المدائح النبوية

من شوارد الشواهد في المديحِ النبوي

أحمد شوقي في قصيدة“نهج البردة“:

ريمٌ على القاعِ بينَ البانِ والعَلَمِ

أحلَّ سفكَ دمي في الأشهرِ الحُرُمِ

رمى القضاءُ بعيني جُؤذر أسداً

يا ساكنَ القاعِ أدرِك ساكِنَ الأجمِ

لمّا رنا حدَّثتني النفسُ قائلةً

يا ويحَ جنبكَ بالسَهمِ المُصيبِ رُمي

جَحدتها وكتمتُ السهمَ في كبدي

جُرْحُ الأحبّةِ عندي غيرُ ذي ألمِ

رُزِقتَ اسمحَ ما في الناسِ من خُلق

إذا رُزِقتَ التماسَ العُذرِ في الشِيَمِ

يا لائمي في هواهُ والهوى قَدرٌ

لو شَفَّكَ الوجدُ لم تعذِلْ ولم تَلمِ

لقد أنلتُكَ أُذناً غيرَ واعيةٍ

ورُبَّ مُنتَصِتٍ والقلبُ في صَممِ

يا ناعسَ الطرفِ لا ذُقتَ الهوى أبداً

أسهرتَ مُضناكَ في حفظِ الهوى فَنَمِ

أفديكَ إلفاً ولا آلو الخيالَ فِدىً

أغراكَ بالبُخلِ من أغراهُ بالكرمِ

سرى فصادفَ جُرحاً دامياً فأسا

ورُبَّ فضلٍ على العُشاقِ للِحُلمِ

مَن الموائسُ باناً بالرُبى وقنا

اللاعباتُ بروحي السافحاتُ دمي

السافراتُ كأمثالِ البدورِ ضُحىً

يُغِرنَ شمسَ الضحى بالحَلي والعِصمِ

القاتلاتُ بأجفانِ بها سَقمٌ

وللِمنيّةِ أسبابٌ من السَّقمِ

العاثراتُ بألبابِ الرجالِ وما

أقلِنَ من عثراتِ الدَلِّ في الرَسمِ

المُضرماتُ خُدوداً أسفرتْ وجَلَتْ

عن فِتنةٍ تُسلِمُ الأكبادَ للِضَرمِ

الحاملاتُ لِواءَ الحُسنِ مُختلفاً

أشكالهُ وهوَ فردٌ غيرُ منقسمِ

من كُلِّ بيضاء أو سمراء زُيِّنتا

للعينِ والحُسنُ في الآرامِ كالعُصُمِ

يُرَعنَ للبصرِ السامي ومن عَجبٍ

إذا أشرنَ أسرنَ الليثَ بالغَنَمِ

وضعتُ خدّي وقسَّمتُ الفؤادَ رُبيّ

يرتعنَ في كُنس منهُ وفي أكَمِ

يا بنتَ ذي اللبَدِ المُحَمّى جانبهُ

ألقاكِ في الغابِ أم ألقاكِ في الأطمِ

ما كنتُ أعلمُ حتى عنَّ مَسكَنُهُ

أنَّ المُنى والمنايا مَضرِبُ الخِيَمِ

من أنبتَ الغُصنَ من صمصامةِ ذكر

وأخرجَ الريمَ من ضِرغامةٍ قرِمِ

بيني وبينكَ من سُمرِ القنا حُجُبٌ

ومثلها عِفَّةٌ عُذريّةُ العِصَمِ

لم أغشَ مغناكِ إلا في غضون كِرىً

مغناكَ أبعدُ للمُشتاقِ من إرَمِ

يا نفسُ دُنياكِ تُخفي كُلَّ مُبكيَةٍ

وإن بدا لكِ منها حُسنُ مُبتَسَمِ

فضّي بتقواكِ فاهاً كُلّما ضحكت

كما يفضُّ أذى الرَقشاءِ بالثرَمِ

مخطوبةٌ مُنذُ كانَ الناسُ خاطبةٌ

من أوّلِ الدهرِ لم تُرمل ولم تَنمِ

يفنى الزمانُ ويبقى من إساءتها

جُرحٌ بآدمَ يبكي منهُ في الأدَمِ

لا تحفلي بِجناها أو جنايتها

الموتُ بالزهرِ مثلُ الموتِ بالفَحَمِ

كم نائمٍ لا يراها وهي ساهِرةٌ

لولا الأماني والأحلامُ لم ينَمِ

طوراً تَمُدُّكَ في نُعمى وعافيةٍ

وتارةً في قرارِ البؤسِ والوَصَمِ

كم ضَلَلتكَ ومن تُحجب بصيرتهُ

إن يلقَ صابا يَرِد أو علقماً يَسُمُ

يا ويلتاهُ لنفسي راعها وَدَها

مُسودَّةُ الصُحفِ في مُبيضَّةِ اللِمَمِ

ركضتها في مريع المعصياتِ وما

أخذتُ من حِميّة الطاعاتِ للِتُخَمِ

هامتْ على أثرِ اللذاتِ تطلبها

والنفسُ إن يَدعها داعي الصِّبا تَهِمِ

صلاحُ أمرِكَ للأخلاقِ مَرجِعُهُ

فَقوِّمِ النفسَ بالأخلاقِ تَستَقمِ

والنفسُ من خَيرها في خيرِ عافيةٍ

والنفسُ من شَرِّها في مرتع وخِمِ

تَطغى إذا مُكِّنت من لذةٍ وهوىً

طغي الجيادِ إذا عَضَّت على الشُكمِ

إن جَلَّ ذنبي عن الغفران لي أملٌ

في الله يجعلني في خيرِ مُعتَصمِ

أُلقي رجائي إذا عَزَّ المُجيرُ على

مُفرِّجِ الكربِ في الدارينِ والغَمَمِ

إذا خفضتُ جناحَ الذُلِّ أسألهُ

عِزَّ الشفاعة، لم أسأل سِوى أمَمِ

وإن تَقدَّمَ ذو تقوى بصالحةٍ

قدَّمتُ بين يديهِ عَبرَةَ الندمِ

لزِمتُ بابَ أمير الأنبياءِ، ومنْ

يُمسك بمفتاحِ بابِ الله يغتنِمِ

فكلُّ فضلٍ، وإحسانٍ، وعارفةٍ

ما بينَ مُستَلِمٍ منه ومُلتَزِمِ

عَلقتُ من مدحهِ حبلاً أعزُّ بهِ

في يومٍ لا عِزَّ بالأنسابِ واللُّحَمِ

يُزري قريضي زهيراً حينَ أمدَحهُ

ولا يُقاسُ إلى جودي لدى هَرِمِ

مُحَمّدٌ صفوةُ الباري، ورحمتهُ

وبُغية الله من خَلقٍ ومن نَسَمِ

وصاحبُ الحوض يوم الرُسلُ سائلةٌ

متى الورودُ؟ وجبريلُ الأمينُ ظمي

سَناؤُهُ وسَناهُ الشمسُ طالعة

فالجرمُ في فلكٍ ،والضوءُ في عَلَمِ

قد أخطأ النجمَ ما نالت أُبُوَّتهُ

من سُؤدُدٍ باذخِ في مظهرٍ سَنِمِ

نُمُوا إليهِ، فزادوا في الورى شَرفاً

ورُبَّ أصلٍ لِفرع في الفخارِ نُمي

حواهُ في سُبُحاتِ الطهرِ قبلهُمُ

نوران قاما مقامَ الصُلبِ والرَحمِ

لمّا رآهُ بَحيرا قالَ :نَعرفهُ

بما حفظنا من الأسماءِ والسِيَمِ

سائل حِراء، وروحَ القدس هل عَلما

مَصونَ سِرٍّ عن الإدراكِ مُنكَتِمِ

كم جيئةٍ وذهابٍ شُرِّفت بهما

بطحاءُ مَكة في الإصباحِ والغَسَمِ

وَوحشةٍ لإبن عبد الله بينهما

أشهى من الأنس بالأحسابِ والحَشَمِ

يُسامرُ الوحيَ فيها قبلَ مهبطِهِ

ومن يُبشِّر بسيمى الخيرِ يَتَسِمِ

لمّا دعا الصَحبُ يستسقونَ من ظمأٍ

فاضت يداهُ من التسنيمِ بالسَنَمِ

وظلَلتهُ فصارت تَستظِلُّ بهِ

غمامةٌ جَذبتها خيرةُ الدِيَمِ

مَحبَّةٌ لرسول الله أُشربَها

قعائدُ الدَيرِ، والرُهبانُ في القِمَمِ

إنّ الشمائلَ إن رَقت يكادُ بها

يُغرى الجَمادُ ،ويُغرى كلُّ ذي نَسَمِ

ونوديَ: اقرأ تعالى الله قائلُها

لم تتصِل قبلَ من قيلت لهُ بفَمِ

هُناكَ أذّنَ للرحمن، فامتلأت

أسماعُ مكّة من قدسيّةِ النَغَمِ

فلا تسل عن قُريش كيفَ حَيرتُها؟

وكيفَ نُفرتُها في السَهلِ والعَلَمِ

تساءلوا عن عظيم قد ألمَّ بهم

رمى المشايخَ والوِلدان بالَلمَمِ

يا جاهلينَ على الهادي ودعوتهِ

هل تجهلونَ مكانَ الصادق العَلمِ؟

لقبتموهُ أمينَ القومِ في صِغرٍ

وما الأمينُ على قولٍ بِمُتَهمِ

فاقَ البدورَ ،وفاقَ الأنبياءَ فكم

بالخُلق والخَلقِ من حُسن ومن عِظَمِ

جاء النبيونَ بالآياتِ ،فانصرمت

وجئتنا بحكيمٍ غيرِ مُنصرمِ

آياتهُ كُلّما طالَ المَدى جُدُدٌ

يَزينُهنَّ جلالُ العِتقِ والقِدَمِ

يكادُ في لفظةٍ منهُ مُشَرَّفةٍ

يا أفصحَ الناطقين الضادَ قاطبةً

يُوصيكَ بالحقِّ والتقوى وبالرَحمِ

حديثُكَ الشهدُ عند الذائقِ الفهمِ

حَلَّيت من عَطلٍ جِيدَ البيانِ بهِ

في كُلِّ مُنتَثرٍ في حُسنِ مُنتَظِمِ

بكُلِّ قولٍ كريمٍ أنتَ قائلُهُ

تُحي القلوبَ، وتُحي مَيِّتَ الهِممِ

سَرَت بشائرُ بالهادي ومولِدِهِ

في الشرق والغربِ مسرى النورِ في الظلمِ

تَخطَفتْ مُهَجَ الطاغينَ من عَرَبٍ

وطَيّرت أنفسَ الباغينَ من عجُمِ

رِيعت لها شُرفُ الإيوانِ ،فانصدعت

من صدمةِ الحقِّ ،لا من صدمةِ القدُمِ

أتيتَ والناسُ فوضى لا تَمُرُّ بهم

إلا على صنمٍ، قد هامَ في صنمِ

والأرضُ مملوءةٌ جَوراً ،مُسخرّةٌ

لِكُلِّ طاغيةٍ في الخَلقِ مُحتكمِ

مُسيطرُ الفرسِ يبغي في رعيَّتهِ

وقيصرُ الرومِ من كِبْرٍ أصمُّ عمِ

يُعذِّبان عبادَ الله في شُبَهٍ

ويذبحان كما ضَحيّتَ بالغنمِ

والخَلقُ يفتِكُ أقواهم بأضعفِهم

كالليثِ بالبَهمِ ،أو كالحوتِ بالبَلمِ

أسرى بكَ الله ليلاً، إذ ملائِكهُ

والرُسلُ في المسجدِ الأقصى على قدَمِ

لمّا خَطرتَ به التفُّوا بسيّدهم

كالشُهبِ بالبدرِ، أو كالجُندِ بالعَلمِ

صلى وراءكَ منهم كلُّ ذي خَطَرٍ

ومن يَفز بحبيبِ الله يأتَمِمِ

جُبتَ السماوات أو ما فوقهُنَّ بهم

على مُنَوَّرةٍ دُريَّةِ اللُّجُمِ

رَكوبة لك من عِزٍّ ومن شرفٍ

لا في الجيادِ، ولا في الأينُق الرُسُمِ

مشيئة الخالقِ الباري، وصَنعتُهُ

وقدرةُ الله فوقَ الشكِّ والتُهَمِ

حتى بلغتَ سماءً لا يُطارُ لها

على جناحٍ، ولا يُسعى على قدمِ

وقيلَ: كلُّ نبيٍّ عندَ رُتبتهُ

ويا مُحَمّدُ ،هذا العرشُ فاستلمِ

خططتَ للدين والدنيا عُلومَهما

يا قارىء اللوح ،بل يا لامسَ القلمِ

أحطتَ بينهما بالسرِّ، وانكشفت

لكَ الخزائنُ من عِلمٍ ومن حِكمِ

وضاعفَ القُربُ ما قُّلّدتَ من مِنَنٍ

بلا عِدادٍ، وما طُوِّقتَ من نِعَمِ

سل عُصبةَ الشِّركِ حول الغارِ سائمةً

لولا مُطاردةُ المختارِ لم تُسَمِ

هل أبصروا الأثرَ الوَضاءَ، أم سمعوا

همسَ التسابيحِ والقرآن من أمَمِ

وهل تمثّل نَسجُ العنكبوتِ لهم

كالغابِ ،والحائماتُ والزُغبُ كالرُخَمِ؟

فأدبروا ،ووجوهُ الأرضِ تلعنُهم

كباطلٍ من جلالِ الحقِّ مُنهزمِ

لولا يدُ الله بالجارين ما سلِما

وعينهُ حولَ رُكنِ الدين، لم يَقمِ

تواريا بجناحِ الله، واستترا

ومن يضُمُّ جناحُ الله لا يُضَمِ

يا أحمدَ الخيرِ ،لي جاهٌ بتسميتي

وكيفَ لا يتسامى بالرسولِ سَمي؟

المادحونَ وأربابُ الهوى تَبَعٌ

لصاحبِ البُردةِ الفيحاءِ ذي القَدمِ

مَديحُهُ فيكَ حُبٌّ خالِصٌ وهوىً

وصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلمِ

الله يشهدُ أني لا أعارضهُ

من ذا يُعارِضُ صَوبَ العارضِ العَرِمِ؟

وإنّما أنا بعضُ الغابطينَ، ومن

يَغبط وليَّكَ لا يُذمَم ولا يُلَمِ

هذا مقامٌ من الرحمن مُقتبسٌ

ترمي مهابتُهُ سحبانَ بالبَكمِ

البدرُ دونكَ في حُسنٍ وفي شَرفٍ

والبحرُ دونكَ في خيرٍ وفي كرمِ

شُمُّ الجبالِ إذا طاولتها انخفضت

والأنجمُ الزُهرُ ما واسمتها تَسِمِ

والليثُ دونكَ بأساً عند وثبتهِ

إذا مشيتَ إلى شاكي السلاحِ كَمي

تهفو إليكَ وإن أدميتَ حَبتَّها

في الحربِ أفئدةُ الأبطالِ والبُهَمِ

محبّة الله ألقاها ،وهيبتُهُ

على ابنِ آمنةٍ في كُلِّ مُصطدَمِ

كأنَّ وجهكَ تحت النقعِ بدرُ دُجىً

يُضيءُ مُلتثماً ،أو غيرَ مُلتثمِ

بدرٌ تطلّعَ في بدرٍ، فغُرَّتهُ

كَغُرَّةِ النصر، تجلو داجيَ الظلم

ذُكِرتَ باليُتمِ في القرآنِ تكرُمةً

وقيمةُ اللؤلؤِ المكنونِ في اليُتُمِ

الله قسَّمَ بين الناسِ رزقهُمُ

وأنتَ خُيّرتَ في الأرزاقِ والقِسَمِ

إن قلتَ في الأمرِ لا أو قلتَ فيهِ نعم

فخيرَهُ الله في لا منكَ أو نعمِ

أخوكَ عيسى دعا ميتاً ،فقام لهُ

وأنتَ أحييتَ أجيالاً من الرِّممِ

والجهلُ

موتٌ، فإن أوتيتَ مُعجزةً

فابعث من الجهلِ، أو فابعث من الرَّجَمِ

قالوا غزوتَ ورُسلُ الله ما بعثوا

لقتلِ نفسٍ ولا جاؤوا لِفكِ دمِ

جهلٌ وتضليلُ أحلامٍ وسَفسطةٌ

فتحتَ بالسيفِ بعد الفتحِ بالقلمِ

لمّا أتى لكَ عَفواً كلُّ ذي حَسَبٍ

تَكَفَّلَ السيفُ بالجُهّالِ والعَمَمِ

والشرُّ إن تلقهُ بالخيرِ ضِقتَ بهِ

ذرعاً وإن تلقهُ بالشَرِّ يَنحسمِ

سَلْ المسيحيةَ الغرّاءَ: كم شربت

بالصّابِ من شهواتِ الظالمِ الغَلِمِ

طريدةُ الشِركِ، يؤذيها، ويُوسِعُها

في كلِّ حين قِتالاً ساطِعَ الحَدَمِ

لولا حُماةٌ لها هَبُّوا لِنصرتها

بالسيفِ، ما انتفَعت بالرفقِ والرُّحَمِ

لولا مكانٌ لِعيسى عندَ مُرسلهِ

وحُرمةٌ وجَبَت للروح في القِدَمِ

لسُمِّرَ البَدنُ الطُّهرُ الشريفُ على

لوحين ،لم يخشَ مُؤذيهِ، ولم يَجمِ

جَلَّ المسيحُ، وذاقَ الصَّلبَ شانئهُ

إنَّ العقابَ بقدرِ الذنبِ والجُرُمِ

أخو النبيِّ، وروحُ الله في نُزُلٍ

فوقَ السماءِ ودونَ العَرشِ مُحترمِ

عَلَّمتهم كلَّ شيءٍ يجهلون بهِ

حتى القِتالَ وما فيهِ من الذِممِ

دعوتَهم لجهادٍ فيه سُؤدُدُهم

والحربُ أُسُّ نظام الكونِ والأممِ

لولاهُ لم نرَ للدولاتِ في زمنٍ

ما طالَ من عُمُدٍ أو قرَّ من دُهُمِ

تلكَ الشواهدُ تترى كلَّ آونةٍ

في الأعصرِ الغُرِّ لا في الأعصُرِ الدُهُمِ

بالأمسِ مالت عروشٌ واعتلت سُرُرٌ

لولا القذائفُ لم تثلم ولم تَصُمِ

أشياعُ عيسى أعدّوا كلَّ قاصِمةٍ

ولم نُعِدُّ سوى حالاتِ مُنقصمِ

مهما دُعيتَ إلى الهيجاءِ قُمتَ لها

ترمي بأُسدٍ، ويرمي الله بالرُّجُمِ

على لوائكَ منهم كلُّ مُنتقمٍ

لله، مُستقتِلٍ في الله، مُعتَزمِ

مُسَبحٍ للقاءِ الله مُضطرِمٍ

شوقاً، على سابخٍ كالبرقِ مُضطرمِ

لو صادفَ الدهرَ يبغي نقلةً، فرمى

بعزمهِ في رحالِ الدهر لم يَرِمِ

بيضٌ، مفاليلُ من فعلِ الحروبِ بهم

من أسيُفِ الله ،لا الهنديَّةُ الخُذُمِ

كم في الترابِ إذا فتشتَ عن رَجُلٍ

من ماتَ بالعهدِ، أو من ماتَ بالقَسَمِ

لولا مواهبُ في بعضِ الأنامِ لما

تفاوتَ الناسُ في الأقدارِ والقِيَمِ

شريعةٌ لكَ فجّرتَ العقولَ بها

عن زاخرٍ بصنوفِ العلمِ مُلتطِمِ

يلوحُ حولَ سَنا التوحيدِ جوهرُها

كالحَلي للسيفِ أو كالوشي للعلمِ

غَرَّاءُ، حامت عليها أنفُسٌ ونُهىً

ومن يجد سَلسلاً من حِكمةٍ يَحُمِ

نورُ السبيلِ يُساسُ العالمونَ بها

تَكفَّلتْ بشبابِ الدهرِ والهَرَمِ

يجري الزمانُ وأحكامُ الزمان على

حُكمٍ لها ،نافذٍ في الخلقِ مُرتَسمِ

لمّا اعتلت دولةُُ الإسلامِ واتسعت

مشتْ ممالكهُ في نورها التَمَمِ

وعلَّمت أمةٌ بالقفرِ نازلة

رعيَ القياصرِ بعدَ الشاءِ والنَعَمِ

كم شيّدَ المُصلحونَ العاملونَ بها

في الشرق والغربِ مُلكاً باذِخَ العِظَمِ

للِعلمِ والعدلِ والتمدينِ ما عَزموا

من الأمورِ ومل شدّوا من الحُزُمِ

سُرعانَ ما فتحوا الدنيا لِمِلَّتِهم

وأنهلوا الناسَ من سَلسالها الشَبمِ

ساروا عليها هُداة الناسِ فهي بهم

إلى الفلاح طريقٌ واضحُ العَظمِ

لا يهدمُ الدهرُ رُكناً شادَ عَدلهُمُ

وحائطُ البغي إن تَلمسهُ يَنهَدِمِ

نالوا السعادةَ في الدارين ،واجتمعوا

على عَميمٍ من الرُضوان مُقتَسَمِ

دع عنكَ روما وآثينا وما حوتا

كلُّ اليواقيتِ في بغدادَ والتوَمِ

وخَلِّ كِسرى وإيواناً يَدِلُّ به

هوىً على أثرِ النيرانِ واليُمِ

واترك رعمسيسَ إن المُلكَ مَظهرُهُ

في نهضةِ العدلِ لا في نهضةِ الهَرَمِ

دارُ الشرائعِ روما كُلّما ذُكرت

دارُ السلامِ لها ألقت يدَ السَلَمِ

ما ضارَ عنها بياناً عندَ مُلتَأمٍ

ولا حَكتها قضاءً عندَ مُختَصَمِ

ولا احتوت في طِراز من قياصرها

على رشيدٍ ومأمون ومُعتصِمِ

من الذينَ إذا سارت كتائبُهم

تصَرّفوا بحُدودِ الأرضِ والتُخَمِ

ويجلسونَ إلى علمٍ ومعرفةٍ

فلا يُدانونَ في عقلٍ ولا فهَمِ

يُطأطىءُ العلماءُ الهامَ إن نَبَسوا

من هَيبةِ العلمِ، لا من هَيبةِ الحُكمِ

ويُمطرونَ فما بالأرضِ من مَحَلٍ

ولا بمن باتَ فوقَ الأرضِ من عُدُمِ

خلائفُ الله جَلّوا عن مُوازنةٍ

فلا تقيسنَّ أملاكَ الورى بهمِ

من في البريّةِ كالفاروق مَعدَلةً؟

وكابن عبدِ العزيزِ الخاشعِ الحَشِمِ

وكالإمام إذا ما فضَّ مُزدحماً

بمدمع في مآقي القومِ مُزدحمِ

الزاخرُ العذبُ في علمٍ وفي أدبٍ

والناصرُ النَدبِ في حربٍ وفي سَلمِ

أو كابنِ عفانَ والقرآنُ في يدهِ

يحنو عليه كما تحنو على الفُطمِ

ويجمعُ الآي ترتيباً وينظمها

عقداً بجيد الليالي غير مُنفصمِ

جُرحان في كبدِ الإسلامِ ما التأما

جرحُ الشهيدِ وجرحٌ بالكتابِ دَمي

وما بلاءُ أبي بكرٍ بمُتّهم

بعد الجلائل في الأفعال والخِدَمِ

بالحزمِ والعزمِ حاطَ الدين في مِحنٍ

أضلتِ الحُلمَ من كهلٍ ومُحتَلِمِ

وَحِدنَ بالراشدِ الفاروق عن رُشدٍ

في الموت، وهو يقينٌ غيرُ مُنبَهمِ

يُجادِلُ القومَ مُستلاً مُهَنّدهُ

في أعظمِ الرُسلِ قدراً كيفَ لم يَدُمِ

لا تعذلوهُ إذا طافَ الذهولُ بهِ

ماتَ الحبيبُ فضلَّ الصَبُّ عن رَغَمِ

يا ربِّ صلِّ وسلم ما أردتَ على

نزيلِ عرشكَ خيرُ الرُسلِ كُلّهمِ

مُحي الليالي صلاة لا يُقطعهُا

إلا بدمعٍ من الإشفاقِ مُنسجمِ

مُسَبِّحاً لك جُنحَ الليلِ مُحتملاً

ضُرّاً من السُهدِ أو ضُراً من الورمِ

رَضيّةٌ نفسهُ لا تشتكي سأماً

وما معَ الحُبِّ إن أخلصتَ من سأمِ

وَصَلِّ ربي على آلٍ لهُ نُخَبٍ

جعلتَ فيهم لواءَ البيتِ والحَرمِ

بيضُ الوجوه ووجهُ الدهرِ ذو حَلكٍ

شُمُّ الأنوفِ وأنفُ الحادثات ٍ حَمي

وأهدِ خير صلاةٍ منكَ أربعة

في الصَحبِ صُحبتُهم مرعيَّةُ الحُرَمِ

الراكبينَ إذا نادى النبيُّ بهم

ما هالَ من جَللٍ واشتدَّ من عَمَمِ

الصابرينَ ونفسُ الأرضِ واجفةٌ

الضاحكينَ إلى الأخطارِ والقحَمِ

يا رَبِّ هَبّت شعوبٌ من مَنيّتها

واستيقظت أمَمٌ من رَقدةِ العَدَمِ

سعدٌ ونحسٌ ومُلكٌ أنتَ مالكُهُ

تُديلُ من نِعَمٍ فيهِ ومن نِقَمِ

رأى قضاؤكَ فينا رأي حكمته

أكرِم بوجهكَ من قاض ومُنتقمِ

فالطف لأجل رسول العالمين بنا

ولا تَزدْ قومَهُ خَسفاً ولا تُسِمِ

يا رَبِّ أحسنتَ بدء المسلمينَ بهِ

فَتَمِّمِ الفضلَ وامنح حُسنَ مُختَتِمِ

أحمد شوقي في قصيدة ولد الهدى“:

وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضِياءُ

وفمُ الزمانِ تَبَسُّمٌ وثناءُ

الروحُ والملأُ الملائكُ حولهُ

للدينِ والدنيا بهِ بُشراءُ

والعرشُ يزهو والحظيرةُ تزدهي

والمُنتهى والسِدرةُ العصماءُ

وحديقةُ الفُرقانِ ضاحِكةُ الرُبا

بالتُرجُمان شَذيِّةٌ غنَّاءُ

والوحيُ يقطرُ سَلسلاً من سَلسلٍ

واللوحُ والقلمُ البديعُ رُواءُ

نُظِمتْ أسامي الرُسلِ فهي صحيفةٌ

في اللوحِ واسمُ مُحَمَّدٍ طغَراءُ

اسمُ الجلالةِ في بديعِ حروفهِ

ألِفٌ هُنالِكَ واسمُ طهَ الباءُ

يا خيرَ من جاء الوُجودَ تحيّة

من مُرسلينَ إلى الهُدى بكَ جاؤوا

بيتُ النبيينَ الذي لا يلتقي

إلا الحَنائفُ فيهِ والحُنفاءُ

خيرُ الأبوَّةِ حازَهم لكَ آدمٌ

دونَ الأنامِ وأحرزَت حوّاءُ

هُم أدركوا عِزَّ النُبوّةِ وانتهت

فيها إليكَ العِزّةُ القعساءُ

خُلِقت لبيتكَ وهو مخلوقٌ لها

إنَّ العظائمَ كفؤها العظماءُ

بكَ بَشَّرَ الله السماء فزُيّنت

وتضَوّعت مِسكاً بكَ الغَبراءُ

وبدا مُحيّاكَ الذي قسماتُهُ

حقٌّ وغُرَّتهُ هدىً وحياءُ

وعليهِ من نورِ النُبوّةِ رونقٌ

ومن الخليلِ وهَديهِ سِيماءُ

أثنى المسيحُ عليهِ خلفَ سَمائهِ

وتهلّلت واهتزَّتِ العذراءُ

يومٌ يتيهُ على الزمانِ صَباحُهُ

ومساؤُهُ بمحمّدٍ وضّاءُ

الحقُّ عالي الرُكنِ فيهِ مُظَفّرٌ

في المُلكِ لا يعلو عليهِ لواءُ

ذُعرتْ عُروشُ الظالمينَ فزُلزلت

وعلت على تيجانهم أصداءُ

والنارُ خاويةُ الجوانبِ حولهم

خَمدت ذوائبها وغاضَ الماءُ

والآيُ تترى والخوارقُ جَمّةٌ

جبريلُ رواحٌ بها غَدّاءُ

نِعمَ اليتيمُ بدت مخايلُ فضلهِ

واليُتمُ رزقٌ بعضهُ وذكاءُ

في المهدِ يُستسقى الحيا برجائِه

وبقصدهِ تُستدفعُ البأساءُ

بِسوى الأمانةِ في الصبا والصدقِ لم

يعرفهُ أهلُ الصدقِ والأمناءُ

يا منْ لهُ الأخلاقُ ما تهوى العُلا

منها وما يَتَعشَّقُ الكُبراءُ

لو لم تُقم ديناً لقامت وحدَها

ديناً تُضيءُ بنورهِ الآناءُ

زانتكَ في الخُلقِ العظيمِ شمائلٌ

يُغرى بهنَّ ويولعُ الكُرماءُ

أما الجمالُ فأنتَ شمسُ سمائهِ

وملاحة الصدّيقِ منكَ أياءُ

والحُسنُ من كرمِ الوجوهِ وخيرُهُ

ما أوتي الفؤادُ والزعماءُ

فإذا سخوتَ بلغتَ بالجودِ المدى

وفعلتَ ما لا تفعلُ الأنواءُ

وإذا عفوتَ فقادراً ومُقدَّراً

لا يستهينُ بعفوكَ الجُهلاءُ

وإذا رحمتَ فأنتَ أمٌّ أو أبٌ

هذان في الدنيا هما الرُحماءُ

وإذا غضبتَ فإنّما هيَ غضبةٌ

في الحقِّ لا ضِغنٌ ولا بغضاءُ

وإذا رضيتَ فذاكَ في مرضاتهِ

ورضى الكثيرِ تَحَلمٌ ورياءُ

وإذا خطبتَ فللمنابرِ هِزّةٌ

تعرو النديَّ وللقلوبِ بكاءُ

وإذا قضيتَ فلا ارتيابَ كأنّما

جاء الخصومَ من السماء قضاءُ

وإذا حَميتَ الماء لم يُورَد ولو

أنَّ القياصرَ والمُلوكَ ظِماءُ

وإذا أجرتَ فأنتَ بيتُ الله لم

يدخُل عليهِ المُستجيرَ عِداءُ

وإذا ملكتَ النفسَ قُمتَ ببرِّها

ولو أنَّ ما ملكت يداكَ الشاءُ

وإذا بنيتَ فخيرُ زوج عِشرةً

وإذا ابتنيتَ فدونكَ الآباءُ

وإذا صَحبتَ رأى الوفاءُ مُجَسّماً

في بُردكَ الأصحابُ والخلطاءُ

وإذا أخذتَ العهدَ أو أعطيتهُ

فجميعُ عهدكَ ذِمّةٌ ووفاءُ

وإذا مشيتَ إلى العدا فغضنفرٌ

وإذا جرَيتَ فإنكَ النكباءُ

وتَمدُّ حِلمكَ للسفيهِ مُدارياً

حتى يضيقَ بعَرضكَ السفهاءُ

في كُلِّ نفس من سُطاكَ مهابةٌ

ولِكُلِّ نفس في نداكَ رجاءُ

والرأيُ لم يُنضَ المهنَّدُ دونَهُ

كالسيفِ لم تضرب به الآراءُ

يا أيها الأميُّ حَسبُكَ رُتبة

في العلمِ أن دانت بكَ العلماءُ

الذكرُ آيةُ ربكَ الكبرى التي

فيها لباغي المعجزاتِ غَناءُ

صدرُ البيان لهُ إذا التقتِ اللغى

وتقدَّمَ البلغاءُ والفصحاءُ

نُسِخت بهِ التوراةُ وهيَ وضيئةٌ

وتَخلّفَ الإنجيلُ وهو ذُكاءُ

لمّا تمشّى في الحجازِ حَكيمهُ

فُضّت عُكاظ بهِ وقامَ حِراءُ

أزرى بمنطقِ أهلهِ وبيانهم

وحيٌ يُقصِّرُ دونهُ البُلغاءُ

حسدوا فقالوا شاعرٌ أو ساحرٌ

ومن الحَسودِ يكونُ الاستهزاءُ

قد نالَ بالهادي الكريم وبالهدى

ما لم تنل من سُؤددٍ سيناءُ

أمسى كأنّكَ من جَلالَ أمّةٌ

وكأنّهُ من أنسهِ بيداءُ

يوحى إليكَ الفوزُ في ظلماتهِ

متتابعاً تُجلى بهِ الظَلماءُ

دينٌ يُشَيَّدُ آية في آيةٍ

لبناتهُ السوراتُ والأدواءُ

الحقُّ فيهِ هو الأساسُ وكيفَ لا

والله جلَّ جلالهُ البناءُ

أما حديثُكَ في العقول فمشرَعٌ

والعلمُ والحِكَمُ الغوالي الماءُ

هوَ صِبغةُ الفرقان نفحةٌ قدسهِ

والسينُ من سَوراتهِ والراءُ

جَرَتِ الفصاحةُ من ينابيعَ النُّهى

من دَوحهِ وتفجّرَ الإنشاءُ

في بحرهِ للسابحينَ بهِ على

أدبِ الحياةِ وعلمِها إرساءُ

أتتِ الدهورُ على سُلافتهِ ولم

نفنَ السُلافُ ولا سلا النُدماءُ

بكَ يا ابنَ عبد الله قامت سَمحةٌ

بالحقِّ من مِلل الهدى غَرّاءُ

بُنيت على التوحيدِ وهي حقيقةٌ

نادى بها سُقراطُ والقدماءُ

وجَدَ الزُّعافَ من السمومِ لأجلها

كالشَهدِ ثمَّ تتابعَ الشُهداءُ

ومشى على وجهِ الزمانِ بنورها

كُهَانُ وادي النيل والعُرفاءُ

إيزيسُ ذاتُ المُلكِ حينَ توحدَت

أخذت قِوامَ أمورها الأشياءُ

لمّا دعوتَ الناسَ لبّى عاقلٌ

وأصَمَّ منكَ الجاهلينَ نداءُ

أبوا الخروجَ إليكَ من أوهامهم

والناسُ في أوهامهم سجناءُ

ومنَ العقولِ جداولٌ وجلامدٌ

ومن النفوسِ حرائرٌ وإماءُ

داءُ الجماعةِ من أرسطاليسَ لم

يوصف لهُ حتى أتيتَ دواءُ

فرسمتَ بعدكَ للعبادِ حكومة

لا سوقةٌ فيها ولا أمراءُ

الله فوقَ الخَلق فيها وحدَهُ

والناسُ تحتَ لوائها أكفاءُ

والدينُ يُسرٌ والخلافةُ بيعةٌ

والأمرُ شورى والحقوقُ قضاءُ

الاشتراكيونَ أنتَ إمامُهُم

لولا دعاوى القومِ والغُلواءُ

داويتَ متئداً وداووا طفرةً

وأخفُّ من بعض الدواءِ الداءُ

الحربُ في حقٍّ لديكَ شريعةٌ

ومن السُمومِ الناقعاتِ دواءُ

والبِرُّ عندَكَ ذِمّةٌ وفريضةٌ

لا مِنّةٌ ممنونةٌ وجَباءُ

جاءت فوحدّت الزكاةُ سبيلهُ

حتى التقى الكرماءُ والبُخلاءُ

أنصفتَ أهلَ الفقرِ من أهلِ الغِنى

فالكلُّ في حقِّ الحياةِ سواءُ

فلو أنَّ إنساناً تخيّرَ ملة

ما اختارَ إلا دينكَ الفقراءُ

يا أيها المُسرى به شَرَفاً إلى

ما لا تنال الشمسُ والجوزاءُ

يتساءلونَ وأنتَ أطهرُ هيكلٍ

بالروح أم بالهيكلِ الإسراءُ

بهما سموتَ مُطهرّين كلاهما

نورٌ ورَيحانيَّةٌ وبهاءُ

فضلٌ عليكَ لذي الجلالِ ومِنّةٌ

والله يفعلُ ما يرى ويشاءُ

تغشى الغيوبَ من العوالمِ كُلّما

طُويت سماءٌ قلدتك سماءُ

في كلِّ منطقةٍ حواشي نورها

نونٌ وأنتَ النقطة الزهراءُ

أنتَ الجمالُ بها وأنتَ المُجتلى

والكفُّ والمِرآةُ والحسناءُ

الله هيّاَ من حظيرةِ قُدسهِ

نُزُلاً لذاتكَ لم يَجزهُ علاءُ

العرشُ تحتكَ سُدَّة وقوائماً

ومناكبُ الروح الأمين وِطاءُ

والرُسلُ دونَ العَرشِ لم يؤذن لهم

حاشا لِغيركَ موعدٌ ولقاءُ

الخيلُ تأبى غير أحمدَ حامياً

وبها إذا ذُكر اسمهُ خُيلاءُ

شيخُ الفوارسِ يعلمونَ مكانهُ

إن هَيَّجت آسادَها الهيجاءُ

وإذا تصدّى للِظُبى فَمُهنَدٌ

أو للِرماحِ فصعَدةٌ سمراءُ

وإذا رمى عن قوسهِ فيمينُهُ

قدَرٌ وما ترمى اليمينُ قضاءُ

من كُلِّ داعي الحقِّ هِمَّةٌ سيفهِ

فلِسيفهِ في الراسياتِ مَضاءُ

ساقي الجريحِ ومُطعمِ الأسرى ومن

أمِنت سنابكَ خيلهِ الأشلاءُ

إنّ الشجاعةَ في الرجال غلاظةٌ

ما لم تزنها رأفةٌ وسخاءُ

والحربُ من شرفِ الشعوبِ فإن بَغوا

فالمجدُ مِمّا يدّعونَ براءُ

والحربُ يبعثها القويُّ تَجَبُّراً

وينوءُ تحتَ بلائها الضُعفاءُ

كم من غُزاةٍ للرسولِ كريمةٍ

فيها رِضى للحقِّ أو إعلاءُ

كانت لِجُندِ الله فيها شِدّةٌ

في إثرها للِعالمينَ رَخاءُ

ضربوا الضلالةَ ضربةٌ ذهبت بها

فعلى الجهالةِ والضلالِ عَفاءُ

دعموا على الحربِ السلامَ وطالما

حقنت دماءً في الزمانِ دماءُ

الحقُّ عِرضُ الله كلُّ أبيّةٍ

بين النفوس حِمىً لهُ ووقارُ

هل كانَ حولَ مُحَمّدٍ من قومهِ

إلا صبيٌّ واحدٌ ونساءُ

فدعا فلبّى في القبائلِ عُصبةٌ

مُستضعفونَ قلائلٌ أنضاءُ

ردّوا ببأسِ العزمِ عنهُ من الأذى

ما لا ترُدُّ الصخرةُ الصَماءُ

والحقُّ والإيمانُ إن صُبّا على

بُردٍ ففيهِ كتيبةٌ خرساءُ

نسفوا بناء الشِركِ فهو خرائبٌ

واستأصلوا الأصنام فهي هباءُ

يمشونَ تُغضي الأرضُ منهُم هَيبة

وبهم حِيالَ نعيمها إغضاءُ

حتى إذا فُتحت لهم أطرافُها

لم يُطغهم ترفٌ ولا نَعماءُ

يا من لهُ عِزُّ الشفاعةِ وحدَهُ

وهو المُنَزّهُ مالهُ شُفعاءُ

عرشُ القيامةِ أنتَ تحتَ لوائهِ

والحوضُ أنتَ حِيالهُ السَّقاءُ

تروي وتسقي الصالحينَ ثوابَهُم

والصالحاتُ ذخائرٌ وجزاءُ

ألِمثلِ هذا ذُقتَ في الدنيا الطوى

وانشقَّ من خَلقٍ عليكَ رداءُ

لي في مديحكَ يا رسولُ عرائسٌ

تُيِّمنَ فيك وشاقُهنَّ جلاءُ

هُنَّ الحِسانُ فإن قبلتَ تَكرُّماً

فمُهورُهنَّ شفاعةٌ حسناءُ

أنتَ الذي نظمَ البريّة دينهُ

ماذا يقولُ وينظمُ الشعراءُ

المُصلحونَ أصابعٌ جُمعت يداً

هي أنتَ بل أنتَ اليدُ البيضاءُ

ما جئتُ بابكَ مادحاً بل داعياً

ومن المديحِ تَضرُّعٌ ودُعاءُ

أدعوكَ عن قومي الضعافِ لأزمةٍ

في مثلها يُلقى عليك رجاءُ

أدرى رسولُ الله أنَّ نفوسَهُم

ركبت هواها والقلوبُ هواء

مُتفككونَ فما تضمُّ نفوسَهُم

ثقةٌ ولا جمعَ القلوبَ صفاءُ

رقدوا وغَرَّهم نعيمٌ باطلٌ

ونعيمُ قومٍ في القيودِ بلاءُ

ظلموا شريعتكَ التي نِلنا بها

ما لم ينل في رومة الفقهاءُ

مشتِ الحضارةُ في سناها واهتدى

في الدين والدنيا بها السعداءُ

صلى عليك الله ما صَحِبَ الدُّجى

حادٍ وحَنَّت بالفلا وجناءُ

واستقبلَ الرضوانَ في غرفاتهم

خيرُ الوسائلِ من يقع منهم على

بجنان عدن آلكَ السُمحاءُ

سَببٍ إليكَ فحسبي الزهراءُ

أحمد شوقي في قصيدةسلوا قلبي“:

وسوّى الله بينكم المنايا

ووسدكم مع الرُسلِ الترابا

وأرسلَ عائلاً منكم يتيماً

دنا من ذي الجلالِ فكان قابا

نبيُّ البرِّ،بَيّنهُ سبيلاً

وسنَّ خلالهُ،وهدى الشّعابا

تفرق بعد عيسى الناسُ فيه

فلما جاءَ كان لهم متابا

وشافي النفس من نزغاتِ شَرٍّ

كشافٍ من طبائعها الذئابا

وكانَ بيانهُ للهدي سُبلاً

وكانت خيلهُ للحقِّ غابا

وعلّمنا بناءَ المجدِ، حتى

أخذنا إمرةَ الأرضِ اغتصابا

وما نيلُ المطالبِ بالتمنّي

ولكن تؤخذُ الدنيا غِلابا

وما استعصى على قومٍ منالٌ

إذا الإقدامُ كان لهم رِكابا

تجلّى مولدُ الهادي،وعَمّت

بشائرُهُ البوادي والقِصابا

وأسدَتْ للبريّة بنتُ وهبٍ

يداً بيضاءَ،طوَّقتِ الرقابا

لقد وضعتهُ وهاجاً،منيراً

كما تلدُ السماوات الشهابا

فقام على سماء البيتِ نوراً

يُضيءُ جبالَ مكّة والنقابا

وضاعت يثرِب الفيحاء مِسكاً

وفاحَ القاعُ أرجاء ً وطابا

أبا الزهراء،قد جاوزتُ قدري

بمدحكَ،بيدَ أن ليَ انتسابا

فما عرفَ البلاغة ذو بيانٍ

إذا لم يتخذِكَ له كتابا

مدحتُ المالكينَ ،فزدتُ قدراً

فلم أرَ غير حُكمِ الله حكماً

فحينَ مدحتُكَ اقتدتُ السحابا

ولم أرَ دونَ بابِ الله بابا

سألتُ الله في أبناء ديني

فإن تكن الوسيلةَ لي أجابا

وما للمسلمين سواكَ حِصنٌ

إذا ما الضُرُّ مسّهُمُ ونابا

كأنَّ النحسَ حين جرى عليهم

أطارَ بكلِّ مملكةٍ غُرابا

ولو حفظوا سبيلكَ كان نوراً

وكان من النُحوسِ لهم حجابا

بنيتَ لهم من الأخلاقِ ركناً

فخانوا الرُكن،فانَهدم اضطرابا

وكانَ جَنابُهُمْ فيها مهيباً

وللأخلاقِ أجَدرُ أن تُهابا

فلولاها لساوى الليثُ ذئباً

وساوى الصارِمُ الماضي قِرابا

فإن قُرنت مكارِمُها بعلمٍ

تذلّلتِ العُلى بهما صعابا

أحمد شوقي:

لمّا حللَتِ بآدم حلَّ الحبا

ومشى على الملأ السجودِ الرُّكعِ

وأرى النُبّوةَ في ذَراكِ تكّرمتْ

في يوسفٍ وتَكّملت في المُرضَعِ

وسقت قُريشَ على لسانِ محمّدٍ

بالباليِّ من البيانِ المُمتعِ

ومشت بموسى في الظلامِ مُشرّداً

وحَدَتهُ في قُللِ الجبالِ اللُّمعِ

أحمد شوقي من قصيدة“إلى عرفات الله“:

إذا زُرتَ يا مولايَ قبرَ مُحمّدٍ

وقَبلّتَ مثوى الأعظمِ العطراتِ

وفاضت مع الدمعِ العيونُ مهابةً

لأحمدَ بينَ السِترِ والحُجراتِ

وأشرقَ نورٌ تحتَ كُلِّ ثنيّةٍ

وضاعَ أريجٌ تحتَ كلِّ حصاةِ

لِمظهرِ دين الله فوقَ تنوفةٍ

وباني صروحَ المجدِ فوقَ فلاةِ

فَقُلْ لرسولِ الله يا خيرَ مُرسَلِ

أبثّكَ ما تدري من الحسراتِ

شعوبُكَ في شرق البلادِ وغربها

كأصحابِ كهفٍ في عميقِ سُباتِ

بأيمانهم نوران: ذكرٌ وسنّةٌ

فما بالهم في حالك الظلماتِ؟

وذلكَ ماضي مجدهم وفخارهم

فما ضرَّهم لو يعملون لآتي

وهذا زمانٌ أرضهُ وسماؤهُ

مجالٌ لمقدامٍ كبيرِ حياة

مشى فيه قومٌ في السماءِ وأنشئوا

فَقُلْ رَبِّ وفِّقْ للعظائمِ أمتي

بوارجَ في الأبراجِ ممتنعاتِ

وزَيّنْ لها الأفعالَ والعزماتِ

أحمد شوقي:

عيدُ المسيحِ وعيدُ أحمدَ أقبلا

يتباريانِ وضاءةً وجمالا

ميلادُ إحسانِ وهجرة سؤددٍ

قد غيّرا وجهَ البسيطةِ حالا

أحمد شوقي:

أرسلت بالتوراةِ موسى مُرشداً

وابنَ البتولِ فَعلّمَ الإنجيلا

وفجّرتَ ينبوعَ البيانِ محمداً

فسقى الحديث،وناولَ التنزيلا

أحمد شوقي:

أشرقَ النورُ في العوالمِ لمّا

بشّرتها بأحمدَ الأنباءُ

باليتيمِ الأميِّ والبشرِ المو

حى إليهِ العلومُ والأسماءُ

قوّةُ الله إن توّلت ضعيفاً

أشرفُ المرسلينَ آيتهُ النطقُ

تعبت في مِراسهِ الأقوياءُ

مُبيناً وقومهُ الفصحاءُ

جاء للناسِ والسرائرُ فوضى

لم يؤلف شتاتهنّ لواءُ

وحِمى الله مُستباحٌ وشرعُ الله

والحقُّ والصوابُ وراءُ

أحمد شوقي في قصيدةسلوا قلبي“:

أبا الزهراء، قد جاوزتُ قدري

بمدحكَ ،بَيدَ أن ليَ انتسابا

مدحتُ المالكين،فزدتُ قدراً

فحينَ مدحتُكَ اقتدتُ السحابا

سألتُ الله في أبناء ديني

فإن تكُنْ الوسيلةَ لي أجابا

وما للمسلمين سواكَ حصنٌ

إذا ما الضرُّ مِسّهم ونابا

ولو حفظوا سبيلك كان نوراً

وكان من النحوس لهم حِجابا

قصيدة البردةللإمام شرف الدين البوصيري:

مولاي صلي وسلّم أبداً

على حبيبك خير الخلق كلهم

أمِنْ تَذكُّرِ جيرانٍ بذي سَلَمِ

مزجتَ دمعاً جرى من مُقلةٍ بدمِ

أم هَبّت الريح من تلقاء كاظمةٍ

وأومضَ الرقُ في الظُلماءِ من إضمِ

فما لعينيك إن قلت اكفُفا هَمتا

وما لقلبكَ إن قات استفق يَهِمِ

أيحسب الصَبُّ أنَّ الحُبَّ منكتمٌ

ما بينَ منسجم منه ومضطرمِ

لو كنتُ أعلم أني ما أوقره
كتمتُ سراً بدا لي منه بالكتمِ
فإنّ أمّارتي بالسوءِ ما اتّعظت
من جهلها بنذيرِ الشيبِ والهَرمِ
من لي برَدِّ جِماحٍ من غَوايتها
كما يُردُّ جِماحُ الخيلِ باللُجُمِ؟
فلا تَرُم بالمعاصي كسرَ شهوتها
إنَّ الطعامَ يُقوّي شهوةَ النَهمِ
والنفسُ كالطفلِ:إن تُهملهُ شبَّ على
حبِّ الرضاعِ،وإن تَفطِمهُ ينفطمِ
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إن الهوى ما تولى يصم أو يصمِ
وراعها وهي في الأعمال سائمةٌ
وإن هي استحلت المرعى فلا تَسمِ
كم حسنت لذّة للمرءِ قاتلة
من حيث لم يدرِ أنّ السُم في الدسمِ
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبعٍ
فرُبَّ مخمصةٍ شرٌّ من التُخَمِ
واستفرغ الدمعَ من عين قد امتلأت
من المحارم والزم حِميّة الندم
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتهمِ
ولا تُطع منهما خصماً ولا حكماً
فأنتَ تعرفُ كيدَ الخصم والحكمِ
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ
لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقمِ
أمرتكُ الخيرَ لمن ما ائتمرتَ به
وما استقمتَ فما قولي لك استقمِ
ولا تزوّدت قبل الموت نافلةً
ولم أصل سوى فرض ولم أصمِ
في مدح سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم
ظلمت سنّة من أحيا الظلام إلى
أن اشتكت قدماه الضرَّ من ورم
وشدَّ من سغبٍ أحشاءه وطوى
تحت الحجارةِ كشحاً مترف الأدمِ
وراودتهُ الجبال الشمّ من ذهبٍ
عن نفسه فأراها أيمّا شممِ
وأدت زهده فيها ضرورته
إن الضرورة لا تعدو على العِصَمِ
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من
لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
مُحَمّدٌ سيّدُ الكَونينِ والثقلي
نِ والفريقينِ من عُرْبٍ ومن عَجَمِ
نبيّنا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
أبَرّ في قولِ لا منه ولا نعمِ
هو الحبيبُ الذي ترجى شفاعتهُ
لكُلِّ هولٍ من الأهوالِ مُقتحمِ
دعا إلى الله فالمستمسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير مُنفصمِ
فاقَ النبييّنَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يُدانوهُ في علمٍ ولا كَرَمِ
وكُلُّهمْ من رسولِ الله مُلتمسٌ
غَرفاً من البحرِ أو رَشفاً من الدِيَمِ
وواقفونَ لديهِ عندَ حَدّهِم
من نقطةِ العلم أو من شكلة الحِكمِ
فهو الذي تمّ معناهُ وصورته
ثم اصطفاهُ حبيباً باريء النَسمِ
منزّهٌ عن شريكٍ في محاسنهِ
فجوهر الحسن فيه غير مُنقسِمِ
دعْ ما ادّعتهُ النصارى في نَبيِّهمُ
واحكم بما شئتَ مدحاً فيه واحتكمِ
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرفٍ
وانسب إلى قدره ما شئت من عظمِ
فإنّ فضلَ رسول الله ليسَ له
حدٌّ فيُعْرِبَ عن ناطقٍ بِفَم
لم يَمتَحِنّا بما تعيا العقولُ بهِ
حِرصاً علينا فلم نَرْتَبْ ولم نَهِمِ
أعيا الورى فهمُ معناهُ فليس يُرى
في القُربِ والبُعدِ غيرُ مُنفَحِمِ
كالشمسِ تظهرُ للعينينِ من بُعُدٍ
صغيرةً، وتكُلُّ الطَّرفَ من أَمَمِ
وكيفَ يُدرِكُ في الدنيا حقيقَتُه
قومٌ نيامٌ تسلّوا عنهُ بالحُلُمِ
فمبلَغُ العلمِ فيهِ أنّهُ بشرٌ
وأنّهُ خيرُ خلقِ الله كُلِّهمِ
وكُلُّ آيٍ أتى الرسلُ الكِرامُ بها
فإنّما اتصلت من نُورهِ بهمِ
فإنّهُ شمسُ فضلٍ هم كواكِبُها
يُظهرنَ أنوارَها للناسِ في الظُّلَمِ
أكرِمْ بخلق نبيٍّ زانَهُ خُلُقٌ
بالحُسنِ مُشتمِلٍ بالبِشرِ مُتسّمِ
كالزهرِ في ترفٍ والبدرِ في شرفٍ
والبحرِ في كرمٍ والدهرِ في هِمَمِ
كأنّهُ وهو فَرْدٌ من جلالتهِ
في عَسكَرٍ حين تلقاهُ وفي حَشَمِ
كأنّما اللؤلؤ المكنونُ في صَدَفٍ
منْ مَعدِني منطقٍ منه ومُبتَسمِ
لا طِيبَ يعدِلُ تُرباً ضَمَّ أعظمَهُ
طُوبى لِمُنتشقٍ منه ومُلتثِمِ
في مولده صلى الله عليه وسلم
أبان مولده عن طيب عنصرهِ
يا طيبَ مبتدأ منه ومختتمِ
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم
قد أنذروا بحلولِ البؤسِ والنقمِ
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ
كشملِ أصحاب كسرى غير ملتئمِ
والنارُ خامدةُ الأنفاسِ من أسفٍ
عليه والنهر ساهي العين من سدمِ
وساءَ ساوةَ أن غاضت بحيرتها
ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأنّ بالنارِ ما بالماءِ من بلل
حزناً وبالماء ما بالنارِ من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعة
والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم
تسمع وبارقة الإنذار لم تُشمِ
من بعدِ ما أخبره الأقوام كاهِنُهُم
بأن دينهم المعوجّ لم يقُمِ
وبعد ما عاينوا في الأفقِ من شهب
منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنمِ
حتى غدا عن طريق الوحي منهزمٌ
من الشياطين يقفو إثر منهزمِ
كأنّهم هرباً أبطال أبرهةٍ
أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمي
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما
نبذَ المسبِّح من أحشاءِ ملتقمِ
في معجزاته صلى الله عليه وسلم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة
تمشي إليه على ساقٍ بلا قَدمِ
كأنّما سطرت سطراً لما كتبت
فروعها من بديعِ الخَطِّ في اللقمِ
مثل الغمامة أنّى سار سائرة
تقيهِ حرّ وطيسٍ للهجير حَمِ
أقسمت بالقمر المنشق إن له
من قلبه نسبة مبرورة القسم
وما حوى الغار من خير ومن كرم
وكل طرفٍ من الكفار عنهُ عَمِ
فالصِّدقُ في الغارِ والصديق لم يرما
وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على
خير البرية لم تنسج ولم تحمِ
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ من
الدروع وعن عالٍ من الأطُمِ
ما سامني الدهرُ ضيماً واستجرت به
إلا ونلت جواراً منه لم يضمِ
ولا التمست غنى الدارين من يده
إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تُنكر الوحي من رؤياه إن له
قلباً إذا نامت العينان لم ينمِ
وذاك حين بلوغٍ من نبوته
فليس ينكر فيه حال محتلمِ
تبارك الله ما وحيٌّ بمكتسب
ولا نبيِّ على غيبٍ بمتهمِ
كم أبرأت وصباً باللمسِ راحته
وأطلقت أرباً من ربقة اللمم
وأحيت السنّة الشهباء دعوته
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها
حتى حكت غرّة في الأعصر الدُّهمِ
سيّبٌ من اليمِ أو سيلٌ من العرِمِ
في شرف القرآن ومدحه
دَعني ووَصفي آياتٍ له ظهرتْ
ظهورَ نار القِرى ليلاً على عَلَمِ
فالدُّرُّ يزدادُ حُسناً وهو مُنتَظِمٌ
وليس ينقصُ قدراً غيرَ منتظمِ
فما تطاول آمال المديح إلى
ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيمِ
آيات حقٍّ من الرحمن محدثةٌ
قديمةٌ صفة الموصوف بالقِدَمِ
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا
عن المعادِ وعن عادٍ وعن إرَمِ
دامتْ لدينا ففاقت كُلَّ مُعجزةٍ
من النبيين إذ جاءت ولم تَدُمِ
محكماتٌ فما تبقين من شبهٍ
لذي شقاقٍ وما تبغين من حكمِ
ما حُورِبَتْ قطُّ إلا عادَ من حَرَبٍ
أعدى الأعادي إليها مُلقي السَّلمِ
ردّتْ بلاغتها دعوى مُعارِضَها
ردَّ الغيورِ يدَ الجاني عن الحُرَمِ
لها معانٍ كموجِ البحر في مددٍ
وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تُحصى عجائبها
ولا تسأم على الإكثارِ بالسأمِ
قرّت بها عين قاريها فقلت له
لقد ظفرت بحبل الله فاعتصمِ
إن تتلها خيفةً من حرِّ نار لظى
أطفأت حرّ لظى من وردها الشمِ
كأنها الحوض تبيض الوجوه به
من العصاة وقد جاؤوه كالحِمَمِ
وكالصراط وكالميزان معدلة
فالقسط من غيرها في الناس لم يقمِ
لا تعجبنْ لِحَسودٍ راح يُنكرُهَا
تجاهلاً، وهو عينُ الحاذِقِ الفهِمِ
قد تُنكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رَمَدٍ
ويُنكِرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سَقمِ
في الإسراء والمعراج:
يا خيرَ من يَمم العافون ساحته
سعياً وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ
ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنمِ
سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ
كما سرى البدر في داجٍ من الظلمِ
وبت ترقى إلى أن نلت منزلة
من قاب قوسين لم تُدرك ولم تُرمِ
وقدّمتك جميع الأنبياء بها
والرسل تقديم مخدومٍ على خدمِ
وأنتَ تخترق السبع الطباق بهم
في مركب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ
من الدنوِّ ولا مرقى لمستنمِ
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ
نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم
كيما تفوز بوصلٍ آي مستترٍ
عن العيون وسرِ آي مكتتمِ
فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ
وجزت كل مقامٍ غير مزدحمِ
وجلّ مقدار ما وليت من رتبٍ
وعزّ إدراك ما أوليت من نعمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا
من العناية ركناً غيرِ منهدمِ
لما دعا الله داعينا لطاعته
بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ
في جهاد النبي صلى الله عليه وسلم:
راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتهِ
كنبأةِ أجفلت غَفلاً من الغنمِ
مازال يلقاهُم في كُلِّ مُعتركٍ
حتى حكوا بالقنا لحماً على وضَمِ
ودّوا الفرار فكادوا يغبطونَ به
أشلاءَ شالت مع العقبانِ والرَّخمِ
تمضي الليالي ولا يدرونَ عدَّتها
ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُمِ
كأنَّما الدِّينُ ضيفٌ حَلّ ساحَتهُم
بكلِّ قَرْمٍ إلى لحم العدا قرِمِ
يَجُرُّ بحرَ خميسٍ فوق سابحةٍ
يرمي بموجٍ من الأبطالِ مُلتَطمِ
من كُلِّ مُنتَدبٍ لله مُحتسبٍ
يسطو بمستأصلٍ للكفرِ مُصطلمِ
حتى غدتْ ملّةُ الإسلام وهي بهم
من بعد غربتها موصولة الرَّحمِ
مكفولةٌ أبداً منهم بخيرِ أبٍ
وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
همُ الجبالُ فَسَلْ عنهم مُصادِمَهُم
ماذا رأى منهمُ في كلِّ مُصطدمِ
وسَلْ حنيناً وسلْ بدراً وسلْ أُحداً
فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخمِ
المُصدري البيضَ حُمْراً بعد ما وردت
من العدا كُلَّ مُسَّودٍ من اللممِ
والكاتبينَ بِسُمرِ الخطِّ ما تركت
شاكي السلاحِ لهم سيما تُميّزهم
أقلامُهُم حَرفَ جِسمٍ غير منعجمِ
والوردُ يمتازُ بالسِّيما ممّن السّلمِ
كأنّهم في ظهورِ الخيل نبت ربا
من شدّة الحزم لا من شدّة الحُزُمِ
طارت قلوب العدا من بأسهم فَرْقاً
فما تفرق بين البَهمِ والبُهمِ
ومن تكن برسولِ الله نصرته
إن تلقه الأسد في آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ
به ولا من عدوٍّ غير منفصمِ
أحلَّ أمّتهُ في حِرزِ ملّته
كالليثِ حَلّ مع الأشبالِ في أجمِ
كم جدلت كلمات الله من جدلٍ
فيه وكم خصم البرهان من خصمِ
كفاك بالعلم في الأميِّ معجزةٌ
في الجاهلية والتأديبِ في اليتمِ
في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم:
خدمتهُ بمديحٍ أستقبلُ به
ذنوب عمرٍ مضى في الشعرِ والخدمِ
إذ قلداني ما تُخشى عواقبهُ
كأنّني بهما هديٌّ من النعمِ
أطعت على الصِّبا في الحالتين وما
حصلت إلا على الآثامِ والندمِ
فيا خسارة نفس في تجارتها
لم تشترِ الدنيا بالدين ولم تسمِ
ومن يبعْ آجلاً منه بعاجلهِ
يبن له الغبن في بيع وفي سلمِ
إن أتِ ذنباً فما عهدي بمنتقض
من النبي ولا حبلي بمنصرمِ
فإنّ لي ذمّة منه بتسميتي
محمداً وهو أوفى الخلق بالذممِ
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ
حاشاهُ أن يحرم الراجي مكارمه
أو يرجع الجار منه غير محترمِ
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه
وجدته لخلاصي خير ملتزمِ
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت
إنّ الحيا يُنبت الأزهار في الأكمِ
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت
يدا زهيرٍ بما أثنى على هَرِمِ
في المناجاة وعرض الحاجات:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذُ بهش
سواكَ عند حلولِ الحادثِ العَممِ
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
إذا الكريم تحلّى باسم منقمِ
يا نفسُ لا تقنطي من زلّة عظمت
إنَّ الكبائر في الغفران كالِلمِ
لعلّ رحمة ربي حين يقسمها
تأتي على حسب العصيان في القسمِ
يا ربِّ واجعل رجائي غير منعكسٍ
لديك واجعل حسابي غير مُنخرمِ
والطف بعبدك في الدارين إنّ لهُ
صبراً متى تدعه الأهوال ينهزمِ
وأذن لسحب صلاة منك دائمةٍ
على النبيِّ بمنهلٍ ومُنسجمِ
ما رنّحت عذبات البان ريح صباً
وأطربَ العيس حادي العيس بالغنمِ
ثمّ الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمرٍ
وعن علي وعن عثمان ذي الكرمِ
والآلِ والصحب ثم التابعين فهم
أهل التقى والنقاة والحلم والكرمِ
يا ربِّ بالمصطفى بلّغ مقاصدنا
واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرمِ
واغفر إلهي لكلِّ المسلمين بما
يتلون في المسجد الأقصى وفي الحرمِ
بجاه من بيته في طيبة حرمٌ
واسمه قسم من أعظم القسمِ
وهذه بردة المختار قد خُتمت
والحمد لله في بدء وفي ختمِ
آياتها قد أتت ستين مع مائةٍ
فرِّج بها كربنا يا واسع الكرمِ
البوصيري في قصيدةالهمزية النبوية“:
كيفَ تَرقى رُقِيَّكَ الأنبياءُ
يا سماءً ما طاولتها سماءُ
لم يُساووكَ في عُلاكَ،وقد حالَ
سناً منكَ دونهم وسناءُ
إنما مَثّلوا صفاتك للناسِ
كما مَثّلَ النجومَ الماءُ
أنتَ مصباحُ كلِّ فضلٍ،فما تَص
درُ إلا عن ضوئكَ الأضواءُ
لك ذاتُ العلومُ من عالَمِ الغيبِ
ومنها لآدمَ الأسماءُ
ما مضت فترةٌ من الرُسلِ إلا
بشّرت قومها بكَ الأنبياءُ
تتباهى بكَ العصورُ وتسمو بك
علياءُ بعدها علياء
ثم قامَ النبيُّ يدعو إلى الله
وفي الكفر نجدةٌ وإباءُ
اُمَماً أُشرِبت قلوبُهُمُ الكُفرَ
فداءُ الضلالِ فيهم عَياءُ
فبما رحمةٍ له بنصرٍ وفتحٍ
بعد ذاك الخضراء والغبراءُ
وأطاعت لأمرهِ العَرَبُ العر
باءُ والجاهليةُ الجهلاء
وتوالت للمصطفى الآيةُ الكب
رى عليهم والغارة الشعواءُ
فإذا ما تلا كتاباً من الله
تلته كتيبةٌ خضراءُ
شرف الدين البوصيري:
رحمةٌ كله وحزم وعزم
ووقارٌ وعِصمةٌ وضِياءُ
لا تحلُّ البأساءُ منهُ عُرى الص
بر ولا تستخفّه السّراءُ
كُرُمتْ نفس، فما يخطر السوءُ
على قلبهِ ولا الفحشاءُ
البوصيري:
الله أكبر إنَّ دينَ مُحَمّد
وكتابه أقوى وأقوم قيلا
طلعت به شمس الهداية للورى
وأبى لها وصف الكمال أفولا
والحقُّ أبلجُ في شريعته التي
جمعت فروعاً للهدى وأصولا
لا تذكروا الكتب السوالف عنده
طلع الصباح فأطفئوا القنديلا
البوصيري:
مُحَمَّدٌ حُجّةُ الله التي ظهرت
بِسُنّةٍ مالها في الخلقِ تحويلُ
من كمّل الله معناهُ وصورَتهُ
فلم يفته على الحالين تكميلُ
محمود سامي البارودي:
هيهات يَسلُكُ لومُ العاذلينَ إلى
قلبٍ بِحبِّ رسولِ الله مُمتزجِ
هوَ النبيُّ الذي لولا هدايتُهُ
لكانَ أعلمُ من في الأرضِ كالهمجِ
هاجت بذكراهُ نفسي فاكتست ولهاً
وأيُّ صَبٍّ بذكرِ الشوقِ لم يهجِ
محمود سامي البارودي في قصيدةكشف الغمّة في مدح سيد الأمّة:
يارائدَ البرقِ يَمّمْ دارةَ العَلَمِ
واحدُ الغَمامَ إلى حيٍّ بذي سَلَمِ
أدعو إلى الدّارِ بالسُّقيا وبي ظَمأٌ
حَقٌّ بالرِّيِّ لكنّي أخو كَرَمِ
منازلٌ لِهواها بينَ جانحتي
وديعةٌ سِرُّها لم يتصِلْ بفمي
إذا تَنسّمتُ منها نَفحةٌ لَعِبتْ
بيَ الصَبابةُ لَعِبَ الريحِ بالعَلَمِ
أدِرْ على السَّمعِ ذكراها فإنَّ لها
في القلبِ منزلةً مَرعيّةَ الذِمَمِ
عهدٌ تولّى وأبقى في الفؤادِ لهُ
شوقاً يَفُلُّ شَباةَ الرأي والهِمَمِ
إذا تذكّرتهُ لاحتْ مَخائِلُهُ
للعينِ حتى كأنّي منهُ في حُلُمِ
فما على الدَّهرِ لو رقَّتْ شَمائلُهُ
فعادَ بالوصلِ أو ألقى يدَ السَّلمِ
تَكاءدَنني خطوبٌ لو رَميتُ بها
مناكِبَ الأرضِ لم تثبُتْ على قَدَمِ
في بلدةٍ مثلِ جَوفِ العَيرِ لستُ أرى
فيها سوى أُمَمٍ تحنو على صَنمِ
لا أستقِرُّ بها إلا على قَلَقٍ
ولا ألذُّ بها إلا على ألمِ
إذا تَلّفتُ حولي لم أجد أثراً
إلا خيالي ولم أسمع سوى كَلمي
فمنْ يَرُدُّ على نفسي لُبانتَها
أو من يُجيرُ فؤادي من يدِ السَّقَمِ
مُحَمّدٌ خاتمُ الرُسلِ الذي خضعت
لهُ البريّةُ من عُرْبٍ ومن عَجَمِ
سميرُ وحيٍ ومَجنى حِكمةٍ وندى
سماحةٍ وقِرى عافٍ ورَيُّ ظَمِ
قد أبلغَ الوحيُ عنهُ قبلَ بعثتهِ
مسامعَ الرُسلِ قولاً غيرَ مُنكَتمِ
فذاكَ دعوةُ إبراهيمَ خالِقَهُ
وسرُّ ما قالهُ عيسى من القِدَمِ
أكرِمْ بهِ وبآباءٍ مُحَجَّلةٍ
جاءت بهِ غُرَّةً في الأعصُرِ الدُّهُمِ
قد كانَ في مَلكوتِ الله مُدَّخراً
لدعوةٍ كانَ فيها صاحبَ العَلَمِ
نورٌ تَنَقَّلَ في الأكوانِ ساطِعُهُ
تَنَقُّلَ البدرِ من صُلبٍ إلى رَحِمِ
حتى استقرَّ بعبدِ الله فانبلجت
أنوارُ غُرَّتهِ كالبدرِ في البُهُمِ
واختارَ آمنةَ العذراءَ صاحبةً
لفضلها بين أهلِ الحِلِّ والحَرَمِ
كِلاهُما في العُلا كُفءٌ لصاحبهِ
والكُفءُ في المجدِ لا يُستامُ بالقِيِم
فأصبحت عندَهُ في بيتِ مَكرمةٍ
شِيدت دعائِمُهُ في منصِبٍ سِنِمِ
وحينما حَملتْ بالمُصطفى وضعت
يدُ المشيئةِ عنها كُلفَةَ الوَجَمِ
ولاحَ من جسمها نورٌ أضاءَ لها
قصورَ بُصرى بأرضِ الشّآمِ من أمَمِ
ومُذ أتى الوَضعُ وهو الرَّفعُ منزلةً
جاءت بروحٍ بنورِ الله مُتَسّمِ
ضاءت به غُرَّةُ الإثنينِ وابتسمت
عن حُسنهِ في ربيعٍ روضةُ الحَرَمِ
وأرضعتهُ ولم تيأس حليمةُ من
قولِ المراضعِ إنَّ البؤسَ في اليَتَمِ
ففاضَ بالدَّرِّ ثدياها وقد غَنيت
ليالياً وهي لم تطعم ولم تَنمِ
وانهلَّ بعد انقطاعٍ رِسْلُ شارفِها
حتى غَدَت من رَفيهِ العيشِ في طُعَمِ
فَيَمّمت أهلها مملوءةً فرحاً
بما أُتيحَ لها من أوفرِ النِّعمِ
وقَلَّصَ الجدبُ عنها فهي طاعِمةٌ
من خيرِ ما رَفدتها ثَلّةُ الغَنَمِ
وكيفَ تَمحلُ أرضٌ حلَّ ساحتها
مُحَمّدٌ وهو غيثُ الجودِ والكَرَمِ
فلم يزل عندها ينمو وتكلؤهُ
رعايةُ الله من سوءٍ ومن وَصَمِ
حتى إذا تمَّ ميقاتُ الرَّضاعِ لهُ
حَولينِ أصبحَ ذا أيدٍ على الفُطُمِ
وجاءَ كالغُصنِ مجدولاً تَرِفُّ على
جبينهِ لمحاتُ المجدِ والفَهٍمِ
قد تمَّ عقلاً وما تمّت رَضاعتهُ
وفاضَ حِلماً ولم يبلغ مدى الحُلُمِ
فَبينما هوَ يرعى البَهْمَ طافَ بهِ
شخصانِ من ملكوتِ الله ذي العِظَمِ
فأضجعاهُ وشقّا صدرهُ بيدٍ
رفيقةٍ لم يَبِت منها على ألمِ
وبعدَ ما قضيا من قلبهِ وطراً
تولّيا غسلهُ بالسَّلسلِ الشَّبِمِ
ما عالجا قلبَهُ إلا لِيخلصَ من
شَوبِ الهوى ويعي قُدسيّةَ الحِكَمِ
فيا لها نِعمةً لله خصَّ بها
حبيبَهُ وهو طِفلٌ غيرُ مُحتَلمِ
وقال عنهُ بَحيرا حينَ أبصرَهُ
بأرضِ بُصرى مقالاً غيرَ مُتَهَّمِ
إذ ظَلّلتهُ الغمامُ الغُرُّ وانهصرت
عطفاً عليه فروعُ الضَّالِ والسَّلمِ
بأنّهُ خاتمُ الرُّسلِ الكِرامِ ومنْ
بهِ تزولُ صروفُ البؤسِ والنِّقَمِ
هذا وكمْ آيةٍ سارت لهُ فَمَحتْ
بنورها ظُلمةَ الأهوالِ والقُحَمِ
ما مرَّ يومٌ لهُ إلا وقَلّدَهُ
صنائعاً لم تَزَل في الدَّهرِ كالعَلَمِ
حتى استَتّمَ ولا نقصانَ ياحقهُ
خمساً وعشرينَ سِنُّ البارعِ الفَهِمِ
ولَقَّبتهُ قريشٌ بالأمينِ على
صِدقِ الأمانةِ والإيفاءِ بالذِّممِ
ودّت خديجةُ أن يرعى تجارتها
وِدادَ مُنتهزٍ للخيرِ مُغتَنِمِ
فَشدَّ عَزمتها منهُ بِمُقتدرٍ
ماضي الجنانِ إذا ما همَّ لم يخِمِ
وسارَ مُعتزماً للِشأمِ يصحبهُ
في السَّيرِ ميسرةُ المَرضيُّ في الحشَمِ
فما أناخَ بها حتى قضى وطراً
من كُلِّ ما رامهُ في البيعِ والسَّلمِ
وكيفَ يخسرُ من لولاهُ ما ربحت
تِجارةُ الدِّينِ في سَهلٍ وفي عَلَمِ
فَقَصَّ ميسرةُ المأمونُ قِصّتهُ
على خديجةَ سَرداً غيرَ مُنعَجِمِ
وما رواهُ لهُ كهلٌ بصومعةٍ
من الرَّهابينِ عن أسلافهِ القُدُمِ
في دوحةٍ عاجَ خيرُ المُرسلينَ بها
من قبلِ بعثهِ للعُربِ والعَجمِ
هذا نبيٌّ ولم ينزل بساحتها
إلا نبيٌّ كريمُ النَّفسِ والشِّيمِ
وسيرةَ المَلكينِ الحائمينِ على
جبينهِ لِيُظِلّاهُ من التّهمِ
فكانَ ما قَصّهُ أصلاً لما وصلت
بهِ إلى الخَيرِ من قصدٍ ومُعتَزَمِ
أحسِن بها وصلةً في الله قد أخذت
بها على الدّهرِ عَقداً غيرَ مُنفصمِ
فأصبحا في صفاءٍ غير منقطعٍ
على الزمانِ ووِدٍّ غير مُنصرمِ
وحينما أجمعت أمراً قريشُ على
بنايةِ البيتِ ذي الحُجّابِ والخَدَمِ
تَجَمَّعت فِرَقُ الأحلافِ واقتسمت
بناءَهُ عن تراضٍ خيرَ مُقتَسِمِ
حتى إذا بلغَ البُنيانُ غايتَهُ
من موضعِ الرُّكنِ بعد الكدِّ والجشَمِ
تسابقوا طَلباً للأجرِ واختصموا
فيمن يشدُّ بناهُ كُلَّ مُختَصمِ
وأقسمَ القومُ أن لا صُلحَ يعصمُهُم
من اقتحامِ المنايا أيّما قَسَمِ
وأدخلوا حينَ جَدَّ الأمرُ أيديَهم
للِشرِّ في جفنةٍ مملوءةٍ بِدَمِ
فقالَ ذو رأيهم لا تعجلوا وخذوا
بالحزمِ فهوَ الذي يشفي من الحَزَمِ
لِيرضَ كلُّ امرىءٍ منا بأوّلِ من
يأتي فَيُقسِطُ فينا قِسطَ مُحتَكمِ
فقالَ كُلٌّ رضينا بالأمينِ على
عِلمٍ فأكرِم به من عادلٍ حَكَمِ
فكانَ أوَّلَ آتٍ بعدما اتفقوا
مُحَمّدٌ وهو في الخيراتِ ذو قَدَمِ
فأعلموهُ بما قد كانَ واحتكموا
إليهِ في حَلِّ هذا المُشكلِ العَمَمِ
فَمدَّ ثوباً وحَطَّ الرُكنَ في وسطٍ
منهُ وقال ارفعوهُ جانبَ الرّضَمِ
فنالَ كلُّ امرىءٍ حظاً بما حملَت
يداهُ منهُ ولم يَعتِب على القِسَمِ
حتى إذا اقتربوا تِلقاءَ موضعهِ
من جانب البيتِ ذي الأركانِ والدّعمِ
مدَّ الرَّسولُ يداً منهُ مُباركةً
بَنتهُ في صَدَفٍ من باذخٍ سَنِمِ
فليزدد الرُّكنُ تيهاً حيثُ نالَ بهِ
فخراً أقامَ لهُ الدنيا على قَدَمِ
لو لم تكن يدُهُ مَسّتهُ حين بنى
ما كانَ أصبحَ ملثوماً بِكُلِّ فمِ
يا ليتني والأماني رُبّما صدقت
أحظى بِمُعتَنقٍ منهُ ومُلتَزَمِ
يا حَبّذا صِبغةٌ من حُسنهِ أخذت
منها الشَّبيبةُ لونَ العُذرِ واللَّممِ
كالخالِ في وجنةٍ زِيدت محاسِنُها
بِنُقطةٍ منهُ أضعافاً من القِيَمِ
وكيفَ لا يفخرُ البيتُ العتيقُ بهِ
وقد بنتهُ يدٌ فيّاضةُ النِّعَمِ
أكرِم به وازعاً لولا هِدايتُهُ
لم يظهر العدلُ في أرضٍ ولم يَقُمِ
هذا الذي عصمَ الله الأنامَ به
من كُلِّ هولٍ من الأهوالِ مُختَرِمِ
وحينَ أدركَ سِنَّ الأربعينَ وما
من قَبلهِ مبلغٌ للِعلمِ والحِكَمِ
حباهُ ذو العَرشِ بُرهاناً أراهُ بهِ
آيات حِكمتهِ في عالَمِ الحُلُمِ
فكانَ يمضي ليرعى أُنسَ وحشتهِ
في شاسعٍ ما بهِ للِخَلقِ من أرَمِ
فما يَمُرُّ على صخرٍ ولا شجرٍ
إلا وحَيّاهُ بالتَسليمِ من أَمَمِ
حتى إذا حانَ أمرُ الغيبِ وانحسرت
أستارُهُ عن ضميرِ اللوحِ والقَلمِ
نادى بدعوتهِ جهراً فأسمعها
في كُلِّ ناحيةٍ من كانَ ذا صَمَمِ
فكانَ أوَّلُ من في الدِّينِ تابَعَهُ
خديجةٌ وعليٌّ ثابتُ القَدَمِ
ثمَّ استجابت رجالٌ دونَ أُسرتهِ
وفي الأباعدِ ما يُغني عن الرَّحمِ
ومن أرادَ بهِ الرَّحمنُ مَكرُمةً
هداهُ للِرُّشدِ في داجٍ من الظُّلمِ
ثمَّ استمرَ رسولُ الله مُعتَزماً
يدعو إلى ربِّهِ في كُلِّ مُلتأمِ
والناسُ منهُم رشيدٌ يستجيبُ له
طوعاً ومنهم غَوِيٌّ غيرُ مُحتَشِمِ
حتى استرابت قُريشٌ واستبدَّ بها
جهلٌ تَردّت بهِ في مارجٍ ضَرِمِ
وعذّبوا أهلَ دينِ الله وانتهكوا
محارماً أعقبتهُم لهفةَ النَّدمِ
وقامَ يدعو أبو جهلٍ عشيرَتهُ
إلى الضّلالِ ولم يَجنح إلى سَلَمِ
يُبدي خِداعاً ويُخفي ما تضمنّهُ
ضميرهُ من غَراةِ الحِقدِ والسَّدَمِ
لا يَسلمُ القلبُ من غِلٍّ ألمَّ بهِ
ينقى الأديمُ ويبقى موضِعَ الحَلَمِ
والحقدُ كالنّارِ إن أخفيتهُ ظهرت
منهُ علائمُ فوق الوجه كالحُمَمِ
لا يُبصرُ الحقَّ مَن جهلٌ أحاطَ بهِ
وكيف يُبصِرُ نورَ الحقِّ وهو عَمِّ
كلُّ امريءٍ واجدٌ ما قدّمت يدُهُ
إذا استوى قائماً من هُوَّةِ الأدَمِ
والخيرُ والشرُّ في الدنيا مُكافأةٌ
والنّفسُ مسؤولةٌ عن كلِّ مُجتَرَمِ
فلا يَنم ظالمٌ عمّا جَنت يدُهُ
على العبادِ فعينُ الله لم تَنَمِ
ولم يزل أهلُ دينِ الله في نَصَبٍ
ممّا يُلاقونَ من كَربٍ ومن زأمِ
حتى إذا لم يَعُد في الأمرِ مَنزعةٌ
وأصبحَ الشَّرُّ جهراً غيرَ مُنكَتمِ
ساروا إلى الهجرةِ الأولى وما قصدوا
غيرَ النّجاشيِّ ملكاً صادِقَ الذِّمَمِ
فأصبحوا عندَهُ في ظِلِّ مملكةٍ
حصينةٍ وذِمامٍ غيرِ مُنجَذِمِ
من أنكرَ الضَّيمَ لم يأنس بِصحبتهِ
ومن أحاطت بهِ الأهوالُ لم يُقِمِ
ومُذ رأى المُشركون الدِّين قد وضحت
سماؤهُ وانجلت عن صِمَّةِ الصِّمَمِ
تألّبوا رغبةً في الشرِّ وائتمروا
على الصَّحيفة من غيظٍ ومن وَغَمِ
صحيفةٌ وَسَمت بالغدرِ أوجُهَهُم
والغدرُ يَعلَقُ بالأعراضِ كالدَّسَمِ
فَكشَّفَ الله منها غُمّةً نزلت
بالمؤمنينَ ورَبِّي كاشفُ الغُمَمِ
من أضمرَ السُّوءَ جازاهُ الإلهُ بهِ
ومن رعى البغيَ لم يسلم من النِّقَمِ
كفى الطُّفيلَ بن عَمروٍ لُمعَةٌ ظهرت
في سَوطهِ فأنارت سُدفَةَ القَتَمِ
هدى الله بها دَوساً من ضلالتها
فتابعت أمرَ داعيها ولم تَهِمِ
وفي الإراشيِّ للأقوامِ مُعتَبرٌ
إذ جاء مكّةَ في ذَودٍ من النَّعمِ
فباعها من أبي جهلٍ فماطَلَهُ
بحقِّهِ وتمادى غيرَ مُحتَشِمِ
فجاءَ منتصراً يشكو ظُلامتَهُ
إلى النبيِّ ونعِمَ العونُ في الإزَمِ
فقامَ مُبتدراً يسعى لِنُصرتهِ
ونُصرةُ الحقِّ شأنُ المرءِ ذي الهِمَمِ
فَدَقَّ بابَ أبي جهلٍ فجاءَ لهُ
طَوعاً يجُرُّ عِنانَ الخائفِ الزَّرِمِ
فحينَ لاقى رسولَ الله لاحَ لهُ
فَحْلٌ يَحُدُّ إليهِ النَّابَ من أطَمِ
فهالهُ ما رأى فارتدَّ مُنزعجاً
وعادَ بالنّقدِ بعدَ المَطلِ عن رَغَمِ
أتلكَ أم حينَ نادى سَرْحةً فأتت
إليهِ منشورةَ الأغصانِ كالجُمَمِ
حَنَّت عليهِ حُنُوَّ الأُمِّ من شَفَقٍ
ورفرفت فوقَ ذاك الحُسنِ من رَخَمِ
جاءتهُ طوعاً وعادت حين قال لها
عُودي ولو خُلِّيت للشّوقِ لم تَرِمِ
وحَبّذا ليلةُ الإسراءِ حينَ سرى
ليلاً إلى المسجدِ الأقصى بلا أتَمِ
رأى بهِ من كِرامِ الرُّسلِ طائفةً
فأمَّهُم ثمَّ صلى خاشعاً بهِمِ
بل حَبَّذا نهضةُ المِعراجِ حيَ سما
بهِ إلى مَشهدٍ في العزِّ لم يُرَمِ
سما إلى الفَلكِ الأعلى فنالَ بهِ
قدراً يَجِلُّ عن التشبيهِ في العِظَمِ
وسارَ في سُبُحاتِ النُّورِ مُرتقياً
إلى مدارجَ أعيت كُلَّ مُعتَزِمِ
وفازَ بالجوهرِ المكنونِ من كَلِمٍ
ليست إذا قُرِنت بالوصفِ كالكَلِمِ
سرٌّ تحارُ بهِ الألبابُ قاصرةً
ونِعمةٌ لم تكن في الدهرِ كالنِّعمِ
هيهاتَ يبلغُ فهمٌ كُنهَ ما بلغت
قُرباهُ منهُ وقد ناجاهُ من اَمَمِ
فيا لها وصلةٌ نالَ الحبيبُ بها
ما لم ينلهُ من التَّكريم ذو نَسَمِ
فاقت جميعَ الليالي فهي زاهرةٌ
بِحُسنها كزُهورِ النّارِ في العَلَمِ
هذا وقد فرضَ الله الصَّلاة على
عبادهِ وهَداهُم واضحَ اللّقَمِ
فسارعوا نحوَ دينِ الله وانتصبوا
إلى العبادةِ لا يألونَ من سأمِ
ولم يزل سيّدُ الكونينِ مُنتصباً
لدعوةِ الدِّينِ لم يفتر ولم يَجِمِ
يستقبلُ الناسَ في بدوٍ وفي حَضَرٍ
وينشرُ الدِّينَ في سَهلٍ وفي عَلَمِ
حتى استجابت لهُ الأنصارُ واعتصموا
بحبله عن تراضٍ خيرَ مُعتَصمِ
فاستكملت بهمُ الدنيا نضارَتها
وأصبحَ الدِّينُ في جَمعٍ بهم تَمِمِ
قومٌ أقرّوا عِمادَ الحقِّ واصطلموا
ببأسهم كُلَّ جبّارٍ ومُصطلَمِ
فكم بهم أشرقت أستارُ داجيةٍ
وكم بهم خَمدت أنفاسُ مُختَصمِ
فحينَ وافى قُريشاً ذِكرُ بَيعتهم
ثاروا إلى الشَّرِّ فِعلَ الجاهلِ العَرِمِ
وبادهوا أهلَ دينِ الله واهتضموا
حُقوقَهم بالتمادي شرَّ مثهتَضَمِ
فكم ترى من أسيرٍ لا حِراكَ بهِ
وشاردٍ سارَ من فَجٍّ إلى أكَمِ
فهاجرَ الصّحبُ إذ قالَ الرسولُ لهم
سيروا إلى طَيبةَ المَرعيّةِ الحُرَمِ
وظلَّ في مَكّةَ المختارُ منتظراً
إذناً من الله في سَيرٍ ومُعتزَمِ
فأوجست خيفةً منهُ قريشُ ولم
تقبل نصيحاً ولم ترجع إلى فَهَمِ
فاستجمعت عُصَباً في دارِ ندوتها
تبغي بهِ الشَّرَّ من حقدٍ ومن أضَمِ
ولو دَرَت أنّها فيما تُحاولهُ
مخذولةٌ لم تَسُمْ في مرتعٍ وَخِمِ
أولى لها ثُمّ أولى أن يَحيقَ بها
ما أضمرتهُ من البأساءِ والشَّجَمِ
إني لأعجبُ من قومٍ أولي فِطَنٍ
باعوا النُّهى بالعَمى والسَّمعَ بالصممِ
يعصونَ خالقهم جهلاً بِقدرتهِ
ويعكفونَ على الطّاغوتِ والصَّنمِ
فأجمعوا أمرَهُم أن يبغتوهُ إذا
جَنَّ الظَّلامُ وخَفَّت وطأةُ القَدمِ
وأقبلوا مَوهناً في عُصبةٍ غُدُرٍ
من القبائلِ باعوا النّفسَ بالزَّعَمِ
فجاءَ جبريلُ للهادي فأنباهُ
بما اسَرّوهُ بعدَ العهدِ والقَسَمِ
فَمُذ رآهم قياماً حولَ مأمنهِ
يبغونَ ساحتهُ بالشّرِّ والفَقَمِ
نادى عَليّاً فأوصاهُ وقال له
لا تخشَ والبس ردائي آمناً ونَمِ
ومرَّ بالقومِ يتلو وهوَ منصرفٌ
يس وهي شِفاءُ النَّفسِ من وَصَمِ
فلم يروهُ وزاغت عنهُ أعيُنُهُم
وهل ترى الشَّمس جهراً أعينُ الحَنَمِ
وجاءهُ الوحيُ إيذاناً بهجرتهِ
فَيَمّمَ الغارَ بالصدِّيقِ في الغَسَمِ
فما استقرَّ بهِ حتى تبوأهُ
من الحمائمِ زوجٌ بارِعُ الرَّنَمِ
بنى بهِ عُشَّهُ واحتلّهُ سكناً
يأوي إليهِ غداةَ الرِّيحِ والرَّهَمِ
إلفانِ ما جَمَعَ المقدارُ بينهما
إلا لِسرٍّ بصَدرِ الغارِ مُكتَتمِ
كِلاهُما دَيدبانٌ فوقَ مَربأةٍ
يرعى المسالكَ من بُعدٍ ولم يَنمِ
إن حنَّ هذا غراماً أو دعا طَرَباً
باسمِ الهديلِ أجابت تلكَ بالنَّغمِ
يخالها من يراها وهي جاثمةٌ
في وكرها كُرةً ملساءَ من ادَمِ
إن رفرفت سكنت ظِلاً وإن هبطت
روت غليلَ الصّدى من حائرٍ شَبِمِ
وسجفَ العنكبوتُ الغارَ محتفياً
بخيمةٍ حاكها من أبدعِ الخِيَمِ
وارت فمَ الغارِ عن عينٍ تُلِمُّ بهِ
فصارَ يحكي خفاءً وجهَ مُلتثمِ
فظلَّ فيه رسول الله معتكفاً
كالدُرِّ في البحرِ أو كالشمسِ في الغَسَمِ
حتى إذا سكنَ الإرجافِ واحترقت
أكبادُ قومٍ بنارِ اليأسِ والوَغَمِ
أوحى الرسولُ بإعدادِ الرَّحيلِ إلى
من عِندهُ السِّرُّ من خِلٍّ ومن حَشَمِ
وسارَ بعد ثلاثٍ من مباءتهِ
يؤُمُّ طَيبةَ مأوى كُلّ مُعتَصِمِ
فَحينَ وافى قُديداً حلَّ موكبُهُ
بأُمِّ مَعبدَ ذاتِ الشَّاءِ والغَنَمِ
فلم تجد لِقراهُ غيرَ ضائنةٍ
قد اقشعرّت مراعيها فلم تَسُمِ
فما أمرَّ عليها داعياً يدَهُ
حتى استهلّت بذي شَخبينِ كالدِّيمِ
ثمَّ استقلَّ وأبقى في الزمان لها
ذِكراً يسيرُ على الآفاقِ كالنَّسمِ
فبينما هو يطوي البيدَ أدركهُ
ركضاً سُراقةُ مثلَ القَشعَمِ الضَّرِمِ
حتى إذا ما دنا ساخَ الجوادُ بهِ
في بُرقَةٍ فهوى للسَّاقِ والقَدمِ
فصاحَ مُبتهلاً يرجو الأمانَ ولو
مضى على عزمهِ لانهارَ في رَجَمِ
وكيفَ يبلغُ مراً دونهُ وَزَرٌ
من العنايةِ لم يبلغهُ ذو نَسَمِ
فكفَّ عنهُ رسولُ الله وهو بهِ
أدرى وكم نِقَمٍ تفتَرُّ عن نِعَمِ
ولم يزل سائراً حتى أنافَ على
أعلامِ طَيبةَ ذاتِ المنظرِ العَمَمِ
أعظِم بمقدمهِ فخراً ومنقبةً
لمعشرِ الأوسِ والأحياءِ من جُشَمِ
فخرٌ يدومُ لهم فضلٌ بِذكرتهِ
ما سارت العِيسُ بالزُّوارِ للِحرَمِ
يومٌ بهِ أرَّخَ الإسلامُ غُرَّتهُ
وأدركَ الدِّينُ فيه ذِروةَ النُّجُمِ
ثمَّ ابتنى سيّدُ الكونينِ مسجدهُ
بُنيانَ عِزٍّ فأضحى قائمَ الدَّعمِ
واختصَّ فيه بلالاً بالأذانِ واجتمعت
لهث القبائلُ من بُعدٍ ومن زَمَمِ
قامَ النبيُّ خطيباً فيهمُ فأرى
نهجَ الهدى ونهى عن كُلِّ مُجتَرَمِ
وعَمَّهُمْ بكتابٍ حضَّ فيهِ على
محاسنِ الفضلِ والآدابِ والشِّيمِ
فأصبحوا في إخاءٍ غيرِ مُنصدعٍ
على الزَّمانِ وعِزٍّ غيرِ مُنهدمِ
وحينَ آخى رسولُ الله بينَهُمُ
آخى عَليّاً ونِعمَ العونُ في القُحَمِ
هوَ الذي هزمَ اللهُ الطغاةُ بهِ
في كُلِّ مُعتَرَكٍ بالبيضِ مُحتَدِمِ
فاستحكمَ الدِّينُ واشتدَّت دعائِمُهُ
حتى غدا واضحَ العِرنينِ ذا شَمَمِ
وأصبحَ الناسُ إخواناً وعَمَّهُم
فضلٌ من الله أحياهمُ من العَدَمِ
هذا وقد فرضَ الله الجهادَ على
رسولهِ لِيَبُثَّ الدِّينَ في الأممِ
فكانَ أوَّلُ غزوٍ سارَ فيهِ إلى
ودّانَ ثمَّ أتى من غيرِ مُصطَدَمِ
ثًمَّ استَمَرَّت سرايا الدِّينِ سابحةً
بالخيلِ جامحةً تستَنُّ باللُّجُمِ
سَرِيّةٌ كان يرعاها عُبيدةُ في
صَوبٍ وحمزةُ في أخرى إلى التَّهَمِ
وغزوةٌ سارَ فيها المُصطفى قُدُماً
إلى بُواطٍ بِجَمعٍ ساطعِ القَتَمِ
ومِثلَها يَمَّمت ذاتَ العُشيرةِ في
جيشٍ لُهامٍ كموجِ البحرِ مُلتَطِمِ
وسارَ سعدٌ إلى الخَرَّارِ يقدُمهُ
سعدٌ ولم يلقَ في مسراهُ من بَشَمِ
ويَمَّمت سَفوان الخيلُ سابحةً
بِكُلِّ مُعتَزمٍ للقَرنِ مُلتَزِمِ
وتابعَ السَّيرَ عبدُ الله مُتجهاً
تِلقاءَ نخلةَ مصحوباً بكُلِّ كَمي
وحُوّلت قِبلةُ الإسلامِ وقتئذٍ
عن وِجهةِ القُدسِ نحو البيتِ ذي العِظَمِ
ويَمّمَ المُصطفى بدراً فلاحَ لهُ
بدرٌ من النَّصرِ جلّى ظُلمةَ الوَخَمِ
يومٌ تَبَسَّمَ فيهِ الدِّينُ وانهملت
على الضَّلالِ عيونُ الشِّركِ بالسَّجَمِ
أبلى عَليٌّ بهِ خيرَ البلاءِ بما
حباهُ ذو العَرشِ من بأسٍ ومن هِمَمِ
وجالَ حمزةُ بالصَّمصامِ يكسؤُهُم
كسأً يُفرِّقُ منهم كُلَّ مُزدَحَمِ
وغادرَ الصَّحبُ والأنصارُ جَمعَهُمُ
وليسَ فيهِ كَميٌّ غيرُ منهزمِ
تَقَسَّمتهُم يدُ الهيجاءِ عادلةً
فالهامُ للبيضِ والأبدانُ للِرَّخَمِ
كأنّما البيضُ بالأيدي صوالجَةٌ
يلعبنَ في ساحةِ الهيجاءِ بالقِمَمِ
لم يَبقَ منهم كَمِيٌّ غيرُ مُنجَدلٍ
على الرّغامِ وعُضوٌ غيرُ مُنحَطِمِ
فما مضت ساعةٌ والحربُ مُسعَرَةٌ
حتى غدا جمعُهُم نهباً لِمُقتَسِمِ
قد أمطرَتهم سماءُ الحربِ صائبةً
بالمَشرفيَّةِ و المُرّانِ كالرُّجُمِ
فأينَ ما كانَ من زَهوٍ ومن صَلَفٍ
وأينَ ما كانَ من فخرٍ ومن شَمَمِ
جاؤوا وللِشَّرِّ وسمٌ في معاطِسِهم
فأُرغِموا والرَّدى في هذهِ السِّيَمِ
من عارضَ الحقَّ لم تسلم مَقاتِلُهُ
ومن تعَرَّضَ للأخطارِ لم يَنَمِ
فما انقضى يومُ بدرٍ بالتي عَظُمت
حتى مضى غازياً بالخيلِ في الشُّكُمِ
فَيَمّمَ الكُدرَ بالأبطالِ مُنتحياً
بني سُليمٍ فوَلّت عنهُ بالرَّغمِ
وسارَ في غزوةٍ تُدعى السَّويقَ بما
ألقاهُ أعداؤُهُ من عُظمِ زادِهِمِ
ثمَّ انتحى بوجوهِ الخَيلِ ذا أمرٍ
ففرَّ ساكِنُهُ رُعباً إلى الرَّقَمِ
وأَمَّ فرعاً فلم يَثقف بهِ أحداً
ومن يُقيمُ أمامَ العارضِ الهَزِمِ
ولَفَّ بالجيشِ حَيّيَ قَينُقاعَ بما
جَنوا فتَعساً لهم من معشرٍ قَزَمِ
وسارَ زيدٌ بجمعٍ نحوَ قَردةَ من
مياهِ نجدٍ فلم يثقف سوى النَّعَمِ
ثمَّ استدارت رَحا الهيجاءِ في أُحُدٍ
بكُلِّ مُفتَرِسٍ للقِرِنِ مُلتَهِمِ
يومٌ تَبيّنَ فيهِ الجِدُّ واتَّضحت
جَليّةُ الأمرِ بعدَ الجَهدِ والسَّأمِ
قد كان خُبراً وتَمحيصاً ومغفرةً
للمؤمنينَ وهل بُرءٌ بلا سَقَمِ
مضى عليٌّ به قُدماً فزلزلَهُم
بِحملةٍ أوردَتهُم مَورِدَ الشَّجَمِ
وأظهرَ الصَّحبُ والأنصارُ باسَهم
والبأسُ في الفعلِ غيرُ البأسِ في الكَلِمِ
خاضوا المنايا فنالوا عيشةً رَغَداً
ولذَّةُ النفسِ لا تأتي بلا ألمِ
من يلزَمِ الصَّبرَ يستحسن عواقِبَهُ
والماءُ يَحسنُ وقعاً عند كلِّ ظَمِ
لو لم يكن في احتمالِ الصَّبرِ منقبةٌ
لم يظهرِ الفرقُ بين اللؤمِ والكَرَمِ
فكانَ يوماً عتيدَ البأسِ نالَ بهِ
كِلا الفريقينِ جَهداً واريَ الحَدَمِ
أودى بهِ حَمزةَ الصِّنديدُ في نَفَرٍ
نالوا الشَّهادةَ تحتَ العارِضِ الرَّزِمِ
أَحسِن بها مَيتةً أحيوا بها شَرَفاً
والموتُ في الحربِ فخرُ السَّادةِ القُدُمِ
لا عارَ بالقومِ من موتٍ ومن سَلَبٍ
وهل رأيتَ حُساماً غيرَ مُنثَلمِ
فكانَ يوم جزاءٍ بعدَ مُختَبرٍ
لمن وفا وجفا بالعِزِّ والرَّغَمِ
قامَ النبيُّ بهِ في مأزِقٍ حَرِج
ترعى المناصلُ فيه مَنبِتَ الجُمَمِ
فلم يزل صابراً في الحربِ يفثؤُها
بالبيضِ حتى اكتست ثوباً من العَنَمِ
ورَدَّ عَينَ ابنِ نُعمان قتادةَ إذ
سالت فعادت كما كانت بلا لَتِمِ
وقد أتى بعدَ ذا يومُ الرَّجيعِ بما
فيه من الغدرِ بعدَ العهدِ والقَسَمِ
وثارَ نقعُ المنايا في مَعونةَ من
بني سُليَمٍ بأهلِ الفضلِ والحِكَمِ
ثُمَّ اشرأبَّت لِخفرِ العهدِ من سَفَهٍ
بنو النَّضيرِ فأجلاهم عنِ الأُطُمِ
وسارَ مُنتحياً ذاتَ الرِّقاعِ فلم
تلقَ الكتائبُ فيها كيدَ مُصطَدَمِ
وحلَّ من بعدها بدراً لِوعدِ أبي
سُفيانَ لكنّهُ ولّى ولم يَحُمِ
وأَمَّ دَومةَ في جمعٍ وعادَ إلى
مكانهِ وسماءُ النَّقعِ لم تَغِمِ
ثمَّ استثارت قريشٌ وهي ظالمةٌ
أحلافها وأتت في جَحفلٍ لَهِمِ
تستمرىءُ البغيَ من جَهلٍ وما علمت
أنَّ الجهالةَ مدعاةٌ إلى الثَّلَمِ
وقامَ فيهم أبو سُفيانَ من حَنَقٍ
يدعو إلى الشَّرِّ مثلَ الفحلِ ذي القَطَمِ
فخندقَ المؤمنونَ الدّارَ وانتصبوا
لحربهم كضواري الأُسدِ في الأجَمِ
فما استطاعت قُريشٌ نيلَ ما طلبت
وهل تنالُ الثُّريا كفُّ مُستَلِمِ
رامت بِجهلتها أمراً ولو علمت
ماذا أُعِدَّ لها في الغيبِ لم تَرُمِ
فَخَيّبَ الله مسعاها وغادرها
نهبَ الرّدى والصَّدى والرِّيحِ والطَّسَمِ
فقوَّضت عُمُدَ التَّرحالِ وانصرفت
ليلاً إلى حيثُ لم تسرَح ولم تَسُمِ
وكيفَ تَحمدُ عُقبى ما جَنت يدُها
بغياً وقد سَرَحت في مَرتعٍ وَخِمِ
قد أقبلت وهيَ في فخرٍ وفي جَذَلٍ
وأدبرت وهي في خِزيٍ وفي سَدَمِ
من يركبِ الغيَّ لا يَحمد عواقبهُ
ومن يُطِعْ قلبُهُ أمرَ الهوى يَهِمِ
ثُمَّ انتحى بِوجوهِ الخَيلِ ساهمةً
بني قُريظةَ في رَجراجةٍ حُطَمِ
خانوا الرسولَ فجازاهم بما كسبوا
وفي الخيانةِ مدعاةٌ إلى النِّقَمِ
وسارَ ينحو بني لِحيانَ فاعتصموا
خوفَ الرَّدى بالعوالي كُلَّ مُعتَصَمِ
وأَمَّ ذا قَرَدٍ في جحفلٍ لَجِبٍ
يستَنُّ في لاحبٍ بادٍ وفي نَسَمِ
وزارَ بالجيشِ غزواً أرضَ مُصطَلِقٍ
فما اتّقوهُ بغيرِ البيضِ في الخَدَمِ
وفي الحُديبيةِ الصُّلحُ استتبَّ إلى
عَشرٍ ولم يجرِ فيها من دمٍ هَدَمِ
وجاءَ خيبرَ في جَأواءَ كالحةٍ
بالخيلِ كالسَّيلِ والأسيافِ كالضَّرَمِ
حتى إذا امتنعت شُمُّ الحصونِ على
من رامها بعد إيغالٍ ومُقتَحَمِ
قال النبيُّ سأعطي رايتي رَجلاً
يُحِبُّني ويُحبُّ الله ذا الكَرمِ
ذا مِرَّةٍ يفتحُ الله الحُصونَ على
يديهِ ليسَ بِفرّارٍ ولا بَرِمِ
فما بدا الفجرُ إلا والزَّعيمُ على
جيشِ القتالِ عليٌّ رافِعُ العَلَمِ
وكانَ ذا رَمَدٍ فارتدَّ ذا بَصَرٍ
بِنَفثَةٍ أبرات عينيه من وَرَمِ
فسارَ مُعتزماً حتى أنافَ على
حصُونِ خيبرَ بالمسلولةِ الخُذُمِ
يمضي بِمُنصلِهِ قُدماً فيلحَمُهُ
مجرى الوريد من الأعناقِ واللِّممِ
حتى إذا طاحَ منه التُّرسُ تاحَ لهُ
بابٌ فكانَ لهُ تُرساً إلى العَتَمِ
بابٌ أبت قلبَهُ جَهداً ثمانيةٌ
من الصَّحابةِ أهلِ الجِدِّ والعَزَمِ
فلم يزل صائلاً في الحربِ مُقتحماً
غيابةَ النَّقعِ مثلَ الحَيدرِ القَرِمِ
حتى تَبلّجَ فجرُ النَّصرِ وانتشرت
به البشائرُ بين السَّهلِ والعَلَمِ
أبشِر بهِ يوم فتحٍ قد أضاءَ بهِ
وجهُ الزمانِ فأبدى بِشرَ مُبتَسمِ
أتى بهِ جعفرُ الطَّيارُ فابتهجت
بعودهِ أنفسُ الأصحابِ والعثزَمِ
فكانَ يوماً حوى عيدينِ في نَسَقٍ
فتحاً وعَود كريمٍ طاهرِ الشِّيمِ
وعاد بالنَّصرِ مولى الدِّينِ مُنصرفاً
يَؤُمُّ طَيبةَ في عِزٍّ وفي نِعَمِ
ثًمَّ استقامَ لبيتِ الله مُعتمراً
لِنَيلِ ما فاتهُ بالهدي للِحَرَمِ
وسارَ زيدٌ أميراً نحو مُؤتَةَ في
بعثٍ فلاقى بها الأعداءَ من كَثَمِ
فَعَبَّاَ المسلمونَ الجُندَ واقتتلوا
قِتالَ مُنتصرٍ للِحقِّ مُنتقمِ
فطاحَ زيدٌ وأودى جعفرٌ وقضى
تحتَ العَجاجةِ عبدُ الله في قُدُمِ
لا عارَ بالموتِ فالشَّهمُ الجريءً يرى
أنَّ الرَّدى في المعالي خيرُ مغتنَمِ
وحينَ خاست قُريشٌ بالعُهُودِ ولم
تُنصِف وسارت من الأهواءِ في نَقَمِ
وظاهرت من بني بَكرٍ حليفتها
على خُزاعةَ أهلِ الصِّدٌ في الذِّمَمِ
قامَ النبيُّ لِنصرِ الحقِّ مُعتزماً
بِجَحفَلٍ لِجموعِ الشِّركِ مُختَرِمِ
تبدو بهِ البيضُ والقَسطالُ مُنتشرٌ
كالشُّهبِ في الليلِ أو كالنارِ في الفَحَمِ
لَمعُ السيوفِ وتصهالُ الخيولِ بهِ
كالبرقِ والرّعدِ في مُغدَودِقٍ هَزِمِ
عَرمرمٌ ينسفُ الأرضَ الفضاءَ إذا
سرى بها ويدُكُّ الهضبَ من خِيَمِ
فيهِ الكُماةُ التي ذَلّت لعزَّتها
معاطسٌ لم تُذَلّل قبلُ بالخُطُمِ
من كُلِّ مُعتزِمٍ بالصبرِ مُحتَزِمٍ
للِقِرنِ مُلتزمٍ في البأسِ مُهتَزِمِ
طالت بِهم هِمَمٌ نالوا السِّماكَ بها
عن قُدرةٍ وعُلُوُّ النفسِ بالهِمَمِ
بيضٌ أساورةٌ غُلبٌ قساورةٌ
شُكسٌ لدى الحربِ مِطعامونَ في الأُزمِ
طابت نفوسهم بالموتِ إذ علموا
أن الحياةَ التي يبغونَ في العَدَمِ
ساسوا الجيادَ فظلّت في أعنِتّها
طَوعَ البنانةِ في كَرٍّ ومُقتحَمِ
تكادُ تفقهُ لحنَ القولِ من أدبٍ
وتسبقُ الوحيَ والإيماءَ من فَهَمِ
كأنَّ أذنابها في الكرِّ ألويةٌ
على سَفينٍ لأمرِ الرِّيحِ مُرتَسمِ
من كُلِّ مُنجَرِدٍ يهوي بصاحبهِ
بينَ العَجاجِ هويَّ الأجدلِ اللَّحِمِ
والبيضُ ترجُفُ في الأغمادِ من ظمأٍ
والسُّمرُ تَرعدُ في الأيمان من قَرَمِ
من كُلِّ مُطَّرِدٍ لولا علائقهُ
لسابقَ الموتَ نحوَ القِرنِ من ضَرَمِ
كأنّهُ أرقمٌ في رأسهِ حُمَةٌ
يستلُّ كيدَ الأعادي بابنةِ الرَّقمِ
فلم يزل سائراً حتى أنافَ على
أرباضِ مكّة بالفرسانِ والبُهَمِ
ولفَّهم بخميسٍ لو يَشُدُّ على
أركان رضوى لأضحى مائلَ الدِّعَمِ
فأقبلوا يسألونَ الصَّفحَ حين رأوا
أنَّ اللّجاجةَ مدعاةٌ إلى النَّدمِ
رِيعوا فذَلّوا ولو طاشوا لوَقَّرَهُم
ضربٌ يُفرّقُ منهم مجمعَ اللِّمَمِ
ذاقوا الرّدى جُرَعاً فاستسلموا جَزَعاً
للِصُّلحِ والحربُ مَرقاةٌ إلى السَّلَمِ
وأقبلَ النصرُ يتلو وهوَ مُبتَسِمٌ
المجدُ للسيفِ ليسَ المجدُ للِقَلمِ
يا حائِرَ اللُّبِّ هذا الحقُّ فامضِ لهُ
تَسلَم وهذا سبيلُ الرُّشدِ فاستقمِ
لا يَصرَعنَّكَ وهمٌ بتَّ ترقبُهُ
إنَّ التَّوهمَ حتفُ العاجزِ الوَخِمِ
هذا النبيُّ وذاك الجيشُ مُنتشرٌ
ملءَ الفضا فاستبق للخيرِ تغتنمِ
فالزم حِماهُ تجد ما شئتَ من أرَبٍ
وشِم نَداهُ إذا ما البرقُ لم يُشَمِ
واحلُل رِحالكَ وانزل نحوَ سُدَّتهِ
فإنّها عصمةٌ من أوثقِ العِصَمِ
أحيا بهِ الله أمواتَ القلوبِ كما
أحيا النّباتَ بفيضِ الوابلِ الرَّذِمِ
حتّى إذا تمَّ أمرُ الصُلحِ وانتظمت
به عقودُ الأماني أيَّ مُنتظَمِ
قامَ النبيُّ بِشكُرِ الله مُنتصباً
والشُّكرُ في كُلِّ حالٍ كافِلُ النِّعَمِ
وطافَ بالبيتِ سبعاً فوقَ راحلةٍ
قوداءَ ناجيةٍ أمضى من النَّسَمِ
فما أشارَ إلى بُدٍّ بِمِحجَنهِ
إلا هوى ليدٍ مغلولةٍ وفمِ
وفي حُنينٍ إذ ارتدَّت هَوازنُ عن
قصدِ السّبيلِ ولم تَرجِع إلى الحَكَمِ
سرى إليها ببحرٍ من مُلَملَملةٍ
طامي السّراة بموجِ البيضِ مُلتَطِمِ
حتى استذلّت وعادت بعدَ نخوتها
تُلقي إلى كُلِّ من تلقاهُ بالسَّلمِ
ويَمّمَ الطّائفَ الغَنّاءَ ثمَّ مضى
عنها إلى أجَلٍ في الغيبِ مُكتَتَمِ
وحينَ أوفى على وادي تَبوكَ سعى
إليهِ ساكِنُها طَوعاً بلا رَغَمِ
فصالحوهُ وأدّوا جِزيةً ورضوا
بِحُمهِ وتبيعُ الرُّشدِ لم يَهِمِ
ألفى بها عينَ ماءٍ لا تَبِضُّ فَمُذ
دعا لها انفجرت عن سائغٍ سَنِمِ
وراودَ الغيثَ فانهلَّت بوادِرُهُ
بعد الجمودِ بِمُنهلٍّ ومُنسَجِمِ
وأَمَّ طَيبةَ مسروراً بعودتهِ
يطوي المنازلَ بالوخّادةِ الرُّسُمِ
ثُمَّ استهَلّت وفودُ الناسِ قاطبةً
إلى حِماهُ فلاقت وافِرَ الكَرَمِ
فكانَ عامَ وفودٍ كُلّما انصرفت
عِصابةٌ أقبلت أخرى على قَدَمِ
وأرسلَ الرُّسلَ تترى للملوكِ بما
فيهِ بلاغٌ لأهلِ الذِّكرِ والفَهَمِ
وأَمَّ غالِبُ أكنافَ الكَديدِ إلى
بني المُلَوَّحِ فاستولى على النَّعَمِ
وحينَ خانت جُذامُ فلَّ شوكتها
زيدٌ بجمعٍ لرهطِ الشِّركِ مُقتَثِمِ
وسارَ مُنتحياً وادي القُرى فَمحا
بني فَزارةَ أصلَ اللؤُمِ والقَزَمِ
وأَمَّ خيبرَ عبدُ الله في نَفَرٍ
إلى اليسير فأرداهُ بلا أتَمِ
ويَمّمَ ابنُ أُنيسٍ عُرضَ نخلةَ إذ
طغا ابنُ ثَورٍ فأصماهُ ولم يَخِمِ
ثمَّ استقلَّ ابنُ حصنٍ فاحتوت يدُهُ
على بني العَنبرِ الطُّرّارِ والشُّجُمِ
وسارَ عمرو إلى ذاتِ السَّلاسلِ في
جمعٍ لُهامٍ لجيشِ الشِّركِ مُصطلمِ
وغزوتانِ لعبدِ الله واحدَةٌ
إلى رِفاعةَ والأخرى إلى إضَمِ
وسارَ جمعُ ابنِ عوفٍ نحوَ دَومةَ كي
يَفُلَّ سورةَ أهلِ الزُّورِ والتُّهَمِ
واّمَّ بالخيلِ سيفَ البحرِ مُعتزماً
أبو عُبيدةَ في صُيّابةٍ حُشُمِ
واَمَّ مَدينَ زيدٌ فاستوت يدُهُ
على العَدوِّ وساقَ السَّبيَ كالغَنمِ
وقامَ سالِمُ بالعَضبِ الجُرارِ إلى
أبي عُفيكٍ فأرداهُ ولم يَجِمِ
وانقضَّ ليلاً عُميرٌ بالحسامِ على
عَصماءَ حتى سقاها عَلقمَ العَدَمِ
وسارَ بَعثٌ فلم يُخطيء ثُمامةَ إذ
رآهُ فاحتازهُ غُنماً ولم يُلَمِ
ذاكَ الهُمامُ الذي لبّى بمكّة إذ
أتى بها مُعلناً في الأشهُرِ الحُرُمِ
وبعثَ عَلقمةَ استقرى العدوَّ ضُحىً
فلم يجد في خِللِ الحيِّ من أرمِ
وردَّ كُرزٌ إلى العذراءِ من غَدروا
يَسارَ حتى لقوا بَرحاً من الشَّجَمِ
وسارَ بعثُ ابنِ زيدٍ للشآمِ فلم
يلبث أن انقضَّ كالبازي على اليَمَمِ
فهذه الغزواتُ الغُرُّ شاملةً
جمعَ البُعوثِ كَدُرٍّ لاحَ في نُظُمِ
نَظمتها راجياً نيلَ الشَّفاعةِ من
خيرِ البرايا ومولى العُربِ والعَجَمِ
هوَ النبيُّ الذي لولاهُ ما قُبلت
رَجاةُ آدمَ لمّا زلَّ في القِدَمِ
حسبي بِطلعتهِ الغرّاءِ مَفخرةً
لمّا التقيتُ بهِ في عالَمِ الحُلُمِ
وقد حباني عَصاهُ فاعتصمتُ بها
في كُلِّ هولٍ فلم أفزَع ولم أهِمِ
فهيَ التي كان يحبو مثلها كَرَماً
لمن يَودُّ وحسبي نسبةً بِهِمِ
لم أخشَ من بعدِها ما كنتُ أحذَرُهُ
وكيفَ وهي التي تُنجي من الغُمَمِ
كفى بها نِعمةً تعلو بِقيمتها
نفسي وإن كنتُ مسلوباً من القِيَمِ
وما أبرِّىءُ نفسي وهيَ آمرةٌ
بالسُوءِ مالم تَعُقها خيفةُ النَّدمِ
فيا ندامةَ نفسي في المَعادِ إذا
تَعَوّذَ المرءُ خوفَ النُطقِ بالبَكمِ
لكنَّني واثِقٌ بالعفوِ من مَلِكٍ
يعفو برحمتهِ عن كُلِّ مُجتَرِمِ
وسوفَ أبلُغُ آمالي وإن عَظُمت
جرائمي يومَ ألقى صاحبَ العَلَمِ
هوَ الذي يُنعشُ المَكروبَ إذ عَلِقت
بهِ الرزايا ويُغني كلَّ ذي عَدَمِ
هيهاتَ يخذلُ مولاهُ وشاعرَهُ
في الحشرِ وهو كريمُ النَّفسِ والشِّيَمِ
فمدُحهُ رأسُ مالي يومَ مُفتقري
وحبُّهُ عِزُّ نفسي عندَ مُهتَضمي
وهبتُ نفسي لهُ حُبّاً وتَكرِمة
فهل تراني بلغتُ السُّؤلَ من سَلَمي
إنّي وإن مالَ بي دهري وبرَّحَ بي
ضَيمٌ أشاطَ على جَمرِ النَّوى أدَمي
لثابتُ العهدِ لم يحلُل قُوى أملي
يأسٌ ولم تَخطُ بي في سَلوةٍ قدمي
لم يتركِ الدّهرُ لي ما أستعينُ بهِ
على التَّجُملِ إلا ساعدي وفمي
هذا يُحَبِّرُ مدحي في الرسولِ وذا
يتلو على الناسِ ما أوحيهِ من كَلمي
يا سيّدَ الكونِ عفواً إن أثمتُ فلي
بِحُبّكم صلةٌ تُغني عن الرَّحمِ
كفى بِسلمانَ لي فخراً إذا انتسبت
نفسي لكم مثلَهُ في زُمرةِ الحَشَمِ
وحسنُ ظنّي بكم إن مُتُّ يكلؤني
من هولِ ما أتَّقي في ظُلمةِ الرَّجَمِ
تالله ما عاقني عن حَيِّكم شَجَنٌ
لكنّني مُوثَقٌ في رِبقةِ السَّلَمِ
فهل إلى زَورةٍ يحيا الفؤادُ بها
ذَريعةٌ أبتغيها قبلَ مُختَرَمي
شكوتُ بَثَّي إلى ربِّي لِنصفني
من كُلِّ باغٍ عتيدِ الجَورِ أوهكمِ
وكيفَ أرهبُ حَيفا وهوَ مُنتقمٌ
يهابهُ كلُّ جبّارٍ ومنتقمِ
لا غروَ إن نلتُ ما أمَّلتُ منهُ فقد
أنزلتُ مُعظمَ آمالي بذي كَرَمِ
يا مالكَ المُلكِ هب لي منكَ مغفرةً
تمحو ذنوبي غداةَ الخوفِ والنّدمِ
وامنُن عليَّ بِلُطفٍ منكَ يَعصمني
زَيغَ النُّهى يومَ أخذِ الموتِ بالكَظَمِ
لم أدعُ غيركَ فيما نابني فَقِني
شرَّ العواقبِ واحفظني من التُّهَمِ
حاشا لِراجيكَ أن يخشى العِثارَ وما
بعدَ الرَّجاءِ سوى التوفيقِ للِسَّلمِ
وكيفَ أخشى ضلالاً يعدما سِلكت
نفسي بِنورِ الهُدى في مَسلَكٍ قِيَمِ
ولي بِحُبِّ رسولِ الله منزلةٌ
أرجو بها الصَّفحَ يومَ الدِّينِ عن جُرُمي
لا أدّعي عِصمةً لكن يدي عَلِقت
بِسيِّدٍ من يَرِد مرعاتَهُ يَسُمِ
خدمتهُ بمديحي فاعتلوتُ على
هامِ السِّماكِ وصارَ السَّعدُ من خَدمي
وكيفَ أرهبُ ضَيماً بعد خدمتهِ
وخادِمُ السَّادةِ الأجوادِ لم يُضَمِ
أم كيفَ يخذُلني من بعدِ تَسميتي
باسمٍ لهُ في سماءِ العرشِ مُحترمِ
أبكانيَ الدَّهرُ حتى إذ لجِئتُ بهِ
حنا عليَّ وأبدى ثغرَ مُبتَسِمِ
فهوَ الذي يمنحُ العافينَ ما سألوا
فضلاً ويشفعُ يومَ الدِّينِ في الُمَمِ
نورٌ لِمقتبِسٍ ذُخرٌ لِمُلتمسٍ
حِرزٌ لِمُبتئسٍ كهفٌ لِمعتصمِ
بثَّ الرَّدى والنَّدى شَطرينِ فانبعثا
فيمن غَوى وهدى بالبؤسِ والنِّعَمِ
فالكفرُ من بأسهِ المشهورِ في حَرَبٍ
والدِّينُ من عدلهِ المأثورِ في حَرَمِ
هذا ثَنائي وإن قصَّرتُ فيه فلي
عُذرٌ وأينَ السُّها من كفِّ مُستَلِمِ
هيهاتَ ابلُغُ بالأشعارِ مدَحتهُ
وإن سلكتُ سبيلَ القالةِ القُدُمِ
ماذا عسى أن يقولَ المادحونَ وقد
أثنى عليهِ بفضلٍ مُنزلُ الكَلِمِ
فهاكها يا رسولَ الله زاهرةً
تُهدي إلى النَّفسِ رَيّا الآسِ والبَرَمِ
وسمتُها باسمكَ العالي فألبسها
ثوباً من الفخرِ لا يبلى على القِدمِ
غريبةٌ في إسارِ البَين لو أنسِت
بنظرةٍ منكَ لاستغنت عن النَّسَمِ
لم ألتزِم نظمَ حبّاتِ البديعِ بها
إذ كانَ صَوغُ المعاني الغُرِّ مُلتزمي
وإنّما هيَ أبياتٌ رجوتُ بها
نيلَ المُنى يوم تحيا بَذّةُ الرِّمَمِ
نثرتُ فيها فريدَ المَدحِ فانتظمت
أحسِن بِمُنتَثِرٍ منها ومُنتظِمِ
صَدَّرتها بِنسيبٍ شَفَّ باطنهُ
عن عِفّةٍ لم يَشنها قولُ مُتَّهِمِ
لم أتّخذهُ جُزافاً بل سلكتُ بهِ
في القولِ مَسلكَ أقوامٍ ذوي قَدَمِ
تابعتُ كَعباً وحسّاناً ولي بهما
في القولِ أُسوَةُ بَرِّ غيرِ مُتَّهمِ
والشِّعرُ معرضُ ألبابٍ يُروجُ بهِ
ما نَمَّقتهُ يدُ الآدابِ والحِكَمِ
فلا يَلُمني على التَّشبيبِ ذو عَنَتٍ
فَبلبلُ الرَّوضِ مطبوعٌ على النَّغمِ
وليسَ لي روضةٌ ألهو بزهرتها
في مَعرَضِ القولِ إلا روضةُ الحَرَمِ
فهيَ التي تَيّمت قلبي وهِمتُ بها
وجداً وإن كنتُ عفَّ النَّفسِ لم أهِمِ
معاهِدٌ نقشت في وجنتيَّ لها
أيدي الهوى أسطراً من عبرتي بِدَمِ
يا حاديَ العيسِ إن بَلَّغتني أملي
من قصدهِ فاقترح ما شئتَ واحتكمِ
سِر بالمطايا ولا ترفَق فليسَ فتىً
أولّى بهذا السُّرى من سائقٍ حُطَمِ
ولا تخف ضَلّةً وانظر فسوفَ ترى
نوراً يُريك مدَبَّ الذَّرِ في الاكَمِ
وكيفَ يخشى ضلالاً من يَؤُمُّ حِمى
مُحَمّدٍ وهو مِشكاةٌ على عَلَمِ
هَذي مُنايَ وحسبي أن أفوزَ بها
بِنعمةِ الله قبلَ الشَّيبِ والهَرَمِ
ومن يكن راجياً مولاهُ نالَ بهِ
ما لم ينلهُ بفضلِ الجِدِّ والهِمَمِ
فاسجد لهُ واقترِب بطاعتهِ
ما شئتَ في الدَّهرِ من جاهٍ ومن عِظَمِ
هوَ المَليكُ الذي ذَلّت لِعزّتهِ
أهلُ المصانعِ من عادٍ ومن إرَمِ
يُحيي البرايا إذا حانَ المَعادُ كما
يُحيي النّباتَ بشؤبوبٍ من الدِّيمِ
يا غافرَ الذنبِ والألبابُ حائرةٌ
في الحشرِ والنارُ ترمي الجوَّ بالضَّرمِ
حاشا لِفضلكَ وهو المُستعاذُ بهِ
أن لا تَمُنَّ على ذي خَلّةٍ عَدِمِ
إنّي لمستشفعٌ بالمصطفى وكفى
بهِ شفيعاً لدى الأهوالِ والقُحَمِ
فاقبل رجائي فما لي من ألوذُ بهِ
سواكَ في كُلِّ ما أخشاهُ من فَقَمِ
وصلِّ ربي على المختارِ ما طَلَعت
شمسُ النّهارِ ولاحت أنجُمُ الظُّلمِ
والآلِ والصّحبِ والأنصارِ من تبعوا
هُداهُ واعترفوا بالعهدِ والذِّمَمِ
وامنن على عبدكَ العاني بمغفرةٍ
تمحو خطاياهُ في بَدءٍ ومُختَتمِ
حافظ إبراهيم في العام الهجري الجديد(المنار العدد )285:
أطَلَّ على الأكوانِ والخلقُ تنظرُ
هلالٌ رآهُ المسلمونَ فكبرّوا
تجلّى لهم في صورةٍ زاد حُسنها
على الدّهرِ حُسناً أنها تتكّررُ
فبشرّهم من وجههِ وجبينهِ
وغرّتهِ والناظرين مُبشّرُ
وأذكرهُم يوماً اغرَّ مُحجّلاً
به تُوّجَ التاريخُ والسعدُ مُسفرُ
وهاجر فيه خيرُ داعٍ إلى الهدى
يَحفُّ به من قوّةِ الله عَسكرُ
يماشيه جبريلٌ وتسعى وراءه
ملائكةٌ ترعى خُطاه وتَخفِرُ
بيسراه برهان من الله ساطع
هدى وبيمناه الكتاب المُطّهرُ
فكان على أبواب مكّة ركبه
وفي يثرب أنوارهُ تتَفجّرُ
مضى العام ميمون الشهور مُباركاً
تعدّد أثار له وتسطر
مضى غير مُذموم فإن يذكروا له
هناتٍ فطبعُ الدهر يصفو ويكدرُ
وإن قيل أودى بالألوف أجابهم
مجيب لقد أحيا الملايين فانظروا
وفي عالم الإسلامِ في كلِّ بقعة
لهم أثر باق وذكر معطّرُ
حافظ ابراهيم في عيد الهجرة:
لي فيك حين بدا سناكَ وأشرقا
أملٌ سألتُ الله أن يتحقّقا
أشرِقْ علينا بالسُّعودِ ولا تَكُنْ
كأخيك مشئومَ المنازل أخرقا
هَللّتُ حينَ لمحتُ جَبينه
ورجوتُ فيه الخيرَ حينَ تألقّا
وهزَزتُهُ بقصيدةٍ لو أنّها
تُليتْ على الصخرِ الأصّمِ لأغدقا
فنأى بجانبهِ وخَصَّ بنحسهِ
مِصراً،وأسرفَ في النحوسِ وأغرقا
لو كنتُ أعلمُ ما يُخبئهُ لنا
لسألتُ ربي ضارعاً أن يمحقا
ورمى على أرضِ الكِنانةَ جِرمه
بالنازلات السُّودِ حتى أرهقا
حافظ ابراهيم:
ولو أنّني خُيّرتُ لاخترتُ أن أُرى
لِعيسكَ وحدي حادياً مُتَرِّنما
أسيرُ خِلالَ الرّكبِ نحو حظيرةٍ
على رَبِّها صلى الإله وسلّما
إلى خيرِ خلقِ الله من جاءَ ناطقاً
بآياتهِ انجيلُ عيسى بن مريما
هاشم رفاعي في الهجرة النبوية:
عيدٌ على الوادي أتى مختالاً
يحكي الربيعَ بشاشةً وجمالا
هو يوم ذكرى بصادقِ عزمهم
قهروا فساداً في الورى وضلالا
إنا لنذكرُ بالمُحرَّمفتيةً
بكفاحهم ضربوا لنا الأمثالا
خرجوا ليثربهاربين بدينهم
قد فارقوا أحبابهم والآلا
ولنصرةِ الحقِّ الذي طلعوا به
بذلوا النفوس وقدّموا الآجالا
ومن ابتغى الإصلاح في أرض الورى
ركب الشدائد وامتطى الأهوالا
يا يومَ هجرةِ خيرِ داعٍ للهدى
أحيا قدومكَ بيننا آمالا
ما أنتَ إلا رمزُ كلِ قضيةٍ
فيها القويُّ سقى الضعيف نكالا
يطغى عليه وبينما هو سادرٌ
في الغَيِّ يلقى مجده قد دالا
ما أنتَ إلا عيدُ كلَّ مُعذّبٍ
في الأرضِ قد ذاق العنا أشكالا
يُمسي ويُصبحُ في القيودِ مُكبلاً
وقد ارتدى من بؤسهِ سربالا
فإذا به بعد المذلّة سيّدٌ
تعنو الجباهُ لمجدهِ إجلالا
هاشم رفاعي في المولد النبوي:
مدحُ الرسولِ اليومَ كلُّ مُرادي
فمديحهُ يُطفي لهيبَ الصّادي
طيفُ الرسولِ سرى فهزَّ مشاعري
والشوقُ ألهبَ مُهجتي وفؤادي
يا ناشرَ الإسلام إنَّ قصائدي
نالت بمدحكَ رفعةَ الإنشادِ
في عيدِ مولدكَ السماءُ تَزّينتْ
بكواكبِ الأفراحِ والأعيادِ
يا خيرَ خلقِ الله يا علمَ الهدى
يا شافعاً للناسِ في الميعادِ
اضرع لربّكَ أن يبيد عدونا
ويكفي شرَّ أولئكَ الأوغاد
صلى عليك الله يا خير الورى
مازارَ قبرُكَ رائحٌ أو غادي
هاشم رفاعي نهج البردة“:
هَبّت رياحُ الصّبا فاستكتبت قلمي
مدحَ الرسول كريمِ الخلقِ والشِيّمِ
مالي وللرُسلِ امضي في مدائحهم
إنَّ الرسولَ رفيعُ القدرِ عن كلمي
شوقي إليكَ رسولَ الله أظمأني
والمدحُ يُطفي لهيبَ الظاميءِ النهمِ
إني مدحتك يا خيرَ الورى طمعاً
في أن أنالَ الرِّضى يا واسعَ الكرمِ
فاعطف على عاشقٍ أضناهُ حُبّكم
وكن رحيماً بِصّبٍ ذابَ من ألمِ
فكن شفيعي رسولَ الله، واأملي!
واطلبْ من الله ستراً لي وللأمم
فأنتَ من يَستجب ربُّ العبادِ لهُ
أنتَ الحبيبُ الكريم الكاشف الغمم
إنّ العروبةَ في إبَّانِ محنتها
فكن لطيفاً بنا يا ربِّ وانتقمِ
هذا مديحي رسولَ الله معتذراً
إن كنتُ لم أوفِ حقَّ القولِ والكلمِ
فإنّ مثلي رسولَ الله يعجز عن
صلى الإله على خير الورى كرماً
مديحِ ذاتٍ سرتْ لله في الظّلمِ
مُحَمّدٌ أفضلُ الأعراب والعجمِ
هاشم رفاعي في مولد الرسول صلى الله عليه وسلم:
شهرَ الربيعِ حَللت نورا ساطعاً
يجلو ظلام الكربِ والأتراحِ
فرحَ الأنامُ أما رأيتَ قلوبَهم
سَعدت بنورِ جبينك الوضّاحِ
والكونُ يملؤهُ الضياء كأنّهُ
قد لُفَّ من نور الهدى بوشاحِ
للهدي بابٌ كان أُغلق دوننا
والله أرسلَ فيك بالمفتاحِ
حدِّث أيا شهرَ الربيع،وصِف لنا
يوماً أهلَّ بعطرهِ الفوَّاحِ
يوماً به ولدَ الهدى فضياؤُهُ
قد عَمَّ مكّةَ من رُباً وبطاحِ
يوماً على هامِ الزمانِ مُتوَّجاً
فالكونُ فيه أُنيرَ بالمصباحِ
هذا الذي قد جاءنا برسالةٍ
تهدي وتُرشدنا سبيل فلاحِ
نشرَ الهداية في الجهالة فانطوت
مثل الظلام طواهُ نورُ صباحِ
لم يُثنِ عزمَ محمدٍ قولُ الملا
قد نالهُ مَسٌّ من الأرواحِ
أو يستكنْ لمّا رموهُ لجهلهم
فأُصيبَ من أحجارهم بجراحِ
لك يا ابن عبد الله عزمُ مُثابرٍ
تدعو بجدٍ لم يُشَبْ بمزاحِ
لله أنتَ قاومتكَ عِصابةٌ شريرةٌ
من كلِّ باغٍ مشركٍ سَفّاحِ
إذ قمتَ تبني للمنارِ دعائماً
وتُقيمُ ركن الهدي والإصلاحِ
فأتوا بجمعٍ من شبابٍ طائش
قد دجّجوهُ بِعُدّةٍ وسلاحِ
قالوا له اذهب فأتِينَّ بأحمدٍ
فوقَ السيوفِ وفوقَ سنِّ رماحِ
لن يستطيع شبابُهم نيل المُنى
قَسماً بربيَ فالقِ الإصباحِ
فسلاحهم غدرٌ وبغيُ جهالةٍ
وسلاحهُ نصرٌ من الفَتَّاحِ
في جنة الرضوانِ قوم قد أبوا
إلا الصُّمودَ أمامَ كلِّ رياحِ
قد أُشربوا كأسَ العذابِ فلم تَلِن
منهم قناةُ عزيمةٍ يا صاحِ
وبلالُ مَنْ كبلال قد ذاقَ العنا
في الله عُذبتَ يا ابن رباح؟
ونطقت بالتوحيدِ لم تشكُ الأسى
إذ عذّبوك ولم تفُه بنواحِ
فجزاء مثلك أن يكونَ مُؤذناً
في يومِ كُلِّلَ سعيهم بنجاحِ
ألقت قريشُ،وأيقنت بهلاكها
سيفَ الضلالة،دونَ أيِّ نُباحِ
لما تقدمتِ الكتائبُ نحوها
ما بينَ تكبيرٍ وبين صياحِ
جَزِعَ البُغاةُ من الرسولِ لأنهم
كم أتبعوه بِشدَّةٍ وكفاحِ
فرحوا فما فوهُ أهلَ عداوةٍ
بل أهلَ مغفرةٍ وأهلَ سماحِ
بسط السلامُ على الربوعِ جناحه
لما أضاءَ الكونَ نورُ الماحي
عرفوا الطريق إلى الرشادِ وأدركوا
بالهدي كلَّ مُحرَّمٍ ومُباحِ
الله أكبر قد أعزَّ جنوده
والبطلُ قد أضحى بغير جناح
هاشم رفاعي في ذكرى المولد النبوي:
نبيٌّ فيه للعلياءِ صرحٌ ممنَّعٌ
وأمطرهُ غيثاً من الهدي صَيِّبا
فأنبتَ فيهِ النورَ والحقَّ والسَّنا
بعوةِ صدقٍ بعدما كان أجدبا
أطلَّ بديجورِ الضلالةِ هادياً
ولاحَ بليلِ الإفكِ والزورِ كوكبا
وما زالَ يسعى بالهدايةِ جاهداً
إلى أمّةٍ لم تعرِف الحقَّ مذهبا
إلى أن أضاءَ النورُ دامسَ جهلهم
ورقّقَ طبعاً ساءَ منهم وهذّبا
فأصبحَ دينُ الله في الناسِ قائماً
يعمُّ سناهُ الأرض شرقاً ومغربا
أتى بكتاب فيه للخلق عزةٌ
فساء قريشاً ما أتاهُ وأغضبا
عجبت لهم إذ يركنون لغيِّهم
وأكثرتُ مما قد أتوهُ التعجبا
لقد حاربوا المختارَ فالبعضُ حاقدٌ
عليهِ يثيرُ الناسَ والبعضُ قَطّبا
وكذّبهُ الكفارُ إذ قامَ داعياً
وقد كانَ ذا صدقٍ لديهم مُجرَّبا
وكم حاولوا في الأرضِ إطفاءَ نوره
فلا شمسهُ غابت ولا ضؤوه خبا
يقولونَ داعٍ ينشدُ الملكَ والغنى
لقد كذبوا،ما رامَ بالدينِ منصِبا
ولم يبتغِ الجاهَ العريضَ لدى الورى
ولا شاءَ أن يحيا أميراً مُعصَّبا
ولكنهُ يدعو إلى خيرِ سمْحةٍ
ويمحو ضلالاً أفسدَ الناسَ أحقُبا
ولما أبت إلا الغواية مكةٌ
وآذاهُ من فيها تَيَممَ يثربا
فألفى بها نصراً وعزاً ورِفعةً
وصدراً من الأنصارِ للدينِ أرحبا
هاشم رفاعي في قصيدة من وحي المولد:
نَفِّسْ عن القلبِ أشجاناً تُمزّقهُ
وانشرُ معي ما طوت من قبلنا الحقبُ
واذكر حديثَ الاُلى كانت شريعتهم
سفكَ الدماءِ فكم سالت بها قُضبُ
عاثوا فساداً وباتَ الكلُّ قاطبةً
وبعضهم لحقوقِ البعضِ مُغتصِبُ
جهلٌ ولا شيءَ غير الجهلِ رائدُهم
ظلمٌ ولا شيءَ غيرَ الظلمِ مُنتصبُ
خمرٌ وفسق وأصنام مُؤلّهةٌ
ووأدُ نفسٍ ومالٌ باتَ يُنتهبُ
كانوا حيارى بليل مدَّ ظُلمتَه
فأشرقت شمسُ طه واهتدى العربُ
في ذلكَ الحينِ والفتيانُ سادرةٌ
في الغيِّ لم يثنِهم لومٌ ولا عتبُ
كان الأمينُ بحبلِ الهدي مُعتصماً
لا يعرف الرجس بل واللهو يجتنبُ
وسلْ خديجةَ لما راحَ يخطُبُها
قومٌ بمكّةَ فيها كلُّهم رغبوا
لكنّها أعرضت عنهم وما رضيت
غيرَ الأمينِ لها زوجاً وإن عجبوا
وما الأمينُ سوى راعي تجارتها
وكلُّهم أغنياءٌ سادةٌ نُجُبُ
لكنَّ أخلاقَهُ فاقت شمائلَهم
وطيِّبُ النفسِ للأخلاقِ يصطحبُ
وينظرُ الصادق الأحجارَ آلهةً
والقومُ في مركبِ الخسرانِ قد ركبوا
فينثني عن ضلالِ الشركِ يدفعهُ
رأيٌ سديدٌ وعقل زانهُ الأدبُ
أيصنعُ المرءُ أصناماً ويعبُدها
هذا هو الزور والبهتانُ والكذِبُ
لا بُدَّ من مُنشيءٍ للكونِ أبدعهُ
خَلقاً وما دونه شكٌ ولا ريبُ
وقامَ في الغارِ حتى جاءه مَلَك
وهَزُّ ثمَّ حتى نالهُ التَّعبُ
ونوديَ اقرأ تعالى الله قائلُها
قد أشرقَ الهدي فانجابت به السحبُ
وقام يدعو إلى الرحمن أفئدةً
لم يرضَها قطُّ للأوثانِ مُنقلَبُ
وما استجابَ له منهم سوى نفرٍ
في الله ما عُذّبوا في الله ما ضُربوا!!
ر
باتوا وباتَ الردى منهم بمقربةٍ
ومن كؤوسِ العذابِ المُرِّ كم شربوا؟!
ذاقَ الهوانُ على الرمضاءِ منبِطحٌ
وهامَ ليلاً إلى الأقطارِ مغتربُ
أوذوا فما فُتنوا والصبرُ رائدهم
والمجدُ للدِّينِ بالأرواحِ قد كتبوا
جادوا بأموالهم طُراً وما بخلوا
ومن نفيسِ الدماءِ الطُّهرِ كم وهبوا
وهل أتاكَ حديثُ القومِ إذ وقفوا
بالبابِ حتى إذا لاحَ الهدى وثبوا
فأوحي اخرجْ لئن كادوا مَكيدتهم
فالله يعظمهم كيداً،لهُ الغلبُ
وراحَ للغارِ والصدِّيقُ يصحبُهُ
وفتيةُ القوم أغشت عينهم حُجبُ
وأقبلَ الصُّبحُ في طيَّاتهِ نبأٌ
هزَّ الجميعَ فعمَّ السُّخطُ والغضبُ
لقد نجا أحمدٌ يا للشقاءِ!! فمنْ
يأتي بهِ فلهُ الأموالُ والذهبُ
فَجدَّ في إثرهِ الفتيانُ طامعةً
في الال حتى دنوا للغارِ واقتربوا
فأيقنَ الطاهرُ الصدِّيقُ تهلكة
وما رأى القومَ حتى راحَ ينتحِبُ
وقالَ للمُصطفى ماذا سنصنعهُ
والقومُ بالبابِ والأسيافُ والعطبُ
فصاحَ طهَ ونورُ الحقِّ يكلؤهُ:
فيمَ النحيبُ؟وفيمَ الخوفُ والهبُ؟
لا تحزننَّ فإنَ الله ثالثُنا
وليسَ من يرعَهُ الرحمنُ يكتئبُ
واستقبلت يثربُ الهادي وصاحبهُ
بالبشرِ من بعد ما أضناهما السَّغبُ
آخى الرسولُ هناكَ القومَ قاطبةً
فالدِّينُ بينَ الجميعِ الودُّ والنسّبُ
وشيّدَ المسجدَ الأعلى بساحتها
تُتلى به الآيُ والأحكامُ والخُطُبُ
وراحَ يغزو قريشاً والذين رضوا
بالشركِ مُعتنقاً،يا بئس ما ارتكبوا
حتى أتى النصرُ خفاقاً برايتهِ
كما أشارت إليه الىيُ والكتبُ
ونال طه الذي يبغيه من وطرٍ
طُراً وما فاتهُ قصدٌ ولا أربث
يا ربِّ أرسلتهُ للعالمين هدى
فالطفْ لقد عَصفتْ من حولنا النُّوبُ
هذا الفسادُ الذي أبدى نواجِذهُ
نار لها اليومَ من إيماننا حَطبُ
فاعطف على أمةِ الإسلامِ قد رضيت
بالذلِّ عيشاً وماتَ الجدُّ والدأبُ
واغفر لأجل إمام المرسلين لنا
في يومِ لا تنفعُ الأموالُ والنشبُ
هاشم رفاعي في قصيدة مولد النور:
هوَ نفحةُ الرحمنِ للكونِ الذي
كادت تحيطُ بأهلهِ الظَّلماءُ
قد شاءَه لِهدى النبوة إنّهُ
يضعُ الهدى والمُلكَ حيثُ يشاءُ
لمّا تأذّنَ بالرسالةِ أشرقت
أرضٌ وضاعت بالعبيرِ سماءُ
وبدا على الصحراءِ يزحفُ مُشرقاً
فجر لهُ من فوقها لألاءُ
هذا اليتيمُ الفذُّ ما عهدتُ لهُ
من مُشبِهٍ في وصفهِ البيداءُ
سبحانَ مُحيي البيدَ حتى أنّها
نَبتت عليها الزهرةُ الفيحاءُ
أما الوليدُ:فكانَ مُنقذَ أمّةٍ
وثنيةٍ لعبت بها الأهواءُ
جاء الضياءُ لِمن مضوا في غيِّهم
وعلى العيون غِشاوةٌ سوداءُ
هذا النهارُ تطاحنٌ وتشاحنٌ
والليلُ كأسٌ ثرةٌ ونساءُ
أما القلوبُ فقد تنافرَ ودُّها
حتى تفشَت بينها البغضاءُ
ونفوسُ قومٍ ما تولّدَ ميلُها
للخيرِ لمّا ذاعت الفحشاءُ
الله أكبرُ إذ أرادَ شِفاءَها
بهدىً حكيمٍ دونهُ الحكماءُ
فأعدَّ للأمرِ الجليلِ مُحمداً
إنَّ العظائمَ كفؤُها العظماءُ
من أرشدَ الساري إلى سُبلِ الهدي
فطواهُ في الليلِ البهيمِ حِراءُ
عهدي بمن قد فاضَ ماءُ شبابهِ
يقظُ المطامعِ لفَّهُ الإغواءُ
قد كانَ في شرخِ الشّبابِ فمالهُ
لا يستجيبُ إذا دعا الإغراءُ
ما بالهُ لم يعرفِ اللُّهوَ الذي
يلهو بهِ مَنْ حولهُ القُرناءُ
تركَ الحياةَ عريضةً من خلفهِ
ومضى إلى الصلواتِ وهيَ خلاءُ
يستلهمُ العقلَ الطريق إلى الذي
في الكائناتِ بدت لهُ آلاءُ
هذي البسيطةُ قد أمدَّ فِجاجَها
فغدت عليها يخطرُ الأحياءُ
هذا الفضاءُ وما بهِ ن كوكبٍ
ضُربت عليه القُبّةُ العلياءُ
هذي الحياةُ وما بها من مُعجزٍ
يعدو عليها في الزمانِ فناءُ
هذي الزروعُ وغرسُها حَباً له
في الأرضِ،فرعٌ باسقٌ ونماءُ
هذي المياهُ وقد تَفجّرَ نبعُها
حتى تدفّقَ في الصخورِ الماءُ
والليلُ يتبعُهُ النهارُ عليهما
يتعاقبُ الإصباحُ والإمساءُ
مَنْ سخرَّ الأرياحَ تلك لواقحاً
سارت ومنها عاصفٌ ورُخاءُ
لِمنِ الجواري الُمنشئاتُ مواخراً
يجري بها فوق العُبابِ هواءُ
حَسبُ العقولِ فتلكَ صنعةُ مُبدعٍ
دَلّت عليهِ فليسَ فيه خفاءُ
لا غَروَ إن هجر الضلال مُحمدٌ
فَبمثلِ هذا يهتدي العقلاءُ
الليلُ معتكرُ الجوانبِ ساكنٌ
والسهلُ قَفرٌ والحُزونُ فضاءُ
سكتت ربوعُ البيدِ إلا من صدىً
قد ردّدت رنَّاته البطحاءُ
وهناكَ في غارِ الهداية عابدٌ
قد طالَ منهُ على الرمالِ ثَواءُ
ما زالَ يضربُ في الليالي راجياً
للحقِّ حتى جاءَهُ الإيحاءُ
حتى سرى في البيدِ ذات عشيةٍ
صوتٌ لهُ من فوقها أصداءُ
إقرأ فإنَّ الحقَ ضاحٍ قد بدا
للناسِ مِنْ بعدِ الرّدى إحياءُ
وصحا الأنامُ على صياحِ مُبشّرٍ
هو للشريعةِ رنَّةٌ ونداءُ
وغدا بِمكّةَ أهلُها في كَربهم
يتخبطونَ وللنذيرِ دعاءُ
صوتٌ هو الإرشاد يطرقُ سمعهم
آذانهم عن رجعهِ صمَّاءُ
نورٌ كرابعةِ النهارِ بدا لهم
أبصارهم عن فجرهِ عمياءُ
والشمسُ إن بهرَ الأنامَ ضياؤها
أنّى تراها مُقلةٌ عشواءُ
عصبيةٌ تُذكي أوارَ عنادهم
وحميَّةٌ من باطلٍ وشقاءُ
ما صيّرَ الأوثانَ رباً كونُها
سجدت لها الأجدادُ والآباءُ
هم يعرفون الحقَّ إلا أنها
إحنٌ لها في صدرهم بُرجاءُ
قد أنكروا أن قام يدعوهم إلى
دينٍ فقيرٌ حولهُ فقراءُ
السادةُ الأمجادُ كيف يقودهم
فردٌ قد استمعت لهُ الضعفاءُ
تلكَ النبوةُ كيف تتركهم إلى
هذا الفقيرِ وهم لها أكفاءُ
لولا تَنزَّلَ ذاك بينهم على
رجلٍ لهُ في القريتينِ ولاءُ
الله أعلمُ حيثُ يجعل وحيَه
لكنّهم في غيّهم شُركاءُ
ومضى ابنُ عبدِ الله ينشرُ هديَهُ
ما نالهُ من كَيدهم إعياءُ
وقفوا لهُ مُتكتِّلين يمسُّهُ
أنّى تَوجه بينهم إيذاءُ
ومشى ابنُ عبد اله يصرخُ حوله
ويرنُّ في أُذنيهِ الاستهزاءُ
لم يثُنِهِ ما قدموهُ وهكذا
بين العواصفِ تحملُ الأعباءُ
ظنُّوا بهِ كلَّ الظنونِ وإنُّ
من كل هاتيكَ الظنونِ براءُ
زعموهُ لما أن تكاملَ حِقدهم
ذا جِنّةٍ يطغى عليه الداءُ
قالوا:حسودٌ قد أرادَ سيادةً
وفقيرُ قومٍ هَمّهُ الإثراءُ
طوراً أخو سحرٍ وطوراً شاعرٌ
يا إفكَ ما نادت به السفهاءُ
إن كان حقاً ما أتوهُ فكيفَ لم
تنطِقْ بمثلِ حديثهِ البلغاءُ
قد جاء معجزة النبيِّ وغايةٌ
في القولِ يكبو دونها الفُصحاءُ
ما بالُ أقصرِ سورةٍ من مثلهِ
أعيتهمُ تَراجع الفصحاء
ما أدركَ القومُ الذين تجمَّعوا
وقلوبُهم من غَيظهم رمضاءُ
إن العناية في السماءِ تحوطُهُ
ومن العنايةِ في الخطوبِ وقاءُ
سل من على باب الرسول تربصوا
والبيتُ فيه عليٌّ الفدَّاءُ
هل أبصروهُ وقد تخطى جَمعهم
ومضى له تحتَ الدُّجى إسراءُ
نثرَ الترابَ على الوجوهِ فأصبحوا
حتى كأنَّ عيونهم رمداءُ
ومشى إلى الصدِّيقِ يصحبهُ إلى
وطنٍ كريمٍ أهلُهُ كُرماءُ
ما دارَ في خلدِ اللئامِ ولوجُهُ
في الغارِ لما باضت الورقاء
وبداخلِ النفقِ الأمينِ عليهما
سارا وللصدِّيقِ فيهِ بُكاءُ
ما من طعامٍ يُرزقان به سوى
ذاكَ الذي جاءت به أسماءُ
قِفْ يا سراقةُ حيثُ أنتَ فإنّما
أدركتهُ لو تدركُ العنقاءُ
كيفَ الوصولُ إلى الرسولِ ودونه
تأبى المسيرَ كأنّها شلَّاءُ
تلكَ القوائمُ من جوادك مالها
من رحمةِ الله القديرِ كَساءُ
أتريدُ نيلَ محمدٍ،وبقاؤُهُ
للحقِّ والدينِ الحنيفِ بقاءُ
حيّا الإلهُ من المدينةِ معشراً
آوَوهُ حينَ أرادهُ الأعداءُ
قومٌ همُ الأنصارِ أما ذكرهم
فندٍ،وأما عهدهم فَوفاءُ
الآخذينَ من الرسول مواثقاً
سارَ الزمانُ وهم لها أُمناءُ
والباذلينَ لمن إليهم هاجروا
إخلاصَ قلبٍ ليسَ فيه رياءُ
والمشركينَ القومَ في أموالهم
لا المشركينَ ودينهم وضَّاءُ
والمؤثرينَ على نفوسهم وإنْ
نزلت بهم من حاجةٍ ضَرَّاءُ
مدُّوا إليهم في مدينتهم يداً
لمّا بدا في الأقربين جفاءُ
جمعتهم في الله خيرُ أخوةٍ
فالدينُ ودٌّ بينهم وإخاءُ
يا سيد الرُسلِ الكرامِ ومن بهِ
قد قامَ للدينِ العظيمِ بناءُ
الحقُّ نورٌ أنتَ مُظهرُ فجرهِ
والشركُ ليلٌ أنتَ فيه ذُكاءُ
والعدلُ أنتَ وضعتَ ثابت رُكنهِ
فمضى عل سَنَنٍ لهُ الخلفاءُ
والسلمُ دأبُكَ ما ركبتَ كريهةً
حتى بدا للمشركين عَداءُ
لولا اجتراءُ الزُّورِ لم يُسفك دمٌ
صُبغت بِحٌمرةِ لونهِ الحَصباءُ
الرائدُ الاُميُّ علّم قومَهُ
حتى سما مجدٌ لهم وسناءُ
نظمُ العدالةِ من رسالتكَ التي
لا تستبين بهديها أخطاءُ
بالسيف والدم قد شققت طريقها
ولكُلِّ أمرٍ حادثٍ شهداءُ
مُهَجٌ من الأبطالِ في يوم الوغى
سالت عليها في الزمانِ ثناءُ
باعوا نفوسهم بجنة ربِّهم
فالبذلُ بيعٌ عندَهُ وشراءُ
يا مُرسلاً بالحقِّ يحملُ وحيَهُ
فجراً لدينٍ ليسَ فيه مِراءُ
إن المُشرِّعَ قدوةٌ في شرعهِ
إن لم يَكُنها فالجهودُ هَباءُ
الجودُ عندكَ دَيدنٌ وغريزةٌ
والصبرُ منكَ شجاعةٌ وإباءُ
والظلمُ قد اُخِذت عليه سبيلُهُ
هذي الهدايةُ فالقلوبُ صفاءُ
ليسَ الغنيُّ على الفقيرِ بسيدٍ
فهما أمامَ الحقِّ منكَ سواءُ
ر
أما الزكاةُ فتلكَ حقٌّ ثابتٌ
لا يعتري من يبتغيه حياءُ
والمسلمون جميعهم جسدٌ إذا
عضوٌ شكا سهرت له الأعضاءُ
كم من يدٍ لك لست أملكُ حَصرها
جلّت فليسَ يضمُّها إحصاءُ
يا سيد الشفعاءِ هذي مدحتي
مني إليكَ فريدة عصماء
الله قد أثنى عليكَ فهل لمن
فاقبل تحية شاعرٍ لو أنَّ من
أثنى عليه إلههُ إطراءُ
مثلي لمثلكَ يَجمُل الإهداءُ
هاشم رفاعي في قصيدة الذكرى العاطرة“:
هذا هو الكونُ في ديجورِ ظلمتهِ
يحكي ذئاباً وشاةً نامَ راعيها
فذو العشيرةِ والأنصارِ ترهبهُ
كلُّ البريةِ:قاصيها ودانيها
يسطو على الحقِّ لا قانون يمنعهُ
ولا شريعةَ يخشى باسَ قاضيها
أما الضعيفُ فمغبونٌ وليسَ لهُ
في الأرضِ عونٌ يقيهِ شرَّ باغيها
والكُلُّ يشربُ كأسَ الإثمِ في طربٍّ
وينثني حينَ يأتي منكراً تيها
كانت مآثمهم في عُرفهم مَرَحاً
والقتلُ في شرعهم قد كان ترفيها
هذي مبادؤهم أيامَ دولتهم
الزورُ ينشرُها والإثمُ يُمليها
حتى أضاءت بمولودٍ لآمنةٍ
أرجاءُ مكّة وانجابت دياجيها
ومن تتبّعَ تاريخ الهداةِ رأى
فيهِ الجلالة في أسمى معانيها
ففي الطفولةِ يلقى ما يمجدُها
وفي الرجولةِ يلقى ما يزكيها
وخذ حديثَ الألى في مكة احتكموا
إلى الأمينِ قويِّ النفسِ عاليها
لما أتوا كعبةً بالبيتِ واجتمعوا
كي يودِعوا الحجرَ الأزكى مبانيها
وكلُّ طائفةٍ قد قال قائلها:
أن ليسَ ترفعهُ إلا أياديها
وأوشكت أن تقومَ الحربُ بينهم
والويلُ للقومِ إن هبَّت سوافيها
فأرسلَ الله حقناً للدماءِ فتىً
أنعِم بحكمتهِ إذا كانَ يُبديها
ر
فما مضى عنهُ فردٌ كانَ مُكتئباً
إلا مضى مُطمئن النفسِ راضيها
من ذا الذي قد سعى ليلاً إلى جبلٍ
ببطنِ مكّةَ لما نام ساريها
وقرَّ في غارِهِ عيناً بوحدتهِ
يستلهمُ الله إرشاداً وتنبيها
هذا الأمين رأى أن الضلالة قد
أعمت لحاضرها قلباً وباديها
فراح ينشد في كهف الرشاد سنىً
من حكمةِ الله يُولي القلبَ توجيها
حتى أتى الوحيُ بالإسعادِ مُقترناً
يدعو الشعوبَ إلى التقوى ويهديها
وجاءَهُ الذكرُ تباناً ومُعجزةً
مُنوِّهاً بجلالِ الله تنويها
ما بالُ قومٍ بدارِ الندوة اجتمعوا
وجوهُهم شُوِّهت بالكفرِ تشويها
يقول قائلهم ـ والغيظ يقتله ـ :
يا قومِ قد قام للأوثانِ مُخزيها
يَسبُ آباءنا جهراً ويلعنُها
ويُوسِعُ اللاتَ تقبيحاً وتسفيها
لا بُدَّ من قتلهِ في عُقرِ منزلهِ
حتى يعودَ لدِّينِ العُربِ صابيها
هم للشريعةِ كادوا كيدهم ونسوا
أن الإله من الآفاتِ حاميها
الله أكبرُ قد شاء النجاةَ لها
لما نجا في ظلامِ الليل مُحييها
من بعدِ ذلك قالَ السيفُ قولته
في يوم بدرٍ فباتَ الشركُ واعيها
وأصبحت دولةُ الأوثانِ عاجزةً
عن النضالِ وقد دُكَّت أعاليها
والحقُّ إن صنتهُ بالرمح تسمعهُ
كل الشعوب وتصحو عينُ غافيها
حتى إذا كانَ يومُ الفتح واكتسبت
فيه الشريعةُ نصراً قالَ داعيها:
قُمْ يا بلال على البيتِ الحرام وقُلْ:
إنّ الضلالةَ أشقت فس أهليها
أذِّن فقد جاءَ نصرُ الله وانعِ لنا
جندَ الفسادِ،فأنت اليوم ناعيها
يا ربّش أرسلتَ طه بالرشادِ لنا
كذي يستقيمَ شقيُّ النفسِ غاويها
وجاء للناسِ والأفهامُ مجدبةٌ
لينبتَ الهديُ نوراً في أراضيها
فاخذل قوى الشرِّ، إنَّ الشرَّ مضيعةٌ
لبهجةِ الكونِ يأتينا فيفنيها
يا ربِّ هَب من لدنكَ الخيرَ واقض لنا
برحمةٍ منكَ عند البأسِ نُلقيها
إنّ الحنيفة قد باتت مُهددَّةً
بالموتِ صبراً،وعطفٌ منكَ يُنجيها
فاكتب لنا النصرَ حتى نستعين به
في جعلِ حاضرها يسمو كماضيها
وصلِّ يا ربّنا أزكى الصلاة على
من جاءَ بالحقِّ للآثامِ يُرديها
محمدٍ سيدِ الكونينِ شافعِنا
يومَ القيامةِ إن نادى مناديها
هاشم رفاعي في قصيدةميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم:
أعد ذكراهُ في الكونِ شدواً مرنماً
فلله ما أحلاهُ ذكراً وأكرما
وطِفْ بحديثٍ في فمِ الدهرِ عاطرٍ
أضاءَ لهُ وجهُ الورى وتبسّما
فما الكأسُ إذ تأتيكَ من يدِ كاعبٍ
مخضبةِ الأطرافِ معسولةِ اللّمى
تدورُ بها والعينُ فاضت بمثلها
فلم تدرِ أياً قد تَصبّتك منهما
بأطربَ من ذكرِ الرسولِ إذا جرى
وفاضَ فلم يترك فؤاداً ولا فما
ألا ليت شعري أي نورٍ مقدسٍ
بدا وظلامُ الليلِ قد كانَ أسحما
أضاءَ ضياءَ الفجرِ،والفجرُ ساطعٌ
وفاضَ على البيداءِ كالغيثِ إذ همى
وأيُّ وليدٍ ذاك من أشرقت لهُ
ربوعٌ عليها الجهلُ رانَ وخيّما
أتى حاملاً للكونِ نوراً ورحمةً
ففاضَ هناءً بعدما فاضَ مأثما
وقرَّتْ به عينان: عينٌ لجدهِ
وعينٌ لأمٍّ قد بكت زوجها دما
كذلكَ شاءَ الله أن الذي بهِ
تَردَّت بقاعُ الكونِ للهدي معلما
يُطِلُّ على الدنيا وحيداً بلا ابٍ
وتأتي به الأقدارُ طفلاً ميتّما
وجَمّلهُ الرحمنُ إذ كان أمرهُ
خَفيِّاً بظهرِ الغيبِ لم يبدُ،مبهما
فما كانَ بالإثمِ الذي عمَّ مولعاً
ولا كانَ باللهوِ الذي شاعَ مغرما
وجاوزَ إغراء الشبابِ وقد أبى
له الله إلا أن يُصانَ ويُعصما
فما ذاقَ في طورِ الطفولةِ لينَها
ولا عاشَ في طورِ الشبابِ منعَّما
وما ذاك ضنٌ بالهناءِ على الفتى
فما كانَ من نيلِ الهناءِ لِيُحرما
ولكنّهُ أمرٌ يُعدُ لحملهِ
صغيراً،فكانَ الهدى أجدى وأحزما
لهذا رآهُ القوم إذ قام داعياً
قوياً،صبوراً،ما اشتكى أو تبرم
بنفسيَ من قد قامَ للدِّينِ بانياً
وكشَّفَ ليلاً للغوايةِ مظلما
وجاءَ بنورِ الحقِّ،والحقُّ أبلجٌ
فبدَّدَ غيماً للجهالةِ غَيّما
يقوِّمُ جهالاً،وينشرُ رحمةً
ويرفعُ أغلالاً،ويُوقظُ نُوّما
وفي نُصرةِ الإيمان لما دعا لهُ
تَكبَّدَ أهوالَ الأذى وتَجَشمّا
لقد باتَ ما يدعو إليهِ محمدٌ
شجاً في حلوقِ القومِ بل كانَ علقما
فمدَّ يد الإرهاب كل مُضلِّلٍ
غويٍ بأحضان الشقاء قد ارتمى
يُريدُ لدين الحقِّ وأداً وضَيعةً
ألا بُترت يُمناهُ كفاً ومعصما
عقولٌ يُريها الحقدُ في الهدي سُبةٌ
ويُملي عليها أن تثورَ وتنعما
قلوبٌ عليها للضلالِ غشاوةٌ
فأنّى لها أن تستجيبَ وتفهما
أتى بكتاب الله أصدقِ آيةٍ
فأعجزَ أربابَ البيانِ وافحما
وما اسطاعَ إتياناً بأقصرِ سورةٍ
من المِثلِ من قد كانَ في القولِ مُلهما
وجادلهم كي يستميلَ قُلوبهم
فكانَ كذي حِلمٍ بليلٍ توهما
هُمُ قد أجابوا قولَهُ ودعاءَهُ
إذا كان يشفي الآلُ من غِلَّة الظمأ
وقالوا فقيرٌ ينشدُ الجاهَ والغنى
ومهملُ قومٍ شاءَ أن يتزعَّما
خُرافاتُ مجنونٍ،وأوهامُ شاعرٍ
بهِ من رئيِّ الجنِّ داءٌ تحكّما
هُمُ أوغلوا لو أنهم سمعوا لهُ
و كان الذي قالوهُ وهماً مرَّجما
فما ضرَّهم لو أنهم سمعوا لهُ
وما كانَ في صدقِ الحديثِ مذمما
أتاهم بنورِ الله والصدقِ والهدى
فما بالُ وجهِ الكُفرِ منهم تَجهّما
هو الحقُّ لكن كيف يهدي لنوره
وإن كانَ مثلَ الشمسِ من بات ذا عمى
أبى الكفرُ إلا شقوةً وسفاهةً
فباتَ امتشاقُ السيفِ أمراً محتما
وذو الحلم إن يغضب فغضبةُ ثائرٍ
رأى العارَ في أن يستكين ويكظما
ولما أرادَ الله نصراً لدينه
أهابَ بسيفِ الحقِّ أن يتكلّما
فأذّنَ داعٍ للجهادِ:أن انفروا
ألا فليُجب من كانَ لله مسلما
فبادرَ نَبَّالَ فراشَ سِهامهُ
وأسرعَ قتَّال فجرّدَ مَخذما
أجابت نداءَ الحقِّ في الله إذ دعا
نفوسٌ ترى الإيمانَ أن تتقدما
وسلَّت ببدرٍ للجهادِ بواترٍ
أبت في سبيل الله أن تتثلّما
على صفحة البيداءِ والسيفُ قائمٌ
تبدَّى مثارُ النقعِ كالليلِ أقتما
قدِ التحمَ الجيشان:جيشُ ضلالةٍ
وجيشٌ على الإيمانِ بالحقِّ صَمما
هنا وقفَ التاريخُ وقفةَ شاهدٍ
وقد أمسكت كفاهُ لوحاً ومرقما
وقامَ رسولُ الله،لله ضارعاً
يُسائلهُ الوعدَ الذي كان أبرما
وراحَ إليهِ والقنا تضربُ القنا
يناديه:راشَ الكفرُ للدِّينِ أسهما
وداءَ إلينا في عتادٍ وعدّةٍ
يريدُ لهذا الدينِ أن يتحطّما
تباركتَ:إن تهلك لدينكَ عُصبةٌ
فلن يعبدوا في الأرضِ رباً معظَّما
فما هي إلا كرّةٌ عادَ بعدها
وقد أوردوا القومَ اللئامَ جهنما
وقوّمها بالسيفِ والرُمحِ والقنا
نفوساً أبتْ باللينِ أن تتقوَّما
فيالكَ من جيشٍ حماهُ إلههُ
ودينٍ رعاهُ الله أن يتهدَّما
فلمْ يرمهم رامٍ بنافذِ سهمِهِ
ولكنَّ ربَّ الدينِ من فوقهم رمى
وحدِّث عن الفتحِ المبينِ وما بدا
لِاُمِّ القرى لما إليها تيمّما
ألم يُقبلُ الداعي الفقيرِ بجحفلٍ
يَشقُّ هضابَ البيدِ سيلاً عرمرما
بكُلِّ فتىً أمضى من السيفِ عزمهُ
إذا ما بدتْ للحربِ نارٌ تَقحّما
تراهُ إذا ما لَفّهُ الليلُ قانتاً
ويبدو إذا ما كرّتِ الخيلُ ضيغما
ألم يدخُلِ البيتَ المُمنّعَ فاتحاً
وكانَ عليهِ البيتُ قبلاً مُحرّما
فكم من إلهٍ تحتَ أقدامِ جُندهِ
همُ نصبوهُ قد وهى وتهشما
ألا سائلِ القومَ الذين مشوا لهُ
وساقوا إليهِ الكيد كالحقدِ مؤلما
وصبوا عليه السوط ـ سوط عذابهم
إلى أن رأى في هجرةِ الدارِ مغنما
وإن كانَ ظُلمُ الناسِ للمرءِ مؤلماً
فقد كانَ ظلمُ الأهلِ أنكى وآلما
أما جمعوا بالبيتِ من كلِّ ناقمٍ
إلى ذلك الغازي أساءَ ,اجرما
أما أطرقوا رأساً مخافةَ بأسهِ
وقد شربوا كاسَ المذلَّةِ مفعما
أما قدّروا أن يبطشَ البطشةَ التي
جنوها وهم كانوا أعقَّ وأظلما
فمالَ إلى الصفحِ الجميلِ عن الأذى
ولو قد أتاها كانَ للعدلِ محكما
ولكنه داعٍ إلى الخير،شأنهُ
إذا ما أساؤوا أن يقيلَ ويرحما
أقامَ يتيمَ البيدِ أركانَ دولةٍ
ووطَّدهُ في الأرضِ ديناً ودّعما
هو الحقُّ قد أرسى الإله بناءَهُ
وأكملهُ القرآنُ نوراً وتَمّما
دعامتهُ الشورى،وشِرعتهُ الهدى،
بهِ منَّ رحمن السماءِ وأنعما
لديه استوى من لم يُزنهُ نِجارهُ
ومن لقريشٍ في الأنامِ قد انتمى
فلا فضلَ إلا بالتقى ولو أنهُ
يكونُ لمن قد عاشَ بالفقرِ مُعدما
لقد أخذَ الاُميُّ يسعى بقومهِ
إلى ذروةِ العلياءِ حتى تَسنّما
وقادَ رعاةُ الضأنِ شامخَ دولةٍ
كما لم يَقدْ من قبلُ من كان قيِّما
هُمُ ملكوا الدنيا فنالت بظلهم
عدالةَ تشريعٍ،وحكماً مُنظَّما
وسارت على الأيامِ يزدادُ بأسُها
وتصعدُ للعلياءِ والمجدِ سُلّما
فلما استقامَ الملكُ وانتظمَ الورى
وشارفَ في العلياءِ بالأفقِ أنجما
أضعناهُ عن ضعفٍ وذلٍ ولم نقمْ
عليه وقد أودى حِداداً ومأتما
فما عرف الإسلام من بعدهم سوى
ذليلٍ عن الإسراعِ للمجدِ أحجما
فعادَ عزيزُ الدينِ يندبُ عِزّةً
ويلعقُ جرحاً في الفؤادِ مُكتَّما
فيا ربِّ إن يُصبح بنا الغربُ هازئاً
فقد كانَ منا من غزاهُ وعَلّما
ندمنا على ما ضاعَ لو كانَ مُجدياً
لطالبِ مجدٍ ضاعَ أن يتندّما
هاشم رفاعي:
صدقَ الرسولُ ومن سواهُ مُصدّقٌ
إذ قالَ حينَ دنا من السّكراتِ
إني تركتُ لكم كتاباً جامعاً
هو خيرُ دستورٍ لخيرِ قُضاةِ
قسماً بربّي لن تَضلّوا طالما
هو بينكم بمثابةِ المِشكاةِ
ومضى الرسولُ فليتنا من بعدهِ
كنّا لِنُصحِ حديثهِ بِوعاةِ
علي محمود طه في العام الهجري الجديد
غَنِّ بالهجرة:عاماً بعد عام
وادعُ للحقِّ،وبشِّر بالسّلام
وتَرسَّلْ،يا قصيدي،نغماً
وتَنقّل بين موجٍ وغمام
صوتُكَ الحقّ،فلا يأخذُكَ ما
في نواحي الأرضِ من بَغيٍ وذامِ
كُنْ بشيرَ الحُبِّ والنورِ إلى
مُهجٍ كلمى،وأكبادٍ دوامي
هجرت أوطانها واغتربت
في مثاليِّ من المبدأ سامِ
أنِفتْ عيشَ الرقيقِ المُجتبى
وأبت ذُلَّ الضمير المُستضامِ
آبَ بالخيبةِ من غايته
وهو فوقَ الأرضِ ملعونُ المقامِ
صفحاتٌ من صراعٍ خالدٍ
ضُمّنت كلَّ فخارٍ ووسامِ
يا دعاة الحقّ! هذي محنة
تشغل الروح بمشبوب الضّرامِ
هذي حرب حياة أو حِمام
وصراع الخير والشرِّ العقامِ
خاضها الإسلامُ فرداً، وهدى
بيراع،وتحدّى بحسامِ
هجرةٌ كانت إلى الله،وفي
خُطوِها:مولدُ أحداثٍ جسامِ
أخطأ الشيطانُ مسراها،فيا
ضَلّةَ الشيطانِ في تلك المَوامي
آبَ بالخيبةِ من غايته
وهو فوقَ الأرضِ ملعونُ المقامِ
صفحاتٌ من صراعٍ خالدٍ
ضُمّنت كلَّ فخارٍ ووسامِ
لم تُتحْ يوماً لجبّارٍ طغى
أو لباغٍ فاتكِ السّيفِ عُرامِ
بل لداعٍ أعزلٍ في قومهِ
مُستباحِ الدّمِ مهدورِ الذِّمامِ
زلزلَ العالم من أقطارهِ
بقوى الرُّوحِ على القومِ الطّغامِ
وبنى أوّلَ دنيا حُرّةٍ
بَرِئت من كُلِّ ظلمٍ وآثامِ
تَسعُ الناسَ على ألوانهم
لم تُفرِّق بين أريٍّ وسامي
علي محمود طه في العام الهجري الجديد:
حاطِمَ الأصنامِ:هل منكَ يدٌ
تَذَرُ الظُلمَ صديعاً من حُطامِ؟
لم تُطقها حجراً أو خشباً
ويُطاقُ اليومَ أصنامُ الأنام!
وعجيبٌ صُنعُهم في زمنٍ
أبصرَ الأعمى به والمتعامي!
وتُرجى عودةَ المجدِ الذي
أعجزَ الباني،وأعيا المتسامي
من بيوتٍ هاشمياتِ البنى
وعروشٍ أموّياتِ الدعامِ
ونتاجٍ من نُهىً جبّارةٍ
وتراثٍ من حضاراتٍ ضخامِ
قل لها، يا عامُ:لا هُنْتِ ولا
كنتِ إلا مهدَ أحرارٍ كِرامِ
ذاكَ مجدٌ لم ينلهُ أهلهُ
بالتمني،والتغنّي، والكلامِ
بل بآلام، وصبرٍ وضنىً
ودموعً،ودمٍ حُرٍّ سجامِ
قُل لها: إنَّ الرّحى دائرةٌ
والليالي بين كَرٍّ وصدامِ
فاستعدي لِغدٍ إنَّ غداً
نُهزَةُ السَّباقِ في هذا الزحامِ
واجمعي أمركِ لليوم الذي
يحملُ البشرى لعشاقِ السلامِ
علي الجارم:
إليك رسولَ الله طارَ بنا الهوى
وحُلوُ الأماني والرجاءُ المُحَبّبُ
أفِضها علينا نفحةً هاشميةً
تَلُمُّ شتاتَ المسلمينَ وترأبُ
وترجع فيهم مثل سعدٍ وخالدٍ
وترفعُ من راياتهم حينَ تُنصَبُ
سنصحو فقد ملَّ الطريحُ وسادَهُ
وفي نورِكَ القدّسيِّ نسعى وندأبُ
عليكَ سلامُ الله ما حنَّ واجدٌ
وفاخرتِ الدنيا بقبرك يثرِبُ
علي الجارم:
مُحَمّد أنقذت الخلائقَ بعدما
تَنَكّبتِ الدنيا بهم وتَنَكّبوا
وأطلقتَ عَقلاً كانَ بالأمسِ مُصْفَدا
فدانَ لهُ سرُّ الوجودِ المُحَجّبُ
وأرسلتها من صيحةٍ نبويّةٍ
يمورُ لها قلبُ الجبالِ ويُرعَبُ
وبلّغت آياتٍ،روائعُ لفظها
من الصبحِ أهدى أو من النجمِ أثقَبُ
خطبتَ لنا يومَ الوداعِ مُشرِّعاً
وأمليتَ دستوراً شقينا بتركهِ
وهل لكَ نِدٌّ في الورى حينَ تخطبُ؟
فثرنا على الأيامِ نشكو ونعتبُ
علي الجارم:
تَبسّمَ ثغرُ الصُّبحِ عن مولدِ الهدى
فللأرضِ إشراقٌ به وزُهاءُ
وعادت بهِ الصحراءُ وهي جديبةٌ
عليها من الدِّينِ الجديدِ رُواءُ
ونافست الأرضُ السماءَ بكوكبٍ
وضيء المُحيّا ما حوتهُ سماءُ
لهُ الحقّ والإيمان بالله هالة
وفي كُلِّ أجواءِ العقول فضاءُ
تألقَّ في الدنيا يُزيحُ ظلامها
فزالَ عمىً من حولهِ وعَماءُ
كلامٌ هوَ السّحرُ المبينُ وإن يكن
له ألف مثل الكلام وباءُ
عجيبٌ من الأُميِّ علم وحكمة
تضاءل من مرماهما العلماء
ومن يَصطفِ الرحمنُ فالكونُ عبده
ودُهمُ الليالي أين سارَ إماءُ
علي الجارم في ذكرى المولد النبوي:
أطَلّت على سُحبِ الظلامِ ذُكاءُ
وفُجِّرَ من صخرِ التنوفةِ ماءُ
وخُبرّت الأوثانُ انّ زمانها
تولّى،وراحَ الجهلُ والجهلاءُ
فما سجدت إلا لذي العرشِ جبهةٌ
تبسّمَ ثغرُ الصبح عن مولد الهدى
ولم يرتفع إلا إليه دعاءُ
فللأرض إشراق به الجديد رُواءُ
نبي الهدى قد حرّق الأنفسَ الصَدى
ونحنُ لِفيضٍ من يديكَ ظَماءُ
أفِضها علينا نفحةً هاشميّةً
يُلَمُّ بها جراحٌ ويبرأ داءُ
فليسَ لنا إلا رضاكَ وسيلةٌ
وليسَ لنا إلا حِماكَ رَجاءُ
إليكَ أبا الزهراء سارت مواكبي
مواكب شعرٍ ساقهُنَّ حَياءُ
وأنّى لمثلي أن يُصّور لمحةً
كبا دُونَ أدنى وصفها الشعراءُ
ولكنها جُهدُ المُحبِّ فهل لي
ولي نسبٌ يُنمى لبيتك صانني
بِقُدسِك من حظ القبولِ لقاءُ
وصانتهُ مني عِزّةٌ وإباءُ
عليكَ سلامُ الله ما ذَرَ شارقٌ
وما عطّرَ الدنيا عليك ثناءُ
علي الجارم:
بدا في دُجى الصحراءِ نورُ مُحَمّدٍ
وجلجل في الصحراءِ منهُ نداءُ
نبيُّ به ازدانت أباطِحُ مكةٍ
وعزَّ به ثورٌ وتاهَ حِراءُ
نبيٌّ من الطهر المصفّى نجاره
سماحةُ نفس حُرّةٍ وصفاءُ
وصبرٌ على اللأواءِ ما لان عودهُ
ولا مسّهُ في المعضلاتِ عناءُ
علي الجارم:
يُنادي جريءَ الاصغرين بدعوةٍ
أكبَّ لها الأصنامُ والزعماءُ
دعاهم لربٍ واحدٍ جلَّ شانهُ
لهُ الأمرُ يولي الأمرَ كيفَ يشاءُ
دعاهم إلى دين من النور والهدى
سماحٌ ورفقٌ شاملٌ ووفاءُ
دعاهم إلى نبذِ الفخار وأنّهم
أمامَ إله العالمين سواءُ
دعاهم أن ينهضوا بِعفاتهم
كراماً فطاحَ الفقر والفقراءُ
دعاهم إلى أن يفتحوا القلب كي ترى
بصيرته ما يُبصر البُصراءُ
دعاهم إلى القرآن نوراً وحكمة
وفيه لأدواء الصدور شفاء
علي الجارم:
وشاهدتَ وسطَ الجحفلين محمداً
وبين هدى الإيمانِ والشركِ مصرَعُ
إذا صالَ فالدنيا مَجَرُّ رماحهِ
وإن قالَ فالأيامُ عينٌ ومَسمعُ
ألم ترهُ في بُردةِ الليل ساجداً
ومنهُ دروعُ الرومِ حيرى تفزَّعُ
محمود حسن اسماعيل:
سار على البيدِ،هزَّ الكون مسراهُ
صلى عليه، وحَيّا نورَه الله
الله أكبر! لا خطوةٌ ولا قدمٌ
لكن شعاعٌ بقدس الوحي تيّاهُ
تبارك الله! كلُّ الأرضِ ناضرةٌ
وكلها مُهَجٌ تهفو لمرآهث
محمود غنيم:
مالي وللنجمِ يرعاني وأرعاهُ
أمسى كلانا يعافُ الغمض جفناهُ
لي فيك يا ليل آهات أرددها
أوّاهُ لو أجدت المحزون أوّاهُ
لا تحسبني مُحِبّاً اشتكى وصَبا
أهون بما في سبيلِ الحُبِّ ألقاهُ
إنّي تَذكّرتُ والذكرى مورقة
مجداً تليداً بأيدينا أضعناهُ
ويح العروبة كانَ الكونُ مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياهُ
أنّى اتجهتُ إلى الإسلامِ في بلدٍ
تجدهُ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ
كم صَرّفتنا يدٌ كنا نُصَرِّفها
وبات يحكمنا شعبٌ ملكناهُ
هل تطلبون من المختار معجزةً
يكفيهُ شعبٌ من الأجداثِ أحياهُ
من وحدَّ العربَ حتى صار واترهم
إذا رأى ولد الموتور آخاهُ
وكيفَ ساسَ رُعاة الشاة مملكةً
ما ساسها قيصر من قبل أو شاه
محمود غنيم في قصيدةفي الغار“(الرسالة العدد4:
مَنْ ذلكَ الساري على وَجنائهِ
يطوي الدُّجى ويخب في أحشائهِ
في قِلِةٍ من صحبه،لكنّهُ
في فيلق من عزمه ومضائهِ
ما ضَرّهُ حَلكُ الظلامِ وقلبهُ
يتألّقُ الإيمانُ في أرجائهِ
الصبرُ والتسليمُ حَشوُ إهابهِ
والهمُّ والتصميمُ ملءُ ردائهِ
ينسابُ في آثارهِ أعداؤُهُ
وحمامة تُنجيه من أعدائهِ
أخفاهُ نسجُ العنكبوتِ ولم تكن
أسد الشّرى تقوى على إخفائهِ
جاءَ النفيرُ بخيلهِ وترجله
تتزلزلُ الصحراءُ من ضوضائهِ
نفرت وحوشُ الغابِ خشيّة باسهِ
ومُحَمّدٌ كالطودِ في إرسائهِ
ما طوّفت أشباحهُم بخيالهِ
إلا طوافَ الحلم في إغفائهِ
ضاقَ الفضاءُ بهم وصدرُ مُحَمّدٍ
ما ضاقَ في اللأواءِ رحبُ فضائهِ
نزلت عليه سكينةٌ من رَبِّهِ
ففؤادُهُ استسلم لقضائهِ
ما هَمُّهُ نفسٌ يريدُ نجاتها
بل مذهبٌ يسعى إلى إعلائهِ
غرماءه شدّوا إليه رحالهم
والله كانَ اشدَّ من غرمائهِ
وكذلك شاء الله نُصرةَ عبدهِ
وارتدَّ شانئهُ بوجهٍ شائه
ما كانَ أوفى صاحبين كِلاهما
يفدي أخاهُ مُرّحباً بفدائهِ
سهلٌ عليه أن تسيلَ دماؤهُ
ويفوزَ صاحبهُ بحقنِ دمائهِ
غار يضلُّ النجمُ في دَيجورهِ
لا فرقَ بين صباحه ومسائهِ
لا يأمنان النابَ من ثعبانه
أو يأمنان الذيلَ من رقطائهِ
قضيا النهار على الطوى في جوفه
وتَقَلّبا ليلاً على حصبائهِ
قُمْ سائل الصدِّيق ماذا صدّهُ
عن مالهِ وثناهُ عن أبنائهِ؟
لم يَخشَ إلا أن يُصابَ مُحَمّدٌ
بأذى فيفنى دينه بفنائه
عَجبي على الصدِّيق، ماذا يتقي
والله ربُّ العرشِ من رفقائهِ
ما أصدقَ ابن أبي قحافة صُحبةً
لِمُحَمّدٍ عند اشتداد بلائهِ
هل يدري الغارُ أن نزيلهُ
سَيرجُّ ركن الأرضِ بعدَ نجائه؟
وإذا بدينِ مُحَمّدٍ يغزو الورى
غزو الكتائبِ تحت ظلِّ لوائهِ
وإذا كتابُ مُحَمّد مُتغلغلٌ
في الكونِ والثقلانِ من قُرائهِ
نجمٌ من الصحراءِ كانَ بزوغهِ
فإذا الحواضرُ تهتدي بضيائهِ
الله قدّرَ أن يُتَمِّمَ نورَهُ
من ذا الذي يقوى على إطفائه؟
محمود غنيم)الرسالة العدد705):
مهد الهدى ومثابة الأقمار
نورُ البصائر أنت والأبصار
فيكَ الشرائعُ والشموسُ تلاقتا
فتلاقت الأنوارُ بالأنوارِ
قالوا الحضارة قلت أزهر نبتها
في الشرقِ قبل منابت الأشجارِ
الشرقُ مهوى كل وجه ساجدٍ
لله لا للقوتِ والدينار
وإذا النفوسُ عرين من دين ومن
خُلق فليسَ لهنَّ أيُّ قرار
الغربُ سار على هدى أطماعه
فتعثرت قدماهُ أيَّ عِثارِ
أممٌ سرت في جنحِ ليل مظلم
قد ضلَّ فيه النجمُ قبل الساري
تبكي حضارتها بملء جفونها
وتئن تحت جدارها المنهارِ
قلْ للأولى ضلّوا وضلت فلكهم
في اليّمِ شرعُ الله خيرُ منارِ
محمود غنيم:
هل كان دينُ ابن عدنانٍ سوى فَلَقٍ
شقَّ الوجودَ وليلُ الجهلِ يغشاهُ
سَلِ الحضارة ماضيها وحاضرها
هل كان يتصلُ العهدان لولاهُ
هي الحنيفيةُ عينُ الله تكلؤها
فكلما حاولوا تشويها شاهوا
أحمد محرم:
املأ الأرض يا مُحَمّد نوراً
واغمر الناس حكمة والدهورا
حجبتك الغيوب سراً تجلّى
بكشف الحجب كلها والستورا
أنت معنى الوجود بل أنت سر
جهل الناس قبله الإكسيرا
أنت أنشأت للنفوس حياة
غيّرت كل كائن تغييرا
أنجب الدهر في ظلالك عصراً
نابه الذكر في العصور شهيرا
أحمد محرم:
اقبل فتلكَ ديارُ يثربَ تقبل
يكفيكَ من أشواقها ما تحملُ
طال التلُّومُ والقلوبُ خوافِقٌ
يهفو إليكَ بها الحنينُ الأطولُ
القومُ مُذْ فارقت مكة أعينٌ
تأبى الكرى وجوانحٌ تتململ
يتطلعون إلى الفجاج وقولُهم
أفما يطالعنا النبيُّ المُرسلُ
أحمد محرم:
صاحَ النبيُّ بهم كونوا سواسيةً
يا عُصبةَ الله من صحبٍ وأنصارِ
هذا هو الدينُ لا ماهاجَ من فِتنٍ
بين القبائل دينُ الجهلِ والعارِ
رِدوا الحيةَ فما أشهى مواردها
دنيا صفت بعدَ أقذاءٍ واكدارِ
أحمد محرم:
رسولٌ له من حِكمةِ الوحي عاصمٌ
ومن نورهِ في ظُلمة الرأي كاشفُ
يغيظهم الإسلامُ حتى كأنّما
هوَ الموتُ أو عادٍ من الخطبِ جارِفُ
إذا ما تردّى في الضلالةِ جاهلٌ
فما عذرُ من يأبى الهدى وهو عارِفٌ
أحمد محرم في قصيدةذكرى المولد النبوي“(الرسالة العدد 153):
مِنْ هَيبةٍ يُفضي القريض ويُطرِقُ
ويميلُ فيكَ إلى السكوت المنطقُ
ما في النوابغ من لبيبٍ حاذقٍ
إلا وأنتَ ألبُّ منهُ وأحذقُ
هي مدحتي انطلقت إليكَ مشوقة
والسبلُ تسطعُ ،والمنازلُ تعبقُ
أنت المجالُ الرحب تعتصر القوى
فيه،وتمتحنُ العتاقُ السّبقُ
أنتَ احتملتَ الأمر تنصدع القوى
مما يشقُّ على النفوسِ وتصعقُ
وسننتَ للمتعسفينَ سبيلهم
متبلجاً سمحاً يُضيءُ ويُشرِقُ
ذعرتقريشهل يبدل دينها
رجلٌ ضعيف في العشيرةِ مُملق؟
لا المالُ ينصره،ولا هو إن دعا
خفق اللواء له ُ،وخفَّ الفيلقُ
المالُ والعِرضُ المُمنع سورهُ
والمجدُ والشرفُ الصميم المُعرق
الحقُّ اقبل في لواءِإمامه
والحقُّ أولّى أن يسودَ وأخلقُ
يرمى به سودَ الغياهبِ ساطعاً
تنجابُ حول سناهُ أو تتشق
حار الظلام، فما يلوذُ بجانب
إلا يحيطُ بهِ الضياءُ ويحدِقُ
الوحيُ مطرودٌ،وبأسُمحمد
جار إلى غاياته لا يُلحقُ
لا الضعفُ يأخذُ من قواهُ ولا الواني
بأولئك الهمم الدوائب يعلقُ
بغى الأولى خذلوه من أنصاره
والبغيُ نصرٌ للهداةِ مُحَققُ
زعموا الأذى مما يفلُّ مضاءهُ
فمضى البلاءُ به ،وجدّ المصدقُ
يأوي إلى النفرِ الضعافِ وإنهم
لأشدّ منهم في النضالِ وأوثقُ
هم في حمى الوحي المنزلصخرة
تعي الدُّهاة،وجذوة تتحرّقُ
وهبوا لربّهم النفوسَ كريمة
لا تفتدى منه،ولا هي تُعتقُ
المؤمنونَ الثابتون على الهدى
والأرضُ ترجفُ والشوامخُ تخفقُ
رزقوا اليقين،فلا ذليلٌ ضارع
يطوي الجناح،ولا جبانٌ مُشفقُ
جند النبيّ، إذا تقدمَ أقبلوا
والموت يفزع،والمصارعُ تفرقُ
صدعوا بناء الشرك تحت لوائه
فهوى،وطار لواؤه يتمزّقُ
إن الذي جعل الرسالة رحمة
لم يرحم الدم في الغواية يهرقُ
بعث الرسول معلماً ومهذباً
يبني الحياة جديدة يتأنقُ
يتخيّر الأخلاق ينظم حسنها
في كلِّ ركن قائم ويُنسقُ
عفت الرسوم وأخلقت فأقامها
شماء لا تعفو ولا هي تخلقُ
قُدسيّة الأرجاء،ما برحابها
عَنتٌ،ولا فيها مكان ضيّقُ
تسع الممالك والشعوب بأسرها
وتفيضُ خيراً ما بقينَ وما بقوا
عرفت لحاجات العصور مكانها
فلكلِّ عصر شولهُ والمرفقُ
منعت مغالقها الشرورَ وما بها
للخير والمعروف بابٌ مغلقُ
فهيا لدنيا العالمين مثابةٌ
لولا التباعدُ والهوى المتفرقُ
أحمد محرم(الرسالة العدد 820):
ما في النوابغ من لبيب حاذق
إلا وأنت ألب منه وأحذق
والقول مستلب المحاسن عاطل
حتى يقول العبقري المفلق
أنت المجال الرحب تعتصر القوى
فيه وتمتحن الجياد السبق
حسان منبهر وكعب عاجز
والنابغ الجعدي عان موثق
أطمعهّم فتجاوزوا فيك المدى
لي عذرهم ما أنت من عدة المنى
وأبيت فانصرفوا وكل مخفق
إلا وراء مخيلة ما تصدق
عزيز أباظه في قصيدةوحي يثرب“:
أتلك روابيها العُلا وهِضابُها
وهذي القِبابُ المشرفات قِبابُها
بلى!إنها مثوى الرسول وروضهُ
تقَدَّسَ واديها وعفَّ تُرابُها
أفضنا إليها خاشعاتٍ قلوبُنا
مُسَبّحةً أحناؤُها وشِعابُها
يلجُّ بها شوقُ لأطهرِ مضجعٍ
فتندى،وقد يشفي القلوبَ انتحابُها
وتملأ أطواء النفوسِ مهابةٌ
توالى تَغشيّها لها وانتيابها
نردُّ الدموعَ السافحاتِ ونثني
فلا نثني تهتانها وانسكابها
ذكرتُ رسولَ الله والبيدُ حولنا
تُطالعنا أسرابُها وسرابُها
على هجرةٍ أفضتْ إليها زكانةٌ
وحكمةُ رأي لا يزلُّ صوابُها
أكادُ أراه ثانيَ اثنين أمسيا
على خُطّةٍ ليست قليلاً صِعابُها
تَضُّمهما ظلماءُ ضافٍ رُواقُها
وتطويهما بيداءُ طاغٍ عُبابُها
وخلفهما تضرى قريشٌ وتغتلي
بأحقادها مخزومُها وكلابُها
أُعِدّت مَذاكيها وسُلّت سيوفُها
بليلٍ وضَجَت بالعداء غضابُها
يريدونَ شراً بالرسولِ ودينهِ
وتلكَ مُنى أعيا قريشاً طِلابُها
غفا الأسدُ من أهليه عنه وسالموا
عليه فهبّت تبتغيه ذئابُها
فيا لَخُطىً سمحاءَ باتَ يُعدُّها
ويرجُفُ تاريخُ الدنا وانقلابُها
ولما بلغنا رواحتنا مشارفٌ
يرفُّ عليها طُهرُها وانتسابُها
وشدّت إليها أعينَ الركبِ روضةٌ
تعالى على لحظِ العيونِ جَنابُها
مُباركةُ الأفناءِ لمّاحةُ السّنى
تضوّعُ مسكاً ساحُها وقبابُها
حوت واحدَ الأكوانِ مُذْ بدءِ خلقِها
إلى يومَ يُطوى كالزمانِ كتابُها
وضَمّتْ سراجَ الخلق تهفو قلوبُها
إليه وتعنو باليقينِ رِقابُها
نبيٌّ جلاهُ الله للناسِ حُجّةً
فأقصرَ عنها شكُّها وارتيابُها
وأرسلهُ عِتقاً وأمناً ورحمةً
تُضيءُ دياجيرَ الوجودِ شِهابُها
وأيدّهُ بالدين يصفو معينُهُ
ويزكو وبالأخلاقِ يسرى نصابُها
نمتهُ القرومُ الصيدُ من آلِ هاشم
مُطَهّرةً أحسابُها وثيابُها
وقفتُ وما سلّمتُ حتى ترادفتْ
خواطِرُ نفسٍ قد دهاها مُصابُها
عِذابٌ من الأيام أقلعَ أُنسها
ولم يبقَ إلا هَمُّها وعذابُها
وأطيافُ ذكرى صابُها طَمَّ شُهدها
بروحي شُهدُ الذكرياتِ وصابُها
على يثربٍ منا سلامٌ ورحمةٌ
كموشىِّ أنداءِ الصباحِ انسكابُها
كفاها سنىً انَّ البقيعَ ترابُها
وأن قبابَ الروضتين قِبابُها
وأنّ شفيعَ المرسلين رسولُها
وأنّ كتابَ العالمين كِتابُها
عزيز أباظه:
رَفّت الأرضُ حولها والسماءُ
وتناهى لها السّنى والسناءُ
وزكا عندها الهُدى فإذا الكونُ
جمالٌ ورحمةٌ وإخاءُ
قِف ببطحائها قبالة بيتِ الله
واخشع فإنّا البطحاءُ
باركَ الله حولها واجتباها
فزكت في صعيدها الأنبياءُ
قلتُ للنفسِ وهي نهبُ الأحاسيس
تنزّى وتغتلي ما تشاءُ
رهبةٌ عند روعةٍ يتساوى
عندها الأيدِّون والضعفاءُ
قل لاُمِّ القرى عَدتكِ العوادي
وسقت رملك الطهورَ السماءُ
أحمد زكي أبو شادي:
هدّمتَ أوهامَ القديمِ مُحرراً
أيُقالُ دينُكَ ملؤهُ الأوهامُ؟
وشَرّعتَ للعقلِ الحكيمِ سياسةً
ضمنت بقاءَ جلالها الأيامُ
بُنيتْ على النفعِ الأتمِّ وكل ما
للعلمِ، فالعلمُ الصحيحُ قوام
عقلٌّ كعقلكَ لن يُبيحَ جهالةٌ
أبداً،فكم سطعت له أحكامُ
الشمسُ بعض شعاعهِ وروائهِ
ولهث على سُرُرِ الضياءِ دوامُ
تمضي القرونُ ولن يزول حديثه
فحدثته الإشعاعُ لا الإظلامُ
يا هادمَ الأصنامِ دينُكَ قدرهُ
أن لا تمت لوحيهِ الأصنامُ
من أنكر العلم الصحيح فدينهُ
وهمٌ وليسَ لمثلهِ إسلامُ
فاروق جويدة:عودة الأنبياء
عطرٌ ونورٌ في الفضاء
والأرضُ تحتضنُ السماء
والشمس تنظرُ بارتياح للقمر
والزهر يهمس في حياءٍ للشجر
والعطر تنشره الخمائل
فوق أهداب الطيور
والنجم في شوق تصافحه الزهور
ضوء يلوح من بعيد
الأرضُ صارت في ظلام الليل
لؤلؤةً يعانقها ضياء
والناس تُسرع في الطريق
صوت يدندن في السماء
الآن،عاد الأنبياءَ
هذا ضياء محمدٍ
ينساب يخترقُ المفارقَ والجسور
عيسى وموسى والنبيُّ محمد
عطر من الرحمن في الدنيا يدور
هذي قلوب الناس تنظر في رجاء
أتُرى يعود لأرضنا زمنُ النقاء؟
أهلاً بنورِ الأنبياء
أهلاً رسول الله
يا خير الهداة الصادقين
أنا يامحمدُ قد أتيتكَ
من دروب الحائرين
فلقد رأيتُ الأرضَ
تسكرُ من دماءِ الجائعين
والناسُ تحرقُ في رفاتِ العدلِ
مات العدل فينا من سنين
أنا يارسولَ الله طفلٌ حائرٌ
من يرحمِ الآباءَ من يحمي البنين؟
الناسُ تأكل بعضها
هذي لحوم الناس نأكلها ونشرب خلفها
دمع الحيارى المتعبين
رفقاً رسول الله لا تغضب فهذا حالنا
فلقد عصينا الله في زمن حزين
ماذا تقولُ إذا سرقتُ الناس خبّرني
وطيفُ الجوعِ يقتل طفلتي؟
وأنا أموتُ على الطريقِ وحوله
يسري اللصوص وهم سكارى
من بقايا مهجتي؟
بالله خبرني رسول الله
أين بدايتي..
ونهايتي؟
أتُرى أعيشُ العمرَ مصلوبَ المنى؟.
أنا يا رسول الله
لم أعرف مع الدجل الرخيص حكايتي
ماذا أكون؟ومن أكون؟أمام قبر مدينتي
وأموت في نفسي..أموت
وأموت في خوفيأموت
وأموت في صمتيأموت
أنا يا رسول الله أحيا كي أموت
قالوا بأن الموت موتٌ واحدٌ
وأمام كل دقيقة قلبي يموت
قلبي رسول الله في جنبي يموت
ماذا أقول وقد رأيت الأرض تفرحُ
بالمعاصي والذنوب؟
ماذا أقول وعمري الحيران
يطحنه الغروب؟
والحبُ في قلبي يذوب
آهٍ رسول الله من أيامنا
فلقد رأيتَ بنور قلبك حالنا
يا منصف الأحياء والموتى
ويا نوراً أضاء طريقنا
لا تترك الأحزان ترتع بيننا
الشمسُ تصعد للسماء
والزهر يخنقه البكاء
والليل ينظرُ في دهاء
عاد الظلام مدينتي ما كنت يوماً..للضياء
الآن يرحل عنكِ نور الأنبياء
النور يخترقُ السماء
يمضي بعيداً،
ويح قلبي ليته ما كان جاء
يوماً رأت فيه القلوب
بشير صبحٍ عانقت فيهِ الرجاء
يا أنبياء الله
لا تتركوا الأرضَ الحزينة للضياع
يا أنبياء الله
يا من تريدون الوداع
يا من تركتم للظلام مدينتي
قبل الرحيل تنبهوا
الأرض تمشي للضياع
الأرض ضاعتفي الضياع
محمد الأسمر في مولد الرسول صلى الله عليه وسلم(الرسالة العدد162 والعدد203):
فجرٌ أطلَّ على الوجودِ فأطلعا
شمسين :شمسَ سناً، وشمسَ هدىً معاً
ظِلّتْ مطالعُ كلِّ شمس لا ترى
من بعدهِ شيئاً كَمكَة مطلعا
قبس من الرحمن لاحَ فلم يدعْ
لألآه فوق البسيطة موضعا
ما كان ميلادُ الرسول المصطفى
إلا الربيعَ نضارة وتضوعا
يوم أغرّ كفاك منهُ أنّهُ
يوم كأنّ الدّهرَ فيه تَجّمعا
ويكادُ غابرُ كلّ يومٍ قبله
يُثني إليه جيدهُ مُتطلعا
فلو استطاعَ لكرّ من أحقابهِ
وثباً على هامِ السنيِنِ ليرجعا
يكادُ مُقبلُ كل يوم بعده
ينسّل من خلف الزمان ليسرعا
فلو استطاعَ لجاء قبل أوانهِ
وانسابَ يخترق السنين وأتلعا
تتنافس الأيام في الشرفِ الذي
ملأ الوجودَ فلم يغادر أصبعا
خير أفاضَ الله منه على الورى
أنى جرى ترك الجناب الممرعا
وسناً جلاه لتَعمر الدنيا به
من بعد ما كانت خراباً بلقعا
وافى وليلُ الجاهلية مُطبقٌ
فانجابَ عن جنباتها وتَقّشعا
وكذا الهداية إن قذفتَ بها على
ركن الغواية والضلال تصدّعا
والحقُّ أخفى ما يكونُ مُجرّداً
وتراهُ أوضح ما يكونُ مُدرعا
نادى إلى الحُسنى فلما أعرضوا
واستكبروا شرع الرماح فأسمعا
بعضُ الأنامِ إذا رأى نور الهدى
عرف الطريق،ولم يضل المهيعا
ومن البريّة معشرٌ لا ينتهي
عن غيّهِ حتى يخاف ويفزعا
محمد الأسمر في المولد النبوي(الرسالة العدد203:
إنّ الرسولَ مُحمداً صبحٌ بدا
من راح يعثر في سناه فلا لعا
وافى بها بيضاءَ عدل كلها
لا تلفينَّ بها الضعيفَ مُضَيّعا
الناسُ كلهمُ سواسيةَ بها
لا قيصراًتلقى بها أو تُبّعا
دينُ المساواةِ الصحيحةِ دينه
يرعاهم في الله أشفق من رعى
جاءت له الدنيا فأعرض زاهداً
يبغي من الأخرى المكانَ الأرفعا
ما جرَّ أثواب الحرير ولا مشى
بالتاجِ من فوق الجبينِ مُرصّعا
من ألبسَ الدنيا السعادة حُلّة
فضفاضة،لبس القميص مُرقعا
وهو الذي لو شاء نالت كفّه
كلَّ الذي فوق البسيطة أجمعا
لم يبغها مُلكاً عضوضاً بل دعا
لله لا لسواه أفضل من دعا
يا مصطفى أدعوكَ دعوة شاعر
وأفي إليك بشعرهِ متشفعا
هَب لي من النفحات ما أشفي به
نفساً مُعذّبة وقلباً موجعا
فلعلَّ صدراً أن تزول همومه
وعليل قوم أن يصحَّ وينفعا
ولعلَّ ذابلة الرجاء ينالها
بلل من الغيث العميم فتينعا
صلى عليك الله جلَّ جلاله
ديناً وأخرى شافعاُ ومثشفعا
الشيخ محمد عبد المطلب:
طه أبو القاسم المبعوث من مُضر
والمجتبى رحمةً للناس كلهم
ولو ترى قبله الدنيا وما لقيت
من البلاء وما ذاقت من النِقم
محمود الخفيف(الرسالة العد 348) قصيدة بعنوانالطريق إلى يثرب:
طافتِ الذكرى فطوفي بقصيدي
واسكبي في مسمعِ الدّهرِ نشيدي
جَدّدي قيثارتي اللحنَ وهاتي
من حديث أبلجِ الذكرِ فريدِ
الهدى والحقُّ فيه والعُلى
والبطولاتِ وآياتُ الخلودِ
رَجِّعي أنشودةً خالدةً
كم سهت عنها أغاني الشعراء
سيرةً من جانبِ الله سناها
ومعان يُوقظُ الرّوح صداها
كلُّ نورٍ هو منها قبسٌ
وإليها كلُّ مجدٍ يتناهى
خُطواتٌ مُبتداها عَزمةٌ
دونها الوصفُ،ونصرٌ مُنتهاها
إقبسي قيثارتي الوحي وهاتي
من حديثٍ قُدُسيِّ اللمحات
أنشدينا فيه أعلى مثل
خَطّهُ التاريخُ في ماضٍ وآتِ
عِظةُ الأجيالِ فيهِ ساقها
من أتاها بالهدى والبيناتِ
النبيّ العربيُّ المصطفى
خاتمُ الرُّسلِ سماء المكرمات
حدّثي كيفَ اتقى كيدَ الطَغام
ومشى تحت الدُّجى هادي الأنامْ
ثاني اثنين ترامت بهما
في سبيل الله بِيدُ ورَجامْ
أيها المُخرَجُ في جُنحِ الدُّجى
بكَ ينجابُ عن الدنيا الظلامْ
الشيخ يوسف القرضاوي:في ذكرى المولد
هو الرسول فَكُن في الشعرِ حسانا
وصغ من القلب في ذكراه ألحانا
ذكرى النبيّ الذي أحيا الهدى وكسا
بالعلم والنورِ شعباً كان عريانا
أطلَّ فجر هداه والدُّجى عممُ
بات الأنام وظلوا في عميانا
هذا يصور تمثالاً ويعبده
وذاك يعبدُ أحباراً وكهّانا
الكون بحرٌ عميقٌ لا منار به
لم يدر فيه بنو الإنسان شطئانا
ويل الصغير وقد صار الورى سمكاً
يسطو الكبير عليه غير خشيانا
فدولة الروم حوتٌ فاغرٌ فمه
يطغى على تلم الأسماك طغيانا
ودولة الفرس حوتٌ مثله كشرت
أنيابه للورى بغياً وعدوانا
وحشية عمّت الدنيا أظافرها
جهالة أصلت الأكوان نيرانا
الليل طال ألا فجرٌ يبدده؟
ربّاه..أرسل لنا فلكاً ورُبانا
هناك لاح سنا المختار مؤتلقا
يهدي إلى الله أعجاماً وعربانا
يتلو كتاب هدى كان الإخاء له
بدءاً وكان له التوحيد عنوانا
لا كبر ـ فالناس إخوان سواسية
لا ذلَّ إلا لمن سوّاك إنسانا
يقود دعوته في اليمِّ باخرةٌ
تقل من أمّها شيباً وشبانا
السلم رايتها والله غايتها
لم تبغ إلا هدىً منه ورضوانا
جرت بركبانها..لا الريح زلزلها
ولا يد الموج مهما ثار بركانا
وكم أراد العِدا إضلالها عبثاً
وحاول خرقها بالعنف أزمانا
واها! تُخرق والرحمن صانعها؟
والله حارسها من كل من خانا؟!
أم هل تضل سفينبيت إبرتها
وحي من الله يهدي كلّ حيرانا؟!
أم كيف لا تصل الشطئان باخرة
ربانها خير خلق الله إنسانا؟!
ر
تلك الرواية والهفي ممثلة
في العالم اليوم في بلدانه الآنا
إن يختلف الاسم فالموضوع مُتَّحد
مهما تلوّنت الأشخاص ألوانا
فالناس قد اتخذوا الأهواء آلهة
إن كان قد تخذ الماضون أوثانا
الشعب يعبد قواداً تضلله
كما يضلل ذو الإفلاس صبيانا
والحاكمون غدا الكرسيُّ ربهمو
يقدمون له الأوطان قربانا
إن ماتت الفرس فالروسيا تمثلها
أما ستالين فهو اليوم كِسرانا
وإن تزل دولة الرومان فالتمسوا
في الإنجليز وفي الأمريك رومانا
وإن يمت قيصر فانظر لصورته
وإن يكونوا همو في البحر حيتنانا
يا خير من ربت الأبطال بعته
ومن بنى بهمو للحقِّ أركانا
خلفت جيلاً من الأصحابِ سيرتهم
تضوع بين الورى رَوحاً ورَيحانا
كانت فتوحهمو براً ومرحمةً
كانت سياستهم عدلاً وإحسانا
لم يعرفوا الدين أوراداً ومسبحةً
بل أشربوا الدين محراباً وميدانا
فقل لمن ظن أن الدين منفصل
عن السياسة:خذ يا غرّ برهانا
هل كان أحمد يوماً حلس صومعة
أو كان أصحابه في الدير رهبانا؟!
هل كان غير كتاب الله مرجعهم
أو كان غير رسول الله سلطانا؟!
لا، بل مضى الدين دستوراً لدولتهم
وأصبح الدين للأشخاص ميزانا
يرضى النبي أبا بكر لدينهمو
فيعلن الجميع:نرضاه لدنيانا
يا سيد الرسل طب نفساً بطائفة
باعوا إلى الله أرواحاً وأبدانا
قادوا السفين فما ضلوا ولا وقفوا
وكيف لا وقد اختاروك ربّانا؟!
أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم
والناس تزعم نصر الدين مجانا
أعطوا ضريبتهم صبراً على محن
صاغت بلالاً وعماراً وسلمانا
عاشوا على الحُبِّ أفواهاً وأفئدةً
باتوا على البؤس والنعماء إخوانا
الله يعرفهم أنصار دعوته
والناس تعرفهم للخير أعوانا
والليل يعرفهم عُبّاد هجعته
والحرب تعرفهم في الروع فرسانا
دستورهم لا فرنسا قننته ولا
روما،ولكن قد اختاروه قرآنا
زعيمهم خير خلق الله لا بشر
إن يهد حينا يضل القصد أحيانا
الله أكبر“..مازالت هتافهمو
لا يسقطون ولا يحيون إنسانا
نشكو إلى الله أحزاباً مضلّلة
كم أوسعونا إشاعات وبهتانا
ما زال فينا ألوف من أبي لهب
يؤذون أهل الهدى بغياً ونكرانا
ما زال لابن سلول شيعة كثروا
أضحى النفاق لهم وَسماً وعنوانا
يا رب إنا ظلمنا فانتصر،وأنر
طريقنا،واحبنا بالحق سلطانا
نشكو إليك حكومات تكيد لنا
كيداً وتفتح للسكسون أحضانا
تبيح للهو حانات وأندية
تؤوي ذوي العهر شُراباً ومُجّانا
فما لدور الهدى تبقى مغلقة؟
يمسي فتاها غريب الدار حيرانا
يا رب نصرك، فالطاغوت أشعلها
حرباً على الدين إلحاداً وكفرانا
ر
يا قوم قد أيّد التاريخ حجتنا
وحصحص الحقّ للمستبصر الآنا
إنا أقمنا على إخلاص دعوتنا
وصدقها ألف برهان وبرهانا
لقد نفونا فقلنا:الماء أين جرى
يُحيي الموات ويروي كل ظمآنا
قالوا:إلى السجن،قلنا:شعبة فُتحت
ليجمعونا بها في الله إخوانا
قالوا: إلى الطور،قلنا:ذاك مؤتمرٌ
فيه نقرِّرُ ما يخشاه أعدانا
فهو المصلى نزكّي فيه أنفسنا
وهو المصيف نقوي فيه أبدانا
معسكر صاغنا جنداً لمعركة
ومعهد زادنا للحقِّ تبيانا
من حرّموا الجمع منا فوق أربعةٍ
ضموا الألوف بغاب الطور أسدانا
راموه منفى وتضييقاً،فكان لنا
بنعمة الحب والإيمان بستانا
هذا هو الطور شاءوا أن نذوب به
وشاء ربك أن نزداد إيمانا
بدر شاكر السياب:
نبي الهدى،عُذراً إذا الشعرُ خانني
ولكنّهُ قلبي بما فيهِ يقطرُ
نبيَّ الهدى،كُنْ لي لدى الله شافعاً
فإنّي، كَكُلِّ الناس،عانٍ مُحيّرُ
تَمرَّستُ بالآثامِ حتى تَهدّمتْ
ضلوعي،وحتى جنتي ليس تُثمرُ
ولكن من ينجدهُ طه فقد نجا
ومن يهده ـ والله ـ هيهات يخسرُ
عمر أبو ريشة في قصيدةملحمة النبي“:
أي نجوى مخضلة النعماء
رددتها حناجرُ الصحراء
سمعتها قريش فانتفضت غضبى
وجّت مشبوبة الأهواء
ومشت في حمى الضلال إلى
الكعبة مشي الطريدة البلهاء
وارتمت خاشعة على اللات
والعزى وهزت ركنيهما بالدعاء
وبدت تنحر القرابين نحرا
في هوى كلِّ دمية صماء
وانثنت تضرب الرمال اختيالا
بخطى جاهلية عمياء
عربدي يا قريش وانغمسي ما
شئت في حمأة المنى النكراء
لن تزيلي ما خطّه الله للارضِ
وما صاغه لها من هناء
شاء أن ينبت النبوة في القفر
ويلقي بالوحي من سيناء
فسلي الربع ما لغربة عبد الله
تطوى جراحها في العزاء
ما لأقيال هاشم يخلع البشرُ
عليها مطارف الخيلاء
انظريها حول اليتيم فراشا
هَزجاً حول دافق الألاء
وأبو طالب على مذبح الأصنام
يزجي له ضحايا الفداء
هو ذا أحمد فيا منكب الغبراء
زاحم مناكب الجوزاء
بسم الطفل للحياة وفي جنبيه
سرّ الوديعة العصماء
هَبَّ من مهده ودبَّ غريبَ
الدار في ظلِّ خيمة دكناء
تتبارى حليمة خلفه تعدو
وفي ثغرها افترار رضاء
عرفت فيه طلعة اليمن والخير
إذا أجدبت ربى البيداء
وتجلّى لها الفراق فأغضت
في ذهول وأجهشت بالبكاء
عادَ للربع أين آمنة
والحب والشوق في مجال اللقاء
ما ارتوت منه مقلة طالما شقّت
عليه سائر الظلماء
يا اعتداد الأيتام باليتم كفكف
بعده كل دمعة خرساء
أحمدُ، شبّ يا قريش فتيهي
في الغوايات واسرحي في الشقاء
وانفضي الكفَّ من فتى ما تردّى
برداء الأجدادِ والآباء
أنت سَميّتهِ الأمين وضمخت
بذكراه ندوة الشعراء
فدعي عمه فما كان يغريه
بما في يديك من إغراء
جاءه متعب الخطى شارد الآمال
ما بين خيبة ورجاء
قال هَوِّن عنك الأسى يا بن عبد
الله واحقن لنا كريم الدماء
لا تسفه دنيا قريش تبوئك
من الملك ذروة العلياء
فبكى أحمد، وما كان من يبكي
ولكنها دموعُ الإباء
فلوى جيدَه وسار وئيدا
ثابت العزم مثقل الأعباء
وأتى طودَه الموشح بالنور
وأغفى في ظلِّ غار حراء
وبجفنيه من جلال أمانيه
طيوفٌ علويّة الإسراء
وإذا هاتف يصيح به اقرأ
فيدوي الوجود بالأصداء
وإذا في خشوعهِ ذلك الأُميّ
يتلو رسالة الإيحاء
وإذا الأرضُ والسماء شفاه
تتغنّى بسيّد الأنبياء
جمعت شملها قريش وسلتْ
للأذى كل صعدةٍ سمراء
وأرادت أن تنقذ البغي من أحمد
في جنح ليلة ليلاء
ودرى سرَّها الرهيب عليٌّ
فاشتهى لو يكون كبش الفداء
قال: يا خاتم النبيين أمست
مكة دار طغمةٍ سفهاء
أنا باقٍ هنا ولست أبالي
ما ألاقي من كيدها في البقاء
سيروني على فراشك والسيف
أمامي وكل دنيا ورائي
حسبي الله في دروب رضاه
أن يرى فيّ أوّل الشهداء
فتلقاه أحمد باسم الثغر
عليماً بما انطوى في الخفاء
أمر الوحي أن يحث خطاه
في الدجى للمدينة الزهراء
وسرى واقتفى سراه أبو بكر
وغابا عن أعين الرقباء
وأقاما في الغار والملأ العلوي
يرنو إليهما بالرعاء
وقفت دونه قريش حيارى
وتنزّت جريحة الكبرياء
وانثنت والرياح تجأرُ والرمل
نثير في الأوجه الربداء
هللّي يا ربى المدينة واهمي
بسخي الأظلال والأنداء
واقذفيها الله أكبر حتى
ينتشي كل كوكب وضاء
واجمعي الأوفياء إن رسول الله
آتٍ لصحبه الأوفياء
وأطلَّ النبيُّ فيضاً من الرحمة
يروي الظماء تلو الظماء
والصلاة الطهور عالية
الأصداء جوَّابة بكلِّ فضاء
هزّت الجاهليَّ فاهتزّ إنساناً
نجيَّ الرسالة العذراء
وقريش في يقظة الحقد وهجٌ
من عتادٍ ولفحة من عداء
كُلّما مرَّ مؤمنٌ بحماها
قذفته بطعنة نجلاء
خسّةٌ تترك المروءة غضبى
وتردُّ الحُلومَ صرعى حياء
وإذا الصِيد فوقها يحملون
الشهبَ أسيافَ نخوة شماء
وتخطاهم النبيُّ،فساروا في
ركابِ الهدى إلى الهيجاء
لم يرقه سفكُ الدماء،ولكن عجز
الحلم في انتزاع الداء
دَرَنُ النفس ليس يُمحى إذا
لم تجرِ فيه مباضعُ الحكماء
وإذا الحلمُ لم تجد فيه بناءً
فأكرم بالسيف من بناء
وجم المؤمنون في رهبة الظن
وناموا على رؤى سوداء
وتمطى على المدينة صبحٌ
كاسفُ الوهج قاتم الأفياء
أحمد ودّعَ الحياة،فيا فاروق
أقصر ما فيك من غلواء
كلُّ حيٍّ رهن الفناء وتبقى
آية الله فوق طوق الفناء
يا نجيَّ الخلودِ تلك سراياك
على كُلِّ ربوةٍ غنّاء
حملت صبوةَ الشآم وفضَّتها
أريجاً على فم الزوراء
وشجتها غرناطةٌ فشفت
منها فؤادَ الصبية الحسناء
فإذا الأرضُ من عرائسك الأبكار
مغنى سنىً ومجلى سناء
حُلمٌ وانقضى، فيا للمناجي
زُهرَ أطيافه ويا للرائي
يا عروسَ الصحراء ما نبتَ المجد
على غير راحة الصحراء
كلما أغرقت لياليها في الصمت
قامت عن نبأة زهراء
وروتها على الوجود كتاباً
ذا مضاء أو صارماً ذا مضاءِ
فأعيدي مجد العروبة واسقي
من سناهُ محاجر الغبراء
قد ترفُّ الحياة بعد ذبولٍ
ويلين الزمان بعد جفاء
عمر أبو ريشة(الرسالة العدد 197):
أوقفي الركب يا رمال البيد
إنّهُ تاه في مداكِ البعيدِ
ظمئت نوقه وجفّ فمُّ الحا
دي وغصّت لهاته بالنشيدِ
والأشداء يلهثون كخيل ال
غزو عادت من يومها المشهودِ
عصفت في جفونهم ريحك الهو
جاء والشمس عربدت في الخدودِ
والصبايا من الهوادج ينظر
ن إلى الأفق نظرة المفئودِ
ليس يبصرن منك غيرَ هضابٍ
في هضاب مبعثرات الحدودِ
غابت الشمس يا رمال وهذا ال
ركب في قبضة العياء الشديد
وخبا الليل يا رمال ال
ركب أخنته وطأة التسهيدِ
فهوى فاقد الرجاء يرى المو
ت مشيحاً بمنجل من حديد
فتراءت إليه نارٌ على البع
دِ فكانت إيماءة للشريد
فسرى في سنائها فأطلّت
خلفها مكّة الفخارِ التليدِ
يا عروس الرمال يا قبس التا
ئه في مَهمه الضلال المبيدِ
أمِنَ الركبُ في جمالك فرده
إلى ذكريات تلك العهودِ
يوم أرخى على جوانبك الوحي
جناحين من سماء الخلودِ
حاملاً آية النبوة ما بين
شفاه عُلويّة التأييدِ
صَباها قبله على فم طفل
قرشي النِجارِ سامي الجدودِ
وحواليه من حمام الفرادي
س حسانٌ مُرّنحات القدودِ
ساحبات بيض البرود كما لو
جمد النور فوق تلك البرودِ
يتزاحمن واثبات ويلثم
ن من الشوق مبسم المولودِ
فإذا بالسماء تهمي تسابيح
وتدوي أصداؤها في الوجودِ
وإذا الكونُ بعد عيسى تعرى
نصب عيني محمد من جديد
درجَ الطفل والهداية تحبوه
بتاج من السناء فريدِ
وبحيرافي الدير يضرب في ال
ناقوس بشرى بالسيّدِ المنشودِ
والذؤابات من قريش سكارى
في هوى الجاهلية العربيدِ
هتكت كبرياؤها سنن العقلِ
وصالت بشرعها المردودِ
كم بنات لم تنفطم وأدتها
كفُّ باغٍ على القضاءِ عتيدِ
جلجلت صرخة النبيِّ فردّت
رجعَ أصدائها أعالي النجودِ
وأشاحت يسراه بالمعولِ الصلد
ويمناهُ بالكتابِ المجيدِ
فتهاوت تلك الصفوف من الأص
نام عن أوج عرشها المعقودِ
وتبارت الله أكبر تعلو
من شفاه المؤذن الغريد
أخذت غضبة البداوة تخبو
بعد إعنات وضَلّة وجحودِ
إنها النفسُ لا تُبدل طبعاً
ألفته فكيف نفس الحقودِ
ومن الصعب أن يشاهد أعمى
قبس الحق في الليالي السودِ
يومبدرفضَّ النزاع وبثّ ال
رعب في كلِّ أشهب صنديدِ
فقريش مغلوبة وأبو سف
يان في شبهِ رجفةِ الرعديدِ
والميامين في المدينة يطوون
سيوف السلام طيّ الغمودِ
فأتمَّ النبيُّ آيته الكبرى
على شعبه الكريمِ الودودِ
الفجاءات كم تزلزل عزماً
وتردّ الرشيد غيرَ رشيد
دفقت موجة الهدى تغسل الشرك
وتروي النفوس يالتوحيد
وتبثُّ الوئام والحبّ والرح
مة ما بين سيّدٍ ومسودِ
مذهب ضجّت الأعاجمُ منهُ
وتعاموا عن شرعه المحمودِ
ورأوا فيه ما يدكُ عروشاً
شيدوها بالظلم والتهديدِ
فرمت بالكتائب الخرسروما
وبأبطالها الغزاة الصيدِ
وطغى الهول والكتائب ماجت
في خضم من القنا والبنودِ
فأطلّت تلك الفلول من العرب
بعزم النبوة المشدود
وأغارت ترمي الفوارس رمياً
وتحزُّ الوريدَ إثرَ الوريدِ
كلما انهار حائط من جنود
أتبعته بحائط من جنودِ
وضفافاليرموكترسل منها
زمزمات الحداء لإبن الوليدِ
جولة ترعف الصوارم فيها
وتصيح الأكف هل من مزيدِ
جولة كَفّنت بها الرومُ حلماً
بين أنقاض صرحها المهدودِ
وكأن اندحارها لم يردالفرس
عن نشر بغيها المعهود
سخّرت كل فيلق كسروي
لم يذق قبل نكبة التشريدِ
مزّقته في القادسية تلك ال
بيض والسمر في أكف الأسود
عمر أبو ريشة:
يا رملُ ما تعبَ الحادي ولا سئما
ولا شكا في غواياتِ السرابِ ظما
كأنّما من وراءِ الغيبِ هاجسة
فَضّت على سمعه السرَّ الذي كتما
فرّنحَ الكونَ في لألاء أمنية
عذراء،ما عرفت أرضاً لها وسَما
مرّت طيوفاً على الدنيا فما غمست
فيها جناحاً ولا جَرّت بها قدما
حتى إذا طالعتها مكّة اختلجت
شوقاً وسالت على أجوائها نِعَما
فلاحَ أحمد في أعراس دعوتهِ
يسلسل الوحي إن صمتاً وإن كلِما
ويسحب المرود الأسنى على مُقَلٍ
ما زادها النور إلا ضلّة وعمى
هناءة شقيت هوج النفوس بها
فعربدت صلفاً واستكبرت سمما
فأرسلَ الصرخة الزهراء فانطلقت
كتائب الله ترعى البيت والحرما
فتاب من لم يكن بالله معتقداً
وثاب من لم يكن بالله معتصما
فأقبلت سروات العرب خاشعة
تجلو بإيمانها عن دينها التهما
وتحمل الشهب في راحاتها قضباً
والخيل تعلك في أشداقها اللحما
وأحمد يتلقاها وبسمته
ترد كل فم للمجد مبتسما
فزّينت بالبناة الزهر مملكة
العدل ما شادها والحق ما دعما
كم طوّفت شيع الدنيا بكعبتها
وهزّت الشمس عن هاماتها عَمما
أبو ريشة:
أمن سنا أحمدٍ حرّ ستطلعه
وتطلع المجد في برديه مضطرما
فيرجع الأرض ريّا بعدما يبست
ويمتطي الدهر غضاً بعدما هرما
عمر أبو ريشة:
نامَ في غيبِ الزمانِ الماحي
جبلُ المجدِ والندى والسماحِ
أسكرته أجيال نعمته البكر
بفيض الأعراسِ والأفراحِ
حين أنفاسهُ تموج على الكون
بعبقِّ النبوّة الفوّاحِ
فتمشّت عليه دُهم الليالي
وكسته من نسجها بوشاحِ
وطوت سفرهُ العجيبُ الموّشى
بأساطير عهده الوضاح
بدوي الجبل:
بنورٍ على أُمِّ القرى وبطيبِ
غسلت فؤادي من أسى بلهيبِ
لثمت الثرى سبعاً وكّحلتُ مقلتي
بحسنٍ كأسرار السماء مهيبِ
وأمسكتُ قلبي لا يطير إلىمنىً
بأعبائهِ من لهفةٍ ووجيبِ
فيا مهجتي:وادي الأمين محمد
خصيبُ الهدى،والزرع غير خصيبِ
هنا الكعبة الزهراء،والوحي والشذا
هنا النور،فافني في هواه وذوبي
ويا مهجتي:بين الحطيم وزمزم
تركتُ دموعي شافعاً لذنوبي
وفي الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي
وعطرَّ أبواب السماء نحيبي
بدوي الجبل:
مدحت رسول الله أرجو ثوابه
وحاشا الندى أن لا يكون مثيبي
وقفت بباب الله ثمَّ ببابهِ
وقوف ملحٍّ بالسؤال دؤوب
صفاء على اسم الله غير مكدّر
وحب لذات الله غيرَ مشوبِ
وأزهى بتظليل الغمام لأحمد
وعذب برود من يديه سروب
فإن كان سرّ الله فوق غمامة
تظلّ وماء سائغ لشروبِ
ففي معجزة القرآن والدولة التي
بناها عليه مقنع للبيب
بدوي الجبل:
أصفيتُ آل رسول الله عاطفتي
وكنت شاعركم نعمى وأحزانا
بدوي الجبل:
وعند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناءِ كسوب
بدوي الجبل:
ها هنا في الروض والروض شذى
بيعة الله تضمُّ المؤمنينا
فالبسي الإكليل يا ميّ فقد
أشرقَ الصبحُ على الدنيا مُبينا
حفلة العرس ومن زهر الربى
قد دعونا يا ابنة الخير مئينا
وطيور الروض يا فاتنتي
أقبل الليل فاجثي واخشعي
قد أقمناها مقام المنشدينا
واتركي الأزهار يلثمن الجبينا
يا له من مؤمن يمنحنا
بركات الأتقياء الصالحينا
بدوي الجبل:
أنور العطار(الرسالة العدد 966 في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
يا سيّدَ الخلق ،يا نور الوجود سَرت
بأضلعي اليوم من نجواك أصداء
رفت حياتي بها بِشراً وزغردةً
فالقلبُ تسبيحة في الثغرِ سجواء
من جود كفّيك أنغامي وأخيلتي
ومن سخائك للعافين إغناء
حببت فيك قريضي حين قربّني
إلى حماكَ فشِعري منك إدناء
وبحتُ بالحبِّ في سرِّي وفي علني
ولذَّ لي في هواك السمح إفشاء
لولا هواك لما أبدعت عافية
والكون لولا الهوى بهما جرداء
وأنتَ أيقظت في الحبِّ فانتشرت
على محياي أفراح وآلاءُ
وأنت فجّرتني حباً ومرحمة
فليس يعلق بي حقد وبغضاءُ
وأنت أزهدتني في الناس كلهم
فهجر أطماعهم للنفس إبراء
هم علّموا القلب أن ينأى مطامعهم
فما لدنياهم زهو وإغراءُ
مالي وللناس لا أحيا بإلفتهم
وإنما أنت لي بعث وإحياءُ
مذ هام قلبي بكم ما اختار غيركم
ولا صبا،وقوبُ الناس أهواءُ
يا هجرة لك فاضت همّة وعُلى
يشدها خافق بالعزم مضّاءُ
تركت مكة والأحلام تغمرها
وللطفولة أطياب وأشذاء
والقلب رهن الحمى ما انفك مدلها
به وللأرض أشواق وأصباء
إن غبت عنها براها الشوق واحتدمت
نيرانه واستفاق الجرح والداءُ
وعشت دهرك في تذكارها وترا
له الهوى نغم في الصدر بكاء
كلاكما ذاب تهياماً بصاحبه
والأرضُ أمٌّ وأهل الأرض أبناءُ
والمرء ما زال حناناً إلى وطن
وإنما وطن القلب الأحبّاءُ
إن عاشَ عاشَ بهم حتى إذا رحلوا
فإنّما هو أصداءُ وأنباءُ
طوبى ليثرب ضمّت خيرَ من سطعت
على محيّاهُ أنوار وأضواءُ
طوبى لها أن حمت جاراً وأن طلعت
رسالة الله منها وهي غرّاءُ
لله شرعُكَ شرعاً واضحاً جدداً
ما في تضاعيفهِ ريب وإخفاءُ
أنقى من الزهر في فينان نضرته
وقد جلته يد للحسن بيضاءُ
كم طهّرَ القلب من بغي ومن دنس
وكم صفت بصفاء القلب حوباءُ
والدين يمن وإحسان وميسرة
وفرحة تسع الدنيا وأنداءُ
من ضاقَ بالعيشِ ذرعاً أو جفته منى
فالدين تعزية كبرى وتأساءُ
يا هجرة فجّرت حباً ومرحمةً
فالقوم فيها الأحبّاءُ الأخلاءُ
تقاسموا نعميات العيش وائتلفوا
جرى الإخاء عليهم بهجة وسنا
كما تألف في الأجسادِ أعضاءُ
فاستعذبوه،ودنيا الودّ فيحاء
وطيبة الخير بيت ضمَّ شملهم
جلاله الدهر أبناء وآباءُ
أنور العطارفي قصيدةذكرى سيد الوجود (الرسالة العدد224):
نحنُ في مولدِ المتوَّجِ بالنُّورِ
وفي ليلةِ الرِّضا والمغانمْ
حفلتْ بالطيّوبِ فالعالمً الوا
سعُ حقلٌ من الأزاهيرِ فاغِمْ
والنجومُ المفضّضاتُ عيونٌ
شاخصاتٌ والكائناتُ مباسِمْ
كلُّ من في الوجودِ رانِ أخيذ
ذاهبُ اللُبِّ مُستطارٌ ساهِمْ
طفحَ الكونُ بالهدى والمرواءا
ت،واجت رحابه بالمكارم
فمن الحاملُ البشائرُ للأر
واح،ومن ذلكَ الحبيبُ القادِمْ
وهبَ البُرءَ للقلوبِ الوجيعا
تِ،ونحّى عن الحياةِ المظالمْ
وأعادَ الإنسانَ روحاً نقيّاً
خالصاً من حقودهِ والسخائِمْ
صفوةُ الخلقِ أيُّ نورٍ على الآف
قِ بهيّ جمِّ التلاميع،حائِمْ
سطعت من سناكَ هذي السّموا
تُ ورَفت بكَ الدُنا والعوالِمْ
أنتَ نجوى الأرواحِ في كلِّ جيلٍ
وشعاعُ الهدى،وروحُ النواسِمْ
تتناجى بك القلوبُ الحيارى
وتغنّى بك النفوسُ الهوائِمْ
يا ساءَ الجلالِ يا رفرفَ الخُل
دِ ويا صورةَ النَّعمِ الدائمْ
لأصوغنَ من نداكَ الأناشي
دَ،وأفتنُ في ضروبِ الملاحمْ
كلُّ بيتٍ يكادُ يقطِرُ بالرّف
قِ ويخضَلُ بالدموعِ السّواجِمْ
يا نداءَ المعذبينَ الأسرى
ودعاء المُروَّعاتِ النوادِمْ
كلُّهم راكضُ إليكَ يرّجّي
كَ،وكلُّ مُولّه بكَ هائِمْ
ظفروا منكَ بالسّماحاتِ تترى
وغُنوا بالرِّضا الشهي المناعمِ
صُغتَ للناسِ شِرعة من علاءٍ
وحنانٍ وطيبةٍ ومراحِمْ
الهداياتُ حانياتُ عليها
والعناياتُ طائفاتُ حوائِمْ
لُذتَ بالغارِ تتقي شِرّة النا
وتناجي ربّ السموات لهفان
سِ وتنسى العدوانَ من كُلِّ ناقِمْ
وتعنو لحافظ لك،وعاصم
وحِرَاءٌ بك استطالَ على النّج
مِ وتاهت به الصخورُ الجواثِمْ
يشتهي الخلدُ لو تغلغلَ فيه
حُلماً فتنَ المسّراتِ ناعِمْ
ضمَّ في ساحتيهِ نوراً من الله
أضاءت به الليالي القواتم
وبنفسي عناكبٌ ناسجاتٌ
لك ستراً يقيكَ من كُلِّ آثِمْ
سَعدَتْ بالهدى رحابُ الصحارى
وتلألت فيها الموامي الطواسِمْ
أعشبَ القفرُ وازدهى الصخر الصّ
لدُ وفاضت منهُا العيونُ السواجِمْ
فتَندّتْ هذي الرمال العطاشى
كالألىء فرائداً وتمائمْ
تتغنّى والكونُ يهتفُ جَذلا
فهي حلم على الليالي جميل
نَ فتهتز في العلاءِ الغمائمْ
وهي ناي على مدى الدهر ناغم
اسمعْ الرّملَ يملأ الأرضَ تسبي
حاً يصوتٍ مُجلجلٍ كالزّمازمْ
رعدة في مداهُ تكبيرةُ الله
وسالتْ بهِ الجيوشُ الخضارِمْ
قهرت بالكتائبِ الغُلبِ كسرى
وهَرَقلاً وكلَّ ملكٍ ضُبارِمْ
رفرفتْ رايةُ النبيِّ عليها
فاستظلت منها النسورُ القشاعِمْ
فإذا الكائناتُ تسبحُ بالنورِ
وتفترَ عن ثغورٍ بواسِمْ
فعلى الأفق من سناها رُسومٌ
وعلى البيدِ من رُؤاها علائِمْ
يا صحابي ومعشري وقبيلي
آن أن تستفيق تلكَ الصوارِمْ
صدأ الدهر لم ينلْ من ظباها
فهي مسنونةُ الشِّفارِ حواسِمْ
فامنعوها غُمودها وكراها
واستشيروا بها دفينَ العزائِمْ
لا تناموا على الإسارِ وتغفوا
فلقد مَلّتِ القيود المعاصِمْ
وانفضوا عنكمُ الرّقادَ وهُبّوا
لم تَلِنء هذه الحياةُ لنائِمْ
يا لحلمٍ مُلفّقٍ قد أضعنا
في رؤاهُ تيجاننا والعواصِمْ
فنيت في دُحاهُ قافلة المجدِ
وماتت فيه النفوسُ القواحِمْ
يا نبيَّ الهدى لقد ذَلّت العُربُ
وقيدت إلى الرّدى بالشكائمْ
سُلبتُ حقّها ودِيسَ حِماها
واستكانت لكُلِّ أرعنَ ظالمْ
يا سماءُ اهبطي وياأرض ميدي
عصَبَ الألأمونَ مجد الأكارم
ر
أينَ وأينَ مُلكٌ على الدّهرِ
أضاءت به الليالي القواتِمْ
زيّنوا مَفرِقَ الزمانِ وتاهت
بهم هذه النجومُ
يا بقايا السّيوفِ،رمزَ الأضاحي
وشِعارَ الفدا،وسِرَّ العظائمْ
أوقدوها حمراء تلتهم الأفقَ
فتشوى بها اللظى والتمائم
وامنحوها دماءكم تتنزى
وامهروها أرواحكم والجماجم
واملكوا الأرضَ أنتم سادةُ الأرضِ
وأنتم بنو الليوثِ الضراغمْ
أنتم الأسبقونَ في حلبةِ العِزِّ
بكم تنجلي العوادي الغواشِمْ
كذبتنا أحلامُنا والأماني
فيا ضَيعة الذليلِ الحالم
وأفقنا نهييء لِكلِّ أثيمٍ
ولهونا عن العلى بحزازاتٍ
وحمانا والساكنوهُ غنائم
شدادٍ لهنَّ فغلَ الأراقم
وأقمنا على العويل كأنا
حشرجاتُ تضيقُ عنها المآتمْ
أنور العطار:
يا نبيَّ الهدى مَننتَ علينا
مننا من ندى الإله جساما
صنعت منا العقد الذي زيّنَ
الكون وأضفى على الوجودِ وئاما
وغسلت القلوب من عَنتِ البغضِ
وفجّرتها هوىً يتسامى
وبعثتَ الصفاء في عالم الروح
وجَنبتها القِلى والخصاما
وملأتَ النفوسَ حباً وإحساناً
ورُضتَ الأرواحَ والاجساما
أنور العطار:
الصحارى تَفتحت أحلاما
كرياضٍ تفتحت أكماما
عبقت هذه السمواتِ بالعطرِ
ورفَّ السنا عليها وحاما
أزهرَ القفر،وازدهى الصخر الصل
د،وفاضت منه العيون سجاما
نضّرتهُ خلال أحمد فاهتزّ
ربيعاً مزوّقاً بساما
أنور العطار:
حدّث النفس وهو يحلم جذلان
بنصر داني القطوف عتيد
إيه يا نفس لا ترُعكِ المنايا
فالمنايا أمنيّة الصنديد
اطلبي المطمح القصيِّ مداه
ودعي الضعف للجبان الرقودِ
وانهضي للجهاد في نصرة الحقّ
من يرد فرحة النعيم المُرّجى
وبثي رسالة التوحيد
يصدقِ الله في ظلال البنودِ
ودعي اسم النبي تعبق به الدنيا
وترتع في عالم من سُعودِ
أنور العطار:
ضَجَّ مهد الصحراءِ بالتغريدِ
وسرى النورُ في رمالِ البيدِ
أسمع الرمل يملأ الأرض تسبيحاً
بشدو مُحَبّب مودودِ
سال ذوب النضارِ في مصحف الأفق
فزانَ الدنيا بحلمِ رغيدِ
نهر من هداية يتلوى
في فضاءٍ رحبِ المطافِ مديدِ
خليل مردم بك:
قام يدعو للهدى في
حَلك يزجي ركامه
إن يكن أعزل فالحق م
له سيف ولامهْ
إن يكن فرداً وحيداً
حاول القوم اهتضامه
فهو في جيش من الإيم
ان ما فلّوا لُهامهْ
ثقةٌ بالله والحق م
خولّوه الملك والما
الذي يرعى ذمامهْ
ل وما كانا مرامهْ
خليل مردم بك في المولد النبوي:
سامح الله الحمامهْ
حرمت جفني منامهْ
بعثت في القلب لمّا
هتفت وهنا غرامهْ
شاقها الرقُ حجازيّاً
فرّنت مستهامهْ
لاحَ في الأفق ولكن
شبَّ في قلبي ضِرامهْ
هاجَ دمعي وشجاها
حينَ حيّا بابتسامهْ
لم تكد تسكن حتى
قارب الليل ختامهْ
فتعالى من أذان ال
فجر ما راعَ ظلامهْ
نغمةعلوية
للروح راح ومدامهْ
كبّرَ الله فخلت ال
كون قد طأطا هامهْ
قلت لما ذكر الها
دي حُبّاً وكرامه
باسمه في كلِّ يوم
يحسر الفجر لثامهْ
التباشيرُ بوجه الصبح
من بشر علامهْ
خليل مردم:
مولد قد بسم الدهر
لهُ بعد الجهامهْ
في السّما عيد،وتلك الشهب
قد كانت سهامهْ
وعلى الأرض ربيع
ناضر يولى رهامهْ
ناشر أعلامه في
كلِّ روض وخيامه
فعمّت مكة نجداً
بشذاها وتهامهْ
خليل مردم بك:
ساوى بشرعته ما بين أمته
فأكرم الناس عند الحقِّ من صلحا
محمدوهو يدعو الرسلَ إخوته
إلى المؤاخاة في الأديان قد طمحا
أبكى الطواغيت في ذات الإله وكم
من مدمع ليتيم بائس قد مسحا
وآسى اليتامى وعال المعدمين وكم
عمن أساء وآذاهُ لقد صفحا
أدال للشرق ممن كان يرهقه
ذلاً شديداً وظلماً بيناً فدحا
ولو أضاءت بجو الغربِ دعوتهُ
لدان بالرفق أو عن غيّه لصحا
أهابَ في معشر لا العلم ثقّفهم
ولا الحضارة فيهم نورها لُمحا
فأصبحوا بهداه يُقتدى بهم
ديناً ودنيا فسبحان الذي منحا
سليم الزركلي في مولد الرسول صلى الله عليه وسلم:
جلالك وحي الشعر إنكّ مُسعدي
فَهَب ليَ سحرَ القولِ في يومِ أحمدِ
صحا الكونُ من ضِلّاتهِ وعذابه
يسيرُ على نهجِ الرشادِ المُسّددِ
فأشرقَ مرجوّ الهدايات وانبرى
يوطيء للسارين سُبلَ التَجدُّدِ
أطلَّ على الدنيا كأنَّ فتونه
نسائم تغدو بالربيع المنضّدِ
تَفتّحَ أبكارَ النفوسِ وتنثني
تروض مغاليق الفؤادِ المُصَفّدِ
وتنفح بالعطر الحلوم فتغتدي
سوافر عمّا استودعت من توّقدِ
أطلَّ وأجناد الحياة نقائص
وأبناؤها أسرى العمى والترددِ
فأيقظَ للخيرِ الفضائل فاستوت
تقوِّم من شأنِ الحياة المؤوّدِ
فطافت بها للنعميات بشائر
وحلقن في أجوائها كلّ مجهدِ
دع الليل والأفلاك بين شعابه
تهدهد أحلام الخليِّ المثسهّدِ
وعُدْ بختلِ الأسحارِ والفيض مسعف
وذو الوجد في السلوى يروح ويغتدي
وللنسماتِ الخاطرات نواديا
خواطر قلب بالضياء مسّردِ
شدا الفجرُ في أرنانها يستحثها
تهلل في أصباحه العاطرِ الندي
فثمة إشعاع يكحّل بالهدى
عيون رجاء بالضلال مقيّد
أمجد الطرابلسي(الرسالة العدد 24)قصيدة الإسراء:
رقدتْ ملء عينها البيداءُ
واحتوتها في سرِّها الظلماء
سكنَ الليل،لا هتافٌ ولا عَزفٌ
ولا آهةٌ ولا ضوضاءْ
ليسَ إلا النجومُ تهمسُ فرحى
في الرّحابِ العُلى فتصغي الجواءُ
وسَجت مكّة،فلا اللهوُ لهوٌ
في حِماها ،ولا الغِناءُ غناءُ
نامَ يا بيدُ في سكونكِ ندبٌ
حفظتهُ وهدهدتهُ السماءُ
سهرت حولهُ العناية ترعاهُ
وحامت من فوقهِ الألاءُ
من ذؤاباتِ هاشم كلُّهُ طهرٌ
ونبلٌ ورحمةٌ ووفاءُ
أروعٌ أينَ من عزيمتهِ السّيفُ
ومن جود كفّهِ الأنواءُ
عربيٌّ تهلهلَ الكونُ لمّا
كرّمتهُ النبوّةُ الغرّاءُ
شَعَّ منهُ الهدى فهاجت وماجت
حَنقاً جاهليةٌ رعناءُ
دينها البغيُ والتناحرُ والثا
راتُ والبطشُ والأذى والدّماءُ
فاحفظيه يا بيدُ فهو رجاءُ ال
كون وسط الظلام وهو الضياء
ما يدوم العمى إذا أسفر الحقّ
إيه يا نائماً تداعب جفنيه الخ
ولا النور والظلام سواءُ
يالات والرؤى الشّماء
يا نبيّاً في صدره خفق الكونُ
جميعاً،جراحهُ والدّواءُ!
أيها النائمُ انتبه! قد أتاكَ ال
روحُ يحدوهُ من عُلاهُ القضاءُ
والبُراقُ السعيدُ حَمحم في البابِ
اشتياقاً فاهتزّتِ الصحراءُ
والسمواتُ تستعدُّ لمسراكَ
وقد زغردت بها البشراءُ
تتغنّى فيها الملائكُ فرحى
وتهادى البشائرَ الأنبياءُ
رفرفا في سماء مكة فالريحُ
ذلولٌ تحت البراق رُخاءُ
ثم سيرا حتى إذابيت لحم
دَوّمت من بروجها الأصداءُ
وأتيا المسجد الذي باركَ الله
حواليه منذ كان البناء
فاسجدا فيه للذي غمرَ الكونَ
نداهُ وعطفهُ والرضاء
صليا يبسم المصلى ابتهاجاً
لكما في الدُّجى ويَشدُ الفِناءُ
واعرجا صاعدين سبعاً طباقاً
لا حجابٌ،لا دُجية،لا عماءُ
ليسَ إلا ملائِكُ تحملُ الب
شرى ورسلٌ أحبّةٌ أصفياءُ
إيه مسرى النبي! قد تُنكرُ الأن
وارَ والفجرَ مقلةٌ عمياءُ
ما على جاحديك لومٌ إذا ضلّ
وا،هل الناس كلهم أنبياء؟
معرجَ المصطفى! إليك التحايا
شعشعتها دموعنا والدماءُ
بوركت أرضُكِ النديّة يا قدسُ
ووشتْ رياضك النّعماءُ
شفيق جبري في قصيدة“صيحة النبي“:
سرَتْ في بطاحِ البيد صيحة صائح
فماجت بمسراها بطون الأباطحِ
ترامت فدوّت فاستطالَ بها المدى
وقد طرحتها البيد أقصى المطارح
فمرّت على الركب الحيارى فأمسكوا
بحمر المطايا بين غادٍ ورائحِ
وألقوا بآذان إليها طليحة
وقد صعقوا فوق الركاب الطلائحِ
تراهم سكارى في الفيافي وما مشت
حميا كؤوس في خلال الجوانح
مضوا يسألون الريح عن صيحة الفلا
فما الصوت في عصف الرياح ببارحِ
ينادي مناديهم هل الأرض زلزلت
فأجفلت الآرام ملْ المسارحِ
أم الملأ الأعلى تدلت نجومه
فكل سبيل في الدجى غير واضح
أصيحة أنس في الجبال دويّها
أم الجن صاحت في رحاب الصحاصحِ
فلا الصوت صوت الأنس في كل هضبة
ولا الحسّ حسّ الجن فوق الصفائحِ
ولما ألحّ اليأس في الركبِ أدلجوا
يطيحون في الظلماء كل المطايح
ومال بهم غمض الليالي من الونى
وما النوم في جنح الليالي بجانح
فناجى خليل في الشجون خليله
مضى الليل في نجوى الشجون الفوادح
فبينا رجال الركب في غمرة السرى
وأجفانهم تهفو إلى أي سانح
إذ الفجر في البيداء قد زحزح الدجى
وهب نسيم الفجر دون اللوافح
ولاح خيال يقطر الأنس طيفه
فدبّ دبيب الروح في كل طائحِ
ملامح نور في العراء رفيفها
ومطلع وحي من رفيف الملامح
تصيح بهم أني النبي محمد
بُت ولم ابعث إليكم بفادحِ
حملتُ الهدى أجلو بضوء سراجه
عن العرب ما أعيا ضياء المصابحِ
أضمد من جرحى السيوف جروحهم
وأمسح ما ناءت به كف ماسح
تعالوا،تعالوا أجمع الشمل بينكم
فلا كاشح يعدو على حوض كاشح
تسيح دماء العرب من كل نخوة
لقد ملئت منها صفاح المسايح
أروح على جهد من الهمّ جاهد
وأغدو على برح من الحزن بارح
أما ضجّت الأخلاق من ظلم أهلها
أما رزحت في الظلم بين الروازح
فما نفرة تلوى بأعناق رهطكم
وما وحشة تخنى على كل زائح
فأين قلوب كالغصون التفافها
إذا سامحت غالت بروح التسامح
تعالوا،تعالوا أملأ الأرض بالهدى
وأزحف بقرآني إلى كل نازحِ
فهذا بياني كالضحى غير زائف
وهذا شعوري كالصبا غير جارح
تمهل هذا الركب في الوحي برهة
وأمعن في وجه من الظن طالح
أتنبت في هذي الفيافي نبوة
وأفق الفيافي كالح أي كالح
فلا الرمل ريان يسح به الندى
ولا الترب خفاق بظل الدوائح
فما تدرك الأبصار في البيد بهجة
ولا تسمع الآذان صدح الصوادح
فما في سواد الليل أنس لمقلة
ولا الأنس باد في بياض الصبائح
فكيف يجيش الوحي في ظل قفرة
فما ظلها للوحي يوماً بصالح
لسرعان ما جلّى اليقين ارتيابهم
فهشوا إلى طيب من الوحي فائح
مشى الوحي فيهم مشية البرء في الضنى
فأي فتى من سحره غير طافح
فطاروا إلى الدنيا بدين محمد
وقد فتحوا الدنيا كلمحة لامح
كأن الرياح الذاريات مطيهم
يلفون وجه الأرض لفّ الوشائح
فما عاقت الصحراء عن طي رملها
ولا ردت الأمواج خوض الجحاجح
تجوز بهم رمضاء كل تنوفة
سوابح خيل تهتدي بسوابح
ر
ففي كل برّ منهم زحف زاحف
وفي كل يمّ منهم سبح سابح
كأن دوي النحل مثل دويهم
إذا ارتفعت أصواتهم بالفواتح
يجول بهم إسلامهم كل جولة
ويلقي بهم إيمانهم في الطوائح
فما الموت في الإيمان مرّ مذاقه
ولا الحتف في الإسلام صعب الجوائح
فقادوا على أرماحهم كل مصعب
وراضوا على أسيافهم كل جامح
فلا قيصر يزهو على الشام تاجه
ولا تاج كسرى كالنجوم اللوامح
تناثرت التيجان تحت خيولهم
وأهوى إلى أقدامهم كل طامح
رواشح بالموت الزعاف سيوفهم
مضى ما بنوه بالسيوف الرواشح
فأين رسول الله يشهد أمة
تئن أنين الطير من كل ذابح
تعالت فطاحت فاستكانت فأصبحت
لإذلالها يلهو بها كل مازح
فلا ملكها في الأرض مشتبك العرى
ولا عيشها في الخلق عيش الصحائح
على مثلها من ذلة بعد عزة
تفيض جفون بالدموع السوافح
فهذي فلسطين تنوح من الأذى
فما نضحت عنها عيون النوائح
فهل صيحة في العرب تبعث ملكهم
ألا ربما هبوا بصيحة صائح!
محمد البزم🙁الرسالة العدد101) ومعجم البابطين:
أعرني لسانَ الدهر،فالدهرُ شاعرٌ
متى رامَ فحلَ القول ينهلّ ساكبُهْ
وإلا فدعني والدّراري ثواقباً
يُزانُ بها جيدُ الزمان وغاربُهْ
أفصِّلُ منها في جلال محمدٍ
فرائدَ أدناها السُّها ومراقبه
نبيّ حبا عدنان فضلاً وسؤددا
أخو هِمم لا يُدركُ الدهرُ شأوها
فَعمّتْ جميعَ العالمينَ مواهبُهْ
ويجهلها أعداؤهُ وأقاربُهْ
رأى الكونَ في تيهاءَ طامٍ ظلامُها
تشقُّ عُباب الظلم جهلاً قواربه
فأطلع في آفاقه الحقّ ساطعاً
وقيدت له الدنيا مقادةَ طائع
مُحمدٌ إنَّ الشعر عنك لقاصرٌ
أتيتَ وقد شاخَ الزمانُ فردّهُ
إلى أن أصابَ الحقَّ في الليلِ صاحبه
ذلول فكانت في سواها مآربه
وشأوُ بياني دون ما أنا طالبه
نداكَ فتيّاً بعد ما اربَدَّ حالبه
سطعتَ وليلُ الغيّ مُلقٍ جرانَهُ
على الكون تهمي بالرزايا سحائبه
يد تحمل الفرقان عدلاً ورحمة
وأخرى تقلّ السيف تفري مضاربهْ
يؤاتيك وحي لا يُرام ومنطِقٌ
بوادرهُ محمودةٌ وعواقبه
فجئت بقرآن حوى كل حكمةٍ
أنارت مناحي الداجيات كواكبه
ينصُّ فتصمي الظالمين حدودُهُ
ويتُلى فتردي المارقين ثواقبه
فحررتَ من أسرِ الجهالةِ أنفُساً
وقد رانها التضليل سوداً سبائبه
بثثتَ بها حبّ الإباء فلم تقم
على الضيم،بل هبتْ إليه تحاربه
وقوّمتَ من زيغ الأعاريب فاستووا
على منهجٍ للعدلِ يأمنُ راكبه
ورُضتَ جماح المستبدين راكباً
من الحقِّ متناً لا تَلّوى مذاهبه
ودافعتَ عن ذات الإله بعزمةٍ
متى رامت الجبّار صاحت نوادبه
تلطّفتَ بالغاوي،فطوراً تُلينه
وحيناً تُصاديه،وآنا تغالبه
جلوت عمايات القلوب فأبصرت
وزِيحت عن اللبِّ السليم عناكِبُهْ
عطفت علىإسرالِعطفة مشفقٍ
وحُطت الفتى النصران ممّن يناصبه
وأوصيتَ خيراً بالكنائسِ مانعاً
ذويها وجيشُ الحق تمضي قواضبه
وزدتَ الفتى عدنانَ مجداً وجدّه
أبا يعرب قحطانَ تعلو مناسبه
صقلت حواشي الدهر فانصاعَ طَيّعاً
وأذعنَ لا تسري بشرٍّ عقاربه
وقَلّمت أظفار الزمان فأعرضت
عن الضارع المسكين تنأى نوائبه
إلى أن تركت العدل،عالٍ مكانُه
وزعزعتَ صرح الظلمِ فانهارَ جانبُه
وذي أشرٍ أفعمتَ بالخيرِ قلبه
وقد أُفعمت بالشرِّ قبلاً ترائبه
وذي دِربةٍ رازَ الزمان تركته
كذي الجهل ما أجدت عليه تجاربه
وغضبة حق في علا العُرب غادرت
عدوَّ بني عدنان سُفلاً مراتبه
وفيلقِ ظلمٍ سار كالبحرِ زاخراً
يجرّ به ذيلَ الغواية ساحبه
بعثتَ به جيشاً من الرّعبِ فارعوى
تضيقُ به أجوازه وسباسبه
يخفُّ أليكَ الدارعون مخافةً
وقد أمِنت أطفاله وكواعبه
تحوطك من عُليا قريش عصابةٌ
لها الفلكُ الدوار تغنو ذوابه
دفعتَ بهم ما بين شرقٍ ومغربٍ
كتائبَ عزم نائيات رغائبه
إذا مرّ منهم موكبٌ لاح موكبٌ
تمجَّ،زعاف الموت صِرفاً مقانبه
يرومون مجداً لا تني عزماتهم
عن المجدِ،حتى يُدركَ المجدَ خاطبه
قذفتَ بهم في وجهِ كل عظيمةٍ
فخاضوا إليها الهول دُهماً مساربه
فاسأرتَ للأقوام في كل وُجهةٍ
ندىً لم تُشِبهُ بالأذاةِ شوائبه
وغادرتَ للإسلام صرحاً ممرَّداً
تناطح أعنان السماء مناكبه
فلا زال من فرقانك البرّ للورى
مناهل هدي صافياتٍ مشارِبُه
عدنان مردم بك في الهجرة:
هاجرت عن وطن رأيت رجاله
وجدوا الحرام إلى الثراء سبيلا
ونزحت عن دار يكرّم أهله
عجلاً ويُحقّر ماجداً ونبيلا
وإذا نظرت إلى الرجال رأيتها
راحت تكرم خاملاً وجهولا
لم تنأ مختاراً ولكن مُكرهاً
غادرت ربعاً واطّرحت خليلا
ما كان نأيك عن ديارك مثلما
زعم الحسود رعونة وذهولا
ولئن نزحت عن الديار فصارم
ملَّ القِراب وما استطاب خمولا
لله طرفك في الظلام على النوى
كم بات بالسهد المرير كحيلا
عدنان مردم بك:
أتيتَ الناس أنعامٌ مشردّة
عمايةً وصدور القوم بركان
فما القرابة عن جهلبمانعة
حمى القريب وما للدين أركان
هتكت غيهب ليل طالما خبطت
به شيوخ وضَلّت فيه رهبان
تكشّفَ الليلُ عن فجرٍ طلعت به
فحاد عن غمرات الجهل حيرانُ
عدنان مردم بك في النبي صلى الله عليه وسلم
أعددت سيفاً يوم رُمتَ جليلا
عضباً وقلباً كالحسامِ صقيلا
ولو أنَّ ما تبغي الرئاسة والغنى
ما كانَ همُّكَ في الحياة طويلا
لكنّما تبغي أداء أمانة
حُمِلّتها حين اصطفيت رسولا
عدنان مردم بك:
أمحمدٌ والأرضُ فيك تضوعت
طيباً،وحال الليلُ فيك أصيلا
تبني الرجالُ من الحديدِ معاقلاً
وبنيت من صدقِ العقيدة جيلا
يكفيك من شرف الجهاد وأجره
أن رحت تبني أنفساً وعقولا
إلياس قنصل في قصيدةالنبي العربي الكريم“:
ماذا تهم طوارق الحدثان
خلق الجهاد لكل ذي وجدان
الحق شرعك فامض فيه مؤملا
ما آب غير البطل بالخذلان
عميت نفوس الناس من أهوائها
فأعد جمال النور للعميان
لا فرق بين ملفف بضلالة
وملفف بنواصع الأكفان
كم صرخة خنقت أضاليل النهى
وقضت على الأوهام والطغيان
ظن الذين توعدتهم،أنها
ضرب من الوسواس والهذيان
فتجمعوا لنزالها،وقلوبهم
بالشرِّ نابضة،وبالأضغان
فإذا بهم وبما أعدوا من أذى
وُرق يواجه ثورة بركان
إن كنت بين المعجبين بصفحة
وشى زخارفها بنو اليونان
فبأي تقدير تقابل نهضة
محقت رسيس الشرك والكفران؟
من عبسة البيداء سال غمامها
فروى بعذب العدل كل مكان
يحبو الحياة لمن أباها،عنوة
ولمن أراد،برأفة وحنان
هي نهضة فتحت وجوداً لم تكن
حسناته في لوحة الحسبان!
إني ذكرتك يا محمد مصغيا
لحديث عم ناصح حيران
يغريك بالذهب الوفير،وكم عنت
للفلسمن مهج ومن أذهان
إن كنت تبغي أن تكون مسوداً
جاءت إليك سيادة الأقران
ومحا جوابك،والوقار غلافه
ريباً أثارت عاصف النكران
ما المال حين تقيسه برسالة
علوية؟ما المجد؟ما القمران؟
مثل من الخلق الجليل تركته
درسا لكل مناضل مُتفان
إني ذكرتك يا محمد،والعدى
يتألبون تألب الذؤبان
ضربت على أبصارهم وقلوبهم
ليل الفساد أصابع الشيطان
ويقض تالد جهلهم وغرورهم
صوت يفتح مغلق الآذان
فيلاحقونك بالتراب وبالحصى
وبكل وغد حانق شنآن
وتظل تدعو لا تنى لك همّة
حتى يتم النصر للدّيان
فرأيت معجزة العزيمة والرجا
دنياتذل لقوة الإيمان
إني ذكرتك يا محمد مسديا
نعم الخطاب إلى ذوي السلطان
تملى على التيجان وحيك ناصحا
بالرشد،والإصغاء والإذعان
لم يسمعوا قبل انتبارك لهجة
إلا وفيها حطة العبدان
أين السلاح؟وأين أين جيوشه؟
خوض الوغى وقف على الفرسان
واستكبروا مستهزئين بدعوة
لا تحتمي بمهند وسنان
ويدور دولاب الزمان مهيئا
عبر الدهور!فيلتقى الجيشان
جيش يحارب للسماء،وآخر
كثرت ذخائره لشيء فان
فتهل من أفق الكفاح خوارق
ليست خوارق غارة وطعان
كسرى يمرغ بالمذلة رأسه
وأذل منه عاهل الرومان
والحاكمون المعجبون بظلمهم
في كل ناحية بلا أعوان
والنصر في كف العروبة راية
بالعدل خافقة وبالعرفان
إني ذكرتك يا محمد ناشراً
روح الأخوة في بني الإنسان
يعلوبلالالعبد أشرف قبة
ليذيع منها أشرف الألحان
حق المواهب أن يقد أهلها
لا فرق في الأجناس والألوان
والحكم للأعمال،فاسع بغيرة
ترجح بفضلك كفة الميزان
إني ذكرتك يا رسول مقابلًا
أسراك:أسرى الشك والعصيان
لم يظفروا بك مثلما رغبوا،ولو
ظفروا لجد الحقد بالغليان
وظفرت أنت ،فلم تشأ تجريمهم
أوريتهم بمذلة وهوان
ما كان صفحك واه خائف
بل كان صفح القادر المحسان
بعث الرمم عجيبة ما مثلها
إلا نبالة ذلك الغفران
ماذا أعدد من مناقب،كلها
شرف أعد النجم في إمكاني؟
من ذا يضم بكنفه بحراً له
أفق تزيغ لبعده العينان
كانت حياتك كل ثانية لها
تاريخ مجد طائل نوراني
عالجت بالحسنى ومذ شمخ العدى
بمحالهم،عالجت بالمران
ما كل نفس بالحقيقة تهتدي
بعض النفوس تقاد بالأرسان
يجنى الطبيب إذا رثى لمريضه
كم جر زور العطف من خسران
وإذا بنيت على أساس عاطل
ظهر البناء مزعزع الأركان
كانت قلوب المشركين مخابئا
للجهل والشهوات والعدوان
فهدمتها،وأمنت من عثراتها
ضاع الرجاء لعابد الأوثان
وبنيت أعظم دولة نشرت على
قاصي الوجود صلاحها والداني
ر
إن غاب بعض رواتها،فلأننا
نحن المصادر لا الزمان الجاني
لم نمتثل لك بالفعال،ولم نلد
بهداك يوم تحامل القرصان
فتخاذلت أخلاقنا،وأصابنا
ما لا يقاس بمعضل السرطان
يا للعروبة! هل تفوز بقائد
يدعو فتسمع نخبة الفتيان
فيقد أوصال القيود حسامه
ويسل روح العابث الخوان
ويعيد للوطن العزيز كرامة
كادت تكون قسيمة النسيان؟
هي نهضة لولا كريم وجودها
ظل الخلود يعاب بالنقصان
في ظلمها ظلم لكل عقيدة
بالصدق سامية وبالإحسان
إن كان منا غامطون فكلهم
من غمرة الأغراض في بحران
عاداتهم هذى،وليس بنافع
أن تستعين بحجة وبيان
جفت محابرهم بنفي جهادنا
وعلى جوانبه النجيع القاني
من حمأة الأوهام فكرتهم،فلا
تعجب لما فيها من الزيغان
من كان في حجر الأفاعي ناشئاً
غلبت عليه طبائع الثعبان
نظروا إلى الإسلام أعمق نظرة
وتدارسوه تدارس الإمعان
فرأوه يدعو للإباء،مهدداً
بالنار كل مذبذب وجبان
ويشل أسباب الخنوع،مزلزلا
ما فيه من أس ومن جدران
فتخوفوا إصغاءنا لملامه
وملامه تحريك شعب وان
ما يهدمون وليس في لهواتهم
إلا لهيب الإفك والبهتان
ما يهدمون بغيهم وبحمقهم
أتؤثر الهمسات في الصوان؟
ما يهدمون وقد كسا آراءهم
داء السياسة أخبث الأردان؟
ما يهدمون،وللجحيم جهودهم؟
ما يهدمون ولطف ربك بان؟
يا من يثير حماستي بكماله
عذراً إذا شاهدت ضعف لساني
هي باقة تهدى إليك،زهورها
من خير ما يزهو به بستاني
فإذا أعد الحاسدون أظافرا
عانيت كامن حقدها وأعاني
فليغنموا صبري،فإني مغمض
عن شرهم وصغارهم أجفاني
ر
وليسمعوا فصل الخطاب فليس في
سري ما جال في إعلاني
ما أبعد الإيذاء والتلفيق عن
حر كريم من بني غسان
تأبى عداء الأقربين عروبتي
ويعف عن لغو الكلام بياني
جورج صيدح في قصيدةمحمد“:
وجه أطلّ على الزمان
لالاؤه شقَّ العنان
فيه شعاع النيرات

جورج صيدح في قصيدةمحمد“:

وجه أطلّ على الزمان

لالاؤه شقَّ العنان

فيه شعاع النيرات

وفيه أنفاس الجنان

من ذا رأى طفلاً يُنا

غي الله بالسبع المثان

يا صاحبيّ:بأي

آلا السماء تكذبان؟

للرسل آيات،وه

ذا الطفل آيته البيان

الروح يُملي ما يتر

جمه،ونعم الترجمان

بالضاد آذن ربّه

فتخلدّت لغةُ الأذان

الوحي سطّرَ شرعةً

من لا يدين بها يُدان

ورسالة الإيمان تُن

شرُ بالسواعد واللسان

والعرب أخلاق تثور

على الضلالة والهوان

فتحوا البلاد فذمّةٌ

تقضى وأرواحٌ تصان

يوفون بالنذر الذي

كتب الكتابُ له الضمان

وضعوا الندى في وضعه

ووراءه حدّ السنان

زهت العروبة وابتهت

للمجد ما لم يبن بان

تغزو، ولكن حربها

باسم ابن آمنة أمان

العدل حائط ملكها

وأساسه تقوى الجنان

يا مَنْ سريت على البرا

ق وجزت أشواط العنان

آن الأوان لأن تجدّد

ليلة المعراجآن

عَرِّج على القدس الشريف

ففيه أقداسُ تهان

ضجَّ الحجيج به وري

ع ضريحه والمسجدان

والقوم ألسنة مبل

بلةُ كأن الحشر حان

هذي سدوم تصاعدُ الني

ران فيها والدخان

والذعر يحدو الشاردين

كأنهم قطعان ضان

ماذا دهاهم؟هل عصو

ك فأصبح الغازي جبان؟

أنت الذي علمتهم

دفع المهانة بالسنان

ونذرت للشهداء جنات

وخيرات حسان

سمعاً رسول الحق،ضاع

الحق واختلّ الوزان

أمم تنازعنا البقاء

كأنها خيل الرهان

باسم السلام تسلّحت

وتآمرت باسم الحنان

عملت على خنق الشعو

ب بما تجود به اليدان

ر

لا حرمة الإنسان تر

دعها ولا قدس المكان

بارك جهاد المؤمن

ين النافرين إلى الطعان

الضارعين إليك،باسم

الآل والصحب الغران

وبيوم مولدك السّني

وبحق موحيك القرآن

أن تصون دماءهم

وامنح فلسطين الصيان

جبران خليل جبران:

قبس بدا من جانب الصحراء

هل عاد عهد الوحي في سيناء

أرنو إلى الطور الأشمِّ فأجتلي

إيماض برق واضح الإيماء

أترى العناية بعد لأي هيّأت

للشرق منجاة من الغَمّاء

الشاعر القروي في المولد النبوي:

عيدُ البريّة عيدُ المولدِ النبوي

في المشرقين لهُ والمغربين دَوي

بدا من القفر نوراً للورى وهدى

يا للتمدن عمَّ الكون من بدوي

يا قومُ هذا مسيحيٌّ يُذكركمْ

لا يُنهضُ الشرقَ إلا حُبُّنا الأخوي

فإن ذكرتم رسول الله تكرةً

فَبلغوهُ سلامَ الشاعرِ القروي

الشاعر القروي:

إذا حاولت رفعَ الضيم فاضرب

بسيفِ محمد واهجر يسوعا

فيا حملاً وديعاً لم يخلّف

سوانا في الورى حملاً وديعا

غضبت لذات طوق حين بيعت

ولم تغضب لشعبك حين بيعا

ألا أنزلت إنجيلاً جديداً

يُعلّمنا إباءً لا خنوعا

أجرنا من عذاب النيرِ لا من

عذاب النار إن تك مستطيعا

الياس فرحات:

غمرَ الأرضَ بأنوارِ النُبوّةِ

كوكبٌ لم تُدركِ الشمسُ عُلوّهْ

لم يكد يلمعُ حتى أصبحتْ

ترقبُ الدنيا ومن فيها دُنوّهْ

بينما الكونُ ظلامٌ دامسٌ

فُتِحت في مكّة للنور كُوّهْ

وطمى الإسلامُ بحراً زاخراً

بأواذيِّ المعالي والفتوّه

من رأى الأعراب في وثبتهم

عرفَ البحر ولم يجهل طُموّهْ

إنَّ في الإسلامِ للِعُربِ عُلاً

إنَّ في الإسلامِ للناس أخوّهْ

فادرس الإسلامَ يا جاهلهُ

تلقَ بطشَ الله فيه وحُنُوّهْ

يا رسول الله إنا أُمّةٌ

زَجّها التضليلُ في أعمقِ هُوّهْ

ذلكَ الجهلُ الذي حاربته

لم يزل يُظهرُ للشرقِ عُتُوّهْ

قل لأتباعكَ صَلّوا وادرسوا

إنّما الدينُ هدىً والعلمُ قُوّهْ

الشيخ محمد صالح الفرفور:

أحيانا حُبّك يا مختارُ أحيانا

وأصبح الحفل من ذكراك نشوانا.

مهما كتمتُ لظى شوقٍ يؤرّقني

قد يفضحُ القلبَ دمعُ العينِ أحيانا

يا قلبُ أنت جنيت الحب من صغر

وشبَّ فيك فَذُقْ يا قلبُ أشجانا

يهزني طرباً ذكراكم أبداً

كما يهزُّ نسيمَ الصبحِ أفنانا

في الفرس قد سجدوا للنار مُسعرة

والروم قد عبدوا صُلباً وأوثانا

والعربُ قد وأدوا عار البنات وقد

جاروا عليهن تضليلا وبُهتانا

حرّمتَ وأدَ التي لا ذنبَ تعرفهُ

ولا أتت دهرها بغياً وعدوانا

رفعتَ من شأنها والكلُّ يمقتها

حتى جعلتَ لها من ذلّها شانا

حررتَ بالدينِ أعناقاً قد انسجنت

تحت الخنوع وتحت الذل أزمانا

إن النفوس وإن باتت على مضض

من جَور ظالمها تُصليك نيرانا

فاعدل بما بينها وارع كرامتها

ولا يَغرَّنكَ ثوبُ الضعفِ أحيانا

قالت قريشٌ أيا للعرب تسوية

هل يستوي عَجَمٌ مع نسلِ قحطانا

نَحِّ الصعاليك واسترشد غَطارفنا

يأتيكَ كلُ كريم القوم مذعانا

واجعل لنا ميزةً عن أهل صُفتِكم

وهل يُسَوي طريرُ القوم عريانا

أجبت تبّت يدا عمي أبي لهب

منا بلالُ وزد في الآل سلمانا

إنا عبيدٌ وربُّ العرش بارئنا

وإنَّ أكرمنا لله أتقانا

والله لو لم تكن في الحربِ مسعرها

تذودُ عنهم صناديدا وفرسانا

لم يطلبوا الموت في هيجاء طاحنةٍ

ولم يهزّوا على الأعداءِ مُرَّانا

ولا أتى عمرٌ في نصف صفقتهِ

ولا تخلل راعي الغار عُريانا

أنعِم بهم صحبةً غرّاً ميامنةً

ذادوا عن الدين فرسانا وركبانا

الشاهرينَ على الإلحادِ سيفَهُمُ

والحاملينَ إلى الإنصافِ قرآنا

بل هيمنت روحُكَ العظمى مرفرفةً

فأعنقوا لك أرواحاً وأبدانا

وما القيادةُ إلا روح قائدها

تسمو على الشعب إيثاراً وإيمانا

أتيتهم بكتاب الله معجزة

أخجلت قِساً وسحبانا وحسانا

ألقى لبيدُ عصاه حين أعجزه

قولٌ بليغ بآيات لِعمرانا

ولم تجُد بعدُ في شعر قريحتُهُ

شتانَ شعر وآيُ الله شتانا

ذاك البيانُ الذي تبقى عجائبه

رغم الأنوفِ وإن شانوه بُهتانا

لا تعذلوني إذا ما الحبُّ تَيّمني

فالوجدُ أضرمَ في الأحشاءِ نيرانا

ماذا أقول لفخر الكائنات ومن

حَباهُ مولاه قرآناً وتبيانا

ما أنتَ بالكون ربّا لا ولا بشرا

بل أنتَ فوق جميع الخلق إيمانا

بدأتُ في مدحهِ والنفسُ في خجل

مما جئت أرتجي عفواً وغفرانا

جعلت بابي رسول الله ملتمسا

أرجو الشفاعةَ إكراماً وإحسانا

يا ليت شعري وهل يحظى بروضتكم

عبد غدا في المديح اليومَ حسانا

وهل يُمرِّغ خدّاً تحت أرجلكم

يسكب الدمع فوق الترب هتانا

عليك مني صلاة كلما طلعت

شمسٌ وغرّدتِ الأطيارُ ألحانا

يوسف عبيد:

أيّ فجر لاح في الأفق سنيّا

مشرق الطلعة بسّامَ المُحيّا

مزّقت أنوارهُ سُحبَ الدّجى

وسرى في الكونِ هدياً أحمديا

ولد المختار يا أرض ارقصي

طرباً واستقبلي الدهرَ فتيّا

إنّهُ النور الذي أخرج من

رحم الظلماء إشعاعاً بهيّا

فاخمدي يا نار لن تلقي على

عرشك المعبود رباً كسرويا

شاهَ وجهُ الشركِ لم يبق له

موكب في الأرض يختال عتيّا

وهوت تلك التماثيل التي

شادها الباغون تضليلا وغيّا

د جميل سلطان:

جاءه الوحي فا ستقادَ له الظلم

وهابَ الضلالُ عصفُ خطابه

ومضى مخلصاً لأعظم أمر

ما يُبالي من أجله بمُصابه

نازلَ الباطل المسيطر جلداً

وأعد القُوى ليوم ضرابه

ورأى الحقّ هيناً يتولّى

أمره كل طامع في استلابه

فانبرى مرهف العزيمة ثبتاً

مثلٌ رائعٌ لكلِّ ابيٍّ

هَبَّةَ الليث ذائداً عن غابه

ينشدُ الحقَّ مغرماً باكتسابه

يحيى الحاج يحيى:

ذابَ الفؤادُ جوىً وحنَّ لذكركم

أنت الحبيبُ ومقصدي ورجائي

مَنْ للرجولةِ غير جُندِ مُحَمدٍ

من للكرامة ـ سيدَ الكرماء ـ

علّمتنا والعلم منك هداية

لكننا سرنا مع الأهواءِ

ورفعتَ بالقرآن أعدل راية

بأبي وأمي يا أبا الزهراء

يا هادم الأصنام فوق حماتها

يا هادياً بالشرعة السمحاء

يا رافعاً علم الهداية عالياً

ومُضمخاً بدمٍ من الشهداء

لا كان هذا النبضُ نبض عقيدة

إن لم يكن لهيباً وجمرَ إباء

عزيزة هارون:

في سماء العلا يهيمُ خيالي

وفؤادي يطيرُ نحو الجمالِ

قد أخذتُ النجوم أنظم منها

في مديح الرسولِ خيرَ مثالِ

إيه يا هادي العقول وماحي

أثر الجهل من ربوعِ الضلالِ

باعث الحقِّ في نفوسِ البرايا

مُشعل النور في ظلام الليالي

إنّما الشمسُ من جمالك تزهو

وكذا البدرُ باسمٌ متلالي

كيف كانت عهودك الغرُّ نوراً

يا منارَ الهدى ورمز الجلالِ

كيف كانت نهضةُ الحقِّ تسعى

لاقتحام الصعابِ والأهوالِ

عزيزة هارون:

فملكت القلوب قبل حصون

وأخذت السهول بعد الجبال

بنفوسٍ تهزُّ شُمَّ الرواسي

بسوى العدل والتقى لا تُبالي

ذلّلت بالنهى متون صعاب

أيُّ شيء رأته صعب المنالِ

شيّدت بالإخاءِ ملكاً فريداً

لم يشده الخيال بالآمالِ

زكي المحاسني:

أمحمد! يا سرّ أسرار النهي

يا منقذ الدنيا وأعظم فرقدِ

ذكراك آسية الجراحِ وأنّها

قبس لمصباح لنا لم يُخمدِ

زكي المحاسني:

يا ليلة الميلاد عهدك في الدّنى

للمسلمين غداً أعزّ الأعهدِ

بدّلت تاريخ الأنام بحادث

خلّى الزمان بهدى دينك يهتدي

المجدُ نام وأنت يقظى خاطر

نبكي له في هجعة الدهر الردي

في كل عام نستجدّك خلّصاً

نهفو لذكرك بالقلوب الشرّدِ

وليد الأعظمي:

أعاهدُ ربي أن أظل مجاهداً

أشدو بميلادِ النبيِّ قصائدا

أدعو الأنام بها إلى سبل الهدى

مستنهضاً منهم شعوراً خامدا

وأبثُّ في روحِ الشّبابِ عزيمةً

تذكي بأعماقِ القلوب مواقدا

لتقول تجتث الفساد بِهمّة

تبقي لهيب ضرامها متصاعدا

وليد الأعظمي:

قد كنت ينبوع الفضيلة والهدى

منك السماحة والندى يتفجّرُ

وُلدِت بمولدك الفضائل كلها

فانهارت الفحشاء وزالَ المنكر

وتصدّعت للظلمِ أكبر قلعة

قد كان كسرى تحتها يتبخترُ

فانكبَّ مبهوتاً يُقلّبُ طرفه

وإذا بذياك الخيال حقيقة

وكأنّما هو في خيال يَعبُرُ

تتغيّر الدنيا ولا يتغيّرُ

رغم العصور السود ظلت آية

كبرى لعاقبة الذين تجبروا

عفواً رسول الله يا من جئتنا

بشريعة كالصبحِ بل هي أنورُ

يا من بُعثتَ بأمّة أُميّة

كانت بأذيال العمى تتعثّرُ

في أمّة جهلاء بات كبيرها

وصغيرها مما بها يتذّمرُ

وليد الأعظمي:

هتف الزمان مُهلّلاً ومُكبّرا

إنَّ العقيدة قوّة لن تقهرا

هي سرُّ نهضتنا ورمز جهادنا

وبها تبلّجَ حقّنا وتنورا

لا شىء كالإيمان يرفع أمّة

لتقوم تلوي الظالم المتجبرا

لا شيء كا لإيمان يدفع غافلاً

عن حقّهِ أو عاجزاً متخدرا

هي دعوة رفع النبيُّ لواءها

تُضفي على الدنيا بهاء أنورا

هي دعوة الحقّ الصراح إلى العلى

لا تستكين ولن تذل وتقهرا

عفواً رسول الله إني حائرٌ

ماذا أقول بما أحسّ وما أرى

من أيِّ أفق أبتدي بمصائبي

فبكلِّ ناحية أرى خطباً عرا

يا سيدي مسراكَ باتَ مُهدداً

ودعاؤكم فيه يهزُّ المنبرا

عاث اليهود بقدسه وبطهرهِ

بغياً وأهلُ القدس باتوا في العرا

ورجعت للتاريخِ أنظر سيرة

مثلى ومنهاجاً سليماً نيّرا

وبلوت أخبار الرجال فلم أجد

رجلاً يؤثر دون أن يتأثرا

إلا النبيّ محمداً فجعلتهُ

مَثلي وسرت على هداه مُكبّرا

وغرفت من فيض النبي غرافة

أشهى لديّ من الرحيق وأعطرا

وهتفت والدنيا تُردِّدُ عالياً

شرُّ المباديء ما يُباعُ ويُشترى

وليد الأعظمي:

شريعةُ الله للإصلاح عنوانٌ

وكلُّ شيءٍ سوى الإسلام خُسرانُ

لما تركنا الهدى حلّتْ بنا مِحنٌ

وهاج للظلمِ والإفسادِ طوفان

لا حمورابي ولا خوفو يُعيد لنا

مجداً بناهُ لنا بالعزِّ قرآنُ

تاريخنا من رسولِ الله مبدؤه

وما عداهُ فلا عزّ ولا شانُ

محمد أنقذ الدنيا بدعوته

ومن هُداه لنا رَوْحٌ وريحانُ

لولاهُ ظلّ أبو جهل يُضلّلنا

وتستبيح الدّما عبسٌ وذبيانُ

لا خيرَ في العيش إن كانت عقيدتنا

أضحى يُزاحمها كفرٌ وعصيانُ

لا خيرَ في العيش إن كانت مبادؤنا

جادت علينا بها للكفرِ أذهانُ

لا خيرَ في العيش إن كانت حضارتنا

في كلِّ يوم لها تنهدّ أركانُ

لا خيرَ في العيش إن كانت مواطننا

نهباً بأيدي الأعادي أينما كانوا

وليد الأعظمي:

يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي

أنا بغيرِ محمدٍ لا نقتدي

وليد الأعظمي:

ربيعك للروح كالبلسمِ

بهيج الضحى رائق المبسمِ

يُحرِّكُ في النفسِ وجدانها

ويطلقها من إسارِ الدّمِ

ويبعثها حرّة لا تضيق

بكيد العواذل واللّومِ

ويرفعها من حضيض التراب

إلى الأفق الأرحبِ الأكرمِ

ويغمرها بجنان السماء

ويمنحها هيبّة المسلم

فتشرقُ في القلب أنواره

وينبض بالحمد للمنعمِ

ويمشي سوياً على منهجٍ

سليم يؤدي إلى أسلمِ

ويعبق فيه أريج الهدى

زكياً يطول على الموسم

أرقّ وأندى من الياسمين

وأبهى جمالاً من البرعمِ

ربيعك يا سيّد الكائنات

سناه ينير القلوب العمي

ويروي غليل العطاشى الذين

يرون السراب كسيل طمي

نبيّ الهدى هّزني ذكركم

فرحتُ أغنّي بشوق ظمي

وأشدو بفضلك بين الرجال

جهاراً نهاراً بملءَ الفمِ

وأشهد من دبَّ فوق الثرى

وتحت السما عزّة المسلم

ابراهيم طوقان:

يومٌ بداجية الزّمان ضياءُ

وبهاؤهُ للخافقين بهاءُ

يُزجي النسيمَ به هجيرٌ لافحٌ

عجباً! وتبسط ظلّهُ الصحراءُ

ويرفُّ من شظف المعيشة لينها

ويسيلُ من وهجِّ السّرابِ الماءُ

وإذا الرشادُ من الضلالة والعمى

ومن الشقاقِ تآلف وإخاءُ

وإذا من الفوضى نظام معجز

وقيادة وسيادة ودهاءُ

وإذا الخيام قصور أملاك الورى

وإذا القفارُ دمشق والزوراءُ

وعلى ربوع الصين كبرَّ فيلقٌ

وبأرض قسطنطين رفَّ لواءُ

تلك الخوارقُ إن طلبتَ أدلةً

ثبتَ البراقُ بهنَّ والإسراءُ

نزل الكتابُ على النبيِّ محمدٍ

ما يصنعُ الخطباءُ والشعراءُ؟!

لو لم يكن وحيَ السماء ونورَه

لمحتهُ عارضةٌ له وذكاء

سحرَ القلوبَ فراح يقذفها على

نار الجهاد أولئك البسلاء

هيهات ما نكصوا على أعقابهم

حتى انجلت عنهم وهم شهداءُ

حُريّةٌ آيُ الكتاب وسوؤددٌ

وعزيمةٌ وكرامةٌ وإباءُ

عبد الرحيم محمود في مولد الهدى:

يا سيّدَ الكون هَبّتْ منكَ أنداءُ

فضاعَ من عطركَ الرّيان أجواءُ

وأنبتَ البور أزهاراً ملّونةً

وجاءها الطّلُ من كفّيكَ والماءُ

لولاك ما كانَ للإنسان منزلةً

حتى يكرم طين منك حواءُ

يا من تشفع عند الذنب والده

بسرِّ مولوده،فانثال إرضاء

أعطى الكريم له من سرِّ أحرفه

صفحاً جميلاً وزان الكون أضواءُ

يا خيرَ من حملت أنثى ومن وضعت

من حسنك الحسن لم يخلطه إغواءُ

وفي جمالك تاه العقل يا فلقاً

فارتد طرفي حسيراً فيه إعياءُ

عن فهم سرّ جمال لا يخالطه

إلا الجلال وأسرار وأشياء

قد خصّكَ الله منها ما أراد فما

يفوق قدرك لألاء آلاء

عبد الرحيم محمود:

ليلة هَبّت بها ريح الخزامى

فسرت راحاً بأرواح الندامى

نقلت بشرى بفجر طالما

قد تمنته الدياجير القدامى

جاءطهوالليالي حُلّك

فبدا في مبسم الدنيا ابتساما

قال: يا إنسان لا تزهد وكن

وأحبّ الغير لا تغدر بهم

بين أخراك ودنياك قواما

إن من يغدر بهم يلقَ آثاما

من رأى من قبل أسمى ليلة

ذات فجرين بنيران الظلاما

عبد الرحيم محمود في الهجرة النبوية:

يوم مجد فات ما أجمل ذكره

فيه لو ينطق آيات وعبرة

لم تكن هجرةطهفرّه

إنما كانت على التحقيق كرّهْ

كانقباض الليث ينوي وثبه

وانقباض الليث في الوثبة سوره

نصروا الله فلم يخذلهم

بل جزاهم ربهم فوزاً ونصره

ورمى في الساحِ أبطالاً له

فوق هام الظلم تزدان بكبره

فمشوا في الناس نوراً وهدى

وبدوا فوق جبين الدهر غرّه

ركزوا رماحهم فوق العلا

وحدا الحادي بهم عزاً وشهره

لا يصون الحد إلا جدّه

ويذيب القيد إلا نار ثوره

هاجر الهادي إلى رُجعى فإن

وإذا نحن خرجنا في غد

نحن هاجرنا فماذا بعد هجره؟

هل يحن الناس للأقصى بزوره؟

ليس يحمي الحق إلا فتكة

ويعيد الحقّ فينا غير قسره

محمد بهجة الأثري في قصيدة البعثة النبوية” (الرسالة العدد364):

خَلتِ الدهورُ وأنتَ أنتَ الأوحدُ

ذكرى مقدسةٌ ومجدٌ سَرمدُ

تتضاءل ُ العظماءُ عندكَ والكُنى

وتَحطُّ شاهقةٌ ويصغرُ سُؤددُ

قدسُ النُبوّةِ من يُطاوِلُ سَمكَهُ

أو من يرومُ سماءَهُ أو يصعدُ؟

هي مظهرٌ للهِ جلَّ جلالهُ

لم يُعطها غاوٍ ولا مُتمرِّدُ

قد كنتَ صفوةَ خلقهِ فَحباكها

شرفاً،فأنتَ المصطفى المُتفَرِّدُ

وقفَ الفلاسفةُ الكبارُ تَخشُعاً

من دونِ بابكَ ظامئينَ ليجتدوا

رادوا الينابيعَ التي فَجّرتها

ماءً وظِلاً بارداً واستوردوا

ما كلُّ ماءٍ كالفُراتِ مذاقَهُ

كلا،ولا كلُّ المراعي يُحمدُ

وظهرتَ مثلَ الشّمسِ إلا أنّها

تخفى ونورُكَ في الخليقةِ سرمدُ

وبنيتَ بالحقِّ المبين فلا هوىً

يطغى عليكَ ولا مُنىً تترَصّدُ

الفتحُ عندكَ شِرعةٌ وعقيدةٌ

وأُخوّةٌ وتراحمٌ وتَودُّدُ

دستورُكَ الفرقان:أما وعظهُ

فهدى،وأمّا حكمهُ فَمُسَدَّدُ

عالٍ على الأهواءِ لا مُتَملِّقٌ

أحداً ولا مُتعَسِّفٌ يتمرَّدُ

كالسَّرجةِ الغيناءِ غصنٌ مثمرٌ

وخميلةٌ تندى وظِلٌّ أبردُ

تأسو جراحَ الخلقِ بالخُلقِ الذي

تروى القلوبُ به وتشفى الأكبُدُ

ولكَ السّماحةُ والسجاحةُ والنّدى

وهدى النبوّة والفعالُ الأرشدُ

نسقُ من الخلقِ العظيمِ كأنّهُ

فلقُ الصّباحِ وحُسنهُ المُتوقِّدُ

تدعو إلى أدبِ الحياةِ وعلمها

وتُنيرُ دونَهما السبيلَ وتُرشِدُ

تَسعُ الأنامَ جميعهم لكَ مِلّةٌ

غرّاءُ تهدي العالمينَ وتُسعِدُ

أزليّةٌ أبديةٌ لا سِرُّها

يخبو ولا إشعاعُها يترَبّدُ

يزكو عليها الرُّوحُ فهو مُنَزَّهُ

عمّا يشينُ وجوهرٌ يتوَّقدُ

الوحيُّ أُسُ بنائها العالي الذُرا

والحقُّ حائِطُ رُكنها والمحتدُ

والفتحُ والعُمرانُ من آرابها

والعدلُ والعيشُ الرَّخيُّ الأرغدُ

دنيا أقمتَ على العقيدةِ رُكنها

ومن العقائدِ ما يشيدُ ويُخلِدُ

هي هيكلٌ فان،فإن حلّتْ به

رقَّتْ بها الحَوباءُ وهي ترأدُ

يُنبوعُها التوحيدُ:مَشرَعُ مائهِ

للواردينَ،ونبعهُ لا ينفَدُ

جَمُّ الأيادي فالأنامُ بخيرهِ

وبِخصبهِ مُتَقلّبونَ وهم يدُ

ما الناسُ ـ لولا البغي ـ إلا أمّةٌ

والدينُ ـ لولا الجهلُ ـ إلا أوحَدُ

ما أحسنَ التوحيدَ يجمعُ شملهم

فيعودَ وهو مُنظمٌ ومُوّحدُ

بِسناهُ أخرجت الشعوبَ من العمى

وهديتها للنهجِ وهو مُعَبّدُ

فاستؤصلت فوضى وقامت دولة

وخبت هياكل واستنارَ المسجدُ

ومشت على يَبس الصعيدِ حضارةٌ

باليُمنِ تُشرِقُ والهناءةِ ترعدُ

بُعداً لمفتونينَ لم يُعرف لهم

رأيٌّ يُجَلُّ ولا مقالٌ يُحمَدُ

نفوا الرسالةَ وارتأوها دعوةً

زمنيّة أفلتْ وليس لها غدُ

خُصّتْ بجيلٍ قد مضى،وبحقبةٍ

طُويت،وأمرٍ رثَّ لا يتأبَدُ

خسئوا، فما عرفَ الحقائقَ ماجنٌ

خلعَ العِذارَ،ولا غبيٌّ ملدُ

البعثةُ الكبرى حياةٌ للورى

أبدَ الزمانِ ونعمةٌ تتجدَّدُ

إن الألى زعموك سيّدَ قومهِ

وكذبوا،فإنّكَ للبريّةِ سيّدُ

المرسلون،وأنتَ درّةُ عِقدهم

خُتموا بِسرِّكَ في الزمانِ ومُجِّدوا

أيدتَ دعوتهم وصُنتَ جلالهم

فأريتنا كيف الإخاءُ يُوَطدُ

يا رائدَ الإصلاح يلتمسُ الهدى

هذي منابعُهُ،وهذا المورِدُ

ومن العجائبِ معشرٌ أنجبتهمْ

نبغوا بدينك في العُلى واستمجدوا

من بعدِ رعي الشاءِ قد رعوا الملأ

فانصاعَ جبّارٌ،ودانَ مُسوّدُ

أطلعتهم غُرراً بآفاقِ العُلى

يمشي بنورهم الزمانُ و

تتخايلُ الدنيا بِعزّةِ مُلكهم

وتكادُ من فرحٍ بهم تَتميّدُ

معروف الرصافي:

وضحَ الحقُّ واستقامَ السبيلُ

بعظيم هو النبيُّ الرسولُ

قامَ يدعو إلى الهدى بكتابٍ

عربيٍّ قرآنهُ ترتيلُ

طالباً غاية من المجدِ قصوى

صدّه عن بلوغها مستحيلُ

ووصولاً إلى مقام رفيع

عزَّ من قبله إليه الوصولُ

هِمّةٌ دونها الكواكب نوراً

واعتلاء يعلو بها ويطول

جردَّ الله منهُ للحقِّ سيفاً

كان ضدّين حدّهُ والفلولُ

فيه عزم للمهلكاتِ قَحومُ

واصطبار للنائباتِ حمولُ

ودهاء لو ماكرته دواهي الدّ

هر طُراً لاغتالها منه غولُ

تدلهم الخطوبُ والرأي منه

في دجاها كأنّهُ قنديلُ

كلُّ أوصافه الجليلة بِدعٌ

فهو من عبقرية مجبولُ

معروف الرصافي:

أطلقَ الناسَ من تقاليد جهل

كلّ!ُ فردٍ منهم بها مغلولُ

وشَفاهم بهديهِ من ضلال

كلُّ فردٍ منهم به معلولُ

أنهضَ القوم للعلا وكانت

في دنى القوم رقدة وخمولُ

بدر شاكر السياب:

نبيَّ الهدى،يا نفحة الله للورى

ويا خيرَ ما جاد الزمان المُقَتِّرُ

إذا ما افتخرنا كنت للفخرِ أولاً

وإن جاءنا نصرٌ فذكراكَ تنصرُ

ولولاكَ ما اندكّت عروش،ولا هوى

صليبٌ على كفّيه كنا نُسمَّرُ

وكم سار في شرق من الغرب جحفلٌ

بقرآنك الهادي،وفي الغرب عسكروا

ويا مولدَ المختار،ميلادُ أمّةٍ

وميعادُ بعث،أنت فيها مُقَدَّرُ

تذكرتُ ـ والميلادُ حال بنوره ـ

شعاعاً من المعراجِ ذكراهُ مطهرُ

نبيَّ الهدى، عذراً إذا الشعرُ خانني

ولكنّهُ قلبي بما فيه يقطرُ

نبيَّ الهدى،كن لي لدى الله شافعاً

فإنّي،ككلِّ الناس عانٍ مُحيّرُ

وقلت له يا رَبِّ أقسمُ صادقاً

وأنتَ عليمٌ ربّنا بالسرائر

فما برمتْ يوماً بداءٍ ولا شكت

لغيرك ما قدرتهُ من مقادر

عبد الله البردوني:

حَيِّ ميلادَ الهدى عاماً فعاما

واملأ الدنيا نشيداً مستهاما

وامضِ يا شعرُ إلى الماضي إلى

ملتقى الوحي وذُبْ فيه احتراما

واحمل الذكرى من الماضي كما

يحمل القلب أمانيه الجساما

هات رَدِّد ذكريات النور في

فنك الأسمى ولقنها الدواما

ذكرياتٌ تبعثُ المجدَ كما

يبعثُ الحسنُ إلى القلبِ الغراما

فارتعش يا وتر الشعر ودُبْ

في كؤوسِ العبقريات مُداما

وتَنقّل حولَ مهدِ المصطفى

وأنشد المجدَ أغانيك الرّخاما

زفّتْ البشرى معانيه كما

زفّتْ الأنسامُ أنفاسَ الخزاما

وتجلّى يوم ميلاد الهدى

يملأ التاريخَ آيات عظاما

جلَّ يومٌ بعثَ الله بهِ

أحمداً يمحو عن الأرضِ الظلاما

مرسلٌ قد صاغهُ خالقَهُ

نزلَ الأرض فأضحت جنّةً

وأتى الدنيا فقيراً فأتت

من معاني الرسلِ بدءاً وختاماً

وسماءً تحملُ البدرَ التماما

نحوه الدنيا وأعطته الزماما

قد سعى والطرقُ نارٌ ودمٌ

يعبرُ السهلَ ويجتازُ الأكاما

يا رسولَ الحقِّ خلّدَت الهدى

وتركتَ الظلمَ والبغيَ حطاما

قُمْ تجد في الكونِ ظلماً محدثاً

قُتِلَ العدلُ وباسم العدل قاما

وقوىً تختطفُ العُزْلَ كما

يخطفُ الصقرُ من الجوِّ الحماما

أمطرَ الغربُ على الشرقِ الشقا

وبدعوى السلم أسقاهُ الحِماما

فمعاني السلم في ألفاظه

حيلٌ تبتكرُ الموتَ الزؤاما

يا رسول الوحدة الكبرى ويا

ثورةً وسدّت الظلم الرّغاما

خُذْ من الأعماقِ ذكرى شاعر

وتَقبلّها صلاةً وسلاما

عبد الله البردوني في قصيدةبشرى النبوة“:

بشرى من الغيب ألقت في فم الغار

وحيا وأفضت إلى الدنيا بأسرار

بشرى النبوّة طافت كالشذا سحرا

وأعلنت في الربا ميلاد أنوار

وشقت الصمت والأنسام تحملها

تحت السكينة من دار إلى دار

وهدهدت مكة الوسنى أناملها

وهزت الفجر إيذاناً بإسفار

فأقبل الفجر من خلف التلال وفي

عينيه أسرار عشاق وسمار

كأن فيض الندى في كل رابية

موج وفي كل سفح جدول جار

تدافع الفجر في الدنيا يزف إلى

تاريخها فجر أجيال وأدهار

واستقبل الفتح طفلاً في تبسمه

آيات بشرى وإيماءات انذار

وشب طفل الهدى المنشود متزرا

بالحق متشحاً بالنور والنار

وفي كفه شعلة تهدي وفي فمه

بشرى وفي عينيه إصرار أقدار

وفي ملامحه وعد وفي دمه

بطولة تتحدى كل جبار

وفاض بالنور فاغتم الطغاة به

واللص يخشى سطوع الكوكب الساري

والوعي كالنور يخزى الظالمين كما

يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار

نادى الرسول نداء الحق فاحتشدت

كتائب الجود تنضي كل بتار

كأنها خلفة نار مجنحة

تجري وقدامه أفواج إعصار

فضجَّ بالحقِّ والدنيا بما رحبت

تهوي عليه بأشداق وأظفار

وسار والدرب أحقاد مسلخة

كأن في كل شبر ضيغماً ضاري

وهب في دربه المرسوم مندفعاً

كالدهر يقذف أخطاراً بأخطار

فأدبر الظلم يلقى ها هنا أجلا

وهل هنا يتلقى كف حفار

والظلم مهما احتمت بالبطش عصبته

فلن تطق وقفة في وجه تيار

رأى اليتيم أبو الأيتام غايته

قصوى فشق إليها كل مضمار

وامتدت الملة السمحا يرف على

جبينها تاج إعظام وإكبار

مضى إلى الفتح لا بغيا ولا طمعا

لكن حنانا وتطهيراً لأوزار

فأنزل الجور قبراً وابتنى زمناً

عدلاً تدبره أفكار أحرار

يا قاتل الظلم صالت ها هنا وهنا

فظائع أين منها زندك الواري

يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت

ذكراه كالفجر في أحضان أنهار

يا صاحب المبدأ الأعلى،وهل حملت

رسالة الحق إلا روح مختار؟

أعلى المبادىء ما صاغت لحاملها

من الهدى والضحايا نصب تذكار

فكيف نذكر أشخاصاً مبادئهم

مبادىء الذئب في إقدامه الضاري؟

يبدون للشعب أحياناً وبينهم

والشعب ما بين طبع الهر والفار

ما أغنيك يا طهوفي نغمي

دمع وفي خاطري أحقاد ثوار؟

تململت كبرياء الجرح فانتزفت

حقدي على الجور من أغوار أغواري

يا أحمد النورعفواً إن ثأرت ففي

صدري جحيم تشظت بين أشعاري

طهإذا ثار إنشادي فإن أبي

حسانأخباره في الشعر أخباري

إن من أنصارك الغر الألى قذفوا

جيش الطغاة بجيش منك جرار

تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم

كأنهم قلاع خلف أسوار

نحن اليمانين يا طهتطير بنا

إلى روابي العلا أرواح أنصار

إذا تذكرتَعماراًوسيرته

فافخر بنا إننا أحفاد عمار

طهإليك صلاة الشعر ترفعها

روحي وتعزفها أوتار قيثار

عبد الرحيم البرعي وكان في طريقه إلى الحج ومرض:

يا راحلينَ إلى منى بقيادي

هيجتموا يومَ الرحيلِ فؤادي

سرتم وسار دليلكم يا وحشتي

الشوقُ أقلقني وصوتُ الحادي

أحرمتموا جفني المنام ببعدكم

يا ساكني المنحنى والوادي

إذا وصلتم سالمين فبلغوا مني

السلام إلى النبي الهادي

ويلوحُ لي ما بين زمزم والصفا

عند المقام سمعت صوت منادي

يقول لي: يا نائماً جدّ السرى

عرفات تجلّي كلَّ قلب صادي

من نالَ من عرفات نظرة ساعة

نال السرور ونال كل مرادي

يا ربي أنتَ وصلتهم وقطعتني

فبجمعتهم يا ربي حل قيادي

بالله ما أحلى المبيت على منى

في ليل عيد أبرك الاعيادِ

ضحوا ضحاياهم وسالَ دماؤها

وأنا المتيّم قد نحرت فؤادي

لبسوا ثيابَ البيضِ شارات الرضاء

وأنا من أجلهم لبست سوادي

بالله يا زوار قبر محمد

من كان منكم رائحاً أو غادي

بلغوا المختارَ ألف تحيّةٍ

من عاشقٍ متفتتِ الأكبادِ

قولوا له عبد الرحيم متيّم

ومفارق الأحباب والأولادِ

صلى عليك الله يا علم الهدى

ما سار ركب أو ترنم حادي

حسان بن ثابت:

متى يبدُ في الدّاجي البهيمِ جبينهُ

يلح مثلَ مصباح الدُّجى المتقدِ

حسان بن ثابت:

نبِّ المساكينَ أنَّ الخير فارقهم

مع النبيِّ تولّى عنهمُ سَحرا

من ذا الذي عندهُ رحلي وراحلتي

كانَ الضياءُ وكانَ النورَ نتبعهُ

ورزقُ أهلي إذا لم المطرا

بعد الإله وكانَ السمعَ والبصرا

فليتنا يوم واروه بملحدهِ

وغيّبوهُ وألقوا فوقه المَدرا

لم يترك الله منا بعدَهُ أحداً

ولم يُعشْ بعدَهُ أنثى ولا ذكرا

ذُلت رقابُ بني النجار كلهمُ

وكان أمراً من أمرِ الله قد قُدرا

يا خيرَ من ركبَ المطيَّ ومن مشى

فوقَ الترابِ إذا تعدُّ الأنفسُ

نمضي ويحرسنا الإلهُ بحفظهِ

والله ليسَ بضائعٍ من يحرسُ

حسان بن ثابت:

لقد خابَ قومٌ غابَ عنهم نبيهمْ

وقُدِّسَ من يسري إليهم ويغتدي

تَرَحلّتَ عن قومٍ فَضلّت عقولُهم

وحلَّ على قومٍ بنورٍ مُجدَّدِ

هداهمْ به بعدَ الضلالةِ رَبُّهمْ

وأرشدهم من يتبعِ الحقَّ يرشدِ

وهل يستوي ضلالُ قومٍ تسّفهوا

عمىً وهُداةٌ يهتدون بِمهتدِ

لقد نزلتْ منهُ على أهلِ يثربٍ

رِكابُ هدىً حِلّت عليهم بأسعدِ

نبيٌّ يرى ما لا يرى الناسُ حولَهُ

ويتلو كتابَ الله في كلِّ مسجدِ

وإن قال في يومٍ مقالة غائبٍ

فتصديقُها في اليوم أو في ضحى الغدِ

حسان بن ثابت:

فإما تعرضوا عنا اعتمرنا

وكانَ الفتح وانكشف الغطاءُ

وإلا فاصبروا لجلادِ يومٍ

يُعزُّ الله فيه من يشاءُ

وجبريلٌ أمينُ اللهِ فينا

ورُوحُ القُدسِ ليسَ له كِفاءُ

وقال الله:قد أرسلتُ عبداً

يقولُ الحقَّ إن نفعَ البلاءُ

شهدتُ به،فقوموا صدقوهُ

فقلتم: لا نقومُ ولا نشاءُ

وقال الله:قد يَسرتُ جُنداً

هُمُ الأنصارُ،عُرضَتها اللقاءُ

حسان بن ثابت:

ألا ابلغ أبا سُفيانَ عني

مُغلغلةً فقد برِحَ الخفاءُ

بأنَّ سُيوفنا تركتكَ عبداً

وعبدُ الدارِ سادتُها الإماء

هجوتَ مُحمداً فأجبتُ عنهُ

وعندَ الله في ذاكَ الجزاءُ

أتهجوهُ،ولستَ لهُ بِكُفءٍ

فَشَرُّكما لخيركما الفداءُ

هجوتَ مباركاً،برّاً،حنيفاً

أمينَ الله،شيمتهُ الوفاءُ

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحهُ،وينصرهُ سواءُ

فإنَّ أبي ووالدهُ وعِرضي

لِعرضِ محمد منكم وقاءُ

حسان بن ثابت:

بِطيبة رسم للرسولِ ومعهد

منير وقد تعف الرسوم وتهمد

ولا تنمحي الآيات من دار حرمة

بها منبر الهادي الذي كان يصعدُ

وواضح آيات وباقي معالم

وربع له فيه مصلى ومسجدُ

بها حجرات كان ينزل وسطها

من الله نور يستضاء ويوقدُ

معالم لم تطمس على العهد آياتها

أتاها البلى فالآي منها تجدد

عرفت بها رسم الرسول وعهده

وقبرا به واراه في الترب ملحدُ

ظللتُ بها أبكي الرسول فأسعدت

عيون ومثلها من الجفن تسعد

تذكرت آلاء الرسول وما أرى

لها محصياً نفسي فنفسي تبلدُ

مفجعة قد شفَها فقد أحمد

فظلت لألاء الرسول تعددُ

وما بلغت من كلِّ أمر عشيره

ولكن نفسي بعض مافيه تحمدُ

أطالت وقوفاً تذرف العين جهدها

على طللِ القبر الذي فيه أحمدُ

فبوركت يا قبر الرسول وبوركت

بلاد ثوى فيها الرشيد المسددُ

وبورك لحد منك ضمن طيباً

عليه بناء من صفيح منضدُ

تهيلُ عليه الترب أيد وأعين

عليه وقد غارت بذلك أسعدُ

لقد غَيّبوا حلماً وعلماً ورحمةً

عشيّة علّوه الثرى لا يوسدُ

وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم

وقد وهنت منهم ظهور وأعضدُ

يبكون من تبكي السماوات يومه

ومن قد بكته الأرضُ فالناسُ أكمدُ

وهل عدلت يوم الرزية هالك

رزية يوم مات فيه محمدُ

تقطع فيه منزل الوحي عنهم

وقد كان ذا نور يغور وينجد

يدل على الرحمن من يقتدي به

وينقذ من هول الخزايا ويرشدُ

إمام لهم يهديهم الحق جاهداً

معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا

عفو عن الزلات يقبل عذرهم

وإن يحسنوا فالله بالخير أجودُ

وإن ناب أمر لم يقوموا بحمده

فمن عنده تيسير ما يتشدّدُ

فبينا هموا في نعمة الله بينهم

دليل به نهج الطريقة يقصدُ

عزيز عليه أن يحيدوا عن الهدى

حريص على أن يستقيموا ويهتدوا

عطوف عليهم لا يثن جناحه

إلى كان فليحنوا عليهم وينهد

فبينا هموا في ذلك النور إذ غدا

إلى نورهم سهم من الموت مقصدُ

فأصبح محموداً إلى الله راجعاً

يبكيه جفن المرسلات ويحمدُ

وأمست بلاد الحرم وحشاً بقاعها

لغيبة ما كانت من الوحي تعهدُ

قفاراً سوى معمورة اللحد ضافها

فقيد يبكيه بلاط وغرقد

ومسجده فالموحشات لفقده

خلاء له فيه مقام ومقعدُ

وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت

ديار وعرصات وربع ومولدُ

فَبكّي رسول الله يا عين عبرة

ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمدُ

ومالك ألا تبكين ذا النعمة التي

على الناس\منها سابغ يتغمدُ

فجودي عليه بالدموع وأعولي

لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد

وما فقد الماضون مثل محمد

ولا مثله حتى القيامة يفقدُ

وأكرم حياً في البيوتِ إذا انتمى

وأكرم جداً أبطحياً يسودُ

وأمنع ذروة وأثبت في العلى

دعائم عز شاهقات تشيد

وأثبت فرعاً في الفروع ومنبتاً

وعودا غداة المزن فالعود أغيدُ

أقول ولا يلف لقولي عائب

من الناس إلا عازب العقل مبعدُ

وليس هوائي نازعاً عن ثنائه

لعلي به في جنة الخلد أخلدُ

مع المصطفى أرجو بذاك جواره

وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهدُ

وقال:

من رسولَ الله إذ حلَّ وسطنا

على أنفِ راض من مَعَدٍ وراغمِ

منعناهُ لمّا حلَّ بين بيوتنا

بأسيافنا من كلِّ باغٍ وظالمِ

ببيتٍ خريد عزه وثراؤه

بجابية الجولان بين الأعاجم

حسان بن ثابت:

صلى الإله على ابن آمنة الذي

جاءت بهِ سبط البنانِ كريما

يا أيها الراجونَ منهُ شفاعةً

صلوا عليه وسلموا تسليما

حسان بن ثابت:

إذا تذكرتَ شجواً من أخي ثقةٍ

فاذكرْ أخاكَ أبا بكر بما فعلا

التالي الثاني المحمود شيمته

وأول الناس طراً صدق الرسلا

والثاني اثنين في الغارِ المنيفِ وقد

طاف العدو به إذ صعد الجبلا

وكان حبّ رسول الله قد علموا

من البريّة لم يعدل به رجلا

خير البريّة أتقاها وأرأمها

بعد النبيِّ وأدناها بما حملا

حسان بن ثابت:

إلى صلواتِ الله تترى ورحمةٍ

تزيدُ على من طابَ حيّاً وميتا

على من يُنادى للصلاةِ بذكرهِ

إذا ما دعا الله المُنادي وصوّتا

حسان بن ثابت:

ما بالُ عينكَ لا تنامُ كأنّما

كحلت مآقيها بِكُحلِ الأرمدِ

جزعاً على المهدي أصبحَ ثاوياً

يا خيرَ من وطىء الثرى:لا تبعُدِ

وجهي يقيك التُرب،لهفي،ليتني

غُيّبتُ بعدك في بقيعِ الغرقدِ

فظللتُ بعد وفاتهِ متبلّداً

بعد المُغَيّبِ في سواءِ الملحدِ

صلى الإله ومن يُحفُّ بعرشهِ

والطيبون على المُباركِ أحمدِ

حسان بن ثابت:

أكرِمْ بقومٍ رسولِ الله شيعتُهُمْ

إذا تفرّقتِ الأهواءُ والشِّيعُ

حسان بن ثابت:

لساني صارم لا عيب فيه

وبحري لا تكدره الدلاء

فإنّ أبي ووالده وعرضي

لِعرضِ محمدٍ منكم وقاء

حسان بن ثابت:

أغرُّ، عليه للنبوةِ خاتِمٌ

من الله مشهودٌ يلوحُ ويَشهد

وضمَّ الإلهُ اسم النبي إلى اسمه

وشقَّ له من اسمهِ لِيُجلَّهُ

إذا قال في الخمس المؤذنُ أشهدُ

فذو العرشِ محمودٌ وهذا محمدُ

نبيٌّ أتانا بعد يأسٍ وفترة

من الرُّسل والأوثانِ في الأرض تُعبَد

فأمسى سراجاً مستنيراً وهادياً

يلوحُ كما لاح الصقيلُ المهندُ

وأنذرنا ناراً وبشّرَنا جنةً

وعلّمنا الإسلام فالله نحمدُ

وأنت إله الخلق ربي وخالقي

بذلك ما عمرّتُ في الناسِ أشهدُ

تعاليتَ ربَّ الناسِ عن قول من دعا

سواكَ إلهاً أنت أعلى وأمجدُ

لكَ الخلقُ والنّعماءُ والأمرُ كلّهُ

فإياكَ نستهدي وإياكَ نعبدُ

قصيدة كعب بن زهيرالبردةفي مديح رسول اله صلى الله عليه وسلم:

بانتْ سعادُ فقلبي اليومَ متبولُ

مُتَيّمٌ إثرها لم يُفدَ مكبولُ

وما سعادُ غداةَ البينِ إذ رحلوا

إلا أغنُّ غضيضُ الطّرفِ مكحولُ

تجلو عوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتسمت

كأنّهُ مَنهلٌ بالرّاحِ معلولُ

شُجَّتْ بذي شَبَمٍ من ماءِ مَحنيةٍ

صافٍ بأبطحَ أضحى وهو مشمولُ

أكرِم بها خُلّةً لو أنها صدقتْ

موعودَها أو لو أنَّ النُّصحَ مقبولُ

لكنّها خلّةٌ قد سِيط من دمها

فجعٌ وولَعٌ وإخلافٌ وتبديلُ

فما تدومُ على حالٍ تكونُ بها

كما تلوَّنُ في أثوابها الغولُ

ولا تُمسكُ بالعهد الذي زعمت

إلا كما يُمسكُ الماءَ الغرابيلُ

فلا يَغُرَّنكَ ما منّتْ وما وعدت

إنَّ الأمانيَّ والأحلامَ تضليلُ

كانت مواعيدُ عُرقوبٍ لها مثلاً

وما مواعيدُها إلا الأباطيلُ

أرجو وآملُ أن تدنو مودَّتها

وما إخالُ لدينا منكِ تنويلُ

أمست يعادُ بأرضٍ لا يُبلغها

إلا العِتاقُ النجيباتُ المراسيلُ

وقالَ كلُّ خليلٍ كنتُ آملهُ

لا أُلفِينَكَ إني عنكَ مشغولُ

فقلتُ خلُّوا سبيلي لا أبا لكمُ

فكلُّ ما قدرَ الرحمنُ مفعولُ

كلُّ ابنِ أنثى وإن طالت سلامَتُهُ

يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ

أنبئتُ أنَّ رسولَ الله أوعدَني

والعفوُ عندَ رسولِ الله مأمولُ

وقد أتيتُ رسولَ الله معتذراً

والعذرُ عندَ رسولِ الله مقبولُ

مهلاً هداكَ الذي أعطاكَ نافلة ال

قُرآنِ فيها مواعيظٌ وتفصيلُ

لا تأخذني بأقوالِ الوُشاةِ ولم

أُذنبْ ولو كَثُرتْ فيَّ الأقاويلُ

لقد أقومُ مقاماً لو يقومُ بهِ

أرى وأسمعُ ما لم يسمعِ الفيلُ

لَظلَّ يُرعِدُ إلا أن يكونَ لهُ

من الرسولِ بإذنِ الله تنويلُ

حتى وضعتُ يميني لا أنازِعُهُ

في كفِّ ذي نِقماتٍ قِيلُهُ القِيلُ

لذاكَ أهيبُ عندي إذ أُكلّمُهُ

وقيلَ إنكَ مسبورٌ ومسؤولُ

مِنْ خادرٍ من ليوثِ الأُسدِ مسكنُهُ

من بطنِ عَثّرَ غيلٌ دونهُ غِيلُ

يغدو فيلحِمُ ضِرغامينِ عيشُهُما

لحمٌ من القومِ معفورٌ خراديلُ

إذا يُساوِرُ قِرناً لا يَحِلُّ لهُ

أن يترُكَ القِرنَ إلا وهو مفلولُ

منهُ تظلُّ سِباعُ الجوِّ ضامزةً

ولا تمشَّى بواديهِ الأراجيلُ

ولا يزالُ بواديهِ أخو ثِقةٍ

مُطَرَّحُ البزِّ والدرسانِ مأكولُ

إنَّ الرسولَ لسيفٌ يُستضاءُ بهِ

مهندٌ من سيوفِ الله مسلولُ

في فتيةٍ من قريشٍ قالَ قائلُهم

ببطنِ مكةَ لما اسلموا:زولوا

زالوا فما زالَ أنكاسٌ ولا كُشُفٌ

عندَ اللقاءِ ولا مِيلٌ معازيلُ

شُمُّ العَرانينِ أبطالٌ لَبُوسُهمُ

من نسجِ داودَ في الهيجا سرابيلُ

بيضٌ سوابغٌ قد شُكّت لها حَلقٌ

كأنّها حلقُ القفعاء مجدولُ

يمشونَ مشيَ الجمالِ الزُّهرِ يعصمهم

ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التنابيلُ

لا يفرحونَ إذا نالت رماحُهمُ

لا يقعُ الطّعنُ إلا في نحورِهِمُ

قوماً وليسوا مجازيعا إذا نيلوا

وما لهم عن حياضِ الموتِ تهليلُ

صفي الدين الحلي:

يا عترة المختار يا من بهم

أرجو نجاتي من عذابٍ أليم

حديثُ حبي لكم سائر

وسرُّ ودّي في هواكم مقيم

قد فزتُ كلّ الفوز إذ لم يزل

صراطُ ديني بكم مستقيم

فمن أتى الله بعرفانكم

فقد أتى الله بقلب سليم

دعبل :

مَدارسُ آياتٍ خَلت من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العَرَصاتِ

لآلِ رسولِ الله بالخَيفِ من منىً

وبالرُّكنِ والتعريفِ والجَمراتِ

ديارُ عليٍّ والحُسينِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسّجّادِ ذي الثفناتِ

ديارٌ عَفاها كلُّ جَونٍ مُبادرٍ

ولم تَعفُ للأيّامِ والسَّنواتِ

قِفا نسألِ الدّارَ التي خَفَّ أهلُها

متى عهدُها بالصّومِ والصّلواتِ

وأينَ الألى شَطّتْ بهم غربةُ النّوى

أفانينَ في الآفاقِ مُفترقاتِ

هُمُ أهلُ ميراثِ النبي إذا اعتَزوا

وهم خيرُ قاداتٍ وخيرُ حُماةِ

وما الناسُ إلا حاسدُ ومُكَذِّبٌ

ومُضطغنٌ ذو إحنَةٍ وتِراتِ

إذا ذَكروا قتلى ببدرٍ وخيبرٍ

ويومِ حُنينٍ أسبلوا العبراتِ

قبورٌ بكوفانٍ وأخرى بطيبةٍ

وأخرى بِفَخٍّ نالها صلواتي

وقبرٌ ببغدادٍ لنفسٍ زكيَّةٍ

تضمّنها الرحمنُ في الغرفاتِ

وقد كان منهم بالحجازِ وأهلِها

مغاويرُ يختارونَ في السّرواتِ

تَنكَّبُ لأواءُ السّنين جِوارهُم

فلا تصطليهم جمرةُ الجمراتِ

إذا وردوا خيلاً تُشَمَّسُ بالقنا

مساعرَ جمرِ الموتِ والغمراتِ

وإن فخروا يوماً أتوا بمحمدٍ

وجبريلَ والفُرقانِ ذي السُّورات

ملامكَ في أهلِ النبيِّ فإنّهم

أحِبَّايَ ما عاشوا وأهلُ ثقاتي

تَخَيّرتُهُم رُشداً لأمري فإنّهم

على كلِّ حالٍ خِيرةُ الخِيراتِ

فيا ربِّ زِدني من يقيني بصيرةً

وزِدْ حُبَّهُم يا ربِّ في حسناتي

بنفسيَ أنتم من كُهولٍ وفِتيَةٍ

لِفكِّ عُناةٍ أو لحملِ دِياتِ

أُحِبُّ قَصيَّ الرَّحمِ من أجلِ حُبِّكم

وأهجرُ فيكم أسرتي وبناتي

ابن شهاب الأندلسي:

آل بيت الرسول أشرف آلٍ

في الورى أنتم وأشرف ساده

أنتم السابقون في كلِّ فخرٍ

أسس الله مجدكم وأشاده

أنتم للورى شموس وأقمار

إذا ما الضلالُ أرخى سواده

أنتم منبع العلوم بلا ريب

وللدين قد جعلتم عماده

أنتم نعمة الكريم علينا

إذ بكم قد هدى الإله عباده

لم يزل منكم رجال وأقطابٌ

لمن أسلموا هُداةً وقادة

أنتم العروة الوثيقة والحبل

الذي نال ماسكوه السعادة

سفن للنجاة إن هاج طوفان

المّلمات أو خشينا ازدياده

وبكم أمن أمة الخير إذ أنتم

نجوم الهداية الوقادة

أذهب الله عنكم الرجس أهل البيت

في محكم الكتاب أفاده

وبتطهير ذاتكم شهد القرآن

آن حقاً فيا لها من شهادة

معشرٌ حبكم على الناس فرض

أوجب الله والرسول اعتماده

وبكم أيها الأئمة في يوم

التنادي على الكريم الوفاده

يوم تأتون واللواء عليكم

خافقٌ ما أجلها من سياده

خاب من كان مبغضاً أحداً منكم

ومن قد أساء فيه اعتقاده

ضلّ من يرتجي شفاعة طه

بعد أن كان مؤذياً أولاده

آل بيت الرسول كم ذا حويتم

من عفافٍ وسؤدد وزهاده

أنتم أنتم حلول فؤادي

فاز والله من حللتم فؤاده

وعليهم مع الرسول سلام

ليس يحصي سوى الكريم عداده

السري الرّفاء:

الوارثون كتاب الله ينجدهم

أرث النبي على رغم المعادينا

والسابقون إلى الخيرات ينجدهم

عنف النجار إذا كل المجاورونا

قوم نصلي عليهم حين نذكرهم

حيا ونلعن أقواما ملاعينا

إذا عددنا قريشاً في أباطحها

كانوا الذوائب منها والعرانينا

أغنتهم عن صفات المادحين لهم

مدائح الله في طه وياسينا

فلست أمدحهم إلا لأرغم في

مديحهم أنف شانيهم وشانينا

آل النبي وجدنا حبّكم سبباً

يرضي الإله به عنا ويرضينا

فما نخاطبكم إلا بسادتنا

ولا نناديكم إلا موالينا

وكم لنا من فخار في مودتكم

يزيدها في سواد القلب تمكينا

وكيف بعدكم شعري وذكركم

يزيد مستحسن الأشعار تحسينا

الخطيب أبو عبد الله محمد بن صالح الكتاني الشاطبي:

أرى العمرَ يفنى والرجاء طويلُ

وليسَ إلى قربِ الحبيبِ سبيلُ

حباهُ إلهُ الخلقِ أحسن سيرة

فما الصبرُ عن ذاك الجمالُ جميلُ

متى يشتفي قلبي بلثمِ ترابهِ

ويسمحُ دهر بالمزار بخيلُ

دللتُ عليهِ في أوائل أسطري

فذاكَ نبيٌّ مصطفىً ورسولُ

الشريف الرضي:

سقى الله المدينةَ من مَحَلٍّ

لُبابَ الماءِ والنُّطفِ العِذابِ

وجادَ على البقيعِ وساكنيهِ

رَخيُّ الذيلِ ملآنُ الوِطابِ

فلو بخلَ السحابُ على ثراها

لذابت فوقها قِطعُ السّرابِ

سقاك فكم ظمئتُ إليك شوقاً

على عُدواءِ داري واقترابي

أبو حنيفة النعمان:

يا سيّدَ السادات جئتُكَ قاصداً

أرجو رضاكَ وأحتمي بحماكَ

والله يا خيرَ الخلائق إنّ لي

قلباً مشوقاً لا يرومُ سواكَ

وبحقِّ جاهك إنني بك مغرمٌ

والله يعلمُ أنني أهواكَ

أنت الذي لولاك ما خلق امرؤ

كلا ولا خلق الورى لولاك

أنت الذي من نور البدر اكتسى

والشمس مشرقة بنور بهاك

أنت الذي لما رفعت إلى السما

بك قد سمت وتزينت لسراك

أنت الذي ناداك ربك مرحباً

ولقد دعاك لقربهِ وحباك

أنت الذي فينا سألت شفاعة

ناداك ربك لم تكن لسواك

أنت الذي لما توسل آدم

من زلة بك فاز وهو أباك

وبك الخليل دعا فعادت ناره

برداً وقد خمدت بنور سناك

الأعشى:

فآليتُ لا أرثي لها من كلالةٍ

ولا من حَفىً حتى تزورَ محمدا

نبيٌّ يرى ما لا ترون وذكرهُ

أغارَ لعمري في البلادِ وأنجدا

لهُ صدقاتٌ ما تغِبُّ ونائِلٌ

وليسَ عطاءُ اليومِ مانعِهُ غدا

متى ما تُناخي عند بابِ ابن هاشمٍ

تُراحي،وتلقى من فواضله ندى

عبد الله بن رواحة:

لو لم تكن فيه آياتٌ مُبيّنةٌ

كانت فصاحتهُ تنبيك بالخبر

عبد الله بن رواحة:

خلوا بني الكفار عن سبيله

وقد أنزل الرحمنُ في تنزيله

في صحفٍ تتلى على رسوله

يا ربّ إني مؤمن بقيله

إني رأيتُ الحقَّ في قبوله

اليوم نضربكم على تأويله

ضرباً يزيل الهامَ عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

عبد الله بن رواحة:

فثبت الله ما أتاك من حسنٍ

تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا

إني تفرَّستُ فيك الخير أعرفه

والله يعلمُ أن ما خانني البصرُ

أنت النبيُّ ومن يحرم شفاعته

فثبّت الله ما أتاكَ من حسن

يوم الحسابِ فقد أزرى به القدرُ

تثبيتَ موسى ونصراً كالذي نُصروا

عبد الله بن رواحة:

وفينا رسول الله يتلو كتابه

إذا انشق معروف من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا

به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

لبيد بن ربيعة:

أتيناكَ يا خيرَ البريّة كلّها

لترحمنا مما لقينا من الأزلِ

وأنت لدنيانا وأنت لديننا

تؤَّلُ للدنيا وللموقفِ الفصلِ

لنا منكَ في يومِ الحسابِ شفاعةٌ

تُفَرِّجُ عنا والشفاعة في الأهلِ

وليسَ لنا إلا إليكَ فرارُنا

وأينَ فرارُ الناسِ إلا إلى الرسلِ

النابغة الجعدي:

ألم تريا أن الملامة نفعها

قليل إذا ما الشيء ولّى وأدبرا

أتيتُ رسولَ الله إذ جاء بالهدى

ويتلو كتاباً كالمجرّةِ نيراً

أقيمُ على التقوى وأرضى بفعلها

وكنت من النارِ المخوفةُ أحذرا

بلغنا السماء مجدُنا وجدودنا

ولا خير في حلم إذا لم تكن له

وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

بوادرُ تحمي صفوه أن يُكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له

حليم إذا ما أورد الأمرَ أصدرا

أتيتُ رسولَ الله إذ جاء بالهدى

ويتلو كتاباً كالمجرّةِ نيراً

أقيمُ على التقوى وأرضى بفعلها

وكنت من النارِ المخوفةُ أوجرا

أبو دَهبل الجُمحي:

عَقُمَ النساءُ فلم يلدنَ شبيهه

إنَّ النساء بمثله عثقْمُ

مُتهللٌ بِنَعمْ،بلا متباعدٌ

سيّان منه الوَفرُ والعُدْمُ

نزرُ الكلامِ من الحياء،تخالهُ

ضَمناً وليسَ بجسمهِ سُقْمُ

قيس بن نُشبة(حَبر بني سليم كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم):

تابعتُ دينَ محمدٍ ورَضيتهُ

كُلَّ الرّضى لأمانتي ولديني

ذاكَ امرؤٌ نازعتُهُ قولَ الهدى

وعقدتُ فيه يمينهُ بيميني

قد كنتُ آملهُ وأنظرُ دهرَهُ

والله قدّرَ أنّه يهديني

أعني ابن آمنةَ الأمين مَنْ بهِ

أرجو السّلامة من عذابِ الهونِ

ابراهيم بن سهل الاشبيلي:

تسليت عن موسى بحب محمد

ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي

وما عن قلى قد كان ذاك وإنّما

شريعة موسى عُطلِّت بمحمدِ

أنس بن زنيم بن مالك:

فما حملت من ناقةٍ فوق ظهرها

أبرَّ وأوفى ذمّةً من محمدِ

أحثَّ على خيرٍ وأسبغَ نائلاً

إذا راح كالسيفِ الصقيلِ المهندِ

كعب بن مالك:

سائِلْ قريشاً غداة السّفحِ من أحُدٍ

ماذا لقينا وما لاقوا من الهربِ

كُنّا الأسودَ وكانوا النّورَ إذ زحفوا

ما إن نراقبُ من إلٍّ ولا نسبِ

فكم تركنا بها من سيّدٍ بطلٍ

فينا الرسولُ شهابٌ ثمَّ يتبعهُ

حامي الذِّمار كريمِ الجدِّ والحسبِ

نورٌ مُضيءٌ لهُ فضلٌ على الشُّهبِ

الحقُّ منطقهُ والعدلُ سيرتهُ

فمن يُجبهُ إليه ينجُ من تَببِ

نجدُ المقدَّم ماضي الهمِّ معتزِمٌ

حينَ القلوبُ على رجفٍ من الرُّعبِ

يمضي ويذمُرُنا من غيرِ معصيةٍ

كأنّهُ البدرُ لم يُطبع على الكذبِ

بدا لنا فاتبعناهُ نُصدِّقهُ

وكذّبوهُ فكنا أسعدُ العربِ

جالوا وجلنا فما فاؤوا ولا رجعوا

ونحن نثفنهم لم نألُ في الطلبِ

ليسا سواءً وشتى بين أمرهما

حزب الإله وأهلُ الشّركِ والنّثصبِ

كعب بن مالك:

عصيتم رسولَ الله أُفٍ لدينكم

وأمركم السيء الذي كان غاويا

وإني وإن عنفّتموني لقائلٌ

فدى لرسول الله أهلي وماليا

أطعناهُ لم نعدلهُ فينا بغيرهِ

شهاباً في ظلمةِ الليل هاديا

كعب بن مالك:

فكفى بنا فضلاً على من غيرنا

حبُّ النبي محمدٍ إيانا

كعب بن مالك:

وفينا رسولُ الله نتبعُ أمرَهُ

إذا قال فينا القولَ لا نتطلعُ

تدلى عليهِ الروحُ من عندِ ربّهِ

ينزلُ من جوِّ السماءِ ويرفعُ

نشاوره في ما نريدُ فقصرُنا

إذا ما اشتهى أنا نطيعُ ونسوعُ

كعب بن مالك:

نبيٌّ لهُ في قومهِ إرثُ عِزَّةٍ

وأعراقُ صدق هذّبتها أرومها

عبد الله بن الزبعرى:

يا خيرَ من حملتْ على أوصالها

عيرانةٌ سُرُح اليدين غَشومُ

إنّي لمعتذرٌ إليكَ من الذي

أسديتُ إذ أنا في الضلالِ أهيمُ

فاليومَ آمنَ بالنبيِّ محمدٍ

قلبي ومخطىءٌ هذهِ محرومُ

فاغفرْ فدىً لكَ والديَ كلاهما

وارحمْ فإنّكَ راحِمٌ مرحومُ

وعليكَ من سمةِ المليكِ علامةٌ

نورٌ أغرُّ وخاتمٌ مختومُ

أعطاكَ بعدَ مَحبّةٍ برهانَهُ

شرفاً وبرهانُ الإلهِ عظيمُ

ولقد شهدتُ بأنّ دينكَ صادقٌ

حقٌّ وأنّكَ في العبادِ رحيم

والله يشهدُ أنَّ أحمدَ مصطفى

مستقبلٌ في الصالحين كريمُ

العباس بن مرداس:

إذا ما أتيتَ على الرسولِ فقل لهُ

حقاً عليكَ إذا اطمأنَ المجلسُ

يا خيرَ من ركبَ المطيَّ ومن مشى

فوقَ الترابِ إذا تعدُّ الأنفسُ

نمضي ويحرسنا الإلهُ بحفظهِ

والله ليسَ بضائعٍ من يحرسُ

العباس بن مرداس:

فمن مُبلغُ الأقوامَ أنَّ محمداً

رسولَ الإله راشدٌ حيتُ يَمّما

دعا ربّهُ واستنصرَ الله وحدهُ

فأصبحَ قد وفّى إليه وأنعما

العباس بن مرداس:

رأيتُكَ يا خيرَ البريّة كلها

نشرتَ كتاباً جاءَ بالحقِّ مُعلّما

ونوّرتَ بالبرهان أمراً مُدَمسّاً

وأطفأتَ بالبرهانِ ناراً مُضَرَّماً

فمن مُبلغٌ عني النبيَّ محمداً

وكلُّ امرىء يجزي بما قد تكلما

تعالى عُلواً فوق عرشِ إلهنا

وكانَ مكانُ الله أعلى وأعظما

مالك بن عوف:

ما إن رأيتُ ولا سمعتُ بمثلهِ

في الناسِ كلّهم كمثلِ محمدِ

أوفى وأعطى للجزيلِ إذا اجتُدي

ومتى تشأ يخبركَ في الغدِ

وإذا الكتيبةُ عرّدتْ أنيابُها

بالسَّمهريِّ وضربِ كلِّ مهنّدِ

فكأنّهُ ليثٌ على أشبالهِ

وسطَ الهباءةِ خادرٌ في مرصدِ

أحدهم:

وأجملُ منك لم تر قطُّ عين

وأكمل منك لم تلد النساء

خُلِقت مبرءاً من كلِّ عيب

كأنّكَ قد خُلقتَ كما تشاء

ابن الرومي:

وكم أبٍ قد علا بابنٍ ذرى شرفٍ

كما علت برسول الله عدنانُ

أبو تمام:

آلُ النبي إذا ما ظلمةٌ طرقتْ

كانوا لنا سُرجاً أنتم لها شعلُ

عمر بن أبي ربيعة:

لا فخرَ إلا وقد علاهُ محمدٌ

فإذا فخرتَ بهِ فإني أشهدُ

أحدهم:

أيرومُ مخلوقٌ ثناءَكَ بعدما

أثنى عليكَ الواحدُ الخلّاقُ

الخريمي:

فلما أتى الإسلامُ وانشرحت له

صدور به نحو الأنام تنيبُ

تبعنا رسول الله حتى كأنّما

سماءٌ علينا بالرجالِ تصوبُ

أحدهم:

لقد قالَ الرسولُ وقالَ حقاً

وخيرُ القولِ ما قالَ الرسولُ

إذا الحاجاتُ أبدتْ فاطلبوها

إلى من وجههُ حسنٌ جميلُ

أحدهم:

من يدّعي حُبَّ النبيّ ولم يُفِدْ

من هديهِ فسفاهةٌ وهُراءُ

الحبُّ أولُ شرطه وفروضهِ

إن كان صدقاً طاعةٌ ووفاءُ

أحدهم:

أقبلت كالفجر وضاحَ الأسارير

تدعو إلى الله في بشر وتيسير

على جبينك نور الحق منبلجاً

وفي يديك لواء العدل والنور

الكميت بن زيد:

ألم تَرني من حُبِّ آلِ محمدٍ

أروحُ وأغدو خائفاً أترّقبُ

على أي جُرمٍ أم بأيّةِ سيرةٍ

أُعَنّفُ في تقريظهم وأونّبُ

الكميت بن زيد:

إليكم ذوي آل النبيِّ تطلّعتْ

نوازعُ من قلبي ظماءٌ والببُ

الكميت بن زيد:

وغابَ نبيُّ الله عنهم وفقدهُ

على الناسِ رزءٌ ما هنالكَ مُجَلّلُ

الكميت بن زيد الأسدي:

بكَ اجتمعت أنسابنا بعد فُرقةٍ

فنحنُ بنو الإسلام نُدعى ونُنسبُ

حياتُكَ كانت مجدنا وسناءَنا

وموتُكَ جَدْعٌ للعرانينِ مُوعِبُ

فبوركتَ مولوداً وبُوركتَ ناشئاً

وبُركتَ عند الشّيبِ غذ أنتَ أشيبُ

وبُوركَ قبرٌ أنت فيه وبُوركت

لقد غيّبوا براً وحزماً ونائلاً

به وله أهلٌ لذلك يثرِبُ

عشية واراكَ الصفيحُ المنصّبُ

الكميت بن زيد:

فاعتَتبَ الشوقُ من فؤادي والشعرُ

إلى من إليه يُعتَتَبُ

إلى السراجِ المنيرِ أحمد لا

تعدلني رغبةٌ ولا رَهَبُ

عنهُ إلى غيره ولو رفع الناسُ

إليَّ العيونُ وارتقبوا

وقيلَ أفرطتَ بل قصدتُ ولو

عَنفّني القائلونَ أو ثلبوا

إليكَ يا خيرَ من تَضمّنتِ الأرضُ

لجَّ بتفضيلك اللسانُ ولو

ولو عابَ قوليَ العُيبُ

أكثرَ فيه اللّجاجُ والصّخبُ

مروان بن أبي حفصة:

هل تطمسونَ من السماءِ نجومها

بأكفكم أو تسترون هلالها

أو تجحدونَ مقالةً عن ربّهِ

جبريل بلّغها النبي فقالها

ابن حجّة الحموي:

فيا وِردنا الصافي طيورُ قلوبِنا

عليكَ إذا ما نابها الضَيمُ حُوَّمُ

عليكَ سلامٌ نشرهُ كلما بدا

به يتغالى الطيبُ والمسكُ يختِمُ

ابن حجّة الحموي:

عسى وقفةٌ أو قعدةٌ لابنِ حِجّةٍ

على بابكم يسعى بها وهو مُحرِمُ

فقد جاءَ يشكو من ذنوبٍ تعاظمت

وقَدرُكَ في يومِ الشفاعةِ أعظمُ

وقد نالهُ في عنفوانِ شبابِهِ

همومٌ وسيفُ الهمِّ للظهرِ يقصِمُ

وعارِضُهُ قد شابَ في زمنِ الصِّبا

عسى بك من ذا العارضِ الصعبِ يسلمُ

المعري:

دعاكم إلى خيرِ الأمورِ محمدٌ

وليسَ العوالي في القنا كالسوافلِ

حداكم على تعظيم من خلقَ الضحى

وألزمكم ما ليس يُعجز حملهُ

وشهب الدجى من طالعاتٍ وآفلِ

أخا الضعفِ من فرضٍ له ونوافلِ

وحثَّ على تطهيرِ جسمٍ وملبسٍ

وعاقبَ في قذفِ النساءِ الغوافلِ

وحرّمَ خمراً خِلتُ ألبابَ شربها

من الطيشِ ألبابَ النعام الجوافلِ

فصلى عليه الله ما ذرّ شارق

وما فتّ مسكاً ذكره في المحافل

أبو جرول زهير بن صرد الجشمي يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أسر في يوم هوازن(نفح الطيب ج3 ص 562):

امننْ علينا رسولَ الله في كرمٍ

فأنكَ المرءُ نرجوهُ وننتظرُ

امننْ على بَيضةٍ قد عاقها قَدَرٌ

مُشّتت شملها في دهرها غِيَرُ

أبقتْ لنا الدهرَ هَتاناً على حَزَنٍ

علا قلوبَهُمُ الغَماءُ والغمرُ

إن لم تداركهمُ نعماءُ تنشرها

يا أرجحَ الناس حلماً حين يُختبرُ

امنُنْ على نسوةٍ قد كنتَ ترضعها

إذ فوك تملؤه من محضها الدررُ

إذ أنت طفلٌ صغير كنت ترضعها

وإذ يريبكَ ما تأتي وما تذرُ

لا تجعلنا كمن شالت نعامَتُهُ

واستبقِ منا فإنّا معشرٌ زُهُرُ

إنّا لنشكرُ للنعماء إذ كُفرتْ

وعندنا بعد هذا اليوم مُدّخرُ

فالبسِ العفوَ مَنْ قد كنت ترضعه

من أمهاتكَ إن العفوَ مشتهرُ

يا خيرَ من مرِحتْ كُمتُ الجيادِ بهِ

عند الهياجِ إذا ما استوقد الشررُ

إنا نؤُمِّلُ عفواً منكَ تلبسه

هذي البريةُ إذ تعفو وتنتصرُ

فاعفُ عفا الله عما أنتَ راهبُهُ

يوم القيامة إذ يُهدى لك الظفرُ

سلم الخاسر:

قالت قريش كلها

وهمُ الكِرامُ بنو الكِرامِ

وخيارُ من وطيء الحصا

من بين كهلٍ أو غلام

فَضَلَ الملوكَ محمدٌ

فضلَ الحلالِ على الحرام

كثير عزة:

إنَّ امرءاً كانت مساوئهُ

حبُّ النبيِّ لغيرِ ذي عتبِ

وبني أبيي حسن ووالدهم

من طابَ في الأرحامِ والصُّلبِ

أترونَ ذنباً أن نحبّهم

بل حبُّهم كفارةُ الذنبِ

بكر بن النّطاح:

أبا مريمٍ قيلوا بِعُسفان ساعة

وروحوا على اسم الله والبركات

ومرّوا على قبرِ النبيِّ وأكثروا

عليه من التسليم والصلوات

منصور النمري:

وعاذلي أنني أحبُّ بني

أحمدَ فالتُّرب في فمِ العاذلِ

قد دِنتُ ما دينكمُ عليه فما

وصلتُ من دينكم إلى طائلِ

دينكم جفوة النبي وما ال

جافي لآل النبيِّ كالواصلِ

مهيار الديلمي:

اشددْ يداً بحبِّ آل أحمدٍ

فإنّهُ عقدةُ فوزٍ لا تحلْ

الطيّبونَ أزراً تحت الدجى

الكائنونَ وَزراً يومَ الوَجلْ

يستشعرون الله أعلى في الورى

وغيرهم شعارهأعلُ هُبل

مهيار الديلمي:

أمثل محمد المصطفى

إذا الحكمُ ولّيتموهُ لبيبا

بعدلٍ مكانَ يكون القسيم

وفصلٍ مكانَ يكون الخطيبا

وثبتٍ إذا الأصلُ خانَ الفروع

وفضلٍ إذا النقص عابَ الحسيبا

وصدقٍ بإقرارِ أعدائهِ

إذا نافقَ الأولياءُ الكذوبا

أبانَ لنا الله نهجَ السبيلِ

ببعثهِ وأرانا الغيوبا

دعبل:

ملامكَ في أهل النبيِّ فإنهم

أحبايَ ما عاشوا وأهل ثقاتي

تَخيّرتهم رُشداً لأمري فإنّهم

على كلِّ حالٍ خيرةُ الخيراتِ

نبذتُ إليهم بالمودّةِ جاهداً

وسلّمتُ نفسي طائعاً لولاتي

فيا ربِّ زدني من يقيني بصيرةً

وزِدْ حُبَّهم يا ربِّ في حسناتي

أبو الهدى الصيادي:

صلى عليه الله ما نشرَ الدجى

وأتى الصباح بطلعة غرّاء

وعلى نبيه الطيبين وصحبه

وعلى الخصوص البضعة الزهراء

وعلى جميع التابعين وآلهم

والأولياء الخلص النجباء

والقائمينَ بحفظ عهد طريقهم

ونبيهم الأنجاب والخلفاء

أبو الهدى الصيادي:

ليس للخطب إن تفاقم إلا

هِمّة المصطفى أبي الزهراء

شرفُ المرسلين روح البرايا

علّة الخلق قبضة الإبداء

أحكم العدل في الوجود إذا الظلم

ظلام والعدل أي ضياء

ومحا آية الفساد بهدي

نبوي كالفجر بادي السناء

وزوى ثورة النفوس فكل

بأمان من عابث الأهواء

وأتى باليقين والحلم والعلم

ودين الهدى وحق الإخاء

وبحفظ العهود والقدم الثابت

والصدق والرضا والوفاء

وبحسن الأخلاق والعفو والصفح

ولين الكلام والإغضاء

قتيلة بنت النضر بن الحارث:

أمُحمدٌ ولأنتَ ضِئنُ نجيبةٍ

من قومها والفحلُ فحلٌ مُعْرِقُ

أبو عزّة الجُمحي:

فمن مُبلغٌ عنّي الرسولَ محمداً

بأنّكَ حقٌّ والمليكُ حميدُ

وأنتَ امرؤٌ تدعو إلى الدين والهدى

عليكَ من الله العظيمِ شهيدُ

وأنتَ امرؤٌ بُوّئتَ فينا مباءةً

لها درجاتٌ سهلةٌ وصعودُ

وإنّكَ من حاربتهُ لمحارَبٌ

شقيٌ ومن سالمتهُ لسعيدُ

أبو الحسن ابن حمدون المالقي(نفح الطيب ـ التلمساني ـ ج3 ص 610):

وقلبيَ معمورٌ بِحُبِّ محمدٍ

فما ليَ في غيرِ الحجازِ طِلابُ

يحنُّ إلى أوطانهِ كلُّ مسلمٍ

فقدسَ منها منزلٌ وجنابُ

فأسعدُ أيامي إذا قيل هذه

منازلُ من وادي الحمى وقبابُ

فجسميَ في مصر وروحي بطيبةٍ

فللروح عن جسمي هناك منابُ

وأرجو ثواباً بامتداحي مُحمداً

وما كلُّ مُثنٍ في الزمانِ يُثابُ

به أخمدتْ من قبلُ نيرانُ فارسٍ

وحُقق من ظبي الفلاةِ خطابُ

وكم قد سقى من كفّهِ الجيش فارتووا

وكم قد شفى منه العيونَ رُضابُ

أُجيبَ لما يختارُ في حضرةِ العلا

وما كلُّ خلقٍ حيثُ قالَ يُجابُ

فلم تلههِ دنياهُ عن خوفِ ربّهِ

ولا شغلتهُ عن رضاه كَعابُ

مُحمدٌ المختارُ أعلى الورى ندىً

وأكرمُ مبعوثٍ أتاهُ كتابُ

أتحسبُ أن تحصى بِعَدٍ صفاتهُ

وهيهاتِ ما يحصى علاه حسابُ

ثناءُ رسول الله خيرُ ذخيرةٍ

وقد ذلَّ جبارٌ وخيفَ عقابُ

وقد نُصِبَ الميزانُ والله حاكمٌ

وذلّتْ لأحكامِ الإلهِ رقابُ

فكلُّ ثناءٍ واجبٌ لصفاته

فما مدحُ مخلوقٍ سواه صوابُ

إليك رسولَ الله أُنهي مدائحي

وإنَّ رجائي راحةٌ وثوابُ

إذا قيل من تعني بمدحك كلّه

فأنت إذا خبرتَ عنهُ جوابُ

فأنتَ أجَلُّ العالمين مكانةً

وأكرمُ مدفونٍ حواه ترابُ

أبو العباس بن العريف:

شَدّوا الرّحالَ وقد نالوا المُنى بمنىً

وكُلّهم بأليقِ الشوقِ قد باحا

راحت ركائبُهم تندى روائحُها

طيباً بما طابَ ذاكَ الوفدُ أشباحا

نسيمُ قبرِ النبي المصطفى لهمُ

راحٌ إذا سَكروا من أجلهِ فاحا

يا راحلينَ إلى المختارِ من مُضَرٍ

زُرتُم جسوماً وزرنا نحنُ أرواحا

إنا أقمنا على شوقٍ وعن قَدَرٍ

ومن أقامَ على عُذرٍ كمن راحا

ابن الأبار(نفح الطيب ـ التلمساني ـ ج3 ص593):

لو عَنَّ لي عونٌ من المقدار

لهجرتُ للدارِ الكريمة داري

وحللتُ أطيب طيبة من طيبةٍ

جاراً لمن أوصى بحفظ الجارِ

حيث استبانَ الحقُّ للأبصارِ

لما استثارَ حفائظَ الأنصارِ

يا زائرينَ القبرَ قبرَ محمدٍ

بُشرى لكم بالسّبقِ في الزوّارِ

أوضَعتمُ لنجاتكم فوضعتمُ

ما آدكم من فادحِ الأوزارِ

فوزوا بسبقكم وفوهوا بالذي

حُملتُمُ شوقاً إلى المختارِ

أدُّوا السلامَ سلمتمُ وبردّهِ

أرجو الإجارةَ من ورودِ النارِ

زهير بن صُرد:

امنُنْ علينا رسول الله في كرمٍ

فإنّكَ المرءُ نرجوهُ وننتظرُ

يا خيرَ طفلٍ ومولودٍ ومنتخبٍ

في العالمينَ إذا ما حُصِلَ البشرُ

إن لم تداركهمُ نعماءُ تنشرُها

يا أرجحَ الناس حلماً حين يُختبرُ

يا خيرَ من مرحتْ كُمتُ الجياد به

عند الهياج إذا ما استوقدَ الشّررُ

إنا لنشكرُ آلاءً وإن كُفرت

وعندنا بعد هذا اليوم مدَّخرُ

إنا نؤمّلُ عفواً منك تلبسهُ

هذي البرية إذ تعفو وتنتصرُ

فاغفر عفا الله عما أنت راهبُهُ

يوم القيامة إذ يُهدى لك الظفرُ

أيمن بن محمد الغرناطي:

أرى حُجرات قد أحاطت عراصها

ببحر محيط حصره غيرُ ممكنِ

بحار المعالي والمعاني وإن طَمَتْ

لدى لجّة تفنى ومن هولة تني

نبيٌّ إذا أبصرت غرَّة وجههِ

تَيّقنتَ أنَّ العزَّ عزُّ المهيمنِ

لكَ الله من بدر إذا الشمسُ قابلتْ

مُحيّاهُ قالت إنَّ ذا طالعٌ سَني

أيمن بن محمد الغرناطي:

فررتُ من الدنيا إلى ساكن الحمى

فرارَ مُحبٍ لائذٍ بحبيبِ

لجأتُ إلى هذا الجناب،وإنّما

وناديتُ مولاي الذي عندهُ الغنى

لجأتُ إلى سامي العِمادِ رحيبِ

نداء عليلٍ في الزمانِ غريبِ

أمولايَ إني قد أتيتُكَ لائذاً

وأنتَ طبيبي يا أجلَّ طبيبِ

فقال لك البشرى ظفرت من الرضى

بأوفرِ حظٍّ مُجزلٍ ونصيبِ

تناومتُ في أطلالِ ليلِ شبيبتي

فأدركني بالفجر صبحُ مشيبي

أحدهم:

تدلّى عليه الروحُ من عند ربّهِ

يُنزِّلُ من جوِّ السماءِ ويرفعُ

نشاوره فيما نريدُ وقصدنا

إذا ما اشتهى أنّا نُطيعُ ونسمعُ

أحدهم:

وأنت لما ولدت أشرقت ال

أرض وضاء بنورك الأفق

فنحنُ في ذلك الضياء وفي النّور

وسبلَ الرشاد نخترق

أحدهم:

دارت كؤوس الحُبِّ للعشاقِ

كُلٌّ على ليلاهُ أضناهُ الهوى

إن مرَّ طيفُ محمدِ في خاطري

شوقي إلى ذِكرِ الحبيبِ يهزُّني

فالقلبُ نارٌ والعيونُ سواقي

وأنا الهوى بمحمدٍ ترياقي

هاجت بحارُ الحبِّ في أعماقي

فلتسقني من كأسهِ يا ساقي

لسان الدين بن الخطيب(نفح الطيب ج6 ص227):

لسان الدين بن الخطيب (نفح الطيب ـ ج6 ـ ص452):
وما هوَ إلا الشوقُ ثار كمينهُ

ومابيَ إلا أن سرى الركبُ موهناً

وجاشت جنودُ الصبرِ والبينِ والأسى

ورُمتُ نهوضاً واعتزمتُ مودعاً

تخلّف منّي ركبُ طيبةَ عانياً

نشدتكَ ياركبَ الحجاز،تضاءلت

إذا أنتَ شافهتَ الديارَ بطيبة

وآنستَ نوراً من جنابِ محمدٍ

فَنُبْ عن بعيدِ الدارِ في ذلكَ الحمى

وقُلْ يا رسولَ الله عبدٌ تقاصرتْ

ولم يستطعْ من بعد ما بَعُدَ المدى

تداركهُ يا غوثَ العبادِ برحمةٍ

أجارَ بك الله العبادَ من الردى

حمى دينُكَ الدنيا وأقطعكَ الرضى

وطهّر منكَ القلبَ لمّا استخصّه

دعاهُ فما ولّى ،هداهُ فما غوى

تقدمتَ مختاراً،مَبعثاً

فماذا عسى يجزيك هاوٍ على شفاً

عليكَ صلاةُ الله يا كاشفَ العمى

فأذهلَ نفساً لم تُبنْ عنده قصدا

وأعمل في رملِ الحِمى النصَّ والوخدا

لديَّ فكان الصبرُ أضعفها جندا

فصدّني المقدورُ عن وجهتي صَدّا

أما أن للعاني المعنّى بأن يُفدى

لك الأرضُ مهما استعرض السهبُ وامتدّا

وجئتَ بها القبرَ المقدس واللحدا

يُجلّي القلوبَ الغُلْفَ والأعين الرمدا

وأذرِ به دمعاً وعَفّرْ به خدّا

خُطاهُ وأضحى من أحبّتهِ فردا

سوى لوعةٍ تعتادُ أو مدحةٍ تُهدى

فجودكَ ما أجدى وكفُّكَ ما أندى

وبوأهم ظلاً من الأمنِ ممتدا

وتوّجك العليا وألبسكَ الحمدا

فجلّله نوراً وأوسعهُ رشدا

سقاهُ فما يظما،جلاهُ فما يصدا

فقد شملت علياؤك القبل والبعدا

من النار قد أوردته بعدها الخلدا

ومُذهبَ ليلِ الروعِ وهو قد أربداّ

لسان الدين بن الخطيب(نفح الطيب ج6 ص511):
واخساري يومَ القيامة إن لم

لم أُقدِّم وسيلةً فيه إلا

سيّد العالمين دنيا وأخرى

سيّد الكونِ من سماءٍ وأرضِ

آيةُ المكرماتِ قطبُ المعالي

صفوةُ الخلقِ أرفعُ الرُّسلِ قدراً

من لميلاده بمكّة ضاءت

وخَبتْ نارُ فارسٍ وتداعتْ

من رَقى في السماءِ سبعاً طباقاً

ودنا منهُ قابَ قوسينِ قرباً

من هدى الخلقَ بين حمرٍ وسودٍ

من يُجيرُ الورى غداً يوم يُجزى

من إلى حوضهِ وظلِّ لواه

أحمدُ المُجتبى حبيباً،وآنّى

يا رواة القريض والشعر عجزاً

إنما حسبنا الصلاة عليه

يا إلهي بحقِّ أحمدَ عفواً

يغفرِ الله زلّتي واجتراحي

حبَّ خير الورى الشفيع الماحي

أشرفُ الخلقِ في العلا والسماحِ

سِرّهُ بين غايةٍ وافتتاحِ

مصطفى الله من قريش البطاحِ

وسراج الهدى وشمس الفلاحِ

من قرى قيصرٍ جميعُ الضواحي

من مَشيدِ الإيوانِ كلُّ النواحي

ورأى آيَ ربّه في اتضاحِ

ظافراً في العُلا بكلِّ اقتراحِ

وجلا ليلَ غيّهم بالصباحِ

كلُّ عاصٍ وطائعٍ باجتراحِ

يلجأ الناس بين ظامٍ وضاحي

فوق عزِّ الحبيب مرمى طماح؟

ماعسى تدركون بالأمداحِ

وهي للفوزِ آيةُ استفتاحِ

عن ذنوب خبيتهنّ قباحِ

لسان الدين بن الخطيب(نفح الطيب ج5 ص399):
ثم ثنوا نحو رسولِ

فعاينوا في طيبةٍ

رأوا رسول الله واس

نالوا به ما أملّوا

على الضجيعين أبي

زيارةُ الهادي الشفيعِ

فأحسنَ الله عزاء

رَبعٌ ترى مستنزل ال

وملتقى جبريل بال

وروضة الجنّة بينَ

منتخبُ الله ومخ

والمنتقى والكونُ من

ذو المعجزات الغُرُّ أم

يشهدُ بالصدقِ له

من أطعمَ الألفَ بصاعٍ

يا حجّة الله على ال

يا أكرمَ الرسلِ على الله

يا عمدتي يا ملجئي

يا من له اللواء وال

يا منقذ الغرقى وهم

إن لم تحقق أملي

صلى عليك الله يا

صلى عليك الله يا

الله سيرَ الضُّمر

لألاءَ نورٍ نيِّرِ

تشفوا بلثمِ الجُدُرِ

وتمزَّجوا في الأثرِ

بكر الرضى وعُمر

جُنّةٌ في المحشرِ

قاصدٍ لم يزرِ

آي به والسورِ

هادي الزكيّ  العنصرِ

روضةٍ ومنبرِ

تارُ الورى من مُضرِ

ملابس الخلق عَري

ثالِ النجومِ الزُّهرِ

منها انشقاق القمرِ

في صحيحِ الخبرِ

رائح والمبتكرِ

وخيرَ البشرِ

يا مفزعي يا وَزري

حوض ووردُ الكوثرِ

رهنُ العذابِ الأكبرِ

بؤتُ بسعي الخسرِ

ثمال كلِّ معشر

نورَ الدُّجى المعتكرِ

عبد العزيز الفشتالي(نفح الطيب ـ التلمساني ـ ج5 ص25):

وحيّا ربوعاً بين مروةَ والصّفا

تحيّةَ مُشتاقٍ بها الدّهرَ حيرانِ

رُبوعاً بها تتلو الملائكةُ العلا

أفانين وحي بين ذكر وقرآنِ

وعرَّسَ فيها للنبوّةِ موكبٌ

هو البحرُ طامٍ فوق هضبٍ وغيطانِ

وأدى بها الروحُ الأمينُ رسالةً

أفادت بها البشرى مدائح عنوانِ

هنالكَ فضَّ ختمها أشرفُ الورى

وفخرُ نزار من معد بن عدنانِ

مُحمّدُ خيرُ العالمين بأسرها

وسيد أهلِ الأرضِ من الأنسِ والجانِ

ومنْ بشرّت في بعثهِ قبل كونهِ

نوامسُ كهّانٍ وأخبارُ رهبانِ

وعلّةُ هذا الكون لولاه ما سَمتْ

سماءٌ ولا غاضت طوافحُ طُوفانِ

ولا زخرفت من جنّةِ الخلدِ أربُعٌ

تُسّبحُ فيها الحور مع جمع ولدان

ولا طلعت شمس الهدى غبَّ دَجيْةٍ

تجهّم من ديجورها ليلُ كفرانِ

ولا أحدقت بالمذنبين شفاعةٌ

يذودُ بها عنهم زبانيَ نيرانِ

لهُ معجزاتٌ أخرست كلَّ جاحدٍ

وسلّتْ على المُرتابِ صارمَ برهانِ

لهُ انشقَّ قرصُ البدرِ شقيّن وارتوى

بماء همى من كفّهِ كلُّ ظمآنِ

وأُنطِقتِ الأصنامُ نطقاً تبرأتْ

إلى الله فيه من زخارفِ مَيّانِ

دعا سرحةً عَجما فلبّتْ وأقبلتْ

تجرُّ ذيولَ الزّهرِ ما بينَ أفنانِ

وضاءت قصورُ الشامِ من نورهِ الذي

على كلِّ أفقٍ نازحِ القطرِ أو داني

وقد بهجَ الأنوا بدعوته التي

كستْ أوجهَ الغبراءِ بهجةَ نيسانِ

وإنَّ كتابَ الله أعظمُ آيةٍ

بها افتضح المُرتابُ وابتأس الشاني

وعدّى على شأوِ البليغِ بيانُهُ

فهيهاتَ منهُ سجعُ قُسٍ وسحبانِ

نبيُّ الهدى من أطلعَ الحقَّ أنجماً

محا نورُها أسدافَ إفكٍ وبهتانِ

أيا خيرَ أهلِ الأرضِ بيتاً ومحتداً

وأكرمَ كلّ الخلق:عُجمٌ وعربانِ

فمنْ للقوفي أن تحيطَ بوصفكم

ولو ساجلت سبقاً مدائحَ حسّانِ

إليكَ بعثناها أمانيَّ أجدبتْ

لتُسقى بمزنٍ من أياديك هتّانِ

أجرني إذا أبدى الحسابُ جرائمي

وأثقلت الأوزارُ كفّةَ ميزاني

فأنتَ الذي لولا وسائلُ عِزّهِ

عليكَ سلامُ الله ما هَبّتِ الصَّبا

لما فُتحتْ أبوابُ عفوٍ وغفرانِ

وماست على كثبانها مُلْدُ قضبانِ

ابن زمرك(نفح الطيب ـ التلمساني ـ ج5 ص48):

أجابوا نداء البينِ طوعَ غرامهم

وقد تبلغ الأوطار فرقة أوطانِ

يؤمّون من قبرِ الشفيعِ مثابةً

تَطَلَّعُ منها جَنّةٌ ذاتُ أفنانِ

إذا نزلوا من طَيبةٍ بجوارهِ

فاكرمُ مولىً ضمَّ أكرم ضيفانِ

بحيث علا الإيمانُ وامتدَّ ظِلّهُ

وزان حلى التوحيدِ تعطيل أوثانِ

مطالعُ آياتٍ،مثابةُ رحمةٍ

معاهدُ أملاكٍ،مظاهرُ إيمانِ

هنالكَ تصفو للقبولِ موارِدٌ

يُسقَّون منها فضلَ عفوٍ وغفرانِ

هناكَ تؤدى للسّلامِ أمانةٌ

تحييهم عنها بِرَوحٍ وريحانِ

يناجونَ عن قربٍ شفيعَهُمُ الذي

يؤمِّلهُ القاصي من الخلقِ والداني

لئن بلغوا دوني وخُلِّفتُ إنّهُ

قضاء جرى من مالكِ الأرضِ ديانِ

وكم عزمةٍ مَلَّيتُ نفسيَ صدقها

وقد عرفتْ مني مواعدَ لَيّانِ

إلى الله نشكوها نفوساً أبيّةً

تحيدُ عن الباقي وتغترُّ بالفاني

ألا ليت شعري هل تساعدني المنى

فأترك أهلي في رضاهُ وجيراني

وأقضي لُباناتِ الفؤادِ بأن أرى

أُعَفِّرُ خدّي في ثراهُ وأجفاني

إليكَ رسولَ الله دعوةَ نازحٍ

خَفوقِ الحشا رهنِ المطامعِ هيمانِ

غريبٌ بأقصى الغربِ قيَّدَ خطوهُ

شبابٌ تقضّى في مراحٍ وخسرانِ

يَجِدُّ اشتياقاً للعقيقِ وبانهِ

ويصبو إليها ما استجدَّ الجديدانِ

وإن أومضَ البرقُ الحجازيُّ مَوهناً

يردّدُ في الظلماءِ أنّةَ لهفانِ

فيا مولي الرحمى،ويا مُذهبَ العمى

ويا مُنجيَ الغرقى،ويا مُنقذَ العاني

بسطتُ يدَ المحتاجِ يا خيرَ راحم

وذنبي ألجأني إلى موقف الجاني

وسيلتي العظمى شفاعتُكَ التي

يلوذُ بها عيسى وموسى بن عمرانِ

فأنتَ حبيبُ الله خاتم رسلهِ

وأكرمُ مخصوصٍ بزلفى ورضوانِ

وحسبُكَ أن سمّاك أسماءهُ العلا

وذاكَ كمالٌ لا يُشابُ بنقصانِ

وأنتَ لهذا الكونِ علّةُ كونهِ

ولولاكَ ما امتاز الوجودُ بأكوانِ

خلاصةُ صفوِ المجدِ من آلِ هاشمٍ

ونكتةُ سرُّ الفخرِ من آلِ عدنانِ

وسيدُ هذا الخلقِ من نسلِ آدمٍ

وأكرمُ مبعوثٍ إلى الأنسِ والجانِ

وكم آيةٍ أطلعتَ في أفقِ الهدى

يبينُ صباحُ الرشدِ منها ليقظانِ

وما الشمسُ يجلوها النهارُ لمبصرٍ

بأجلى ظهوراً أو بأوضحِ برهانِ

وأكرمْ بآياتٍ تحدَّيتنا بها

ولا مثل آياتٍ لمحمكِ فرقانِ

وماذا عسى يُثني البليغُ وقد آتى

ثناؤُكَ في وحي كريمٍ وقرآنِ

فصلى عليكَ الله ما انسكبَ الحيا

وما سجعتْ ورقاءُ في غصنِ البانِ

صفوان ابن ادريس(نفح الطيب ـ ج5 ص74):

تحيّةُ الله وطيبُ السلام

على رسولِ الله خيرِ الأنامْ

على الذي فتحَ بابَ الهدى

وقال للناس:ادخلوا بالسلام

بدر الهدى،غيم الندى والسدى

وما عسى أن يتناهى الكلام

تحيّةً تنهزأ أنفاسها

بالمسك،لا أرضى بمسك الختام

تخصّهُ مني ولا تنثني

وقدرهم أرفعُ لكنّني

عن أهلهِ الصِّيدِ السراةِ الكرامْ

لم أُلفِ أعلى لفظةً من كرامْ

لسان الدين بن الخطيب:

يا مصطفى من قبل نشأةِ آدمٍ

والكونُ لم تُفتح له أغلاقُ

أيرومُ مخلوقٌ ثناءكَ بعدما

أثنى على أخلاقكَ الخلاقُ؟

لسان الدين بن الخطيب(نفح الطيب ج6 ص227):
يا سارياً والليلُ ساجٍ عاكفٌ

عرِّج على مثوى النبيِّ محمدٍ

ورسولِ ربِّ العالمين ومنْ لهُ

الظاهرُ الآياتِ قام دليلها

بدرُ الهدى وهو الذي آياته

الشافعُ المقبولُ من عمَّ الورى

الصادقُ المأمونُ أكرمُ مرسلٍ

أعلى الكرام ندىً وأبسطهم يداً

وأشدَّ خلقِ الله إقداماً إذا

أمضاهمُ والخيلُ تعثرُ في الوغى

منْ صيّرَ الأديانَ ديناً واحداً

وأحلّنا من حُرمةِ الإسلامِ في

يغري الفلا بنجائبٍ ونياقِ

خيرِ البريّةِ ذي المقامِ الراقي

حفظُ العهودِ وصحةُ الميثاقِ

والطاهرُ الأخلاقِ والأعراقِ

وجبينهُ كالشمسِ في الإشراقِ

بالجودِ والإرفادِ والإرفاقِ

سارت رسالتهُ إلى الآفاقِ

قبضت عنانَ المجدِ باستحقاقِ

حميَ الوطيسُ وشمرتْ عن ساقِ

وتجولُ سبحاً في الدمِ المهراقِ

من بعدِ إشراكٍ مضى ونفاقِ

ظلٍّ ظليلٍ وارفِ الأوراقِ

لسان الدين بن الخطيب:

مدحتك آياتُ الكتابِ فما عسى

وإذا كتابُ الله أثنى مفصحاً

وقال(نفح الطيب ج6 ص449):

يُثني على علياك نظمُ مديحي

كانَ القصورُ قصارَ كلِّ فصيحِ

هل كنتَ تعلم في هبوبِ الريحِ

أهدتكَ من شيخِ الحجازِ تحيّةً

بالله قل اي كيف نيرانُ الهوى

عجباً لأجفانٍ حملنَ شهادةً

ولقلّما كتبتْ رُواةُ مدامعي

شمتُ المنى وحمدتُ إدلاجَ السُّرى

فكأنّما ليلي نسيبُ قصيدتي

لمّا حططتُ لخيرِ من وطىء الثرى

رحمى إله العرش بين عباده

ربُّ المقامِ الصدّقِ والآي التي

كهفُ الأنام إذا تفاقمَ مُعضِلٌ

يردون منهُ على مثابةِ راحمٍ

لهفي على عُمرٍ مضى أنضيتهُ

يا زاجرَ الوجناءِ يعتسفُ الفلا

يَصلُ السُّرى سبقاً إلى خيرِ الورى

لي في حِمى ذاكَ الضريحِ لُبانةٌ

وبمهبطِ الروحِ الأمين أمانةٌ

ياصفوةَ الله المكينِ مكانهُ

أقرضتُ فيك الله صدق محبتي

حاشا وكلاّ أن تخيبَ وسائلي

إن عاقَ عنكَ ما كسبتْ يدي

واخجلتي من حَلبةِ الفكر التي

قصرتْ خطاها بعدما ضمرّتها

مدحتك آياتُ الكتابِ فما عسى

وإذا كتابُ الله أثنى مفصحاً

صلى عليكَ الله ما هَبتْ صَباً

واستأثرَ الرحمنُ جلَّ جلاله

نَفَساً يؤججُ لاعجَ التبريحِ

فاحت لها عَرضَ الفجاجِ الفيحِ

مابينَ ريحٍ في الفلاةِ وشيحِ

عن خافتٍ بين الضلوعِ جريحِ

في صفحتيها حلية التجريحِ

وزجرتُ للآمالِ كلَّ سَنيحِ

والصبحُ فيه تخلّصي لمديحِ

بعنان كلّ مولّدٍ وصريحِ

وأمينهُ الأرضي على ما يواحي

راقتْ بها أوراقُ كلّ صحيحِ

مَثلوا بساحةِ بابهِ المفتوحِ

جَمِّ الهِباتِ عن الذنوبِ صفوحِ

في ملعبٍ للترّهاتِ فسيحِ

والليلُ يعثرُ في فضولِ مُسوحِ

والركبُ بين مُوَسدٍ وطريحِ

إن أصبحت لُبنى أنا ابن ذريحِ

اليُمنُ فيها والأمانُ لروحي

يا خيرَ مؤتمن وخيرَ نصيحِ

أيكونُ تجري فيك غيرَ ربيحِ

أو أن أرى مسعايَ غيرَ نجيحِ

يوماً فوجهُ العفوِ غيرُ قبيحِ

أغريتها بغراميَ المشروحِ

من كلِّ موفورِ الجمام جَموحِ

يُثني على عليائكَ نظمُ مديحي

كان القصورُ قُصارَ كلِّ فصيحِ

فهفتْ بغصنٍ في الرياضِ مَروحِ

عن خلقه بخفيِّ سرِّ الروحِ