملُ الظالمون إنّما يؤخرُهُم ليومٍ تشخص فيه الأبصار}[إبراهيم 42]

{مُهطعينَ مُقنعي رؤوسِهِمْ لايرتدُّ إليهم طرفُهُم وأفئدتُهُم هواء}[إبراهيم 43]

وهي نظرةالظالمين يوم يرون العذاب،وهي نظرة الحائر،الشاخص البصر،من هول المفاجأة ومن توقع أشد العذاب،وترقب سوء العقاب،فبصره شاخص لايطرف له جفن،ولاتتحرك له مقلة،ولايتحرك له رمش.قد شغله مايراه ومايتوقعه،فازداد حيرة وارتباكاً ودهشة،وخارت قواه،فانعكس ذلك على محياه وكانت العيون ونظراتها الشاخصة الدليل عما يعانيه في داخله من أشد المعاناة .وشخوص الأبصار أكثر مايتجلى عندما ترى شيئاً لاتتوقعه،ولم تحسب حسابه.

{واقتربَ الوعدُ الحقُّ فإذا هي شاخصةٌ أبصارُ الذين كفروا}[الأنبياء 97]

{قلوب يومئذ واجفة*أبصارها خاشعة}[النازعات 8 ـ 9].

8 ـ نظرة الخوف وتبادل النظرات:

{وإذا ماأنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قومٌ لايفقهون}[التوبة 127]

حيث يصور القرآن الكريم موقف المنافقين من نزول القرآن الكريم،ويكشف تبادل النظرات بينهم تغامزاً،كاشفاً عن مجموعة من المشاعر التي تموج في أعماقهم وتتجلى في نظراتهم،وترسم على العينين من خلال حركاتها ونظراتها مايدور في الأذهان والمشاعر والنفوس من انفعالات وارتكاسات وردة الفعل،وتطهر العين مايدور في ساحة الجسم الداخلية والتي تحاول إخفاءه عمن حولها وتأبى العين إلا أن تظهره وتفضح حامله.

{فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشى عليه من الموت}[محمد 20]

فهم يحملون الخوف في أعطافهم وحنايا ضلوعهم،فكيف إذا ذكر القتال وهم يعلمون أنهم قد يلاقوا الموت فيه فيحاولون كبت مشاعرهم وعدم إبداء خفايا نفوسهم وتأبى أعينهم إلا أن تبدي هذا الخوف بهذا التعبير القرآني الرائع”ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت”.فهم يحاولون ستر مشاعرهم وكبت انفعالاتهم ولكن العين تفضحهم ولذا قد يحاولون أن يشيحوا بوجوههم وتغطية عيونهم بأيديهم لئلا يرى الآخرون في عيونهم ماتحاول أن تخفيه نفوسهم.

{ فإذا جاء الخوفُ رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينُهم كالذي يُغشى عليه من الموت}[الأحزاب 19].

ودوران الأعين يبين الحالة النفسية للخائف الوجل،وهي صورة ناطقة لما تخفيه أنفسهم.ودوران الأعين يعني غير الخوف دلالات أخرى ومنها الترقب والحيرة،والرفض والتشكيك…

9 ـ نظرة الازدراء والاحتقار:

 ولا أقولُ للذينَ تزدري أعينُكُم لن يؤتيهُمُ الله خيراً}[هود 31].

والازدراء هو افتعال من الزرايا.والزراية هي إذا عاب المرء واستهزأ به.وهو الاحتقار والانتقاص.فصاحب العين هذه يستصغر بها الآخرين وينظر إليهم نظرة الدون والاحتقار.وصاحب هذه النظرة يخف ورائه نفساً متكبرة متعالية.

10 ـ النظرة الخائنة:

{يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تُخفي الصدور}[غافر 19]

وهي العين التي تخون وتفضح صاحبها وتكشف أسراره ورغباته الداخلية ومشاعره الباطنة والتي يحاوا أن يخفيها وعدم إظهارها،فالإنسان يحاول أن يخفي أفكاره ومشاعره،والعين تأبى إلا أن تظهرها فهي تخونه من دون أن يشعر،وتفضحه من حيث حاوا أن يستر وهذا تعبير قرآني رائع.

وقيل عن خائنة الأعين:إن خيانتها مسارقة النظر إلا مالايحل النظر إليه،وقيل هو الرمز بها،والإغماض فيما لايحب الله.

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:”لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان،فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ،بايع عبد الله،فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى،فبايعه بعد ثلاث،ثم أقبل على أصحابه فقال:”أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟فقالوا: ماندري يارسول الله مافي نفسك،ألا أومأت إلينا بعينك؟قال:”إنه لاينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين”.رواه أبو داود والبيهقي.وهو حديث صحيح.

كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً،وليس له خائنة الأعين،ولايليق بمقامه صلى الله عليه وسلم أن يشير بعينه إشارة خفية ولو إلى شىءٍ مباح،مثل قتل شخص مهدور الدم.ومعنى خائنة الأعين:الإيماء بالعين،وإنما قيل لها خائتة الأعين تشبيهها بالخيانة من حيث إنه خلاف مايظهر.وأن يخفي في قلبه غير الذي يظهره للناس،أو يظهر للناس أو بسبب بعض الناس أماناً ثم يلتفت إلى غيره ويومىء له بعينه أو بأي إشارة فيها الغدر بمن أمنه.

ومن الأمثال والأقوال التي تظهر الحالة النفسية للإنسان من خلال عينيه ونظراتها:

وجاء في المثل:”احترس من العين فوالله لهي أنمُّ عليك من اللسان(أورده الميداني في مجمع الأمثال). قال العباس بن الاحنف:

لاجزى الله دمع عيني خيراً    بل جزى الله كل خيرٍ لساني

نمَّ طرفي فليسَ يكتمُ شيئاً    ووجدتُ اللسانَ ذا كتمان

كنتُ مثلَ الكتابِ أخفاهُ طيٌّ    فاستدلوا عليه بالعنوان.

وقالوا:أنمُّ من الدمع

وقالوا:أحرُّ من دمعِ المِقلات:وهنّ النساء التي لايعيش لها ولد

علم الفراسة:

علم الفراسة من العلوم التي اشتهر بها العرب قديماً،وهبة من الله تعالى للإنسان ونور يستضىء به المرء لمعرفة أمور خافية عن الآخرين،وذلك من خلال تعبيرات الوجه التي تعرفنا ببعض مكنونات الصدور ومايخفيه المرء من أمور تتعلق بالحب والكره والمكر والخداع والكذب حتى لكأنه يقال:إن لغة العيون تفضح أسرار وخبايا الآخرين،كالمرآة الصافية التي تعكس المشاعر وتبوح بالأسرار.

والفراسة من التفرس بالشىء،كالتوسم.وهو خاطر يهجم على القلب،ويثب عليه وثوب الأسد على فريسته.وهذا هو أصل اشتقاقها،وهي أنواع متعددة وتختلف باختلاف الأشخاص والأحوال وقوة القلب،وصفائه،وقوة الإيمان،وضعفه،ومنها مايتعلق بالمتفرس خاصة،ومنها فراسة الحكام والولاة لاستخراج الحقوق لأربابها،وقمع الظلمة.

وقد ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه الطرق الحكمية عن أنواع الفراسة فقال:

“والفِراسة :اسم من التفرس،وهو التوسم،يقال:تفرس فيه الشىء إذا توسمه”.

وقال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:

“قال تعالى:{إنَّ في ذلك لآياتٍ للمتوسمين}[الحجر65]…فإن الناظر متى نظر في آثار المكذبين ومنازلهم،وما آل إليه أمرهم،أورثه ذلك فراسة،وعبرة،وفكرة.وقال تعالى في حق المنافقين:{ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول}[محمد30]فالأول :فراسة النظر والعين،والثاني:فراسة الأذن والسمع.وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله يقول:علَّقَ معرفته إياهم بالنظر على المشسئة،ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط،بل أخبر به خبراً مؤكداً بالقسم،فقال:”ولتعرفنهم في لحن القول”،وهو تعريض الخطاب،وفحوى الكلام،ومغزاه.واللحن ضربان:صواب،وخطأ،فلحن الصواب :نوعان،أحدهما الفطنة،ومنه الحديث:”ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض”[جزء من حديث رواه الشيخان] والثاني:التعريض والإشارة،وهو قريب من الكناية.

ويقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير:

“والمتوسمون:أصحاب التوسم وهو التأمل في السِّمة،أي العلامة الدّالة على المَعلم،والمراد للمتأملين في الأسباب وعواقبها وأولئك هم المؤمنون،وهو تعريض بالذين لم تردعهم العِبربأنهم دون مرتبة النظر تعريضاً بالمشركين الذين لم يتعظوا،بأن يحلّ بهم ما حلَّ بالأمم من قبلهم التي عرفوا أخبارها ورأوا آثارها”.

والفراسة ثلاثة أنواع:

1 ـ إيمانية:وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده،يفرق به بين الحق والباطل،والصادق والكاذب.وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب،ينفي مايضاده،يثب على القلب وثوب الأسد على الفريسة.وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان،فمن كان أقوى إيماناً فهو أحدُّ فراسة.وقال عمرو بن نجيد:”كان شاه الكرماني حادّ الفراسة لايخطىء،ويقول: “من غض بصره عن المحارم،وأمسك نفسه عن الشهوات،وعمّر باطنه بالمراقبة،وظاهره باتباع السنة،وتعود أكل الحلال،لم تخطىء فراسته”.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه:أفرس الناس ثلاثة:العزيز في يوسف،حيث قال لأمرأته:{أكرمي مثواهُ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً}[يوسف21]،وابنة شعيب حين قالت لأبيها في يوسف:{استأجره إنَّ خير من استأجرتَ القويَّ الأمين}[القصص26]وأبو بكر في عمر رضي الله عنهما حيث استخلفه،وفي رواية أخرى:وامرأة فرعون حين قالت:{قُرّتُ عين لي ولك لاتقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً}[القصص9].

وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من أعظم الأمة فراسة،وبعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه،ووقائع فراسته مشهورة،فإنه ما قال لشىء”أظنه كذا”إلا كان كما قال،ويكفي في فراسته موافقته ربه في المواضع المعروفة.

وأصل هذا النوع من الفراسة من الحياة والنور،يهبها الله لمن يشاء من عباده،فيحيا القلب بذلك،ويستنير،فلاتكاد فراسته تخطىء،قال الله تعالى:{أو من كان ميتاً فأحييناهُ وجعلنا له نوراً يمشي به في الأرض كمن مثلهُ في الظلمات ليس بخارجٍ منها}[الأنعام 122].

2 ـ الفراسة الثانية:فراسة الرياضة،والجوع والسهر والتخلي.فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها،وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر،ولاتدل على إيمان ولا على ولاية،وكثير من الجهال يغتر بها،وللرهبان فيها وقائع معلومة.وللأطباء فراسة معروفة من حذقهم في صناعتهم.

3 ـ الفراسة الخَلقية:وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخَلق على الخالق،لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله.

وكان إياس بن معاوية من أعظم الناس فراسة،وله الوقائع المشهورة،وكذلك الشافعي رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله(انتهى كلام ابن القيم رحمه الله).

وأما الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري وأبو أمامة وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وثوبان رضي الله عنهم:”اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله”قال الألباني إنه حديث ضعيف.

الخداع البصري:

الخداع أو الوهم البصري:

هو إدراك بصري خاطىء لا ينطبق على حقيقة الشىء المرئي.وبالتالي يصور للناظر دائماً الصورة المرئية على غير حقيقتها.على الأقل في الحس العام،حيث تكون الرؤية خادعة أو مضللة.فإن المعلومات التي تجمعها العين وبعد معالجتها بواسطة الدماغ تعطي نتيجة لا تطابق المصدر أو العنصر المرئي.

وهناك بعض أنواع من الخداعات البصرية العامة بين الناس جميعاً،فهم يدركونها جميعاً بطريقة متشابهة.ومن أمثلة ذلك مايحدث أحياناً حينما يرى الناس عن بعد سراباً فيظنونه ماءً.وقد ذكر القرآن الكريم السراب في تصويره البليغ لعدم جدوى ما يقوم به الكافرون من أعمال حسنة إذ ستكون يوم الحساب هباءً منثوراً كالسراب الذي يظنه الظمآن ماءً فإذا وصله لم يجده شيئاً:{والذينَ كفروا أعمالُهُم كَسراب بقيعةٍ يحسبهُ الظمآنُ ماءً حتى إذا جاءهُ لم يجدهُ شيئاً ووجدَ الله عندَهُ فوفاهُ حسابهُ والله سريعُ الحساب}[النور 39].

وهناك الحيل البصرية وخاصة من قبل السحرة والذين يلجؤون لخداع الناس بادعاء تغيير الأشياء.يقول تعالى:{فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحرٍ عظيم}[الأعراف 116].وقال تعالى:{قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعِصيهم يُخيّلُ إليه من سحرهم أنها تسعى}[طه 66].

فقد ذكر تعالى أن سحرة فرعون لم يغيروا حقيقة حبالهم وعصيهم فتحولت إلى حيات،بل بقيت على حالها وإنما كان دورهم هو التأثير النفسي الفائق على من يشاهدهم واسترهابهم وتخويفهم.وقد استخدموا في ؤذلك التأثير في أعين الناس،ولعلهم استخدموا في ذلك لغة أجسادهم ونبرات أصواتهم وأدواتهم التي لايستبعد أن يكونوا قد احتالوا بها الحيل كما ذكر الطبري وغيره من المفسرين فخيلوا للناس بما أحدثوا من التخييل والخداع ما الحقيقة بخلافه على حد قول الطبري والألوسي في تفسيرهما.

عيوب الإبصار:

تبدأ المطابقة في العين السليمة إذا كان الجسم المرئي على بعد 5 ـ 6 أمتار،وأما إذا كان الجسم المرئي على مسافة متر واحد مثلاً ففي هذه الحالة يجب أن يرتسم خياله خلف الشبكية،وعلى هذا فلا تراه العين…ولكن العين السليمة تعيد وضعية هذا الخيال ليقع في بؤرته في الشسبكية،بعد أن تقوم بعملية مطابقة تزيد في مقدرة العدسة بمقدار كسيرة وتتضاعف هذه القدرة كلما اقترب الجسم أكثر.

وتتعلق شدة هذه المطابقة وسعتها بمرونة العدسة،وهي كبيرة عند الأطفال،ويشارك في عملية المطابقة تقلص العضلات الظاهرة للعين،لتعين على درجة التقريب للمحاور البصرية الضرورية،للنظر للشىء الواحد بالعينين.

كما تشارك الحدقة بتضييقها أو توسعها العدسة ،إضافة إلى مشاركة عضلات الوجه ولذا نلاحظ كيف يكش وجه الذي ينظر بإمعان وتدقيق في عملية المطابقة،ومن مجمل عمل هذه الأجزاء يتألف منعكس التثبيت.

وحدة البصر تعتمد على قدرة العين على الرؤية السليمة والواضحة،ويلزم لهذا بالتاالي وقوع الأخيلة على الشبكية بشكل صحيح،كما تعتمد على تمييز التفاصيل والأشكال.

ولكن في بعض الحالات وبسبب عيوب في الانكسار من الأوساط الكاسرة في العين،لا تستطيع العين السليمة الرؤية بشكل صحيح وواضح،ذلك أن عدسة العين لها مايسمى بالبعد البؤري وهو المسافة بين العدسة ونقطة تجمع الأشعة الضوئية على الشبكية في البؤرة الشبكية(الفوكوس) وإذا تشكلا البؤرة على الشبكية تماماً كان البصر سليماً وصحيحاً،وأما إذا سقطت هذه الأخيلة أمام الشبكية بقليل،أو خلفها بقليل،فإن البصر يتشوش،ويلزم حينها لكل مصاب استخدام العدسات الزجاجية أي النظارات أو العدسات اللاصقة لتصحيح هذه الأخطاء وإعادة تشكيل الأخيلة على الشبكية تماماً.وأهم عيوب البصر:

1 ـ قصر النظر أو الحسر:

وفيه لا تتكون أخيلة المرئيات البعيدة على الشبكية تماماً،وإنما تتجمع الأشعة الاضوئية المتوازية المنكسرة أمام الشبكية،فيرى الشخص الصورة غير واضحة ومشوشة،وسبب هذا أن كرة العين المصابق ممتدة قليلاً للأمام أكثر من المعتاد.وهذا الفرق البسيط يطيل من مدى مرور الاشعة الضوئية،ويجعل الشبكية أبعد إلى الخلف،فتقع أخيلة المرئيات أمام الشبكية،ولذا نرى الشخص المصاب بقصر النظر يقرب الشىء الذي يريد رؤيته لوجهه،حتى تتم عملية المطابقة،ويقع خياله على الشبكية فيراه بشكله السوي الصحيح.أو بسبب وجود قرنية ذات تحدب زائد أو بسبب عدسة أكثر استدارة أو استطالة،تكسر الأشعة الضوئية بشكلر غير طبيعي وهي حالات نسبتها أقل.ويصحح قصر النظر بوضع العدسات الزجاجية المقعرة ليتم غرجاع هذه الصور إلى الخلف لتقع على الشبكية تماماً.والحسر قد يكون وراثياً والزواج بين حسيري البصر يزيد من احتمال ولادة أطفال حسيرين.

2 ـ مدّ البصر:

هنا تتكون أخيلة المرئيات البعيدة خلف الشبكية،والمصاب لايتمكن من رؤية الأشياء القريبة بوضوح،والسبب أن كرة عين المصاب تكون قصيرة بعض الشىء،أو أن عدسة العين لاتتحدب تحدباًُ كافياً،ولذا فإن المريض يقرأ الجريدة على مسافة بعيدة عن العين.

وتصحح باستخدام العدسات الزجاجية المحدبة فيتم دفع هذه الصور إلى الأمام لتسقط على الشبكية تماماً.

3 ـ الاستجماتزم(اللابؤرية):

حالة لاتتجمع فيها الاشعة الضوئية الداخلة للعين في بؤرة بل تتجمع على شكل خط،لأن الاشعة الضوئية الداخلة للعين في المستوى الأفقي تنحني أكثر من الأشعة الضوئية الداخلة للعين في المستوى الرأسي،فتميز العين الخطوط الرأسية دون الافقية.

وضعف البصر في الشيخوخة تتسبب به عدسة العين التي تفقد مرونتها بالتدريج،فتفقد العين قدرتها على التكيف ببطء.

والرؤية المزودجة تحدث عندما يتوقف أحد الأعصاب البصرية عن العمل،فلاتمتزج الصورتان اللتان تتلقاهما العين،فيرى المصاب الشخص اثنين.

والحول سببه عيب في توازي كرتي العينين،وقد يكون الحول منفرجاً،أو متلاقياً،تبعاً لاتجاه أو حركة العينين.

واختلاج العين،هو حركة ذبذبة وارتجاج في كرة العين ترجع إلى إصابة في العين أو في الجهاز العصبي .

ويحدث الساد نتيجة ضعف إبصار تدريجي غير مصحوب بألم،يتبعه إعتام متدرج في عدسة العين.

علل الجهاز البصري:

قبل دراسة العلل الشبكية ـ القشرية يجب أن نذكر المعلومات التالية:

1 ـ إن الجسم البللوري للعين هو عبارة عن عدسة محدبة تقلب على الشبكية صورة الأشياء الموجودة أمام العين.

2 ـ إن نصف الشبكية الصدغي يرى الأشياء الموجودة قرب الأنف،وإن نصف الشبكية الأنفي يرى الأشياء في الجهة الصدغية.ونصف الشبكية العلوي يرى الأشياءالموجودة في الاسفل،ونصف الشبكية السفلي يرى الأشياء الموجودة في الأعلى.

3 ـ إن الطرق العصبية التي تربط الشبكية مع القشر الدماغي هي في نفس الجانب فيما يتعلق بالساحات الصدغية،وفي الجانب المقابل فيما يتعلق بالساحات الأنفية.

4 ـ إن ألياف اللطخة هي مستقيمة ومتصالبة.

العلل البصرية:

1 ـ إن قطع العصب البصري الأيمن يسبب العمى الكامل في العين اليمنى وكذلك الحال في العصب البصري الايسر.

2 ـ إن إصابة الطرق الانسية من الملتقى البصري أي الألياف الأنفية يسبب عمى صدغياً في الجانبين فالشخص لايستطيع إدراك البصريات من الجانب الوحشي من العيت.

3 ـ إن إصابة الشريط البصري الأيمن والذي يحتوي على ألياف صدغية يمنى وألياف أنفية يسرى يسبب انعدام الرؤية في النصف الأيسر من العينين.وإن إصابة الاكليل المشعع البصري تسبب نفس الامر ولكن الانعكاس العيني يبقى سليماً.

4 ـ إصابة الشق المهمازي في القشر القفوي تؤدي إلى عمى يشبه إصابة الشريك البصري الموافق.

5 ـ أصابة المنطقة المحيطة بالشق المهمازي(المنطقة البصرية الروحية)تؤدي إلى العمى الروحي فالشخص يرى الأشياء ولايدرك ماهيتها.

6 ـ تصادف في العلل الدماغية أنواع مختلفة من العمى النفسي يشمل بعضها اضطراب معرفة المكان فيعجز المصاب من التعرف على المكان أو تقدير المسافة في الاتجاه،أو تشبيه الاشياء والأشكال الهندسية.وقد يقتصر الأمر على عدم معرفة الاشياء وشرح العلامات المكتوبة وهذا مايعرف باسم العمى الكلامي أو عدم معرفة القراءة ويسمى عمى القراءة.وقد تسبب الآفات المخرشة والاورام إلى مايعرف باسم الهلس البصري.كما أن عمى الألوان يحدث في إصابات المناطق حول الساحة الرئيسية للرؤية.

العمى

العمى:Blindness

هو حالة من فقد الإدراك البصري لعوامل فيزلوجية أو عصبية.ويسمى المصاب بالعمى كفيفاً.والعمى قد يكون جزئياً أو تاماً.وتقول منظمة الصحة العالمية إنه يوجد ما لايقل عن ملياري شخص في العالم يعانون من ضعف البصر أو العمى

وتبين الدراسات أن العمى يؤثر إيجابياً في القدرة السمعية،بحيث تصبح حاسة السمع عند الكفيف أكثر دقة.

ومن الأسباب التي تسبب العمى نذكر:

1ـ إعتام عدسة العين أو داء الساد Cataractsـ

وهو من أهم أسباب فقدان البصر ويشاهد خاصة عند المسنين وخاصة المصابين بداء السكري.ومن الأسباب الأخرى للساد تناول مركبات الكورتيزون لفترة طويلة.

2 ـ ارتفاع ضغط العين أو مايسمى داء الزرق(الجلوكوما):وهو نوعان:داء الزرق مفتوح الزاوية،وداء الزرق مغلق الزاوية.

3ـ إصابة وتكثف قرنية العين:وهذا يشاهد غالباً بعد الالتهابات وخاصة الفيروسية ومنها الجدري.

4ـ اعتلال الشبكية لأسباب عديدة ومنها الداء السكري وارتفاع الضغط الدموي الوخيم…وما يسمى التنكس البقعي MacularDegeneration،وهذا يشاهد لدى المسنين غالباً.وقد وجد أنه يشاهد خاصة عند المدخنين.

5 ـ وهناك العمى التال لانفصال الشبكية:Retinal Detachmentـ

وله عدة أسباب وأهمها الرضوض والداء السكري

6ـ التهاب العصب البصري: وله عدة أسباب وأهمها التصلب اللويحي،وبعض التسممات والأمراض الجهازية والتدخين  وتناول الغول والمسكرات وبعض الفيروسات.

7 ـ وهناك التهاب الشبكية الصباغي وهو مرض وراثي.ويشاهد في الأعمار المبكرة ويبدأ بالعمى الليلي.

8ـ الرمد الحبيبي ومرض التراخوما عند الأطفال.

9ـ العمى التال للرضوض والحوادث وبسبب الخثرات الوعائية وخاصة في شرايين الشبكية.وكذلك الحوادث الوعائية الدماغية

10 عمى الألوان:أو داء دالتون:وهو مرض وراثي يتميز بعدم القدرة على الألوان،وسمي نسبة للعالم الكيميائي دالتون الذي نشر موضوعاً عن الداء وكان مصاباً به.ويتميز بعدم القدرة على التمييز بين اللون الأخضر والأحمر،ويصيب بشكل خاص الذكور.

10ـ العشى الليلي:وهو عدم قدرة العين على رؤية الأشياء بسرعة عند الانتقال من مكان مضىء إلى مكان مظلم.ومن أهم أسبابه عوز الفيتامين أ.

11.ـ العمى النفسي:ويشاهد في بعض الأمراض النفسية.

ومن الصحابة المشهورين وكانوا من المكفوفين نذكر عبد الله بن أم  مكتوم الذي نزلت فيه الإيات الكريمة{ عبس وتولى….} وهناك صحابة فقدوا البصر على تقدم السن ونذكر منهم: شاعر النبي حسان بن ثابت وكعب بن مالك،والعباس بن عبد المطلب وعبد الله بن العباس،وأبو سفيان بن حرب،وعقيل بن أبي طالب،وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق ،والحكم بن أبي العاص،والحارث بن العباس بن عبد المطلب،وعرابة الأوسي،والبراء بن عازب،وقتادة بن النعمان،وعبد الله بن الأرقم،وأبو أمامة الباهلي….ومن الصحابيات نذكر أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين

العيون في الأمثال:

ـ أبصر بالليل من الوطواط(أورده الميداني في مجمع الأمثال:والوطواط حيوان من الثدييات لايطير إلا في الليل)

‘ـ أبصر من باز(أورده الزمخشري في المستقصى في أمثال العرب:والباز أحد الكواسر من الطير،من الفصيلة الصقرية ورتبة الجوارح،يستخدم في الصيد)،ومثله أبصر من صقر وأبصر من عقاب،وأبصر من نَسر،ويقال ليس في الطير أبصر من النسر كما أنه ليس في الدواب أبصر من الفرس..

ـ أبصر من حية(أورده الزمخشري في المرجع السابق والجاحظ في كتاب الحيوان)

ـ أبصر من الزرقاء:(زرقاء اليمامة:قيل أنها كانت تبصر الشىء من مسيرة ثلاثة أيام،قال المتنبي:

وأبصرُ من زرقاء جوٍّ لأنني       إذا نظرتْ عيناي شاءهما علمي

ـ أبصر من غراب:والعرب تزعم أن الغراب أعور لأنه يغمض أبداً إحدى عينيه مقتصراً على الأخرى لقوة بصره،قال بشار بن برد:

وقد ظلموه حين سموّه سيداً    كما ظلم الناسُ الغرابَ بأعورا

ـ أبصر من فرس:

ـ أبصر من كلب:

ـ أبصر من هدهد:

ـ أبو بصير:كنية الأعمى.وكان الأعشى يكنى أبا بصير،قيل إن يشكر بن وائل اليشكري أُتي به وهو صغير إلى مسيلمة الكذاب فمسح على وجهه فعمي،وكُني أبا بصير استهزاءً.

ـ أحفظ من العميان

ـ إذا نامت العين استطلق الوِكاء

ـ أراهُ عُبرَ عينه:أي أراه ما أبكاها،يقال في الدعاء على اللآخر.

ـ أرقُّ من دمعِ الغمام،ومثله أرقُّ من دمعِ المُحبِّ،وأرقُّ من دمعِ المستهام،وأرقُّ من دمعة العاشق.

ـ أسخن الله عينه:يقال في الدعلء على الآخر.

ـ أسرعُ من طَرفِ العين ومثله:أسرع من طرفِ المُوق.

ـ أصرد من عين الحرباء:يقال إن الحرباء تستقبل الشمس أبداً بعينها،لتستجلب الدفء.

ـ أصفى عيناً من غراب،ومثله أصفى من الدمع،وأصفى من عين الديك،وأصفى من عين الظبي.وأنقى من الدمعة.

ـ اطّلع عليه ذو عينين.

ـ أطولُ رقدةً من عين

ـ الأماني تُعمي أعين البصائر

ـ إنَّ أخا الخِلاط أعشى بالليل:الخلاط القتال والذي يقاتل في الليل لايدري من يضرب.

ـ إنه لشديدُ جفنِ العين:يضرب لمن يقدر أن يصبر على السهر

ـ أوجدُ من عينٍ حاضرٍ

ـ أوحى من طرفِ المُوق

ـ أوقح من الأعمى:لأن الحياء في العين وليست للأعمى

ـ بعينٍ ما أرينّك:أي أعجل وكن كأني أنظر إليك

ـ بان الصبح لذي عينين

ـ تردُ على فلان عائرةُ عين.

ـ تطلب أثراً بعد عين

ـ جعلته نُصبَ عيني

ـ جلّى مُحبٌّ نظرَه:أي أن نظر المُحب إلى الحبيب يُؤذن بحبه وإن لم يبح به.

ـ الحبُّ أعمى

ـ حسنٌ في كل عينِ من تودُّ

ـ رُبَّ عينٍ أنمُّ من لسان ومثله:ربّ لحظٍ أنمٌ من لفظ ومثله ربّ لسانٍ أكتمُ من طرف

ـ زُيِّنَ في عينِ والدٍ ولده

ـ السَّليمُ لا ينامُ ولايُنيم:الملدوغ والجريحُ المُشفي على الهلكة.يضرب لمن لايستريح ولايُريح

ـ عبدُ العين:الذي يخدمك مادامت عيناك تراه فإذا زال عن عينيك زال عن خدمتك

ـعليه من المال عائرةُ عينين:أي له من المال مايكاد من كثرته يفقأ عينيه.

ـ العينُ أبلغ من التحذير

ـ عين الرِّضا:قال الشاعر عبد الله بن معاوية :

فعينُ الرِّضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ    ولكن عينَ السّخطِ تبدي المساويا

ـ عيٌن عرفت فذرفت:يضرب لمن رأى الأمر فعرف حقيقته

ـ عين العقل

ـ في بعض القلوبِ عيون

ـ الكدر من رأس العين:أي الفساد من الأساس

ـ كفاقىء عينيه عمدا:يضرب المثل لمن غرّر بنفسه

ـ لا وجع إلا وجع العين:

ـ ليس لما قرّت بهِ العينُ ثمن

ـ من غاب عن العين غاب عن القلب

ـ من قرَّ عيناً بعيشه نفعه

ـ نظرَ المريض إلى وجوهِ العُوّد

ـ النظرة سهم مسموم

3ـ حاسة الشم

مقدمة:

حاسة الشم:وهي إحدى حواس الإنسان الخمسة والعضو المسؤول عنها هو الأنف.

إن نعمة الشم هي من نعم الله تعالى على عباده ليستطيعوا من تمييز الروائح العطرة الجميلة ،وليتمكنوا من تمييزها عن الروائح الضارة الكريهة وخاصة في المطاعم والمشارب.

وإن حاسة الشم واحدة من أهم حواس الكائنات الحية،فمن خلال الرائحة يتمكن الكائن الحي من التعرف على الأشياء التي تحيط به،بالإضافة لكونها من أهم طرق تفاعل الكائنات الحية مع المؤثرات الخارجية،فالإنسان يشم رائحة الحريق قبل أن يتمكن من رؤية النيران،ويتمكن من تمييز الطعام الفاسد قبل أن يتذوقه.

وإن نعمة الشم من النعم التي قد لاننتبه لها،فالشم لايحتاج إلى وسيط كما هو الحال بالنسبة لحاسة الإبصار حيث لايتم إلا بوجود وسيط هو الضوء،والإنسان يشم ليلاً ونهاراً،وفي الضوء الشديد وفي ظلام الليل،ولايحتاج الشم إلى اتصال قريب مباشر بينك وبين الشىء كما هو الحال في السمع،ولذلك قالوا:الشم يعطيك دائرة أمانٍ واسعة جداً،وأنت نائم قد تشم رائحة الغاز في البيت،بلا صوت ولاضوء،ولاثمة اتصال مباشر،أنت في غرفة النوم وموقد الغاز في المطبخ،والأبواب مقفلة،والظلام شديد،والصوت مهدوم،والاتصال المباشر معدوم،ومع ذلك تشمُّ فتستيقظ وتُغلق موقد الغاز،فالشم يعطيك دائرة أمانٍ واسعة جداً.

نظرة جنينية:

عضو الشم من أعضاء الحواس الأولى في النمو.يظهر باكراً في الاسبوع الرابع من عمر الجنين بشكل انتباج في الوريقة الظاهرة أو الخارجية،وترسل الخلايا الشمية ذات القطبين محاورها ابتداءً من الاسبوع الخامس إلى الدماغ البدئي الذي تتكون فيه البصلة الشمية،ومنشأ الحويصل الشمي والحويصل البصري والحويصل السمعي من المحور العصبي واحد.

نظرة تشريحية:

يتكون النظام الشمي المحيطي بشكل أساسي من المنخر،والعظم الغربالي،والتجويف الأنفي،والظهارة الشمية(النسيج المخاطي المبطن لتجويف الأنف).وأهم المكونات الأساسية لهذا الجهاز:الغشاء المخاطي،والغدد الشمية،والخلايا العصبية الشمية،والألياف الواردة من الأعصاب الشمية.

تشغل المنطقة الشمية في الأنف الثلث العلوي تقريباً من الحفرة الأنفية وذلك أعلى القرين العلوي.وهناك ثلاث أنواع من القرينات في الأنف:العلوي والمتوسط والسفلي.وتبلغ مساحة المنطقة الشمية حوالي 50 متراً مربعاً.

وإن عدد الخلايا الشمية في كلا الحفرتين الأنفيتين يبلغ حوالي 50 مليون تقريباً وهي تتوضع بين الخلايا الاستنادية.

يتكون الغشاء المخاطي في الناحية الشمية  بنسيج  وتكوين مختلف عن باقي الغشاء المخاطي للأنف ويسمى الغشاء النخامي،ويتكون من ثلاثة أنواع من الخلايا:

1 ـ الخلايا الاستنادية أو الداعمة:وهي خلايا طويلة وذراها مستورة بقشيرة ذات فتحات دائرية صغيرة تنفذ منها استطالات الخلايا الشمية،وتمتلك في هيولاها حبيبات صباغية تمنح الغشاء النخامي المخاطي لونه الرمادي.

2 ـ الخلايا القاعدية:وتتوضع بين أقدام الخلايا الاستنادية وهي ذات نوى شديدة الاصطباغ.

3 ـ الخلايا الشمية:وهي خلايا ذات قطبين،يستدق قطبها القاعدي حتى يغدو خيطياً رقيقاً لاتتجاوز ثخانته ميكروناً واحداً ويمتد مكوناً محوراً اسطوانياً وتتشكل منه ومن أمثاله الألياف العصبية الشمية.تتبارز على سطح القطب الذروي للخلية الشمية استطالة هيولية تمر من الفتحة الدائرية للقشيرة ثم تتسنك قليلاً فتدعى الحويصل الشمي،ويمتلك هذا الحويصل حوالي 6 ـ 8 حبيبات تنشأ من كل منها أهداب دقيقة لاتتجاوز في الطول 2 ميكرون.

تحوي الأدمة(الصفيحة الضامة بالخاصة) للغشاء المخاطي عدداً من الغدد الشمية،وهي غدد مصلية ـ مخاطية،ذات أقنية مفرغة عمودية متسعة نسبياً تنفتح على سطح البشرة المخاطية وتدعى غدد بومان.

إن الألياف العصبية اللانخاعينية تجتمع معاً باسم ألياف العصب الشمي،وتدخل تجويف القحف من خلال الصفيحة المثقوبة الغربالية في العظم الغربالي،ومنه إلى البصلة الشمية والتي تستقر في الميزابة الشمية.ومنه يخرج الشريط الشمي وعندما يصل إلى الصفيحة المثقوبة الأمامية القشرية فإنها تبعث بألياف إلى أماكن عديدة من الدماغ.

يبدأ الطريق الشمي بالخلايا الشمية العصبية الموجودة في المنطقة الشمية في الغشاء المخاطي الأنفي الكائن في القسم العلوي من وجهي الأنف الأنسي والوحشي.إذ تتفبل هذه الخلايا حاسة الشم باستطالات هيولية ثم ترسلها بمحاورها الاسطوانية إلى داخل تجويف القحف مخترقة الصفيحة الغربالية الأنفية باسم ألياف العصب الشمي وهو العصب القحفي الأول وهو أقصر الأعصاب القحفية التي تمر في الرأس.وتنتهي هذه الألياف بالبصلة الشمية الكائنة في الميزابة الشميةوهي تقع  على الوجه العلوي من الصفيحة الغربالية وأسفل الفص الجبهي،ويبلغ طول البصلة الشمية حوالي 7مم،وعرضها 5مم.تتصل نهايتها الخلفية بالنهاية الأمامية للشريط الشمي الذي تتصل نهايته الخلفية بالمثلث الشمي(الحدبة الشمية)مكوناً التلفيف الشمي.

ثم ترسل البصلة الشمية محاورها الاسطوانية باسم الشريط الشمي إلى الخلف وعندما تصل إلى المسافة المثقوبة الأمامية تنقسم إلى أربعة حزم:

1 ـ حزمة تذهب إلى مقدم التلفيف الثفني.

2 ـ حزمة تذهب إلى تلفيف حصان البحر واللوزة.وهذا يرسل بدوره أليافاً إلى قرن آمون .

3 ـ حزمة تذهب إلى المسافة المثقوبة الأمامية.وهذه ترسل بدورها أليافاً شمية باسم عصب لانسيزي والحزمة الرمادية ومن ثم إلى الجسم المسنن وقرن آمون.ومن قرن آمون تنطلق أليافاً شمية إلى الحدبة الحلمية عن طريق المثلث المخي.والحدبة الحلمية ترسل أليافاً شمية إلى النواة الأمامية من السرير البصري.وهذه النواة بدورها ترسل أليافاً بواسطة مقدم الإكليل المشعع إلى كل من تلفيف الجسم الثفني والفصين المخيين الجبهي والجداري.وترسل النواة أيضاً حزمة نازلة باسم حزمة كودن القلنسوية إلى نويات الأزواج القحفية وهي الطريق الانعاسي الشمي.وتذهب حزمة ثالثة إلى النوى الودية السمباتية في المنطقة تحت المهاد البصري.

إن المراكز الشمية لها اتصال بالغدتين النخامية والصنوبرية،وتتصل مع المراكز الشمية المقابلة بواسطة الألياف المعترضة في المثلث المخي التي تصل قرني آمون وما بين تلفيفي حصان البحر.

إن الدماغ الشمي والذي يسمى أيضاً التلفيف الحاشيوي لبروكا والذي يتألف من التلفيف الثفني والمضيق ومن تلفيف حصان البحر والكلابة.

إن أهمية المناطق دون قشر الدماغ بالنسبة للشم أفضل من الارتسامات القشرية الشمية.

4 ـ حزمة تذهب إلى الحجاب الشفاف.

وعلى هذا يمكن القول أن الطريق الشمي يتألف من ثلاثة وحدات عصبية:

1 ـ الوحدة العصبية الأولى:وتتألف من خلايا الغشاء النخامي في المحيط التي تخرج منها الاستطالات الهيولية القصيرة التي تمتد إلى سطح الغشاء النخامي،واستطالات طويلة تؤلف المحاور الاسطوانية التي تمر من الصفيحة الغربالية إلى البصلة الشمية.

2 ـ الوحدة العصبية الثانية:تمتد من البصلة الشمية وتنتهي في المركز الشمي القشري الأول والمؤلف من المادة السنجابية للشريط الشمي والمثلث الشميوالفسحة المثقبة الأمامية والحجاب الشفاف،والمركز القشري الثاني الشمي،وهذه الوحدة مؤلفة من استطالات الخلايا التاجية للبصلة الشمية وامتداداتها.

3 ـ الوحدة العصبية الثالثة:وتمتد من المراكز الشمية الأولى إلى المراكز الشمية الثانية،وتنتهي جميع هذه الألياف بالمراكز الشمية القشرية في المخ المتوسط،وبعضها يتابع مسير الحزمة الحجابية ليدخل في تكوين السرير البصري،وقسم منها يعقب مسير  الشريط الطويل الخلفي وينتهي بالنويات المنشئة للأعصاب القحفية،وبذلك يرتبط المركز الشمي الأول بنويات الأعصاب القحفية.

نظرة فسيولوجية:

إن تيار الهواء لايصل مباشرة إلى المنطقة الشمية العليا،وذلك أثناء الشهيق،وإن مستواه أدنى من القرين العلوي أيضاً أثناء الزفير،ولذلك وفي حالات التنفس العادي فإن الهواء لايصل إلى المنطقة الشمية مباشرة ولكن على شكل تيارات فرعية أو دوامات تأتي من التيار الأساسي.

ولكن عند محاولة استنشاق مادة بالاستنشاق فإن مجرى الهواء يصل إلى المنطقة الشمية مباشرة إما بسبب زيادة سرعته أو بسبب تغير شكل الأنف حيث لوحظ أثناء الاستنشاق تقلص الجزء السفلي من المنخرين فوق الحجاب فينحرف مسير الهواء إلى الأعلى..وإذا لم يستطع الهواء أن يصل إلى المنطقة الشمية ،كما هو الحال في حالة الزكام فإن حاسة الشم تفقد مؤقتاً.

ويشاهد نقص الشم في حالات التهاب الغشاء المخاطي الضموري لجفاف الغشاء المخاطي،وضمور النهايات العصبية الشمية،أو في الهواء الجاف.ولذلك فإن كلب الصيد تضعف عنده قوة الشم في الجو الجاف.والوردة تشم بشكل أفضل عند الصباح أو المساء عندما يرطب الهواء قليلاً.

تكتشف الخلايا العصبية الشمية الموجودة في الغشاء المخاطي للمنطقة الشمية جزيئات الرائحة المتحللة في المخاط،وتنقل معلومات عن الرائحة إلى الدماغ .وهذه الخلايا العصبية الشمية لها أهداب تحتوي على مستقبلات شمية ترتبط بجزيئات الرائحة،ويتولد عن هذا الارتباط استجابة كهربائية تنتشر عبر ألياف الأعصاب الحسية في مؤخرة التجويف الانفي.

تنقل الأعصاب والألياف الشمية المعلومات الكهربائية عن الرائحة من النظام المحيطي إلى النظام المركزي في الدماغ،والذي يتصل مع الظهارة الشمية من قبل الصفيحة الغربالية المثقوبة للعظم الغربالي،وحيث تمر الألياف العصبية الشمية عبر الصفيحة إلى البصلة الشمية.والصلة الشمية توجد في الجهاز اللمبي الخاضع لمنطقة ماتحت المهاد،وهو المسؤول عن الذاكرة والعواطف.كما أن البصلة الشمية ترتبط مع اللوزة المخية والتي تعالج العاطفة،بالإضافة إلى الحصين المعروف بدوره في التعلم،ولهذا السبب تشتهر الرائحة بإثارة الذكريات والعواطف القوية.

جاء في مقال في المجلة الطبية الألمانية(Deutsche Aertzeblatt)العدد التاسع بتاريخ الثالث من آذار عام 2023 مايلي:

“بالرغم من أن حاسة الشم كما يظن البعض أقل حساسية عند الإنسان من بعض الحيوانات ولكن على الرغم من ذلك فإن حاسة الشم بالنسبة لبعض الروائح والعطور هي عند الإنسان أفضل منها عند الحيوانات.وكذلك تبين أن الخلايا الشمية يحصل عليها عمل تجديد وترميم مستمر.

وهناك خاصية أخرى لحاسة الشم عند الإنسان وهو أن الشم يتم عن طريق انتقال الروائح والعطور عن طريق مجرى الأنف الأمامي أثناء عملية الشهيق للهواء،ولكنه أيضاً يتم عن طريق فتحة الأنف الخلفية أيضاً عن طريق هواء الزفيروالذي يمر على الحلق،وأيضاً أثناء عملية الشرب وتناول الطعام وبشكل خاص أثناء عملية البلع.والطريق الأول أي الشم عن طريق فوهة الأنف الأمامية ضرورية جداً من أجل التعرف على المواد المشمومة وطبيعتها،ولكن الطريق الثاني أي عن طريق فتحة الأنف الخلفية فإنه ضروري جداً لمعرفة الأرومات المركبة والمعقدة أي مايسمى التذوق العاليFeingescmack.

وبالإضافة إلى أن حاسة الشم ضرورية جداً للكشف عن وجود روائح الحرائق والغازات السامة،فإنها أيضاً ضرورية للكشف عن الأطعمة الفاسدة.وهذا مايفسر لنا الصعوبات التي يلاقيها من لديهم اضطرابات شمية في حالات وأوضاع تناول الطعام أو الشراب أو إعداد المأكولات.

كما أن حاسة الشم تلعب دوراً في العلاقات الاجتماعية والممارسات الجنسية،وهذا مايسبب صعوبات في هذا المجال عند من لديهم اضطرابات شمية.

ويلعب العصب مثلث التوائم دوراً هاماً في حاسة الشم،والذي يتم تفعيل الألياف الحسية والمستقبلات الكيميائية فيها وبشكل خاص مع التراكيز المرتفعة لبعض الروائح والعطور.وهذا مايترافق عند تفعيل هذه المستقبلات الحسية في العصب بوجود بعض الأعراض ومنها حس الوخز والتنملوالبرودة أو الحرارة أو حس الحرقة.وإذا ما كان هناك انعدام لحاشة الشم من منشأ ولادي أو خلقي فإن تأثير العصي مثلث التوائم يبقى قائماً”.

وحتى تتم وظيفة الشم بشكل رئيسي لابد من تحقق بعض الصفات في المادة المشمومة:

أن تكون قابلة للذوبان في الماء والمحاليل الدهنية وبالتالي تكون ذوابة في مخاط الأنف كي تؤثر في أهداب الخلايا الشمية.

يكون لكل خلية شمية حوالي 6 ـ 8 أهداب تغطس في السائل المخاطي الذي يعلوها،فإذا وصلت الروائح الشمية الطيارة إلى تلك المنطقة انحلت في السائل المخاطي أولاً ثم في المواد التي تحولها تلك الأهداب إلى طبيعة معينة كيماوية بحيث تساعد على تحديد عملية الشم.وذلك بعد إرسال السيالات العصبية إلى المراكز الشمية في الدماغ.والتي يقوم بتحليلها وتحديد تركيبها وصفاتها.

وأن تكون لها رائحة.

ومن شروط حادثة الشم:

1 ـ صفات المادة المشمومة التي ذكرت سابقاً.

2 ـ سلامة الفرجة الشمية(وهي المسافة بين القرين المتوسط والوترة الأنفية وهي الحاجز بين جانبي الانف).

3 ـ سلامة الغشاء المخاطي للبشرة الشمية(مثلاً انسداد الأنف باحتقان شديد كما في الرشوحات الشديدة،أو وجود مرجلات أنفية لايمكن الهواء الحامل للروائح أن يصل إلى المخاطية الشمية)

4 ـ سلامة الألياف العصبية الشمية(مثلاً عدم اصابتها بأذيات شديدة وخاصة بعض الفيروسات).

5 ـ سلامة البصلة الشمية والعصب الشمي ( قد تصاب في كسر العظم الجبهي وإصابة الصفيحة الغربالية،أو ورم الفص الجبهي).

6 ـ سلامة المراكز الشمية في قشر الدماغ.

ومن الناحيّة الفيزلوجية يمكن تحليل الروائح إلى سبعة روائح بسيطة أو أوليّة :

الرائحة الكافورية

الرائحة المسكيّة

رائحة الزهور

رائحة النعناع

رائحة الإيثير

الرائحة اللاذعّة

الرائحة النتنة

يجرى قياس اضطراب الشم باستعمال بعض المواد ومنها القهوة والشوكولاته والليمون والزيت والتبغ،وقد تبين أن النشادر والخلون والنعنع قوية وهي تنبه العصب مثلث التوائم.

يستطيع الإنسان التمييز بين 200 ـ 4000 نوع من الروائح المختلفة،وإن وظيفة التمييز الشمي لازالت مجهولة.

كما وجد أن هناك علاقة وثيقة بين حاسة الشم والوظيفة الجنسية وبخاصة عند الحيوانات.هذا وتعد العطور دليلاً على وجود هذه العلاقة عند الإنسان.ويبدو أن حاسة الشم عند المرأة أشدّ منها عند الرجل،وتكون أشد خلال فترة الإباضة.

وتملك حاستا الشم والذوق مقدرة خاصة على تحريض الذاكرة طويلة الأمد،أي يستطيع الإنسان أن يتذكر طعم مادة أو رائحتها بالرغم من أنه قد ذاقها أو شمها منذ فترة طويلة.

وعندما يشم الإنسان رائحة جديدة لأول مرة يربطها الدماغ مباشرة بحدث،أو بشخص،أو بشىء،أو بوقت معين.وعند مواجهة الرائحة مرة أخرى يتم استدعاء الرابط لاستنباط ذاكرة أو مزاج،لذلك قد يشعر شخص ما بالنفور من رائحة معينة لأنها تستدعي ذاكرة غير محببة دون أن يعرف سبب ذلك.

إنّ عتبة الشَمّ منخفضة جداً،ونعني بذلك الحدّ الأدّنى أو التركيز الأدنى الذي يلزم من وجود مادّة ما كي يستطيع الأنف شَمّها ، فالمادة التي تُسمى ميركبتان الميثيل يمكن أن تُشَمّ إذا وُجِدَ منها جزء من 25 مليون جزء من المغ في لتر من الهواء،ولذا تُمزج هذه المادّة بالغاز الذي يُستعمل في مواقد الغاز المنزلية ليكشف الإنسان رائحة الغاز وبسرعة في حال حصول أي تسرب غازي .

وهناك بعض الحيوانات التي تتميز بحاسة شم شديدة وأقوى من الإنسان وتستطيع أن تميز المواد الطيارة على مسافات بعيدة وكميات ضئيلة،ومنها مثلاً كلاب الشرطة التي تبحث عن المفقودين والكشف عن المخدرات.

وفي رأس الكلب مئة مليون نهاية عصبية للشم،وطاقة بعض الحيوانات الشمية تزيد مليون مرة على طاقة الإنسان.وأنثى الفراش تجلب الذكر من بعد نصف ميل،عن طريق الشم،وعن طريق إصدار بعض الروائح الكيميائية.والنحل يشم رحيق الأزهار من مسافات طويلة جداً تزيد على عشرات الكيلومترات،ويشمُّ رائحة خليته.{فاسلكي سبل ربك ذللا}

والبعوضة تشمُّ رائحة عرق الإنسان من ستين كيلومتراً،فسبحان الذي أودع في الإنسان هذه الحاسة التي هي حصنٌ وتكريم.

وتعد وظيفة الشم من الوظائف التي تختلف عن بقية الوظائف الحسية الأخرى فيما يتعلق بعدم تقاطع مساراتها إلى نصفي المخ،فالمدخل الحسي الشمي الذي يدخل فتحة الأنف اليمنى يسير ليصل مباشرة إلى النصف الكروي الأيمن،وكذلك الحال في الأيسر.

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله(موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة):

“إن من نِعم الله عز وجل التي لاننتبه لها نعمة الشم،ولقد أقام العلماء موازنة بين الشمّ والبصر،فالعين لاترى إلا بوسيط،وهو الضوء،ولكن الشمَ لايحتاج إلى وسيط،فالإنسان يشمّ ليلاً ونهاراً،في ضوءٍ شديد وفي ظلمة شديدة،ولايحتاج الشمّ إلى اتصالٍ قريبٍ مباشر بينك وبين الشىء،كما هو في السمع،لذلك قالوا:الشمُّ يعطيك دائرة أمانٍ واسعة جداً،وأنت نائم قد تشمّ رائحة الغاز في البيت،بلا صوتٍ ولاضوء،ولاثمة اتصال مباشر،أنت في غرفة النوم،وموقد الغاز في المطبخ،والأبواب مقفلة،والظلام شديد،والصوت معدوم،والاتصال المباشر معدوم،ومع ذلك تشمُّ فتستيقظ وتُغلق موقد الغاز،إذاً الشمّ يعطيك دائة أمان واسعة جداً

فقدان  أو ضعف حاسة الشم:

فقدان حاسة الشم:Anosmia،وهو عدم قدرة الإنسان على شم الروائح بشكل مطلق.

وأما ضعف حاسة الشم Hyposmia فهو فقدان جزئي لحاسة الشم..

وتعتمد القدرة على معرفة الفرق بين النكهات على الرائحة،وليس على المستقبلات الذوقية في اللسان.ولذلك فإن المرضى الذين يعانون من فقدان حاسة الشم فإنهم غالباً مايشكون من فقدان حاسة الذوق أيضاً وعدم الاستمتاع بالطعام.

ولكن هناك بعض النكهات الذوقية،مثل الطعم المالح والمر والحلو يمكم تمييزها عن طريق حاسة الذوق دون الحاجة إلى حاسة الشم.

أسباب فقدان الشم(الخشم) أو نقص الشم:

تتراجع حاسة الشم عند التقدم في العمر غالباً وتجاوز سن الستين.ويمثل العمر السبب الأقوى لتراجع حاسة الشم لدى البالغين الأصحاء،وغالباًُ ماتمر التغيرات الشمية المرتبطة بالعمر دون أن يلاحظها أحداً،ويعاني حوالي2%من الأشخاص دون سن 65 من مشاكل شمية مزمنة،ويزداد الرقم مع التقدم في العمر.وتصل النسبة إلى 75% تقريباً عند تجاوز سن الثمانين.

وهناك أسباب ولادية خلقية للخشم أحياناً.ويكون بسبب آفات في الطرق الشمية أو المراكز الشمية،ومن أشسبابه داء مورسيير الولادي،وهناك بعض الأمراض الانتانية التي قد تسببه ومنها إصابة الحامل بالإفرنجي.ويكثر مشاهدة الخشم عند المصابين بالبهق(البرص)

ومن الأسباب الأخرى هي العوامل التي تسبب انسداد المجاري الأنفية بما يمنع الروائح من الوصول إلى المستقبلات الشمية،أو بسبب بعض العوامل التي تخرب من المستقبلات الشمية أو العصب والألياف الشمية…

ومن هذه الأسباب نذكر الحوادث والإصابات التي تسبب إصابة الرأس بالكسور وتصيب المناطق الشمية وخاصة في المنطقة الجبهية حيث توجد ألياف العصب الشمي وفروعه،وخاصة في المنطقة الغربالية.

وهناك الإصابات الالتهابية  والتحسسية والخراجات والأورام التي تصيب هذه المناطق.

وهناك الإصابات الفيروسية ومنها فيروسات الانفلونزا والكورونا والحمات الراشحة الأخرى.

وهناك التعرض للمواد الكيماوية السامة وبشكل مزمن وخاصة مبيدات الأعشاب والتعرض لبعض المعادن الثقيلة مثل الكادميوم والنيكل والمنجنيز،…

وهناك الإصابات العصبية ومنها مرض التصلب اللويحي وداء الزهايمر وداء باركنسون.

كما تشاهد الاصابات عند المدمنين على المخدرات،وعند المدخنين.وعند استعمال السعوط.

ويمكن للمرجلات الأنفية(البوليب)أن تسبب نقصاً أو انعداماً في الشم.

كما أن هناك بعض الأدوية قد تسبب نقصاً في الشم ومنها حاصرات بيتا.وبعض بخاخات الأنف التي تسبب تضيقاً في دوران الأوعية الدقيقة الأنفية.وهناك بعض الأدوية في معالجو اضطرابات نظم القلب مثل الأميدارون قد تسبب نقصاً في الشم.

فقدان الشم وفيروس الكورونا:

يقدر أن حوالي80 ـ  90% من المصابين بفيروس الكورونا يفقدون حاسة الشم.وقد يكون فقد الشم هو العرض الموجه للإصابة بهذا الفيروس.

هناك نوعان من فقدان الشم بسبب الإصابة بفيروس الكورونا:الحاد والمزمن.

وسبب فقدان الشم هو إصابة البشرة الشمية في تجويف الأنف بالفيروس وما يسببه من التلف على مستوى المستقبلات الشمية،والأهداب المسؤولة عن تمييز الروائح.

أما فقدان الشم الحاد:فهو يشاهد في الإصابة الحادة بالمرض ويترافق مع الأعراض الأخرى وخاصة منها مايتعلق بالإصابة بالمجاري التنفسية والأنفية.وهو غالباً مايتراجع خلال أسابيع من بعد الإصابة الحادة.

وأما المزمن:فيحدث بعد زوال العدوى،وقد يستمر لعدة أسابيع أو أشهر بعد الإصابة البدئية.

وقد تبين أن بعض الكروموسومات وخاصة الكروسوم الرابع قد تؤهب للإصابة بفقدان الشم حيث يوجد عليه مراكز الشم.

وبالرغم من أن الأعصاب التي تتحكم في حاسة الشم يمكنها في الغالب أن تنمو من جديد بعد تعرضها للضرر،إذ أنها تعد من الأعصاب الفريدة المعروفة بقدرتها على تجديد نفسها بسرعة.

وأما فرط الشم:

فهو الإحساس المفرط بالروائح ويشاهد بشكل خاص عند الحوامل،وقد يكون لأسباب نفسية ـ جسمية(سيكوسوماتيك).وقد يكون فرط الشم لبعض الروائح أو كلها جميعاً،وقد ينشأ عن انعكاسات مختلفة كالغثيانات والإقياءات،ونوب الربو والصداع…وقد يشاهد في بعض المتلازمات العصبية كالوهن العصبي أو الدور الأول من التهاب العصب الشمي.

وهناك حالات مايسمى الهلوسة الشمية،والتي قد تشاهد في بعض الأمراض العصبية أو النفسية.وقد تكون مقدمة لنوبة الصرع (النسمة الصرعية)عند المصابين به.وقد يشاهد في الآفات المخرشة للتلفيف الصدغي الخامس(تلفيف الهيبوكامبس)،وقد يشاهد في حالات الفصام والاكتئاب

إن انعدام الشم أو نقصه الشديد قد يكون لها مضاعفات قد تكون خطيرة ومنها:

1 ـ عدم القدرة على شم الغاز المتسرب مما قد يؤدي لحدوث انفجار في المكان،أو عدم القدرة على شم رائحة النار المشتعلة في بدايتها مما يسبب حرائقاً واسعة.

2 ـ انطلاق بعض الأبخرة السامة والتي لايمكن تمييزها.

3 ـ عدم القدرة على شم الروائح الفاسدة من الأطعمة والمشروبات وحدوث التسمم الغذائي.

من الناحية الدينية:

قال تعالى:{ولمّا فصلَتِ العِيرُ قال أبوهم إنّي لأَجدُ ريحَ يوسُفَ لولا أن تُفندون}[يوسف 94]

جاء في التفسير:”وحين غادرت الإبل التي تحمل إخوة يوسف حدود مصر،وأخذت طريقها إلى الارض التي يسكنها يعقوب عليه السلام،قال لمن كان جالساً معه من أهله وأقاربه إني لأجد ريح يوسف،أي رائحته التي تدل عليه،وتشير إلى قرب لقائي به،لولا أن تنسبوني إلى الفند وضعف العقل.وقد أشم الله تعالى يعقوب عليه السلام ماعبق من القميص من رائحة يوسف من مسيرة أيام،وهي من المعجزات الإلهية.وقال الإمام مالك رحمه الله:”أوصل الله ريح قميص يوسف ليعقوب كما أوصل عرش بلقيس إلى سليمان قبل أن يرتد إلى سليمان طرفه”.

وجاء في تفسير البغوي:”روي أن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير”.وقال مجاهد:”أصاب يعقوب ريح يوسف من مسيرة ثلاثة أيام،وقال ابن عباس:من مسيرة ثمان ليال.

ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:

“و”فصلت” تدل على شىء كان ملتصقاً بشىء آخر وانفصل عنه،وفصلت العير:أي: خرجت من المدينة وتجاوزتها،لتسير في رحلتها،والمقصود خروج القافلة من حدود مصر قاصدة مكان يعقوب عليه السلام.وهنا قال يسعقوب لمن كانوا حاضرين معه من الأحفاد وأبناء الأبناء::{إني لأجد ريح يوسف}والمعروف أن القميص الذي أرسله مع أخيه الأكبر يحمل رائحة يوسف،لكن الذين حول يعقوب من أقربائه لم يُصدقوا قوله،فأضاف:{لولا أن تُفندون} أي: لولا اتهامكم لي بالخرف،لأن التفنيد هو الخرف.

ومن العجيب أننا في أيامنا هذه نجد العلم وقد أثبت أن صور المرائي والأصوات،توجد لها آثار في الجو،رغم ما يخيل للإنسان أنها تلاشت.

ويحاول العلم بوسائل من الأشعة أن يكشف صورة أي جماعة كانت تجلس في مكان ما،ثم رحلت عنه منذ ساعة أو ساعتين،مما يدل على أن الصور لها نضح من شعاع وظلال يظل بالمكان لفترة قبل أن يضيع.

وكذلك الأصوات فالعلماء يحاولون استرداد أصوات من رحلوا،ويقولون: لاشىء يضيع في الكون،بل كل ما وُجد فيه محفوظ بشكل أو بآخر.

والرائحة أيضاً لاتضيع،بدليل أن الكلب يشمُّ الريح من مسافات بعيدة،ويميز الآن المخدرات من رائحتها،ولذلك تنتشر الكلاب المدربة في المطارات وعلى الحدود،لتكشف أيّ محاولة لتهريب المخدرات.

وإذا كان الحيوان المخلوق بقدرة الله قادراً على التقاط الرائحة من بين آلاف الروائح،وإذا كان العلم الموهوب من الله للبشر،يبحث الآن في كيفية استحضار الصورة واسترداد الصوت من الفضاء المحيط بالإنسان،فعلينا أن ندرك أن العير عندما خرجت من أسوار المدينة وأخذت طريقها إلى الموقع الذي يهيش فيه يعقوب عليه السلام،استطاع يعقوب بقدرة الله أن يشم رائحة يوسف،تلك التي يحملها قميصه القادم مع القافلة.

ولسائل أن يقول:ولماذا ارتبط تنسم يعقوب لرائحة يوسف بخروج العير من مصر،وتواجدها على الطريق إلى موطن يعقوب؟

نقول: لأن العير لحظة تواجدها في المدينة تكون رائحة قميص يوسف مختلطة بغيرها من الروائح،فهناك الكثير من الروائح الأخرى داخل أي مدينة،ويصعب نفاذ رائحة بعينها لتغلب على كل الروائح،ويختلف الأمر في الخلاء،حيث يمكن أن تمشي هبّة الرائحة دون أن يعترضها شىء.

وبذلك نؤمن أن كل شىء في الكون محفوظ لايضيع،مصداقاً لقوله تعالى:{وإنَّ عليكم لحافظين* كراماً كاتبين}[الانفطار 10 ـ 11]وكل مايصدر منك مُسجل عليك ولذلك يأتيك كتابك يوم القيامة لتقرأه وتكون على نفسك حسيباً”.

وجاء في مجلة المنار العدد 528 للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:

“قد ثبت عند علماء الغرب في العصر أن الرياح تحمل الغبار وما فيه من المواد المختلفة من أفريقية إلى أوروبة مثلاً في مسافات أبعد مما بين مصر وأرض كنعان من بلاد الشام العليا(فلسطين)،وهي تحمل رائحة ماله رائحة منها بالطبع،ولكن الغرابة في شم البشر لها من مسافة بعيدة كهذه،وبعض الحيوان من الوحوش والحشرات أقوى وأبعد شماً من الناس،والروائح منها القوي والضعيف،ومن أضعفها رائحة جسم الإنسان وعرقه وما يصيب ثوبه منها،ومن الناس من يميز بين روائح الأسرة الواحدة بل الأخوة منهم،ولكن مانحن فيه من خوارق العادات،وخواص عالم الغيب لا سنن المواد والأجسام،فقد قيل أن قميص يوسف عليه السلام كان لجده إبراهيم صلى الله عليه وسلم وإن جبريل جاءه به من الجنة حين ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً،وأن الرائحة التي وجدها يعقوب هي رائحة الجنة،.ولكن الوحي يقول إنه وجد ريح يوسف لاؤيح الجنة من قميصه وإنما ريح قميصه بالطبع من ريح بدنه.

ويتابع رحمه الله:”إن نص الآية أن يعقوب عليه السلام أخبر عن نفسه أنه وجد رائحة ولده ىيوسف لما فصلت العير من أرض مصر،وهذا أمر وجداني نفسي لايجب على كل مؤمن أن يعرف كنهه أو سببه،وإنما علينا أن نصدقه لأنه معصوم من الكذب وقد تبين صدقه بالفعل”.

ويقول الشهيد سيد قطب في الظلال:

“ريح يوسف!كل شىء إلا هذا.فما يخطر على بال أحد أن يوسف بعد في الأحياء بعد هذا الأمد الطويل،وأن له ريحاً يشمها هذا الشيخ الكليل!

إني لأجد ريح يوسف.لولا أن تقولوا شيخ خرف”لولا أن تفندون”…لصدقتم معي ما أجده من ريح الغائب البعيد.

كيف وجد يعقوب ريح يوسف منذ أن فصلت العير،ومن أين فصلت؟يقول بعض المفسرين:إنها منذ فصلت من مصر،وأنه شم رائحة القميص من هذا المدى البعيد.ولكن هذا لادلالة عليه.فربما كان المقصود لما فصلت العير عند مفارق الطرق في أرض كنعان،واتجهت إلى محلة يعقوب على مدى محدود.

ونحن بهذا لاننكر أي خارقة من الخوارق يمكن أن تقع لنبي كيعقوب من ناحية نبي كيوسف.كل ماهنالك أننا نحب أن نقف عند حدود مدلول النص القرآني أو رواية ذات سند صحيح.وفي هذا لم ترد رواية ذات سند صحيح،ودلالة النص لاتعطي هذا المدى الذي يريده المفسرون.

وجاء في موسوعة  عبد الدائم الكحيل للإعجاز في القرآن والسنة:

“كيف استطاع سيدنا يعقوب تمييز رائحة قميص ابنه يوسف على مسافة بعيدة؟وهل كشف العلماء أسراراً جديدة لحاسة الشم عند الإنسان؟

عندما أرسل يوسف عليه السلام قميصه لأبيه وقبل أن يصل القميص أخبرهم يعقوب عليه السلام أنه يجد ريح يوسف،والغريب هو كيف استطاع سيدنا يعقوب أن يجد ريح ابنه على مسافة طويلة قبل أن يصل القميص إليه؟

يتابع الدكتور الكحيل:”من الأخبار العلمية أن العلماء وجدوا آثاراً لعضو ضامر يسمىVomeronasal في أنف الإنسان كان في يوم ما يلتقط الإشارات الكيميائية البعيدة الصادرة عن أشخاص آخرين،ويقول العلماء إن هذا العضو الحساس يقع في الدماغ خلف فتحتي الانف.

إن هذا العضو الضامر كان عبارة عن ثقبين صغيرين يلتقطان الإشارات الكيميائية التي يفرزها أشخاص آخرون ويحتوي على مجموعة من الأعصاب تستطيع تحليل هذه الإشارات والتعرف على صاحبها.

هذه الخلايا العصبية كانت فعالة منذ آلاف السنين ولكنها فقدت حساسيتها مع الزمن ولم يعد لها مفعول يذكر،ولكن وكما نعلم هنالك كثير من الحيوانات تتخاطب بلغة الإشارات الكيميائية،مثل النمل مثلاً.ويؤكد العلماء أن هذا العضو كان مستخدماً بفهالية كبيرة لدى البشر في عصور سابقة.

والعلم اليوم يقرر حقيقة علمية وهي ثبات رائحة الإنسان وتميزها عن غيره.فلكل منا رائحة تختلف عن الآخر.حتى أنه ليمكننا القول بأن كل إنسان له بصمة كيميائية تتمثل في أن جسده يفرز مواد محددة تختلف عن أي انسان في العالم،وتبقى هذه الرائحة مرافقة له في عرقه مثلاً منذ ولادته وحتى الموت.

كيف يفهم الدماغ لغة الروائح؟

يقول بعض العلملء من جامعة هارفاد الأمريكية :هنالك جزيئات تدعىTRP2 تتوضع على الخلايا العصبية وعندما تأتي المواد الكيميائية التي يطلقها إنسا آخر فإنها تندفع عبر هذه الجزيئات وتسبب تغييراً في توتر الخلية(الطاقة الكهربائية المختزنة في الخلية)وبالتالي ترسل الخلية إشارات كهربائية إلى الدماغ يحللها الدماغ مثل رسالة بريد الكتروني.

والآن نأتي إلى الآية الكريمة ونتأملها من جديد على ضوء هذه الاكتشافات.فقد أحضر إخوة يوسف قميصه وفيه رائحة سيدنا يوسف،هذه الرائحة انتقلت مع الريح لتصل أنف سيدنا يعقوب قبل أن تصل القافلة.

واستطاع سيدنا يعقوب تذكر رائحة ابنه الذي مضى على غيابه عشرات السنين،بينما بقية أفراد العائلة لم يصدقوا ذلك،إذ أن الجميع يظن بأن يوسف قد أكله الذئب،ولذلك قالوا له:{قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم}[يوسف 95].

إذن ماجاء في القرآن الكريم موافق للمنطق العلمي والاكتشافات الجديدة ولايناقضها أبداً،وإذا تذكرنا أن العلماء يؤكدون قدرة الإنسان على تذكره الروائح لفترات طويلة من الزمن،وتذكرنا مايقوله العلماء حول تأثير هذه الروائح على السلوك الإنساني،فيمكننا عندها أن نقتنع بقصة سيدنا يوسف وأن سيدنا يعقوب عليه السلام قد شم رائحة قميص ابنه وقد أعادت هذه الرائحة له البصر”.

4 ـ حاسة الذوق

التذوق:هو الإحساس الناتج أو المثار عندما تتفاعل مادة في الفم كيميائياً مع خلايا مستقبلات التذوق الموجودة على براعم التذوق في تجويف الفم ومعظمها موجود على اللسان.

يُغطى اللسان بآلاف النتوءات الصغيرة التي تسمى الحليمات،والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة.وتوجد داخل كل حليمة المئات من براعم الذوق،ويستثنى من تلك الحليمات الخيطية التي لاتحتوي على براعم الذوق.ويحتوي كل برعم ذوقي على 50 ـ 100- خلية من مستقبلات التذوق.ويوجد على الجزء الخلفي والأمامي من اللسان حوالي 2000ـ 5000 برعم ذوق.

وتتم حاسة الذوق من خلال براعم  أو مستقبلات الذوق.ويبلغ عددها حوالي 9000عند الكهل.

وهي تتوضع على الأقسام السطحية من الوجه الظهري للسان،ويوجد عدد قليل منها في شراع الحنك ولسان المزمار.وعند الأطفال يكون عددها كبيراً وتتوزع بصورة منتشرة في اللسان وباطن الخدين.

تتكون البراعم الذوقية من نوعين من الخلايا:الخلايا الاستنادية والخلايا الحسية.

وأما الخلايا الاستنادية: فتتوضع في محيط البرعم الذوقي ولها نهاية ظاهرة مؤنفة وتحيط قاعدتها بفتحة صغيرة تسمى الثقبة الذوقية الباطنة.

وأما الخلايا الحسية أو الذوقية: فتتوضع بين الخلايا الاستنادية ولكل منها استطالة خارجية هي الهدب الذوقي واستطالة داخلية.

وأما الحليمات الذوقية الموجودة في اللسان فهي الخيطية وهي تختص بحس الألم واللمس،والحليمات الفطرية أو الكمأية وهي تختص بحس الذوق.وهناك الحليمات الكأسية وتشكل مايسمى السبعة اللسانية.ويلحق ببراعم الذوق مايسمى غدد الذوق أو غدد فون ايبنر والتي تفرز سائلاً مصلياً يلعب دوراً هاماً في تطهير براعم الذوق وإعدادها للشعور الذوقي.

الأعصاب الذوقية:

1 ـ الشعبة اللسانية من العصب البلعومي اللساني(العصب التاسع):وهي تُعصب الثلث الخلفي من اللسان وهي مسؤولة بشكل خاص عن الطعم المر.

2 ـ عصب حبل الطبل:يعصب الثلثين الأماميين للسان تعصيباً ذوقياً  من النواة المنفردة عن طريق عصب ويرزبرغ.

3 ـ العصب الصخري السطحي الكبير:يعصب  ذوقياً ناحية شراع الحنك.

كما أن البراعم الذوقية في لسان المزمار تعصب من قبل العصب المبهم(العصب الاثني عشر القحفي).

وإن كل الألياف الذوقية تنتهي في المركز الدماغي في النواة المنفردة،ومن هذه النواة تنطلق أليافاً تتصالب على الخط المتوسط لتنتهي في القسم الخلفي من النواة الجانبية البطنية للسرير البصري،ومن ثم إلى القسم السفلي من التلفيف الجداري الصاعد،وقشر كلابة حصان البحر،وإلى الجزيرة.

وهناك مركزان رئيسيان للذوق:أحدهما يقع في التلفيف الجداري الصاعد،والثاني يقع في قشر كلابة حصان البحر.

تسير ألياف حسية من العصب البلعومي اللساني والذي يعصب الثلث الخلفي من اللسان والذي يختص بالطعم المر.وتسير ألياف من عصب وريزبرغ المتوسط والملحق بالعصب السابع وتنتهي هذه الألياف في النواة المنفردة،ويشترك العصب اللساني وهو شعبة من العصب الفكي السفلي بتعصيب الثلثين الأماميين من اللسان،وتنتهي الألياف الحسية للهصب الخامس في نواة الزوج الخامس الحسية.

وتصعد من النواة المنفردة ونواة الزوج الخامس ألياف ذوقية تسير مع شريط رايل المتوسط وتنتهي في النواة البطنية الجانبية والمركز الخلفي في النواة الهلالية.ومن السرير البصري تذهب ألياف إلى مراكز الذوق والتي تقع بصورة خاصة في الساحة38 وذلك في أعلى وأمام التلفيف الصدغي الأول في الكلابة.

ومن الناحية الفيزلوجية:

هناك أربعة أنواع من الطعام:الحلو،والحامض،والمالح،والمر.

إن الخلية الحسية الواحدة لايشترط بها أن تكون حساسة للطعوم الاربعة،وإن بعض الخلايا الحسية الذوقية قد تكون حساسة لبعض الطعام أكثر من غيره.

إن مستقبلات الطعم الحلو توجد بصورة رئيسية عند ذروة اللسان،أما مستقبلات الطعم المر فتوجد في القسم الخلفي من اللسان.أما مستقبلات الطعم الحامض فتوجد في حوافي اللسان،وأما المالح عند ذروة وحواف اللسان.كما يمكن أن نجد مستقبلات للطعم الحامض والمر في شراع الحنك.

تبدأ الخمائر الهاضمة في اللعاب بإذابة الطعام إلى مواد كيميائية أساسية تُمرر على الحليمات ويُكشف عن طعمها عبر براعم التذوق.

وتبين أن حساسية الخلايا الذوقية المتخصصة للطعم المر،تبلغ عشرة آلاف ضعف حساسية الخلايا التي تتذوق الطعم الحلو.وإن كل طعام سام مؤذ مثل السموم غالباً ذات طعم مر،وهذا من نعمة الله على الإنسان ليستطيع تمييز الطعام المر بتركيز بسيط والتعرف عليه وتجنبه.

إن المواد ذات الطبيعة الحمضية تحتوي على الحموض.فالخل يحتوي حمض الخل،والحمضيات تحتوي على حمض الليمون،والحليب الحامض على حمض اللبن.وبينما نرى أن الحموض الضعيفة ليست ذات طعم حمضي واضح،فإن الحموض القوية كحمض كلور الماء فإنه يمكن التحسس منها ولو كانت مرققة بشكل كبير.ويتم إثارة مستقبلات الحموضة من خلال دخول شوارد الهيدروجين من خلال قنوات خاصة بها في مستقبلات الحموضة في البراعم الذوقية.

وأما المادة الملحية النموذجية فهي كلور الصوديوم،وكلور البوتاسيوم،وكلور الكلسيوم.وإن الكاتيونات(أي الهوابط) هي التي تلعب الدور الأساسي في تذوق الطعم المالح.ويتم إثارة مستقبلات الملوحة من خلال شوارد الصوديوم والتي توجد في ملح الطعام كما أن شوارد البوتاسيوم والكلسيوم والكلور تثير هذه المستقبلات.

وأما بالنسبة للطعم الحلو فإن أكثر السكاكر حلاوة هو سكر الفواكه أي الفركتوز ومن ثم سكر القصب(السكاروز) ومن ثم سكر العنب أي الغلوكوز.ويتم إثارة مستقبلات الحلاوة من قبل الأطعمة التي تحتوي على المواد الكربوهيدراتية وخاصة السكريات البسيطة كسكر الفواكه وسكر العنب،ومن قبل الأطعمة غير الكربوهيدراتية مثل السكارين والسكراوز.

وإن الحموض الأمينية الألفية ذات طعم حلو بينما عديدات الهضميد فهي ذات طعم مر.

وأما الطعم المر فينجم عن العديد من المواد مثل كلور الكازيوم ويود البوتاسيوم،وكبريتات المانيزا.وهناك أيضاً حمض المر،والقلويات مثل الكينين والستركنين والألوين.ويتم إثارة مستقبلات المرارة من خلال مستقبلات مرتبطة ببروتين معين يثار من خلال الأطعمة التي تحتوي بعض أنواع الجزيئات العضوية النيتروجينية ومنها الكافئيين والنيكوتين والستركنين..

إن عملية التذوق هي مزيج من إحساسات الذوق،واللمس،والحرارة،والحركية،والشم.حيث تساهم الأذواق الأساسية جزئياً فقط في الإحساس بالطعام ونكهته في الفم،وتشمل العوامل الأخرى المساهمة الرائحة،التي تستشعرها الظهارة الشمية للأنف،والملمس،والذي تستشعره مجموعة متنوعة من المستقبلات الميكانيكية،ودرجة الحرارة التي تستشعرها المستقبلات الحرارية،والبرودة(مثل المينتثول)والحرارة(الحِدّة والحرافة)عبر الحس الكيميائي.

ويتم نقل إحساسات التذوق إلى مركز الشم في الدماغ من خلال ألياف عصبية موزعة على ثلاثة أعصاب قحفية:العصب السابع أو مايسمى العصب الوجهي،وهو ينقل إشارات التذوق الموجودة في الثلثين الأماميين من سطح اللسان.والعصب القحفي التاسع أو مايسمى العصب اللساني البلعومي وهو ينقل الإشارات من الثلث الخلفي من اللسان.والعصب العاشر أو مايسمى العصب المبهم وهو ينقل الإشارات من باقي خلايا الذوق المنتشرة في الحلق وجوانب الفم والحنك.

وتنتهي محاور عصبونات التذوق من هذه الأعصاب الثلاثة في النواة المنفردة والموجودة في البصلة السيسائية في جذع الدماغ.ومن هذه النواة تنشأ ألياف عصبونات التذوق الثانوية والتي تنتهي في النواة البطنية الخلفية الأنسية للمهاد البصري ومنها تنشأ ألياف عصبونات التذوق الثالثية والتي تنتهي في منطقة التذوق الأولية والواقعة في التلفيف خلف المركزي من قشر الفص الجداري المخي.وترتبط منطقة التذوق الأولية بمناطق مختلفة من الدماغ والتي تنتج ردود الفعل على مختلف أنواع الأطعمة،فالطعم المر يتم لفظه مباشرة،وأما الأطعمة المستساغة فتثير إفراز اللعاب في الفم.ويتم إثارة إفراز اللعاب من قبل النواتين اللعابتين العلوية والسفلية والموجودة في جذع الدماغ والتي ترسل إشارات عصبية حركية لإفراز اللعاب من الغدد اللعابية الموجودة تحت الفك وتحت اللسان والغدة النكفية.

إن العلاقة بين حاستي الشم والتذوق علاقة وثيقة،ويتم التعاون بين الحاستين من خلال التواصل بين مراكزهما في الدماغ.ووجد أن 75% من عملية تذوق الطعام تتم من خلال عملية الشم،ولذا يفقد الإنسان الإحساس بمذاق كثير من المأكولات عند اصابته بالزكام أو عند تعطل حاسة الشم.ومن الجدير بالذكر أن حاسة الشم أقوى بعشرة آلاف مرة من حاسة التذوق.

وأما الإحساس بالحركية فهو يعني معرفة القساوة أو المرونة.والناجمة عن سيالات عصبية من النهايات العصبية للعضلات والمفاصل المستعملة في المضغ،وإذا ما أغلق الأنف ومُنع المضغ فمن الصعب التمييز بين التفاح والبصل.

ونظراً إلى أن التذوق يستشعر كلاً من الأشياء الضارة والمفيدة،تُصنف جميع الأذواق الأساسية لصنفين رئيسين:الشهي أو المكروه.وهذا يتوقف على تأثير الطعام الذي نشعر به على أجسامنا.فالحلاوة تساعد على تحديد الأطعمة الغنية بالطاقة،بينما المرارة هي إشارة تحذير من السموم.

إن حاسة الذوق عند الإنسان من الأهمية بمكان،حيث أن حياته قد تكون مهددة في حال غيابها.فقد يشرب الإنسان بعض المشروبات السامة والضارة التي لالون لها على أنها ماء مثا الكاز مما يؤدي إلى تسممه وهلاكه.وقد يتناول الإنسان بعض الأطعمة الضارة أو الفاسدة بدون أن يدرك كنهها ويصاب بالتسمم.

إن المصابين بقصور قشر الكظر أي داء أديسون يمتازون بأن عتبة التنبيه للطعوم الأربعة منخفضة جداً،وإن المعالجة بالستيروئيدات القشرية السكرية فتعيد العتبة إلى الحد الطبيعي.كما تبين أن المرضى بقصور الغدة النخامية أو التليف الكيسي لديهم حساسية مفرطة للمذاقات الخمسة الرئيسية.

تبدأ حاسة التذوق بالتراجع بعد سن الخمسين عند البشر وذلك بسبب فقدان حليمات اللسان والإنخفاض في إفراز اللعاب.

ويشاهد فقد حاسة التذوق وخاصة للمذاقات الخمسة الأساسية بشكل جزئي أو تام في بعض أمراض الجهاز التنفسي العلوي وخاصة الإصابة بالكورونا،وفي صدمات الرأس،والتعرض للمواد السمية،وفي التلف العصبي وخاصة تلف العصب الطبلي والعصب اللساني البلعومي.

كما يشاهد ذلك أيضاً في أمراض الغدد الصماء وخاصة قصور الغدة الدرقية،ومتلازمة كوشينغ،والداء السكري.

ويمكن أن يشاهد فقد أو نقص التذوق عند المعالجة ببعض الأدوية وخاصة البنسيلين أمين والأدوية القاتلة للخلايا…ومضادات الاكتئاب وبعض أدوية معالجة ارتفاع التوتر الشرياني،وبعض الأدوية في معالجة داء الزرق في العين(الغلاكوما).

ومن الأسباب الأخرى الالتهابات الموضعية في براعم الذوق وخاصة المعالجة الشعاعية أو التهاب اللسان ،أو تعاطي التبغ، أو ارتداء طقم الأسنان…

ونستطيع أن نعتبر حاسة الذوق من الحواس المباشرة والتي يحدث فيها تفاعل المنبه مع العناصر المستقبلة مباشرة كحس اللمس،وهو بهذا يختلف عن الحواس غير المباشرة كالبصر والسمع.

من الناحية الدينية:

جاء في مفردات ألفاظ القرآن الكريم للراغب الأصفهاني:

“ذوق:الذوق:وجود الطعم بالفم،وأصله فيما يقِلُّ تناوله دون ما يكثر،فإن ما يكثر منه يقال له:الأكل.

واختير في القرآن لفظ الذوق في العذاب،لأن ذلك وإن كان في التعارف للقليل،فهو مُستصلحٌ للكثير،فخصهُ بالذكر ليعمّ الأمرين،وكثر استعماله في العذاب،نحو{ليذوقوا العذاب}[النساء 56]،{وقيل لهم ذوقوا عذاب النار}[السجدة 20]{فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}[الأنفال 35]{ذق إنك أنت العزيز الكريم}[الدخان 49]،{إنكم لذائقوا العذاب الأليم}[الصافات 38]،{ذلكم فذوقوه}[الأنفال 14]،{ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر}[السجدة 21].

وقد جاء في الرحمة نحو{أذقنا الإنسان منا رحمة}[هود9]،{ولئن أذقناه نعماءَ بعد ضراءَ مسته}[هود 10]،ويعبر به عن الاختبار فيقال :أذقته كذا فذاق،ويقال: فلان ذاق كذا،وأنا أكلته،أي: خبرته فوق ما خبر،وقوله:{فأذاقها الله لباس الجوع والخوف}[النحل 112]،فاستعمال الذوق مع اللباس من أجل أنه أريد به التجربة والاختبار،أي: فجعلها بحيث تمارس الجوع والخوف،وقيل: إن ذلك على تقدير كلامين،كأنه قيل: أذاقها طعم الجوع والخوف،وألبسها لباسهما،وقوله:{وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة}[الشورى 48] فإنه استعمل في الرحمة الإذاقة،وفي مقابلتها الإصابة،فقال:{وإن تصبهم سيئة}[الشورى 48] تنبيهاً على أن الإنسان بأدنى ما يُعطى من النعمة يأشر ويبطر،إشارة إلى قوله:{كلا إن الإنسان ليطغى*أن رآه استغنى}[العلق 6 ـ 7]

ذكر القرآن الكريم التذوق بالمعنى المعنوي والمعنى المادي.

فذكر الذوق المعنوي في عدة آيات ومنها:

{فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}

ذكرت أربع مرات في القرآن الكريم:آل عمران 106،والأنعام 30،والأنفال 35،والأحقاف 34.

{فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون}[السجدة 14]}

{فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}[النبأ30]

{فذوقوا عذابي ونذر}[القمر 39]

{فذوقوا ماكنتم تكنزون}[التوبة 35]

{وذوقوا عذاب الحريق}{الحج 22]

{ذوقوا مس سقر}[القمر 48]

{كل نفس ذائقة الموت}[آل عمران 185]

{ذُق إنك أنتَ العزيز الكريم}[الدخان 49]

والمعنى المادي:

{فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سواءتهما}[الأعراف 22]

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله:

“إن الله عز وجل جعل على اللسان خلايا خاصة تنتشر على شكل نتوءات يمكن للإنسان من خلالها أن يتذوق الحلو،والطيب من الطعام،وأن يلفظ المر والحمضي منه،وأن يتجرع الماء العذب الفرات،وأن يلفظ الملح الأجاج،وهذه الخلايا المتوضعة على اللسان،موزعة في أنحاء اللسان،بعضها في مقدمة اللسان لتذوق الطعام الحلو،وبعضها في مؤخرة اللسان لتذوق الطعام المر،وبعضها على جوانب اللسان لتذوق الطعم الحمضي والمالح.

والذي يلفت النظر أن حساسية الخلايا الذوقية المتخصصة بالطعم المر تبلغ عشرة آلاف ضعف عن حساسية الخلايا التي تتذوق الطعم الحلو،لماذا؟لأن الله جلت حكمته جعل كل طعام سام مؤذ مرّ الطعم،هذا التوافق توافق حكيم،الطعام الذي ينفعك حلو المذاق،والطعام الذي يؤذيك مر المذاق،لذلك كل أنواع السموم لها طعم مر،فلئلا يتسمم الإنسان كانت حساسية الخلايا المتخصصة لتذوق الطعم المر عشرة آلاف أضعاف عن حساسية الخلايا المتخصصة لتذوق الطعم الحلو.هذه واحدة.

والشئ الثاني:توافق الطعم المستساغ مع الفائدة،وتوافق الطعم المر مع الضرر،وهذا التوافق من حكمة الله.

شىء آخر:يسهم اللعاب الذي في الفم بشكل فعال جداً في إذابة الطعوم تمهيداً لتذوقها من قبل الحليمات الذوقية المتوضعة على اللسان.

وشىء ثالث:هو أن الأنف يتلقف البخار أو الغاز المنتشر من هذا الطعام ليشمه،فطعم الطعام أساسه شم وذوق،فكل طعام نأكله ونستطيبه ونحمد الله عليه ساهم في تكوين طعمه خلايا الشم مع خلايا الذوق،والإنسان حينما يصاب برشح شديد يشعر أن طعم الطعام قد اختلف فيه،وهذا من فضل الله جلا وعلا.

هناك في الدماغ مركز للتذوق،وهنالك مركز للشم،يستطيع مركز التذوق أن يفرق بين عشرة آلاف طعم،كما يحدث في الشم يصل هذا الطعم إلى الدماغ فيشعر به ثم يتعرف عليه،والتعرف عليه بأن يجري هذا الطعم على عشرة آلاف طعم في الذاكرة الذوقية،فإذا توافق هذا الطعم مع طعم مسجل في الذاكرة قال: هذا طعم كذا،وهذا الطعام فيه هذه المادة الفلانية”.

5 ـ الحواس الجلدية

يعتبر الجلد مركزاً لإحساسات عديدة ويمكن أن نشاهد منها سبعة أنواع على الأقل ويعتقد أن كل نوع منها حساس لأحد أنواع الإثارة فقط وهي::

حس اللمس،وحس الحرارة،وحس البرودة، وحس الألم،وحس الضغط.

وهناك أنواع أخرى للحواس نذكر منها:

1 ـ الحساسية التابعة للجهاز الودي(السمباتي) ووظيفتها استقبال التنبيهات الداخلية العامة وتدعى أيضاً بالحس المشترك أو الحس الباطني الذي يشعرنا بعضويتنا فيدلنا على حالة الأحشاء من امتلاء وفراغ في المعدة والأمعاء بالجوع أو العطش.وعلى حالة زيادة أو نقصان غاز بلا ماء الفحم في الدم كالشعور بالتعب أو الرعشة أو على حالة الغدد الصم الداخلية في نقصانها أو زيادتها للإفراز كالإحساس بالضيق أو تبدلات المزاج.

2 ـ الحساسية التابعة للأعصاب المنتهية أطرافها في العضلات والأوتار والمفاصل والقنوات نصف الهلالية ووظيفتها استقبال التنبيهات الداخلية الخاصة وهي تنقسم إلى قسمين:

ـ الاحساس الحركي العضلي:أي الإحساس بالجهد والمقاومة.

ـ الاحساس بالتوازن والاتجاه:ومركزه الأذن الداخلية.

ولقد زود الله تعالى الإنسان والكائنات الحية الأخرى بأجهزة تدرك من خلالها العالم الخارجي وما يحدث به من تبدلات وأحداث،كما تدرك بها العالم الداخلي،وما يحدث فيه من تغيرات.والإدراك الحسي وظيفة هامة للكائنات،فيه يدرك الكائن الحي مايؤذيه فيجتنبه،وما يفيده فيسعى إليه.

جاء في مجموعة السفير للمعارف الإسلامية:

الإحساس:مصدر الفعل أحس،والمجرد منه:حسّ يحسُّ حساً،والأصل العربي يرجع إلى الحاسة،وهي العضو،أو القوة التي يتمكن بها الكائن الحي من تلقي الخواص الفيزيائية للأشياء.

ويقال:حسستُ،وحسِستُ،وحسّيتُ،وأحسستُ.

وقد ورد هذا الأصل في القرآن الكريم على خمسة أوجه:

1 ـ الأول الظهور للحس،أي شعور الشخص بالشىء عندما يقع،أو يلامس إحدى الحواس الخمس(السمع والبصر واللمس والشم والذوق)ومثال ذلك قوله تعالى:{هل تُحِسُّ منهم من أحدٍ}[مريم 98].

أي :هل تجد بحاستك أحداً منهم.

2 ـ والثاني:الإدراك،أي إعطاء معنى، أو دلالة للمحسوسات.ومثاله قوله تعالى:{فلمّا أحسَّ عيسى منهمُ الكفرَ}[آل عمران 52]،أي عندما ظهر منهم الكفر ظهوراً بان للحس،فضلاً عن الفهم.

3 ـ الثالث:القتل والاستئصال،والأصل فيه راجع إلى:”أصبت حاسته”،مثل كبدته،أي أصبت كبده،ولما كان ذلك يتولد عنه القتل،عبر به عن القتل،فقيل:حسسته،أي قتلته،كقوله تعالى:{إذ تحُسُّونهم بإذنه}آال عمران 152]،أي تستأصلونهم قتلاً.

4 ـ البحث والاستقصاء،وطلب العلم بالشىء،ومثاله قوله تعالى:{يا بَنيَّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسفَ وأخيه}[يوسف 87].

5 ـ الصوت،ومثاله قوله تعالى:{لايسمعونَ حَسِيسها}[الأنبياء 102]،أي صوتها، أو حسّها،أو حركة لهيبها.

والحسُّ،والحسيس:مايمرُّ بك قريباً فتسمعه ولاتراه.

وتدل كلمة”الإحساس” علمياً على الوعي بالمنبهات،أو المحسوسات الداخلية،أو الخارجية(التي تتمثل في تغير مستوى الطاقة حول الكائن الحي أو داخله) عندما يستقبل أحد أعضاء الحس بعض المنبهات من البيئة الخارجية(الفيزيائية) أو الداخلية(الأحشاء).

أما الفكر الإسلامي،فيعتد بالمعرفة التي تتم عن طريق الحواس السليمة،بجانب المعرفة العقلية،والمعرفة المستمدة من الوحي الإلهي إلى الأنبياء المؤيدين بالمعجزات،قال تعالى:{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شيئاً وجعل لكم السمع واأبصارَ والأفئدة لعلكم تشكرون}[النحل 78].

ومن طبيعة الإحساس أنه يحدث غالباً دون معرفة،أو توقع من الشخص للمنبهات التي سيتلقاها من خلال حواسه.

وتمر عملية الإحساس بخطوات من أهمها:

ـ وجود منبه يؤثر في الخلايا العصبية الحسية المتخصصة في استقبال نوع معين من المنبهات الحسية،وفقاً لنوع الحاسة.

وهذا المنبه قد يكون في صورة:

ـ موجات كهرو مغناطيسية،مثل الضوء أو الحرارة.

ـ أو طاقة ميكانيكية:كما في الشم أو الذوق

ـ أو طاقة حرارية:كالحرارة والبرودة

أو طاقة عضلية:كتلك التي تنتج عن حمل ثقل،أو توتر عضلي ناتج عن المقاومة العضلية.

ويؤثر المنبه في الخلايا العصبية الحسية،إذ يحدث الإحساس عندما تتلقى الخلايا العصبية المتخصصة المتمركزة في أعضاء الحس:كالعين والأذن،المنبهات الحسية،وتقوم بدورها المتمثل في إطلاق نبضات عصبية،بسبب مايلحقها من تغييرات كهربية،وكيميائية موجهة إلى المراكز الحسية في المخ.

ثم يؤدي وصول النبضات الهصبية إلى المراكز الحسية في المخ إلى الشعور بالإحساس،وهو يتم في جزء من الثانية.

ثم يقوم المخ بتخزين الخبرات الحسية.

ثم تؤثر هذه الخبرات الحسية على كل من عملية الانتباه لما سبق للشخص من خبرة،والإدراك أي إعطاء معنى للتنبيهات الحسية.

وهذه الخطوات كلها تتم لدى الإنسان في جزء ضئيل من الثانية{فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون 14].

ولابد من توافر عدد من الشروط كي تتم عملية الإحساس وأهم هذه الشروط:

ـ مستوى المنبه:يجب أن يصل مستوى المنبه إلى درجة معينة من الشدة،حتى يشعر بها الكائن الحي،أو الإنسان،لأنه إذا كان المنبه من الضآلة بمكان فلن يصل إلى عتبة الإحساس لدى الإنسان أو الكائن الحي ومن ثم فلن يشعر به.

وهذا مايسمى قانون العتبة:وهو أن المؤثر كي يحدث إحساساً يجب أن يكون محصوراً بين حدين لا يتجاوزهما،العتبة الدنيا والعتبة العليا.أما العتبة الدنيا فهو أدنى قدر من المؤثر يمكن أن ينبه الحواس وتختلف هذه العتبة باختلاف الإحساسات،فهي للأصوات 20 هزة في الثانية،وللأضواء 396 مليون هزة في الثانية.وأما العتبة العليا فهي أعلى قدر من المؤثر الفيزيائي الذي لايحدث فوقه إحساس.فإذا زادت عن هذا الحد تصبح عندئذ غير مشعور بها.فهي للأصوات 20 ألف هزة في الثانية،وللأضواء 660 مليون هزة في الثانية.

وهناك كثير من المنبهات لاندركها،لأنها أدنى أو أعلى من مستوى المنبهات الحسية المتاحة للإدراك،والتي أراد الله لنا أن نشعر بها بمقتضى الخصائص التشريحية والوظيفية لأعضاء الحس لدينا.

ومثال الأدنى:قدرة الكلاب على سماع أنواع من الأصوات لايسمعها الإنسان.

ومثال الأعلى:عدم رؤية الإنسان للأشياء المتحركة بسرعات فائقة.

على أن بعض الكائنات الحية الأخرى:كالحشرات،والكلاب،وغيرها تشعر بأنواع من المنبهات لايشعر بها الإنسان مطلقاً،أو لايشعر بها إلا مع الاستعانة بأجهزة صناعية تتفاوت في ؤدرجة إتقانها،ولا تصل في كل حال إلا إلى قدر محدود من المنبهات.

ـ عدم حدوث نوع من التكيف الحسي:أي ضعف الحساسية للمنبه،نتيجة لاستمرار التعرض له لفترات طويلة.

ومن الأمثلة البسيطة على ذلك:أننا إذا وضعنا أيدينا في ماء دافىء نشعر بالسخونة في البداية،ثم يحدث التكيف بعد قليل،ولا نشعر بدفء الماء بعد ذلك،وكذلك التعرض لرائحة طيبة أو كريهة ـ لأول وهلة ـ إذ نشعر بالرائحة بوضوح في البداية،إلا أن طول التعرض للرائحة نفسها،يحدث نوعاً من التكيف الحسي،فلا نكاد ننتبه إليها إلا مع دخول شخص جديد.

وفي هذا الإطار نفهم خطورة التعرض لفترات طويلة لمنبهات حسية ضارة،أو مناظر لا تتفق مع القيم الخلقية،أو الدينية،لأن كثرة التعرض لها دون تغييرها من شأنه أن يؤدى إلى نوع من التكيف معها،وعدم الشعور بشذوذها أو التنبه لضررها،وضرورة تغييرها.

وبفضل عملية الإحساس،يشعر الكائن الحي بما يلائمه،أو ما يهدده،فيقبل على الملائم منها،ويتجنب ما يضره،أو يهدده،لهذا فإن سلامة وظائف الإحساس تُعد أساساً للتوافق مع الظروف البيئية المحيطة،بل إن فقدانها يمثل خطراً على حياة الكائن الحي،تصور مثلاً إنساناً فقد حاسة الشم وتعرض لتسرب غاز البوتاجاز أو فقد حاسة السمع ولم يسمع إنذاراً بخطر سيدهمه.(انتهى كلام السفير)

أنواع المستقبلات الحسية في الجلد:

1 ـ المستقبلات الميكانيكية:

وهي التي تتفاعل عند وجود تغيرات تقع على الجسم مثل الضغط والاهتزازات والتمدد واللمس.

ويوجد هناك أربعة أنواع من المستقبلات الميكانيكية في الجلد ونذكر منها:

ـ نهايات روفيني:Ruffini ending:وهي مستقبلات تتكيف ببطء توجد في الأدمة الجلدية أي في الطبقة العميقة من الجلد.وهذه النهايات حساسة لتمدد الجلد كما تساهم في الإحساس الحركي ،كما أنها تعمل كمستقبلات حرارية تستجيب لفترة زمنية طويلة.

ـ جسيمات مايسنر:Meissners corpuscles:وهي مستقبلات سريعة التكيف،وتوجد في الطبقة العليا من الأدمة والبشرة وخاصة في الجلد غير المشعر،مثل الكف ورؤوس الأصابع والشفتين وباطن القدمين والجفون وقمة اللسان وحلمة الثدي وفي البظر والحشفة في القضيب واللسان وباطن القدمين وأطراف الاصابع والجفون والوجه.وهي المسؤولة عن الحساسية للمس الخفيف.

ـ جسيمات باتشيني:Pacinian corpuscles:وتتواجد في طبقة الأدمة العميقة وعلى طول العضلات والأوتار والمفاصل وفي الأنسجة تحت المخاطية العميقة وفي الأغشية المصلية وفي الغدد اللبنية والأعضاء الجنسية الخارجية لكلا الجنسين وفي الأحشاء.

وهي تتكيف بسرعة وهي المسؤولة عن الحساسية للاهتزازات والضغط.

ـ نهايات ميركل العصبية:Merkel nerve:وتتواجد في الطبقة العليا من الأدمة وفي الجلد غير المشعر وهي ذات تكيف بطىء.ولها علاقة مع إحساسات اللمس والضغط.ولها علاقة مع اللمس الخفيف.

ويقدر عدد الجسيمات الناقلة لحس الألم حوالي 3 ـ 5 مليون،والناقلة للحس الحراري حوالي 200 ألف، والناقلة لحس اللمس والضغط حوالي 500 ألف،حتى يقال أن الجلد البشري ما هو إلا سطح يغطي شبكة هائلة من الألياف العصبية.

2 ـ المستقبلات الحرارية:

توجد في منطقة الأدمة في الجلد،ولها نوعان:المستقبلات الباردة والمستقبلات الساخنة.وتستشعر مستقبلات البرودة عندما تتراوح درجة حرارة سطح الجلد مابين 25 ـ 30 درجة مئوية.وتبدأ المستقبلات الساخنة بالاستشعار عندما ترتفع درجة حرارة سطح الجلد عن 30 ـ 46 درجة مئوية.وتوجد كلا النوعين من المستقبلات في جميع أنحاء الجسم،ولكن المستقبلات الباردة توجد بكثافة أكبر من الساخنة وتتركز المستقبلات الباردة في الوجه والأذنين ولهذا السبب يبرد الأنف والأذنين في الشتاء قبل بقية أنحاء الجسم.

3 ـ مستقبلات الألم:

وهي التي ترتكس عند تعرض الجسم للمنبهات الألمية مثل الوخز أو القطع أو الحروق أو لدغ الحشرات…ويوجد أكثر من ثلاثة ملايين مستقبل للألم في جميع أنحاء الجسم،وتتوزع في الجلد والعضلات والعظام والأوعية الدموية وبقية الاعضاء.

4 ـ المستقبلات الحركية:

وتوجد في الأوتار والعضلات والمفاصل.

ولنتكلم بنوع من التفصيل عن هذه المستقبلات:

1 ـ حس الحرارة:أو الإحساس الحراريThermoreception

بالرغم من الاعتقاد السائد بأن جميع مناطق الجلد لها حساسية واحدة حسية في كل أنحاء الجلد،إلا أنه لايجب أن يغفل عن البال أن هناك أيضاً لكل من الأشكال الحسية الأربعة التي ذكرت بؤر يظهر فيها بعض أنواع الحس أكثر من غيرها.فإذا مالمسنا بقضيب ساخن بعض مناطق الجلد فإن حساً بالحرارة لايظهر في بعض الأماكن ولكن يبدو واضحاً في مناطق أخرى.والتي تسمى البقع أو البؤر الحرارية.حيث يجلو فيها حس الحرارة على أوجه.وأما البقع أو البؤر الباردة فيمكن وضع مخطط لها أيضاً بإمرار قضيبٍ بارد عليها.فإذا ماقارنا بين المخططين أو الخارطتين نجد بأن البقع الباردة أكثر عدداً من الحرارية.وبأنه لايوجد أي توافق أو تطابق أو اتصال بين الإثنين.

ويتم الإحساس بالبرودة من خلال أعضاء استقبال البرودة والتي تسمى انتفاخ كراوس الطرفي ويوجد الكثير منها على الشفتين واللسان.

ويعتقد أن اختلاف توزع البقع الباردة والحارة يعود إلى اختلاف التركيز الوعائي في المناطق الجلدية،وحيث أن الأوعية الدموية مهيئة أيضاً من أجل المساعدة في الحس الحراري .

وفي درجات الحرارة الطبيعية فإن اختلاف الحرارة بمقدار 2 بالعشرة سانتيغراد فإن أول مايتحسس لذلك هو الذراع.وأما إذا كان الاختلاف حوالي 5 بالعشرة فإن الأصابع والوجه الظهري لليد أكثر تحسساً من الوجه الراحي.وإن الغشاء المخاطي للفم غير حساس للحرارة وحيث يمكن أن نشرب الشاي بدرجة حرارة قد تسبب الألم في الأصابع.وإن حبيبات روتيني العميقة في الجلد تقوم بتقدير شدة الحرارة والذي يقع على ألياف الأدمة.

ويتم الإحساس بالحرارة من خلال الأعضاء المسؤولة عن استقبال الاستثارة الحرارية وهي موجودة في تكوينات موجودة في الطبقات العميقة من الجلد.

ويدخل الإحساس بدرجة الحرارة من المستقبلات الحرارية للحبل الشوكي على طول محاور قناة ليسور التي تتشابك على الخلايا العصبية ذات الدرجة الثانية في المادة الرمادية من القرن الخلفي للنخاع الشوكي ثم تتقاطع المحاور العصبية ذات الخلايا العصبية من الدرجة الثانية وتصعد إلى النواة الخلفية الجانبية البطنية من المهاد البصري.

2 ـ حس اللمس :

وحاسة اللمس يتم من خلالها الإحساس بلمس الأشياء وهذا يعطي معلومات حول الجو المحيط بالجسم،وذلك من خلال ملامسة أي شىء والإحساس به.

يقول تعالى في كتابه العزيز:{ولو نزلنا عليكَ كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقالَ الذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبينٌ}[الأنعام 7]،حيث أشار القرآن الكريم إلى حاسة اللمس كأداة يستعين بها الإنسان ليتحسس الأشياء للتعرف عليها.

إن هذا الحس يمكننا من التمييز بين الأجسام القاسية والناعمة الملمس،وأيضاً يساعد على معرفة شكل الأشياء وقوامها.

وحاسة اللمس عامة لأن أعضاء اللمس توجد في جميع أنحاء الجسم،وذلك من خلال حساسية الجلد لمختلف أنواع المثيرات عن طريق أعضاء الاستقبال الجلدية.

وإن حس اللمس أيضاً له بؤر معينة خاصة يشتد عندها الشعور بالحس.وإن بقع أو بؤر اللمس تتوزع بصورة كثيفة حول جريبات الأشعار،وإن كل جذر شعري يُحاط بشبكة من الألياف العصبية.وإن العناصر العصبية تتضاءل إذا ماسقطت الأشعار.حيث أن كل شعرة بوضعها المحوري بالنسبة للجلد تعمل على عملية نقل الضغط إلى النهايات العصبية حول الجذور الشعرية.وعند نزع الأشعار فإن حس اللمس تنقص حساسيته بشكل كبير.

وهناك نوعان من أعضاء الاستقبال في حاسة اللمس وهما بصيلة مايسنر،وقرص مركلو وكلاهما يوجد في الأدمة تحت البشرة مباشرة.

إن جسيمات باشيني والتي توجد في الأدمة العميقة للجلد والطبقة تحت الأدمة والتي توجد بكثرة في جلد الأصابع والمفاصل والمساريقا حول الأمعاء والمنصف.وهي تلعب دور أساسي كمراكز حسية إذا اشتد الضغط عليها فهي أعضاء للحس والضغط.وهناك مستقبلات للضغط أصغر بكثير من جسيمات باشيني وتسمى بصيلات جولجي مازوني وهي موجودة في القسم السطحي من الجلد.

إن كل ليف عصبي واحد يُعصب عدة ملمترات مربعة،وإن كل منطقة تحتوي على ألياف عصبية عائدة لأكثر من ليف عصبي واحد.ولذا فإن الضغط على منطقة ما يولد سيالات تسير بأكثر من جذر نخاعي واحد.

وتبرز أهمية حس اللمس في قصة وحالة”هيلين كيلر” والتي استطاعت أن تتغلب على فقد حاستي البصر والسمع باستخدام حاسة اللمس،وقد استطاعت أن تتعلم أسماء الأشياء عن طريق ضغط الألفبائية اليدوية على راحة يدها.كما استطاعت أن تتعلم الكلام عن طريق وضع أصابعها على حنجرة أستاذتها آني سوليفيان لتحس ذبذبات صوتها،وأخيراً تعلمت القراءة والكتابة بطريقة برايل وهي نظام كتابي يعتمد على توزيع عدد من النقاط البارزة على شكل سداسي.وتقرأ هذه الرموز عن طريق إمرار الأصابع على النص.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن حاسة اللمس هي أم الحواس،وأن أثرها يبدأ منذ تشكل الجنين في رحم أمه،ويكتسب الطفل كثيراً من المعلومات عن نفسه وعن العالم المحيط به من خلال اللمس.

إن حس الألم أو ادراك الألم Nociception هو استجابة الجهاز الحسي الجسدي لبعض المنبهات الضارة والمؤذية.

وفي حس الألم فإن التنبيه الشديد سواء كان كيميائياً كمسحوق الفلفل الحار في العينين،أو ميكانيكياً كالجروح والهرس والسحق..أو حرارياً كالحرارة أو البرودة فإنه يتم تنبيه الخلايا العصبية الحسية المسماة بمستقبلات الأذيّة وهذا يؤدي إلى حدوث سلسلة من التفاعلات ينجم عنها انتقال السيالات العصبية إلى النخاع الشوكي والدماغ.

إن هذه المستقبلات المسماة مستقبلات الأذيّة توجد في مناطق الجلد وفي مناطق أخرى من الجسم كالسمحاق العظمي،وأسطح المفاصل،وفي بعض الأعضاء الداخلية.ويختلف توزيع هذه المستقبلات في الجسم وتوجد بتركيز عالي في الجلد بالمقارنة مع الأسطح الداخلية العميقة.

تملك مستقبلا الأذيّة عتبة معينة،أي أنها تتطلب حداً أدنى من شدة التنبيه قبل أن تطلق سيالاتها العصبيةباتجاه النخاع الشوكي والدماغ.

إن عملية تنبيه مستقبلات الأذيّة يشارك فيها مجموعة من الحواس ومنها:الحس العميق والحس الحراري والحس الكيميائي وحس الألأم وهي جميعاً تعمل بشكل متكامل.

وأما الحس العميق فيبدو من خلال المستقبلات الميكانيكية وخاصة جسيمات روفيني .والحس العميق هو الذي يعطي القدرة على التعرف على اتجاه الجسم وموضعه.

وأما الحس الحراري فإنه ينجم عن منبهات حرارية بدرجات 24 ـ 28 درجة مئوية وكل ماهو خارج عن هذا المجال يعتبر ألماً ويخفف بواسطة مستقبلات الألم.

إن حس الألم كحس الحرارة قابل للتكيف،فنحن نشعر ونحس حين ارتداء الملابس في البدء،ولكن بعد هذا نفقد هذا الحس مع أننا لانزال نرتدي الملابس.

إن الألم الظاهر عن تنبيه الجلد له صفات متعددة،فقد يكون من نوع الوخز،أو حس الحرق،أو الحكة،..ويتوضع في أماكن سهلة التميز.

إذا مانبهت الإصبع بمنبه كهربائي ساخن وذلك أسفل فراش الظفر فإنه يظهر لدينا نوعان من الألم:

الأول ويحدث مباشرة ويأخذ صفة الوخز.

والثاني يلي الأول بثوانٍ أو أكثر ويأخذ صفة حس الحرق.

أما الأول فإنه ينجم عن تنبيه ألياف عصبية كبيرة الحجم،وأما الثاني فينجم عن تنبيه ألياف لانخاعينية.وإذا ماقطع الدوران الدموي عن الإصبع فإن الألم الاول يختفي وأما الثاني فيبقى.

إن حس الألم بطىء جداً في التكيف.وفي بعض أمراض النخاع الشوكي والمسمى ناسور النخاع فإن حس الألم يختفي وتبقى الحواس الأخرى.

إن المواد المسببة للألم هي مواد من حيث التركيب من عديدات الهضميد.وذات صفات دوائية تماثل البرادي كينين.وإن الأخير وبتركيز بسيط جداً يحدث الألم.

إن الجلد يمتلك العديد من الخمائر الحالة للبروتينات والتي يعتقد أنها تتحرر عند الاذيات الجلدية.وإن السيروتونين يقوي من الصفات الألمية،والتي تنشأ عن البراديكينين.

حس الألم

التعريف:هو عرض شخصي يعبر عنه المريض لفظاً وشعوراً،وهو الذي يدعو المريض في أغلب الحالات لمراجعة الطبيب ليخفف عنه هذا الشعور.

وحس الألم هو عمل دفاعي،وليس هناك علاقة مابين شدة الألم وخطورة العامل المسبب لحدوثه،وليس الألم دوماً عضوي المنشأ،فهناك الألم Painوهناك الشعور بالألم أو التألم Suffering ،فهناك من يشعر بالألم بسبب المعاناة من الوحدة والانعزال،أو بسبب القلق،أو لأسباب نفسية أخرى.

فلسفة الألم:

لم يكن الألم ضمن الحواس الخمس(البصر والسمع والشم والذوق واللمس) التي ذكرها أرسطوطاليس منذ أكثر من ألفي عام،كما أنه ليس الحاسة السادسة التي تحدث عنها البعض حيث يختلف المعنى باختلاف المناسبة.

وقال القدماء بأن الألم ماهو إلا حالة إحساس مضادة لحالة السرور،حيث اعتقدوا أن الطبيعة منذ خلق الإنسان وضعته تحت سيطرة إحدى حالتين:الألم أو السرور.

وفي العصور الحديثة بدأ العلماء يميلون إلى تفسير الألم بأنه ظاهرة فسيولوجية ذات أسباب محدودة،وأن الشعور بالألم إن هو إلا إدراك الإنسان لمؤثر ضار يدفعه إلى التخلص منه بأي وسيلة من الوسائل باستجابة مضادة.

وانطلاقاً من هذا المفهوم برزت في الطب الحديث نظريتان قد تبدوان لأول وهلة أنهما متعارضتان ولكنهما في الحقيقة متكاملتان.وهي:هل الألم ظاهرة صحية مفيدة؟أم أنه ضار بصحة الإنسان؟

1 ـ هل الألم ظاهرة صحية مفيدة؟:

يعتبر العالمان هيلتون وشرنجتون بأن الألم هو الضوء الأحمر الذي ينبه الإنسان إلى خطر يتعرض له،فهو عنصر هام من عناصر الدفاع في الجسم،أوجدها الخالق ليحفظ الكائن الحي من الأسوأ.وكلما كان الألم شديداً كانت الحالة المسببة له خطرة وقاتلة.وبهذا المعنى يصبح الألم مفيداً في معظم الأحيان.

2 ـ هل الألم ضار بصحة الإنسان؟

يقول العالم الطبيب زيجلر بأن اللفظ الانجليزي للألم Pain،يشبه في الرسم والنطق كل من الكلمة الفرنسية Peinوالإيطالية Penuواللاتينية poena،وكلها تعني جميعاً في تلك اللغات العقوبة.

فالألم إذن نوع من العقوبة يحكم به على الإنسان مسبباً أضراراً نفسية وبدنية بلبغة،ومن المعلوم طبياً أن الالم إذا استمر فترة طويلة فإنه يتعدى وظيفته الدفاعية ويحدث بالجسم والنفس أضراراً عظيمة تفوق تلك التي نتج عنها.

وحول هذا المضمون كتب جراح الأعصاب الأمريكي ميتشل في نهاية القرن التاسع عشر ولأول مرة عن الألم كمرض بحد ذاته له خصائصه المميزة ويحتاج إلى علاج مستقل،وليس عرضاً يشير إلى مرض دفين يتعين على الطبيب اكتشافه.

وبعد استعراض النظريتين يتضح لنا أن الألم يعتبر ناقوس الخطر الذي يدق،والضوء الأحمر الذي ينبه إلى مواطن الخطر.ولكنه إذا استمر لفترة طويلة وكما هو الحال في الأمراض العضال المزمنة فإنه يصبح في هذه الحالة مصدراً مرضياً بدنياً ونفسياً جديداً وحينئذ يجب على الطبي من علاج الألم كحالة مستقلة إذا اقتضت الظروف ذلك آخذاً بعين الاعتبار المرض المسبب للألم بادىء ذي بدء.

ميكانيكية الألم:

هناك سيالات عصبية موجودة في كل أنحاء الجسم،في الجلد والأعضاء الداخلية على حد سواء،وهي تنقل الرسائل بعد تنبيهها مثلاً من خلال وخز الجلد أو ضربة عصا أو تقلص أمعاء…وهي تنتقل إلى النخاع الشوكي والمراكز الحسية القشرية العليا في المخ.والتي تؤثر وتسيطر في الشعور الواعي.

يبدأ الشعور بالألم من النهايات العصبية المنتشرة في كل أنحاء الجسم،وتسير السيالات العصبية مع الأعصاب المحيطية حتى تصل إلى القرن الخلفي من النخاع الشوكي،ومنها تنتقل إلى الحزمة الشوكية ـ المهادية،ومنه إلى منطقة المهاد ومنه إلى القشر العصبي الحسي الجداري(التلفيف الجداري في المخ).

وفي القرن الخلفي للمادة الرمادية من النخاع الشوكي تنتهي الألياف العصبية الواردة من المستقبلات الألمية،وهذه السيالات الواردة الحاملة للمعلومات تنتهي في عصبونات النخاع من خلال الارتفاقات Synopse،والتي يحدث عندها تحرير لوسائط كيميائية تعمل على تنبيه عصبونات القرن الخلفي والذي يتم من خلال تحرير وسائط كيميائية تكون غالباً من عديدات الهضميد من حيث التركيب.

وعند كل عصبون تنتهي عدة آلاف من الارتفاقات من الألياف الواردة من المحيط.وإذا كانت كمية التنبيه كافية فإنه يحدث في عصبونات النخاع تشكل السيالات العصبية والتي تسير من خلال المحاور الاسطوانية إلى خلايا القرن الأمامي المحرك(منعكسات حركية) وإلى القرن الجانبي الودي(السمباتي) حيث تنطلق المنعكسات الودية،ومن خلال الطرق الصاعدة في الجوهر الأبيض للنخاع الشوكي تنطلق إلى المخ.

إن تنشيط عصبونات القرن الخلفي للنخاع لايعتمد فقط على الوسائط العصبية المنشطة مثل مادةSP،وإنما أيضاً على وجود بعض الوسائط العصبية المثبطة ومنها السيروتونين أو مادة ENK،والمادة الأولى تنشط في مضيق الدماغ والثانية في النخاع الشوكي.ومن الوسائط المثبطة أيضاً النور أدرينالين والGABA.

أما فيما يتعلق بالإدراك الواعي للألم فإنه يتوضع في القشر الحسي الدماغي،وهذا يبدو جلياً في المصابين بآفة في الفص الجداري،فعندما ينبهون بالوخز بالدبوس مثلاً أو بالضغط فإنهم يتألمون ولكنهم لايستطيعون أن يحددوا مكان الألم وطبيعة المنبه الإيلامي.

وهناك نوعان من الألياف الناقلة لحس الألم:فهناك ألياف تنقل الألم بسرعة كبيرة،وألياف بسرعة أقل.فإذا عطلت الألياف ذات النقل السريع بالضغط أو نقص التروية،فإن الألم يصبح حارقاً في الناحية المصابة،وهذا يشاهد مثلاً في التهاب الأعصاب المحيطية حيث تصاب ألياف النقل السريع الكبيرة،أكثر من الصغيرة،فإذا ماخرشنا أخمص القدم أودى هذا لألم بسيط في البدء يعقبه بعد حوالي الثانية ألم شديد ومزعج وطويل الأمد.

وإن آفات النواة المهادية Thalamic nuclus يؤدي لنقص أو فقدان حس الألم في الجانب المقابل من البدن.

أنواع الآلام:

يقسم الألم حسب أنواعه إلى:

1 ـ ألم المستقبلات:ومثاله آلام الأسنان بحيث يحدث تنبيه لألياف الألم عند نهاياتها أي مايسمى المستقبلات الألمية Nociceptpren

2 ـ الآلام العصبية:كما هو الحال في فتق النواة اللبية في العمود الفقري.

3 ـ الآلام الشبحية:Phantom Pains:ويحدث هنا تنبيه للخلايا العصبية في النخاع الشوكي بعد ضياع الألياف الواردة الحسية وهذا مايشاهد بعد قطع أحد الأعضاء وخاصة القدم أو الساق.كما يشاهد أيضاً بعد انقطاع الجذور الخلقة للنخاع الشوكي،وهي آلام شديدة ومعندة ولا تستجيب للعلاج.

والسبب في هذه الآلام هو حدوث تنكس في الألياف العصبية الواردة وهذا مايسمى آلام زوال التوريد.

4 ـ الألم النفسي ـ الجسمي:وسببه الإجهاد النفسي.

المنبهات الألمية:Pain stimuli:

إن الألم الحقيقي ينجم عن وجود أذية نسيجية،كإصابة الجلد (بالوخز أو الحرق أو الرض..).أو إصابة العضلات(التشنج الشديد المديد،التعب العضلي،الهرس…)أو الأعصاب(التهاب ـ رض،..)أو العظام وهي بطبيعتها غير حساسة للألم ولكن السمحاق وهو الغني بالتعصيب هو الذي ينقل الألم،أو الأحشاء(وهي بطبيعتها غير متألمة ولكن إصابة النهايات العصبية فيها)والدماغ(وخاصة إصابة الأوعية والسحايا القاعدية).

وأما مايسمى الآلام المسندة Rebound فنعني بها وجود الألم في ناحية والآفة في ناحية أخرى.

وينجم الألم عن انطلاق بعض المركبات الكيميائية في منطقة الاذية مثل الهستامين والبرادي كينين وغيرها من المركبات.

أسباب الألم:Causes:

1 ـ الآلام الجذرية والمحيطية:

وهي تنجم غالباً عن الانضغاطات الجذرية ويبدو فيها الألم على توزع الجذر المصاب وخاصة الجذور القطنية ـا لعجزية للعصب الوركي.وهذه أهم أسبابها انفتاق النواة اللبية.أو إصابة وانضغاط الجذور الرقبية.

ويتصف الألم بأنه شديد يصفه المريض بالبرق أو اللمعان أو الوخز.وتكون الآلام في حالات نصف الانضغاط أكثر منها في حالات الانضغاط الكامل.

أما الآلام الناجمة عن إصابة الأعصاب المحيطية فتنجم غالباً عن الرضوض أو الالتهاب الفيروسي أو الجرثومي أو بسبب التسمم الغولي أو مصاحبة للداء السكري الوخيم أو بسبب العوز الغذائي وخاصة لبعض الفيتامينات..

2 ـ ألم العصب مثلث التوائم:

وهو من الآلام المجهولة السبب،ويصيب الوجه على مسير فرع أو أكثر من العصب مثلث التوائم،ويشاهد في كل الأعمار،وإن كان يكثر عند من تجاوز سن الاربعين،وله صفات خاصة ومميزة وأهمها:

ـ أنه اشتتدادي:يحدث بشكل نوبي،وتستمر النوبة لعدة ثوان،وتتكرر غالباً خلال ساعة،ثم تختفي.وقد تعاود بعد أسابيع أو أشهر.وهو يظهر فجأة ويختفي فجأة.

ـ والألم يكون شديداً يصفه المريض بأنه كالبرق أو لسع الكهرباء،وهذه الصفة تشاهد عند جميع المرضى،وإن عدم وجودها ينفي وجود المرض،وإن كان البعض يصف الألم بأنه كطعنة الخنجر.

ـ يشمل الألم فرعاً أو أكثر من العصب الخامس.

وقد يثار الألم بلمس نقطة الزناد،وهي تقع غالباً قرب جناح الانف،وإذا كانت النقطة في تجويف الفم فإنها تمنع المريض من الأكل والشرب والكلام.

والألم وحيد الجانب في معظم الحالات.

3 ـ الألم الحارق:Causalgia

وهو تناذر خاص ينجم عن رض الأعصاب المحيطية بشكل جزئي،وخاصة العصب الوركي في الطرف السفلي والعصب المتوسط في الطرف العلوي.ويتظاهر بألم شديد جداً لا يعنو للمورفين،ويثيره أقل شىئ،ويترافق مع قصة رض حاد،واضطراب الحس،وبعض الأعراض الودية الذاتية حيث يكون الطرف مبللاً بالعرق وبارداً.

4 ـ الآلام المعندة: Intractable:

وتنجم عن إصابة غير قابلة للشفاء وخاصة في الحالات السرطانية.

5 ـ الألم المهادي: Thalamic:

وهو ينجم غالباً عن إصابة وعائية(خثرة أو صمامة) في منطقة المهاد،وخاصة إصابة الشريان المخي الخلفي،ويترافق الألم مع فقدان نصف الرؤية ،فإذا كانت الآفة في المهاد الأيسر حصل عمى في النصفين الأيمنين للعينين،وقد ينجم عن إصابة الفروع الثاقبة للشريان المخي المتوسط والخلفي،وأحياناً بسبب ورمي.

ويكون الألم شقياً يصيب نصف الوجه ونصف البدن،ولكنه ليس حاداً بشكل البرق أو اللمعان،وإنما كليلاً Dull،يشبهه المريض بدبيب النمل أو الشعور بزقزقة البدن عندما يفتح أحدهم الباب.ويرافقه نقص الحس.

بوابات الألم:

يقول الدكتور محمد راتب النابلسي (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة):

“اكتشف العلماء أن  في دماغ الإنسان مادة مخدرة،إذا بلغ الألم حداً لايُطاق أفرز الدماغ نفسه هذه المادة،فعطلت الإحساس بالألم،وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى،كما اكتشفوا أيضاً أن هناك بوابات على مجرى الجهاز العصبي تمنع ورود الألم إلى الدماغ،وأن هذه البوابات تتحكم فيها العوامل النفسية،فلو أن إنساناً كان يسعى في مرضاة الله،وهو سعيدٌ بهذا السعي،فإن الإحساس بالألم لن يصل إلى الدماغ.

هناك حالات كثيرةٌ وردت في التاريخ،كيف أن صحابياً تُقطع يده اليمنى،فيمسك الراية باليسرى،فتقطع اليسرى فيمسكها بعضديه،فأين الألم؟

هذا ما كشفه العلماء حديثاً،فقالوا:إنّ ثمة بواباتٍ للألم على مداخل طريق الآلام،وطريق السيالة العصبية التي هي من النهايات العصبية إلى النخاع الشوكي،إلى الجسم تحت السرير البصري،إلى أسرة الدماغ،هذا طريق الألم،وإن هذه الطرق تُغلق أحياناً،فتمنع إيصال الألم إلى الدماغ،وهذه البوابات تتحكم فيها العوامل النفسية،كالثقة بالله سبحانه وتعالى،والثقة بالفوز،وفوق هذا وذاك إن كان الألم لا يطاق أفرز الدماغ مادة مخدرة تعطل الإحساس بالألم.

لذلك إذا كان إيمان الإنسان كبيراً وكان هدفه نبيلاً،وكان سعيه حثيثاً إلى الله سبحانه،لا يعبأ بالآلام التي يسقط بسببها الرجال،فإن الإيمان قوة كبيرة.

(ملاحظة:يمكن الرجوع إلى قصة التابعي عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة الذي قطعت رجله وهو يذكر الله ويصلي لكي لايحس بالألم بعد أن رفض استعمال الخمر أو المرقد(البنج)أثناء عملية قطع الرجل).

1 ـ الوظائف الحسية

يقسم الحس في الجسم إلى عدة أقسام:

1 ـ الحس الابتدائي:وهو يشمل حس الألم والحرور:ويأتي من النهايات العصبية المنتشرة في الجلد،ومن ثم تنتقل السيالات العصبية إلى الجذور الخلفية للنخاع الشوكي،ومن ثم إلى الحبل الجانبي للنخاع،وتتصالب في الملتقى الرمادي ومنه إلى الجانب المقابل باسم الحزمة الشوكية ـ المهادية فالشريط المتوسط فالمهاد البصري.ويقال أنه ليس من الضروري أن يكون لحس الألم أو الحرور تواقيع قشرية مركزية مخية.

2 ـ حس اللمس: تنتقل السيالات العصبية من المحيط وتسير من النخاع الشوكي ألياف متصالبة إلى الحبل المقابل الجانبي مع حزمة دجرين،ولكن القسم الأكبر من الألياف تسير مع الحبل الخلفي الموافق مع حزمتي كولد بورداك حيث تتصالب في البصلة ومنه إلى الشريط المتوسط فالمهاد البصري فالقشر الدماغي الحسي المدرك،أي أنه لابد من وجود تواقيع قشرية مخية فيما يتعلق بحس اللمس.

3 ـ الحس العميق:وهو حس المفاصل والأوتار،حيث تنتقل السيالات إلى النخاع الشوكي ومنه إلى حزمتي كولد بوردلك ومن ثم للحبل الخلفي الموافق.

4 ـ وهناك نوع آخر من الإدراك الحسي غير العادي وهو الذي يسميه علماء النفس بالإدراك الحسي الخارج عن نطاق الحواس،مثل الاستشفاف وهو رؤية الاشياء أو الأحداث البعيدة الخارجة عن مجال حاسة الإبصار،والتخاطروهو إدراك خواطر وأفكار شخص آخر يكون أيضاً في الغالب في مكان بعيد،والاستهتاف وهو سماع نداء أو حديث من مكان بعيد خارج عن مجال حاسة السمع.

وهذا النوع من الإدراك الحسي الخارج عن نطاق الحواس لا يلاحظ عند جميع الناس،ولكنه يحدث فقط لبعض الاشخاص الذين يتمتعون باستعداد خاص،قد يكون عبارة عن شفافية روحية تمدهم بقوة إدراكية خارقة للعادة تمكنهم من تجاوز حدود المكان ليدركوا أشياء وأحداثاً بعيدة عنهم،أو محجوبة عنهم بحواجز المكان.وقد ذكر القرآن الكريم مثالاً لهذا النوع من الإدراك الحسي غير العادي حدث ليعقوب عليه السلام حينما شم ريح ابنه يوسف عليه السلام حينما تحركت القافلة التي تحمل قميصه من أرض مصر بعيداً عن المكان الذي يوجد فيه يعقوب عليه السلام بمسيرة عدة أيام(يمكن الرجوع للموضوع بالتفصيل في حاسة الشم).

ومن معجزات عيسى عليه السلام التي أخبر بها القرآن الكريم أنه كان يخبر الناس بما يأكلون في بيوتهم من طعام،ومايدخرون من أشياء:{وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم}[آل عمران 49].

وفي كتب السنة يروي مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:”أتموا الركوع والسجود،فوالله إني لأراكم من بعد ظهري إذا ماركعتم وإذا ماسجدتم”.

وفي صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:”هل ترون قبلتي هاهنا؟فوالله مايخفى عليَّ خشوعكم ولا ركوعكم،إني آراكم من وراء ظهري”.

ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بينما كان يخطب خطبة الجمعة بالمدينة في أحد الأيام إذا به يتوقف عن الخطبة وينادي:”ياسارية بن حصن! الجبل…الجبل! ومن استرعى الذئب ظلم”.فلما قضى الصلاة سأله علي رضي الله عنه عما نادى به فقال:”وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا وركبوا أكتافهم،وأنهم يمرون بجبل.فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوه وظفروا،وإن جاوزوه هلكوا،فخرج مني هذا الكلام”.ثم جاء البشير بعد شهر فقال إنهم سمعوا في ذلك اليوم وفي تلك الساعة حينما جاوزوا الجبل نداء يشبه صوت عمر يناديهم:”يا سارية بن حصن! الجبل..الجبل” فرجعوا إليه،ووفقهم الله وانتصروا”.

يقول الكانب الكبير الاستاذ عباس محمود العقاد(الرسالة العدد 495):

“أردنا أن نذكر علامات العبقرية عند بعض النفسانيين المحدثين،ومنها(الحساسية) الخاصة التي تلاحظ على بعضهم فيشتهرون بالغرابة في إيحاء الأفكار واستيحائها،وقلنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد لوحظت عليه من ذلك علامات كثيرة كالفراسة وصدق الظن وسرعة التنبه إلى الفوارق الدقيقة بين المذوقات كما تنبه إلى الفارق بين لبن الناقة ولبن ناقة أخرى،وكلتاهما في مرعى واحد ومكان واحد.

ومما روي عنه حديث سارية الذي أشرنا إليه.وقد لخصناه وقلنا بعد تلخيصه:”لا داعي للجزم بنفي هذه القصة استناداً إلى العقل وإلى العلم أو إلى التجربة الشائعة.فإن العقل لا يمنعها،والعلماء النفسانيون في عصرنا لا يتفقون على نفيها ونفي أمثالها”.

ثم عقبنا على ذلك قائلين:”إن المهم من نقل هذه القصة أن عمر كان مشهوراً بين معاصريه بمكاشفة الأسرار الغيبية إما بالفراسة أو الظن الصادق أو الرؤية أو النظر البعيد،وهي الهبات التي يلحقها بالعبقرية علماء العصر الذين درسوا هذه المزية الإنسانية النادرة وراقبوها”.(انتهى كلام العقاد)

ويشير القرآن الكريم إلى أن الإيمان والتقوى والإخلاص في عبادة الله وما يؤدي إليه من صفاء القلب وشفافية الروح يجعل الإنسان مهيأ لتلقى الإيحاءات والإلهامات من الله تعالى ليهديه إلى سبل الحق والخير،وليرشده إلى طرق الفضيلة والهداية.

يقول تعالى:{والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}[محمد 17]،وقال تعالى:{والذينَ جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}[العنكبوت 69[،وقال تعالى:{واتقوا الله ويعلمكم الله}[البقرة 282].

ويوجد في الحديث النبوي الشريف ما يدل على حدوث الإلهام الإلهي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون،فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر”[رواه البخاري].وقيل في تفسير”محدثون” أي ملهمون.

والإصابات الحسية المرضية تقسم إلى عدة أنواع:

1 ـ إصابة العصب كاملاً تسبب فقدان كافة أنواع الحس على طول توزع العصب بالإضافة للإصابة الحركية.

2 ـ إصابة الحبال الخلفية للنخاع الشوكي:وهذا يشاهد خاصة في السهام الظهريTabesويشاهد في الداء الافرنجي أو في حالة التصلب المختلط والذي يشاهد بسبب فقر الدم الخبيث مثلاً،حيث يشاهد هنا زوال الحس العميق أي حس الأوتار والمفاصل وحس الاهتزازVibrationومن الأعراض السريرية المشاهدة هنا:

1 ـ الرنحAtaxia ويشاهد خاصة في الظلام عند غياب منعكسات الرؤية.

2 ـ المشية المهمازية أو مشية العسكر:حيث يرفع المريض ساقه أكثر من اللزوم وينزلها بشدة على الأرض.

3 ـ عدم معرفة وضعية المفاصل:وذلك بعطف الإبهام مثلاً أو بسطه.

4 ـ فقدان حس الاهتزاز

3 ـ زوال حس الألم والحرور:

ويشاهد هذا مثلاً في أورام مركز النخاع الشوكي أو مايسمى تجوف النخاع.فالمريض يصاب بالحروق دون أن يشعر بها أو يتألم.ويشاهد هنا ما يسمى الفرقان الحسي حيث يزول حس الألم والحرور ويبقى حس اللمس والحس العميق.

4 ـ تناذر براون سكوار:وهو ينجم عن إصابة مايقرب من نصف النخاع الشوكي ويترافق مع شلل حركي أسفل الإصابة في الجانب الموافق.مع فقدان حس اللمس والحس العميق في الجانب الموافق.وإصابة حس الألم والحرور في الجانب المقابل.

5 ـ فقدان كل أنواع الحس:يدل على إصابة منطقة المهاد أي السرير البصري .

من الناحية الدينية:

يقول تعالى في كتابه العزيز:{إنَّ الذينَ كفروا بآياتنا سوفَ نُصليهم ناراً كلما نضجت جلودُهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إنَّ الله كان عزيزاً حكيماً}[النساء 56].

إن الجلد يتألف من ثلاثة طبقات:البشرة،والأدمة،والنسيج الخلوي تحت الجلد.وأما البشرة فهي خالية من الأوعية الدموية.وأما طبقة الأدمة فتحتوي على الاوعية الدموية والغدد العرقية،وبصيلات الأشعار،والنهايات العصبية المستقبلة للألم والحرارة والبرودة واللمس…وهذه النهايات العصبية وذات الانتشار الواسع بشكل شبكة عصبية كبيرة تنقل جميع المؤثرات الواقعة على الجلد من البيئة الخارجية المحيطة به من درجة الحرارة إلى الرطوبة،وإلى الضغط واللمس والأهتزازات والألم…

وخلاصة القول فإن الجلد عضو إحساس من الدرجة الاولى،وتوجد فيه خريطة من الشبكة العصبية المدهشة والتي لم يتم الكشف عنها وعن وظائفها إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين للميلاد.

عندما يتعرض الجلد للإحراق فإنه يتألم،أي يتم نقل الإحساس بالحرق من المستقبلات السطحية لحس الألم في الجلد وعبر الألياف العصبية الحسية إلى المراكز الخاصة في النخاع الشوكي ومن ثم إلى القشر الحسي في الدماغ.وإذا كان الحرق من الدرجة الأولى أي يكون سطحياً بحيث تصاب الطبقات السطحية من الجلد فإنه يحدث احمرار وتورم وانتباج في الجلد مع حس الألم الموضعي الشديد،ومثال على هذه الحروق السطحية تعرض الجلد لأشعة الشمس لفترة طويلة دون وقاية.

وإذا كان الحرق من الدرجة الثانية أي يصيب الطبقات العميقة من الجلد وخاصة الادمة،فإن الألم يكون شديداً وقد تترافق الأعراض الموضعية مع إصابات جهازية ومنها فقدان السوائل من الجسم إذا كان الحرق كبيراً واسعاً،وقد يترافق مع هبوط ضغط الدم،وقد يشاهد موضعياً تشكل فقاعات مائية بأحجام مختلفة،مع تمزق بشرة الجلد وحدوث النزوف الدموية الموضعية.

وإذا كان الحرق من الدرجة الثالثة أي أنه يصيب الطبقات العميقة من الجلد وما تحت الجلد،فإنه يحدث تلفاً واسعاً في مكونات الجلد وماتحته,وقد تصاب العضلات والعظام،مع حدوث خثرات دموية موضعية وجهازية،ولكن يحدث بعد فترة غياب الألم الموضعي وذلك بسبب تلف النهايات العصبية في الأدمة وتحت الجلد.ولذا فإن الحروق العميقة الشديدة أقل ألماً من الحروق السطحية.

يقول الشيخ المفسر محمد الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:

“تهديد ووعيد لجميع الكافرين،فهي أعمّ مما قبلها،فلها حكم التذييل،ولذلك فُصلت.والإصلاء:مصدر أصلاه:ومعناه شيُّ اللحم على النار…و”نضجت” بلغت نهاية الشىء،يقال نضج الشواء:إذا بلغ حدَّ الشىء،ويقال :نضج الطبيخ إذا بلغ حد الطبخ.والمعنى: كلما احترقت جلودهم،فلم يبق فيها حياة وإحساس، بدّلناهم،أي عوّضناهم جلوداً غيرها،والتبديل يقتضي المغايرة كما تقدم في قوله تعالى في سورة البقرة”{أتستبدلون الذي هو أدنى}…وقوله ليذوقوا العذاب:تعليل لقوله”بدلناهم” لأن الجلد هو الذي يوصل إحساس العذاب إلى النفس بحسب عادة خلق الله تعالى،فلو لم يُبدّل الجلد بعد احتراقه لما وصل عذاب النار إلى النفس.وتبديل الجلد مع بقاء نفس صاحبه لاينافي العدل لأن الجلد وسيلة إبلاغ العذاب وليس هو المقصود بالتعذيب،ولأنه ناشىء عن الجلد الاول،كما أن إعادة الأجسام في الحشر بعد اضمحلالها لايوجب أن تكون أناساً غير الذين استحقوا الثواب والعقاب لأنها لما أُودعت النفوس التي اكتسبت الخير والشر فقد صارت هي هي ولاسيما إذا كانت إعادتها عن إنبات من أعجاب الاذناب،حسبما ورد به الأثر،لأن الناشىء عن الشىء إنما هو منه كالنخلة من النواة”.

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“و”نصليهم”من الاصطلاء،قد يقول قائل: مادام يصلى النار،وكلنا يعرف أن نار الدنيا حين تحرق شيئاً ينتهي إلى عدم،وحين ينتهي إلى عدم،إذن:فلا يوجد ألم!ونقول:لنتنبه إلى أن الحق سبحانه وتعالى يقول في هذا الأمر:{كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب}إذن،فالعذاب ليس كنار الدنيا،لأن نار الدنيا تحرق وتنتهي المسألة،أما نار الآخرة فإنها عذاب سرمدي دائم مكرر،فإذا ماحرقت الجلود فإن جلوداً أخرى ستأتي،أهي عين الأولى أم غيرها؟وحتى أوضح ذلك:أنت عندما يكون عندك خاتم مثلاً،ثم تقول:أنا صنعت من الخاتم خاتماً آخر،فالمادة واحدة أيضاً،فهل التعذيب للجلود أم للأعضاء؟إن العذاب دائماً للنفس الواعية،بدليل أن الإنسان قد يصيبه ورم فيه بعض الصديد”دُمل”يتعبه ولايقدر على ألمه،وبعد ذلك يغفل فينام،بمجرد أن ينام فلا ألم،لكن عندما يستيقظ يتألم من جديد.إذن، فالآلام ليس للعضو بل للنفس الواعية.وهكذا تجد أن الجلود والأعضاء ليس لها شأن بالعذاب،إنما هي موصلة للمُعذب،والمُعذب هي النفس الواعية.بدليل أنها ستشهدعلينا يوم القيامة،تشهد الجلود والجوارح،وستكون آلة لتوصيل العذاب،فتكون علة التبديل للجلود التي أحرقت بجلود جديدة كي يدوم العذاب…ويُذيل الحق الآية”إن الله كان عزيزاً حكيماً” والعزيز هو الذي لا يُغلب ولا تقدر أن تحتاط من أنه يهزمك أبداً،فقد يقول الكافر:لقد تلذذنا بالمعصية مرة لمدة خمس دقائق،ومرة لمدة ساعتين فما يضيني أن يحترق جلدي وتنتهي المسألة!!نقول له: لا ،إن الذي يعذبك لا يُغلب فسوف يُديم عليك العذاب بأن يبدل لك الجلد بجلد آخر،وسبحانه حكيم.فالمسألة ليست مسألة جبروت يستعمله،لا،هو يستعمل جبروته بعدالة..”.

ونأتي هنا إلى الآية الكريمة وما تحمله من إعجاز:

1 ـ يقول تعالى”كلما نضجت جلودهم”:وهذا يعني حروقاً شديدة متلفة منخرة مترافقة مع الخثرات الموضعية ومسببة لتلفاً واسعاً في مكونات الجلد وما تحته من الأنسجة كالعضلات والعظام.

2 ـ “بدلناهم جلوداً غيرها”:أي بعد التلف الواسع وما قد ينجم عنه من تلف الألياف العصبية الناقلة لحس الألم يتم تبديل الجلد مرة ثانية وثالثة…حتى يعود العذاب والألم.ومن المعروف طبياً أن خلايا الجلد من أسرع الخلايا تجدداً وتبدلاً بعد الإصابات الجلدية.

3 ـ “ليذوقوا العذاب” :ولهذا يتم تبديل الجلد التالف وتشكل جلد جديد بما فيه من الياف عصبية ومستقبلات ألمية ليعاودوا الشعور بالعذاب.

4 ـ وقريب من الآية السابقة في سورة النساء قوله تعالى:{هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قُطعت لهم ثيابٌ من نار يُصب من فوق رؤوسهم الحميم}[الحج 19].

جاء في التفاسير:أن هناك طائفتان اختلفوا في دين الله وصفاته وهما طائفة المؤمنين وطائفة الكافرين وهؤلاء الآخرين يتم إنزال العقاب الشديد بهم والذي يتجلى بقوله تعالى”قطعت لهم ثياب من نار”أي أن الله يقدر لهم نيراناً على مقادير جثثهم تشتمل عليهم  كما تقطع وتفصل الثياب الملبوسة،أي أن النار تحيط بجميع أجسامهم وكأنها الثياب التي يلبسونها.أضف إلى ذلك يتم إنزال الحميم أي الماء شديد الحرارةوالذي يصب عليهم فيخترق رؤوسهم وأجوافهم ويهلك أمعاءهم وأحشاءهم كما يتلف جلودهم،وقريب من هذا قوله تعالى:{وسُقوا ماءُ حميماً فقطعَ أمعاءهم}[محمد 15].

ولنأتي إلى الآية 15 من سورة محمد:

من المعروف أن  جدار الأمعاء يتركب من أربعة طبقات:المخاطية،وتحت المخاطية،والعضلية،والمصلية.

وإن انسكاب الماء المغلي أي الماء الحميم ذو الحرارة العالية بحيث أنه يشوي الوجوه عند الاقتراب منه كما قال تعالى:{إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقاُ}[الكهف 29].

فعند تناول الماء الحميم المغلي شديد الغليان فإن الطبقات الأربعة من جدر الأمعاء تتمزق،ويصل هذا الماء الحميم إلى الطبقة المصلية وهذه الطبقة غنية بالألياف العصبية الحسية وخاصة الناقلة للألم،وهنا تحدث آلاماً مبرحة شديدة لا وصف لها،وبالتالي لايحدث هذا الألم الذي لايوصف ولا يطاق إلا من بعد أن تتمزق الأمعاء بمكوناتها الأربعة ويصل الماء الحميم إلى النهايات العصبية الغزيرة في الطبقة المصلية وهي هنا غشاء الخلب أو كما يسمى البريتوان والذي يحيط بالأمعاء الدقيقة والغليظة في البطن،والذي ينجم عن إصابته حدوث آلام شديدة كما هو الحال عند المرضى بالصمامات المساريقية أو انفجار الزائدة الدودية وبعض الأمراض الاخرى والتي تسبب طبياً مايسمى “حالات البطن الحاد”وهي من أسوأ أنواع الأمراض التي تصيب الإنسان من حيث الأعراض وخاصة الألم والتي غالباً ماتنتهي إلى الوفاة.

أشكال العذاب والألم:

جاء في موقع الشبكة الإسلامية:

“وردت مادة”عذب” في القرآن كإسم في أكثر من ثلاثة مائة موضع،ومنها قوله تعالى:{فذوقوا العذاب}[آل عمران 106]،ووردت كفعل في ستة وعشرين موضعاً ومنها قوله تعالى:{يعذب من يشاء}[المائدة 40]،ووردت كاسم فاعل في ثمانية مواضع ومنها قوله تعالى:{وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً}[الإسراء 14].

وقد جاء وصف العذاب في القرآن الكريم بأنه”أليم” في ثلاثين موضعاً تقريباً،ومنها قوله تعالى في المنافقين:{ولهم عذابٌ أليم}[البقرة 10]،وبأنه”شديد” في نحو خمسة عشر موضعاً،ومنها قوله تعالى:{إن عذابي لشديد}[إبراهيم 7]،وبأنه”عظيم” في خمسة عشر موضعاً،ومنها قوله تعالى في المنافقين:{ولهم عذابٌ عظيم}[البقرة 7].

و”العذاب” في اللغة:هو الإيجاع الشديد:يقال:عذبه تعذيباً،أي عاقبه،أو أكثر حبسه في العذاب،وقد قال بعض أهل اللغة:أصل”العذاب” الضرب:ثم استعير ذلك في كل شدة.

ثم إن “العذاب” في القرآن جاء على تسعة أوجه:

أولها: العقوبة في الآخرة،وهذا الوجه هو الأكثر استعمالاً في القرآن والأغلب،ومنه قوله تعالى في وصف جهنم:{إن عذابها كان غراماً}[الفرقان 65]،أي:إن عقوبتها،وقوله سبحانه:{ولعذاب الآخرة أشقّ}[الفرقان34]،أي:إن عقوبة الآخرة أشدّ من عقوبة الدنيا.

ثانيها: العقوبة في الدنيا:ومنه قوله تعالى:{أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم}[الأنعام 65]،كما فعل بقوم لوط،حيث قلب عليهم القرية التي كانوا يسكنون فيها،وجعل عاليها سافلها،وقوله تعالى:{أو من تحت أرجلكم}[الأنعام 65] كما فعل بقارون حيث خسف به وبداره الأرض.

ثالثها:حد الزنا:ومنه قوله تعالى:{وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}[النور 2]،يعني :حدهما،وكذلك قوله تعالى:{ويدرأ عنها العذاب}[النور8]،أي: الحد.

رابعها: المسخ،ومنه قوله تعالى:{وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس}[الأعراف 165]،أي: مسخناهم.

خامسها:الاستئصال والقتل:ومنه قوله تعالى:{وما كان الله ليعذبهم}[الأنفال 33]أي عذاب القتل المهين بأيدي المسلمين يوم بدر،ونحوه قوله سبحانه:{ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا}[الحشر 3]، يعني:لقتلوا بالسيف.

سادسها :الجوع والمجاعة:ومنه قوله تعالى:{حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب}[المؤمنون 64]،أي ابتليناهم في الدنيا بالجوع والقحط،ونحوه قوله سبحانه:{ولقد أخذناهم بالعذاب}[المؤمنون 76]،أي: بالجوع.

سابعها: سلب المال وإهلاكه: ومنه قوله تعالى في أصحاب البستان الذين منعوا زكاة محصوله ونتاجه:{كذلك العذاب}[القلم 33].

ثامنها: نتف الريش وقص الجناح: وهو قوله تعالى في هدهد سليمان عليه السلام:{لأعذبنه عذاباً شديداً}[النمل 21].

تاسعها:جاء العذاب بمعنى عذاب القبر،ومنه قوله تعالى:{ولنذيقنهم من العذاب الأدنى}[السجدة 21] أي عذاب القبر.

وجاء في الحديث النبوي الشريف عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه،مايرى أن أحداً أشدُّ عذاباً نته،وإنه لأهونهم عذاباً“[رواه الشيخان].

وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:”بشر الكانزينَ برَضفٍ يُحمى عليه في نار جهنم، ثم يوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرجَ من نُغضِ كتفهِ،ويوضع على نُغضِ كتفهِ حتى يخرج من حلمةِ ثديه،يتزلزل”[أخرجه البخاري]

(الرضف:الحجارة المحمأة، نُغض الكتف:غضروف الكتف).

ويدخل أهل الجحيم النار على صورة ضخمة لايقدر قدرها إلا الذي خلقهم،ففي الحديث الذي يرفعه أبو هريرة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”مابين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع”[رواه مسلم]،وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ضرس الكافر،أو ناب الكافر،مثل أحد،وغلظ جلده مسيرة ثلاث“.

ومن أشكال العذاب ومايصحبه من آلام نذكر مقالاً للدكتور العلامة محمد لطفي الصباغ رحمه الله بعنوان”النار وعذابها ـ صور من عذابهم”:

1 ـ إنضاج الجلود:

إن نار الجبار سبحانه وتعالى تحرق جلود أهل النار،والجلد موضع الإحساس بألم الاحتراق،ولذلك فإن الله يبدل لهم جلوداً خرى غير تلك التي احترقت،لتحترق من جديد،وهكذا دواليك كما جاء في الآية الكريمة من سورة النساء.

2 ـ الصهر:

من ألوان العذاب صبّ الحميم فوق رؤوسهم،والحميم هو ذلك الماء الذي زاد حرّه،فلشدة حره تذوب أمعاؤهم وما حوته بطونهم يقول تعالى:{فالذين كفروا قُطِّعت لهم ثيابٌ من نار يُصبُّ من فوق رؤوسهِمُ الحميمُ* يُصهر ُبهِ ما في بطونهم والجلودُ}[الحج 19 ـ20]،وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه،حتى يمرق من قدميه،وهو الصهر،ثم يعود كما كان“وقال حديث حسن غريب صحيح.

3 ـ اللفح:

أكرم مافي الإنسان وجهه،ولذلك نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه،ومن إهانة الله لأهل النار،أنهم يحشرون يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكما وصما،يقول تعالى:{ونحشرُهُم يومَ القيامةِ على وجوهِهِم عُمياً وبُكماً وصُماً مأواهُم جهنَّمُ كلَّما خَبتْ زِدناهُم سعيرا}[الإسراء 97]،ويلقون في النار على وجوههم{ومن جاءَبالسيئةِ فَكُبَّتْ وجوهُهُم في النَّار هل تُجزونَ إلا ما كنتم تعملون}[النمل 90].

ثم إن النار تلفح وجوههم وتغشاها أبداً لايجدون حائلاً يحول بينهم وبينها{لو يعلمُ الذينَ كفروا حينَ لا يَكُفُّونَ عن وجوهِهِم النَّارَ ولا عن ظُهورِهِم ولا هُم ينصرون}[الأنبياء 39]،وقال تعالى:{تلفحُ وجوهَهُم النَّارُ وهم فيها كالحون}[المؤمنون 104]،وقال تعالى:{سرابيلُهُم من قَطرانٍ وتغشى وجوهَهُمُ النَّارُ}[إبراهيم 50]،وقال تعالى:{أفمَنْ يتَّقي بوجهِهِ سوءَ العذابِ يومَ القيامة}[الزمر 24]،وقال تعالى:{يومَ تُقلَّبُ وجوهُهُم في النَّارِ يقولونَ يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا}[الأحزاب 66].

4 ـ السحب:

ومن أنواع العذاب الأليم سحب الكفار على وجوههم في النار،قال تعالى:{إنَّ المُجرمينَ في ضلالٍ وسُعُرٍ* يومَ يُسحبونَ في النَّارِ على وجُوهِهِم ذُوقوا  مسَّ سَقر}[القمر 47 ـ 48]،ويزيد من آلامهم حال سحبهم في النار أنهم مقيدون بالقيود والأغلال والسلاسل{ إذِ الأغلالُ في أعناقهِم والسلاسلُ يُسحبون* في الحميمِ ثُمَّ في النَّارِ يُسجرون}[غافر71 ـ 72].

5 ـ تسويد الوجوه:

يسود الله في الدار الآخرة وجوه أهل النار يقول تعالى:{يومَ تبيضُّ وجوهٌ وتَسودُّ وجوهٌ فأمَّا الذينَ اسودَّتْ وجوهُهُم أكفرتُم بعد إيمانكُم فذوقوا العذابَ بما كنتم تكفرون}[آل عمران 106]،وهو سوادٌ شديد،كأنما حلت ظلمة الليل في وجوههم{والذينَ كسبُوا السيئاتِ جزاءُ سيئةٍ بمثلِها وترهقُهُم ذلّةٌ مالهُم من الله من عاصمٍ كأنّما أغشيت وجوهُهُم قِطَعاً من الليل مظلماً أولئكَ أصحابُ النِّار هم فيها خالدون}[يونس 27].

6 ـ إحاطة النار بالكفار:

أهل النار هم الكفار الذين أحاطت بهم ذنوبهم ومعاصيهم فلم تبق لهم حسنة،كما قال تعالى في الرد على اليهود الذين قالوا:لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة:{بلى من كسبَ سيئةً وأحاطتْ به خطيئتُهُ فأولئك أصحاب النَّارِ هم فيها خالدون}[البقرة81]،ولا يكون المرء كذلك إلا إذا كان كافراً مشركاً،وقال تعالى:{لهم من جهنَّمَ مِهادٌ ومن فوقِهِم غواشٍ وكذلك نجزي الظالمين}[الأعراف 41]،والمهاد مايكون من تحتهم،والغواش جمع غاشية،وهي التي تغشاهم من فوقهم،والمراد أن النيران تحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم،كما قال تعالى:{يومَ يغشاهُمُ العذابُ من فوقهِم ومن تحتِ أرجلهِم}[العنكبوت 55]وقال تعالى:{لهم من فَوقِهِم ظُلَلٌ من النَّارِ ومن تَحتهِم ظُللٌ}[الزمر 16]،وقال تعالى:{وإن جَهنَّمَ لَمحيطةٌ بالكافرين}[العنكبوت 54]،وقال تعالى:{إنّا أعتدنا للظالمينَ ناراً أحاطَ بهم سُرادِقُها}[الكهف 29]،والسرادق هو سور جهنم والحائط الذي يحيط بها.

7 ـ إطلاع النار على الأفئدة:

بالإضافة إلى أن أهل النار يضخم خلقهم في النار شيئاً عظيماً،فإنه مع ذلك تدخل النار في أجسادهم حتى تصل إلى أعمق شيء فيه،قال تعالى:{كلا لينبذن في الحطمة*وما أدراك ما الحطمة *نار الله المُوقدة*التي تطلع على الأفئدة}[الهمزة 4 ـ 7].

8 ـ اندلاق الأمعاء في النار:

جاء في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار،فتندلق أقتابه في النار،فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه،فيجتمع أهل النار عليه،فيقولون:أي فلان،ما شلأأنك،أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه،وأنهاكم عن المنكر وآتيه”.ثم هو يدور ويسعى حولها كما يدور الحمار برحاه،.

9 ـ قيود أهل النار وأغلالهم وسلاسلهم ومطارقهم:

أعد الله لأهل النار سلاسلاً وأغلالاً وقيوداً ومطارق:{إنَّا اعتدنا للكافرينَ سلاسلَ وأغلالاً وسعيرا}[الإنسان 4]وقال:{إنَّ لدينا أنكالاً وجحيماً*وطعاماً ذا غُصّةٍ وعذاباً أليما}[المزمل 12 ـ13] وقال:{إذ الاغلالُ في أعناقهم والسلاسلُ يسحبون}[غافر71]،وقال تعالى:{خذوهُ فَغلُّوه*ثمَّ الجحيمَ صلّوهُ*ثمَّ في سلسلةٍ ذرعها سبعونَ ذراعاً فاسلكوه}[الحاقة 30ـ 32]،وأعد الله لهؤلاء مقامع من حديد وهي المطارق التي تهوى على المجرمين وهو يحاولون الخروج من النار،فإذا بها تطيح بهم مرة أخرى إلى سواء الجحيم،قال تعالى:{ولهم مقامعُ من حديدٍ* كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق}[الحج 21 ـ 22].

10 ـ قرن معبوداتهم وشياطينهم بهم في النار:

في يوم القيامة يدخل الحق الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله النار إهانة لعابديها وإذلالاً لهم،قال تعالى:{إنَّكُم وما تعبدونَ من دونِ الله حصبُ جهنَّمَ أنتم لها واردون *لو كان هؤلاء آلهةٌ ما وردُوها وكلٌّ فيها خالدون}[الأنبياء 98 ـ99].

11 ـ حسرتهم وندمهم ودعاؤهم:

عندما يرى الكفار النار يندمون أشد الندم،ولات ساعة مندم:{وأسرُّوا الندامةَ لما رأوا العذابَ وقُضيَ بينهم بالقِسطِ وهم لا يُظلمون}[يونس 54]،وقال تعالى:{وأمَّا من أُوتيَ كتابَهُ وراءَ ظهرهِ* فسوف يدعو ثبوراً* ويصلى سعيرا}[الإنشقاق 10 ـ 12]،{وإذا أُلقُوا منها مكاناً ضيقاًُ مُقرَّنينَ دَعَوا هنالكَ ثبورا* لاتدعوا اليومَ ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيرا}[الفرقان 13 ـ14] ،{وهم يصطرخونَ فيها ربَّنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل}[فاطر 37]،{وقالوا لو كنا نسمعُ أو نعقِلُ ما كنَّا في أصحاب السعير* فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير}[الملك 10 ـ 11]،{قالوا ربنا أمتَّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل}[غافر 11]،{قالوا ربَّنا غلبتْ علينا شِقوتُنا وكنَّا قوماً ضالين *ربنَّا أخرجنا منها فإن عُدنا فإنّا ظالمون* قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون}[المؤمنون 106 ـ 108].

2 ـ آيات النوم:

تعريف النوم:

هو حالة طبيعية من الاسترخاء عند الكائنات الحية،وتقل خلاله الحركات الإرادية والشعور بما يحدث في المحيط،ولايمكن اعتبار النوم فقداناً للوعي،بل تغيراً لحالة الوعي،وهناك اعتقاد شائع أن النوم ظاهرة طبيعية لإعادة تنشيط الدماغ والفعاليات الحيوية الأخرى في الكائنات الحية.وهذا التعريف يتضمن النقاط التالية التي تميز النوم:

1 ـ الحركة الضئيلة:حيث أن الحركات الضخمة مثل المشي والكلام والكتابة تمنع حكم النوم ولا تحدث خلاله بشكل غير مرضي.

2 ـ نمطية الموقف:وهذا يعني أن الإنسان يلجأ إلى وضعية الانبطاح والاستلقاء عند النوم.

3 ـ ردود منخفضة على المؤثرات:حيث أن الانسان لايستجيب على الأصوات المنخفضة الحدّة عند النوم.

4 ـ الانعكاسية:النائم يستطيع أن يستيقظ من النوم،مما يميز النوم عن الغيبوبة أو الوفاة.

ويعتبر  النوم من آيات الإعجاز في تركيب الكائن الحي،وإن آلية النوم معقدة ولم تكشف كل أسرار النوم بعد.

والنوم هو هام جداً للكائن الحي كما هو الحال بالنسبة للطعام والشراب والغريزة الجنسية.

وبرغم أن الإنسان يقضي حوالي ثلث حياته نائماً إلا أن الأكثرية لايعرفون الكثير عن النوم.وهناك اعتقاد سائد بأن النوم عبارة عن خمول في وظائف الجسم الجسدية والعقلية يحتاجه الإنسان لتجديد نشاطه،إلا أن الواقع المثبت علمياً خلاف ذلك تماماً،حيث أنه يحدث خلال النوم العديد من الأنشطة المعقدة على مستوى المخ والجسم بصفة عامة،وهناك بعض الوظائف تكون أنشط خلال النوم كما أن بعض الأمراض تحدث خلال النوم فقط وتختفي مع استيقاظ المريض.

لا يستطيع الجهاز العصبي أن يستمر وظيفياً إذا لم يكن هناك نوم،والنوم يمتاز عن الأشكال الأخرى من حالات اللاوعي بالسهولة النسبية من الانتقال من حالة اللاوعي إلى حالة الوعي المدرك،أي الانتقال من النوم وما يرافقه من عدم الشعور والإدراك إلى حالة الشعور والإدراك بصورة سهلة على عكس حالات اللاوعي الأخرى.

وعدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان تختلف من شخص لآخر،والكثير يعتقدون أنهم بحاجة إلى ثمان ساعات نوم يومياً وأنه كلما زاد عدد ساعات النوم كان ذلك صحياً وهذا اعتقاد خاطىء،فهناك بعض الأشخاص لايحتاجون لأكثر من خمس ساعات يومياً وهم في صحة جيدة.

وقد تبين أن النوم المديد يرتبط ببعض المشاكل الصحية وبعض الأمراض الضارة ومنها السكري وأمراض القلب والسمنة،وازدياد معدل الوفيات.

يقول الإمام العظيم ابن القيم رحمه الله:

“وكثرة النوم تميت القلب،وتثقل البدن،وتضيع الوقت،ويورث كثرة الغفلة والكسل،ومنه المكروه جداً ومنه الضار غير النافع للبدن.وأنفع النوم ماكان عند شدة الحاجة إليه.ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره،ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه”.

ولقد وردت مادة”النوم” في القرآن الكريم تسع مرات ضمن الصيغ والاشتقاقات التالية:

1 ـ النوم:مصدر وردت مرتين:يقول تعالى:{الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنةٌ ولا نوم}[البقرة 255]،وقال تعالى:{وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً}[الفرقان 47].

2 ـ نومكم:وردت مرة واحدة:يقول تعالى:{وجعلنا نومكم سباتاً}[النبأ 9].

3 ـ نائمون:وردت مرتين:{أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون}[الأعراف 97]،{فطاف عليها طائفٌ من ربّكَ وهم نائمون}[القلم 19].

4 ـ المنام:ومنها الصيغ التالية:منامك ،منامكم،منامها،قال تعالى:{يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى}[الصافات 102]،{إذ يُريكهمُ الله في منامك قليلاُ}[الأنفال 43]،{ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله}[الروم 30]،{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها}[الزمر 42].

ومن مرادفات النوم التي وردت في القرآن الكريم نذكر:

1 ـ السِنة:وهي الغفوة الخاطفة التي تأتي كمقدمة للنوم فتؤدي إلى غياب محدود عن الواقع المحسوس مع بقاء شىء من الإدراك.ويعود الإنسان لوعيه كاملاً بسرعة دون أن يستغرق في النوم،ويحدث ذلك والإنسان جالس أو واقف على قدميه دون أن يسقط على الأرض،وهي لحظات بسيطة لاتترافق مع حدوث الأحلام أو الرؤية.وقد ذكرت في القرآن الكريم مرة واحدة في قوله تعالى:{الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم لا تأخذه سنةٌ ولا نوم}[البقرة 255].

يقول إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“والسنة:هي أول ما يأتي من النعاس،أي الموم الخفيف،فالواحد منا يكون جالساً ثم يغفو،لكن النوم هو السبات العميق،فلم قال لاتأخذه سنة؟

السنة هي النعاس الذي يأتي في أول النوم،ومظهرها يبدو أولاً في العين وفي الجفن،فعندما يذهب إنسان في النوم فإن أثر ذلك يظهر في عينيه”.

وجاء في كتاب الكليات لأبي البقاء الكفوي:

“السنة:بالكسر والتخفيف ابتداء النعاس في الرأس فإذا خالط القلب صار نوماً،وفي قوله تعالى:{لاتأخذه سِنة ولا نوم}.المنفي أولاً إنما هو الخاص وثانياً العام،ويعرف ذلك من قوله{لا تأخذه}أي لا تغلبه،فلا يلزم من عدم أخذ السنة التي هي قليل من نوم أو نعاس عدم أخذ النوم،ولهذا قال:{ولا نوم} بتوسط كلمة”لا” تنصيصاً على شمول النفي لكل منهما”.

2 ـ الهجوع:وهي النوم القليل.وهو أيضاً سكون الحركة.يقول تعالى:{كانوا قليلاً من الليل مايهجعون}[الذاريات 17]،أي أنهم يقومون أكثر الليل،ويتركون النوم.

وجاء في معجم لسان العرب لابن منظور الهجوع:النوم ليلاً.وقال ابن السكيت:ولا يطلق الهجوع إلا على نوم الليل.

3 ـ الرقاد:هو نوع من النوم،ويكون بالليل والنهار.يقول تعالى:{وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود}[الكهف 18]،وهذا يدل غالباً على أن الرقاد يطلق على النوم الطويل.وقريباً منه قوله تعالى:{قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ماوعد الرحمن وصدق المرسلون}[يس 52]

4 ـ النعاس:وهو النوم القليل الذي لاتعكره صفوة أحلام ولا رؤى وفيه السكون والهدوء والطمأنينة للنفوس.

وقيل:النعاس:هو مرحلة بداية النوم،وهو أن يحتاج الإنسان إلى النوم وتبدأ حواسه كالسمع والبصر ونحوها في ضعف إدراك مايدور حولها،فمثلاً:يسمع الناعس كلام جليسه ولا يفهم معناه.

يقول تعالى:{إذ يُغشيكم النعاس أمنةً منه}[الأنفال11]،وقال تعالى:{ثم أنزل عليكم من بعدِ الغمِّ أمنةً نعاساً}[آل عمران 154]

5 ـ السبات:وهو النوم العميق الذي يحقق الراحة والانقطاع عن العمل والتمدد على الفراش،وهو النوم الذي لايخالطه إزعاج.فالسبات هو انقطاع أثر الحواس الظاهرة،والانقطاع عن الإدراك والإحساس والحركة.

يقول تعالى:{وجعلنا نومكم سباتاً}[النبأ 9]

أطوار النوم: أو أدوار النوم Sleep Cycle

حتى يكون النوم مريحاً لابد أن تتحقق فيه كل أطواره.

وهناك طوران يشاهدان في النوم:

! طور“الريم”REM:وهو يترافق مع حركات العين السريعة.

2 ـ طور اللاريم:NON REM:وهذا الطور ينقسم إلى ثلاثة مراحل.

1 ـ المرحلة الأولى:وتكون بين اليقظة والغفوة،وحيث يمكن للنائم أن يصحو فيها بسرعة،وإذا استيقظ فيها فإنه يشعر أنه لم ينم على الإطلاق.

2 ـ المرحلة الثانية:وتسمى طبياً مرحلة”النوم المعتدل”،وهي التي نقضي نصف نومنا ليلاً فيها.وفي هذه المرحلة تتباطأ موجات الدماغ،وتتباطأ ضربات القلب،وينخفض ضغط الدم.

3 ـ المرحلة الثالثة:وهي مرحلة النوم العميق،وتتميز بوجود موجات دماغية نشيطة وبطيئة،وكثيفة،وتتباطأ معظم وظائف الجسم في هذه المرحلة.وفي هذه المرحلة تظهر عند بعض الناس بعض الصفات ومنها التكلم أو الأكل أثناء النوم،أو السير،إذا كانوا يميلون بطبيعتهم لذلك.

ـ مرحلة حركات العين السريعةREM(Rapid Eyes Movements):

وهي المرحلة التي تتميز بوجود الأحلام،وتسمى طبياً مرحلة”النوم المتناقض”لأن الجسم يكون نائماً تماماً بينما يصور العقل أنك مستيقظ.وتتميز هذه المرحلة بحركات العين السريعة.وفي هذه المرحلة يحدث نوعاً من الشلل أو الارتخاء العضلي.

وهاتان المرحلتان الرئيسيتان تتناوبان أثناء الليل باستمرار،أي يشاهد مايسمى دورات النوم.وهذه الدورات تبدأ مع بداية النوم حيث تبدأ مرحلة اللاريم بالمرحلة الأولى وهذه تستمر حتى الوصول إلى النوم العميق بالتدريج أي المرحلة الرابعة.

وبعد مرحلة االلاريم تبدأ مرحلة “الريم”.وكل دورة من هذه الدورات تستغرق تقريباً 90 دقيقة،ومن ثم تتكرر بالتناوب كل ليلة.

إن مرحلة”الريم” هي هامة للاستقرار النفسي وهي مرحلة الأحلام،وأما مرحلة النوم العميق فهذه هامة للنشاط والفعالية الجسمية بعد النوم.

1 ـ الطور الأول: أي “اللاريم “وهذا يبدأ من اليقظة وحتى الطور الثاني،وهو يطول عند الشباب ويشكل فترة نصف فترة النوم الليلي.

وعندما يبدأ الشخص في النوم فإن رسم الدماغ يبدأ في التغير عما كان عليه أثناء اليقظة.وكلما ازداد النوم عمقاً تغير رسم الدماغ مما يمكن تقسيمه إلى أربعة مراحل من حيث العمق،وعندما يصل النوم إلى المرحلة الرابعة يبدأ في التراجع من حيث العمق إلى المراحل السابقة،ولايصل إلى المرحلة الأولى إلا إذا كان الشخص على وشك الاستيقاظ.

2 ـ الطور الثاني:أو طور “الريم”

وعندما يصل النوم إلى المرحلة الثانية لوحظ أن رسم المخ لم يتغير فجأة،بل إن الجسم نفسه يتحرك حركات لا إرادية.ولوحظ أن العين تتحرك حركات سريعة،وتظل هذه المرحلة لفترة تتراوح بين 15 ـ 30 دقيقة،ولو حدث أن استيقظ الشخص بعد هذه المرحلة فإنه يتذكر أنه كان يحلم ويستطيع أن يروي ما حلم به.فإذا لم يستيقظ بعد انتهاء المرحلة يأخذ النوم ثانية في العمق إلى المراحل الثالثة والرابعة ثم يتراجع ثم يحلم وهكذا تتكرر هذه العملية 4 ـ 6 مرات كل ليلة حسب طول مدة النوم.ويمكن للإنسان كل يوم في الصباح وبعد الاستيقاظ وببعض التركيز أن يتذكر الحلم الأخير،أما الأحلام الأولى فمن الصعب أن يتذكرها،إلا إذا استيقظ الإنسان بعد الحلم مباشرة.

ويشاهد بعد حوالي 70 ـ 90 دقيقة من بداية النوم أن يحدث طور حركات العينين السريعة REM،وهذا هو طور الأحلام وهذه تشكل حوالي ربع فترة النوم الكلي وتحدث كل 70 ـ 120 دقيقة بشكل دوري.ويتبعها دوماً فترات من الطور الثاني للنوم.

إن فترة النوم وأطواره ليست ثابتة في كل مراحل العمر.فمدة النوم أثناء الليل تتراجع حتى سن الثلاثين بشكل مستمر،ومن ثم تبقى ثابتة،ومن بعدها تنقص تدريجياً وخاصة في الشيخوخة المتأخرة.فالطفل الصغير ينام حوالي أربع وعشرين ساعة،والذي يبلغ عمره خمس سنوات ينام اثنتي عشرة ساعة فقط،والمراهق ينام تسع ساعات،والبالغ ينام من سبع إلى ثمان ساعات.

كما أن فترة”الريم” تكون ابتداءً من سن العاشرة حوالي 22% من مجمل فترة النوم،ومن ثم تنقص تدريجياً بعد سن السبعين.وعلى هذا يمكن القول بأنه كلما طالت فترة”الريم” كلما كان الوضع النفسي والجسدي للإنسان أفضل.

إن النوم لا يُطبق على الإنسان فجأة،بل هناك مراحل ممهدة ومهيأة للنوم،وهناك مرحلة انتقالية مابين اليقظة الكاملة والنوم العميق.

فالمرحلة الممهدة تتميز بحدوث النعاس والتثاؤب ،ثم صعوبة التركيز وخاصة للأعمال الذهنية،ويحدث استرخاء تدريجي في العضلات،ثم يحدث تشوش في حاستي السمع والبصر،وأول العضلات استرخاء هي عضلات القدمين،ثم عضلات الجذع فالذراعين فالرقبة وأخيراً الفك والوجه.وهذا مايفسر لنا لماذا نشعر ونحس ونحن في السرير بأن الذراع قد أصبحت مرخية تماماً بحيث أن الإنسان غير قادر على تحريكها وعند الاستيقاظ يحصل العكس فيتم تحريك الرأس ثم الذراعين فالقدمين.وإذا مانهضنا من السرير بسرعة عند الاستيقاظ فإننا قد نتعرض للسقوط لأن القدمين مازالت في حالة استرخاء.

يوجد في الجسم مراكز للنوم الخفيف،ومراكز للنوم العميق،وقد تستلقي في فراشك ثماني ساعات،فتنام منها ساعة أو ساعتين نوماً عميقاً،والساعات الباقية تنام فيها نوماً خفيفاً،بمعنى أنك على نوع من الاطلاع على مايجري حولك،من تكلم،أو دخل، أو طرق الباب،ومن خرج،ولكن في النوم العميق فإنك لاتشعر بشىء.

إن هذا التطور الطبيعي للنوم يمكن أن يتأثر بعدة عوامل ومنها:السن،والأمراض النفسية،وتناول الغول.وتناول بعض الأدوية ومنها المنومات.

قالمسنين يستيقظون عادة عدة مرات أثناء النوم والليل،والطور العميق للنوم عند المسنين تقصر مدته،وطور “الريم” تقصر عندهم مدته من 25% إلى 15%،والنوم عند المسنين يكون متقطعاً،وتبين الدراسات أن المسنين من الرجال يصابون باضطرابات النوم قبل النساء بحوالي عشر سنوات،وبسبب اضطرابات النوم عند المسنين فإنهم ينامون فترة أطول في الظهيرة،ويميلون للنعاس أيضاً أثناء النهار.

كما تبين أن بعض المنومات تسبب نقصاً في طور النوم الخفيف وهذا يجعل الإنسان المدمن عليها في حالة تعب ويشعر أنه بحاجة للنوم دوماً.

كما أوضح رسم المخ أن الجهاز العصبي يصاب بفترات من التعب والتراخي كل 90 دقيقة أثناء اليقظة ولذلك فمن المستحسن أن يرتاح الشخص أثناء العمل كل ساعة ونصف الساعة لفترة ربع ساعة على الأقل حتى يستعيد الجهاز العصبي نشاطه،وهذا التغير الدوري يحدث أيضاً أثناء النوم لأن فترات الأحلام تحدث أيضاً كل 90 دقيقة،أي أنها فترة تراخي الجهاز العصبي أثناء الليل،وهذا يتمشى مع ما قال به علماء النفس من أن الأحلام تحدث عندما يغفل الرقيب(الأنا العليا)وبذلك تسنح الفرصة للغرائز والرغبات المحرمة والمكتومة في اللاشعور لكي تخرج إلى دائرة الشعور(الأنا)حتى ولو كان الرقيب ليس غافلاً تماماً،فإنه يترك لهذه الرغبات حرية التعبير عن نفسها من خلال الأحلام،لأنه واثق أن الشخص نائم ويتعذر عليه تنفيذ هذه الرغبات.

ولقد ثبت علمياً أن التوتر العضلي يتلاشى أثناء النوم وخاصة في مرحلة الأحلام حتى يصل إلى درجة الشلل التام،بينما ينشط مركز الرؤية في المخ مما يؤدي لتشكل أهلاس بصرية،وهذا مايحدث أثناء الحلم،إذ أنه مجرد رؤى وأهلاس بصرية،وهذا يؤكد آراء مدرسة التحليل النفسي أيضاً بأن الحلم هو مرحلة نكوص إلى فترة الطفولة حيث كان الطفل يعتمد على إدراكه للأشياء بواسطة حواسه كالشم والسمع والبصر،ولا يعتمد على جهازه الحركي لأن عضلاته لم تصل إلى مرحلة النضج بعد.

كما يقل نشاط مركز تنظيم الحرارة أثناء النوم لذا يشعر النائم بالبرودة ويتحسس لها أكثر من المستيقظ.

وخلال الطفولة الأولى فإن دورة النوم ـ اليقظة الطبيعية ـ المعاودة والمشاهدة لدى الرضيع تتدرج إلى الشكل المألوف في الطفولة المتأخرة والشباب والكهولة.أي النوم ليلاً،واليقظة نهاراً،وتنقص عدد ساعات النوم مع النمو،فبينما يقضي الوليد 16 ـ 17 ساعة نائماً يومياً،لايقضي الكهل سوى 6 ـ 9 ساعات.وتبقى هناك تفاوتات فردية عند الكهول لها علاقة بالسن والجنس والشخصية،حيث تبين أن نسبة من يكتفون بعدد ساعات نوم أقل من خمس ساعات تزداد مع تقدم العمر وخاصة بعد سن 55سنة.

كما أن الدخول في مرحلة النوم وبدايته يزداد مع التقدم في السن،حيث لوحظ عند الإناث بعد سن ال65عاماً فإن 30% منهن لايتمكن من النوم بعد الاضطجاع إلا بعد أكثر من 90 دقيقة،كما أن الاستيقاظ العادي قبل الساعة الخامسة صباحاً يشاهد بنسبة أقل من 5% دون سن ال64.ولكن النسبة تصبح ثلاثة أضعاف بعد هذا السن.

وإن النساء ينمن أقل من الذكور،ويشعرن باضطرابات النوم بنسبة أعلى من الذكور،وخاصة بعد العقد السادس من العمر،كما أن اضطرابات النوم سواءً ليلاً أو نهاراً تزداد مع تقدم العمر،ويشاهد تقطع النوم بعد سن السبعين بشكل خاص.

ومن المعروف أن الحرمان من النوم يؤدي للإنهيار العصبي.ولذا يلجأ بعض السجانين إلى حرمان المسجون من النوم كوسيلة من أشد وسائل التعذيب.

في كانون الثاني من عام 1959م قضى المدعو بيتر ترب حوالي 200 ساعة من دون نوم.وفي أثناء ذلك كان يشرف عليه عدد من الأطباء يفحصونه ويجرون عليه التجارب والاختبارات النفسية.وقد تحتم على ترب منذ البداية أن يكافح ضد النوم.وبعد يومين بدأت تتراءى له هلوسات بصرية مثل رؤية خيوط العنكبوت في حذائه.ولم تكد تمضي عليه مائة ساعة حتى خانته ذاكرته بشكل ملحوظ وأصبح يجد صعوبة بالغة في الإجابة على الاختبارات البسيطة.ولقد أصبحت هلوساته تزداد،وصار يرى في بزة الطبيب المصنوعة من القماش أنها مصنوعة من الديدان.

ولما أعطي معادلة جبرية بسيطة كان قد حلها بسهولة في بداية الأمر تطلب منه جهداً كبيراً في محاولة حلها وانهار وهو يحاول بإصرار حل المعادلة.

وحين وصل إلى الساعة المائة والسبعين بلغت الماسأة حداً لا يستطاع مشاهدته،ففي بعض الأحيان كان ترب غير متأكد من أنه هو نفسه وفي كثير من الأحيان كان يحاول التأكد من هويته.وصار عنده الشك بأن الأطباء يتأمرون عليه لإرساله إلى السجن.وفي نهاية المائتي ساعة اختلط ذهنه وعاودت الأشباح تتراءى له،وازدادت الهلوسات وأصبح عنده اليقين بأنه ضحية مؤامرة من قبل الأطباء.

عندما يكون الإنسان مستيقظاً فإن المخ يكون لديه نشاطاً كهربائياً معينا،ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغير.والنائم يمر خلال نومه بعدة مراحل من النوم لكل منها دورها.فهناك المرحلة الأولى والثانية ويكون النوم خلالهما خفيفاً ويبدأن مع بداية النوم.وبعد ذلك تبدأ المرحلة الثالثة والرابعة،أو مايعرف بالنوم العميق،وهاتان المرحلتان مهمتان لاستعادة الجسم نشاطه،ونقص هاتين المرحلتين من النوم ينتج عنه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد أثناء النهار.وبعد حوالي التسعين دقيقة تبدأ مرحلة الأحلام أو مايعرف بمرحلة حركة العينين السريعة.وهذه المرحلة مهمة لاستعادة الذهن نشاطه.والمرور بجميع مراحل النوم يعرف بدوره النوم كاملة.وخلال نوم الإنسان الطبيعي(6 ـ 8 ساعات) يمر الإنسان بحوالي 4 ـ 6 دورات نوم كاملة.

وتبين الدراسات أن مرحلة النوم العميق وتسمى أيضاًREM(حركات العين السريعة)تكون مصحوبة بحركات سريعة للعين وتترافق مع كبت الفعالية الحركية وفي خلالها تحدث الأحلام.وبالرغم من أن مخطط هذه المرحلة يشبه مخطط حالة اليقظة والتنبه فإن الشخص يكون في نوم عميق ويصعب إيقاظه في هذه المرحلة.

ولوحط أيضاً أن المرحلة الرابعة من النوم تحدث بصورة مبدئية في النصف الأول من الليل،في حين أن نوم حركات العين السريعة يكون أكثر حدوثاً في الثلث الأخير من الليل.

وفي خلال فترةREM تتسارع ضربات القلب،ويزداد ضغط الدم،ولهذا قيمته حيث أن الأزمات القلبية كثيراً ما تحدث في ساعات الصباح المبكرة جداً .

وهناك وسائل تساعد في تسجيل وتحديد النوم الطبيعي والفسيولوجي وأهمها:

1 ـ تخطيط الدماغ الكهربائي:Electroencephalogram:EEG

اكتشف الطبيب النفسي السويسري هانس بيرغر التخطيط الدماغي عام 1929م.

أثناء اليقظة تشاهد عند معظم الناس مايسمى موجات ألفا أو نظم ألفا وهي موجات بطول 9 ـ 12 ثانية.وأثناء النوم يشاهد في الطور الأول للنوم وخاصة في الناحية الصدغية مايسمى موجاتVertex،والنوم الحقيقي يبدلأأ في الطور الثاني والذي يتميز بالارتكاس إلى المنبهات الداخلية والخارجية.

وأما النوم العميق فيتظاهر بوجود حصار على بعض وظائف القشر الدماغي.وهذه الأطوار السابقة تكون خاضعة لمرحلة اللاريمNon REM،وهذه تتناوب مع”الريم:بشكل منتظم عند الأسوياء الأصحاء وهذا يحصل كل 90 ـ 100 دقيقة،ونسبة كل منها 20% النوم العميق،و50% الطور الثاني لمرحلة اللاريم،25% مرحلة الريم.

إن مرحلة اللاريم والريم تمتاز بوظائف مختلفة:

ففي مرحلة اللاريم:يحدث بطء في حركات القلب والتنفس،وأما في مرحلة الريم فتتظاهر بارتفاع معدل النبض وحركات التنفس،وحدوث فعالية ونشاط في تخطيط الدماغ الكهربائي.وأما عند المسنين فإن مرحلة الريم لاتشاهد إلا في النصف الأول من الليل وهذا ينعكس سلباً على الحالة النفسية والجسدية للمسن.

ويلاحظ في تخطيط الدماغ الكهربائي صنفان للنوم:

1 ـ  النوم بدون سرعة حركات العينين:Non REMوهذا يقسم إلى أربعة مراحل تتراوح من النوم الخفيف وحتى العميق.ففي المرحلة الأولى يكون التخطيط الدماغي مماثلاً لما يشاهد أثناء اليقظة،وأما في المرحلة الثانية فيبدي مظهراً جديداً حيث يبدي وجود Sleep spindles،ومع عمق النوم تظهر موجات بطيئة تزداد سيطرتها حتى المرحلة الرابعة.

2 ـ النوم المترافق مع سرعة حركات اللعينين:REM:وهذا يمتاز بنقص فعالية الفولتاج في تخطيط الدماغ الكهربي بشكل يماثل المرحلة الأولى من السابق،ويترافق مع حركة العينين السريعة،وهبوط شديد في المقوية العضلية.

وإن الأشخاص الذين يوقظون في هذا الطور يذكرون عادة وجود اضطراب في المحتوى الفكري يصعب تميزه عن الحلم العادي،أما من يوقظون في الطور الذي لايترافق مع حركات العين السريعة فلا يبدون وجود اضطراب في محتوى التفكير.

ويترافق الطوران السابقان مع ملامح مميزة استقلابية،فعلى سبيل المثال إن النوم ذو الموجات البطيئة يترافق مع تبدلات في تركيز هرمون النمو في الدم،وأما الطور ذو حركات العين السريعة فإنه يترافق مع ازدياد فعالية الجملة الذاتية العصبية،ونعوظ القضيب،كما أن جريان الدم خلال هذا الطور من النوم يكون أعلى منه أثناء اليقظة.

ولقد وجد أن مدة الطور ذو حركات العين السريعة أي الريم يكون أطول بكثير عند الوليد والخديج.

2 ـ تخطيط حركة العينين Electrooculogram EOG:وهو مقياس لحركات العينين.

3 ـ التخطيط العضلي Electromyogram EMG

ويتفاوت عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان الطبيعي من شخص لآخر.ولكن المؤكد أن عدد الساعات التي يحتاجها نفس الشخص تكون ثابتة دوماً.فبالرغم من أن الإنسان قد ينام في إحدى الليالي أكثر من ليلة أخرى إلا أن عدد الساعات التي ينامها الشخص خلال أسبوع أو شهر تكون عادة ثابتة.

ويعتقد كثير من الناس أن عدد ساعات النوم اللازمة يومياً هو ثمان ساعات،وهذا الرقم هو متوسط عدد الساعات لدى أغلب الناس،ولكنه لا يعني بالضرورة أن كل إنسان يحتاج ذلك العدد من الساعات.فنوم اإنسان يتراوح بين أقل من ثلاث ساعات لدى البعض إلى أكثر من 10 ساعات لدى البعض الآخر.

ومع تقدم الإنسان في العمر فإن طبيعة وجودة النوم تتغير كلما تقدم بنا العمر.فعند كبار السن يصبح النوم خفيفاً وأقل فعالية وأقل راحة،ذلك كله بالرغم من عدم تغير ساعات النوم،والسبب في ذلك يعود إلى أن نسبة كل مرحلة من مراحل النوم السابقة تتغير مع تقدم السن حيث أن طور النوم العميق(أي المرحلة الثالثة والرابعة)تصل إلى نسبة بسيطة بعد تجاوز سن الستين،وعند البعض قد تختفي تماماً،فنجد الأشخاص في هذا السن أسرع استيقاظاً نتيجة الضوضاء الخارجية مقارتة بصغار السن.فيصبح النوم عند المسنين خفيفاً ومتقطعاً طوال الليل.وهذا أحد أسباب النعاس خلال النهار الذي يشاهد عند كبار السن.

وإن العوامل الرئيسية التي تتغير أثناء النوم هي:سرعة القلب،وضغط الدم،والنشاط الاستقلابي.

وفي النوم العميق فإن سرعة التنفس تنقص،وأن الضغط الجزئي للأوكسجين في الأسناخ الرئوية يتناقص،وإن درجة اشباع الدم الشرياني بالأوكسجين تهبط من 96% إلى 87%،وفي نفس الوقت يرتفع تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الاسناخ الرئوية إلى حوالي 46 مم زئبق.

وأثناء النوم تتناقص الإفرازات اللعابية والدمعية،كما أن المنعكسات الوترية تتناقص،ويقل افراز البول.كما يتناقص مستوى الكورتيزون عند الصباح وينقص أيضاً خلال منتصف الليل،ولكن يبلغ الذروة عند الساعة الثانية صباحا.

ويقع مركز النوم في الدماغ في منطقة ما تحت المهاد الخلفي.

النوم نعمة عظيمة:

يقول تعالى:{ومن آياته منامكم بالليل والنهار}[الروم23]،وقال تعالى:{قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل}[القصص 72].وقال تعالى:{ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً}[النمل 86].

إن النوم من أكبر نعم الله للإنسان،والنوم ضروري للإنسان ،ولايمكن للإنسان أن يعيش إذا تخلى عنه،وإذا حُرم منه بعض الليالي والأيام فإنه يسبب له متاعباً جسدية ونفسية لاحصر لها،وإن عدم النوم الكافي أو إصابة الإنسان بالأرق لفترة طويلة ينجم عنه آثار سلبية واسعة على صحته بشقيها الجسدي والنفسي.

الليل وعلاقته مع بعض الأمراض:”ومن شر غاسقٍ إذا وقب”

إن ساعات الصبح الأولى وخاصة قبيل الاستيقاظ من النوم قد تكون حرجة وخاصة لمرضى القلب،ولذا ينصح بإعطاء الأدوية مساءً قبل النوم وصباحاً قبل مغادرة السرير للوقاية من احتشاء عضلة القلب.وقد تبين أن هناك نظم دوري معين:لحرارة الجسم،وضغط الدم،والمقاومة القصبية الهوائية،وتراص الصفيحات الدموية،وإفراز بعض الهرمونات مثل الكورتيزون والأدرينالين.

وقد تبين أنه أثناء الليل تتراجع المقدرة والجهد الجسمي،ومن ثم تزداد وترتف بالتدريج وتصل ذروتها مابين الساعة التاسعة والعاشرة صباحاً،وحتى الساعة الثانية بعد الظهر ثم تتراجع تدريجياً،وبعد الظهر تصل إلة ذروة أخرى ثانية.وهذا النظام الدوري المُوجه داخلياً له علاقة مع النوم واليقظة بالطبع إذ أنه يستمر بعد الحرمان من النوم،وله علاقة مع مؤثرات خارجية كالطقس،ووجد أن نوبات خناق الصدر تحدث في الشتاء أكثر من الصيف،بينما احتشاء القلب في الصيف أكثر من الشتاء.وبالنسبة لأمراض القلب وجد أن التشنج في الأوعية الإكليلية يحدث غالباً مابين الساعة 5  ـ 6 صباحاً،وإن تراص الصفيحات الدموية يزداد أكثر مابين الساعة 6 ـ 9 صباحاً.وفي هذه الأوقات تحدث غالباً اضطرابات نظم القلب والاحتشاء وموت القلب المفاجىء،وكذلك الفالج الدماغي.وتبين أن أكثر الأوقات حرجاً للمرضى هي ماقبيل مغادرة الفراش،وهذا حوالي الساعة السادسة صباحاً أو حوالي الحادية عشر ظهراً.

كما تشاهد نوبات الربو  وتزداد حوادثه في الليل وخاصة مابين الساعة 2 ـ 4 صباحاً.

كما أن معظم الولادات تتم بشكل غالب في الليل وخاصة مابين 1 ـ 4 صباحاً.

وأمراض المعدة وخاصة القرحة والقلس المعدي المريئي تشاهد غالباً في ساعات الليل.

ومن أهم الأمراض التي تشاهد أثناء النوم انقطاع النفس أثناء النوم(يمكن الرجوع إليه بالتفصيل في الموقع(أدواء متفرقة ـ أمراض الرئة والجهاز التنفسي).

وتكثر نوبات الصرع عند المصابين به وخاصة أثناء النوم..

حكمة النوم على الجانب الأيمن والتحذير من النوم على البطن:

ورد في السنن الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام على شقه الايمن،ويضع يده تحت خده الشريف ويقرأ هذا الدعاء قبل أن ينام:”باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه،إن أمسكت نفسي فاغفر لها،وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ عبادك الصالحين”.

جاء في الحديث الشريف:”إذا أوى أحدكم إلى فراشه،فليأخذ داخلةَ إزاره،فلينفض بها فراشه،وليُسمِّ الله،فإنه لايعلم ما خَلَفهُ بعدَهُ على فراشه،فإذا أراد أن يضطجع،فليضطجع على شِقهِ الأيمن،وليقل:”سبحانك اللهم ربّي بكَ وضعتُ جنبي،وبكَ أرفعه،إن أمسكتَ نفسي،فاغفر لها،وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظُ به عبادك الصالحين” وفي رواية:بهذا الإسناد،وقال:ثم ليقل:”باسمك ربي وضعتُ جنبي،فإن أحييت نفسي،فارحمها”.[رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]

جاء في الحديث الشريف الذي رواه الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إذا أتيت مضجعك،فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل:”اللهم أسلمت نفسي إليك وألجأت ظهري إليك ،رغبة ورهبة إليك….”الحديث.

وقد بينت الدراسات الحديثة أن النوم على الشق الأيمن مع وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن تساعد على الدخول سريعاً في النوم وتساعد على تهدئة جسم الإنسان والإقلال من حدوث الارق.وتبين أن عمل القلب يكون أفضل مايمكن بهذه الوضعية.ويكون إفراغ المعدة من الطعام أسرع مما لو نام على الشق الأيسر.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:

“في اضطجاعه على شقه الأيمن سر،وهو أن القلب معلق في الجانب الأيسر،فإذا نام الرجل على الجنب الأيسر،استثقل نوماً،لأنه يكون في دعة واستراحة،فيثقل نومه،فإذا نام على شقه الأيمن فإنه يقلق ولايستغرق في النوم،لقلق القلب،وطلبه مستقره وميله إليه،واستحب النوم على الجنب الأيمن،لئلا يثقل نومهفينام عن قيام الليل،فالنوم على الجانب الأيمن أنفع للقلب،وعلى الجانب الأيسر أنفع للبدن”.

وأما النوم على الجانب الأيسر فقد تبين طبياً أنه يسبب تأخر أفراغ المعدة من الطعام،كما أن الاضطجاع على الشق الأيسر يجعل الرئة اليمنى الكبيرة تضغط على القلب وتقلل من نشاطه.

وجاء النهي عن النوم على البطن،فيما رواه ابن ماجه وصححه الألباني عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: أصابني رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً في المسجد على بطني،فركضني برجله وقال:”يا جُنيدب،إنما هذه ضِجعة أهل النار”،وفي رواية :”مالك ولهذا النوم،نومة يكرهها الله أو يبغضها الله”.

في منتصف السبعينات من القرن الماضي كان يستحسن عند الأوربيين النوم على البطن عند الرضع،ولكن وجد في نفس الوقت ازدياد حالات الموت المفاجىء عند الرضع بسبب هذه الوضعية،ولذا توجهت الدراسات فيما بعد إلى التحذير من نوم الرضع على البطن،وينصح اليوم بالنوم على أحد جانبي الجسم عند الرضيع مع رفع رأس الطفل قليلاً وهذا يقي أيضاً من محذور القلس المعدي ـ المريئي واستنشاق المفرزات.

كما أن النوم على البطن يؤدي لعدم استطاعة الصدر التمدد والتقلص الكافيين عند الشهيق والزفير،وكذلك إلى جانب الضغط على الأحشاء مباشرة،ومايسببه من عسر الهضم.كما أن تقل كتلة الظهر والهيكل العظمي تقع على الرئتين.

والنوم على الظهر هو أيضاً غير صحي،لأن ذلك يترافق مع التنفس عن طريف الفم وليس الأنف،وذلك بسبب استرخاء الفك السفلي،كما أن النوم على الظهر يزيد من أعراض انقطاع التنفس أثناء النوم حيث يشاهد زيادة حالات انقطاع النفس بالاضطجاع على الظهر،والذي يعالج عند كثير من المرضى بوسائل تساعد على النوم على أحد الجانبين.كما أن النوم على الظهر يزيد من حدوث الشخير وذلك لأ ن شراع الحنك واللهاة  يعيقان مجرى التنفس.

نوم القيلولة:

يقول تعالى في كتابه العزيز:{ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآياتٍ لقوم يسمعون}[الروم 23].

ويقول تعالى:{وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة}[النور 58].

كان من عادة العرب في الجاهلية النوم والاسترخاء وقت تعامد الشمس،وربما كان ذلك لشدة الحرارة في ذلك الوقت،وأقرها الإسلام وحث عليها،فقد جعلها ضمن أوقات الاستئذان الثلاثة،بقوله تعالى”وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة”،وهو يضعون ثابهم استعداداً وتأهباً للنوم.

وقال تعالى:{وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون}[الأعراف 4].

وقال تعالى:{أصحاب الجنة يومئذٍ خيرٌ مستقراً وأحسنُ مقيلا}[الفرقان 24]،فمن النعيم الذي يكون فيه أهل الجنة أنهم يقيلون كما كانوا يقيلون في الدنيا وأحسن.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يحافظون عليها ،فكانوا لايخرجون من بيوتهم في هذا الوقت إلا لحاجة.

وقال حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله:”القيلولة سنة يستعان بها على قيام الليل كما أن التسحر سنة يستعان به على صيام النهار”.

إن التعب الذي يشاهد في أوائل مابعد الظهيرة عبارة عن ظاهرة طبيعية لها علاقة مع النظم الدوري للجسم وليس كما يظن البعض بسبب وجبة الغذاء الثقيل،وينصح هنا إذا أمكن بالنوم لمدة 30 ـ 90 دقيقة مابعيد الظهر،وهذا ما أظهره مقال نشر في جريدة النيويورك تايمز والذي أكدته دراسات علمية وافية ومؤكدة عن فوائد النوم بعد الظهر،ومنها دراسات مشفى اضطرابات النوم التابعة لمعهد الأبحاث لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا.

وقد أظهرت الدراسات أنه يحدث الميل للنوم بعد الظهر حتى ولو كان الشخص قد نام ساعات كافية أثناء الليل،وأظهرت الدراسات أيضاً أن النوم بعد الظهر يؤدي إلى نشاط الجسم واليقظة،وزيادة الفعالية.ووجد أن الوم بعد الظهر تنقص فيه فترة الأحلام،ويكون معظم حدوثه في طور النوم العميق.ولقد وجد أنه إذا أوقظ النائم بعد الظهر بشكل مفاجىء فإنه يصاب بحالة من الارتباك والذهول والشعور السىء وسوء الاهتداء،ولذا لاينصح بالإيقاظ السريع أو المفاجىء أو المزعج لهؤلاء النائمين.

وجعلنا نومكم سباتاً:

يقول تعالى:{وهو الذي جعل لكم الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشورا}[الفرقان 47].وقال تعالى:{وجعلنا نوكم سباتا}[النبأ 9].

والسبات هو الراحة وانقطاع الإنسان عن العمل الجسمي والذهني.

والسبات في اللغة:الانقطاع عن العمل،وهو أيضاً النوم الذي لايخالطه إزعاج،ولذلك سميت الراحة والانقطاع عن العمل سباتاً.

يقول الشهيد سيد قطب في الظلال في تفسير الآية الكريمة من سورة النبأ:

“وكان من تدبير الله للبشر أن جعل النوم سباتاً يدركهم فيقطعهم عن الإدراك والنشاط،ويجعلهم في حالة لا هي موت ولاهي حياة،تتكفل بإراحة أجسادهم وأعصابهم،وتعويضها عن الجهد الذي بذلته في حالة الصحو والإجهاد والإنشغال بأمور الحياة..وكل هذا يتم بطريقة عجيبة لايدرك الإنسان كنهها ولا نصيب لإرادته فيها،ولا يمكن لأن يعرف كيف تتم في كيانه.

فهو في حالة الصحو لايعرف كيف يكون وهو في حالة النوم.وهو في حالة النوم لايدرك هذه الحالة ولايقدر على ملاحظتها.وهي سر من أسرار تكوين الحي لايعلمه إلا من خلق هذا الحي وأودعه ذلك السر،وجعل حياته متوقفة عليه.فما من حي يطيق أن يظل من غير نوم إلا فترة محدودة.فإذا أجبر إجباراً بوسائل خارجة عن ذاته كي يظل مستيقظاً فإنه يهلك قطعاً.

وفي النوم أسرار غير تلبية حاجة الجسد والأعصاب…إنه هدنة الروح من صراع الحياة العنيف،هدنة تلم بالفرد فيلقي سلاحه  ـ طائعاً أو غير طائع ـ ويستسلم لفترة من السلام الآمن،السلام الذي يحتاجه الفرد حاجته إلى الطعام والشراب.ويقع مايشبه المعجزات في بعض الحالات حين يلم النعاس بالأجفان،والروح مثقل، والأعصاب مكدودة،والنفس منزعجة،والقلب مروع.وكأنما هذا النعاس ـ وأحياناً لايزيد على لحظات ـ انقلاب تام في كيان هذا الفرد،وتجديد كامل لا لقواه،بل له هو ذاته،وكأنما هو كائن حين يصحو جديد.

ولقد وقعت هذه المعجزة بشكل واضح للمسلمين المجهودين في غزوة بدر وفي غزوة أحد،وامتنّ الله عليهم بها وهو يقول:{إذ يُغَشيِّكمُ النعاسَ أمنةً منهُ}[الانفال11]{ثمَّ أنزلَ عليكُم من بعدِ الغمِّ أمنةً نعاساً يغشى طائفةً منكم}[آل عمران 154]كما وقعت للكثيرين في حالات مشابهة.

فهذا السبات،أي الانقطاع عن الإدراك والنشاط بالنوم ضرورة من ضرورات تكوين الحي،وسر من أسرار القدرة الخالقة،ونعمة من نعم الله لايملك إعطاءها إلا إياه”.

ويقول ابن عاشور في التحرير والتنوير:”وفي هذا امتنان على الناس بخلق نظام النوم فيهم،لتحصل لهم راحة من أتعاب العمل الذي يكدحون له في نهارهم،فالله تعالى جعل النوم حاصلاً للإنسان بدون اختياره. فالنوم يلجىء الإنسان إلى قطع العمل لتحصل راحة لمجموعه العصبي الذي ركنه في الدماغ.فبتلك الراحة يستجد العصب قواه التي أوهنها عمل الحواس وحركات الأعضاء وأعمالها.بحيث لو تعلقت رغبة أحد بالسهر لابد له من أن يغلبه النوم وذلك لطف بالإنسان بحيث يحصل له مابه من منفعة مدركه قسراً عليه لئلا يتهاون به.ولذلك قيل: إن أقل الناس نوماً أقصرهم عمراً”.

ويقول الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني:”النوم حاجة متكررة معروفة من حاجات الأحياء وهو في حقيقته وفاة صغرى للنفوس،ففيه يتوقف الحس الظاهر عن العمل فيكون النائم كالميت الذي لا يستجيب لشىء مما حوله”.

“وجعلنا الليل والنهار آيتين::

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شىءٍ فصلناه تفصيلا}[الإسراء 12].

وفي هذه الأية الكريمة يبين الله تعالى أنه خلق الليل والنهار أيتين،من آياته الكونية،التي تدل على حكمته وقدرته وبديع صنعه،فالإنسان يحتاج إلى سكون الليل ليلجأ إليه في راحة وسكون من جراء التعب والجهد الذي لاقاه في تحصيل معيشته والبحث عن قوت يومه أثناء النهار،فلكل شأن ولكل دور.فالليل ومايحيط به من نجوم وظلام ،ومايمتاز به من سكينة وهدوء،هو السكن والملاذ للإنسان،يتمتع فيه بالراحة وينال قسطاً وافياً من النوم لكي يعينه على قضاء حوائجه في النهار المقبل ومايصاحبه من ضجيج وحركة ودوران دولاب الحياة.

العمل بالليل والنوم أثناء النهار:

نبين الدراسات أن العمل أثناء الليل لايسبب فقط انزعاجاً على مستوى اضطرابات النوم واضطرابات الحياة الاجتماعية،بل إنه قد يسبب بعض الحالات المرضية ومنها القمه(قلة الشهية) والاضطرابات المعدية ـ المعوية ومنها حس الحرقة خلف القص والإقياء والإسهال أو الإمساك، كما أنه قد يستدعي حدوث قرحات هضمية،واضطرابات نفسية ـ حركية المنشأ ومنها سرعة التعب وسرعة الاستثارة.

إن قابلية الجهد عند الإنسان تصل حدها الاٌصى قبيل الظهيرة،ثم تتراجع مابين الساعة 12 ـ 16 مابعد الظهيرة،ثم تزداد قليلاً وتصل إلى الذروة الثانية ـ ولكن أقل من الذروة الأولى ـ ومن ثم تتراجع عند الساعة الثامنة مساء.وأسوأ ساعات العمل وقابلية الجهد تكون مابين الساعة 2 ـ 4 صباحاً،ومن ثم تزداد قليلاً وبالتدريج حتى تصل القمة حوالي الساعة التاسعة صباحاً.

كما يوجد نظم دوري معين لوظائف الجسم،حيث أن إفراز العصارة الصفراوية يكون أقصاه نهاراً ويتراجع ليلاً،والكبد تقوم باختزان الغليكوجين أفضل مايمكن الساعة الثانية صباحاً،والإفرازات المعدية الحامضية تكون قليلة في الليل وتصل الذروة مابعد الظهيرة،أو أوائل المساء.

كما أن الإفرازات الهرمونية تختلف حيث لوحظ أن هرمون النمو يزداد إفرازه قرب منتصف الليل وينخفض ؤعند الصباح.وإن الكورتيزون والكاتيكولا أمينات مثل الأدرنالين يرتف تركيزها في الصباح الباكر وينخفض تدريجياً حتى منتصف الليل.

وتجمع الدراسات على أن العمل مابين الساعة 1 ـ 4 صباحاً يترافق مع مشاكل صحية ـ اجتماعية وهذا ينطبق على الجنسين.

قيام الليل والتهجد:

يقول تعالى:{إن ناشئة الليل هي أشدّ وطأً وأقوم قيلا}[المزمل6]

وجاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”أحبّ الصيام إلى الله صيام داود،كان يصوم يوماً ويفطر يوماً،وأحبّ الصلاة إلى  الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه”.

وفي الحديث الذي أخرجه البخاري يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا  نام ثلاث عقد،يضرب كل عقدة:عليك ليل طويل فارقد،فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة،فإن توضأ انحلت عقدة،فإن صلى انحلت عقدة،فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان”.

ومن الناحية الطبية:

إن الإنسان يحصل على حاجته من النوم في الثلث ألاول من الليل،وتعتبر هذه الساعات الأولى من الثلث ألول من الليل مشبعةً للجهاز العصبي والأعضاء الاخرى،حيث أن الساعات الأولى من النوم لها القدرة على إعادة الحيوية والفعالية الضرورية لأجهزة الجسم والدماغ.

وتبين الدراسات أن أعلى نسبة لغاز الأوزون تكون عند الفجر،وهذه النسبة تقل تدريجياً حتى تضمحل عند طلوع الشمس،وأما تأثير هذا الغاز فهو تأثير مفيد جداً للجهاز العصبي،ومنشطٌ جداً للعمل الفكري والعضلي،فمن بقي في فراشه واستيقظ بعد طلوع الشمس شعر طوال اليوم بالتعب وانهيار القوى.

كما أن تركيز هرمون الكورتيزول يكون أعلى مايمكن عند الفجر،وتبلغ نسبتها اثنتين وعشرين درجة عند الفجر،وتقل إلى سبع درجات وهذا الهرمون هام جداً وخاصة بالنسبة للنشاط الجسمي والاستقلاب.

ولقد حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النوم المبكر بعد العشاء،وتخصيص الثلث الأخير من الليل للقيام والتهجد،وانتظار صلاة الفجر{وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}[الإسراء 78].وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لأصحابه وللمؤمنين في هذا يقول تعالى:{إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك}[المزمل 20].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد القيام والتهجد ينام قليلاً قبيل صلاة الفجر،وأن ينام وقت السحر وهو السدس الأخير من الليل،فعن عائشة رضي الله عنها قالت:ما ألفاه السحر عندي إلا نائماً”.وحتى قال بعض السلف:”هذه الضجعة قبل الصبح سنة”.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السهر بعد العشاء،فعن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم”كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها”،وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد صلاة العشاء”ـ يعني زجرنا.

ومدح الله تعالى عباده المؤمنين فقال:{كانوا قليلاً من الليل مايهجعون*وبالأسحار هم يستغفرون}[الذاريات17 ـ 18].وقال تعالى:{تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون}[السجدة 16]
وتبين الدراسات أن الإنسان الذي ينهض مبكراً يكون أكثر حيوية ونشاطاً وخفة،,اكثر إنتجاً وعملاً من الذي يطيل النوم حتى بزوغ الشمس.وتقول بعض الأبحاث أن ساعة النوم قبل منتصف الليل تساوي ثلاثة ساعات بعده. وتبين الأبحاث أن 70% من نومنا العميق غير الحالم يحدث خلال الثلث الأول من الليل.

يقول ابن القيم رحمه الله عن فضل وقت السحر:

“وأصدق الرؤيا،رؤيا الاسحار،فإنه وقت النزول الإلهي،واقتران الرحمة بالمغفرة،وسكون الشياطين،وعكسه رؤيا العتمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية”.

وتدل الدراسات أيضاً أنه تهبّ في ساعات الفجر ريح خاصة تلطف الجو وقت الفجر وتسمى ريح الصبا،ويحسّ الإنسان بهذه الريح إحساساً كاملاً ويستذوق حلاوتها ويتمتع بلذتها،التي لاشبيه لها في أية ساعة من الليل أو النهار.يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” اللهم بارك لأمتي في بكورها”.

النوم :الموت الأصغر:

يقول تعالى:{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيُمسك التي قضى عليها الموت ويُرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمى إنَّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون}[الزمر 42].

وسمي النوم بالموت الأصغر،لأن النائم لايعيش عالم الزمن والوعي والإدراك،ولكنه يعيش بعقله ونفسه وروحه في عالم آخر،لا يعيى فيه أمراً ولايدرك فيه شيئاً،ولا يحس بمرور الزمن،وإذا لم يستيقظ الإنسان من نومه،يكون قد دخل في حالة الموت الأكبر.

ويمكن أن نقول أن النوم هو فترة طبيعية تحدث للإنسان بدون اختيار منه تمنع الحواس عن العملمع سلامتها،وتمنه استعمال العقل مع قدرته فيعجز المكلف عن القيام بالواجب وأداء الحقوق.

إن الله عز وجل يقبض الأنفس أو الأرواح حين انقضاء آجالها بالموت،وهذا يسمى الوفاة الكبرى لأن الملائكة تقبض الأرواح من الأجساد ولاتعيده إليها.وكذلك فإن الله تعالى يتوفى الأنفس التي لم يأت أجلها عند النوم ويعيده إليها عند اليقظة ولذا يسمى النوم الوفاة الصغرى.ولذا جاء في الحديث الشريف:”إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره،فإنه لايدري ما خلفه عليه،ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه،إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين”.[صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الاستيقاظ من النوم:”الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور“[صحيح مسلم]

الرؤى والأحلام:

الأحلام:

جاء في موسوعة سفير(دائرة المعارف الإسلامية):

الأحلام:جمع حِلم،أو حلُم.ومادة حلم في اللغة العربية تستعمل بمعنيين:

الأول:هو الحِلم،أي: الأناة والعقل وضبط النفس عند هيجان الغضب.وقد ورد|الحلم” بهذا المعنى في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج(أشج عبد القيس):”إن فيك خصلتين يحبهما الله:الحلم،والأناة”.[صحيح مسلم]

كما ورد بمعنى العقل في قوله تعالى:{أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قومٌ طاغون}[الطور 32].

وفي قوله صلى الله عليه وسلم:”ليليني منكم أولو الأحلام والنهى،ثم الذين يلونهم،ثم الذين يلونهم”[صحيح مسلم].

أما الثاني:فهو الحلُم،أو الحُلْم،وهو مايراه النائم في المنام من أشياء،والأحلام قد تكون أثناء النوم وتسمى”أحلام النوم”،أو أثناء اليقظة وتسمى”أحلام اليقظة”.

1 ـ أحلام النوم:

وهي في حقيقتها نشاط ذهني للنائم،حيث ينهفض أثناء النوم كل من النشاط الذهني،والجسمي،والحركي للنائم،ومع هذا فإن ذهن النائم لايكون في حالة سكون تام،وعلى الرغم من أن بعض المراكز العصبية في الدماغ تكون أثناء النوم في حالة تشبه التخدير العميق،فإن بعضها الآخر يواصل نشاطه،ولكن على نحو ضئيل متقطع،لذلك فقد تثير المنبهات الخارجية،والمنبهات العضوية،أو الذهنية أنواعاً من الصور العقلية يراها النائم،وهي التي تعرف بأحلام النوم.

وقد أمكن حديثاً في معامل علم النفس التجريبي تسجيل الذبذبات الكهربائية لنشاط المخ أثناء النوم،لرصد درجة النشاط الذهني خلال أحلام النوم،وتسجيل وقت حدوثها.

وتنطوي هذه الأحلام ـ غالباً ـ  على معانٍ تفوق في دلالتها المعاني التي تكشف عنها طبيعة المنبهات التي أثارتها،لأن النشاط الذهني يظل يعمل على الرغم من انخفاض مستواه أثناء النوم،ولايبدو هذا النشاط الذهني فيما تتخذه الصور التي تثيرها المنبهات الحسية من أشكال مركبة فحسب،وإنما يبدو أساساً في بعث صور جديدة،تنتظم وفقاً لمنطق الأحلام الذي يختلف تماماً عن منطق التفكير أثناء اليقظة.

وقد تبدو الأحلام مفككة متناقضة مشوّهة غريبة،كما قد تكون مترابطة وذات معنى.وقد توصل بعض العلماء،والأدباء،والشعراء أثناء نومهم إلى حلول مبتكرة لمشكلات لم يستطيعوا حلها أثناء يقظتهم.

ولا يرى الحالم عادة أثناء نومه حلماً واحداً،وإنما يرى عدة أحلام،وبخاصة في الفترة الأولى من النوم،وقبيل اليقظة،ولكنه ينسى معظم هذه الاحلام،وخصوصاً عند الانشغال بأمور خارجية بعد اليقظة مباشرة.

ومن أهم خصائص الأحلام:تنصالها بالمشكلات المهمة،أو التافهة ـ أحياناً ـ التي تواجه الشخص أثناء اليقظة،وما يرد على ذهنه من خواطر،وأفكار،وأمنيات،ومخاوف ربما لايبوح بها للآخرين أثناء اليقظة،وقد يكون للحلم صلة بحوادث الحياة الماضية القريبة أو البعيدة،وبخاصة الإحباطات والصدمات الانفعالية التي لم تنته إلى نتائج تتفق مع رغبة الشخص.

وهناك وظيفة خرى للحلم تتمثل في الدفاع عن النوم،وحمايته مما يقلقه من منبهات خارجية،كأن يسمع النائم جرس الباب فيحلم أنه قام وفتح الباب ثم عاد إلى نومه.لكنه لايلبث مع إلحاح المنبه الخارجي أن يضطر إلى الاستيقاظ،والاستجابة لهذا المنبه،أي: مواجهة الواقع مواجهة حقيقية.

وفي الفكر الإسلامي عناية خاصة بالأحلام،وتميز بين الرؤيا الصادقة والحلم.

وفي القرآن الكريم ما يدل على أن تأويل الأحلام والرؤى من أهم ما أنعم الله به على سيدنا يوسف الصديق عليه السلام،وذلك في قوله تعالى:{وكذلك يجتبيكَ ربُّكّ ويُعلمك من تأويل الاحاديث}[يوسف 6].

وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا الصادقة التي تجىء بالبشرى،أو الإنذار،هي من الله،وأن “الحلم”هو من حديث النفس،أو من الشيطان كما قدّر النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة جزءاً من 46 جزءاً من النبوة.

وقد قرر العلماء أن رؤى الأنبياء وحي،وعلى هذا يُفهم أقدام إبراهيم عليه السلام على ذبح ولده،قال تعالى على لسانه:{يابنيَّ إني أرى في المنام أني أذبحك}[الصافات 102].وكذا الرؤى التي رآها يوسف عليه السلام.

والمكروه من الأحلام هو الذي ينسب إلى الشيطان،وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحالم في هذه الحالة بكتمانه،والتفل عن يساره،وطمأن فاعل ذلك بأنها لن تضره،وهذا المكروه هو ما كان تخويفاً أو مثيراً للفتنة أو الضيق.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:”الرؤيا الصالحة من الله،والحلُمُ من الشيطان،فإذا حلم أحدكم حلماً يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها فإنها لاتضره”[صحيح البخاري].

أما السارُّ من الأحلام فهو الذي ينسب إلى الله،وله أن يحدث به،ولكن لمن يحب،فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:”الرؤيا الصالحة من الله،فإذا رأى أحدكم مايحب فلا يحدث بها إلامن يحب”[صحيح مسلم].

وقد اهتم عدد من علماء المسلمين بتفسير الأحلام،وألف بعضهم كتباً في تفسير الأحلام أو تعبير المنام مثلمحمد ابن سيرين وعبد الغني النابلسي وغيرهما.

يقول الدكتور عبد الفتاح سلامة(مجلة الرسالة العدد 38):

“تفسير الأحلام والتحليل النفسي هو في رأيى من عمل الأقدمين،وإذا قلت الأقدمين فإني أقصد بذلك الشرق،وهو لايمت إلى الغرب بصلة،اللهم إلا صلة النقل ومحاولة فهمه والاستفادة منه.

ولابد لي قبل الموازنة بين ابن سيرين وفرويد من أن أشرح نظرية فرويد في تكوين الرؤيا وكيف يتصدى هو إلى تفسيرها.

تتلخص نظرية فرويد في أن الرغبة أو الأمل الذي لم يتحقق هو الذي ينبه العقل إلى العمل والتخيل أثناء النوم،وتكون النتيجة أن العقل يتخيل أن رغبته قد تحققت،أو بمعنى آخر فإن الرؤيا قد تعتب حارساً للنوم،وظيفته أن يجعل النوم هادئاً مطمئناً،لأنها تخيل إلى الإنسان أن رغبته قد تحققت فلا داعي إذاً إلى التفكير.ويقول فرويد أيضاً:إن بين رغبات الإنسان ما لا يتفق ونظام المجتمع فقد تتمنى نفسه شيئاً محرماً يقف ضميره دون تحقيقه،فتتحين النفس فرصة يضعف فيها الضمير فتحقق رغبتها،ومن الناس من يضعف ضميره في اليقظة فيحقق رغبته المحرمة بالفعل ومنهم من لا يضعف ضميره إلا إذا نام إذ يتخيل تحقيق رغبته الملحة،وذلك في الرؤيا أي في وقت يكون الضمير فيه نائماً أو ضعيفاً فلا منع إذن ولا تأديب.

وأما ابن سيرين العالم المسلم فكانت له طريقة في تحليل المنامات وكان يسأل صاحب الرؤيا ملياً ،وهو يقول في كتابه إن الرؤيا تأتي عن رغبة في النفس كأن يرى الإنسان نفسه مع من يحب أو قد يرى الأكل أمامه إذا كان جائعاً،وأما الرموز عند ابن سيرين فهي كثيرة ليس لها حصر،وليس له مثيل في هذا الباب .

2 ـ أحلام اليقظة:

وهي عبارة عن تخيل يتم أثناء اليقظة،يسبح فيه الشخص في عالم داخلي من الخواطر والصور،تتحقق فيه الأماني والرغبات،وتشبع فيه الدوافع التي لم يتم إشباعها في عالم الواقع.

وفي أحلام اليقظة يتم الهروب من قسوة الحياة وتزول العقبات وتشبع الرغبات.

وأحلام اليقظة ظاهرة طبيعية تحدث لمعظم الأشخاص،من جميع الأعمار،وهي تتخذ لدى الأطفال الصغارـ من عمر عامين وحتى ستة أعوام تقريباً ـ طابع اللهب التوهمي أو الخيالي.

ولأحلام اليقظة منافع وأضرار.

أما المنافع:فتتمثل في أنها وسيلة للتنفيس عن الرغبات المكبوتة،أو المحبطة،أو التعويض عن الآلام،كما أنها وسيلة لإثارة الهمة،لتحقيق الآمال،وتوسيع الآفاق،فهي تحفز الشخص على تحقيق تلك الصورة القوية الإيجابية التي كونها عن نفسه في خياله،والتي أسقطها على مستقبله،كما أنها تمهد لأنواع من الإبداعات الفنية،والمخترعات العلمية.

أما مضارها:فتتمثل في أن الاستغراق الشديد فيها،قد يؤدي إلى الاكتفاء بها في ذاتها،دون محاولة جادة للتعامل مع الواقع،بوضع هذه الرغبات والأماي موضع التنفيذ،مما يُحولها إلى نوع من الانسحاب السلبي مع الواقع،والانطواء الشديد على النفس وقطع الصلة بين الذات والعالم الخارجي،اكتفاءً بالخواطر والهواجس والأخيلة”[انتهى كلام السفير).

تحدث القرآن الكريم عن الرؤيا فحصرها في ثلاثة أنواع:

1 ـ رؤيا من الله تعالى:قال تعالى:{لقد صدقَ اللهُ رسولَُه الرؤيا بالحقِّ لتدخُلُنَّ المسجدَ الحرامَ إن شاء اللهُ آمنينَ مُحلِّقين رؤوسَكُم ومُقصِّرينَ لا تخافونَ}[الفتح 27].

والرؤيا الصادقة هنا أكثر ماتقع لأرباب النفوس الصافية كالأنبياء والصالحين،

2 ـ رؤيا الانبياء:قال تعالى عن سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام:{قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك}[الصافات 102]،وقال تعالى عن سيدنا يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام:{إذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ إنَِّي رأيتُ أحدَ عشرَ كوكباً والشمسَ والقمرَ رأيتهُم لي ساجدين}[يوسف 4].وجاء في آخر القصة حينما دخلوا عليه:{يا أبتِ هذا تأويلُ رؤيايَ من قبلُ قد جعلها ربِّي حقاً}[يوسف 100]

وكان النبي صلى الله عليه وسلم لايرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح”.

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها :”أول مابدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم،فكان لايرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح”

3 ـ أضغاث الأحلام:قال تعالى:{قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين}[يوسف 44].

وجاء في الحديث الشريف:“إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً،ورؤيا المسلم من خمسة وأربعين جزءاً من النبوة،والرؤيا ثلاثة فرؤيا الصالحة بشرى من الله،ورؤيا تحزين منى الشيطان،ورؤيا مما يحدث المرء نفسه فإن رأى أحدكم مايكره فليقم فليصل ولايحدث بها الناس”[صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

التثاؤب:

التثاؤب:عمل لا إرادي الهدف منه ملء الرئتين بالهواء إلى أقصى حد .للقيام به يفتح الشخص فمه بشدة لدرجة يكون فيها حجم فتحة البلعوم أكبر بأربع مرات من حجمها في الأوقات العادية.ويستمر التثاؤب لحوالي 6 ثوان تتقلص فيها عضلات الوجه والرقبة،ويصاحبهما إغلاق للعينين، .خلال ذلك تتوقف جميع المعلومات الحسية لفترة من الوقت تكفي لعزل الشخص عن هالمه تبعاً لمدة التثاؤب.

والتفسير الأكثر شيوعاً لظاهرة التثاؤب أنه يحدث عندما يكون تركيز الأوكسجين منخفضاً في الدم .

“التثاؤب والتثاوب لغتان،وأشهرهما الأولى،وهي فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فمه.وهو فعل طبيعي من أفعال التنفس يشترك فيه الإنسان مع غيره من الكائنات،فالسمك والطيور والزواحف بل معظم الثدييات ومنها القطط تتثاءب،وفي الإنسان يبدأ الثثاؤب في رحم الأم ولا يتوقف إلا مع انتهاء العمر.

ولقد لوحظ أن القرود الكبيرة تتثاءب كالإنسان،ولكن صغار القردة لاتتثاءب أمام كبار القرود،وكذلك فإن أنثى القرد لاتتثاءب أمام زوجها.

والتثاؤب قد يكون تمهيداً للنوم،وآية على الرغبة الدالة عليه،ولكنها ليست رغبة فيه.وهو عند الأطباء فعل من أفعال التنفس يتم بطريقة رد الفعل كغمض العين مثلاص،إذا رأت شيئاً سيصيبها،كما قد يكون مفيداً للصحة أو علامة اعتلال.

ومن غرائبه تلك العدوى النفسية الموجودة فيه،فما أن يتثاءب شخص ما في مجلس،حتى تسري العدوى التثاؤبية إلى معظم الحاضرين.

ويقال أن التثاؤب هو أكثر الحالات انتقالاً بالعدوى على الإطلاق،حيث يكفي أن يتثاءب شخص واحد في مكان به جمع غفير من الناس ليتثاءبوا جميعاً خلال لحظات.وهذا الأمر أي أمر العدوى بالتثاؤب لازال لغزاً حير العلماء والأطباء.

ومن الناحية الدينية:

جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن الله يحب العطاس،ويكره التثاؤب،فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له:يرحمك الله،وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع،فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان”.

ومن آداب التثاؤب مايلي:

1 ـ محاولة كظم التثاؤب ورده قدر الإمكان.وخاصة إذا كنا أمام الآخرين،جاء في الحديث النبوي الشريف:”التثاؤب من الشيطان،فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع”[رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه]

وفي رد التثاؤب فائدتان:

ـ فائدة جمالية

ـ فائدة وقائية:حيث أن هذا يقي من حدوث خلع في المفصل الفكي الصدغي،وهو المفصل الذي يتحرك به الفك السفلي،ورغم أن هذا الخلع نادر الحدوث ولكنه ممكن.

2 ـ وضع اليد على الفم:جاء في الحديث الشريف:”إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه،فإن الشيطان يدخل(صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].

3 ـ عدم قول:آه،آه:جاء في الحديث الشريف:”إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولايقل هاه هاه فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه”.[رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]

4 ـ عدم رفع الصوت بالتثاؤب.

وأضيف التثاؤب إلى الشيطان لأنه يدعو إلى الشهوات،إذ يكون مع ثقل البدن واسترخائه وامتلائه،والمراد التحذير من السبب الذي يتولد عنه ذلك وهو التوسع في الأكل،وما يكون معه من ميل إلى الكسل والنوم.

“ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال”:

يقول تعالى في كتابه العزيز:{ونقلبهم ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال}[الكهف 18].

لماذا ذكر الله تعالى في قصة أصحاب الكهف هذه الآية،وما هو الداعي لأن توضع هذه الألفاظ في الآية الكريمة،مع أنها لو حذفت فإنها لاتغير من السياق كثيراَ.

إن هؤلاء الفتية سوف يبعثهم الله من جديد،ويكونون أية من آيات الله،وسيعودون من جديد لحياة البشر والتعامل مع البشر.ومن هنا يضع ربّ العالمين قواعد هامة في الصحة فيما يتعلق بالرقاد الطويل.

إنه من المعروف طبياُ وصحياً،أن المريض الذي يلازم الفراش لفترة طويلة بسبب مرض من الأمراض أو لغرض معالجة من المعالجات،فإنه يحذر وينبه من قبل الأطباء وجهاز التمريض والعناية أن عليه أن لايبقى في الفراش في وضعية واحدة،بل عليه أن يتقلب يميناً ويساراً،وذلك حتى لايصاب جسمه بما يسمى قرحات الفراش والناجمة عن الضغط على الجلد والأوعية الدموية والعضلات وخاصة في أماكن النتوءات العظمية البارزة مثل ناحية العجز والعصعص وناحية العقبين…

إن قرحات الفراش والتي تنجم عن الرقاد الطويل وبسبب عدم التقلب في الفراش شائعة في علم الطب،ويكون لها عقابيل ومشاكل من الناحية الطبية والاجتماعية والمادية تفوق غالباً المرض الأصلي الذي استدعى بقاء المريض في الفراش لمدة طويلة.

إن رعاية المرضى المصابين بقرحات الفراش تستدعي تكاليف علاجية باهظة من جهة،وتستدعي حدوث آلاماً للمريض قد لاتوصف أحياناً وخاصة إذا وصلت القرحات إلى السمحاق العظمي وما فيه من مستقبلا آلام شديدة الحساسية والتأثر،وتترافق غالباً مع ائتكالات جلدية وعضلية وعظمية وتقيحات ونخرات،وما يصدر عنها من رائحة كريهة منفرة وخاصة بسبب بعض الجراثيم مثل الزوائفPseudomonas، والمكورات العنقودية،وليس من المستبعد أن يتحول المريض بعد ذلك إلى انسان مقعد يحتاج للرعاية الدائمة،ويرتبط ارتباطاً دائماً بالطبيب وجهاز التمريض والآلات.

إن الألية التي تحدث بها قرحات الفراش تنجم عن نقص التروية الدموية في مناطق الإصابة والناجم عن الضغط المستمر وخاصة في نواحي النتوءات العظمية،ومايسببه نقص الأوكسجين من تموت نسيجي وحصول نخرات وتقيحات.وبالتالي فإنه لابد من فكّ الضغط عن الأمان المؤهبة والمهيئة لهذا من خلال تبديل وضعية المريض وأن يكون ذلك بشكل مبكر،ومناسب،ومستمر.

ومن الوسائل المتبعة بالإضافة إلى تقليب المريض استعمال بعض الوسائد واللحف الطرية في الأماكن البارزة وخاصة في ناحية العصعص والعقبين،وكذلك تبين أن جلوس المريض الجانبي بزاوية 90 يساهم في تخرات رأس عظم الفخذ والمسمى المدور Trochanter،ولذا ينصح أن يكون وضجعية الاضطجاع بزاوية 30،ودعم هذه الوضعية بالوسائد الطرية.

وكذلك تجنب إصابة المريض بالحرارة ومعالجتها  عند اللزوم حيث أن الضياع الحروري يستدعي زيادة التروية الدموية وهذا يزيد من خطر الاسكيميا.

ومن عوامل الخطورة أيضاً الدنف والمسكنات،والسبات والشلول والتجفاف وفقر الدم والهمود.

ومن الوسائل العلاجية أيضاً ازالة النخرات النسيجية جراحياً أو دوائياً،ومعالجة الانتانات الموضعية وتغطية الأماكن المصابة بالضمادات وتحسين الحالة العامة للمريض.

ومن مشاكل الرقاد الطويل وخاصة إذا لم يترافق مع التقليب المستمر في الفراش حدوث خثرات الطرفين السفليين،والصمامة الرئوية،وذان الرئة الركودية،ونقص تكلس العظام.

شذوذات النوم:

تشاهد بعض أشكال شذوذات النوم وهي غالباً نفسية المنشأ ونادراً ما تكون عضوية.وأهمها:

1 ـ النوم القهري أو التغفيق:Narcolepsy:

اضطراب غير معروف السبب يتميز بنعاس شديد ،ويتضمن هجمات مفاجئة نسبياً من نوم مسيطر وشديد تستمر لعدة دقائق وقد تكون الهجمات معزولة أو مرافقة لأعراض أخرى تشمل الرباعية التالية:

ـ التغفيق(الناركوليبسي):أي شكوى من نعاس شديد أو ضعف مفاجىء في العضلات.وهذا النعاس الشديد يشبه النعاس الذي يحدث بعد الحرمان من النوملمدة 24 ـ 48 ساعة،عند الأشخاص الطبيعيين.وهذا النعاس الشديد في النهار يحدث حتى إذا كانت ساعات النوم كافية أثناء الليل.

ـ الجمدة:Cataplexy:وهو من أبرز الأعراض المشاركة ويعرف بأنه:فقدان مفاجىء  ومؤقت في مقوية العضلات  تشمل كل البدن وتؤدي إلى سقوط الشخص مصحوباً بالوعي الكامل،وأحياناً تصيب زمر عضلية معينة،وقد يسبق هذه الهجمات انفعالات شديدة كالضحك الشديد أو الخوف أو البكاء.ويشاهد هذا العرض في 70% من الحالات

ـ شلل النوم:Sleep Paralysis:مع نوم متقطع،هلوسات مقتبل النوم وتصرفات تلقائية متكررة.

ـ ظهور واحدة أو أكثر من النتائج التالية عند إجراء تخطيط النوم:طور النوم الكموني أقل من 10 دقائق،طور حركة العين السريعة الكموني أقل من 20 دقيقة،طور النوم الكموني المتعدد بفترة كمون أقل من 5 دقائق،حدوث مرحلة حركة العين السريعة مرتين أو أكثر أثناء النوم.

أي أن المرض يتميز بصفتين رئيستين:النعاس الشديد أثناء النهار،ومرحلة العين السريعة غير الطبيعية أثناء النوم.وبالتالي لايدخل الأشخاص المصابون بالتغفيق في مرحلة النوم العميق كالأشخاص الأصحاء ولا يشعرون بالاكتفاء من النوم.

2 ـ فرط النوم:Hypersomnia

يتمثل في زيادة النوم والذي قد يمتد على طول النهار،وربما استغرق أكثر،وعدم الشعور بالنشاط الذي يحدث عادة بعد النوم.ولعل تشارلز ديكنز قد سبق الطب في وصف المرض حين وصف ذلك الطفل البدين بيك ويك الذي يستغرق نهاره دوماً مع التنفس الدوري.وهذا الاضطراب لا يقتصر على أهل البدانة وحدهم وإنما يصيبهم كما يصيب غيرهم.وله علاقة مع انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم.

3 ـ المشي أثناء النوم:Sleepwalking:

وهو ليس نادر عند الصغار وقد يشاهد عند الكبار وهو يحدث أثناء المرحلة الرابعة من النوم أي مرحلة النوم العميق،ويشاهد غالباً في الثلث الأول من الليل عندما يكون النومالبطىء هو السائد،والسير أثناء النوم لايتكرر أكثر من مرة في الليلة الواحدة.وبالرغم من أن عيون المريض تكون مفتوحة إلا أن تعبيرات وجهه تكون غير واضحة،وتستمر الحالة من ثوان إلى دقائق،ونادراً مايتذكر المصاب الأحداث التي جرت أثناء المشي أثناء النوم.وقد يتكلم المصاب بصوت مسموع ولكن الكلام لايكون له معنى بالنسبة لمن يراقب الحالة.

4 ـ الكابوس:Nightmares:

وهي الأحلام المفزعة والمخيفة التي يراها النائم في منامه.وفي كثير من الأحيان تجعل الشخص يستيقظ من نومه بشكل مزعج مع سرعة نبضات القلب.

وهي قد تشاهد مرافقة لأسباب فسيولوجية مثل الحمى الشديدة أو بسبب إجهادات نفسية،أو بسبب حدوث الصدمات النفسية.وقد تشاهد عند الإفراط في الطعام قبل النوم،وهناك بعض الأدوية قد تحدث هذه التأثيرات الجانبية من الكوابيس مثل مضادات الاكتئاب ومضادات ارتفاع ضغط الدم.كما أن تعاطي المخدرات والغول يمكن أن يكون السبب.

نصائح للنوم السليم الصحي:

1 ـ درجة حرارة غرفة النوم:إن درجة حرارة الغرفة المرتفعة أو المنخفضة جداً تؤثر سلبياً على نوعية النوم،لذلك يجب تعديل درجة الحرارة في الغرفة لتكون مناسبة.

2 ـ الابتعاد عن الضوضاء:تسبب الضوضاء العالية المتقطعة نوماً خفيفاً متقطعاً لايساعد الجسم على النوم المريح ولا يويصله إلى النوم العميق،ولذا لابد من النوم بعيداً عن الضوضاء بجميع أشكالها.

3 ـ النور القوي:في غرفة النوم يمنع من النوم المريح ولذا لابد أن يكون ضوء غرفة النوم خافتاً،ولابد من تجنب النظر المتكرر في ساعة المنبه لأن هذا يزيد التوتر والأرق.ومن المعروف أن هرمون الميلاتونين وهو يساعد على النوم المريح يتم إفرازه بشكل أكبر إذا كان جو الغرفة معتماً أو خافتاً.

4 ـ تجنب تناول الوجبات الثقيلة قبل النوم بحوالي 3 ـ 4 ساعات،والوجبة الخفيفة قبل موعد النوم قد تساعد على النوم.وخاصة إذا كانت غنية بالمغنزيوم ومنها المكسرات أو القليل من الشوكولا الداكنة.

5 ـ عدم تناول المشروبات الغولية،لأنها بعد أن تؤدي في البداية للنوم إلا أنها تسبب بعد ذلك أرقاً وتقطعاً في النوم،كما أنها في حالات انقطاع التنفس أثناء النوم تزيد من وخامة الداء.

6 ـ تجنب تناول المشروبات الغنية بالكافئين وخاصة قبل النوم ومنها الشاي أو القهوة أو المركبات الأخرى المنبهة الحاوية على الكافئين.

7 ـ تجنب التدخين قبل النوم لأن النيكوتين يسبب اضطراب وتقطع النوم.

8 ـ تجنب الغفوات الطويلة أثناء النهار،وإذا كان لابد منها فحاول أن لاتتجاوز الغفوة ثلاثين دقيقة أثناء النهار،وتجنب القيام بها في وقت متأخر من اليوم.أي بعد الساعة الثالثة بعد الظهر.

9 ـ  الالتزام بوقت محدد وثابت للنوم والاستيقاظ

10 ـ اللجوء إلى الحمامات الدافئة الفاترة قبل النوم.

11 ـ تجنب الذهاب إلى السرير عند عدم الشعور بالنعاس.

12 ـ تجنب المحفزات قبل النوم ومنها استخدام الحاسوب  والهاتف المحمول والألعاب الالكترونية..

13 ـ النوم على فراش مريح.

14 ـ الاقلال من تناول السوائل وخاصة المشروبات الغازية قبل النوم.لأنها تسبب الاستيقاظ وكثرة التبول أثناء النوم.

3 ـ أيات الصدر والقلب والدوران:

آيات الصدر:

1 ـ “يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء”

يقول الأستاذ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني في كتابه الأخلاق الإسلامية:

“أطلق الصدر في القرآن وأسندت إليه جملة من الصفات والأعمال،مع ملاحظة أن الصدر بالإطلاق العام يشمل دائرة القلب،لأن القلب دزء منه،كما قد يراد منه المستوى الذي يقع وراء دائرة القلب.

ولدى تتبع الدلالات القرآنية لمعرفة خصائص الصدر النفسية نلاحظ مايلي:

أولاً:الصدر يحصل فيه الإنشراح،أو الحرج والضيق والحصر.

دلّ على ذلك عدة نصوص قرآنية منها النصوص التالية:

1 ـ قول الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم:{ألم نشرح لك صدرك}[الانشراح1]

2 ـ وقول موسى عليه السلام حين كلّفه الله أن يذهب إلى فرعون فيدعوه للإيمان،كما حكى الله عنه :{قال ربِّ اشرح لي صدري*ويسّر لي أمري}[طه 25 ـ 26].وكما حكى عنه في سورة الشعراء:{قال ربِّ إني أخاف أن يُكذبونِ*ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون}[الشعراء 123 ـ 13].

وحين يفكر الإنسان أن يستمسك بمبدأ،أو يقوم بعمل،فقد ينشرح صدره إليه،وقد لاينشرح،من ذلك انشراح الصدر للإسلام،أو ضيقه وحرجه.

يقول تعالى في كتابه العزيز:{فمن يُرِدِ اللهُ أن يهديهُ يشرحُ صدرَهُ للإسلام ومن يُرد أن يُضلّه يجعل صدرَهُ ضيِّقاً حَرجاً كأنّما يصعَّدُ في السماء}[الأنعام 125].

فالذين لايؤمنون ويرفضون قبول الحقّ الرباني بعد وضوح أدلته وبراهينه،يجعل الله على صدورهم رجساً تضيق به صدورهم وتكون في حرج، فلا يستجيبون لدعوة الإسلام،ولا يستسلمون لتنفيذ شرائعه وأحكامه.والذين يؤمنون بالله وتطمئن قلوبهم للحق الرباني يشرح الله صدورهم للإسلام،فيعلنون إسلامهم لله واستسلامهم لتنفيذ شرائعه وأحكامه.

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله:

“فالهدى والتوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر،والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه

ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:

“ومعنى الضيق أن الشىء يكون حجمه أقل مما يؤدي به مهمته،فحين يقال:ضاق البيت بي وبعيالي،فهذا يعني أن الرجل وزوجه في البداية عاشا في غرفتين،وكان البيت متسعاً،ثم أنجبا عيالاً كثيرة فضاق بهم البيت.ويقال صدره ضيق فقد ورد في القرآن لفظ ضيق على لغتين:فالحق يقول:{و لا تكُ في ضيقٍ مما يمكرون}[النحل 127] وهناك في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها توجد كلمة ضيق،والحق يقول:{فلعلك تاركٌ بعض ما يُوحى إليك وضائقٌ به صدرك}[هود 12].

فما المراد من ضائق،وضيَق،وضيْق،؟

نعرف أن الصدر هو مكان الجارحتين الأساسيتين في التكوين:القلب والرئة،والرئة هي الجارحة التي لا تستمر الحياة إلا بعملها،فقد تبطىء الأمعاء مثلاً،أو تتوقف قليلاً عن عملها،ويتغذى الإنسان على خزينته من الدهن أو اللحم ولذلك يصبر الإنسان على الجوع مدة طويلة،ويصبر على الماء مدة أقل،لكنه لايصبر على افتقاد الهواء لدقائق،ولا صبر لأحد على ترك الشهيق والزفير.

إذن كل المسألة المتعلقة بقوله تعالى:{يجعل صدره ضيقاً حرجا}نعلم عنها أن الصدر هو محل التنفس،والرئة تأخذ الأوكسجين وتطرد ثاني أوكسيد الكربون،وعندما يصاب الإنسان بنوبة برد نراه وهو يجد صعوبة في التنفس،كأن حيز الصدر صار ضيقاً،فلا يدخل الهواء الكافي لتشغيل الرئتين،ويحاول الإنسان أن يعوض بالحركة ما فاته فينهج.ويشخص الألأطباء ذلك بأن المريض يريد أن يأخذ ما يحتاجه من الهواء فينهج،لأن الحيز قد ضاق،وكذلك عندما يصعد الإنسان سلماً ينهج أيضاً،لأن الصعود يحتاج إلى مجهود،لمعاندة جاذبية الأرض،فالأرض لها جاذبية تشد الإنسان،ومن يصعد إنما يحتاج إلى قوة ليتحرك إلى أعلى ويقاوم الجاذبية.

إننا نجد نزول السلم مريحاً،لان في النزول مساعدة للجاذبية،لكن الصعود يحتاج إلى جهد أكثر،فإذا ضاق الصدر فمعنى ذلك أن حيز الصدر لم يعد قادراً على أن يأخذ الهواء بالتنفس بطريقة تريح الجسم،ولذلك يقال: فلان صدره ضيق أي أن التنفس يجهده إجهاداً بحيث يحتاج إلى هواء أكثر من الحجم الذي يسعه صدره.

“ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا” والحرج معناه الحجز عن الفعل،كأن تقول حرّجت على فلان أن يفعل كذا،أي ضيقت عليه ومنعته من أن يؤدي هذا العمل.

“كأنما يصعّد في السماء” وعلمنا أن الصعود لأعلى هو امتداد لفعل الجسم إلى جهة من جهاته.فالجهات التي تحيط بأي شىء ست:هي فوق وتحت،ويمين،وشمال،وأمام، وخلف،وعرفنا أن الهبوط سهل،لان الجاذبية تساعد عليه،والمشي ماذا يعني؟المشي إلى يمين أو إلى الشمال أو إلى أمام أو إلى خلف،فهو فعل في الاستواء العادي الظاهر،والذي يتعب هو أن يصعد الإنسان،لأنه سيعاند الجاذبية،وهو بذلك يحتاج إلى قوتين:قوة للفعل في ذاته،والقوة الثانية لمعاندة الجاذبية.

“كأنما يصعد في السماء”وذلك بسبب مشقات التكليف،لأنه لم يدخلها بعشق،فلا يدخل إلى مشقات التكليف بعشق إلا المؤمن فهو الذي يستقبل هذه التكاليف بشرح الصدر وانبساط نفس وتذكر بما يكون له من الجزاء على هذا العمل،والذي يسهل مشقة الأعمال حلاوة تصور الجزاء عليها،فالذي يجتهد في دروسه إنما يستحضر في ذهنه لذة النجاح وآثار هذا النجاح في نفسه مستقبلاً وفي أهله.أما الذي لا يستحضر نتائج ما يفعل فيكون العمل شاقاً عليه”.

يقول الشهيد سيد قطب في الظلال:

“من يقدر الله له الهداية ـ وفق سنته الجارية من هداية من يرغب في الهدى ويتجه إليه بالقدر المعطى له من الاختيار بقصد الابتلاء ـ يشرح صدره للإسلام فيتسع له ويستقبله في يسر ورغبة ويتفاعل معه ويطمئن إليه ويستروح به ويستريح إليه.

ومن يقدر له الضلال ـ وفق سنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدى ويغلق فطرته عنه يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء.. فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقة في قبوله “كأنما يصعد في السماء”..وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية،من ضيق النفس،وكربة الصدر،والرهق المضني في التصعد إلى السماء!وبناء اللفظ”يصعد” فيه هذا العسر والقبض والجهد.وجرسه يخيل هذا كله،فيتناسق المشهد الشاخص،مع الحالة الواقعة،مع التعبير اللفظي في إيقاع واحد”.

من الناحية الطبية:

كلما ارتفع الإنسان في السماء انخفض الضغط الجوي وقلت كمية الأوكسجين مما يتسبب في حدوث ضيق في الصدر وصعوبة في التنفس.

وإن أبحاثاً كثيرة في علم طبقات الجو العليا وتأثيرها على الإنسان .

وفي عام 1648م أثبت العالم المشهور بليز باسكال أن ضغط الهواء يقل كلما ارتفعنا عن سطح البحر.,

بدأت من حوالي مائتي عام تقريباً ونيف،وذلك في سنة 1786م.وقد بينت هذه الأبحاث مايلي:

“إن الغلاف الجوي يمكن أن يقسم إلى عدة مناطق حسب الأرتفاع:

1 ـ المنطقة الأولى:من سطح البحر وحتى ارتفاع 10 آلاف قدم،وهي منطقة تكون فيها كمية الأوكسجين كافية ويستطيع الإنسان أن يعيش فيها بشكل طبيعي.

2 ـ المنطقة الثانية:من 10 آلاف قدم وحتة 50 ألف قدم،وهي منطقة يوجد فيها نقص ملحوظ في الأوكسجين وانخفاضاً في الضغط الجوي ويمكن للإنسان الذي يعيش بها أن يصاب بأعراض نقص الأوكسجين وهبوط الضغط الجوي.

وقد وجد أن الضغط الجزئي للأوكسجين في الأسناخ الرئوية يصل إلى 100 مم زئبق عند سطح البحر،ولايزيد عن 45 مم زئبق على ارتفاع 8000متر فوق سطح البحر،والشخص غير الممارس يفقد وعيه بعد حوالي 2 ـ 3 دقائق ثم يموت.

وفي هذه المنطقة وخاصة على ارتفاع مابين 16 ألف إلى 25 ألف قدم،وبسبب نقص الأوكسجين في الأسناخ الرئوية تحدث أعراضاً شديدة  وعديدة وأهمها ضيق الصدر،والذي يشعر به الإنسان عند الصعود إلى المرتفعات العالية ويترافق ذلك مع الإجهاد والشعور بالرغبة في النوم والصداع.وإذا كان الارتفاع أكثر من 25 ألف قدم يحدث اضطراب في الوعي ويصل الإنسان إلى مرحلة حرجة من فقدان الوعي والموت.

وقد تبين أنه يموت في سويسرا كل عام عدة أشخاص تقريباً بسبب وذمة الدماغ أو وذمة الرئة أو مايسمى داء المرتفعات،وهذا يبين أن الخطورة تبدأ من ارتفاع 3500 متر،وأخطرها وقد يكون شديداً بارتفاع 4559متر.والمعالجة الرئيسية هي نقل المريض بسرعة إلى سفح الوادي.

وقد وجد أن تعداد الكريات الحمر يصل إلى حوالي 7 ـ 8 مليون في جبال الإنديز والتي ترتفع حوالي 4000 متر عن سطح الأرض حتى تعاوض نقص الأوكسجين.

وهنا يظهر الإعجاز القرآني:”يجعل صدره ضيقاً حرجا كأنما يصعّد في السماء”،والإعجاز خاصة في كلمة يصعّد,إذ أن أصلها يتصعد ومعناها صعوداً بعد صعود.

ويضاف إلى أعراض نقص الأوكسجين الأعراض الناجمة عن هبوط الضغط الجوي في الارتفاعات العالية وهذا بدوره يسبب ضيقاً شديداً في الصدر والتنفس،مصحوباً بسعال جاف ومؤلم وآلام في الصدر أثناء التنفس العميق.

3 ـ المنطقة الثالثة:من 50 ألف قدم وحتى 120 ميل،وهي لايمكن العيش فيها بدون ارتداء ملابس الفضاء المجهزة لكي يتحمل نقص الأوكسجين والضغط الجوي.

وجاء في الموسوعة الأمريكية ماترجمته:”يجب على الطائرة إذا كانت على علو شديد الارتفاع أن تحافظ على مستوى معين من الضغط الداخلي لحماية الركاب،فإن الضغط الجوي في الارتفاعات العالية يكون أدنى من الحد المطلوب لتأمين الأوكسجين الكافي لبقاء الركاب على قيد الحياة.كما أن التغير السريع في الضغط الجوي الناتج عن تغير الارتفاع يؤدي إلى انزعاج جسدي حاد.هذه الحالة سببها ارتفاع نسبة النيتروجين في الدم عند الانخفاض السريع في الضغط”.

يقول الدكتور زغلول النجار حفظه الله:

“إذا تجاوز الإنسان ارتفاع الثمانية كيلومترات فوق مستوى سطح البحر فإنه يتعرض لمشكلات عديدة منها صعوبة التنفس لنقص الأوكسجين وتناقص الضغط الهواء،وهو مرض يسميه المتخصصون في الطب باسم عوز الاوكسجين(الهيبوكسيا)ومنها مشكلات انخفاض الضغط الجوي والذي يسمى باسم خلل الضغط الجويDysbarism،وتحت هذين العارضين لايستطيع جسم الإنسان القيام بوظائفه الحيوية.فتبدأ في التوقف الوظيفة تلو الأخرى،وهنا يمكن تفسير ضيق الصدر الذي يمر به الإنسان عند الصعود إلى تلك المرتفعات بغير استعدادات وقائية كافية.فيبدأ بالشعور بالإجهاد الشديد،والصداع المستمر،والشعور بالرغبة في النوم.ونتيجة للنقص في الضغط الجوي تبدأ الغازات المحبوسة في داخل أنسجة الجسم وتجاويفه المختلفة في التمدد من مثل الجهاز التنفسي من الرئتين والقصبات الهوائية وتشعباتها والأنف،والجيوب الأنفية،والجهاز الدوري من القلب والأوردة والشرايين.والجهاز السمعي وخاصة الأذن الوسطى،والجهاز الهضمي من مثل المعدة والأمعاء الدقيقة والغليظة خاصة القولون.والفم والأسنان والأضراس واللثة مما يؤدي إلى آلام شديدة في كل أجزاء الجسم،وإلى ضغوط شديدة على الرئتين والقلب وإلى تمزق خلاياهما وأنسجتهما.ويسبب الشعور بضيق الصدر وحشرجة الموت.

كذلك تبدأ الغازات الذاتية في جميع سوائل الجسم وأنسجته في الانفصال والتصاعد إلى خارج حيز الجسد وأهمها غاز النيتروجين الذي يصل حجمه في جسم الفرد البالغ إلى نحو اللتر موزعة بين الدم وأنسجة الجسم المختلفة.وتخرج هذه الغازات على هيئة فقاعات تندفع إلى الخارج بسرعة فائقة مما يزيد من تمزق الخلايا والأنسجة.وإلى حدوث آلام مبرحة بكل من الصدر والمفاصل،وإلى ضيق شديد في التنفس نتيجة لتصاعد فقاعات النيتروجين من أنسجة الرئتين،ومن داخل الشعيرات الدموية ومن الأنسجة المحيطة بها ومن الجلد ومن أنسجة وخلايا الجهاز العصبي،فتتأثر رؤية الشخص،ويختل توازنه،ويصاب بصداع شديد،ثن إغماء كامل أو صدمة عصبية أو بشلل جزئي أو كلي وزرقة بالجسم تنتهي بالوفاة بسبب توقف كل من القلب والرئتين،وانهيار الجهاز العصبي،وفشل كامل في وظائف بقية أعضاء الجسم ولعل ذلك هو المقصود بقول الحق”فمن يرد الله أن يهديه…..”

وهذه حقائق لم يدركها الإنسان إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين وإن بدأ يتحسسها منذ نهاية القرن الثامن عشر،وورودها في كتاب الله الذي أنزل قبل أربعة عشر قرناً على نبي أميّ صلى الله عليه وسلم في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين مما يؤكد أن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق،وأن هذا النبي الخاتم والرسول الخاتم كان موصولاً بالوحي ومعلماً من قبل خالق السموات والأرض”.

بعض الآيات القرآنية في انشراح الصدر:

{أفمن شرحَ اللهُ صدرَه ُللإسلامِ فهو على نورٍ من ربّه فويلٌ للقاسيةِ قلوبُهُم من ذكرِ الله أولئك في ضلال مبين}[الزمر 22].

{من كفرَ باللهِ من بعدِ إيمانهِ إلا من أُكرهَ وقلبُهُ مُطمئنٌ بالإيمانِ ولكن من شرحَ بالكفرِ صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيم}]النحل 106].

{كتابٌ أُنزلَ إليكَ فلا يكن في صدركَ حَرجٌ منهُ لتنذرَ به وذكرى للمؤمنين}[الأعراف 2].

{فلعلَّكَ تاركٌ بعضَ ما يُوحى إليكَ وضائقٌ به صدرك}[هود 12]

{ولقد نعلمُ أنَّكَ يضيقُ صدرُكَ بما يقولون}[الحجر 97]

آيات القلب:

مقدمة:

لقد أولى القرآن الكريم القلب المكانة الأكبر من بين أعضاء جسم الإنسان.ولقد ذكر في القرآن حوالي 131 مرة،وقد اقترن ذكر القلب مع العديد من الصفات والخصائص،فقد وصف القلب بكونه تناط به وظائف معرفية مثل التدبر والتفقه والتعقل والتذكر..وكذلك أنيطت به وظائف مشاعرية مثل الرأفة والرحمة والقسوة والغلظة،وصولاً إلى الوظائف الروحية مثل الإيمان والتقوى والهداية والزيغ.

1 ـ “ماجعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه”

يقول الله تعالى:{ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه}[الأحزاب 4].

جاء في التفاسير:

ـ تفسير الجلالين:نزلت الآية رداً على من زعم من الكفار أن له قلبين يعقل بكل منهما أفضل من عقل الرسول صلى الله عليه وسلم.ويدعى جميل بن معمر الفهري كان يدّعي أن له قلبين في جوفه،وكان يدعى ذا القلبين من دهائه.

ـ تفسير ابن كثير:أنه لايصير للمرء قلبان في جوف واحد.

ـ ابن جرير الطبري:اختلف أهل التأويل في المراد من قوله تعالى،فقال بعضهم عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفاق وصفوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ذو قلبين فنفى الله ذلك عن نبيه وكذبهم،وقال آخرون:بل عنى بذلك رجلاً من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهيه.

من الناحية الجنينية:

في الاسبوع الرابع من حياة الجنين يتم التحام القوسين الأبهريين الابتدائيين،وينتج عن هذا الالتحام قناة وعائية مفردة مع وجود أربع اتساعات مميزة واضحة وهي:

1 ـ الجيب الوريدي:Sinus venous:وهو يتلقى العود الوريدي ويعطي في النهاية الوريد الأجوف العلوي والجيب الاكليلي.

2 ـ الأذين المشترك:Atrium:وهو يعطي بعد أن يقسم بواسطة حاجزين الأذينتان اليمنى واليسرى.

3 ـ البطين المشترك:Ventricle:ويقسمه حاجز عضلي غشائي إلى حجرتين البطين الأيمن والأيسر.

4 ـ البصلة:Bulbus:وهي تتمادى مع الأبهر البطني،وتشكل في النهاية المخروط الدافع الذي يعطي الشريانين الأبهر والشريان الرئوي.

تتطاول القناة الوعائية وتستدير قليلاً بحيث تأخذ شكل السينS،يشغل النصف العلوي منها البصلة والبطين.ويشغل النصف السفلي الأذين والجيب الوريدي،ويحدث فيما بعد دورانين:من الأسفل نحو الأعلى ومن الأيمن نحو الأيسر،بحيث تأخذ الأوعية الشريانية أوضاعها بالاستدارة الأولى،وتصبح الأذينة والجيب الوريدي في الأعلى كما هو الحال عند الكهول في الاستدارة الثانية.ومابين الاسبوعين الخامس والثامن يتشكل حجاب معترض يفصل الأذينتان عن البطينان،وبحيث يتكون طبقتان علوية وسفلية،وكلاً من هذين الطبقين ينقسم إلى حجرتين يمنى ويسرى،بواسطة حواجز طولانية.وفي هذه الأثناء تتحول البصلة إلى الجذع الشريانيTruncus arterius والذي يقسمه حاجز إلى الشريان الأبهر والشريان الرئوي.وفي نهاية الشهر الثاني تتشكل الحجرات الأربعة مع الدسامات المتطورة.

من الناحية التشريحية:

يبلغ وزن القلب عند الكهل الذكر 300 غرام،وعند الأنثى 250غرام.والدسامات القلبية:مثلث الشرف والتاجيTricuspid Mitralوالأبهري والرئوي. Pulmonary Aortic.وقد هيئت هذه الدسامات لأن تتحمل قلس الدم أثناء الثورة الانقباضية،ولذا فقد جهزت عند حوافها بثخانات،وعند منتصف الحافة الحرة حيث تشكل هذه التثخنات عقيدات ليفية صغيرة،تلتصق مع بعضها بحيث يكتمل انسداد الفوهو الدسامية وبالتالي تقاوم موجات القلس الدموي.وتدعى هذه العقيدات “جسيمات آرانتي”.وينشأ عن العضلات الحلمية مايسمى الأوتار الحبلية وهي تنقسم إلى شرائط رقيقة شعرانية تندمج مع الحواف الحرة للوريقات الدسامية الأذينية ـ البطينية.

ويحيط بالقلب غشاء التأمور والذي يحتوي في الحالة الطبيعية على ورقتين جدارية وحشوية يفصل بينهما سائل مصلي رائق فيه حوالي 30 مل .

من الناحية النسيجية:

إن الوريقة الجدارية والحشوية للتأمور تنشأ من الورقة المتوسطة جنينياً.زتتميز ألياف العضلة القلبية عن الألياف العضلية الصقلية بما يلي:

1 ـ أن ألياف العضلة القلبية ذات ألياف متشعبة متغصنة.

2ـ أن النواة في ليف العضلة القلبية مفردة ومركزية.

3 ـ أن ألياف العضلة القلبية تحتوي على الاقراص السلمية،وهذه تفصل مابين ألياف العضلة القلبية.

4 ـ أن خلايا عضلة القلب غنية بالمتقدرات(الميتوكوندريا) من أجل القيام بأفعال الأكسدة الحيوية الناشطة.وأما جهاز بوركنج فهو أقرب إلى الشغاف،ويتميز بمنظره الحويصلي،بسبب ارتفاع تركيز الغليكوجين في الهيولى.

وإن ليف العضلة القلبية الفرد يرفق عادة مع شعريات خاصة به،ولهذا التوزع أهميته في حال فرط نمو عضلة القلب،بحيث أن الألياف المتضخمة الثخينة قد تفوق في نموها مقدار التوعية الدموية الخاصة بها.

من الناحية الوظيفية:

إن للقلب قدرة كمونية عالية خاصة،يستطيع بواسطتها أن يتكيف مع الجهود الزائدة اللازمة التي قد تُتطلب منه،كما هو الحال أثناء التمارين الرياضية،والحمل،والشدات..وإذا عجز القلب عن إيفاء مستلزماته تجاه هذه الطلبات الزائدة فإن هذا لابد أن يكون ناجماً عن مايلي:

1 ـ تبدلات في مقدار العود الوريدي

2 ـ نقص نتاج القلب الانقباضي:وهذا إما أن يكون ناشئاً عن أذية عضلة القلب مثلاً بسبب الاحتشاء،أو بسبب زيادة المقاومة الوعائية المحيطية.

تروية القلب:

إن الشرايين الإكليلية الأيسر والأيمن هي شرايين انتهائية.وعلى الرغم من وجود تفاغرات وعائية عديدة فغن هذه المفاغرات ليست لهالا أهمية وظيفية.إذ أنها لاتستطيع أن تؤمن سنداً لعضلة القلب في حال انسداد أحد الأوعية الرئيسية.

إن الشعبة اليسرى الأمامية النازلة تغذي معظم ذروة عضلة القلب والنصف الإنسي من الوجه الأمامي للبطين الأيسر والثلث القريب من الجدار الأماميللبطين الأيمن والثلثين الأماميين من الحاجز بين البطينين.

أما الشعبة اليمنى فإنها تغذي القسم الباقي من السطح الأمامي من البطين الأيمن والوجه الخلفي من البطين الأيمن والنصف المجاور من الجدار الخلفي للبطين الأيسر والثلث الخلفي من الحاجز بين البطينين.

أما الشعبة التفاغرية اليسرى فإنها تغذي الوجه الوحشي من البطين الأيسر في الأمام والخلف.أما الأذينتان فإنهما تغذيان بواسطة شعب وعائية من شرايين الجانب المناسب.

من ناحية الإعجاز:

ثبت علميً وعلى الرغم من فحص عشرات الآلاف من الأجنة،وجود انواع عديدة من التشوهات الخلقية فيها والتي تشمل ازدواج كثير من الأعضاء ومنها تضاعف الأمعاء،وتضاعف الحالب والكلية،ووجود فص زائد من الكبد،ووجود أصابع زائدة في اليد أو القدم،…وقد يشاهد حالات شاذة لطفل برأسين،أو عدة أذرع أو أرجل..

إلا أنه لم يوجد قط شخص أو جنين لديه قلبين في جوفه إلا في حالات نادرة جداً وشاذة.وهؤلاء المواليد لايصلون إلى درجة النضوج ويموتون وهم صغار.وبالتالي لايوجد شخص يحمل في جوفه أكثر من قلب بشكل طبيعي.

كما ثبت علمياً أن القلب قد يوجد في الجانب الأيمن من الصدر،وفي بعض الحالات قد يولد الوليد وقلبه خارج صدره..وقد تشاهد تشوهات عديدة في القلب ومنها وجود فتحة بين الأذينتين أو البطينين،أو كلاهما معا،أو وجود بطين واحد ،وقد يكون هناك تشوهات على مستوى الأوردة أو الشرايين الكبيرة في القلب،ومنها ثلاثي أو رباعي فاللوت،ومنها أمراض القلب المزرقة أو غير المزرقة بسبب بعض التشوهات الخلقية،ولكن لم يشاهد وجود قلبين في جوف واحد وحتى في حالات التوائم السيامية الملتحمة أو الملتصقة،فقد يكون لكل توأم منهما قلب منفصل،وقد يكون لهما قلب واحد،ولكن لم يشاهد وجود ثلاثة قلوب لهما.

وهذا وجه من وجوه الإعجاز القرآني،والوجه الآخر أن الله تعالى يقول”ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه”،وجاء اختيار كلمة”رجل” وليس بشراً أو بني آدم،أو مؤمناً أو إنساناً،حتى لايحتمل تفسيرها مشاركة الأنثى في القسم،والتي قد يكون في جوفها أثناء فترة الحمل جنين أو أكثر ويحمل كل منهما قلب ينبض وهو لايزال في جوف أمه وبين أحشائها.

3 ـ “ثمَّ لقطعنا منهُ الوتين”

يقول الله عز وجل في محكم كتابه:{ولو تَقَوَّلَ علينا بعضَ الأقاويل*لأخذنا منهُ باليمين*ثمَّ لقطعنا منهُ الوتين}[الحاقة 44 ـ 46].

من الناحية الطبية:

تقسم الشرايين في جسم الإنسان حسب حجومها والناحية النسيجية فيها إلى ثلاثة مجاميع:

1 ـ الشرايين المرنة أو الكبيرة:وأهمها الوتين أو الشريان الأبهر وشعبه الرئيسية

2 ـ الشرايين العضلية أو المتوسطة

3 ـ الشرايين الصغيرة والشرينات

الشريان الأبهر أو الوتينAorta:

هو أكبر شريان في جسم الإنسان،يخرج من البطين الأيسر ،وهو يوزع الدم المؤكسج إلى جميع أنحاء الجسم عن طريق الدورة الدموية الكبرى والتي تبدأ من البطين الأيسر وتنتهي في الأذين الأيمن.وهو الشريان الرئيسي في الجسم والذي يغذي جميع أنحاء الجسم.

ومن أهم الأمراض الخطيرة التي تصيب هذا الشريان مايسمى”تسلخ الشريان الأبهر”وهي حالة خطيرة ومميتة غالباً إن لم تعالج وبسرعة إسعافياً،ويحدث فيها تمزق الطبقة الداخلية للشريان وبحيث يندفع الدم من الثقب الممزق ويتسبب في فصل الطبقات الداخلية والوسطى لجدار الشريان(تسلخ).وتسبب غالباً الوفاة.ويترافق الداء \مع ألم شديد جداً ومفاجىء في الصدر أو الظهر،ويصفه المريض بالتمزق،مع فقدان الوعي،وضيق التنفس،وحدوث الوفاة إن لم يعالج بسرعة.

من الناحية الأدبية:

الوتين:شريان القلب.

الوتين:نياط القلب،أو هو عرق متعلق بالقلب يجري الدم منه إلى العروق جميعها،إذا انقطع مات صاحبه.كما جاء في تفسير الجلالين.

ذكر الشريان الأبهر أو الوتين في الشعر والادب العربي،ومنها قول الشاعر بشر بن أبي خازم:

على كل ذي ميتة سابح    يقطع ذو أبهريه الحزاما

يقول ابن قتيبة:شعر فيه عيب،لأن الأبهر عرق مكتنف للصلب،وهو واحد،فالصواب أن يقول ذو أبهره.

من الناحية الدينية:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة زاد فأهدت له يهودية بخيبر شاةً مصليَّة سمّتها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم فقال ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة ،فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري فأرسل إلى اليهودية ما حملك على الذي صنعت قالت إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقُتلت ثم قال في وجعه الذي مات فيه مازلت أجدُ من الأُكلة التي أكلت بخيبر فهذا أوان قطعت أبهري”[أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وهو حديث حسن صحيح].

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أثر هذا السم بين الحين والحين،حتى جاء موته،فجمع الله تعالى له بين النبوة ومقام الشهادة، فمات نبياً شهيداً صلى الله عليه وسلم.عن عائشة رضي الله عنها قالت:”كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرض موته الذي مات فيه:يا عائشة،ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر،فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم“[رواه البخاري]

وجاء في تفسير الظلال للشهيد سيد قطب رحمه الله حول الآيات الكريمة من سورة الحاقة:

“ومفاد هذا القول من الناحية التقريرية أن محمداً صلى الله عليه وسلم صادق فيما أبلغهم.وأنه لو تقول بعض الأقاويل التي لم يوح بها إليه لأخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وصفته الآيات.ولما كان هذا لم يقع فهو ولابد صادق.

هذه هي القضية من الناحية التقريرية…ولكن المشهد المتحرك الذي ورد فيه هذا التقرير شىء آخر،يلقي ظلالاً بعيدة وراء المعنى التقريري.ظلالاً فيها رهبة وفيها هول.كما أن فيها حركة وفيها حياة.ووراءها إيحاءات وإيماءات وإيقاعات.!

فيها حركة الأخذ باليمين وقطع الوتين.وهي حركة عنيفة هائلة مروعة حية في الوقت ذاته.ووراءها الإيحاء بقدرة الله العظيمة وعجز المخلوق البشري أمامها وضعفه..البشر أجمعين…كما أن وراءها الإيماء إلى جدية هذا الأمر التي لاتحتمل تسامحاً ولا مجاملة لأحد كائناً من كان.ولو كان هو محمد الكريم عند الله الأثير الحبيب.ووراءها بعد هذا كله إيقاع الرهبة والهول والخشوع.

4 ـ آيات العقل والذاكرة والدماغ:

1 ـ “ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون”

يقول تعالى في كتابه العزيز:{ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون}[يس 68]

ويقول تعالى في كتابه العزيز:{والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يُرَدُّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئاً إن الله عليمٌ قدير}[النحل 70].

ويقول تعالى:{ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً}[الحج5]

ويقول تعالى:{الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعفٍ قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبة يخلق مايشاء وهو العليم القدير}[الروم 54].

تعريف العقل:

يقول أبو الحسن الماوردي في كتابه”أدب الدنيا والدين”:

“إن العقل هو العلم بالمدركات الضرورية.وذلك نوعان:أحدهما:ماوقعَ عن دَرك الحواس،والثاني ما كان مبتدأ في النفوس.

فأما ما كان واقفاً على درك الحواس،فمثل المرئيات المدركة بالنظر،والأصوات المدركة بالسمع،والطعوم المدركة بالذوق،والروائح المدركة بالشم،والأجسام المدركة باللمس.فإذا كان الإنسان ممن لو أدرك بحواسه هذه الاشياء لعلم،ثبتت له هذا النوع من العلم،لأن خروجه من حال تغميض عينيه أن يدرك بهما ويَعلم،لا يخرجه من أن يكون كامل العقل،من حيث عُلم من حاله أنه لو أدرك لعِلم.

وأما ماكان مبتدأ في النفوس وهو مايسمى بالعقل الغريزي فكالعلم بأن الشىء لا يخلو من وجود أو عدم،وأن الموجود لا يخلو من حدوث أو قِدم،وأن من المحال اجتماع الضدين،وأن الواحد أقل من الإثنين.وهذا النوع من العلم لايجوز أن ينتفى عن العاقل،مع سلامة حاله،وكمال عقله،فإذا صار عالماً بالمدركات الضرورية من هذين النوعين فهو كامل العقل.

وسمي بذلك تشبيهاً بعقل الناقة،لأن العقل يمنع الإنسان من الإقدام على شهواته إذا قبحت كما يمنع الناقة من الشرود إذا نفرت ولذلك قال عامر بن عبد القيس:”إذا عقلك عقلك عما لاينبغي فأنت عاقل”.

وأما العقل المكتسب فهو نتيجة العقل الغريزي،وهو نهاية المعرفة،وصحة السياسة،وإصابة الفكرة،وليس لهذا حدّ،لأنه ينمو إن أستعمل،وينقص إن أُهمل،ونماؤه يكون بأحد وجهين:إما بكثرة الاستعمال إذا لم يعارضه مانع من هوى،ولاصادٌ من شهوة،كالذي يحصل لذوي الأسنان من الحنكة،وصحة الروّية بكثرة التجارب،وممارسة الأمور،ولذلك حَمدت العرب أراء الشيوخ حتى قال بعضهم:”المشايخ أشجار الوقار،ومنابع الأخبار،لا يطيش لهم سهم،ولا يسقط لهم وهم،إن رأوك في قبيح صدوك،وإن أبصروك على جميل أمدّوك”.وقيل: عليكم بأراء الشيوخ،فإنهم إن فقدوا ذكاء الطبع،فقد مرّت على عيونهم وجوه العِبر،وتصدّت لأسماعهم آثار الغِير(أي الأحداث المغيرة لأحوال الناس).

وأما الوجه الثاني فقد يكون بفرط الذكاء وحسن الفطنة،وذلك جَودة الحدْس،في زمان غير مُمهل للحدس،فإذا امتزج بالعقل الغريزي صارت نتيجتها نمو العقل المكتسب،كالذي يكون في الأحداث من وفور العقل،وجودة الرأي،حتى قال هَرم بن قُطبة حين تنافر إليه عامربن الطفيل وعلقمة بن علاثة:”عليكم بالحديث السن،الحديد الذهن”.وقد قالت العرب:” عليكم بمشاورة الشباب فإنهم ينتجون رأياً لم ينله طول القِدم(أي رأي جديد لم يعرفه القدماء مع طول الزمن وكثرة العقلاء منهم) ولا استولت عليه رطوبة الهَرم”.

وقال الاستاذ عباس محمود العقاد رحمه الله(المجموعة الكاملة ـ ج 5):

“من مزايا القرآن الكثيرة ميزة واضحة وهي التنويه بالعقل والتعويل عليه في أمر العقيدة وأمر التبعة والتكليف…

والقرآن الكريم لايذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه،ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية،بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة،وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه،ولا يأتي تكرار الإشارة إلى العقل بمعنى واحد من معانيه التي يشرحها النفسانيون من أصحاب العلوم الحديثة،بل هي تشمل وظائف الإنسان العقلية على اختلاف أعمالها وخصائصها،وتتعمد التفرقة بين هذه الوظائف والخصائص في مواطن الخطاب ومناسباته،فلا ينحصر خطاب العقل في العقل الوازع ولا في العقل المدرك ولا في العقل الذي يناط به التأمل الصادق والحكم الصحيح،بل يعم الخطاب في الآيات القرآنية كل مايتسع له الذهن الإنساني من خاصة أو وظيفة،وهي كثيرة لا موجب لتفصيلها في هذا المقام المجمل،إذ هي جميعاً مما يمكن أن يحيط به العقل الوازع والعقل المدرك والعقل المفكر الذي يتولى الموازنة والحكم على المعاني والأشياء..

فالعقل في مدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي أو المنع عن المحظور والمنكور،ومن هنا كان اشتقاقه من مادة”عقل” التي يؤخذ منها العقال.

ومن خصائص العقل ملكة الإدراك التي يناط بها الفهم والتصور،وهي على كونها لازمة لإدراك الوازع الاخلاقي وادراك أسبابه وعواقبه تستقل أحياناً بإدراك الامور فيما ليس له علاقة بالأوامر والنواهي أو بالحسنات والسيئات.

ومن خصائص العقل أنه يتأمل فيما يدركه ويقلبه على وجوهه ويستخرج منه بواطنه وأسراره ويبني عليها نتائجه وأحكامه،وهذه الخصائص في جملتها تجمعها ملكة”الحكم” وتتصل بها ملكة الحكمة،وتتصل كذلك بالعقل الوازع إذا انتهت حكمة الحكيم به إلى العلم بما يحسن وما يقبح وماينبغي له أن يطلبه وما ينبغي له أن يأباه…

ومن أعلى خصائص العقل الإنساني”الرشد”وهو مقابل لتمام التكوين فب العاقل الرشيد،ووظيفة الرشد فوق وظيفة العقل الوازع والعقل المدرك والعقل الحكيم،لأنها استيفاء لجميع هذه الوظائف وعليها مزيد من النضج والتمام والتمييز بميزة الرشاد حيث لا نقص ولا اختلال،وقد يؤتى الحكيم من نقص في الإدراك وقد يؤتى العقل الوازع من نقص في الحكمة،ولكن العقل الرشيد ينجو به الرشاد من هذا وذاك.

وفريضة التفكير في القرآن الكريم تشمل العقل الإنساني بكل ما احتواه منهذه الوظائف بجميع خصائصها ومدلولاتها.فهو يخاطب العقل الوازع والعقل المدرك والعقل الحكيم والعقل الرشيد،ولا يذكر العقل عرضاً مقتضباً بل يذكره مقصوداً مفصلاً على نحو لا نظير له في كتاب من كتب الأديان”.

من الناحية الطبية:

كل شىء يتجدد في الجسم ويتغير إلا خلايا الجهاز العصبي المركزي،والخلايا العضلية وخاصة ألياف عضلة القلب،ولذا تسمى هذه الخلايا “بالخلايا النبيلة”،ويوجد في الجهاز العصبي المركزي حوالي 13 مليار خلية عصبية،تدعمها خلايا استنادية داعمة ويبلغ عددها حوالي 100 مليار من الخلايا الاستنادية.

إذاً هناك نوعان رئيسيان للخلايا في الدماغ:العصبونات وهي الخلايا العصبية غير القابلة للتجدد،وهناك الخلايا الدبقية أو الاستنادية الداعمة.

ورغم تباين الخلايا العصبية أو العصبونات شكلاً وحجماً،فإنها تشترك جميعاً في أن لها زوائد كثيرة متفرعة تسمى التفرعات الشجرية،إضافة إلى زائدة واحدة طويلة تعرف بالمحور(الاكسون) .وكل خلية عصبية تأتيها سيالات منشطة أو مثبطة من آلاف الخلايا العصبية الأخرى.

وفي العادة لاتتجاور أجسام الخلايا العصبية وإنما يتصل بعضها بالبعض الآخر بأن تتلاقى التفرعات الانتهائية للخلايا بالتفرعات الشجرية لخلايا أخرى فيما تكون شبكة غاية في التعقيد والإحكام.وتعرف مواضع اتصال الخلايا العصبية بعضها بالبعض باسم الارتفاقات أو التشابكات العصبية.ويمكن للخلية الواحدة أن تتصل مع عدد من الخلايا الأخرى عبر عدد من الارتفاقات يتراوح مابين بضعة آلاف ونصف مليون تشابك.والعصبونات هي الخلايا الرئيسية في الدماغ وهي التي تتلقى الإشارات سواء تلك الواردة من الحواس أو الواردة من خلايا عصبية أخرى.ثم تصنفها وتعيد إرسالها إلى وجهات معينة،وهذه الخلايا هي المسؤولة عن القدرات الخارقة التي يتمتع بها الغنسان من حيث الغرائز والتفكير والعاطفة وجميع الصفات الأخرى.إن غرام واحد من نسيج الدماغ يحتوي أكثر من سبعين مليون خلية عصبية ومليون مليون ارتفاق عصبي.

وأما الخلايا الدبقية الداعمة فهي أكثر عدداً من العصبونات بنحو عشر مرات،وهي تملأ الفراغات بين أجسام العصبونات أي الخلايا العصبية،فتعمل بذلك على تماسك نسيج المخ.

وهذه الخلايا العصبية تحتفظ بديمومتها فلا تنقص ولا تزداد،وهذا من رحمة الله عز وجل،إذ لو تجددت الخلايا العصبية كما يحدث في باقي أنحاء الجسم لكان على الإنسان أن يتعلم اللغة مثلاً من جديد كل ستة أشهر،بينما خلايا الجسم الأخرى وخاصة خلايا الجلد والأمعاء والدم تتجدد بشكل دوري،فإن ما يموت ويتجدد من الكريات الحمراء هو عشرة مليارات كرية حمراء في الساعة الواحدة أي حوالي 240 مليار كرية حمراء في اليوم والليلة.

واستطاع العلماء تحديد مراكز الإبصار والسمع والشم والكلام،وكذلك مراكز الخوف واللذة وغيرها.

ةتذكر الدراسات العلمية أنه مع تقدم السن لاتموت خلايا الدماغ وهذا ما يعاكس النظريات القديمة التي كانت تذكر أنه يموت يومياً 100ألف وحتى 300 ألف خلية عصبية دماغية مع تقدم العمر،وإنما الذي يحصل بعد دراسات واسعة ومستفيضة وبعد دراسات مورفولوجية استمرت لعدة سنوات وعلى حوالي 150 من الأدمغة البشرية لأناس كانوا يعانون من العته والخرف في قسم التشريح بجامعة لوبك في ألمانيا أن الذي يحصل هو نقص في حجم الكتلة الدماغية بسبب نقص في حجم الخلايا العصبية وزيادة ضياعها من الماء والسوائل(وهنا الإعجاز في كلمة ننكسه”).ويقال أن حجم الدماغ عند المسنين ما بين 60 ـ 80 سنة ينكمش بنسبة 6 ـ 8%.وأن أكثر التكوينات الدماغية تأثراً بهذا الانكماش أو التنكس هي المسؤولة عن الفعالية الحركية،حيث تصاب أبكر من غيرها،بينما المسؤولة عن الإحساسات والعوامل النفسية  تبقى غير متأثرة حتى سن 65،ومن ثم يطرأ عليها التنكس.

وذكر كثير من الباحثين  الألمان وخاصة في المؤتمر الدولي الحادي عشر لجمعية الطب الفسيولوجي في مدينة ايرلانغن أنه  لايشاهد مع تقدم العمر فقدان الخلايا العصبية أو أن هذا يحدث بشكل بسيط لايذكر،وإنما يحدث نقص في حجم الخلايا الدماغية واقترابها أكثر من بعضها،وإنه قد وجد لدى النساء والذكور أن قشر المخ يحتوي نفس العدد من العصبونات أي حوالي 14 مليار ،على الرغم من أن حجم الدماغ عند النساء أصغر منه عند الذكور في الحالات العادية بحوالي 120 ـ 150 غرام.وإذا كان حجم الدماغ 1400 في سن الخامسة والعشرين فإن يصل إلى وزن 1100 غرام في سن الثمانين،وابتداء من سن الخامسة والستين يشاهد نقصاً في حجم كتلة الدماغ.ولكن هذا لايحدث بشكل عام في مختلف أقسام الدماغ وإنما يشاهد فروقاً في مختلف الأقسام،فيشاهد أشدّ التبدلات في القشر الجبهي وخاصة المناطق 6،و7،وأقلها حدوثاً في القشر الصدغي والقفوي،والضمور الذي يشاهد في القشر الجبهي وخاصة المنطقة السادسة يحدث مبكراً ابتداءً من سن الأربعين،بينما في الناحية النفسية الحركية أي المنطقة 11،يحدث متأخراً بعد سن 65.

وأشدّ أشكال العته الشيخي أو مايسمى نموذج الزهايمر يحدث تبدلات شديدة في الأوعية الشعرية الدماغية وهذا مايسبب نقص الوارد من الأوكسجين للدماغ.

الذاكرة:

عرف العلماء الذاكرة:بأنها قابلية الإنسان على الاحتفاظ بالتجربة والمعرفة واستدعائها وتذكرها عند اللزوم.

والذاكرة هي إحدى قدرات الدماغ التي تمكنه من تخزين المعلومات واسترجاعها.

ولا يوجد إنسان بدون ذاكرة،مهما كانت درجة ذكائه متدنية.ولكن القابليات العقلية متنوعة،فهناك أناس يمتلكون قابلية ذهنية على حلّ المسائل الرياضية،وآخرون على الكلام والحفظ،وآخرون على الإنجاز والمهارة العلمية واليدوية.

والذاكرة كإحدى الملكات العقلية لاتوجد بصورة متساوية لدى كل الأفراد،وقد يمتلك فرد ما ذاكرة قوية جداص،ولكنه لايمتلك قابلية رياضية أو مهارة عملية مناسبة،بل قد يكون معدل ذكائه العام اعتيادياً أو متدنياً أو ممتازاً.

إن علم الفسيولوجيا العصبية توصل إلى مبادىء أولية عن عملية الذاكرة:إن الفص الصدغي يتلقى المعلومات الأولى عن طريق الحواس،ليبدأ عملية التسجيل والنقل.

وهناك مراكز مختلفة للذاكرة في الدماغ.ويمكن بالتكرار والتدريب تثبيت المعلومات وإيصالها إلى الذاكرة الطويلة الأمد.وحيث تبين أن المعلومات تنتقل من الذاكرة المؤقتة القصيرة إلى الذاكرة الطويلة،حيث أن كل الانطباعات والمعلومات تخزن أولا في الذاكرة القصيرة المؤقتة حيث ينشط تبادل إشارات كهربية بين نحو 100 مليار من الخلايا العصبية.وينشط كل انطباع مجموعة معينة من العصبونات.إلا أن الذاكرة القصيرة لها سعة محدودة على الاحتفاظ بالمعلومات بحيث تأخذ معلومات جديدة مكان المعلومات قبلها مثل السبورة التي تكتب وتمسح ثم تكتب من جديد.ويصل جزء قليل من تلك المعلومات والانطباعات إلى الذاكرة الطويلة،بينما يضيع الجزء الآخر وينسى.

تحدث أذيات شديدة في الذاكرة إذا أصيبت المناطق العصبية التالية:الفص الصدغي الإنسي،وما تحت المهاد وخاصة منطقةHipocampus، (الهيبو كامبس) أو اللوزةAmygdala،

الخرف أو العته:Dementia:

هو تدهور مستمر في وظائف الدماغ،ينتج عنه اضطراب في القدرات الإدراكية مثل الذاكرة والاهتداء والتفكير السليم والحكمة.ويصبح المريض عاجزاً عن خدمة نفسه ويحتاج لرعاية الآخرين.

يشاهد الخرف غالباً عند المسنين بعد سن 65،وتقدر نسبة حدوثه بحوالي2% بين سن 65 ـ 69،وتصل إلى 5% مابين 75 و79،ثم تصل إلى نسبة 20%بين سن 85 ـ 89.

والخرف له شكلان رئيسيان:

1 ـ التدهور المستمر والمتواصل على مدى أشهر أو سنوات وهذا ما يشاهد في داء الزهايمر.ويعد داء الزهايمر أكثر أشكال الخرف شيوعاً،(سمي المرض حسب مكتشفه وهو الباثولوجي العصبي ألويس الزهايمر).

ويحدث في النساء أكثر من الرجال بثلاث مرات.وقد يبدأ في سن الأربعين،ولكن غالباً مايكون هناك اضطرابات عائلية واجتماعية شديدة.والغالب أن يبدأ الداء بسن 50 ـ 60.

وتحدث الوفاة وسطياً خلال 3 ـ 5 سنوات.ويقال عن داء الزهايمر بأنه مرض العصر الحديث حيث لوحظ وفرة حدوثه،وربما لسهولة تشخيصه.

ينجم الداء عن وجود تنكس مترق في خلايا الدماغ،يبدأ بضعف الذاكرة،وينتهي مع فقدان الاستشراق والاهتداء التام.

يبدأ داء الزهايمر غالباً في البدء بضعف في الذاكرة،وهذا ما يُقلق أقارب المرضى في البدء،وبعد ذلك يحدث تراجع في القابلية والفعالية على كل المستويات الفكرية والذهنية.كما يفقد المريض المراقبة للانفعالات والعواطف،ومع تقدم المرض وزيادة التنكس في العصبونات الدماغية فإن شخصيةالمريض وكيانه النفسي يصبح الضحية،وفي النهاية يحدث تدهور نفسي وروحي وجسدي رهيب.

ومن أهم أعراضه:

ـ خلل في الذاكرة:اضطراب القدرة على اكتساب معلومات جديدة أو استرجاع معلومات قديمة.

ـ اضطراب في اللغة:الصمت أخطاء لفظية،قصر العبارات.

اضطراب القدرات الحركية:مثل العجز عن تفريش الأسنان أو التلويح بالذراع للوداع أو مضغ الطعام…

ـ اضطراب على معرفة الأشياء بأسمائها في حال عدم وجود مشكلات حسية مثل الصمم أو العمى

ـ اضطراب الوظائف العقلية العليا كالتخطيط والتنظيم والترتيب…

2 ـ تدهور متدرج في القدرات الإدراكية يفقد به المريض شيئاً من قدراته بشكل ملحوظ ثم يستقر مدة من الزمن ثم يحدث تدهور ملحوظ وهكذا..وهذا يشاهد غالباً في حالات الاحتشاء الدماغي المتعدد والمتكرر بسبب خثرات وعائية تصيب الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ.وهو يشاهد في الذكور أكثر من الإناث.

من الناحية الدينية:

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{والله الذي خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يُردُّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً إن الله عليم قدير}[النحل 70].

وقال تعالى:{ومنكم من يُتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً}[الحج5].

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اللهم إني أعوذ بك من البخل،وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أردَّ إلى أرذل العمر،وأعوذ بك من فتنة الدنيا،وأعوذ بك من عذاب القبر”[رواه الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو حديث صحيح].

وفي رواية أخرى يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات،كما تُعَلّم الكتابة:اللهم إني أعوذ بك من البخل،وأعوذ بك من الجبن،وأعوذ بك من أن نردّ إلى أرذل العمر،وأعوذ بك من فتنة الدنيا،وعذاب القبر”[أخرجه البخاري].وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ منهن دبر الصلاة.

وفي حديث آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ يقول:”اللهم إني أعوذ بك من الكسل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل”.

فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نتعوذ من أرذل العمر،وهو كبر السن المؤدي إلى ضعف القوى،وسبب استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم منه:مافيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم،والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها.

يقول الإمام الصنعاني في سبل السلام:”والمراد من الرد إلى أرذل العمر:هو بلوغ الهرم والخرف،حتى يعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية،ضعيف البنية،سخيف العقل،قليل الفهم”.

ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:”والأرذل:تفضيل في الرذالة،وهي الرداءة في صفات الاستياء.والعمر:مدة البقاء في الحياة،لأنه مشتق من العَمر،وهو شغل المكان،أي عمر الأرض قال تعالى:{وأثاروا الأرض وعمروها}[الروم9].

فإضافة أرذل إلى العمر التي هي من إضافة الصفة إلى الموصوف على طريقة المجاز العقلي،لأن الموصوف بالأرذل حقيقة هو حال الإنسان في عمره لا نفس العمر.

فأرذل العمر هو حال هرم البدن وضعف العقل وهو حال في مدة العمر.وأما نفس مدة العمر فهي لا توصف برذالة ولاشرف.

والهرم لا ينضبط حصوله بعدد من السنين،لأنه يختلف باختلاف الأبدان والبلدان والصحة والاهتلال على تفاوت الامزجة المعتدلة،وهذه الرذالة رذالة في الصحة لا تعلق لها بحالة النفس،فهي مما يعرض للمسلم والكافر فتسمى أرذل العمر فيهما،وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يردّ إلى أرذل العمر”.

يقول تعالى:{ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون}[يس 68].

حيث يخبر المولى عز وجل أن هناك من يطول عمره ويحدث تنكس في خلقه، أي انقلب حاله وارتدت قواه وتراجعت قدراته نحو الضعف والوهن،وصار كمن انتكس وانقلب رأساً على عقب.

ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في قوله تعالى:{ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون}[يس 68]:

“والشيخوخة نكسة إلى الطفولة.بغير ملاحة الطفولة وبراءتها المحبوبة! ومايزال الشيخ يتراجع،وينسى ماعلم،وتضعف أعصابه،ويضعف فكره،ويضعف احتماله،حتى يرتد طفلاً.ولكن الطفل محبوب اللثغة،تبسم له القلوب والوجوه عند كل حماقة.والشيخ مجتوى لا تقال له عثرة إلا من عطف ورحمة،وهو مثار السخرية كلما بدت عليه مخايل الطفولة وهو عجوز.وكلما استحمق وقد قوست ظهره السنون”.

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله :

“يقول تعالى”ومن نعمره” أي نطيل عمره ونمد له فيه.”ننكسه في الخلق” الانتكاس: العودة إلى الوراء والرجوع إلى ماكنت عليه أولاص،فطول العمر يعود بالإنسان إلى مرحلة الطفولة الأولى،فهو نكسة في حقه حين يصير شيخاً هرماً لايستطيع الحراك ولا الكلام.وتأخذ ذاكرته في الضعف فينسى ويخرف،فهو كالطفل تماماً يحتاج من يحمله ويُطعمه ويزيل عنه الأذى…الخ،فهل في هذه الحال عودة؟وهل ينفع معها تفكر وتدبر؟

“أفلا يعقلون” يعني :أين عقولكم في هذه المسألة،والحق سبحانه يسوقها باسلوب الاستفهام،ولا يأتي بها على سبيل الإخبار ليجيبوا هم ويُقروا على أنفسهم بعدم التعقل”.

2 ـ “ناصية كاذبة خاطئة”

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{كلا لئن لم ينتهِ لنسفعاً بالناصية*ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئة}[العلق 15 ـ 16].

وقال تعالى:{إني توكلت على الله ربّي وربّكم مامن دابةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها إنَّ ربي على صراط مستقيم}[هود 56].

وقال تعالى:{يُعرفُ المجرمونَ بسيماهم فيُؤخذ بالنواصي والأقدام}[الرحمن 41].

وجاء في الحديث الشريف:روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:”ما أصاب أحداً قطُّ همّ ولا حَزن فقال: اللهم إني عبدُك ابنُ عبدك ابنُ أمتك،ناصيتي بيدك،ماضٍ فيَّ حُكمُك عدلٌ فيَّ قضاؤُك أسألك بكل اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو علّمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علمِ الغيب عندَك أن تجعل القرآن ربيعَ قلبي،ونورَ صدري،وجلاءَ حُزني،وذهابَ همّي،إلا أذهبَ الله همّهُ وحُزنه وأبدله مكانه فرجاً.قال: فقيل:يارسول الله ألا نتعلمها؟فقال::بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها”.[أخرجه أحمد واللفظ له وابن حبان والطبراني باختلاف يسير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو حديث صحيح كما قال الألباني].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه قال:”اللهمَّ ربَّ السَّموات وربَّ الأرض وربّ العرش العظيم، ربنّا  وربَّ كلِّ شىء، فالقَ الحبِّ والنّوى، ومُنزلَ التوراة والإنجيلِ والفرقان،أعوذُ بك من شرِّ كلِّ شىء أنتَ آخذٌ بناصيته، اللهمَّ أنتَ الأول فليس قبلك شىءٌ،وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدكَ شىءٌ،وأنتَ الظاهرُ فليسَ فوقكَ شىءٌ،وأنتَ الباطنُ فليسَ دونكَ شىء،اقضِ عنا الدَّين وأغننا من الفقر”.[أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]

وفي الحديث الشريف:”الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير والنيلُ إلى يوم القيامة وأهلها مُعانون عليها فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة وقلّدوها ولا تُقلّدوا الأوتار[أخرجه أحمد والطبراني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وإسناده جيد].”

من الناحية اللغوية:

الناصية: واحدة النواصي،وهي قصاص الشعر في مقدم الرأس،وقال الفرّاء: مقدم الرأس،وقال الأزهري: الناصية: منبت الشعر في مقدم الرأس.

أقوال السلف وعلماء الدين:

“لنسفعاً بالناصية”:السفع: هو القبض والجذب، وقيل هو مأخوذ من سفع النار والشمس إذا غيرت وجهه إلى السواد.

وقد بينت أقوال المفسرين بأن وصف الناصية بالكذب والخطيئة ليس وصفاً لها بل هو وصف لصاحبها.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في تفسير “ناصيتي بيدك”:

“أي أنت المتصرّف فيّ،تُصرّفني كيف تشاء،لست أنا المتصرف في نفسي.وكيف يكون له في نفسه تصرف من نفسه بيد ربّه وسيده،وناصيته بيده وقلبه بين اصبعين من أصابعه،وموته وحياته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلاؤه كله إليه سبحانه.ليس إلى العبد منه شىء،بل هو في قبضة سيده أضعف من مملوك ضعيف حقير ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له تحت تصرفه وقهره،بل الامر فوق ذلك.

ومتى شهد العبد إن ناصيته ونواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين،المتصرف فيهم سواهم والمدبر لهم غيرهم،ولهذا قال هو لقومه:{إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إنّ ربي على صراط مستقيم}[هود 56].

وقال الشيخ عبد المجيد الزنداني:

“وصف القرآن الناصية بأنها كاذبة خاطئة كما قال تعالى:{ناصية كاذبة خاطئة}[العلق 16]،.

والناصية لا تنطق فكيف يسند إليها الكذب؟ولا تجترح الخطايا فكيف تسند إليها الخطيئة؟

لقد أزال البروفسور محمد يوسف سكر عني هذه الحيرة عندما كان يحدثني عن وظائف المخ فقال: إن وظيفة الجزء من المخ الذي يقع في ناصية الإنسان هي توجيه سلوك الإنسان.فقلت له: وجدتها!

قال: ماذا وجدت؟

قلت: وجدت تفسير قوله تعالى:{ناصية كاذبة خاطئة}.

فقال: دعني أراجع كتبي ومراجعي.

وبعد مراجعته لتلك الكتب والمراجع،أكد الأمر وقال:إن الإنسان إذا أراد أن يكذب فإن القرار يتخذ في الفص الجبهي للمخ الذي هو جبهة الإنسان وناصيته،وإذل أراد الخطيئة فإن القرار كذلك يتخذ في الناصية.

ثم عرضت الموضوع على عدد من العلماء المتخصصين ومنهم البروفسور كيث إل مور الذي أكد أن الناصية هي المسئولة عن المقايسات العليا وتوجيه سلوك الإنسان.وما الجوارح إلا جنود تنفذ هذه القرارات التي تتخذ في الناصية،لذلك فالقانون في بعض الولايات الأمريكية يجعل عقوبة كبار المجرمين الذين يرهقون أجهزة الشرطة هي استئصال الجزء الأمامي من المخ(الناصية) لأنه مركز القيادة والتوجيه ليصبح المجرم بعد ذلك كطفل وديع يستقبل الأوامر من أي شخص.

وبدراسة التركيب التشريحي لمنطقة أعلى الجبهة وجد أنها تتكون من أحد عظام الجمجمة المسمى العظم الجبهي،ويقوم هذا العظم بحماية أحد فصوص المخ والمسمى الفص الأمامي أو الفص الجبهي،وهو يحتوي على عدة مراكز عصبية تختلف فيما بينها من حيث الموقع والوظيفة.

وتمثل القشرة الأمامية الجبهية الجزء الأكبر من الفص الجبهي للمخ،وترتبط وظيفة القشرة الأمامية الجبهية بتكوين شخصية الفرد،وتعتبر مركزاً علوياً على مراكز التركيز والتفير والذاكرة،وتؤدي دوراً منتظماً لعمق إحساس الفرد بالمشاعر،ولها تأثير في تحديد المبادأة والتمييز.

وتقع القشرة مباشرة خلف الجبهة أي أنها تختفي في عمق الناصية،وبذلك تكون القشرة الأمامية الجبهية هي الموجه لبعض تصرفات الإنسان التي تنم عن شخصيته مثل الصدق والكذب والصواب والخطأ…وهي التي تميز بين هذه الصفات وبعضها البعض وهي التي تحث الإنسان على المبادأة بالخير أو بالشر”.

الإعجاز الطبي في الآية الكريمة:

يقول البروفسور كيث إل مور مستدلً على هذه المعجزة العلمية:”إن المعلومات التي نعرفها عن وظيفة المخ لم تذكر طوال التاريخ،ولا نجد في كتب الطب عنها شيئاً،فلو جئنا بكتب الطب كلها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده بقرون لن نجد ذكراً لوظيفة الفص الجبهي الأمامي(الناصية)ولن نجد له بياناً،ولم يأت الحديث عنه إلا في القرآن الكريم،مما يدل على أن هذا من علم الله جل وعلا والذي أحاط بكل شىء علماً،ويشهد بأن محمد رسول الله”.

ولقد كانت بداية معرفة الناس بوظيفة الفص الأمامي الجبهي في عام 1842م،حين أصيب أحد عمال السكك الحديد في أمريكا بقضيب اخترق جبهته،فأثر ذلك في سلوكه ولم يضر بقية وظائف الجسم،فبدأت معرفة الأطباء بوظيفة الفص الجبهي للمخ،وعلاقته بسلوك الإنسان.

وكان الأطباء يعتقدون قبل ذلك أن هذا الجزء من المخ الإنساني منطقة صامتة،لا وظيفة لها.فمن علم محمد صلى الله عليه وسلم بأن هذا الجزء من المخ هو مركز القيادة للإنسان والدواب وأنه مصدر الكذب والخطيئة.

إنه العلم الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو شهادة من الله بأن القرآن من عنده،لأنه نزل بعلمه سبحانه(انتهى كلام الشيخ الزنداني).

من الناحية الطبية:

يحتوي دماغ الإنسان على أربعة فصوص رئيسية:الفص الأمامي ويسمى الفص الجبهي،والفص الخلفي ويسمى الفص القفوي، والفص الصدغي،والفص الجداري.

وأما الفص الأمامي للدماغ أي الفص الجبهي فهو فص كبير  ويمثل أكبر  فصوص الدماغ،يقع أمام الاخدود المركزي .يحد الفص الصدغي من الجهة العلوية الأمامية.ويفصل بينه وبين الفص الجادري فراغ بين الأنسجة يطلق عليه الثلم المركزي،كما يفصله عن الفص الصدغي طي عميق يطلق عليه الثلم الجانبي.

وهو أي الفص الجبهي يختص بالحركة وبعض التكلم والتخطيط والمنطق والذاكرة البعيدة وغيرها.ويعتبر أيضاً مركز التحكم في العواطف والمشاعر،والذاكرة،واللغة،وقدرة الحكم على الاشياء،والتحكم في البواعث،ومثيرات الاندفاع،وفي العلاقات الاجتماعية،وفي حركة معظم أجزاء الجسم،وفي القدرة على حل المشاكل،وعلى أخذ المبادرة،وعلى التلقائية،وغير ذلك من الصفات الشخصية.

وهو يحتوي على خمسة مراكز عصبية:

1 ـ مركز الحركة الأولي:Primary Motor Area:ويقوم بتحريك العضلات الإرادية للجهة اليسرى من الجسم.

2 ـ مركز الحركة الثانوي:Secondary Motor Area:ويقوم بتحريك العضلات الإرادية للجهة اليمنى من الجسم.

3 ـ الحقل العيني الجبهي:Frontal Eye Field:ويقوم بالتحريك المتوافق للعينين إلى الجهة المقابلة.

4 ـ مركز بروكا لحركات النطق:Motor Speech Area of Broca:ويقوم بتنسيق الحركة بين الأعضاء التي تشترك في عملية الكلام كالحنجرة واللسان والوجه.

5 ـ القشرة الأمامية الجبهية:Pre   Frontal Cortex:وتقع مباشرة خلف الجبهة تماماً في المسافة بين العينين ومنبت شعر الرأس(الناصية) وهي تمثل الجزء الأكبر من الفص الأمامي للمخ،وترتبط وظفتها بتكوين شخصية الفرد ولها أيضاً تأثير في تحديد المبادرة والتمييز( Initative)( Judgement).

والقشرة الأمامية الجبهية تقع مباشرة خلف الجبهة وهي تختفي في عمق الناصية وبذلك تكون الموجهة لبعض تصرفات الإنسان والتي ترتبط بشخصيته مثل الصدق والكذب والصواب والخطأ…

يحتوي الفص الجبهي على معظم الخلايا العصبية الحساسة للدوبامين في قشرة الدماغ.ونظام الدوبامين هو المسؤول عن المكافأة،والاهتمام،والانتباه،ومهام الذاكرة قصيرة المدى،والتخطيط والتحفيز.ويميل الدوبامين إلى حصر وانتقاء المعلومات الحسية القادمة من منطقة المهاد(السرير البصري Thalamus)،إلى مقدم الدماغ.وتبين الدراسات إلى أن التغير الجيني الوراثي والذي يققل من نشاط الدوبامين في قشرة الفص الجبهي مرتبط  بضعف الذاكرة وكذلك له علاقة مع مرض انفصام الشخصية أي الشيزوفرينيا.

وجاء في موقع الويكيبيديا:

“تشمل الوظيفة التنفيذية للفص الجبهي القدرة على تمييز العواقب المستقبلية الناجمة عن السلوكيات الحالية والقدرة على الاختيار بين السلوكيات الجيدة والسيئة(أو الحسنة والأفضل منها)،وتجاهل أو قمع ردود الافعال الاجتماعية المرفوضة،وتحديد أوجه التشابه والإختلاف بين الأشياء والأحداث،إذا فهي تشارك في الوظائف العقلية العليا.وكذلك يلعب الفص الجبهي جزءاً مهماً في الاحتفاظ بالذكريات التي لا تعتمد على مهام لمدىأطول،وغالباً ماتكون هذه الذكريات مرتبطة بعواطف أو انفعالات مستمدة من مدخلات جهاز الدماغ الحوفي حيث يقوم الفص الجبهي بتعديل هذه الانفعالات لتتوافق بشكل عام مع المبادىء المقبولة اجتماعياً.وأكدت دراسة نشرت عام 2016 أن الفص الجبهي مسؤول عن تصفية ماتلتقطه العين البشرية من صور للمشهد بحيث يقرر مايمكن رؤيته ويخفي أشياء أخرى من المشهد بحيث لايمكن تصورها أو تذكرها.

وإن إصابة الفص الأمامي الجبهي قد تؤدي لنتائج عديدة لدى المصاب ومنها:

1 ـ ضعف المرونة الذهنية وردات الفعل التلقائية،لكن لايؤدي إلى أي انخفاض بمعدل الذكاء.

2 ـ النطق والتحدث قد يزيد أو ينقص بشكل كبير.

3 ـ يحدث لديه خلل وضعف في التصورات من ناحية المخاطر وقواعد الالتزام.

4 ـ قد تزيد لديه أو تنقص التنشئة الاجتماعية واهتمامه بها.

5 ـ الضرر بالفص الجبهي المداري قد ينتج عنه عادات جنسية غريبة.

6 ـ الضرر بالفص الجبهي الظهراني قد يؤدي إلى نقص بالهتمام الجنسي.

7 ـ قد تخف أو ترتفع حالات الإبداع والمهارات في حل المشاكل .

8 ـ الاضطراب والحيرة يحدث بشكل كبير ومتكرر.

9 ـ فقدان حاسة الشم والذوق أو احداهما.

5 ـ آيات الجهاز الحركي

1 ـ “إني وهنَ العظمُ منّي”

قال تعالى في كتابه العزيز:{قالَ ربِّ إنّي وهنَ العظمُ منّي واشتعلَ الرأسُ شيباً ولم أكن بدعائكَ ربِّ شقياً}[مريم 4].

وقال تعالى:{ولا تهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}[آل عمران 146]،أ

(أي لايعتريكم نوع من الفتور والضعف وهو الوهن).

وقال تعالى:{ووصينا الإنسان بوالديه حملتهُ أمهُ وهناً على وهن}[لقمان 14].

وقال تعالى:{وإنَّ أوهن البيوتِ لبيتُ العنكبوت}[العنكبوت 41]

من الناحية اللغوية:

الوهن:

جاء في القاموس المحيط:الوهن:الضعف في العمل.

وفي لسان العرب:وهن الرجل يهن وهناً دخل في الوهن من الليل.وفلاناً أضعفه.ووهن الرجل:ضعف في الأمر والعمل والبدن.

من الناحية الدينية:

جاء في تفسير الطبري:وهن العظم مني:ضعف ورق من الكبر.

وفي تفسير ابن كثير:ضعفت وخارت القوى مني.

يقول سيد قطب رحمه الله:

“إنه يناجي ربه بعيداً عن عيون الناس،بعيداً عن أسماعهم.في عزلة يخلص فيها لربه،ويكشف له عما يثقل كاهله ويكرب صدره ويناديه في قرب واتصال:”رب” بلا واسطة حتى ولا حرف النداء.وإن ربه ليسمع ويرى من غير دعاء ولا نداء ولكن المكروب يستريح إلى البث،ويحتاج إلى الشكوى.والله الرحيم بعباده يعرف ذلك من فطرة البشر،فيتسحب لهم أن يدعوه وأن يبثوه ما تضيق به صدورهم:{وقال ربكم أدعوني أستجب لكم} ليريحوا أعصابهم من العبء المرهق،ولتطمئن قلوبهم إلى أنهم قد عهدوا بأعبائهم إلى من هو أقوى وأقدر،وليستشعروا صلتهم بالجناب الذي لا يضام من يلجأ إليه،ولا يخيب من يتوكل عليه.

وزكريا يشكو إلى ربه وهن العظم. وحين يهن العظم يكون الجسم كله قد وهن.فالعظم هو أصلب مافيه،وهو قوامه الذي يقوم به ويتجمع عليه.ويشكو إليه اشتعال الرأس شيباً.والتعبير المصور يجعل الشيب كأنه نار تشتعل ويجعل الرأسكله كأنما لتشمله هذه النار المشتعلة،فلا يبقى في الرأس المشتعل سواد.

ووهم العظم واشتعال الرأس شيبا كلاهما كناية عن الشيخوخة وضعفها الذي يعانيه زكريا ويشكوه إلى ربه وهو يعرض عليه حاله ورجاءه”.

ويقول إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“والوهن هو الضعف،وقال”وهن العظم” لأن لكل شىء قواماً في الصلابة والقوة،فمثلاً الماء له قوام معروف والدُهن له قوام،واللحم له قوام،والعصب والعظم وكل عناصر تكوين الإنسان،والعظم هو أقوى هذه الاشياء،والعظم في بناء الجسم البشري مثل(الشاسيه) في لغة العصر الحديث،وعلى العظم يبنى جسم الإنسان من لحم ودم وعصب،فإذا أصاب العظام وهي أقوى العناصر ضعف ووهن فغيرها من باب أولى.

لذلك فإن الرجل العربي حينما شكا الجدب والقحط ماذا قال؟قال: مرّت بنا سنون صعبة،فسنةٌ أذابت الشحم أي: بعد الجوع وعدم الطعام ،وسنة أذهبت اللحم أي: بعد أن أنهت الشحم، وسنة محّت العظم.

فكان العظم هو آخر مخزن من مخازن القوت في جسم الإنسان ساعة أن ينقطع عنه الطعام والشراب.والعظم في هذه الحالة يُوجه غذاءه للمخ خاصة،لأنه مادام في المخ بقية قبول حياة فما حدث للجسم من تلف قابل للإصلاح والعودة إلى طبيعته،إذن:فسلامة الإنسان مرتبطة بسلامة المخ”.

من الناحية الطبية:

العظم هبارة عن نسيج حي،معقد التركيب،فهو يتألف من صقل بروتيني،ومن بللورات فوسفات الكلسيوم،ومن خلايا حية:أرومات العظم،والخلايا العظمية،وكاسرات العظم.وبالإضافة إلى هذا يحتوي العظم مايسمى مخ العظم،وهو عبارة عن نسيج شبكي بطاني خاص بحد ذاته،يحتوي على الجملة المولدة لعناصر الدم أي الكريات الحمراء والبيضاء والصفيحات الدموية.

إن أي أمراض جهازية تؤثر في استقلاب وتركيب البروتينات يكون لها انعكاساتها على الهيكل العظمي.وإن نمو العظم يعتمد على الكلس والفسفور والعوامل المرتبطة بهذين المعدنين.كما أن نشاط ونمو العظم يعتمد على التوازن مابين أرومات العظم البناءة،وكاسرات العظم الهدامة.

ومن أمراض العظام نذكر وهن أو هشاشة العظام أو تثقب العظام.وهو من الاضطرابات الكسبية،ويتميز بنقص كمية العظم في الصقل.ولذا تبدو العظام المصابة سهلة الهشاشة،وعرضة للكسور.

وهذا الداء قد يكون آفة بدئية ولكن الغالب أنه آفة مكتسبة،وغالباً عند المسنين،وبعد سن الإياس عند النساء،ومرافقاً لامراض جهازية مثل تناذر كوشينغ،وفرط نشاط الدرق،والمعالجة بالهرمونات الكظرية وخاصة الكورتيزون،ويشاهد أيضاً بسبب عدم الحركة لفترة طويلة كما هم الحال عند مقعدي الفراش.

إن مرض وهن العظام أو هشاشة العظام أو تثقب العظامOsteoporosis:هو مرض من أمراض العظام وسببه انخفاض كثافة العظام أو رقاقها بالهيكل العظمي.وهي حالة تصيب نصف السيدات وثلث الرجال في سن السبعين،وتكون مصحوبة بآلام شديدة،وتجعلهم معرضين للكسور.

وللتعرف على أسباب هذا المرض يتطلب معرفة دور الاستقلاب الغذائي بالجسم وتنظيم الكالسيوم والهرمونات والفيتامينات به،وتكوين الهيكل العظمي الذي يحمي الجسم.

كما يعتبر الهيكل الهظمي مخزناً للكلسيوم الذي له وظيفة حيوية في نشاط الخلايا ووظائف عضلة القلب والاتصال بين الأعصاب.وهذا يتطلب وجود الكلسيوم بنسبة كافية في الدم،فلو قل عن معدله يستعوضه الدم من المخزون بالعظام.وكلما اقدم بنا العمر كلما قلت كتلته في العظام.لأن الهيكل العظمي يفقد كتلته بمعدل 3%,عند الرجال وحوالي 5%,عند النساء سنوياً.وهذا الفقدان يقع منتصف سن العشرينيات ويزداد المعدل فوق سن الأربعين.ولاسيما بعد انقطاع الطمث عند النساء.حيث يزداد معدل الفقدان ليصبح 2 ـ 3% سنوياً لتصبح العظام هشة رقراقة مما يعرضها للكسر بسهولة.

العظام عبارة عن نسيج ضام صلب وهي المكون الرئيسي لكل الحيوانات الفقاري.وتبدو العظام أنها بلا حياة ولكنها في الحقيقة بناء حركي مكون من أنسجة حية كخلايا العظام والخلايا الدهنية والأوعية الدموية ومواد غير حية.

والعظام تلعب دوراً حيوياً لدى الفقاريات.لأنها تشكل هيئة الجسم وتحمله وتكوين هيئته.وترتبط العضلات بها وترفعها وتجعله يتحرك.وكثير من العظام تحمي الأعضاء اللينة والداخلية بالجسم.فالجمجمة تحمي الدماغ والقفص الصدري يحمي القلب والرئتين.

والعظام لها دور وظيفي في تخزين الكلسيوم اللازم للأعصاب وخلايا العضلات ،ومخ أو نخاع العظم يساهم في تكوين خلايا الدم الحمراء،وبعض خلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية.

وجسم الإنسان البالغ مكون من 206 عظمة تشكل 14^ من وزن الجسم.وأطول وأقوى عظمة هي عظم الفخذ وأصغر العظام هي عظم الركابة وهو أحد العظيمات السمعية في الأذن الوسطى.

والذي اتفق عليه العلماء فيما يتعلق بالداء أنه ينجم عن التوازن الكلسي السلبي.وهو بهذا يفرق داء هشاشة العظام عن داء لين العظام(Osteomalacia)،إذ أن لين العظام ينجم عن فشل عملية التكلس وبالتالي تمنع أو تؤثر في العظم المستحدث،بينما في تثقب العظام فإن الاستيون يكون متشكلاً أصلاً.

وعملية تثبيت الكلسيوم بالعظام أو تحريره إلى الدم ينظمها النشاط الهرموني والفيتامينات وحاجة الجسم للكلسيوم سواء بالدم أو العظام.ويلعب الفيتامين د دوراً في امتصاص الكلسيوم في الأمعاء والكلية وحمله إلى الدم ومنها إلى العظام.كما أن هرمون الغديدات فوق الدرقية (الباراثورمون) يلعب دوراً هاماً في تنظيم تراكيز الكلسيوم في العظام والدم،ولعل من الاسباب الهامة لهشاشة العظام في الشيخوخة نقص امتصاص الكلسيوم من الأمعاء،مما يؤدي إلى نقصه في الدم وتفعيل هرمون جارات الدرق الذي يزداد افرازه ويعمل على زيادة تحرير الكلسيوم من العظام ليعوض نقص الدم به.

وهناك أيضاُ هرمون الكالسيتونين والذي يقوم بتنظيم معدلات الكلسيوم بالدم وكثرته تقلل فقدان العظام للكلسيوم.كما أن هرمونات الغدة الدرقية تلعب دوراً في تشكيل العظام.وفي حالة فرط نشاط الغدة الدرقية ينقص تركيز الكلسيوم في العظام.

كما أن الهرمونات الجنسية وخاصة الاستروجين والذي يفرز من المبيضين عند الأنثى يقلل من ذوبان الكلسيوم من العظام وينشط نمو العظام.ولهذا وبعد سن الإياس وبسبب نقص تركيز هذا الهرمون تقل كثافة العظام ويحدث هشاشة وترقق العظام عند النساء بعد سن الإياس.

إن مرض ترقق أو هشاشة أو وهن العظام يسبب آلاما عظمية ويترافق مع ارتفاع حدوث معدلات الكسور وخاصة في عنق الفخذ أو أسفل الساعد أو الحوض أو في العمود الفقري مما يسبب الحدب.ولأسباب مجهولة فإن هشاشة العظام لايشاهد في عظم القحف.

وأفضل وظيفة لتشخيص المرض وخاصة في المراحل المبكرة هو قياس كثافة العظم Osteodensometry.

إن من أهم العوامل التي تساعد على حدوث هشاشة العظام:سن اليأس عند النساء،والشيخوخة،ونقص تركيز الاستروجين،والنحافة وخاصة انخفاض مؤشر كتلة الجسمBMI،ووجود القصة العائلية،وإدمان الغول،وتناول مركبات الكورتيزون لفترة طويلة،وأسباب أخرى.

الإعجاز الطبي:

في الآية الكريمة من سورة مريم إشارة إلى ضعف ووهن العظام مع تقدم السن،وإن عبارة”وهن العظام” تعبر عن وجود ضعف في العظام نتيجة تقدم السن.وكلمة”وهن” تشير إلى نقصان متانة وصلابة العظام.وهذا مايحدث للبنية الإسفنجية للعظام والتي نراها في العظام الهشة،وذلك ماجاء في القرآن الكريم على لسان المنكرين للبعث والحياة بعد الموت فهم يقولون:{أئذا كنا عظاماً نخرة}[النازعات 11].في هذه الآية إشارة إلى النخر أو التي يسميها العلماء بالمسامات أو الفراغات في العظام الهشة والمتقدمة في العمر.وكلمة”نخرة” تتضمن إشارة غير مباشرة للكثافة المنخفضة في العظام.

أي من العلامات المميزة مورفولجياً في هذا الداء:ترقق قشر العظم،وارتشاف الحجب العظمية في العظم الاسفنجي(المشاشات)،وتوسع جوف مخ العظم أي النقا،وهذا يسهل حدوث الكسور العفوية.

2 ـ عجب الذنب

جاء في الحديث الشريف:”كل ابنِ آدمَ يأكلهُ التراب،إلا عَجْبَ الذَّنبِ منه،خُلِقَ وفيهِ يُرّكب”[أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وفي حديث آخر:”إنَّ في الإنسانِ عظماً لا تأكلُهُ الا{ضُ أبداً،وفيهِ يُركَّبُ يوم القيامة قالوا أيُّ عظمٍ هو يارسول الله،قال:عَجْبُ الذَّنب”[أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وفي حديث آخر:”مابين النفختين أربعون،قال: أربعونَ يوماً؟قال: أبيتُ،قال: أربعونَ شهراً؟قال:أبيتُ،قال: أربعونَ سنة؟قال: أبيتُ،قال: ثمَّ يُنزلُ الله من السماء ماءً فينبتون كما ينبتُ البقلُ،ليس من الإنسان شىء إلا يبلى،إلا عظماً واحداً،وهو عَجْبُ الذَّنب،ومنهُ يركّبُ الخلق يوم القيامة“[أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وفي حديث آخر:“مابينَ النفختين أربعون.قالوا: يا أبا هريرةَ أربعون يوماً؟قال: أبيتُ،قالوا: أربعون شهراً؟ قال: أبيتُ،قالوا أربعونَ سنة؟ قال: أبيتُ،ثمَّ يُنزلُ الله من السماء ماءً فيَنبتون،كما ينبتُ البقلُ.قال: وليس من الإنسان شىءٌ إلا يبلى،إلا عظماً واحداً،وهو عَجْبُ الذَّنب،ومنه يُركّب الخلق يوم القيامة”[أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

(ومعنى أبيت:أي امتنعت لأن القضية توقيفية وليس عند أبي هريرة فيها توفيق).

يستنتج من هذه الأحاديث الصحيحة مايلي:

1 ـ أن عجب الذنب مكون أساسي خلق منه الجنين في المراحل الأولى لتشكله.

2 ـ عجب الذنب لا يبلى.

3 ـ يتم إعادة تشكل الخلق منه يوم القيامة.

من الناحية الطبية:

عجب الذنب:وهو عظم العصعصCoccyx وهو عظم ناتج عن اندماج الفقرات السفلية الأربع من العمود الفقري يلي العجز.

وينظر عادة إلى العصعص في البشر والرئيسيات كعضو ضامر من الذيل،ولكن ثبت أن له وظائف مهمة،فهو يربط عدداً مهماً من العضلات والاربطة والاوتار مما يجعل الأطباء يدققون كثيراً في حال قرروا استئصاله.كما أنه بنية داعمة لحمل وزن الجسم عند جلوس الإنسان وبالأخص عند ميله إلى الخلف يتلقى الهصعص الجزء الأهم من الوزن.ويدعم العصعص من جهته الداخلية اتصال عدد من العضلات المهمة للعديد من الوظائف في أسفل الحوض فعضلات العصعص تؤدي دور مهم في إخراج البراز.كما يدعم تثبيت الشرج في مكانه،أما من جهته الخلفية فيدعم العضلة الألوية الكبرى التي تمد الفخذ إلى الأمام عند المشي.وتتصل الكثير من الأربطة بالعصعص.

ويتركب العصعص من أربع  فقرات الثلاث الأخيرة تماسكت ولم تعد مفصلية،والجزء العلوي من العصعص مرتبط بمفصل غضروفي قليل المرونة مع العجز،ترتبط مع العجز عدة عضلات منها العضلة الكبرى.

الإعجاز العلمي:

أوضح علم الأجنة الحديث أن الإنسان يتكون وينشأ من عجب الذنب والذي يدعى في علم الجنين الشريط الابتدائي Primitive Streak،وهو الذي يحفز الخلايا على الانقسام والتخصص والتمايز(ومما يدل على ذلك أنه في بعض الأورام العجائبية Teratomوالتي تشاهد في الطفل المولود في ناحية العصعص فإنه يشاهد وجود أنسجة جسم مختلفة في هذه الأورام تحتوي على الأشعار والأسنان والغدد…) وعلى إثره مباشرة يظهر الجهاز العصبي في صورته الأولية(الميزاب العصبي ثم الانبوب العصبي ثم الجهاز العصبي بأكمله)،ويندثر هذا الشريط الأولي إلا جزءاً يسيراً منه يبقى في المنطقة العصعصية التي يتكون فيها عظم الذنب أي العصعص،ومنه يعاد تركيب خلق الإنسان يوم القيامة كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم(الدكتور محمد علي البار).

ويقول الدكتور زغلول النجار حفظه الله(مقال نشر في جريدة الأهرام بتاريخ 27 نوفمبر عام 2001):

“في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة جاء ذكر عجب الذنب على أنه الجزء من الجنين الذي يخلق منه جسده،والذي يبقى بعد وفاته،وفناء جسده ليبعث منه من جديد.

وفي معنى كلام أبي هريرة رضي الله عنه”أبيت” هو أن أجزم أن المراد أربعون يوماً،أو شهراً، أو سنة،بل الذي أجزم له أنها أربعون مجملة،وقد جاءت أربعون سنة مفصلة في قول للإمام النووي رحمه الله.

وهذه الأحاديث النبوية الشريفة تحتوي على حقيقة علمية لم تتوصل إليها العلوم المكتسبة إلا منذ سنوات قليلة،حين أثبت المتخصصون في علم الأجنة أن جسد الإنسان ينشأ من شريط دقيق للغاية يسمى بالشريط الأولي والذي يتخلق بقدرة الخالق سبحانه وتعالى في اليوم الخامس عشر من تلقيح البويضة وانغراسها في جدار الرحم.وأثر ظهوره يتشكل الجنين بكل طبقاته وخاصة الجهاز العصبي،وبدايات تكون كل من العمود الفقري،وبقية أعضاء الجسم،لأن هذا الشريط الدقيق قد أعطاه الله تعالى القدرة على تحفيز الخلايا على الانقسام والتخصص والتمايز والتجمع في أنسجة متخصصة،وأعضاء متكاملة في تعاونها على القيام بكافة وظائفالجسد.وثبت أن هذا الشريط الأولي يندثر فيما عدا جزءاً يسيراً منه يبقى في نهاية العمود الفقري أي العصعص وهو المقصود بعجب الذنب في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا مات الإنسان يبلى جسده كله إلا عجب الذنب الذي تذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يعاد خلقه منه بنزول مطر خاص من السماء ينزله ربنا تبارك وتعالى وقت أن يشاء فينبت كل مخلوق من عجب ذنبه،كما تنبت النبت من بذرتها.

وقد أثبتت مجموعة من علماء الصين في عدد من التجارب المختبرية استحالة إفناء عجب الذنب أي العصعص كيميائياً بالإذابة في أقوى الأحماض أو فيزيائياً بالحرق أو بالسحق أو بالتعريض للأشعة المختلفة،مما يؤكد صدق حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام والذي يعتبر معجزة علمية سابقة لكافة العلوم المكتسبة بألف ,اربعمائة سنة على الاقل.

3 ـ “ستين وثلاثِ مائة مَفصل”

جاء في الحديث النبوي:”إنّهُ خُلِقَ كلُّ إنسانٍ من بني آدمَ على ستينَ وثلاثِ مائةِ مَفصلٍ،فمن كبّرَ الله،وحَمدَ الله،وهلّلَ الله،وسبّحَ الله،واستغفر الله،وعزلَ حجراً عن طريق الناس،أو شوكةً،أو عظماً عن طريقِ الناس، وأمرَ بمعروفٍ،أو نهى عن مُنكرٍ،عددَ تلكَ الستينَ والثلاثِ مائةِ السُلامى فإنهُ يمشي يومئذٍ وقد زحزحَ نفسهُ عن النار“[أخرجه مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها].

من الناحية الطبية:

الهيكل العظمي للإنسان:يتكون من مجموعة من العظام ترتبط ببعضها عن طريق المفاصل.تتكون عظام الطفل عند الولادة من 270 عظمة،وينخفض هذا العدد إلى 206 عظمة ـ باستثناء العظيمات الصغيرة الموجودة في الأذن الوسطى وهي الركابة والمطرقة والسندانـ والعظمين السمسمانيين في القدم واليد ـ في سن البلوغ بعد التحام بعض العظام ببعضها،وبحيث يصل عددها عند الإنسان البالغ إلى 206 عظمة تختلف في أشكالها وأبعادها.

وتكون العظام على هيئة غضاريف قبل الولادة،والغضروف نسيج متين ولكنه لين ويبقى زمناً طويلاً،وينمو الجنين وتتكلس الغضاريف بعد أن تترسب عليها أملاح الكلسيوم فتصبح نسيجاً عظمياً صلباً،وأول عظم يتكلس في الجسم هو عظم الترقوة.

ويتكون كل عظم طويل من جزء طويل رفيع يسمى جسم العظم ونهايتين مستديرتين تكونان رأس العظم.وسطح العظم مغطى بغشاء متين يسمى السمحاق،والذي يحتوي على عدد كبير من الأوعية الدموية الدقيقة تكسبه اللون الوردي.

وتوجد تحت الجلد المحيط بالعظم قشرة من العظم الصلب تشبه العاج يزداد سمكها عند منصف العظم.والعظم داخلر هذه القشرة اسفنجي التركيب،ويوجد النخاع الأحمر في تجويف العظم(مخ العظم).

لاتستطيع العظام أن تتحرك من تلقاء نفسها وحيث يجتمع عظمان يتكون المفصل،وهذه المفاصل تختلف من حيث بنيتها ووظيفتها وحجمها.

والمَفصل:هو كل ملتقى عظمين في الجسد،ويقال له أيضاً المِفصل،والجمع:مفاصل.

والسُلامى:عظام الاصابع في اليد أو القدم.

ويضم جسم الإنسان 360 مفصلاً أو سُلامى وتتوزع كما يلي:

1 ـ 147 مفصل في العمود الفقري.حيث يوجد 25 مفصلاً بين الفقرات.و72 مفصلاً بين الفقرات والاضلاع.و50 مفصلاً بين الفقرات عن طريق اللقيمات الجانبية.

2 ـ 24 مفصل في الصدر.ومنها مفصلان بين عظمي القص والقفص الصدري.و18 مفصلاً بين القص والأضلاع.ومفصلان بين الترقوة ولوحي الكتف.ومفصلان بين لوحي الكتف والصدر.

3 ـ 86 مفصل في النصف العلوي من الجسم.ومنها مفصلان بين عظام الكتفين.و6مفاصل بين عظام المرفقين.و8 مفاصل بين عظام الرسغين.و70 مفصلاً بين عظام اليدين.

4 ـ 92 مفصل في النصف السفلي من الجسم.ومنها مفصلان للفخذين.و6 مفاصل بين عظام الركبتين.و6 مفاصل بين عظام الكاحلين.و74 مفصلاً بين عظام القدمين.و4 مفاصل بين عظام الركبة.

5 ـ 11 مفصل في الحوض.ومنها 4 مفاصل بين فقرات العصعص.و6 مفاصل بين عظام الحِق.ومفصل يسمى الارتفاق العاني.

وقد ذكرت المؤسسة الطبية الاسترالية أنه يوجد في جسم الإنسان 360 مفصلاً.

والمفاصل لها عدة أنواع:

1 ـ المفاصل الثابتة:وهي لاتتحرك وتتصل في هذا النوع عظمتان أو أكثر بصورة كاملة ومثال هذا النوع مفاصل عظام الجمجمة وتسمى المفاصل الدرزية.

2 ـ المفاصل محدودة الحركة:وهي تتحرك بحركة خفيفة وفي اتجاهات معينة،ومثالها مفاصل العمود الفقري.

3 ـ المفاصل واسعة أو كاملة الحركة:وهي تتحرك بشكل واسع وفي اتجاهات متعددة وهي الأكثر انتشاراً.

6 ـ أيات متفرقة

1 ـ “بلى قادرين على أن نسوي بنانه”

يقول الله تعالى:{أيَحسبُ الإنسانُ ألّن نجمع عظامه*بلى قادرين على أن نُسوّي بنانه}[القيامة 3 ـ 4].

جاء في التفاسير وأسباب النزول:جاء أحد المشركين وقيل أنه العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل عظماً بالياً وقال: يامحمد إنك تزعم أن ربك يحيى الناس بعد موتهم،وفرك العظم بيديه فتفتت وتحول إلى نتف مبعثرة تذروها الرياح ونظر باستهزاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أيستطيع ربك أن يجمع هذا يوم القيامة؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”نعم يجمعها ويحييها ويدخلك جهنم”.فما لبث النبي صلى الله عليه وسلم طويلاً أن هبط الوحي الإلهي بهاتين الآيتين.

والبنان:هو طرف الإصبع،وتسوية الشىء:هي إتقانه وإحسان ودقة صنعه.

من الناحية التاريخية:

السؤال أين الإعجاز في الآيتين من سورة القيامة؟وخاصة عندما نتكلم عن تسوية الإصبع،وما هو الشىء المهم الذي يجب لفت الأنظار إليه في الإصبع؟

أول من اكتشف ظاهرة البصمة هم الصينيون منذ أكثر من 2000عام،حيث كان الأباطرة يوقعون على الوثائق المهمة ببصمات إبهامهم.

وفي عام 1823م اكتشف عالم التشريح التشيكي بوركينجي حقيقة الصمات ووجد أن الخطوط الدقيقة الموجودة في رؤوس الأصابع تختلف من شخص لآخر،ووجد ثلاثة أنواع من هذه الخطوط:أقواس  أو دوائر، أو عقد أو على شكل رابع يدعى المركبات،لتركيبها من أشكال متعددة.

وفي عام 1858م أشار العالم الانجليزي وليم هيرشل إلى اختلاف البصمات باختلاف أصحابها،مما يجعلها دليلاً مميزاً لكل شخص.

وفي عام 1877 ابتكر هنري فولدز طريقة تصوير البصمة على ورقة باستخدام حبر المطابع الاسود..

والعالم الانجليزي السير فرانسيس غالتون وضع في كتابه عام 1892م”بصمات الأصابع” والذي يعتبر مرجعاً أساسياً في علم البصمات واعتمدته الحكومة البريطانية(شرطة التحقيقان الشهيرة سكوتلانديار) عام 1901م بعد أن عدّله العالم ادوارد هنري.وذكر في الكتاب أنه لاتوجد بصمتا اصبعين متطابقتان.وأكد أن صورة البصمة لأي اصبع تبقى كما هي طوال حياته.

واعتمدت الارجنتين كأول دولة في العالم نظام علم البصمات كشاهد يقيني لكشف شخصية الإنسان عام 1891م،وإن كانت بريطانيا استعملت طريقة التعرف بالبصمات عام 1884م.

وبالتالي يمكن القول أن بصمة الإصبع علامة مميزة لكل شخص وقد أثبتها العالم وليم هرشلو،ويتم لاعتمادها في التعرف على هوية الشخص وعادة ما تكون بصمة الإبهام.

والبصمة كلمة تركية،يدل معناها على الطباعة،ويشابه معنى البصمة كلمة “دمغة” أو “طمغة” وهما أيضاً من منشأ تركي.

من الناحية الطبية:

تتكون البصمات في الشهر الثالث إلى الرابع من حياة الجنين،وتبقى مرتبطة به من المهد إلى اللحد،بل طالما بقيت الجثة بدون تفسخ،كما كشفعن ذلك في بعض الجثث التي حافظت على نفسها بعد التبريد أو التحنيط.(حيث وجد العلماء أن إحدى الكومياء المصرية المحنطة احتفظت ببصماتها واضحة)

ومن مزايا البصمات البشرية:أنها ثابتة وفردية بشكل مطلق،وأنها لاتتكرر من شخص لآخر،وحتى في حالات التوائم الحقيقية من بيضة واحدة،أو التوائم غير الحقيقية من بويضات مختلفة.وقد تتشابه التوائم الحقيقية لدرجة مدهشة وخاصة في الصفات الوراثية،والشكلية،ولكن مع هذا تختلف عن بعضها بالبصمات.

وإن بشرة الأصابع لدى الناس جميعاً مغطاة بخطوط على ثلاثة أنواع:أقواس،أو عراوي،لأو دوامات،أي دوائر متحدة المركز.وكذلك يوجد نوع رابع يشمل جميع الأشكال التي لم توصف في الثلاثة السابقة وتسمى المركبات،وهذه الخطوط لاتتغير مدى الحياة،وهي توجد في بشرة جلد الأصابع وكذلك في جلد راحتي اليدين وأخمص القدمين،ولا يمكن إحداث تغييرات بهذه البصمات إلا بإزالة الطبقة الجلدية.

ومن خلال بصمات الاصابع يمكن تحديد عمر الإنسان،والتمييز بين الرجل والمرأة،كما تدل على الحالة الصحية للشخص،ويمكن أحياناً معرفة المهنة أو الحرفة التي يمارسها صاحبها.

والآن يكشف تطابق البصمات بوضعها فوق ماسح الكتروني حساس للحرارة،فيقرأ التوقيع الحراري للإصبع ثم يقوم الماسح بصنع نموذج للبصمة ومضاهاتها بالبصمات المخزونة.

جاء في مقال نشر في الجمعية الأردنية لإعجاز القرآن والسنة للأستاذ حاتم البشتاوي:

“تعتبر بصمات الإنسان وهي تلك الخطوط البارزة التي تحاذيها خطوط غائرة منخفضة وتتخذ أشكالاً مختلفة على جلد أصابع وراحة اليدين من الداخل وعلى أصابع وباطن القدمين.وهذه الخطوط تترك طابعها على كل جسم تلمسه.وتتكون هذه الخطوط الحلمية مع الجنين في بطن أمه في الشهر الثالث والرابع من الحمل.

ويتناسب عدد البصمات عكسياً مع حجم الإنسان ونموه.وقد تمكن العلماء من معرفة عدد الخطوط التي توجد في نصف سم مربع من بنان إحدى أصابع اليد فوجدوا أن عددها عند الأطفال وحتى سن الثامنة حوالي 15 ـ 18 خطاً.وعند الأشخاص البالغين 6 ـ 9 خطوط.

وتعتبر بصمات الإنسان أقوى دليل على شخصيته التي لايشابهه فيها إنسان آخر مطلقاً.ولقد أثبت العلماء أن لكل إنسان رسوماً وخطوطاً في بنانه تختلف عن الآخر من بني البشر،والصمات تنطق باسم صاحبها.وكذلك تبين البصمات كلاً من معرفة الحرفة والحالة الصحية وتحديد نوع الشخص فيما إذا كان ذكراً أو انثى.

وفي عام 1892م أثبت فرنسيس جالتون أن صورة البصمة لأي اصبع تعيش مع صاحبها طوال حياته فلا تتغير،وأثبت أنه لايوجد شخصان في العالم كله لديهما نفس الرسوم الدقيقة على الإبهام.

أما البصمة الوراثية:

فهي تعتمد على الكشف عن هوية الاشخاص من خلال فحص حمضDNA،والتي يتم من خلال خلايا البدن وخاصة من الأشعار أو الدم أو السائل المنوي أو سائل العرق…وهي واسطة دقيقة وهامة في تحديد هوية الشخص وهذا أمر هام في علم الجنائيات وتحديد الأب في حالات بعض الولادات…

وأصبحت تكنولوجيا “الدنا” أحد الأدلة الرئيسية في علم الطب الشرعي الذي يعتمد حالياً على لغة الجينات”المورثات”.وبات جزىء”الدنا” كبنك معلومات جينية عن أسلافنا وأصولهم حيث يعطينا هذه المعلومات كمعطيات سهلة وميسرة وبسرعة.

وفي عام 1984م ظهر التقدم في فحص جزىء”الدنا” في دماء الأشخاص والتعرف من خلاله على الأفراد.

وتعتبر بصمة”الدنا” أداة قوية ودامغة للتعرف من خلالها على هوية الاشخاص والمجرمين والمشتبه بهم.

وأما من الناحية الشرعية الفقهية:

جاء في مقال نشره الأستاذ الدكتور محمد الهواري رحمه الله في مجلة الرائد الأمانية العدد334 مايلي:

“عقد المجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة دورته السادسة عشرة في الفترة مابين 21 ـ 26 شوال 1422هجري الموافق 5 ـ 10 كانون الثاني عام 2002م .

وجاء في القرار السابع فيما يختص بالبصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها مايلي:

“نظر المجلس في التعريف الذي سبق للمجمع اعتماده في دورته الخامسة عشرة،ونصه:”البصمة الوراثية هي البُنية الجينية”نسبة إلى الجينات” أي “المورثات” التي تدل على هوية كل إنسان بعينه،وأفادت البحوث والدراسات العلمية أنها من الناحية العلمية وسيلة تمتاز بالدقة،لتسهيل مهمة الطب الشرعي،ويمكن أخذها من أي خلية”بشرية”من الدم،أو اللعاب،أو المني،أو البول،أو غيره”.

وبعد الإطلاع على مااشتمل عليه تقرير اللجنة التي كلفها المجمع في الدورة الخامسة عشرة بإعداده من خلال إجراء دراسة ميدانية مستفيضة للبصمة الوراثية،والإطلاع على البحوث التي قدمت في الموضوع من الفقهاء والأطباء والخبراء،والاستماع إلى المناقشات التي دارت حوله،تبين من ذلك كله أن نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما،وفي إسناد العينة(من الدم أو المني أو اللعاب) التي توجد في مسرح الحادث إلى صاحبها،فهي أقوى بكثير من القيافة العادية(التي هي إثبات النسب بوجود الشبه الجسماني بين الاصل والفرع)،وأن الخطأ في البصمة الوراثية ليس وارداً من حيث هي،وإنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث أو نحو ذلك،وبناء على ما سبق قرر ما يأتي:

أولاً:لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر(ادرؤوا الحدود بالشبهات)،وذلك بتحقيق العدالة والامن للمجتمع،ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم،وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.

ثانياً:إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لابد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية،ولذلك لابد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.

ثالثاُ:لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب،ولا يجوز تقديمها على اللعان.

رابعاً:لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً،ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض العقوبات الزاجرة،لأن في ذلكالمنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم.

خامساً:يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:

1 ـ حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء،سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها،لأم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.

2 ـ حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها،وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.

3 ـ حالات ضياع الأطفال واختلاطهم،بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب،وتعذر معرفة أهلهم،أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها،أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.

سادساً:لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس، أو لشعب،أو لفرد،لاي غرض،كما لا تجوز هبتها لأي جهة،لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد.

سابعاً:يوصي المجمع بما يأتي:

ـ أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء،وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة،وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص،لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى.

ـ تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة،يشترك فيها المتخصصون الشرعيون،والأطباء،والإداريون،وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية،واعتماد نتائجها.

ـ أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش،ومنع التلوث وكل مايتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية،حتى تكون النتائج مطابقة للواقع،وأن يتم التأكد من دقة المختبرات،وأن يكون عدد الموروثات(الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضرورياً دفعاً للشك”.

وأما بصمة العرق:

أمكن تحليل عرق الأشخاص بواسطة التحليل الطيفي للتعلرف على عناصره.لأن العرق اكتشف أن لكل شخص بصمة عرق خاصة به تميزه.ويعتبر رائحة العرق أحد الشواهد في مكان الجريمة لهذا تستخدم الكلاب البوليسية في شمها للتعرف على المجرم من رائحته.

وأما بصمة الشعر:

يعتبر الشعر من الأدلة القوية ولاسيما أنه لايتعرض للتلف مع الوقت.فيمكن من خلاله التعرف على هوية الضحية أو المجرم.وقد أخذ دليل بصمة الشعر أمام المحاكم عام 1950م.

بصمة القرنية:

بصمة قزحية العين التي هي في الوقت الحاضر من أفضل الطرق الأمنية للتأكد من هوية الأشخاص حيث أنها تعتبر الأسهل تطبيقاً على الأشخاص من بين نوع البصمات الأخرى،وذلك لعدم علم أو حتى شعور الشخص أنه يتم قراءة بصمة عينه بواسطة كاميرات الفيديو ذات الدقة العالية التي تستخدم لقراءة البصمة.

اكتشف العلماء في البدء بصمة الاصابع،ومن بعدها بصمة الصوت،وثبت أيضاً أنها لاتتكررمن شخص لآخر،وأحدث بصمة توصل إليها العلماء هي بصمة العين.فهي تختلف من شخص لآخر،كما أن بصمة العين اليمنى تختلف عن بصمة العين اليسرى للشخص الواحد.

وقد أمكن تكبير بصمة العين بأجهزة خاصة 300 مرة،ووجد أن لكل عين بصمة أمامية وبصمة خلفية،وبهما تحدد هوية الشخص، ويستحيل التزوير في شخصيته،وبصمة العين موجودة في شبكية العين،وقد وجد العلماء أن مسار الأوعية الدموية يختلف من شخص لآخر،في شكلها ومكانها وتفرعاتها.حتى يوجد الاختلاف بين العين اليمنى واليسرى للشخص الواحد.وكذلك فإن القزحية وهي الجزء الملون في العين وتتحكم في كمية الضوء النافذة من خلال إنسان العين(البؤبؤ) تتركب من نسيجين عضليين،وتجمعات من ألياف مرنة،وتتكون هذه الالياف بشكلها النهائي في الجنين وهو في بطن أمه،ولاتتغير أبداً بعد الولادة،فبهذا أصبحت بصمة العين دليلاً قاطعاً لتحديد صاحبها.

2 ـ “كثرة الضحك تميت القلب”

جاء في الحديث النبوي الشريف:“لا تُكثروا الضحك،فإنَّ كثرة الضحكِ تُميتُ القلب“[أخرجه ابن ماجه عن أبو هريرة رضي الله عنه وقال الألباني: حديث صحيح].

وجاء في الحديث النبوي:“يا أبا هريرة! كُن ورعاً تكن من أعبد الناس،وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس،وأحبَّ للمسلمينَ والمؤمنينَ ما تُحبُّ لنفسك وأهلِ بيتك،واكره لهم ما تكرهُ لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمناً،وجاور من جاورتَ بإحسانٍ تكن مسلماً،وإياكَ وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك فسادُ القلب“[أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الألباني: حديث صحيح].

من الناحية الدينية:

يقول الأستاذ ناجي الطنطاوي رحمه الله في كتابه”كلمات نافعة”:

“الضحك والبكاء غريزتان في الإنسان خصَّ الله سبحانه بهما الإنسان دون سائر المخلوقات،فهو إذا فرح ضحك وإذا حزن بكى،قال تعالى:{وإنّهُ هوَ أضحكَ وأبكى وأنّهُ هو أماتَ وأحيا}،أي إنه فطر الإنسان وقدّلا له الاسباب التييضحك ويبكي لأجلها،فالضحك مطلوب في بعض حالات السرور ولكن القهقهة وهي المبالغة في الضحك مذمومة،وكثيراً مانرى الناس في مجالسهم ومنتدياتهم وسهراتهم يذكر أحدهم القصة الطريفة أو يلقي النكتة المستحبة فتنفجر لها أفواه الحاضرين بالضحك الكثير والقهقهة بالأصوات المرتفعة المنكرة التي تشمئز منها نفوس العقلاء وتنفر منها أفئدة الفضلاء.

وللقهقهة مساوىء كثيرة ومنها أن كرام الناس يأنفون منها ويتجنبونها ويعدونها نقصاً في المروءة وشيناً للكرامة ويذمون صاحبها،ومنها أن السفهاء والجهال إذا رأوا صاحبها اجترؤوا عليه لأن احترامهم إياه ينقص أو يزول من نفوسهم،ومنها أن صاحبها إن كان جاهلاً ازداد جهله وإن كان عالماً انحطت منزلته وضعف قدره ونقص علمه،ومنها أن هذا النوع من الضحك يحجب عن صاحبه عيوبه ونقائصه وينسيه ذنوبه الماضية فلم يعد يبالي بالندم عليها والتوبة منها،وقد يؤدي به ذلك إلى الإقدام على ارتكاب ذنوب جديدة لأن الضحك يحجب عن قلبه مراقبة الله والمخافة من عقابه،ومنها التوقف عن ذكر الموت والاستعداد له لأن الضحك ضرب من اللهو الذي ينافي الخشوع،ومنها أنه يكتب على الضاحك وزره ووزر من ضحك معه لانه المتسبب بذلك.

وأخيراً فإنّ كثرة الضحك تميت القلب وتعقب بكاءً طويلاً في الآخرة.

قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟قال: نعم،والإيمان والله أثبتفي قلوبهم من الجبال الرواسي.وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:”والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصعدات ـ أي إلى الطرق ـ تجأرون إلى الله تعالى”.

وسئل طاهر المقدسي:أتضحك الملائكة؟ فقال: ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم.

وعلى المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد كان أكثر ضحكه التبسم،وكان أحياناً يضحك أعلى من التبسم بقليل وكان نهاية ضحكهأن تبدو نواجذه،وكان يضحك مما يُضحك منه ومما يُتعجب من مثله ويُستغرب وقوعه كما ذكر ابن القيم رحمه الله”.

من الناحية الغريزية:

وجاء في مقال للدكتورة هدى جلال محمد عبد الوهاب:

“ظاهرة الضحك آية من آيات الله،فقد قال تبارك وتعالى:{وأنه هو أضحكَ وأبكى} أي أن الضحك والبكاء من الله تعالى،فإذا نظرنا إلى الدنيا كلها نجد أن الضحك والبكاء موجودان بين البشر على اختلاف لغاتهم وأجناسهم وجنسياتهم،إلا أن هناك قوانين تحكم فعل الضحك وفعل البكاء.

ويعتبر الضحك من الانفعالات الفطرية النفسية ينجم عنها فوائد فسيولوجية ونفسية للإنسان،فالضحك لغة إنسانية يولد بها القرد،فنحن نتعلم كيف نتكلم ولكننا لا نتعلم كيف نضحك،فالضحك أمر يبدأ دون وعي،وينطلق طبيعياً نتيجة لمسبب ما،ليرتقي إلى مستوى العقل والدماغ،ويضحك الإنسان بمفرده أقل مما يكون في جماعة،والضحك كبصمة اليد شىء خاص بكل فرد إذ من الصعب جداً إيجاد ضحكتين متشابهتين.

وهو سلوك بشري يتحكم فيه وينتجه المخ.

وعلى الرغم من فوائد الضحك الجمة وخاصة للقلب،إلا أنه على الوجه الآخر فإن كثرته تسبب مشاكل صحية خطيرة كالسكتة الدماغية وأزمات القلب وغيرها.

واتفق الجميع على أن سلوك وفعل الضحك سلاح ذو حدين فإذا اعتدل وتوسط كان علاجاً فاعلاً لكثير من الأمراض ووقاية للصحة وخاصة من أمراض القلب.وإذا زاد وكثر عن الحدود انقلب ليصبح أحد مسببات الكثير من الأمراض الضارة للصحة وخاصة الأثر الأكيد على صحة القلب.

من الناحية الطبية:

الضحك:من أشكال التعبير الصريح عن التسلية والمرح ومشاعر أخرى أحياناً.وهو رد فعل طبيعي للإنسان السليم على المواقف المضحكة كما يمكن أن يكون وسيلة دفاع ضد مواقف الخوف العفوية.

عندما يضحك الإنسان تتحرك 17 عضلة في الوجه و80 عضلة في الجسم بأكمله وتزداد سرعة التنفس.

وأما القهقهة فهي الضحك بصوت مرتفع وعادة ماتكون في جميع الناس كرد فعل على دعابة.وقد تنشأ نتيجة السكر بعد شرب الكحوليات.

جاء في مقال للدكتورة هدى جلال محمد عبد الوهاب:

“أظهرت البحوث العلمية الحديثة أن أجزاء المخ التي لها دور كبير في عملية الضحك هي Hippocampusو Amygdala،وفسيولوجيا الأعصاب الحديثة تربط الضحك بتنشيط القشرة الأمامية الوسطى للدماغ،والتي تفرز مادة “الإندروفين” بعد أي نشاط يشعر فيه الإنسان بالمكافأة،كما بعد تناول وجبة لذيذة،وكممارسة النشاط الشديد،أو بعد فهم نكتة قوية.وبينت الدراسات أن مركز الضحك بالمخ غير محدد بدقة،إلا أنه يعتمد التعبير عنه على مسارات عصبية متصلة بالدماغ المتوسط والخلفي القريبة من مراكز التنفس،أي أن تلك التأثيرات تظهر نتيجة عملية تنشيط الدماغ لفترة وجيزة،ولكن مع زيادة الإثارة المتكرر يحدث تثبيط لإفراز مادة الإندروفين” من أجزاء المخ كنوع من عملية التلقيم الراجع مما له التأثير غير المباشر على عضلة القلب،مما يسبب نوعاً من الضيق يشعر به الفرد بعد كثرة الضحك…وقد ينتهي بحالات مؤقتة من الاكتئاب.

كما أثبتت الدراسات الحديثة أن استمرار تنشيط خلايا الدماغ يسبب تلفها على المدى البعيد بسبب الإثارة المتكررة والمستمرة.كما أن هذه الخلايا المستثارة تفرز مواداً كيميائية كالإيبنفرين والأدرنالين والنور أدرنالين وهذه لها تأثير مباشر على عضلة القلب والأوعية الدموية.

وأظهرت الدراسات أن كثرة الضحك هي أحد أشكال الضغوط العقلية المستمرة والتي تسبب خللاً في البطانة الوعائية الدموية وخاصة المغذية لعضلة القلب،وبمجرد أن تتأثر هذه البطانة ينجم عنها عدد من ردود الفعل والتي تزيد من تراكم الكولسترول في الشرايين التاجية القلبية والتي تؤهب لحدوث الأزمات القلبية.

ويعتبر الباحثون بأن كثرة الضحك تمثل نوعاً من الضغط النفسي على الجسم مما ينجم عنه إثارة هرمون الكورتيزون والذي قد ينجم عنه إصابات قلبية وارتفاع ضغط الدم.

ويبين العلم الحديث أن كثرة الضحك بالإضافة أنها تساعد على حدوث الأزمات القلبية،ولكنها قد ترتبط أيضاً ببعض الأمراض الخطيرة العضوية والنفسية ومنها حالات الفشل الكبدي وحالات الاكتئاب وحالات الهستريا وبعض حالات الفصام”.

ومن ناحية أخرى فإن كثرة الضحك قد تكون ذات تأثير سلبي وخطير على مرضى الربو،حيث أنه يسبب زيادة التشنج القصبي والإصابة بنوبة الربو التي قد تكون خطيرة ومميتة.

3 ـ “لعن الله الواشمات والمستوشمات”

جاء في الحديث الشريف:”لعن الله الواشمات والمُستوشمات،والمتنمصات،والمتفلجات للحسن،المغيرات خلقَ الله مالي لا ألعن من لعنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهو في كتاب الله“[أخرجه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه].

الواشمة:هي فاعلة الوشم.

المستوشمة:هي التي تطلب الوشم.

المتفلجات:يقول الإمام النووي:”المراد مفلجات الأسنان بأن تبرد مابين أسنانها الثنايا والرباعيات.وهو من الفَلج وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات.وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهاراً للصغر وحسن الأسنان،لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الاسنان تكون للبنات الصغار.

النمص:إزالة شعر الحاجب.

من الناحية التاريخية:

الوشم موجود منذ عدة قرون في جميع أنحاء العالم.ولقد عثر على مومياء”أوتزي” والتي تعود إلى العصر النحاسي أي قبل 3400 قبل الميلاد وذلك في جبال الألب وعليها مايقرب من 57 وشم كربوني.وكان الجرمانيون قبل المسيحية وقبائل وسط وشمال أوروبا يوشمون بشكل كبير.

و وجد أن “الأينو” وهم السكان الاصليين لليابان،كانوا يقومون بوشم الوجوه كنوع من العادات والتقاليد.

وفي الوقت الحالي فإن الوشم متداول عند الامازيغ وسكان شمال أفريقيا،وفي نيوزيلندا،وكذلك لدى قبائل الهوسا في شمال نيجيريا،وعند العرب في شرق تركيا،والبدو في بعض البلدان العربية.وعند الأتايل في تايوان.

ومن ثم انتشرت ظاهرة الوشم في أوساط الشباب والكهول ليس في بلاد الغرب فحسب،بل انتقلت عدواها إلى المجتمعات الإسلامية،وذلك بسبب التقليد الأعمى،مع أن الوشم قد يترافق مع اضطرابات صحية متعددة وقد تكون خطيرة أحيانا،وأن الوشم وإن كان يظن البعض أنه من وسائل الزينة فإنه لا يعتبر زينة على الإطلاق،وليس له علاقة بالجمال فإنه لايعتبر وسيلة جمال أو تجميل.

والوشم:هو وضع علامة ثابتة في الجسم(رسم خطوط أو صور وكتابات)،وذلك بغرز الجلد بالإبرة ثم وضع الصبغ وذر المواد الملونة، عن طريق هذه الفتحات والجروح ليبقى داخل الجلد ولا يزول الوشم بعد ذلك.فالوشم:هو شكل من أشكال التعديل الجسدي والزخرفة،وهو أكثر استعمالاً عند الحيوان لاغراض تحديد الهوية أو المالك لهذا الحيوان.

وقديماً ارتبطت ظاهرة الوشم منذ مئات السنين بأفراد العصابات والقراصنة،ومن ثم انتقلت إلى بعض الفنانين المهووسين ،والذين عن طريقهم وتقليدهم انتشرت إلى الشباب من الجنسين ثم عمت كامل طبقات المجتمع.

وبينت الدراسات أن الشباب الموشومين هم أكثر الناس عرضة لأنماط سلوكية خطيرة،وخاصة مايترافق ذلك مع الإدمان على التدخين والخمر والمخدرات،والدخول في علاقات جنسية محرمة وشاذة…

من الناحية الدينية:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إن الله جميل يحب الجمال”[ جزء من حديث شريف أخرجه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]]،ولكن إذا أصبح هذا التزيين تغييراً للشكل والخلقة التي خلقها الله تعالى فإن الأمر يصبح محرماً وكبيرة من الكبائر،وإذا كان الإسلام قد رخص التزين والتجمل للرجال والنساء فإنه قد رخص للنساء ما لم يرخص للرجال فحرم عليهم لبس الحرير والتحلي بالذهب.

وقد حرم الإسلام بعض أشكال الزينة مثل الوصل والوشم والنمص وغير ذلك،لما فيها من الخروج على الفطرة والتغيير لخلق الله والتدليس والإيهام وغير ذلك.

كما أن الوشم تغيير لخلق الله ومن يفعله يكون قد اتبع الشيطان عندما قال:{ولأمرنَّهم فليغيرُنَّ خلق الله}[النساء 119].فهو من عمل الشيطان ،والرسول صلى الله عليه وسلم يذكر علة التحريم في الحديث:”المغيرات لخلق الله”.

يقول الدكتور زغلول النجار حفظه الله:

“وهذا النص الكريم هو من نصوص الإعجاز التنبؤي للقرآن العظيم والذي تنبأ قبل ألف وأربعمائة سنة بأن الشيطان سوف يزيغ قلوب عدد من بني آدم عن طاعة الله،وسوف يلقي في عقولهم وصدورهم الأماني الباطلة الميسرة لمعصية الله،وذلك بمحاولات العبث بخلقه أملاً في تغييره،وقد فسر ذلك في القديم بمحاولات خصي بعض بني الإنسان المستعبدين،ومحاولات خصي العديد من الحيوان،أو استخدام الوشم،أو العلامات المختلفة في الوجه.وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوشم خاصة في الوجه،كذلك فُسّرت محاولات الشيطان بالإيعاز إلى بعض بني الإنسان بتغيير خلق الله بأنها تغيير لدين الله استناداً إلى الحديث الشريف الذي يقول فيه المصطفى صلوات الله عليه وسلم:”قال الله عز وجل:”إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم(أي: صرفتهم عنه)وحرمت عليهمى ما أحللت لهم”[أخرجه مسلم]”.

كما أن هذا الوشم يشاهد في جميع أنحاء الجسم وهذا يدل على كشف العورات وفضح للسرائر والأجسام عند نقش هذه الوشوم،وغالباً ماتشاهد هذه الوشوم في نواحي الصدر أو الظهر أو أعلى الفخذين…

وفي الوشم تقليد النصارى من أهل الغرب وهذا التقليد محرم شرعاً لأنه لايجوز التشبه بالكفار والفاسقين وهو نوع من التبعية العمياء المذمومة.

(ملاحظة: الوشم محرم في اليهودية)

من الناحية الطبية:

حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400سنة الوشم،وجاءت الأبحاث العلمية تؤكد على ضرر الوشم،وتبين أن له علاقة مع سرطان الجلد،وذلك بسبب أن الوشم يتم بحقن مواد كيميائية ضارة داخل الجلد،وهذه المواد يصعب التخلص منها.وتبين الدراسات أن غالبية المواد الكيميائية المستخدمة في الوشم هي صبغات صناعية صنعت في ااصل لأغراض أخرى،مثل طلاء السيارات أو أحبار الكتابة..

وحالياً يوجد عدد غير محدود من الالأوان والظلال من أجل الوشم،وهي تنتج بكميات كبيرة وتباع في المحلات التجارية،وأهم المواد والاصبغة المستعملة هي المواد غير العضوية مثل ثاني أوكسيد التيتانيوم وأوكسيد الحديد،إضافة إلى هباب الفحم ومركبات الأزو والأكريدين والكوينولين والفثالوسين ومشتقات النفثول والأصباغ المصنوعة من الرماد ومخاليط أخرى.وتستخدم أصباغ أوكسيد الحديد إلى حد كبير في الوشم التجميلي.

وفقاً لمجلة شتيرن الألمانية “فإن الوشم يتسبب عادة بجروح قد تصبح ملوثة،وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن يتسبب في نقل فيروسات معدية إلى الموشوم مثل التهاب الكبد وفيروس الإيدز.وخاصة إذا لم يتم التقيد بشكل صارم بالقواعد الصحية.كما أن الأحبار والأصباغ المستخدمة تعد من مسببات السرطان.وكذلك فغن التوشيم باعتباره يخترق حاجز الجلد المناعي فإنه يحمل مخاطر صحية بما في ذلك العدوى والحساسية.وكذلك تبين أنه في حالات الوشم بأدوات غير معقمة جيداً يمكن أن تنتقل بعض الفيروسات والجراثيم ومنها فيروس العقبول البسيط ،والكزاز،والمكورات العنقودية،وبعض الإصابات الفطرية.كما تبين الدراسات حدوث حالات تحسسية بسبب أحبار الوشم،وخصوصاً من بعض الألوان المحددة،وقد وثقت طبياً.وهذه الحساسية قد تحدث بوجود النيكل الموجود في بعض الأصباغ،وهو معدن يسبب التحسس الموضعي بشكل عام”.انتهى كلام الشتيرن.

كما أن الجسم قد يفرز أجساماً مضادة ليهاجم المادة الغريبة المحقونة في الجلد،وهذا يسبب تفاعلات التهابية موضعية مزمنة مما قد يؤدي لحدوث تشوهات في مكان الوشم.

كما أنه يصعب إزالة الوشم لكونه في عمق الطبقة الجلدية واستئصاله يحتاج لعدة جلسات معالجة بالليزر والتي قد تترك ندبات في الجلد.

وقد تبين أن حوالي 12% من الموشومين يقررون إزالة الوشم،وتجرى 14 ؤألف عملية لإزالة الوشم في أمريكا سنوياً.

ويعتبر الوشم دائم،ولكن من الممكن إزالته بواسطة الليزر،كلياً أو جزئياً،والنفقات والألم المصاحب لإزالة الوشم تكون عادة أكبر من النفقات والألم المصاحب لعملية التوشيم.

4 ـ التطيب بالمسك والسدر

أولاً المسك:

قال تعالى في كتابه العزيز:{ختامهُ مسك}[المطففين 26].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”حُبِّبَ إليَّ من دنياكم،النساءُ والطِّيبُ ،وجُعلَت قرَّةُ عيني في الصلاة”[رواه أحمد والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو حديث صحيح].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”من عُرِضَ عليه طيبٌ فلا يرُدُّه، فإنه طيبُ الريح، خفيفُ المَحمل”[رواه مسلم والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة رضي الل ].

(ولقد بلغ من حب النبي صلى الله عليه وسلم للطيب أنه كان إذا أهدي طيباً قبله ولم يرده،بل نهى عن رده).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسك:”هو أطيب الطيب“[رواه   النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقال الألباني:حديث صحيح].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنّ هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين،فمن جاء إلى الجمعة فليغتسل، ،وإن كان  طيبٌ  فليمسَّ منه،وعليكم بالسواك”[حديث صحيح كما قال الألباني عن عبيد بن السباق وابن عباس رضي الله عنهم]

وعن عائشة رضي الله عنها قالت:”كأني أنظرُ إلى وبيص الطِّيب(أي لمعانه) في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُحرم”[البخاري].

وهذا يدل على أن التطيب يكون غالباً في الرأس واللحية.

وروى مسلم عن نافع قال:”كان ابن عمر إذا استجمر استجمرَ بالألوة غيرَ مُطَرّاةٍ وبكافورٍ يطرحه مع الألوة ثم قال هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم”.

وقال صلى الله عليه وسلم:”لَخُلوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك”.[جزء من حديث شريف أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وجاء في الحديث الشريف الصحيح:“أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على ضوء أشدِّ كوكب دُرّي في السماء إضاءةً لايبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة أزواجهم الحور العين أخلاقهم على خلق رجلٍ واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً”[أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني].

وجاء في الحديث الشريف الصحيح:”مامن مجروحٍ يُجرح في سبيل الله،والله أعلم بمن يُجرح في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه كهيئته يوم جرح،اللون لونُ دمٍ،والريحُ ريحُ مسكٍ”[أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني]

من الناحية التاريخية:

المسك:هو طيب وعطر من مصدر حيواني.يتكون المسك في غدة كيسية في بطن نوع من الظباء يسمى غزال المسك وتوجد هذه الغدة في الذكر ولاتوجد غدة المسك في الإناث.

عرف عرب الجزيرة مهنة تركيب العطور وتجارتها منذ ما قبل الإسلام،وقد حظيت باهتمام تجار قريش فكانت العطور من السلع التجارية التي تحملها قوافلهم.وكان المسك من بين العطور المتداولة والمشهورة عند العرب إلى جانب العنبر والعود والصندل.واشتهر عندهم نوع من المسك يجلب من مدينة دارين في بلاد البحرين التاريخية.وهو مسك هندي يجلبه التجار إلى ميناء هذه المدينة ويحمل منها إلى أنحاء مختلفة من الجزيرة العربية.كما اشتهر المسك الذي يجلب إلى بلاد العرب من الصين التبت والهند.ويعد المسك الذي يجلب من التبت أفضل هذه الأنواع لأن مراعي الظبي فيها أطيب من غيرها.

من الناحية الدينية:

كان النبي صلى الله عليه وسلم أطيب الناس ريحاً من غير تطيب،وإن تطيب يُشم طيبه من بعيد،ويلمس أثره من قريب،وكان طيبه يفوح شذاه،وينتشر عبقه،فكان من يجالسه ينشرح له وكأنه في روضة فيحاء،وإذا مسّ أحدهم ثوبه أو جسده،فإنه يجد لديه ريحاً طيباً من أثر اللمس،قال رأنس رضي الله عنه:”ما شممت شيئاً قط،مسكاً ولا عنبراً،أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولا مسست شيئاً قط حريراً ولا ديباجاً،ألين مسّا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد:

“ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:”حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة”.وكان صلى الله عليه وسلم يكثر التطيب،وتشتد عليه الرائحة الكريهة وتشق عليه.

والطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى،تتضاعف وتزيد بالطيب،كما تزيد بالغذاء والشراب والدعة والسرور ومعاشرة الأحبة وحدوث الأمور المحبوبة.

والمقصود أن الطيب كان من أحب الأشياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،وله تأثير في حفظ الصحة ودفع كثير من الآلام وأسبابها بسبب قوة الطبيعة به”.

وقال ابن القيم رحمه الله:

“لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح،والروح مطية القوى،والقوى تزداد بالطيب،وهو ينفع الدماغ والقلب،وسائر الأعضاء الباطنية،ويفرح القلب،ويسر النفس،ويبسط الروح،وهو أصدق شىء للروح،وأشده ملاءمة لها،وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة،وكان أحد الأشياء المحبوبة من الدنيا إلى أطيب الطيبين صلوات الله عليه وسلم.وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه والشياطين تنفر عنه،وأحب شىء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة،فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة،والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة،وكل روح تميل إلى مايناسبها،فالخبيثات للخبيثين،والخبيثون للخبيثات،والطيبات للطيبين،والطيبون للطيبات،وهذا وإن كان في النساء والرجال،فإنه يتناول الأعمال والأقوال والمطاعم والمشارب والملابس والروائح،إما بعموم لفظه،أو بعموم معناه”(زاد المعاد).

وقال الإمام النووي رحمه الله:”ويتأكد استحبابه للرجال يوم الجمعة والعيد،عند حضور مجامع المسلمين،ومجالس الذكر والعلم،وعند إرادته معاشرة زوجته ونحو ذلك”.

وقال الإمام النووي رحمه الله:”الاستجمار هو استعمال الطيب والتبخر به مأخوذ من المِجمر،وهو البخور.وأما الألوة فقيل أنها العود يتبخر به.والمقصود أن تفوح من المتطيب الرائحة الطيبة،وتذهب عنه الرائحة الكريهة.

والاستجمار بأنواع العود والبخور من السنة أيضاً،ويكون على الثياب وتحت الإبط واللحية.

من الناحية الطبية:

يعتبر المسك من أجود أنواع الأطياب.يحتوي على زيت طيار والمركب الرئيسي الذي تعزى إليه الرائحة المميزة للمسك هو مادة المسكونMuskone،كما يحتوي على هرمونات استيرولية وأهمها المسكوبيريدين .ويمكن الحصول على المسك من مصدرين:

1 ـ المسك الحيواني:ويحصل عليه من بعض الحيوانات مثل غزال المسك،حيث يتكون المسك في غدة كيسية في بطن الذكر،تُفصل الغدة ثم تجفف بعد قتله أو يتم جمعه من على الصخور بعد أن يقوم الغزال بحكه عليها بدون صيده ويسمى الكيس الجلدي بما فيه من مسك”فأرة المسك”.

وأما ثور المسك فيوجد في دم الثيران ذكوراً وإناثاً.

جاء في الويكيبيديا:

“يعتبر المسك مقوياً للقلب نافعاً للخفقان،والأرياح الغليظة في الأمعاء وسمومها،ويستعمل في الأدوية المقوية للعين ويجلو بياضها الرقيق وينشف رطوبتها ويزيل من الرياح.وهو منشط للباءة،وينفع من العلل الباردة في الرأس.إضافة إلى أنه ينفع للزكام ويعد من أفضل الترياقات لنهش الأفاعي.

والمسك يساهم في التخفيف من رائحة العرق،ويقلل من تهيج البشرة والحكة المرافقة لها.كما أنه يساعد في تطهير الجروح،ويستخدم لتحضير الكثير من مستحضرات التجميل والعطور.ويقلل من ظهور التجاعيد في البشرة.ويقال أنه يزيد مناعة الجسم والوقاية من نزلات البرد والانفلونزا.ويقلل من آلام المعدة.

وجاء في مقال للدكتورة منال جلال محمد عبد الوهاب:

“التطيب بالمسك يوفر توازن الجسم ويقي من الأمراض،ويحفظ الصحة،لغنى المسك بهرمونات الجنس،وقد ثبت أن نقص هرمونات الجنس خاصة مع تقدم العمر يسبب الأمراض مثل هشاشة العظام وأمراض القلب،وسرطان البروستات،وسرطان الثدي،وأمراض تآكل أعصاب المخ وداء الزهايمر.

ويحدث مرض الزهايمر نتيجة تكون مواد مسممة وقاتلة لأعصاب الدماغ نتيجة تكون المادة  النشوانية(الأميلويد).

وتؤكد الأبحاث الحديثة فعالية هرمونات الجنس للعلاج والوقاية من مرض الزهايمر ومرض باركنسون،والسكتة الدماغية،واضطراب الإدراك عند الرجال والنساء وتتوفر تلك الهرمونات في المسك الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم ردّه.وكان له سكة يتطيب منها وأوصى بمس الطيب إن وجد كل اسبوع مع الغسل.

2 ـ السدر:

هي شجرة تنبت في الجبال والرمال.حلوة المذاق ،عميقة الجذور،يصل ارتفاعها إلى أكثر من اثنى عشر متراً.وللسدر نوعان:

1 ـ السدر الغبري:وينبت على الأنهار وأشواكه قليلة.

2 ـ السدر الضال:ينبت في البراري وذو أشواك كثيرة.

يحتوي السدر على العديد من المركبات ومنها الفلافونيدات،وعديدات الهضميد،ومادة الصابونين،وسكاكر اللاكتوز والغالاكتوز والغلوكوز،وعلى الجليكوسيدات،وبعض الفيتامينات وخاصة AوC.

من الناحية الدينية:

ورد ذكر السدر في القرآن الكريم في أربعة آيات،فهي من أشجار الجنة التي يتفيأ في ظلها أهل اليمين.قال تعالى:”{وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين*في سدرٍ مخضود*وطلحٍ منضود*وظلٍ ممدود}[الواقعة27 ـ 30].

وقال تعالى:{لقد كان لسبأ في مسكنهم آيةٌ جنتان عن يمين وشمالٍ كلوا من رزق ربكم واشكروا لهُ بلدةٌ طيبةٌ وربٌّ غفورٌ*فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيلً العَرِمِ وبدلناهم بجنتيهم جنتينِ ذواتي أُكلٍ خَمْطٍ وأثلٍ وشىءٍ من سِدرٍ قليل}[سبأ 15 ـ 16].

وقال تعالى:{عندَ سِدرةِ المنتهى*عندها جنّةُ المأوى*إذ يغشى السدرة ما يغشى}[النجم 14 ـ 16].

وقال المفسرون:السدر هو شجرة النبق،والمخضود:أي الذي قطع شوكه ويستظل به،فجعل ذلك مثلاً لظل الجنة ونعيمها،وعن ابن عباس رضي الله عنهما:المخضود:الوقر بالثمر والذي لا شوك فيه.

وفي السنة النبوية:

وفي جزء من حديث المعراج:“ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى،ونبقها مثل قلال هجر،وورقها كآذان الفيلة،تكاد الورقة تغطى هذه الأمة،فغشيها ألوانٌ لا أدري ماهي؟”[صحيح الجامع عن عبد الله بن عباس وأبو حية البدري رضي الله عنهم].

وفي الحديث الشريف الصحيح:”أن رجلاً كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحرماً،فوقصته ناقته فمات،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اغسلوه بماءٍ وسِدرٍ،وكفنوه في ثوبيه،ولا تمسوه بطيبٍ،ولا تُخمروا رأسه،فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبداً”.

وعن أم قيس بنت محصن سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب قال: حُكيه بضلعٍ،واغسليه بماءٍ وسدرٍ”[صحيح أبو داود وصححه الألباني].

وفي حديث آخر:”دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته أم كلثوم فقال:اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً فإذا فرغتن فآذنني فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال: أشعرنها إياه”[حديث صحيح في شرح فتح القدير عن أم عطية نسيبة بنت كعب].

5ـ التداعي بالسهر والحمى:

الحمى:

من الناحية الدينية:

جاء في الحديث الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الحُمّى من فيحِ جهنّمْ ،فأبردوها بالماء “. [متفق عليه].

وفي حديث آخر عن التابعي أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي:كنت أجالس ابن عباس بمكة،فأخذتني الحمى،فقال: أبرِدها عنك بماء زمزم،فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”الحمى من فيح جهنّم فأبردوها بالماء.أو قال: بماء زمزم .شك همّام“[صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما].

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:

“إن قوله صلى الله عليه وسلم فيه وجهان:

أحدهما: أن ذلك أنموذج،ورقيقة اشتقت من جهنم ليستدل بها العباد عليها،ويعتبروا بها،ثم إن الله سبحانه قدر ظهورها بأسباب تقتضيها،كما أن الروح،والفرح والسرور،واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله في هذه الدار عبرة ودلالة،وقدّر ظهورها بأسباب توجبها.

والثاني:أن يكون المراد التشبيه،فشبّه شدّة الحمى ولهبها بفيح جهنم،وشبّه شدّة الحر ّبه أيضاً،تنبيهاً للنفوس على شدّة عذاب النار،وأن هذه الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها،وهو ما يصيب من قرب منها من حرها”.

وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله:

“واختلف في نسبتها إلى جهنم فقيل: حقيقة،واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم،وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك.

قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قدومه مكة،وقد أخذتهم الحُمّى ،فخاف أن يشمت بهم الأعداء حين ضعفهم عن السعي فقال : “رحم الله من أظهر من نفسه الجَلَد”. [رواه مسلم والنسائي وأبو داود وأحمد].

جاء في فتح الباري ج11 ص180:

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها : قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله .حتى قال صلى الله عليه وسلم “اللهم حببّ إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشدّ،وصَححها،وبارك لنا في صاعها ومُدّها،وانقل حُمَّاها فاجعلهابالحُجفة “[صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها]،

وفي حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيّب وهي تُزفزف فقال:”مالك يا أم السائب أو أم المسيب تُزفزفين؟”قالت: الحمى لا بارك الله فيها فقال صلى الله عليه وسلم:”لا تسبّي الحمّى فإنها تُذهب خطايا ابن آدم كما يُذهب الكير خبثَ الحديد“[صحيح مسلم و ابن حبان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].

(تزفزفين:أي ترتعدين بشدة)

والعلة من النهي عن سبّ الحمى أن هذا فيه من التبرم والتضجر من قدر الله تعالى،مع ما فيها من تكفير السيئات وإثبات الحسنات.

وجاء في الحديث الشريف:”مثل المؤمنين في توادهم،وتراحمهم،وتعاطفهم،مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمّى”[أخرجه الشيخان عن النعمان بن البشير رضي الله عنه].

(التداعي لغة:دعا بعضه بعضاً،ومعناه أيضاً:تجمع عليه من كل صوب وحدب،كما في الحديث الشريف:”يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”والذي أخرجه أبو داود وأحمد.

من الناحية الطبية:

التنظيم الحروري في البدن:

إن الحفاظ على درجة حرارة ثابتة ومعتدلة عند الإنسان يعتبر مثالاً لتوازن الجسم Homeostasis.

حيث تتداخل عدة فعاليات من أجل إنجاز هذا الهدف.ويمكن من وجهة النظر الفيسولوجية التعبير عن العلاقة بين الحياة والحرارة بأنه طالما كان الإنسان حياً طالما كان هناك نشراً للحرارة.وإن كمية الحرارة المنتشرة عند الأصحاء تختلف تبعاً للنشاط في العضلات الصقلية لديهم، ولنوع الطعام المُتناول،ودرجة حرارة المحيط،وحالة بعض الغدد الصماء.

تبلغ كمية الحرارة المنتشرة عند الشخص السليم الكهل الصائم في حالة الراحة حوالي 1700 حريرة (كالوري) خلال 24 ساعة،فإذا ما قام بنشاط عادي فإن الرقم يرتفع إلى 3000 كالوري.وفي الأعمال المجهدة الشاقة يصل إلى 7000كالوري.

وبما أن هتاك توليداً للحرارة مستمراً خلال الحياة فلا بد أن يكون هناك ضياع مستمر أبضاً،وإلا اررتفعت درجة حرارة الجسم،ومعظم الضياع الحراري يتم عن طريق الجلد وخاصة من خلال عملية التعرق.وهناك نوعان من الحيوانات:ثابتة الحرارة ومنها الإنسان،ومتبدلة الحرارة وتسمى ذوات الدم البارد.

إن توليد الحرارة في الجسم هو عملية لا إرادية تنجم عن أفعال حيوية مثل التنفس وعمل القلب،والدوران والغدد والاستقلاب.

وفي حال وجود محيط بارد كما في الشتاء فإن توليد الحرارة يزداد،ولكن إلى درجة تحمي الجسم من البرد القارص وبدون أن يتعرض للتجمد أو الموت.وإن ظاهرة الإرتعاش في الجسم والتي تشاهد عند التعرض للبرد تعتبر عملية وقائية جسمية هامة تقيه من البرد.وهذا الارتعاش أو القشعريرة عبارة عن تقلص في العضلات الصقلية يتم بشكل إرادي ولا إرادي.ولذا فإنه في حالات إصابة العضلات بالشلل أو بسبب تناول الأدوية المسببة للاسترخاء العضلي فإن درجة حرارة المصاب بالتخدير أو الشلل تهبط إلى درجة حرارة المحيط،ولذا تجرى العمليات الجراحية المرافقة بالتخدير في جو غرفة دافىء.

إن الحرارة تتولد في الجسم من خلال عملية أكسدة الطعام في جميع خلايا الجسم،وبما ان القسم الاكبر من الجسم يتألف من العضلات المخططة الصقلية فإنها تقوم بالدور الأكبر في هذه العملية.وعند استرخاء العضلات كما يشاهد أثناء النوم فإن توليد الحرارة يتناقص،وعلى العكس يزداد ارتفاعاً في حالات الجهود العضلية الشاقة.

كما أن توليد الحرارة له علاقة مع النشاط الإفرازي للغدد الصماء وغير الصماء،وبما أن الكبد هو أكثر الأعضاء الغدية نشاطاً وحجماً فإنه يقوم بالدور الرئيسي في نشر الحرارة وخاصة عندما تسترخي العضلات أثناء النوم.

وإن الحرارة المتولدة في أي نسيج من الجسم تتوزع إلى جميع أقسام البدن عن طريق الجهاز الدوراني،وهذا يمنع حدوث فرط الحرارة الموضعي في عضو من الأعضاء.

وفي الطقس البارد أو الحار يحدث تبدلاً ملحوظاً في كمية ونوعية الطعام المستهلك،وفي الشهية عند الإنسان.حيث تزداد الشهية في حالات الطقس البارد،وإن لنوع الطعام وكميته دوراً في توليد الحرارة.وهذا يعزى إلى عمل العضلات الملساء في الجهاز المعدي المعوي من جهة،وإلى نشاط وعمل الغدد وافرازاتها الهاضمة في جهاز الهضم.

كما أن الاستقلاب يزداد سرعة ونشاطاً بسبب مادة الأدرنالين،والذي يزداد افرازه من لب الكظر وخاصة في حالات الطقس البارد،والذي يؤدي أيضاً إلى ارتفاع الضغط الشرياني وحدوث التقبض الوعائي المشاهد في حالات التعرض للبرد.

كما أن الغدة الدرقية تلعب دوراً هاماً في النشاط الاستقلابي،وهذا يؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم،وخاصة في حالات فرط نشاط الغدة،وعلى العكس فإن نقص نشاط الغدة يؤدي إلى نقص النشاط الاستقلابي ولذا فإن من الأعراض البارزة في نقص نشاط الغدة الدرقية التأثر من البرد عند المصاب.

وإن الطريق الرئيسية للضياع الحراري يتم عن طريق جلد الإنسان،وكذلك عن طريق الرئتين والمفرغات.حيث يتم مثلاً فقدان 130 كيلو كالوري عن طريق تدفئة الطعام والهواء الداخلين للجسم،وحوالي 370 حرة عن طريق تحويل الماء إلى بخار ماء مشبع ليطرح عن طريق الزفير بالرئتين،وإن هذه الكميات تعادل حوالي 500 حرة ولا تمثل إلا حوالي 20% من المجموع الكامل والذي يبلغ 3000حرة لا بد أن تفقد يومياً من الجسم.والباقي إي حوالي 80% يتم ضياعه عن طريق الجلد والتعرق.

إن التوازن القائم بين توليد الحرارة وضياعها في الجسم يسيطر عليه ويشرف على شقيه الجملة العصبية في الجسم.فتوليد الحرارة يكون بزيادة الحركات في الجملة العضلية الإرادية وهذا مايشاهد بحدوث الارتعاش أو القشعريرة،وهذا يتم بإشراف الألياف العصبية المحركة،وخاصة في النخاع الشوكي وبنشاط الجملة الهرمية وخارج الهرمية في الدماغ.

والضياع الحروري له علاقة مع كمية الدم الجوالة في أوعية الجلد والتي يمكن زيادتها من خلال عملية التعرق وهذه تخضع أيضاً لإشراف التعصيب في الجملة الودية (السمباتية)

وعند الإنسان فإن درجة حرارة الجسم يشرف عليها جهازين: محيطي ومركزي.

أما الجهاز المحيطي فنعني به المستقبلات الجلدية والنشاط الانعكاسي وهذا يلعب دوراً هاماً وخاصة عندما يتعرض الإنسان لتبدلات سريعة في درجات الحرارة في المحيط الذي يعيش فيه.

وأما الجهاز المركزي فإنه يقع تحت إشراف منطقة ما تحت المهاد والذي يشرف على توليد الحرارة ويمنع فرط المعاوضة الناجمة عن المنعكسات الجلدية.حيث تبين أن وضع إحدى اليدين في ماء بارد فإنه يؤدي إلى انخفاض درجة الحرارة في اليد الاخرى.وهذا يتم في اليد المغموسة في الماء البارد من فعل تقلص وعائي مباشرة بسبب تأثير الماء البارد على الأوعية في تلك اليد،وأما في اليد الثانية فإن هبوط حرارتها ينجم عن فعل منعكس يؤدي إلى التقبض الوعائي في أوعيتها.وهذا كله يتم عن طريق مستقبلات جلدية عصبية تسير فيها سيالات عصبية إلى الأعصاب الموضعية وهذا يشرف عليه الجملة العصبية الذاتية الودية.

وأما عملية التعرق من أجل الضياع الحروري فهي عملية معقدة نوعاً ما،ولقد تبين أن التعرق يتم بصورة أسهل في الجو الحار الجاف،ولكنه أكثر صهوبة في الجو الحار الرطب.

وفي بعض الحالات وضمن بعض الظروف القاسية يمكن أن يفقد الجسم كمية غزيرة من عرق الجسم،وهذه تكون مليئة بالأملاح وخاصة الصوديوم وبالتالي لابد من تعويض السوائل والأملاح خوفاً من حدوث مضاعفات خطيرة.

وتوجد الغدد العرقية في كل أنحاء الجسم تقريباً،ولكن حوالي 50% من عملها يكون من ناحية الجذع والبطن،و25% من الأطراف السفلى،و25% من ناحية الرأس والأطراف العليا.

وأما التعرق في ناحية راحتي اليدين وأخمص القدمين فإنه يشاهد غالباً في حالات القلق والاضطرابات النفسية،والانفعالات العاطفية.

ويوجد في الحقيقة نوعان من التعرق وكل منهما يحتاج إلى منبه خاص:ففي الطقس الحار يحدث التعرق في كل مناطق الجلد وخاصة في الناحية الجبهية والشفة العليا والعنق والصدر والجذع وبصورة أقل في الراحتين والأحمصين.

وفي حالات الاضطرابات الانفعالية والعاطفية والنفسية يحدث بشكل خاص في الراحتين والأخمصين والإبطين.

وفي حالات التعرض لدرجات الحرارة العالية يحدث مايسمى “ضربة الشمس”،فإن الإصابة قد تكون شديدة وتسبب هبوط الضغط الدموي والوهط الدوراني ويمكن في بعض الحالات أن تسبب فقدان الوعي والسبات والموت.

إن المكان الرئيسي من أجل توليد الحرارة في الجسم يكون في النسيج الشحمي البني،ويوجد بشكل خاص بين مثلثي الكتف وفي الإبط وعلى شكل شريط أمام الشريان الابهر الصدري.ويشرف على الاستقلاب في هذا النسيج هرمون النور ادرنالين.

وبالنسبة للحديث الشريف “تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” فإنه يمكن وبإيجاز أن نذكر بعض هذه التداعيات التي يتعرض لها الجسد إذا اشتكى عضو منه وتفاعل باقي الأعضاء معه،حيث بيّن العلم أنه تنطلق من مكان العضو “المشتكي” إشارات وتنبيهات عصبية وحسية إلى الدماغ وإلى مراكز الحس والتحكم غير الإرادي،وتنبعث استناداً عليه بعض المواد الكيميائية وتنطلق بعض الهرمونات من مكان الإصابة والتي تسبب نوعاً من التفاعلات على مستوى الجملة العصبية المركزية والودية وعلى مستوى بعض الغدد الصم والتي ترسل تعليماتها إلى كافي أجهزة البدن،ومنها:

1 ـ يقوم هرمون الحاثة القشرية الكظريةACTH بتنشيط الغدة الكظرية لانتاج كمية وافرة من هرمون الكورتيزول والالدوستيرون من قشر غدة الكظر،كما يتم تنشيط إفراز هرمون الأدرنالين من لب الكظر،وهذه الهرمونات لها تأثيرات رئيسية على الجسم في حال إصابة أحد أعضائه وخاصة على مستوى الاستقلاب في مجموع الجسم.

2 ـ ويتم إفراز الهرمون المضاد للإدرارADH،وهو يوجه قنوات الكليتين لإعادة أقصى ما يمكن من الماء الراشح عبر الكبب الكلوية وإعادة هذا الماء المرتشح إلى الدورة الدموية وبذلك يتم الاحتفاظ بماء الجسم من الضياع مع البول.

ث ـ يتم تنبيه الجملة العصبية الودية السمباتية والتي من خلال الهرمونات المنطلقة من وسائطها وسيالاتها العصبية يتم حدوث نوع من التقبض الوعائي في الأوعية الدموية المحيطية،وكذلك تسبب تسرعاً في النبض،وتزداد قوة القلب وضخه وتسرع نبضه،وهذا يؤدي إلى ارتفاع التوتر الشرياني والذي يؤمن سريان الدم بشكل كاف في أعضاء الجسم وخاصة الأعضاء الحيوية مثل القلب والدماغ والكليتين.وهذه العمليات تستمر أثناء الإصابة وحتى أثناء نوم المريض،حيث تبقى أجهزته الحيوية في حال من “السهر”،واليقظة والنشاط حتى يتم الشفاء،وبسبب هذه العمليات تحدث “الحرارة”والتي هي انعكاس لما في الجسم من نشاط استقلابي ـ هرموني على مستوى معظم الأجهزة.

وهناك ملاحظة طريفة:إن من أكثر الأجهزة نشاطاً في حالات الإصابات في الجسم وعند تعرضه للخطر الجملة العصبية الذاتية”الودية”Sympathetic،ورسول الله يذكرنا في الحديث”بالتواد” والتراحم والتعاطف.

ويقول الدكتور ماهر محمد سالم:”إن شكوى العضو المصاب هي شكوى حقيقية،وليست على سبيل المجاز،إذ تنطلق في الحال نبضات عصبية حسية من مكان الإصابة أو المرض على هيئة استغاثة إلى مراكز الحس والتحكم غير الإرادي في الدماغ وتنبعث في الحال أعداد من المواد الكيميائية والهرمونات من العضو المصاب بمجرد حدوث مايتهدد أنسجته وخلاياه ومع أول قطرة دم تنزف منه،أو نسيج يتهتك فيه،أو ميكروب يرسل سمومه إلى أنسجته وخلاياه،تذهب هذه المواد إلى مناطق مركزية في المخ فيرسل المخ إلى الاعضاء المتحكمة في عمليات الجسم الحيوية المختلفة أمراً بإسعاف العضو المصاب وإغاثته بما يتلائم وإصابته أو مرضه.وفي الحال تتداعى تلك الأعضاء المتحكمة في عمليات الجسد الحيوية المختلفة،أي يدعو بعضها بعضاً،فمراكز الإحساس تدعو مراكز اليقظة والتحكم في منطقة ماتحت المهاد في الدماغ وهذه تدعو بدورها الغدة النخامية لإفراز الهرمونات التي تدعو باقي الغدد الصماء لإفراز هرموناتها التي تدعو وتحفز جميع أعضاء الجسم لنجدة العضو المشتكي،فهي شكوى حقيقية،وتداع حقيقي،وليس على سبيل المجاز،ومعنى التداعي هنا أن يتوجه كل جزء في الجسد بأعلى قدر من طاقته لنجدة المشتكى وإسعافه،فالقلب يسرع بالنبض لسرعة تدوير الدم وإيصاله للجزء المصاب ،في الوقت الذي تتسع فيه الأوعية الدموية المحيطة بهذا العضو المصاب وتنقبض في بقية الجسم،لتوصل إلى منطقة الإصابة ماتحتاجه من طاقو وأوكسجين وأجسام مضادة وهرمونات وأحماض أمينية بناءة لمقاومة الإصابة والعمل على سرعة التئامها،وهذه هي خلاصة عمل أعضاء الجسم المختلفة من القلب إلى الكبد،والغدد الصماء والعضلات وغيرها،وهي صورة من صور التعاون الجماعي لايمكن أن توصف بكلمة أبلغ ولا أشمل ولا أوفى من “التداعي”.

وهذا التداعي يبلغ درجة من البذل والعطاء عالية إذ يستدعي من الأعضاء والأجهزة والانسجة والغدد المتداعية أن تهدم جزءاً من مخزونها من الدهون والبروتينات من أجل إغاثة العضو المشتكي،ويظل هذا السيل من العطاء مستمراً حتى تتم عملية الإغاثة،وتتم السيطرة على الإصابة أو المرض،والتئام الانسجة والخلايا الجريحة أو المريضة،حتى يبرأ الجسد كله أو يموت كله”.

الحمى:

ارتفاع في درجة حرارة الجسم عن المعدل الطبيعي،وذلك بسبب تأثر المركز المنظم للحرارة في منطقة تحت المهاد في الدماغ.حيث يؤدي هذا الارتفاع في المركز إلى حث الجسم على الحفاظ على حرارته ،ويترافق ذلك مع تضيق في أوعية الجلد مما يتسبب في الشعور بالبرد،ويزداد توتر العضلات مع حدوث النافض(القشعريرة).وعندما تعود درجة الحرارة في المركز المنظم للحرارة في تحت المهاد إلى وضعها الطبيعي يسعى الجسم إلى فقد ما اكتسبه من حرارة الجسم فيحدث توسع في أوعية الجلد مما يؤدي إلى الشعور بالحر والتورد وقد يصاحبه التعرق.

ومن الناحية الفيزلوجية:فإن منطقة تحت المهاد تنظم درجة حرارة الجسم،وتؤدي مُسببات الحمى(وتسمى البيروجينات)إلى اطلاق مادة البروستاغلاندين E2،حيث تستهدف هذه المادة منطقة تحت المهاد فتؤثر في تنظيم حرارة الجسم متسببة في زيادة درجة حرارة الجسم لتتوافق مع درجة الحرارة الجديدة.وإن بعض الستيروئيدات وخاصة الايتوكولانون والناجم عن استقلاب الهرمونات القشرية الكظرية وهرمونات الجنس يعتبر مولداً للحرارة(بيروجين)كما أن البريغنالون يعتبر مولداً للحرارة.

يشبه عمل المركز المنظم للحرارة في تحت المهاد عمل الترموستات،ففي الحالة العادية يكون هذا الترموستات مضبوطاً على درجة حرارة الجسم الطبيعية،وفي حالة الحمى فإن مسببات الحمى تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة في هذا الترموستات في تحت المهاد،مما يتطلب من الجسم أن يحافظ على حرارته حتى يصل إلى درجة الحرارة الجديدة،ومن ثم يحدث تضيق في أوعية الأطراف بالجلد،مما يقلل من فقدان الحرارة،وهذا يؤدي للشهور بالبرد،ويزيد النور ايبينفرين من توليد الحرارة في الأنسجة الدهنية البنية،ويزداد توتر العضلات ويزداد معدل الاستقلاب،وهذا يسبب ارتعاد العضلات وذلك من أجل توليد المزيج من الحرارة،وهذا يسبب النافض،وعندما تنخفض درجة الحرارة في المركز المنظم في تحت المهاد وتعود للحرارة الطبيعية،يحدث توسع وعائي في أوعية الجلد ما يسبب الشعور بالدفء والتورد،ومن ثم ازدياد التعرق.

وهناك أسباب عديدة لحدوث الحمى ومنها: الأمراض الإنتانية الجرثومية والفيروسية وبالطفيليات.كما يمكن أن تشاهد الحمى لاسباب غير انتانية ومنها في بعض حالات السرطان،والأدواء الرثوية،والتهاب الأوعية الدموية،وأمراض المناعة الذاتية،وبسبب تناول بعض المركبات الدوائية…

ومن الوسائط المنزلية في تخفيض درجة الحرارة :استعمال الكمادات بالماء البارد على الجبهة،أو الاستحمام بماء دافىء،ويجب الانتباه إلى ارتفاع درجة الحرارة الشديد عند الأطفال الصغار الذي قد يسبب نوبات اختلاجية مرافقة للحمى الشديدة،وقد يحتاج الامر إلى إعطاء خافضات الحرارة .

6  ـ “فَكُلي واشربي وقَرِّي عَيناً”

يقول الله عز وجل:”{ وهُزي أليكِ بِجذعِ النخلة تُساقط عليكِ رُطباً جنيّا*فكلي واشربي وقرّي عيناً}[مريم 26ـ 25].

من الناحية الدينية:

يقول إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله:

“وهكذا وفر الحق سبحانه وتعالى لمريم مقومات الحياة وعناصر استبقائها،وهي مرتبة على حسب أهميتها للإنسان:الهواء والشراب والطعام،والإنسان يصبر على الطعام شهراً دون أن يأكل،ويمكنه أن يقتات على ماهو مخزون في جسمه من غذاء،ولكنه لايصبر على الماء أكثر من ثلاثة أيام إلى عشرة حسب مافي جسمه من ماء،في حين لايصبر على الهواء لحظة واحدة،ويمكن أن يموت من كتم نفس واحد.

لذلك من حكمة الخالق سبحانه وتعالى أن يُملك الطعام كثيراً،ويُملك الماء قليلاً،ولا يُملك الهواء لأحد أبداً،لأنك لو غضبت على أحد فمنعت عنه الهواء لمات قبل أن ترضى عنه.إذن:فعناصر استبقاء الحياة مرتبة حسب أهميتها في حياة الإنسان،وقد ضمنها الحق سبحانه لمريم وجعلها في متناول يدها وأغناها عن أن يخدمها أحد.

فالهواء موجود وهي في الخلاء،ثم الماء فأجرى تحتها نهراً عذباً زلالاً،ثم الطعام فقال:{وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً}وكان الحق تبارك وتعالى يريد أن يظهر لمريم آية أخرى من آياته،فأمرها أن تهز جذع النخلة اليابس الذي لايستطيع هزّه الرجل القوي،فما بالها وهي الضعيفة التي تعاني ألم الولادة ومشاقها؟

كما أن الحق سبحانه قادر على أن يُنزل لها طعامها دون جهد منها ودون هزّها،إنما أراد سبحانه أن يجمع لها بين شيئين:طلب الاسباب والاعتماد على المسبب،والأخذبالأسباب في هزّ النخلة،رغم أنها متعبة قد أرهقها الحمل والولادة،وجاء بها إلى النخلة لتستند إليها وتتشبث بها في وحدتها لنعلم أن الإنسان في سعيه مُطالب بالأخذ بالأسباب مهما كان ضعيفاً.

لذلك أبقى لمريم اتخاذ الأسباب مع ضعفها وعدم قدرتها،ثم تعتمد على المُسبب سبحانه الذي أنزل عليها الرُطب مُستوياً ناضجاً،وهل استطاعت مريم أن تهزّ الجذع الكبير اليابس؟

إنها مجرد إشارة إليه تدلُ على امتثال الامر،والله تعالى يتولى إنزال الطعام لها،وقد صوّر الشاعر هذا الموقف بقوله:

ألم ترَ أن الله قال لمريم                       وهزي إليكِ الجذع يُساقطُ الرُطب

وإن شاء الله أعطاها ومن غير هزّه      لكن كلُّ شىء لهُ سبب

وقوله”تساقط” أي: تتساقط عليك”رطباً جنيّا:أي:استوى واستحق أن يُجنى،وليس مُبتسراً قبل موعده،ومن الرُطب مايتساقط قبل نضجه فلا يكون صالحاً للأكل.

ثم يقول سبحانه{فكلي واشربي وقرّي عيناً}.

ونلحظ هنا أن الحق تبارك وتعالى عند إيجاد القوت لمريم جاء بالماء أولاً،فقال:{قد جعلَ ربّك تحتك سَريا}.ثم أتى بالطعام فقال:{وهزي إليك…}لان الماء أولى من الطعام في احتياج الإنسان،أما عند الأمر بالانتفاع قال:{فكلي واشربي}فبدأ بالطعام قبل الشراب،لماذا؟لأن الإنسان عادة يأكل أولاً،ثم يشرب،فالماء مع أهميته إلا أنه يأتي في العادة بعد الطعام،فسبحان من هذا كلامه.

وقوله{قرّي عيناً} بعد أن وفر لها الحق سبحانه الطعام والشراب الذي هو قوام المادة،وبه يتم استبقاء الحياة،لكن بعد الطعام والشراب يبقى لديها حزن عميق وألم وحيرة مما هي فيه،لذلك يعطيها ربها تبارك وتعالى بعد القوت الذي هو قوام المادة يعطيها السكينة والطمأنينة ويُخفف عنها ألم النفس وحيرة الفؤاد.

و{قرّي عيناً} أي اسكني وهذا التعبير عند العرب كناية عن السرور،ومنه قوله تعالى على لسان امرأة فرعون:{قُرّةُ عينٍ لي ولك}[القصص 9].

والعرب تعبر بِقرّة العين وسكونها عن السرور،لان سكون العين على مرأى واحد لا تتحول عنه دليلٌ على أن العين صادفت مرأىً جميلاً تسعد به وتُسر  فلا يُغني عنه مرأى آخر،فتظل ساكنة عليه لاتتحرك عنه.

فقوله تعالى لمريم:{وقرّي عيناً} أي كوني سعيدة باصطفاء الله لك مسرورة بما أعطاك،فما تهتمين به وتحزنين هو عين النعمة التي ليست لأحد غيرك من نساء العالمين”.

من الناحية العلمية:

في هذه الآيات إعجاز كامل،لأنها وضحت ومن خلال كلمات قليلة وباسلوب بليغ ورفيع،أهم ماوصل إليه الطب الحديث فيما يتعلق بصحة الحامل،يفهمه كل إنسان سواء كان بدوياً أو حضرياً،عالماً أو جاهلاً.

وقد فعلت مريم العذراء ما أخبرها به المَلك،فكانت ولادتها مُيسرّة،وكان نفاسها قصيراً{فأتت به قومها تحمله}بعد سويعات من الولادة،لاتحسّ ألماً،ولا تشتكي وهناً ولا وجعاً.

“فكلي”:وكان طعامها “الرُطب” أي التمر الناضج غير المبتسر،وقد أظهرت العلوم الحديثة أن للرطب فوائد عديدة ومنها:

1 ـ أن الرطب غني بالمواد السكرية وخاصة سكر العنب(الغلوكوز) وسكر الفواكه(الفركتوز)بنسبة 70 ـ 80% وهي سكاكر سريعة الامتصاص من انبوب الهضم(ولذا السنّة الإفطار على التمر في شهر رمضان المبارك)،وتمدّ الجسم بالحرارة والنشاط والقدرة(ولذا كان طعام المجاهدين في سبيل الله في غزواتهم التمر)..

2 ـ أن الرطب غني بالأملاح المعدنية وخاصة منها أملاح المغنزيوم،وهذه المادة تساعد على الحفاظ على الحمل وتقلل من تقلصات عضلة الرحم وتمنع من حدوث الخداج(أي الولادة المبكرة).كما تبين الدراسات أن أملاح المغنزيوم تقلل من حدوث الطلق المبكر،والنزوف أثناء الحمل والولادة،ويقلل من حدوث مايسمى قصور عنق الرحم والذي يؤدي عند بعض الحوامل للإسقاطات في منتصف أشهر الحمل.والمغنزيوم يزداد إفراغه أثناء الحمل ولذا قد تشاهد أعراض نقصانه عند الحامل إن لم تعالج به.

3 ـ الرطب يحوي مواد مسهلة وملينة،تنظف الأمعاء،مما يساعد عند الولادة،لأن الأمعاء الغليظة والمستقيم الممتلىء بالفضلات يعيق حركة الرحم وانقباضه،ولذا أصبح من المتعارف عليه عند أطباء التوليد والقابلات إعطاء رحضة شرجية للحامل عند بداية المخاض لتنظيف المستقيم والأمعاء.

4 ـ الرطب غني بالفيتامينات وخاصة الفيتامين أ،والفيتامين ب المركب،والفيتامين د.

ـ “واشربي“:فالمرأة الحامل وعند المخاض تحتاج للماء الكافي،وقد وفر الله لها الماء العذب الزلال فلتنهل منه ولتشرب هنيئاً مريئاً{قد جعل ربك تحتك سريا}.

ـ “وقرّي عيناً”:إن تأثير الحالة النفسية على الأم الحامل وبخاصة عند المخاض أمر بالغ الأهمية،إذ أن الخوف والقلق من أهم أسباب تعسر الولادة،والرضا والاطمئنان من أهم أسباب تيسير الولادة،وإن تقلص الرحم له علاقة وثيقة مع الحالة النفسية للأم،وبالتالي فإنه إذا كان الوضع النفسي مضطرباً قد تكون تقلصات الرحم دون العتبة المطلوبة فيحدث مايسمى”عطالة الرحم”أي عدم تقلصه المجدي،وعدم دفع الجنين باتجاه المحيط الخارجي.أو على العكس قد تكون التقلصات شديدة وغير منتظمة ولا تحصل فترات راحة مابين التقلص والآخر وهذا مايسمى”تكزز الرحم” وهذا أيضاً يسىء للأم والجنين.

ولذا فإنه من أهم الوسائط الحديثة لتخفيف التوتر والقلق عن الأم وجود زوجها أو أحد من أقاربها ساعة الولادة بجانبها،حيث وجد أن هذا يخفف من عقابيل الوضع ويسهل الولادة الطبيعية،ويقلل من وفيات المواليد.

7 ـ العطاس والتثاؤب

العطاس:

جاء في الحديث النبوي الشريف:”عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله،وليقل له أخوه أو صاحبه:يرحمك الله،فإذا قال له يرحمك الله فليقل:يهديكم الله ويصلح بالكم[متفق عليه].

وفي حديث آخر:”عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:“إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحقّ على كل مسلم سمعه أن يشمته،وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع فإذا قال هاء ضحك منه الشيطان”[رواه البخاري].

من الناحية الطبية:

جاء في موقع الويكيبيديا:

“العطاس Sneeze،هو خروج الهواء مع بعض القطرات السائلة فجأة وباندفاع من الأنف والفم.وعادة يقوم الجسم بهذه الحركة للتخلص من المادة التي تهيج الانف،إذ تستجيب النهايات العصبية الموجودة في الأنف لتلك المواد بإثارة العطاس،وهي عملية تحدث بشكل لا إرادي.فعندما يعطس المرء،تنطلق من فمه حوالي 100ألف جرثومة وبسرعة 100 ميل في الساعة،وبما أن العطسة تنطلق بهذه السرعة فهي تحتاج إلى طاقة كبيرة لإخراجها.

ويحدث العطس عادة عندما تمر جزيئات غريبة أو ما يكفي من المنشطات الخارجية عبر الشعر الأنفي للوصول إلى الغشاء المخاطي للأنف.وهذا يؤدي إلى إطلاق مادة الهستامين،مما يؤدي إلى تهيج الخلايا العصبية في الأنف،مما يؤدي إلى إرسال إشارات إلى الدماغ لبدء العطاس من خلال شبكة العصب مثلث التوائم(العصب الخامس)ثم يتصل بهذه الإشارة الأولية،ثم ينشط عضلات البلعوم ،ويخلق فتحة كبيرة من تجاويف الأنف والفم،مما يؤدي إلى إطلاق دفعة قوية من الهواء والجسيمات الحيوية.

تعزى الطبيعة القوية للعطس إلىمشاركتها في العديد من أعضاء الجزء العلوي من الجسم،بل هو استجابة انعكاسية تنطوي على مشاركة عضلات الوجه والحنجرة والصدر.

والعطس أيضاً ناجم عن تنبيه عصب الجيوب الأنفية الناجمة عن احتقان الأنف والحساسية.وتقع المناطق العصبية المشاركة في منعكس العطس في جذع الدماغ ابتداء من نواة العصب مثلث التوائم،ويبدو أن هذه المنطقة في جذع الدماغ هي المسيطرة على البلعوم والحنجرة والعضلات التنفسية.والنشاط المشترك لهذه العضلات بمثابة شىء رئيسي لتوليد العطاس.

يتضمن رد فعل العطس تقلص عدد من العضلات المختلفة ومجموعة العضلات في جميع أنحاء الجسم،وعادة مايشمل أيضاً الجفون.

وبخلاف العطاس الناجم عن الجسيمات الخارجية أو التحسس أو بعض الأمراض،فهناك أيضاً عامل آخر قد يستدعي العطاس وهو التعرض المفاجىء للضوء الساطع وهي حالة تعرف باسم منعكس العطس الضوئي،وقد يؤدي الخروج من مكان مظلم إلى أشعة الشمس إلى العطاس.

والعطس غير مؤذي عموماً في الأشخاص الأصحاء،لكنه قد ينشر من خلال قطرات الهباء الجوي بعض الأمراض المعدية،وتتراوح في حجمها من نصف إلى 5 ميكرومتر.ويمكن للعطس أن ينتج 40 ألف قطرة.وللحد من إمكانية انتشار العطاس وبالتالي نشر بعض الأمراض المعدية مثل الانفلونزا وفيروس كورونا ينصح بوضع الساعد عند الفم خلال العطس أو داخل الكوع،أو منديل أمام الفم والأنف عند العطاس.وإن تغطية الأنف والفم أثناء العطاس بالمنديل أو الساعد طريقة ثبت فعاليتها للحد من العدوى بشكل عام،والحد من التفاعل مع المهيجات والمثيرات بمنع الأسباب المؤدية إليها وخاصة عوامل التحسس بأسبابها المختلفة.

وجاء في مرجع آخر:

أما العطاس فهو عملية تقوم خلالها الرئتين بشهيق عميق تسحب معه كمية كبيرة من الهواء ثم تخرجه فجأة من الانف والفم وبقوة شديدة خلال فترة زمنية قصيرة لاتتجاوز الثانية الواحدة،حيث تصل سرعة الهواء الخارج مايقرب من 200 كم في الساعة.ويقوم الجسم بهذه الحركة بطريقة لا إرادية للتخلص من الجراثيم والمواد المتطايرة التي تعمل على تهييج مجرى التنفس،حيث يوجد في الجدار المبطن لمجرى التنفس نهايات عصبية تستجيب لمثل هذه المؤثرات.إن عملية العطاس تحتاج إلى طاقة كبيرة جداً أكبر من تلك التي يحتاجها السعال مما يؤدي إلى توقف جميع وظائف الجسم عن العمل بما فيها القلب خلال أجزاء الثانية التي تحدث خلالها.إن كبت عملية العطاس بعد بدئها قد تكون لها عواقب ضارة بجسم الإنسان فالطاقة التي يستجمعها الجسم لإجراء عملية العطاس إن لم تفرغ فيها فسيتم تفريغها في مكان آخر أو أكثر في الجسم مما قد يحدث ضرراً فيها.ولذلك علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن نقول:”الحمد لله بعد حدوث عملية العطاس،لأنها أولاً قد تمت بنجاح،وأخرجت المواد الضارة من الجهاز التنفسي،ولأنها ثانياً لم تحدث ضرراً بالجسم فيما لو لم تتم،ولأنه ثالثاً أعاد لنا الحياة بعد أن توقف القلب وبقية أعضاء الجسم عن العمل خلال فترة العطاس.(نقلاً عن الدكتور منصور العبادي أبو شريعة ـ موقع إعجاز القرآن والسنة ـ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ـ الجهاز التنفسي)

التثاؤب

جاء في الحديث الشريف:“إن الله يحبُّ العُطاسَ ويكرهُ التثاؤب فغذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع أو ليضع يده على فيه فإنه إذا تثاءب فقال:آه فإنما هو الشيطان يضحك من جوفه”[صحيح ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه].

وفي حديث آخر:”إن الله يحبُّ العطاس،ويكره التثاؤب،فغذا عطس فحمدَ الله،فحقٌّ على كل مسلم سمعهُ أن يُشمته،وأما التثاؤب:فإنما هو من الشيطان،فليرده ما استطاع،فإذا قال:ها،ضحك منهُ الشيطان”[أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].

(التثاؤب على الإنسان أن يكظمه ويرده ما استطاع،لأنه إذا قال:”ها” يعني فعل التثاؤب وفتح فمه به ضحك الشيطان منه لأنه نال مقصوده ).

من الناحية الطبية:

جاء في موقع الويكيبيديا:

“التثاؤب عمل لا إرادي الهدف منه ملء الرئتين بالهواء إلى أقصى حد .للقيام به يفتح الشخص فمه بشدة لدرجة يكون فيها حجم فتحة البلعوم أكبر بأربع مرات من حجمها في الأوقات العادية.ويستمر التثاؤب لحوالي 6 ثواني تتقلص فيها عضلات الوجه والرقبة،ويصاحبهما إغلاق للعينين.خلال ذلك تتوقف جميع المعلومات الحسية لفترة من الوقت تكفي لعزل الشخص عن عالمه تبعاً لمدة التثاؤب.وقد تبين أن الجنين يتثاءب بشدة حتى يكاد المشاهد يتخيل أن فكيه سوف ينفصلان عن بعضهما،رغم أنه لايتنفس عبر الرئتين.

والتثاؤب يفتح قناة أوستاكيوس بين الأذن الوسطى والبلعوم،ولكن ليس هذا هو الغاية الرئيبسية للتثاؤب.والتثاؤب يقترن غالباً بالتعب والإرهاق،كما يقترن بالنعاس.والتثاؤب مكروه اجتماعياً وغير مستحب أن نرى إنساناً يفتح فمه على مداه وينفث الهواء في وجوه الآخرين،وذلك أن التثاؤب يشير إلى الضجر،وهناك من يقول أن التثاؤب لتنبيه المرء النعسان فيجعله متيقظاً،ذلك أن التثاؤب يسبب تقلص عضلات الوجه وبهذا يندفع الدم بقوة أكبر إلى الدماغ وبتحريك الفك تتيقظ الحواس،.ولا يزال التثاؤب مجهول الأسباب.وأكثر التفاسير شيوعاً أن التثاؤب يحدث عندما يكون مستوى الأوكسجين منخفضاً في الدم،مع ارتفاع تركيز غاز ثاني أوكسيد الفحم.

والتثاؤب هو أكثر الحالات انتقالاً بالعدوى على الإطلاق،حيث يكفي أن يتثاءب شخص واحد في مكان به جمع غفير من الناس ليتثاءبوا جميعاً خلال لحظات.كما أنه ليس بالضرورة مشاهدة شخص يتثاءب حتى تبدأ بالتثاؤب،إذ يكفي التفكير به،أو القراءة عنه،وحتى العميان يتثاءبون عندما يسمعون عن التثاؤب”.

وجاء في مرجع آخر:

“أما التثاؤب فهو عملية لا إرادية يتم خلالها إدخال كمية كبيرة من الهواء إلى الرئتين من خلال الفم حيث يتم فتح الفم وكذلك البلعوم إلى أقصى درجة لمدة قد تصل لستة ثواني ومن ثم يقوم بإخراجه.ويقوم الإنسان بالتثاؤب في أحوال مختلفة كاقتراب موعد النوم والنعاس وعند الاستيقاظ وعند الشعور بالضجر أو القلق أو الجوع أو التعب.ولا زال العلماء يجهلون الهدف الحيوي الرئيسي من عملية التثاؤب فبعضهم يعتقد أنها كردة فعل لنقص الاوكسجين وزيادة ثاني أوكسيد الكربون في الجسم.بينما يقول آخرون أنها تقوم بفتح قناة أوستاكيوس لتزويد الاذن الوسطى بالهواء،وكذلك طرد الهواء الفاسد من الرئتين وغير ذلك من الأسباب.إن فتح الفم بكامل سعته لمدة ستة ثواني قد يترتب عليه بعض المخاطر كدخول بعض الحشرات الصغيرة أو الأجسام الطائرة إلى جانب أنه عمل غير لائق أمام الآخرين.ولهذا علمنا رسولنا الكريم بعض آداب التثاؤب:ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب،فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له:يرحمك الله.وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليردن ما استطاع،فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان“.(نقلاً عن الدكتور منصور العبادي أبو شريعة ـ موقع إعجاز القرآن والسنة ـ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ـ الجهاز التنفسي).

8 ـ الحبة السوداء(حبة البركة)

الأحاديث النبوية:

جاء في الحديث الشريف:”خرجنا ومعنا غالبُ بنُ أبجرَ،فمرض في الطريق،فقدمنا المدينة وهو مريض،فعادهُ ابن أبي عَتيق،فقال لنا: عليكم بهذه الُحبيبة السوداء،فخذوا منها خمساً أو سبعاً فاسحقوها،ثمَّ اقطروها في أنفه بقطراتِ زيتٍ،في هذا الجانب وفي هذا الجانب،فإنَّ عائشة حدَّثتني:أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:إنَّ هذه الحبَّةَ السوداءَ شفاءٌ من كل داءٍ،إلا من السَّامِ،قلتُ: وما السّامُ؟قال: الموت”[صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها].

هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب الطب باب (الحبة السوداء)،وأخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب السلام باب التداوي بالحبة السوداء،وأخرجه الإمام الترمذي عن أبي هريرة أيضاً في كتاب الطب باب ماجاء في الحبة السوداء،وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن أبي هريرة،كما أخرجه من حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه،ومن حديث عائشة رضي الله عنها.

وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم:”مامن داء إلا وفي الحبة السوداء منه شفاء إلا السام”[أخرجه مسلم].

أقوال علماء المسلمين من القدامى:

يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الفتح:

“ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة السوداء شفاء من كل داء أنها لاتستعمل في كل داء صرفاً،بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة،وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة،وربما استعملت أكلاً أو شرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك….

ويقول الإمام العظيم ابن القيم رحمه الله في الطب النبوي:

“وهي أي الحبة السوداء كثيرة المنافع جداً.وقوله”شفاء من كل داء” مثل قوله تعالى{تدمر كلَّ شىء بأمر ربها}أي كل شىء يقبل التدمير ونظائره.

ومثلها قوله سبحانه وتعالى في العسل:{فيهِ شفاءٌ للناس} فقد ذهب كثير من أهل التفسير وغيرهم من علماء الأمة إلى أن العسل شفاء لكثير من الناس من كثير من الأدواء..وليس شفاء لكل الناس من كل الأدواء والأمراض..

وعدد فوائد الحبة السوداء العديد من مشاهير أطباء المسلمين مثل الرازي وابن سينا وداود الإنطاكي وغيرهم…حيث قال ابن سينا في كتابه”القانون في الطب” أن الحبة السوداء ذات تأثير مقشع وتفيد في علاج ضيق التنفس.كما يقول أن “الشونيز”أي الحبة السوداء تفيد في علاج الزكام.

من الناحية العلمية والتاريخية:

يقول المهندس الزراعي أجود الحراكي في أحد أعداد مجلة حضارة الإسلام:

“ماهي الحبة السوداء(حبة البركة)؟

الاسم العلمي:Nigella Sativa:لهذه الحبة العطرية الطبية أسماء متعددة،فقد يطلق عليها اسم الكمون الهندي،أو القزحة،أو الحبة السوداء،وتسمى بالفارسيةالشونيز،وفي أمريكا الكراويا السوداءBlack Cumin،وفي انجلترا الكمون الاسود.وهذه النبتة معروفة لدى سكان حوض البحر الأبيض المتوسط منذ أقدم العصور وتنمو في سورية منذ القديم ومنها عرفت الحبة السوداء الدمشقية الشهيرة.

ويتابع:”كان الأقدمون يصفونها لأوجاع الصدر والسعال وضيق النفس والغثيان والاستسقاء واليرقان وتفتيت الحصى وادرار البول والصداع والزكام وزيادة ادرار الحليب عند المرضعات ومنشطة للجنس ومطمثة.

وتدخل الحبة السوداء في صناعة بعض الحلوى ومنها الحلوى الشعبية في مصر والمسماة “المفتقة”والتي يدخل في صناعتها حبة البركة والعسل الاسود والبندق والجوز.كما تستعمل في كثير من البلدان كمادة متبلة محسنة للطعم والنكهة والرائحة فتضاف للخبز لاسيما في رمضان أو مع الفطائر أو مع الجبنة المدقوقة،كما تضاف للزعتر أو العسل أو الزهورات في استعمالات مختلفة.

وإن استعمال الحبوب بوضعها الطبيعي قد يقلل من أخذ الفائدة منها ولاسيما للذين لايحسنون طحن الأغذية بأسنانهم كالأطفال والشيوخ وبذا تمر الحبوب بالجهاز الهضمي وتخرج دون فائدة،ولذا يتبين أن طحنها أوهرسها يزيد فرصة الاستفادة منها.

كما أن تعريض الحبة السوداء للحرارة وطبخها يؤدي إلى فقدان بعض مزاياها،حيث أنها تفقد زيتها الطيار والمفيد في المعالجة وخاصة في داء الربو.

ويقول زكريا حسيني في مقال له بعنوان”الحبة السوداء شفاء من كل داء”:

“عرف المصريون القدماء نبات حبة البركة،ولكن لم يعرف على وجه التحديد كيف استخدموه في حياتهم اليومية،وكانوا يعرفونها باسم”شنتت”.إلا أن اكتشاف زيت هذا النبات ضمن مقتنيات أحد ملوكهم(توت عنخ آمون) يدل بصورة قاطعة على مدى أهمية هذا النبات في هذه الفترة.

وكتب “ديسكوريدس” وهو طبيب يوناني عاش في القرن الأول الميلادي أن بذور حبة البركة كانت تستخدم في علاج الصداع واحتقان الانف وآلام الأسنان،بالإضافة إلى استخدامها لطرد الديدان،وكذلك استخدمت كمدر للبول واللبن.

وذكر الحبة السوداء قديماً داوود الأنطاكي في كتابه “التذكرة” باسمها الفارسي”الشونيز” ونسب إليها الكثير من الفوائد ومنها أنها مدرة للبول.

ويقول الدكتور حسان شمسي باشا في كتابه”الشفاء بالحبة السوداء”:

“الحبة السوداء نبتة عشبية من الفصيلة الحوذانيةRenonculacees(فصيلة النباتات الشقيقية) تزرع لحبها أو لزهرها.وكان السم الغالب على الحبة السوداء أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وفي فجر الإسلام”الشونيز”.وهو اسمها الفارسي وأصله”الششهنيز”.

ولون هذه البذور أسود ويختلف اسمها باختلاف الأقطار والدول،فهي تسمى في بعضها الكراويا السوداء،وفي بعضها الآخر الكمون الأسود،كما في انجلترا والولايات المتحدة ويطلق على الحبة السوداء أحياناً”حبة البركة”في جمهورية مصر العربية،وتسمى الكمون الأسود في السودان وفي اليمن تعرف بالقحطة.وقد عرف قدماء مصر هذا النبات وكانوا يسمونه”شنقت” وذكروه في بردياتهم في علاج أمراض الصدر والكحة.ويعتبر حوض البحر الأبيض المتوسط الموطن الأصلي للنبات،وتنتشر زراعته في جنوب أوروبا وغرب آسيا وشمال أفريقيا،وتكثر تجارته بالإتحاد السوفييتي والدول البلقانية.والبذور هي الجزء من النبات الذي يستخرج منه زيت حبة البركة المستعمل طبياً”.

المكونات الفعالة في حبة البركة:

“تحتوي بذور حبة البركة على زيت طيار يصل نسبته إلى 1،5%(وهذا الزيت الطيار يحتوي على المادة الفعالة المسماة الثيموكينون)Thymoquinone وزيت ثابت حوالي 33%،ويحتوي الزيت الطيار الذي يحصل عليه بواسطة عملية التقطير على مادة النجلون وهي التي يعزى إليها المفعول الطبي لزيت حبة البركة.كما تحوي البذور على مادة الميلانتين.وتحوي العديد من الحموض الدهنية الأساسية.

(ملاحظة:إن الحبة السوداء تعتبر مادة نباتية وإن تعريضها لاي مصدر حراري أثناء الطبخ أو الغلي يفقدها البعض من مزاياها إذ أنها قد تفقد زيتها الطيار والفعال علاجياً)

وهناك أصناف للحبة السوداء أشهرها:

1 ـ  الحبة السوداء الحقليةNigella Arvensis:ويتميز ببذور صغيرة الحجم ولايستعمل طبياً.

2 ـ   الحبة السوداء الدمشقية Nigella Damacina:وهو نوع واسع الانتشار إلا أنه لايستخدم طبياً.ويستخرج منها قلواني بشكل موشورات صفر يسمى الدمشقيينDamascenin

3  ـ  الحبة السوداء المزروعة Nigella Sativa:وهذا النوع الوحيد المستخدم طبياً.ويتميز هذا النوع ببذور كبيرة الحجم وتحتوي على كمية عالية من الزيوت الطبية.

من الناحية الطبية:

إن المادة الفعالة في الحبة السوداء عبارة عن مركب كيتوني يسمى “نيجللون”، والذي استخرج من الحبة السوداء عام 1959م ،وهي مادة مضادة للأكسدة.

وقد تبين أن هذه المادة كما تدل الأبحاث والتطبيقات السريرية والدراسات العلمية تفيد في معالجة مجموعة من الأمراض وأهمها:

1 ـ الأمراض الصدرية والتحسسية، وخاصة مرض الربو،وذلك بسبب التأثير الموسع للقصبات والمرخي للعضلات الملس في الشجرة القصبية،وكذلك علاج بعض الأمراض التحسسية ومنها التهلب الأنف التحسسي والربو التحسسي والاكزيما التحسسية.وتبين أن مادة النيجللون هي مضادة للهستامين.

2 ـ معالجة الأمراض الانتانية:حيث تبين أن الحبة السوداء ذات تأثير مضاد للجراثيم كما هو الحال في استعمال الصادات الحيوية،حيث تبين أن الحبة السوداء بمركباتها تنشط الجهاز المناعي في الجسم،كما أن لها دور في مقاومة السرطان.وتبين أنها تعزز المناعة الخلوية بشكل خاص.كما تبين أنها تنشط من عمل الادوية المضادة للبلهارزيا،وتحسن مناعة المريض المصاب بهذا المرض والذي يصيب الأمعاء والمثانة.وإن التأثير المنشط للمناعة يفيد في علاج الكثير من الأمراض الانتانية الجرثومية أو الفيروسية.

3 ـ الأمراض السرطانية:وكما ذكرنا فإن الحبة السوداء تنشط المناعة بشقيها الخلطي والخلوي،وتبين أن المناعة الخلوية والتي تعتمد على الخلايا اللمفية تزداد وتنشط عند استعمال الحبة السوداء وهذا ذو تأثير مهم في مكافحة الخلايا السرطانية.وقد تبين أن مزيج العسل مع الحبة السوداء يفيد في مقاومة السرطان.

4 ـ الأمراض الاستقلابية :وخاصة داء السكري،وارتفاع شحوم الدم.حيث تبين أن الحبة السوداء تخفض سكر الدم وترفع تركيز هرمون الإنسولين .

5 ـ الأمراض الرثوية:وخاصة التهاب المفاصل الرثياني.وكذلك يفيد في علاج داء النقرس الناجم عن ارتفاع حمض البول في الدم.

6 ـ الامراض الهضمية:حيث تبين أنها تفيد في علاج التهابات المعدة.كما تفيد الحبة السوداء في زيادة طرح العصارة الصفراوية في المرارة وكذلك الأحماض الصفراوية.كما أنها تحوي على زيت إيثيري يجعلها تفيد في علاج المغص المعوي وطارد للغازات.كما أن البذور مضادة للديدان المعوية ولاسيما عند الأطفال.

7 ـ أمراض القلب والشرايين:حيث تفيد في خفض توتر الدم وإنقاص الشحوم في الدم.وخفض الكولسترول في الدم.

8 ـ ذات تأثير مدر للحليب عند المرضعات.كما أنها مدرة للطمث.

9 ـ شفاء الجروح القاطعة ولدغات العقارب باستعمال عجينة من البذور.

10 ـ تفيد في أمراض البروستاتا،ومدرة للبول.ومنشطة للأعصاب والجنس.كما أنها تفيد في الوقاية من اعتلال الكلية.

11ـ تحمي من التسممات وخاصة الكبدية،وخاصة وقاية الكبد من أحد السموم وهو مادة رباعي كلور الكربون.

وأما من حيث طريقة الاستعمال:فيمكن إعطاء حبة البركة بشكل مفرد أو بشكل مركب مع غيرها كالعسل والخل وزيت الزيتون وغير ذلك،ويمكن أن تستعمل بشكل كبسولات للتناول عن طريق الفم.