الصحة الجنسية بين الطبّ والإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

نظرات في الصحة الجنسية بين الطبِّ والإسلام

غريزة الجنس :

خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ،وأكرمه سُبحانه تعالى وسَوَّاهُ فعدله،وأودع فيه من الغرائز والنوازع والعقل والروح ،وفضلّه على كثيرٍ من خلقه فكان وسَطاً بين الملائكية والبهيمية،بين العقل التام والسُّمو الروحي وبين الشهوانية الحيوانية.

إنَّ وجود الغرائز والشهوات لدى الإنسان ليس عيباً أو انتقاصاً له ،وقد كرّمه الله تعالى خالقه،وهو أدرى به وبغرائزه،يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (في كتابه مع الناس ص52):

“إن الله خلق في الإنسان غريزتين: غريزة لبقاء ذاته،وغريزة لبقاء نوعه، فبالأولى يسوقه لذع الجوع إلى ابتغاء الطعام ليدفع بالشبع الموت عن نفسه، وبالثانية يسوقه وقد الشهوة إلى الإقتراب من الأنثى ليمنع بالنسل الإنقراض عن جنسه “.

ويقول الشيخ علي الطنطاوي أيضاً(الرسالة العدد283):

“على أن الحب في الأصل جميل مقدس،وعلى الحب قام الوجود كله وائلف وسار إلى غايته،والشهوة نافعة لازمة لم تخلق عبثاً،ولا أداة للشر،بل خلقت حياة للجنس وعصمة من أن يمحى أو ينقرض،ولسنا نحقر الحب ولا نذم الشهوة،وإنما نذم الغلو فيهما،وولوجهما من غير بابهما،وأخذهما على غير الوجه الذي خلق الله لهما..نذم منطق الشهوة،وللشهوة منطقها الذي يسلب الدين دينه والحكيم لبّه،ويريه أن له الحق في كل النساء،وأنه لم تخلق امرأة إلا للذته(هو)ومتعته،ويصنع له إبليس أدلة هذه الدعوى فيقبلها بعقله الذي انحدر من رأسه،ويتلقاها باعصابه الهائجة المجنونة،ثم يدله إبليس على سبل تحقيقها،فيسلكها لا يبالي الدين ولا العرف ولا المروءة ولا شيئاً مما تواضع على إجلاله الناس”.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله( في كتابه فتاوى معاصرة ص485):

“إن الإسلام اعترف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته،وإدانة الإتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته أو اعتباره قذراً وتلوثاً،  ولهذا منع الدين الذين أرادوا قطع الشهوة الجنسية نهائيا بالخصاء من أصحابه،وقال لأخرين أرادوا اعتزال النساء وترك الزواج كما جاء في الحديث النبوي الشريف:”أنا أعلمكم بالله وأخشاكم له ولكني أقوم وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني “.

ويقول الكاتب الكبير عباس محمود العقاد رحمه الله(المجموعة الكاملة المجلد25 ص483):

“إن الغريزة الجنسية لا ريب من أقوى غرائز النفس وأعمقها وأكثرها تفرعاً وتوزعاً في جوانب الإحساس ودخائل التفكير،وإنها ولا جدال على اتصال وثيق بشعور الجمال ومطالب الفنون لاتراها منعزلة عنها  فيما ينظمه الشعراء ويمثله المصورون ويغنيه المنشدون،ولكن ليس معنى ذلك أنها هي أصل كل شعور بالجمال وأن الحياة نفسها لا جمال لها إلا من حيث إنها علاقة بين ذكر وأنثى ووسيلة لإعطاء الحياة لمخلوق جديد،فإن الحياة غاية الغريزة الجنسية وليست هي الجسر الذي نعبره إلى الحب والجمال”.

ويقول العلامة الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله ( لواء الإسلام العدد 11 سنة 8 رجب 1374 هجري)  :

” والإسام هو دين الفطرة يقوم في دعائمه وأحكامه على الفطرة الإسلامية السليمة ،كما قال سبحانه في دينه :{ فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون }[ الروم 30 ]. ولأن الإسلام دين الفطرة لم يدع إلى ترك الدنيا ،وإهمال متاعها الحلال ،فلم يدع إلى تعذيب الجسم لأجل الروح ،ولم يدع إلى المادية كما ترى في بعض الديانات بل دعا الى الأخرة على ألا ينسى الدنيا  فقال سبحانه : {وابتغِ فيما أتاك الله الدار الأخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك} [القصص 77 ]. وهكذا قام الإسلام على الجمع بين المعاني الروحية ،وإباحة المتع الجسدية،من غير إسراف، فقال سبحانه :{قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} [ الأعراف 32] . وقال تعالى : {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لايحب المسرفين } [الأعراف 31] . فهو دين الإعتدال،وفي الإعتدال قوة،وفي الإعتدال سلامة المنطق،وعدم انحراف النفس والفكر “.

ويقول الدكتور القرضاوي حفظه الله في كتابه الحلال والحرام في الاسلام:

“خلق الله الإنسان ليستخلفه في الأرض ويستعمره فيها ،ولن يتم هذا إلا إذا بقي هذا النوع واستمرت حياته على الأرض يزرع ويصنع ويبني ويعمرويؤدي حق الله عليه ولكي يتم ذلك ركب الله في الإنسان مجموعة من الغرائز والدوافع النفسية تسوقه بسلطانها إلى مايضمن بقاءه فردا وبقاءه نوعا ،وكان من هذا غريزة البحث عن الطعام التي بإشباعها يبقى شخصه،والغريزة الجنسية التي بالإستجابة لها يبقى نوعه،وهي غريزة قوية عاتية في الإنسان ومن شأنها أن تطلب متنفساً تؤدي فيه دورها وتشبع نهمها، وكان لابد للإنسان أن يقف أمامها أحد مواقف ثلاثه:فأما أن يطلق لها العنان تسبح أين شاءت وكيف شاءت بلا حدود توقفها ولا روادع تردعها من دين أوخلق أوعرف كما هو الشأن في المذاهب الإباحية التي لا تؤمن بالدين ولا بالفضيلة وفي هذا الموقف انحطاط بالإنسان إلى مرتبة الحيوان وإفساد للفرد والأسرة وللجماعة كلها،وإما أن يصادمها ويكبتها كما هو الشأن في مذاهب التقشف والحرمان  والتشاؤم كالمانوية والرهبانية ونحوهما ،وفي هذا الموقف وأد للغريزة وتعطيل لعملها ومنافاة لحكمة من ركبّها في الإنسان وفطره عليها ،ومصادمة لسنّة الحياة التي تستخدم هذه الغرائز لتستمرفي سيرها،وإماأن يضع لها حدودا تنطلق في داخلها ،وضمن إطارها دون كبت مرذول ولا انطلاق مجنون ،كما هو الشان في الأديان السماوية التي حرّمت السفاح وشرعت النكاح ،وخصوصاً الإسلام الذي اعترف بالغريزة فيسّر سبيلها من الحلال،ونهى عن التبتل واعتزال النساء،كما حرّم الزنى وملحقاته ومقدماته أشدَّ تحريم “.

ويقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله :

” مامعنى إقرار الشهوات،وتركها تنساب ؟والجواب إن الحياة على ظهر الأرض لا تتصل مواكبها ولا يطّرد نشاطها ولا يرتفع مستواها وتزدهر حضارتها إلا بوقود من هذه الشهوات المتقدّة  التي ترى بقاء الجنس الإنساني مكفولاً بشئ أخر وراء هذه الغريزة الكامنة في الذكر والأنثى ،غاية ما هنالك أن الدين ينظّم عمل هذه الطباع القوية ويحسّن توجيهها إلى أهدافها فبدلًا من أن تتحول مياه النهر إلى فيضان مدمر يهلك الحرث والنسل تخرج منه في قنوات محكمة،وترع منظمة،ومواعيد معلومة،وتتحكّم في ضبطها وتوزيعها سدود وخزانات، وبهذه الوسيلة تتحول الصحارى إلى حقول زاهرة،وترتقب منها الجني الحلو من الحبوب والفواكه ،كذلك يصنع الإسلام بالغرائز الإنسانيه،إنه لا يقتلها لأنه إن قتلها حكم على الحياة الدنيا بالفناء السريع ولكنه يحول انطلاقها الفوضوي إلى انسياب دقيق رقيق، والقيود التي يضعها عليها ليست لتعوق وظيفتها ،وإنما لضمان هذه الوظيفة بإبعاد الشطط والغلط عنها “.ويتابع  رحمه الله:” وكل محاوله لسحق الشهوات وتشتيت شملها فهي عطل في جوهر الانسان وعجزٌ عن أداء رسالته “.

ويقول الدكتور فائز محمد علي الحاج في كتابه “الانحرافات الجنسية وأمراضها”:

فإن الإسلام يعترف بالميول والغرائز والدوافه الإنسانية على أنها قوى وطاقات واستعدادات فطرية وضرورية لدوام الحياة واستمرار النوع،ومن ثم فهو لايحاربها ولايريد انتزاعها أو خلعها من جذورها،بل يعمل على تنظيمها وتوجيهها إلى غايتها وإرضائها بطرق لايتجاوز فيها أي فرد حدود فطرته،ولا يعمل ماليس بإمكانه واسنطاعته بل يسير في الطريق السوى سيرأص طبيعياً متلائماً ومعتدلاً،{فطرةَ الله التي فطرَ الناسَ عليها لاتبديلَ لخلقِ الله ذلك الدينُ القيَّم ولكنَّ أكثرَ الناسِ لايعلمونَ}[الروم 30]

إن الإسلام يعتبر الغريزة الجنسيه إحدى الطاقات الفطرية التي يجب أن يتم تصريفها في الحدود التي شرعها الله ،والتي من أجلها أودع الله هذه الغريزة في الإنسان ،فالإسلام يعتبر الغريزة الجنسية العامل الرئيسي  للتناسل البشري ولتحقيق التكاثر واستمرار الوجود الإنساني، ولذلك فإن الإسلام تعهّدها بالشرح والتفصيل ،وأولاها عناية خاصة.

إن الإسلام يُقرّ بوجود الشهوات لدى الإنسان وفي مقدمتها الشهوة تجاه النساء  يقول تعالى:

{زُيِّنَ للناسِ حُبُّ الشَّهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطيرِ المُقَنطرةِ من الذَّهبِ والفِضَّةِ والخَيلِ المُسوَّمةِ والأنعامِ والحرثِ ذلك متاعُ الحياةِ الدُّنيا واللهُ عِندَهُ حُسنُ المآب}  [آل عمران14].

وفي الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إنَّ الدنيا حلوةٌ خضرةٌ،وإن الله مُستخلفُكُم فيها،فينظر كيف تعملون،فاتقوا الدنيا واتقوا النساء،فإنَّ أول فتنةِ بني اسرائيل  كانت في النساء ”  [رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] .

فغريزة الجنس هي إحدى الغرائز البشرية الطبيعية عند الإنسان لايجب قتلها أو كبتها أو منعها من أداء ماخلقت له ،ولكن يجب توجيهها بالطريقة التي حدّدها لها خالقها لا بالطرق التي قد تُمليها أو تُزيّنها القوى الطارئة المؤثرة الأخرى، يقول تعالى:

{يا أيُّها الذين أمنوا لاتُحرِّموا طَيباتِ ما أحلَّ اللهُ لكم ولا تعتدوا انَّ الله لا يُحِبُّ المُعتدين} [المائده 87]،وقال تعالى :{قُلْ مَن حَرَّمَ زِينةَ الله التي أخرجَ لعبادهِ والطَّيباتِ من الرِّزق} [الأعراف32].

والإسلام يقر أيضاً أن الدنيا قد مُلئت وحُفّت بالشهوات ،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لما خلق الله الجنة  قال لجبريل : اذهب  فانظر اليها ، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال:أي ربِّ وعزّتك لا يسمعُ بها أحدٌ إلا دخلها، ثم حفّها بالمكاره ، ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها،فذهب فنظر إليها،ثم جاء فقال:أي ربِّ وعزّتك لقد خشيتُ أن لا يدخلها أحد ،قال :فلما خلق الله النار قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها،فذهب فنظر إليها،ثم جاء فقال: أي ربِّ  وعزّتك لا يسمع بها أحد فيدخلها،فحُفّها بالشهوات ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها ،فذهب فنظر إليها،ثم جاء فقال: أي ربِّ  وعزّتك لقد خشيت أن لا يبقى أحدٌ إلا دخلها”” [رواه أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث حسن صحيح) .

ومن جهة أخرى فإن الإسلام لم يترك الإنسان وحده أمام هذه الشهوات ،وتحت رحمة الغرائز وإنما أعطاه العقل والتكليف، وأرشده لما ينفعه ويضره وهداه السبيلين ،وبيَّن له أن هذه الشهوات يستطيع أن يسيطر عليها ،وأن يوجّهها كيف شاء في الحلال والحرام، وهو بعد ذلك مسؤول عما توجه اليه، {فمن يعملْ مثقالَ ذرّةٍ خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرَّةٍ شراً يره} [الزلزلة 7 ـ 8]

{كل نفس بما كسبت رهينة}  [المدثر 38 ]،{ونفسٍ وما سَوَّاها  *فألهمَها فُجُورَها وتَقواها}  [الشمس7 ـ 8 ].

يقول الشيخ  محمد الغزالي رحمه الله :

” والإسلام في علاجه للنفس ابتغاء إصلاحها ينظر إليها من ناحيتين ،إن فيها فطرة طيبة تهفو إلى الخير وتسر بإدراكه وتأسى للشر وتحزن من ارتكابه،وترى في الحق امتداد وجودها ،وصحة حياتها، وأن فيها إلى جوار ذلك نزعات طائشة تشرد بها عن سواء السبيل ،وتزّين لها فعل مايعود عليها بالضرر ويسف بها إلى منحدر سحيق،يقول تعالى :{ونفسٍ وما سوَّاها* فألهمَهَا فُجُورَها وتقواها* قد أفلحَ من زكاها* وقد خاب من دسَّاها}[الشمس 7 ـ 10]ويوم القيامه تشهد عليه أعضاء جسده التي سخّرها لأوامره وكيف أشبع غرائزه ،يقول تعالى:{حَتّى إذا ما جاءُوها شَهِدَ عليهم سَمعُهُم وأبصارُهُم وجُلُودُهُم بما كانوا يعملون } [فصلت 20].

فغريزة الجنس موجودة ولكنّها خاضعة لإراده الإنسان فهو من يسيطر عليّها، وهو من يختار إشباعها حلالاً أوحراماً،وهو من يستطيع كبتها أو إطلاقها ،أوتأجيل إشباعها فإذا ماانحرف وغلب الهوى على العقل،والغواية على الرشاد،والنفس الأمّارة بالسوء على النفس اللّوامة،عندها ينحطّ إلى مرتبة الحيوان بل ربما دون ذلك حينما تتحكّم به نزواته ورغباته وشهواته،وعندما تتعطّل فيه نوازع الخير،وتسيطر عليه نوازع الشر،عندها ينطبق عليه قوله تعالى:{إن هم إلّا كالأنعام بل  هم أضلُّ سبيلاً }[الفرقان 44]،وإن مما يقوّي الإنحراف هذاوسيطرة نوازع الشر النفس الأمّارة  يقول تعالى: {إنَّ النَّفسَ لأَمَّارة بالسُّوءِ إلاَّ مارَحِمَ ربي} [ يوسف 53]، وكذلك خضوع الإنسان إلى وساوس الشيطان ونفثاته ،فإن الشيطان يجري في الانسان مجرى الدم في العروق وإن كان لا سبيل له على عباد الله الصالحين يقول تعالى:{إنَّ عبادي ليسَ لكَ عليهم سُلطانٌ وكفى بِربِّكَ وكيلا}  [الاسراء 65] .

كما أن الأسرة والمجتمع يلعبان دوراً سلبياً أو إيجابياً في هذا الأمر،وكذلك صحبة الأخيار أو الأشرار .

إن الإسلام يعتبر الغريزة الجنسية إحدى الطاقات الفطرية { فطرتَ الله التي فطر الناسَ عليها لا تبديل لخلق الله}[الروم 30].

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله(التبيان في أقسام القرآن):

“ثم لما أراد الله سبحانه أن يذر نسلهما(أي آدم وحواء)في الأرض ويكثره وضع فيهما حرارة الشهوة ونار الشوق والطلب.وألهم كُلاً منهما اجتماعه بصاحبه فاجتمعا على أمر قد قدر.ويتابع:”ثم اقتضت حكمته سبحانه أن قدر لخروجهما(أي الشهوة) أقوى الأسباب المستفرغة لها من خارج وداخل.فقيّض لها صورة حسنّها في عين الناظر وشوّقه إليها.وساق أحدهما إلى الآخر بسلسلة الشهوة والمحبة فحنّ كل منهما إلى امتزاجه بصاحبه واختلاطه به ليقضي الله أمراً كان مفعولا…وجعل هذا محل الحرث وهذا محل البذر ليلتقي الماءان على أمر قد قدر”.

يقول الأستاذ عصام العطار حفظه الله :

” إن الإسلام يعطي الغريزة الجنسية حقها ومداها المشروع ولكنه لا يرضى للمسلم أن يكون عبد الغريزة، وأن تكون هي وحدها التي توجه خطاه فتتجاوز به الحلال إلى الحرام ،والخير الى الشر “.

وهذه الطاقة يحدّد الإسلام الأهداف التي يجب أن يتم تصريفها وتحقيقها ،يقول الأستاذ فتحي يكن رحمه الله( في كتيب الإسلام والجنس): “إن أهم الأهداف المتوخاة هي:

أولاً: عقد أواصر المودة والرحمة بين الرجل والمرأة،يقول تعالى :{ومن آياتهِ أن خَلقَ لَكُم من أنفُسِكُم أزواجاً لِتَسكنُوا إليها وجعلَ بينكُم مودَّةً ورحمة} [الروم 21].

ثانيًا: أن تكون الأسرة موطن الراحة والإستقرار ومصنع الأجيال ومبعث المسؤولية يقول تعالى:{ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} ا[لفرقان 74]

ثالثاً : استمرار النوع وتكاثر النسل وعمارة الحياة.

رابعاً: تحقيق النفعين الحسي والنفسي للإنسان من افراغ الشحنة الجنسية. انتهى كلام فتحي يكن رحمه الله .

نعم إن غريزة الجنس كما يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله :

” هي غريزة أي أنها مغروزة، في نفوس الجميع فمن الناس من ظن أنه يستطيع قلعها،ومنهم من تركها تكبر كشجرة شائكة  وكلما امتدت فروعها زادت أشواكها وسدّت على الناس الطريق ،أو مزّقت منهم الجلود والثياب والإسلام لم يقل لنا اقلعوا هذه الغريزة، ولم يقل لنا اعملوها رهبانية لأن ذلك مخالف للطبيعة التي طبع الله الناس عليها، ولا قال لنا اتركوها تكبر وتشتد وتؤذي الناس،بل علمنا كيف نشذبها ونهذبها  فنُبقي على الغصن النافع، ونقطع الشوك المؤذي فينالنا خيرها وينأى عنا ضرّها، إنها كالسيل ينحط من شعاف الجبل من وقف في وجهه جرفه ومن تركه فإنه يدمر البلاد ويهلك العباد ،والعاقل من يتخذ له طريقا ويحفر له مجرى إذا جاء جرى فيه،وهذا هو موقف الإسلام من هذه الغريزة لارهبانية ولا إباحية  ولكنها صلة كاملة مثمرة، طبق طعام ولكن لك وحدك لا تتعاوره الأيدي ولا تلغ فيه الكلاب”.

ويقول الشيخ العلامة علي الطنطاوي رحمه الله(مجلة الثقافة العدد 264 بتاريخ 18 كانون الثاني عام 1944):

“يا قوم إن الله خلق الشهوة وأمر بكفِّ شِرّتها وكسر حدّتها.وشرع لها طريقاً مرسوماً كيلا تطغى كما يطغى النهر إذا خرج عن سبيله،وجاوز مجراه،وهذا الطريق هو الزواج.وأقام لها الحواجز والسدود،فخوف المرض سدّ،وخشية الله سدّ،وتجنب الفضيحة سدّ،والهرب من الحدّ سدّ.فعطلتم حدود الله فلا تُقام على زانٍ،ووضعتم قوانين تكاد تبيح ثلاثة أرباع الزنا،ولا تعاقب إلا على الربع الباقي،ومنعتم الفضيحة حين جعلتم هذا المنكر معروفاً،وأعلنتموه وقد كان شراً مستتراً،وجعلتموه تمدناً وقد كان وحشية وخزياً وعاراً،وأنسيتم أولادكم خوف الله حين أقللتم من دروس الدين في المدارس،ولم تدخلوها في الامتحانات العامة،واستعملتم الطب على تجنب المرض،فأدخلتم الذئب على غنمكم…

إن الشهوة ذئب كاسر فلا تطلقوه عليكم،فلا تدرون ماذا يفعل ببناتكم وأولادكم،إنه يفسدهم ويفسدهن.إن الشهوة إن أطيعت في الحرام بطل الزواج،وهذا ما حلّ بنا أو كاد،وإن بطل النكاح ظهر السفاح،وإن ظهر السفاح صار البشر كالخنازير والعياذ بالله”.

ويقول سيد قطب رحمه الله في الظلال(ج6 ص 3596)في تفسير سورة الطلاق:

“إن الإسلام لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها،إنما ينظمها ويطهرها،ويرفعها عن المستوى الحيواني،ويرقيها حتى تصبح هي المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية.ويقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية،التي تجعل من التقاء جسدين،التقاء نفسين وقلبين وروحين.وبتعبير شامل التقاء إنسانين،تربط بينهما حياة مشتركة،وآمال مشتركة،وآلام مشتركة،ومستقبل مشترك،يلتقي في الذرية المرتقبة،ويتقابل في الجيل الجديد،الذي ينشأ في العش المشترك،الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان”.

ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله(هذا الدين ص30):

“نأخذ مثلاً صورة ضبط النفس عن الاندفاع مع الشهوات الجنسية المحرمة..إنها في ظاهرها تبدو كبتاً وكبحاً…ولكنها في حقيقتها تمثل التحرر من العبودية لهذه الشهوات،والإنطلاق  من عقالها،واستعلاء الإرادة الإنسانية، بحيث تختار مواضع هذه الشهوات، في حدود النظافة التي يوفرها الإسلام، وفي دائرة الطيبات التي أحلها الله.

إن الإسلام يعتبر الآثام والرذائل قيوداً وأغلالاً، تشد النفس الإنسانية وتثقلها وتهبط بها إلى الوحل. ويعد الانطلاق من أوهام الميول الهابطة تحرراً وانطلاقاً، وكل “أخلاقيته” تقوم على هذا الأساس”.

ويقول الكاتب الكبير عباس محمود العقاد رحمه الله(المجموعة الكاملة المجلد 24 ص375):

“ولكني أعتقد أن الفرق بين الناس في الأهواء الجنسية لم ينجم عن فرق في الإنخداع للوهم أو التمرد على القيود ولكنه نجم عن فرق في مناعة النفس ووثاقة الخلق وفي الصلاحية للأبوة وبقاء الذرية،وبحيث يمكن أن يقال على التحقيق أن الفضائل الجنسية الصحيحة كانت في أول نشأتها مزايا جسدية فزلوجية قبل أن تكون مزايا أدبية أو دينية.

فالذي نراه أن لكل الجنسين شروطاً معلومة،أو مجهولة، يشترطها في الجنس الآخر حتى يتم بينهما الحب والتآلف، وأن هذه الشروط هي بمثابة التعاقد الفطري على المزايا الضرورية للغاية التي تعنيهما معا،وهي انجاب أوفق النسل وأمثله.

على هذا ليس الاستعصام كما يزعم بعض المتفلسفة من الإباحيين تحكماً فضولياً من وضاع العرف والشريعة. ولكن أصل في خلقة الجسم يعاب فقدانه وينطوي على مغازي كثيرة: أقربها في الفرد أن له خلقاً مكيناً قادراً على صدّ ميوله والقبض على عنان أهوائه وأقربها في الأمة أن لها مستقبلاً نامياً وخصائص لا تبذل جزافا.والذين يقولون أنهم حكموا العقل فحكم لهم بنبذ الفضائل الجنسية يظلمون العقل ويتقولون عليه مالم يقله ولن يقوله”.

هذا من وجهة نظر الإسلام للغريزة الجنسية،أما علماء النفس الأوربيين وواضعي القوانين الوضعية في ديار الغرب فإن لهم نظرة أخرى حول موضوع الجنس والغريزة الجنسية.

يقول الأستاذ صديق شيبوب(الرسالة العدد382):

“تعتبر الغريزة الجنسية أساسأً لنظريات(فرويد) في علم النفس وقد كان أول من تجرأ على القول بأنها أهم القوى الفعالة في النفس.

كانت الأجيال السابقة تعرف مدى انفعالات النفس بتأثيرالغريزة،ولكنها كانت تضرب صفحاً عن ذكرها أو الإشارة إليها مراعاة للقوانين والأخلاق.وقد ساعدت الديانات والحكومات،على اختلاف أنواعها وأشكالها،على ضبط جماح الغرائز الألولية فلم يشذ عن هذا الإجماع إلا القليل.

حاربت النصرانية شهوات الجسم بشهوات العقل والروح،وجعلت من تحقيق رغبات هذه الشهوات الأخيرة مثلاً أعلى في الحياة،وأوجدت وسائل تختلف قسوة وليناً للتغلب على الغريزة الجنسية،وكان بعض هذه الوسائل جسمياً وبعضها الآخر عقلياً،وهو حل قائم على العقل والمنطق،لأن الأخلاق برزت في شكل مادي قائم على فكرة تتصل بما وراء المادة.على أن هذا الحل ظهر غير فعال تماماً لأنه لم يشف الإنسانية من الغريزة الجنسية ولم يحل دون بروزها مسيطرة على الجسم والنفس معاً.

أما القرن التاسع عشر،وهو عصر الاكتشافات الخطيرة والاختراعات الهامة والمذاهب المستحدثة التي غيرت مجرى العقل والذوق في شتى أنواع الفنون ومختلف أساليب الفلسفة والعلم،فقد حارب الغريزة الجنسية بطريقة سلبية لأن كبار مفكريه تواطئوا على إهمال وإغفال ذكرها أو الإشارة إليها،فلم يؤيدوا وجودها ولم ينفوه ولم يبحثوا في أثرها.

على أنه عندما أشرف القرن التاسع عشر على الزوال قام الطبيب الشاب(فرويد) يتحدث عن كبت الغريزة الجنسية وإمكان شفاء الأمراض العصبية،معتمداً في ذلك على الأبحاث التي أجراها في داء الهستريا،وأخذ يقرر أن أكثر الأمراض العصبية ـ إن لم يكن كلها ـ ناتج عن ذلك الكبت.

ويتابع الكاتب:”وجملة القول أنه يتضح من مذهب(فرويد) أن كل شهوات النفس الأمارة بالسوء،ونوازعها التي حاربتها الإنسانية بشتى الأسلحة الأخلاقية والثقافية لا تزال أصيلة في النفس،وأننا نحمل في دمنا غرائز عصور الهمجية الأولى حين لم يكن للقوانين والأخلاق وجود،وأننا مهما بذلنا من جهد في سبيل إبعاد الغرائز عن ميدان عمل العقل الواعي،فإن هذا العقل لا يستطيع أن يتخلص منها تماماً “.

ويقول الأستاذ بشر فارس(الرسالة العدد326):

“وخلاصة مذهب فرويد في علم النفس أن الغريزة الجنسية هي علة الإضطرابات العصبية،وأن ما يختزنه العقل الباطن في جميع مراحل العمر هو الذي يؤثر فينا ويهيمن علينا،والعقل الباطن إنما يمثل رغبات النفس الحقيقية،أما العقل الواعي فيمثل رغباتها العرفية التي أقرتها البيئة وارتضتها التقاليد،وذلك الصراع الذي ينشأ بين رغبات العقل الباطن ورغبات العقل الظاهر هو الذي ينتهي أحياناً إلى الاضطرابات العصبية”.

 الكلام عن الجنس:

ليس  الكلام عن الجنس حراما ًكما يدّعي البعض ولو كان كذلك لما ذكرت الكتب السماوية قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وبتفاصيل كاملة مع امرأة العزيز، وليس الكلام في أمور الجنس عيباً كما يدّعي البعض،ولو كان كذلك ما كانت السيدةعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تُسأل عن دقائق الأمور في هذا الموضوع ويجُيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبكل صراحة، وكانت هي تنقل إجاباته إلى الناس وبكل أمانة،وبدون حرج، يقول الدكتور  يوسف القرضاوي حفظه الله( في كتابه فتاوى معاصرة ص483):

” أما إنه لا حياء في الدين،وقد أثنت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار فقالت:”لم يمنعهنّ الحياء من أن يتفقهنَّ في الدين وقد كانت إحداهنَّ تسأل عن أمور الحيض والنفاس وما شابهها  كما تسأل عن أشياء تتعلق بالجنابة والإنزال  والغسل ونحوها “.وكانت هذه الأسئلة مشافهة  وهذه أصعب بلا شك من السؤال عن طريق رسالة مكتوبة أو عن طريق الهاتف ونحو ذلك ،وفي المسجد دروس يحضرها الكبار والصغار والأيامى والمتزوجون وقد يحضرها النساء،عجائز وشواب، وفي هذه الدروس تعلم أحكام الطهارة والوضوء والغسل والحيض والنفاس وماشابهها وفيها نواقض الوضوء مثلا ماخرج من السبيلين أي القبل والدبر ومس الذكر  ولمس النساء بشهوة أوبغير شهوة، وفي موجبات الغسل يذكر الجماع والاحتلام مع الإنزال والإستمناء وغير ذلك من الأحكام التي تتصل بالنواحي الجنسية”.

يقول الدكتور عبده زايد نقلاً عن مجلة الدعوة العدد 1149:

“إ ن للقران الكريم المثل الأعلى في هذا المقام ،ومنه نستمد المسالك في التعبير الرفيع والبيان العفيف والكلام النظيف، ولقد عّبر القرآن الكريم عن مختلف المعاني بعبارة سامية،وبيان رفيع وكلام نظيف،يقرؤه الرجل بلا حرج وتسمعه المرأة من الرجل أو تقرؤه عليه فلا تجد في ذلك حرجا ،انظر إلى بعض الأمثلة القرآنية:{أُحِلَّ لكُم ليلةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إلى نسائِكُم هُنَّ لِباسٌ لكُم وأنتُم لِباسٌ لهُنَّ عَلِمَ اللهُ أنَّكُم كُنتُم تَختانونَ أنفُسكُم فتابَ عَليكُم فالآنَ باشروهُنَّ وابتغُوا ماكَتبَ الله لكم }[البقرة 187].

وانظر إلى الأدب الرفيع الذي يعبر عنه القران الكريم عن المباشرة الجنسية، يقول تعالى:{أو لامَستُم النساء} [النساء 43]،{وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء 21]،{فلما تغشّاها حملت} [الأعراف ]،{نِساؤُكُم حَرثٌ لكُم فأتُوا حَرثَكُم أنَّى شِئتُم وقَدِّمُوا لأنفُسِكُم} [البقرة223].

وكلها تعابير توُحي بمعنى الإتصال الجنسي،ولكن بلغةٍ رفيعةٍ،وأدبٍ سام ،وأنظر إليه يصوّر إنحراف الفطرة،وارتكاس الغريزة في قصة قوم لوط :{ولَمّا جاءت رُسُلُنَا لُوطاً سِيئَ بهم وضاقَ بهم ذَرعاً وقال هذا يومٌ عصيب *  وجاءَهُ قومُهُ يُهرعُونَ إليه ومن قبلُ كانوا يَعملُونَ السيئاتِ قال ياقومِ هؤلاءِ بناتي هُنَّ أطهرُ لكُم فاتَّقوا الله ولا تُخزُونِ في ضيفي أليسَ مِنكُم رجُلٌ رشيد }[هود 77 و78] وأنظر إليه يحدثّنا قصة سيدنا يوسف عليه السلام :”{وراودتهُ التي هُوَ في بيتِها عن نفسِهِ وغَلقَّتِ الأبوابَ وقالت هَيْتَ لك قال معاذَ الله }[يوسف 23].

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله(الداء والدواء ص280):

“أخبر الله سبحانه وتعالى عن عشق امرأة العزيز ليوسف وماراودته وكادته به،وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه،مع أن الذي ابتلى به أمرلايصبر عليه إلا من صبرّه الله،فإن مواقعة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع،وكان الداعي هاهنا في غاية القوة،وذلك من وجوه:

أحدها:ماركّبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة، كما يميل العطشان إلى الماء والجائع إلى الطعام،حتى إن كثيراً من الناس يصبر عن الطعام والشراب ولايصبر عن النساء،وهذا لايذم إذا صادف حلالا،بل يحمد كما في كتاب الزهد للإمام أحمد من حديث يوسف بن عطية الصفار عن ثابت البناني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم:”حُببّ إليّ من دنياكم النساءُ والطيب، وجعلت قرّةُ عيني في الصلاة”[رواه أنس بن مالك رضي الله عنه وأخرجه النسائي وأحمد والبيهقي واللفظ له وإسناده صحيح]

الثاني: أن يوسف عليه السلام كان شاباً،وشهوة الشاب وحدته أقوى.

الثالث: أنه كان عزباً ليس له زوجة ولاسرية تكسر قوة الشهوة.

الرابع:أنه كان في بلاد غربة يتأتى للغريب فيها قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه،وبين أهله ومعارفه.

الخامس: أن المرأة كانت ذات منصب وجمال، بحيث إن كل واحد من هذين الأمرين يدعو إلى مواقعتها.

السادس: أنها غير ممتنعة ولاآبية،فإن كثيراً من الناس يزيل رغبته في المرأة إباؤها وامتناعها،لما يجد في نفسه من ذل الخضوع والسؤال لها،وكثير من الناس يزيده الإباء والامتناع إرادة وحباً، كما قال الشاعر:

وزادني كلفاً في الحب أن منعت             أحب شئ إلى الإنسان مامنعا

فطباع النفس مختلفة،فمنهم من يتضاعف حبه عند بذل المرأة ورغبتها ويضمحل عند إبائها وامتناعها،ومنهم من يتضاعف حبه وإرادته بالمنع فيشتد شوقه كلما منع،ويحصل له من اللذة بالظفر بالضد بعد امتناعه ونفاره،واللذة بإدراك المسألة بعد استصعابها وشدة الحرص على إدراكها.

السابع:أنها طلبت وأرادت وراودت وبذلت الجهد،فكفته مؤنة الطلب وذل الرغبة إليها،بل كانت هي الراغبة الذليلة،وهو العزيز المرغوب إليه.

الثامن:أنه في دارها وتحت سلطانها وقهرها،بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له،فاجتمع داعي الرغبة والرهبة.

التاسع:أنه لايخشى أن تنم عليه هي ولا أحد من جهتها، فإنها هي الطالبة الراغبة،وقد غلقت الأبواب وغيبيت الرقباء.

العاشر:أنه كان في الظاهر مملوكاً لها في الدار،بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها ولاينكر عليه،وكان الأنس سابقاً على الطلب،وهو من أقوى الدواعى، كما قيل لامرأة شريفة من أشراف العرب: ماحملك على الزنى؟ قالت: قرب الوساد وطول السواد، تعني قرب وساد الرجل من وسادتي، وطول السواد بيننا.

الحادي عشر:أنها استعانت عليه بأثمة المكر والاحتيال، فأرته إياهن وشكت حالها ‘ليهن لتستعين بهن عليه،واستعان هو بالله عليهن، فقال:{وإلا تصرف عنّي كَيدَهُنّ أصبُ إليهنّ وأَكُن من الجاهلين}[يوسف33].

الثاني عشر:أنها توعدته بالسجن والصغار،وهذا نوع إكراه،إذ هو تهديد من يغلب على الظن وقوع ماهدد به، فيجتمع داعي الشهوة، وداعي السلامة من ضيق السجن والصغار.

الثالث عشر:أن الزوج لم يظهر من الغيرة والنخوة مايفرق بينهما ويبعد كلا منهما عن صاحبه، بل كان غاية ماقابلها به أن قال ليوسف{ أعرض عن هذا} وللمرأة{استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين} وشدة الغيرة للرجل من أقوى الموانع،وهذا لم يظهر منه غيرة.

ومع هذه الدواعى كلها فآثر مرضاة الله وخوفه وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنى{قال رَبِّ السجنُ احبُّ إليّ مما يدعونني إليه}[يوسف33]. وعلم أنه لايطيق صرف ذلك عن نفسه،وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه. وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه”.

يقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله (من كتاب من وحي القلم ج1 ص104)مُعلقاً على هذه الآيات:

“وأعجب من هذا كلمة راودته وهي بصيغتها المفردة حكاية طويلة تشير إلى أن هذه المرأة جعلت تعترض يوسف بألوان من أنوثتها ،لون بعد لون، ذاهبة إلى فن راجعة من فن لأن الكلمة مأخوذة من “رودان” الإبل في مشيتها ،تذهب وتجئ في رفق، وهذا يصوّر حيرة المرأة العاشقة واضطرابها في حبها ومحاولتها أن تنفذ إلى غايتها، كما يصوّر كبرياء الأتثى إذ تحتال وتترفّق في عرض ضعفها الطبيعي كأنما الكبرياء شيئ أخر غير طبيعتها، فمهما تتهالك على من تحب وجب ان يكون  لهذا الشئ الآخر مظهر امتناع ،أو مظهر تحّير،أو مظهر اضطراب، وإن كانت الطبيعة من وراء ذلك مندفعة ماضية مصّممة،ويتابع رحمه الله: “وكأنّ الآية مصّرحة في أدب سام كل السُّمو،مُنزّه غاية التنزيه بما معناه أن المرأة بذلت كل ماتستطيع في إغرائه مُقبلة عليه ،ومتدلّلة ومبتذلة ومنصبة من كل جهة بما في جسمها وجمالها على طبيعتها البشرية،وعارضة كل ذلك عرض امرأة خلعت أول ماخلعت أمام عينيه ثوب الملك،ثم قال : وغلقّت الأبواب، ولم يقل أغلقت،وهذا يُشعر أنها لما يئست ورأت منه محاولة الأنصراف أسرعت في ثورة نفسها مهتاجة  تتخيّل القفل الواحد أقفالا عدّة،وتجري من باب إلى باب، وتضطرب يدها في الإغلاق كأنما تحاول سدّ الأبواب لا إغلاقها فقط،وقالت هيت لك ،ومعناها في هذا الموقف أن اليأس قد دفع بهذه المرأة إلى آخر حدوده ، فانتهت إلى حالة من الجنون بفكرتها الشهوانية، ولم تعد لا ملكة ولا امرأة بل أنوثة حيوانية صرفة متكشّفة مصرحة،كما تكون أنثى الحيوان في اشدّ اهتياجها وغليانها،ويتابع رحمه الله :” هذه ثلاثه أطوار يترّقى بعضها من بعض وفيها طبيعه الأنوثة نازلة من أعلاها إلى أسفلها ،فإذا انتهت المرأة إلى نهايتها،ولم يبق وراء ذلك شيئا تستطيعه أو تعرضه،بدأت من ثم عظمة الرجولة السامية المتمكّنة في معانيها، فقال يوسف معاذ الله ،ثم قال إنه ربي أحسن مثواي، ثم قال إنه لا يفلح الظالمون، وهذه أسمى طريقه الى تنبيه ضمير المرأة في المرأة، إذ كان أساس ضميرها في كل عصرهو اليقين بالله وكراهه الظلم.

ولكن هذا التنبيه المترادف ثلاث مرات لم يكسر من نزوتها ،ولم يفثا تلك الحدّة، فإنّ حسّها كان قد انحصر في فكرة واحدة اجتمعت بكل أسبابها،في زمن،في مكان،في رجل، فهي فكرة محتبسة،كأنّ الأبواب مغلقة عليها أيضاً، ولذا بقيت المرأة ثائرة ثورة نفسها،وهنا يعود الأدب الإلهي السامي إلى تعبيره المعجز،فيقول: ولقد همّتْ به،كأنّما يومئ بهذه العبارة إلى أنها ترامت عليه وتعلقّت به،والتجأت إلى وسيلتها الأخيرة وهي لمس الطبيعة بالطبيعة لإلقاء الجمرة في الهشيم،وهنا يقع ليوسف عليه السلام برهان ربه، كما وقع لها برهان شيطانها، فلولا برهان ربه لكان رجلاً من البشر في ضعفه الطبيعي،ويتابع  رحمه الله :”وههنا ههنا المعجزة الكبرى لأن الآية الكريمة تريد ألا تنفي عن يوسف عليه السلام فحولة الرجولة، حتى لا يظن به،ثم هي تريد من ذلك أن يتعلم الرجال وخاصة الشبان منهم كيف يتسامون بهذه الرجولة فوق الشهوات حتى في الحالة التي هي نهاية قدرة الطبيعة،وحالة ملكة مُطاعة فاتنة عاشقة مختلية متعرضّة مُتكشّفة متهالّكة،هنا لا ينبغي أن ييأس الرجل، فإنّ الوسيلة التي تجعله لا يرى شيئاً من هذا هي أن يرى برهان ربه “.انتهي الكلام من وحي القلم.

إذاً القضية ليست في المعاني العارية والأغراض المكشوفة، ولكن في التعبير عنها وطريقة التفاعل مع هذه المعاني يقول الإمام ابن القيّم رحمه الله (في كتاب الجواب الكافي):

“أخبر الله عن عشق امراة العزيز ليوسف،وما راودته وكادته به،وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره،وعفته،وتقواه ، مع أن الذي ابتُلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبّره الله عليه فإن موافقة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع ،وكان الداعي هاهنا في غاية القوة،ومع هذه الدواعي كلها فقد آثر مرضاة الله وخوفه، وحمله حبه لله على أن يختار السجن على الزنى،فقال :{رب السجن أحبّ إليّ مما يدعونني اليه }،وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه وأن ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن صبا إليهن بطبعه وكان من الجاهلين ،وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه “.

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله(مجلة المنار العدد517):

“وأما سورة يوسف عليه السلام،فهي منقبة عظيمة له،وآيات بينة في إثبات عصمته وأفضل مثل عملي يقتدى به في العفة والصيانة يجب أن يهذب به النساء والرجال،فكل منهما يعلم بشعوره الطبيعي قوة سلطان الشهوة الجنسية على نفسه،ويسمع ويقرأ من أخبار الناس، من أخبار الفضائح والخيانات والجنايات وتخريب للبيوت وإضاعة للمال والعيال والدماء والشرف،أفلا يكون أفضل مثل للعفة والصيانة،وأحسن أسوة في الإيمان والأمانة،أن يتلى على النساء المؤمنات والرجال المؤمنين وعلى غيرهم من الملحدين،قصة شاب كان أجمل الرجال صورة وأكمل بنية،يخلو بإمرأة ذات منصب وسلطان،هي سيدة له وهو عبد لها،فيحملها الإفتتان بجماله وكماله على أن تذل له نفسها،وتخون بعلها،وتدوس شرفها،وتراوده عن نفسها،والمعهود في أدنى النساء وأسفلهن تربية ومنزلة أن يكن مطلوبات لا طالبات،فيسمعها من حكمته،ويريها من كماله وعصمته،ما هو أفضل قدوة في الإيمان بالله والاعتصام به،وفي حفظ أمانة السيد الذي أحسن مثواه وائتمنه على عرضه وشرفه،فيقول لها{معاذَ الله إنّهُ ربّي أحسنَ مثوايَ إنّه لايُفلحُ الظالمون}[يوسف 23]فتشعر بالذل والمهانة،والتفريط بالشرف والصيانة،وتحقير مقام السيادة والكرامة،فتهم بضربه أو قتله،ويهم هو بالدفاع عن نفسه،ويكاد يبطش بها لولا أن رأى برهان ربه،وعصمه من فحشاء الشهوة الطبيعية المضعفة للإرادة،ومن سوء ثورة القوة الغضبية التي تذهل صاحبها من عاقبة الجناية،ففرمنها وهو الشجاع فرار الجبان،فكان كما قال تعالى{ولقد هَمّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهانَ ربه}[يوسف 24].

ويتابع الشيخ:”ولما انهتك ـ والعياذ بالله ـ الستر،وعرف ذلك الأصر،خاض نساء المدينة في أمرها،ولجوا في عذلها،لعلها تفضي إليهن بعذرها،فتريهن طلعة هذا المملوك الذي استعبد مالكه،وسلب منه عقله وكرامته وشرفه،ولم يجزه على هذا كله بنظرة عطف،ولابلمسة كف{فلما سَمعت بِمكرهنَّ أرسلت إليهنَّ وأعتَدت لهنَّ مُتكئاً وآتت كُلّ واحدةٍ منهنَّ سِكيناً وقالت اخرج عليهن فلمّا رأينه أكبرنَهُ وقطّعنَ أيديهنَّ وقُلنَ حاشَ لله ماهذا بشراً إن هذا إلا مَلَكٌ كريم* قالت فَذَلِكُنَّ الذي لُمتُنّني فيه ولقد راودتهُ عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمرهُ لَيُسجننَّ وليكونا من الصاغرين}[يوسف 31 ـ 32]فلما هددته بالسجن،وهو يعلم أن بيدها الأمر والنهي{قال ربِّ السجنُ أحَبُّ إليَّ ممّا يدعونني إليه وإلا تصرف عنّي كيدهنَّ أصبُ إليهنّ وأكُن من الجاهلين}[يوسف 33]أي أكن من سفهاء الأحلام ،الذين يتبعون شهواتهم الحيوانية كالأنعام ولايستطاع الهرب من كيد النساءوهو عظيم،ولا مايغري به ـ وهو دونه ـ من كيد الشيطان الرجيم،إلا بالإستعاذة بالله السميع العليم{وإما ينزغنكَ من الشيطان نزْغٌ فاستعذ بالله إنه هو السميع عليم}[فصلت 36]وكل من استعاذ به تعالى مؤمناً مخلصاً أعاذه، فكيف إذا كان من رسله لهداية عباده،{فاستجابَ لهُ ربُّهُ فصرفَ عنهُ كيدهنّ إنّهُ هو السميعُ العليم}[يوسف 34].

وهكذا امتحن الله يوسف وفتنه بجماله فتونا،فلبث في السجن سبع سنين وخرج منها كما يخرج الذهب من بوتقة الصائغ إبريزاً خالصاً،وجزاه الله في الدنيا قبل الآخرة على صبره{وقال الملك ائتوني به فلمّا جاءَهُ الرسولُ قال ارجع إلى ربّكَ فاسأله ما بالُ النِّسوةِ اللاتي قطّعنَ أيديهنّ إنّ ربي بكيدهنّ عليم* قال ماخَطبُكُنَّ إذ راودتُّنَّ يوسفَ عن نفسهِ قُلنَّ حاشَ لله ماعلمنا عليه من سوء}[يوسف 50 ـ51]طلبه ملك مصر ليستعين بعلمه ورأيه على الخروج من المخمصة التي أنذرته إياها رؤياه،وكان يظن أنه مسجون بجريمة ولكنه احتاج إليه،فاشترط لإجابته أن يسأل النسوة اللاتي توطأن مع مولاته على الكيد له ليعيش في وسطهن عيشة اللهو والخلاعة،هل آنسن منه صبوة إليهن فجرأتهن على ماكان من مروادتهن؟فاستعذن بالله أن يلمزنه أو يغمزنه دفاعاً عن أنفسهن،وشهدن بأنهن ماعلمن عليه من سوء،أي أدنى شئ وأقل نقص يسوءه، ولم يبق إلا شهادة مولاته امرأة العزيز،فبم شهدت؟{قالت امرأة العزيز الآن حصحصَ الحقُّ أنا راودته عن نفسه وإنّهُ لمن الصادقين}[يوسف 51]أي ظهر الحق أجرد أمرد لاتستره شبهة ولاتهمة كما يحص ويسقط الشعر أو ريش الطائر،وإنما كانت هذه الحصحصة بما ظهر من وقائع القصة الثانية، وهي فراريوسف منها أولا،ومن كيد جماعة النسوة ثانيا،ومن إيثاره عيشة السجن البائسة في خشونتها ومهانتها على عيشة القصور العالية في نعمتها وزينتها ثالثا،ومن شهادة النسوة اللاتي تصبينه رابعا”.

ويقول العلّامة الدكتور يوسف القرضاوي (موقع القرضاوي ،مقالة بعنوان الحلال والحرام ):

“على المؤمن أن يرفض الحرام رفضاً،كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام ،حيث عرضت عليه امرأة ذات منصب وجمال،راودته عن نفسه وهو في بيتها ،وهو خادمها وهي سيدته،وهي امرأة العزيز {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغَّلقت الأبواب وقالت هَيت لك} ، فماذا فعل هذا الشاب ؟ وهو في ريعان شبابه ؟ وفي نضرة فتوته ؟ ماذا فعل ؟ قال:”قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون [يوسف 23 ]، “إنه ربي” .. أي هذا الرجل الذي أكرمني وآواني، سيد{أحسن مثواي إنه لايفلح الظالمون} من ارتكب الحرام، وهتك العرض، وخان الأمانة ،فلن يفلح أبداً، لا في أخراه، ولا في دنياه .وعاودت المرأة الكرَّة ،أمام نسوة من المدينة، وهددته قائلة : {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنَّن وليكونا من الصاغرين}[يوسف 32] ،وكان يوسف بين محنتين : إما أن يمتحن في دينه، فيرتكب الفاحشة، ويكون من الفاسقين . وإما أن يمتحن في دنياه، فيدخل السجن، ويكون من الصاغرين .فآثر المحنة في الدنيا على محنة الدين وقال:{ربِّ السجنُ أحبَّ إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهنّ أصبُ إليهنّ وأكن من الجاهلين  فاستجاب له ربهُ فصرف عنه كيدهنّ إنه هو السميع العليم * ثمَّ بدا لهم من بعدِ مارأوا الآياتِ ليسجننه حتى حين}  يوسف 33-35] . ورفض يوسف الحرام .

ويقول الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني رحمه الله(كتاب الأخلاق الإسلامية الجزء الثاني ص582):

“والعفة لا تكون إلا إذا وجد الدافع النفسي إلى ما ينافيها،فإذا لم يكن في النفس دافع إلى ماينافي العفة،أو لم يوجد ما يثير الدافع لم يكن للعفة وجودٌ أصلاً.

فأي معنى لعفة من لا إرب لهن أو لعفة معتزل في صومعة لا يتعرّض غلى أي مثير؟! إنها عفة المحروم،أو عفة عاجزٍ لم يتعرض لامتحان.

ولمّا كانت عفة يوسف عليه السلام عفّة مستوفية كلّ شروطها وأركانها كانت من أعظم أمثلة العفّة في تاريخ الإنسان.ففي يوسف الرجولة والشباب والدافع القوي ،وفي امرأة العزيز الإثارة بكل قواها،جمال ومنصب،وإغراء كامل،ودعوة ملتهبة،وخلوة تامة،وتهديد إن لم يستجب.ومع استيفاء كل هذه العوامل القوية تبرز فضيلة العفّة في يوسف عليه السلام، فيضبط نفسه بصبر منقطع النظير،ويقاوم الواقع والمغريات بإصرار وعزيمة قوية،ترّفعاً عن الخيانة،وطلباً لمرضاة الله، وينتصر خلقه العظيم في معركة الدوافع والمغريات والتهديدات”.

النهي عن الرهبانيه والتبتل :

إنَّ الاسلام حرّم الرهبانية “وهي العزوف عن الزواج والزهد فيه واستقذار الدافع الجنسي بنيةِ التفرغ للعبادة والتقرب الى الله  ولا سيما إذا كان الإنسان قادراً على الزواج”.

والإسلام لا يقبل قتل الشهوة بأيّ طريقة كانت، بل إنه يحضُّ على الزواج وإشباع هذه الرغبة بالحلال ،وينهى عن التبّتل والعزوف عن النساء لمن في استطاعته الزواج .عن عائشة  بنت قدامة بن مظعون عن أبيها عن أخيه عثمان بن مظعون أنه قال :يارسول الله  إني رجل تشقّ علي هذه الغربة في المغازي  فتأذن لي يارسول الله في الخصاء فأختصي ؟ قال :لا ولكن عليك يابن مظعون بالصّيام فإنه مجفر “[رواه مسلم)( نقلا عن كتاب رجال  أنزل الله بهم قرآناً للدكتور عبد الرحمن عميرة المجلد الثاني ص26).

وقال المفسرون جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فذكر الناس ووصف القيامة ولم يزدهم على التخويف فرق الناس وبكوا فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون وهم أبو بكر الصديق وعلي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمروبن العاص وأبو ذر الغفاري  وسالم مولى أبي حذيفة  والمقداد بن الأسود وسلمان الفارسي ومعقل بن مقرن، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولاالودك ولا يقربوا النساء والطيب  ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا  ويسيحوا في الارض ويترهبوا ويجبوا المذاكير، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمعهم  فقال : ” ألم أُنبأ أنكم اتفقتم على كذا وكذا ،فقالوا :بلى يارسول الله وما أردنا الا الخير، فقال لهم: إني لم اؤمر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقا فصوموا وأفطروا وقوموا وناموا فإني أقوم وأنام وأصوم وأفطر وأكل اللحم والدسم ومن رغب عن سنتي فليس مني ،ثم خرج إلى الناس وخطبهم فقال : مابال أقوام حرّموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا، أما إني لست آثركم  أن تكونوا قسسيسين ولا رهبانا  فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وإن سياحة أمتي الصيام ورهبانيتها الجهاد واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا  وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان ، فانما أهلك من كان قبلكم بالتشديد شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم فأولئك بقاياهم  في الديارات  والصوامع ، فأنزل الله تعالى :{ياأيها الذين أمنوا لا تُحرّموا طيبات ما أحلَّ الله لكم}  [المائده 87] (نقلا عن المرجع السابق المجلد الثاني ص26 و27).

جاء عن ابراهيم بن ميسرة  أن التابعي الجليل طاووس بن كيسان قال له : “لتنكحن أو لأقولن ما قاله عمر بن الخطاب لأبي الزوائد ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور “.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله ( من كتابه فتاوى معاصره ص485):

“لقد قرر الإسلام بعد الزواج حقّ كل من الزوجين في الإستجابة للدافع الجنسي ورغب في العمل الجنسي إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله تعالى، حيث جاء في الحديث الصحيح : ” وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا يارسول الله : أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها اجر ؟ قال :نعم  أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر،أتحتسبون الشر ولا تحتسبون الخير ” [رواه مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه].ويتابع  حفظه الله ” ولكن الاسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة وأنه أشد شوقا إليها وأقل صبراً عنها على خلاف مايشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل  فقد اثبت الواقع خلاف ذلك وهو عين ما اثبته الشرع “.

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله :

” والذين جرّبوا الرهبانية ما قدروا عليها، ومازلنا نسمع العجب من فسوق الرهبان والراهبات، أومن فسوق بعض الرهبان والراهبات من يوم دير العذارى الذي روى خبره أبو الفرج الأصفهاني  في” الأغاني ” وفي كتب الأدب عندنا أ خبار عن الأديرة  ولماذا كان يقصدها الأدباء والفسّاق من أمثال مطيع بن إياس وأبي نواس وباقي القطيع (وأما دير العذارى فهو كما يذكر ابن قتيبه( في عيون الأخبار فصل النساء  باب الزنا ص112 )”هو بين أرض الموصل  وبين بلجرما من أعمال الرقة  وهو دير قديم كان يقيم فيه نساء عذارى مترهبات وبذلك سمي دير العذارى ، ويقال أن لصوصاً نزلوا في دير العذارى ليلاً فأخذوا القس فشدوا وثاقه ثم أخذ كل منهم جارية فوجدوهن مفتضات  قد افتضهنّ القس كلهن) ،وفي هذا يقول الشاعر أبو المهند نقلاً عن عيون الأخبار:

وأفجر من راهب يدعّي                 بأن النساء عليه حرام

يحرم بيضاء ممكوره                      ويغنيه في البضع عنها الغلام

إذا مامشى غضّ من طرفه             وفي الليل  بالدير منه عرام

ودير العذارى فضوح له                وعند اللصوص حديث الأنام

(ممكورة: أي مستديرة الساقين ، وعرام أي شراسة)

يقول الداعية أبو الحسن الندوي في مقالته طبيعة الحضارة الغربية وتاريخها :

“وكانوا يفرون من ظل النساء،ويتأثمون من قربهن والإجتماع بهن،وكانوا يعتقدون أن مصادفتهم في الطريق والتحدث إليهن  ـ  ولو كن أمهات وأزواجاً أو شقيقات  ـ  تحبط أعمالهم وجهودهم الروحية، ويتابع : “إن النصرانية الرومية قد حاولت عبثاً تغيير الفطرة وإزالتها،وجاءت بنظام لا تطيقه الفطرة الإنسانية ولا تسيغه،وحَّملت النفوس ما لا طاقة لهابه،فرغبت فيه كرد فعل ضد المادية الطاغية واحتملته كارهة ،ثم تخلصت منه وثارت عليه ،ولم تقدر النصرانية  ـ بإسرافها في الرهبانية والزهد ومكابرتها للفطرة والواقع  ـ  أن تصلح ما فسد من أخلاق الناس وعوائدهم، وتمسك بضبع المدنية الساقطة إلى الهاوية وتمنعها من التردي، فكانت حركة الفجور والإباحة وحركة الغلو في الزهد والرهبانية تسيران في البلاد النصرانية جنباً إلى جنب ،بل الأصح أن الرهبانية كانت معتزلة في الصحارى والفلوات،لا سلطان لها على الحياة، وحركة الخلاعة والإباحة كانت زاخرة طامة في المدن والحواضر” .

ولننظر إلى مايقولونه هم عن أنفسهم ،ذكرت مجلة” ميديكال تريبون”( عام 1987في الثامن من ايلول ): “حوالي خمسين بالمائة من القساوسة الذين تركوا مهنتهم  كانوا يشكون من صعوبات جنسية هذا ماصرح به د .ثوماس كلاوس من معهد شولتز في برلين وأدلى به في مؤتمر علم الجنس الثامن من خلال خبراته مع 1500 راهب وقس،وذكر أن المشكلة الكبيرة التي كانوا يواجهونها هي زعم الكنيسة أن إرادة الإنسان هي أقوى دوماً من الغريزة الجنسية ولكن تبّين أن الإيمان بهذا الإدعاء أدى إلى إصابة الكثيرين منهم بالعُصاب والاكتئاب والبعض منهم كان يحدث نفسه بالإنتحار، وإن الكثير منهم انعكس ذلك على نفسه وعائلته وعمله في الكنيسة كما أنه لم يعد خافياً مانسمعه اليوم عن الفضائح الجنسية المتكررة وعن لجوء بعض القساوسة إلى الشذوذ الجنسي وممارسة فعل قوم لوط ،كما أنه لم يعد نادراً  لجوئهم إلى ارتكاب الشذوذ الجنسي مع القاصرين من الصبية والفتيات ” .

حكم وقواعد في الصحة الجنسية:

1ـ الإغتسال:

لقد جعل الإسلام الغسل فريضة في حالات أربع:

أولاً: الغسل من الجنابة

ثانياً: الغسل من الحيض عند انقطاعه

ثالثاً: الغسل في النفاس

رابعاً: غسل المسلم الميت إلا إذا كان شهيدا

وما عدا هذا فإن هناك أنواعاً من الغسل المسنون والمندوب ،كغسل يوم الجمعة وغيرها يمكن الرجوع اليها في كتب الفقه.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله (في كتاب فتاوى معاصرة):

” الغسل بعد الجنابة فريضة إسلامية ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع ،فمن الكتاب قوله تعالى:{ وإن كنتم جُنباً فاطهروا}  [المائده 6] ،وقوله تعالى {يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ماتقولون ولا جُنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } [النساء 25].

ومن السنة أحاديث كثيرة غزيرة متفق عليها،وقد أجمع المسلمون من كل المذاهب،وفي كل القرون على أن الغسل فرض بعد الجماع والإنزال وأصبح هذا الحكم من المعلوم من دين  الإسلام بالضروره بحيث يخرج من أنكره عن زمره المسلمين ولا يستحق اسم الإسلام إلا أن يكون حديث عهد بدخول الاسلام،ويتابع  حفظه الله: ” وإن الإغتسال بعد الجماع لا يخلو من حكمة لمن أنصف وتأمل ونظر نظرة أعمق ويقول:” ويعجبني هنا ما قاله  الإمام ابن القيّم رداً على من عجب من تفرقة الشارع بين المني والبول،فأوجب الغسل من المني  دون البول، قال :

“هذا من أعظم محاسن الشريعة  وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمة  والمصلحة فإن المني يخرج من جميع البدن، ولهذا أسماه الله سلالة لأنه يسل من جميع البدن فتأثر البدن بخروجه أعظم من تأثره بخروج البول، وأيضا فان الإغتسال من خروج المني من أنفع شيئ للبدن والقلب والروح  فإنها تَقوى بالإغتسال، والغسل يخلف على البدن ماتحلل منه بخروج المني وهذا أمر يعُرف بالحس ،وأيضا فإن الجنابة توُجب ثقلاً وكسلاً،والغسل يحدث له نشاطاً وخفة، ولهذا قال أبو ذر لما اغتسل من الجنابة:”كأنما  القيت عني حملا “،ويتابع الدكتور القرضاوي فيقول:

”  ويلوح لي سر أخر: أن المؤمن لا يعيش لغريزته وشهواته فحسب ولكنه يعيش لرسالة الله قبل أي شيئ آخر ولله تعالى عليه حق في كل عمل، وفي الجماع قد أدى حق نفسه وحق زوجته بقضاء الشهوة، بقي حق الله تعالى وهو مايؤديه بالإغتسال على أن من حكمة الله تعالى أنه ربط نظافة الإنسان بأسباب طبيعية لا يمكنه الفرار منها كخروج شيئ من السبيلين في الوضوء، وكالجماع في الغسل لتكون هذه الأسباب المتكررة سياطا تسوق الانسان وإن تراخى وتكاسل إلى نظافة أطرافه أو نظافة جسده كله “.

يقول الدكتور حسن هويدي رحمه الله  نقلا عن أحد أعداد مجلة حضارة الإسلام : “شرّع الإسلام الغسل من الحدث   الأكبر للأغراض التالية:

أولاً:   أول مايجب ان يعلمه المسلم أن الغسل طاعة وعبادة تَعود على صاحبها بالثواب إذا ابتغى بذلك وجه الله تعالى، وهذا شأن الإسلام حين يشرع أمر فإنه يراعي فيه مصلحة المرء في الدنيا والآخرة.

ثانيا ً: الغسل وسيلة من وسائل النظافة التي شرعها الإسلام كالوضوء والإستياك وقص الأظافر وحلق العانة، وقد جاءت التشريعات الصحية والعلمية تؤيد هذا الأمر وتحث عليه.

ثالثاً:  يؤدي الجماع ونهاية الإتصال الجنسي إلى فتور واسترخاء ،ويُعلّل ذلك من الناحية الغريزية بوهن في الجملة العصبية وتوسع دوراني في الأوعيه المحيطية،فالغسل يعيد إلى الجملة العصبية نشاطها  وللدورة الدموية توازنها واعتدالها ،وبالتالي فإن الغسل يقضي على الوهن  الناجم عن الوقاع ويعيد الحيوية إلى الأبدان .

ويقول الدكتور ابراهيم الراوي نقلاً عن مجلة حضارة الإسلام عدد شباط عام 1966:

“لقد استطاع الطب الحديث أن يثبت أن الجهاز العصبي بقسميه الحسي والحركي يصاب بالخمول الوظيفي الشديد في جسمي الرجل والمراة بعد انتهاء اللقاء الجنسي أو الإحتلام ،ويستمر هذا الفتور الوظيفي في الجهاز العصبي مدة من الزمن مما يؤدي إلى فقدان الجسم قسطاً كبيراً من نشاطه العضلي والفكري، وقد أثبت العلم الحديث أن الجهاز العصبي يسترجع كامل نشاطه وحيويته عندما يغتسل الإنسان  حيث تتّنبه  الشبكة العصبية الحسية لتوقظ الجهاز العصبي من سباته وخموله فتعود له الحيويه  ويسترجع فعاليته من جديد” .

وأما مايشاهده الإنسان من المذي بعد التبول فلا يستوجب الغسل،عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدّة وعناء ، وكنت أكثر منه الإغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إنما يجزيك من ذلك الوضوء ” فقلت يا رسول الله : كيف بما يصيب ثوبي من،قال: يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه ” [رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن صحيح ].

(ونضح الثوب بالماء:أي رشه).

2ـ اعتزال النساء في المحيض والنفاس :

الحيض لغة:هو سيلان الشئ وجريانه،وللحيض عدة أسماء : أشهرها الحيض والمحيض والطمث،والمرأة طامث، قال الفراء : الطمث : الدم ولذلك قيل إذا افتض البكر طمثها أي أدماها .. وقال تعالى في وصف الحور العين {لم يطمثهنَّ إنسٌ قبلهمْ ولا جانٌ }[ الرحمن 56]ومن الأسماء الأخرى أيضاً:العراك ،والنساء عوارك ..والقروء :وهذا يطلق على الحيض وعلى الطهر على خلاف بين أهل اللغة والفقهاء قال تعالى :{والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}[البقرة 228].

وشرعا : دم يحدث للأنثى بمقتضى الطبيعة بدون سبب في أوقات معلومة، أي هو دم طبيعي ليس له سبب من مرض أو جرح أوسقوط أو ولادة  . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها  عندما حاضت وهي مقبلة على الحج :”هذا شئ كتبه الله على بنات آدم ” [أخرجه البخاري] .

وأما الاستحاضة:  فهي من الناحية  الفقهية نزول الدم من المرأة في غير أوقات الحيض،ويختلف دم الإستحاضة عن دم الحيض والنفاس لإختلاف مصدر كل منهما مع اتحاد المخرج،فدم الحيض فاسد متغير اللون له رائحة نفاذّه غالبا يعتري المرأة بعد البلوغ في أوقات معلومة من كل شهر دون سبب مرضي ،وكذلك دم النفاس غير أنه لا يكون إلا مع ولادة،في حين أن دم الإستحاضة يكون أحمر رقيقا لا رائحة له وليست له أوقات معينة بل قد يستمر نزوله زمناً طويلاً  لمرض ينتاب المرأة(  كما جاء في دائرة المعارف السفير).

ولا مانع شرعا من أن يطأ الرجل زوجته المستحاضة، ولكنه يحرم عليه ان يطأها في المحيض،روي أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها ،والنصارى كانوا يجامعونهن ولا يبالون بالحيض،وإن أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها  على فراش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس، لهذا توجه بعض المسلمين بالسؤال إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فانزل الله عز وجل :

{ويسألونكَ عن المحيض قُل هو أذىً فاعتزلُوا النساءَ في المحيضِ ولا تقربُوهُنَّ حتى يَطهُرنَ فإذا تَطهَّرنَ فأتُوهُنَّ من حيثُ أمَركُم اللهُ إنَّ الله يُحبُّ التوابينَ ويُحبُّ المُتطهرين}[البقرة222]

فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” اصنعوا كل شيئ إلا النكاح وفي لفظ إلا الجماع ” [رواه الجماعه إلا البخاري كما في نيل الأوطار للشوكاني ].

وقد فهم ناس من الأعراب أن معنى اعتزالهن في المحيض ألا يساكنوهن فبّين النبي صلى الله عليه وسلم المراد من الآية  وقال:

“إنما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم أمركم باخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم

وجاء في حديث عائشة رضي الله عنها  قالت : “كان النبي يأمرني فأتزرفيباشرني وأنا حائض ” [وهو حديث صحيح  رواه البخاري].وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض، وبيني وبينه ثوب” ومثله عن ميمونة رضي الله عنها”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهن حيض”

يقول الإمام ابن حجر العسقلاني:  إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره فلا يخشى عليه مايخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى ،ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزارتشريعاً لغيره ممن ليس بمعصوم “، وفي كتاب سبل السلام  وعن عائشة رضي الله عنها قالت :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض “[متفق عليه] .

(  أي يلصق بشرته ببشرتي والاستمتاع فيما بين الركبة والسرة وغير الفرج ،وجاء في القاموس باشر المرأة: جامعها أو صارا في ثوب واحد،والإتزار:شد الإزار على الوسط، ومعنى  فاعتزلوا النساء في المحيض المراد من هذا الإعتزال ترك المجامعة لا ترك المجالسة والملامسة فإن ذلك جائز) .

يقول الشيخ العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله في الآية222 من سورة البقرة{يسألونك عن المحيض…}(المنار العدد 232 بتاريخ 19 حزيران عام 1905):

“لقد كان هذا السؤال في المدينة حيث الاختلاط بين العرب واليهود وهؤلاء يشددون في مسائل الحيض والدم كما هو مذكور في الإصحاح الخامس عشر من سفر اللاوبين ومنها أن كل من مس الحائض في أيام طمثها يكون نجساً إلى المساء وكل ما تجلس عليه أو تضطجع عليه يكون نجساً وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء يكون نجساً إلى المساء وإن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجساً سبعة أيام وكل فراش يضطجع عليه يكون نجساً الخ…وأما النصارى فقد نقل عنهم أنهم كانوا يتساهلون في أمر المحيض وكانوا مخالطين للعرب في مواضع كثيرة ومن شأن الناس التساهل في أمور الدين التي تتعلق بالحظوظ والشهوات فلا يقفون عند الحدود المشروعة فيها لمنفعتهم ومصلحتهم فكان اختلاف ما عرف المسلمون عن أهل الكتاب مما يحرك النفس للسؤال عن حكم المحيض في هذه الشريعة المصلحة فسألوا كما في حديث أنس عند مسلم والترمذي فأنزل الله تعالى على نبيه(ويسألونك عن المحيض) أي عن حكمة المحيض هو الحيض المعروف ولا حاجة إلى تقدير محل المحيض فإنما يسأل الشارع عن الاحكام(قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولاتقربوهن حتى يطهرن) قدم العلة على الحكم ورتبة عليها ليؤخذ بالقبول من المتساهلين الذين يرون الحجر عليهم تحكما ويعلم إنه حكم للمصلحة لا للتعبد كما عليه اليهود.والمعنى إنه يجب على الرجال ترك غشيان نسائهم زمن المحيض لأن غشيانهم سبب للأذى والضرر وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم منه المرأة لأن الغشيان يزعج اعضاء النسل فيها إلى ماليست مستعدة له ولاقادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى وهي إفراز الدم المعروف.

وقد جاء هذا الحكم وسطاً بين إفراط الغلاة الذين يعدون المرأة الحائض وكل من يمسها أو يمس ثيابها أو فراشها من النجاسات وتفريط المتساهلين الذين يستحلون ملابستها في الحيض على مافيه من الأذى والدنس.وقد أفادت عبارة الآية الكريمة تأكيد الحكم إذ أمرت باعتزال النساء في زمن المحيض وهو كناية عن ترك غشيانهن فيه ثم بينت مدة هذا الاعتزال بصيغة النهي والحكمة في التأكيد هي مقاومة الرغبة الطبيعية في ملابسة النساء وإيقافها دون حد الإيذاء وقد كان يظن بعض الناس أن الإعتزال وترك القرب حقيقة لا كناية وأنه يجب الابتعاد عن النساء في المحيض وعدم القرب منهن بالمرة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين لهم أن المحرم إنما هو الوقاع.عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل(ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) إلى أخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اصنعوا كل شيئ إلا الجماع”[رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن].وفي حديث حزام بن حكيم عن عمه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مايحل لي من امرأتي وهي حائض؟قال:”لك مافوق الإزار” أي مافوق السرة[رواه أبو داود] وقد حمله بعضهم على من يخاف على نفسه الوقاع وكأن السائل كان كذلك وقال بعضهم أن هذا الحديث مخصص للحديث الأول ولما في معناه فلايجوز الاستمتاع إلا بما بين السرة والركبة،وهو تخصيص بالمفهوم والخلاف فيه عند الأصوليين معلوم”.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي – موقع القرضاوي – موقف الإسلام من تجنب الحائض والنفساء :

“الحائض ومثلها النفساء لم يصبهما ما ينقلهما عن بشريتهما،أو يجعلهما مثل الحشرة أو الجرثومة التي يخشى منها، والتي إذا لمست شيئاً أفسدته، فهذا من الخرافات والحماقات، كل ما تمنع منه الحائض ومثلها النفساء – في جانب المعاشرة- هو الجماع في الفرج ولا يمنع منها سوى ذلك .وفي مسها المصحف وقراءتها القران ودخولها المسجد خلاف بين العلماء .ويتابع الكتور القرضاوي “روي أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها ،والنصارى كانوا يجامعونهن،ولا يبالون بالحيض،وإن أهل الجاهلية كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على الفراش ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس.لهذا توجه بعض المسلمين بالسؤال إلى النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل لهم وما يحرم عليهم في مخالطة الحائض فنزلت الآية الكريمة {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين] [البقرة 222] .

وقد فهم أناس من الأعراب أن معنى اعتزالهن في المحيض ألا يساكنوهن فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم لهم المراد من الآية وقال:”إنما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن ولم أمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم “، فلما سمع اليهود ذلك قالوا: هذا الرجل يريد ألا يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه .انتهى كلام د. قرضاوي .

ومن الناحيه الطبية:  فإنه من المعلوم أن المهبل يحتوي على جراثيم تسمى العصيات اللبنية،وهي تُخّمر الغليكوجين إلى حمض اللبن، فتجعل المهبل ذو بيئة حمضية  تقاوم الإصابات بالجراثيم الأخرى ،وفي أثناء المحيض وبسبب النزف وتجمع الدم يكون وسط المهبل معتدلاً أو أقرب إلى القلوي وهو لا يقاوم نمو الجراثيم الضارة، فالإتصالات الجنسية في هذه الفترة تكون وسيله لنقل الجراثيم وحدوث الإلتهابات عند الأنثى وخاصة أن الغشاء المبطن للرحم وبسبب النزيف يكون اكثر عرضة للأذية والالتهابات فهو أشبه بالجلد وقد أصابه الكدمات والسحجات وانفصلت الطبقة السطحية عنه فهو عرضة شديدة للالتهابات الجرثومية والفطرية،وخاصة أن القضيب يحتوي على عدد هائل من الجراثيم والعوامل الممرضة ،وهذه الالتهابات تصيب المرأة وتسبب التهاب بطانة الرحم والمهبل،ولكن يمكن أن تنتقل إلى قناتي عنق الرحم (قناة فاللوب) وتسبب التهاب النفير والرحم وهذا يترافق مع ترفع حروري  شديد وآلام بطنية وحوضية شديدة ومن ثم قد يصبح التهابا مزمناً وقد يسبب العقم عند المرأة وقد يسبب أيضاً الحمل خارج الرحم أو مايسمى الحمل النفيري وهو حالة خطيرة قد تسبب الوفاة ،كما أن الالتهابات النسائية يمكن بعد ذلك  أن تنتقل إلى الرجل أيضاً،وبالتالي تحدث دورة معيبة بحيث أن كل من الرجل والمرأة يقوم بعدوى الأخر، ولذا عند معالجة الالتهابات النسائية لابد من منع الجماع لفترة زمنية معينة ولابد من معالجة الزوجين معا. كما أنه يحدث أثناء المحيض احتقان دموي في المهبل والأعضاء التناسلية، وهذا قد يسبب نزفًا طمثيًا شديدًا مع حصول الجماع، كما أن المرأة أثناء الطمث تكون في حالة توتر عصبي ،وتُقاسي آلاماً شديدة من جراء النزف والتقلصات الرحمية، وبالتالي فإن ممارسة الجنس يكون متعباً لها جسدياً ونفسياً.

3ـ الختان :

الختان نوعان : ختان الذكور وختان الإناث

ختان الذكور:

الختان من الفطرة وهو سنة نبوية مؤكدة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” خمس من الفطرة  الإستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الاظافر “[ أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي] .

وجاء في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”  اختتن ابراهيم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم  ”

وعن يحيى ابن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ” ابراهيم عليه السلام أول من اختتن  وأول من أضاف الضيف  وأول من قلّم أظافره  وأول من قص الشارب  وأول من شاب فلما رأى المشيب قال: ماهذا ؟قال :وقار قال: ربي زدني وقارا ، وروي بزيادة أيضا  وأنه أول من استحد”

يقول الدكتور محمد لطفي الصباغ في كتيب الحكم الشرعي في ختان الذكور والإناث:

“إن الختان من خصال الفطرة السوية … هذه الفطرة التي تقود صاحبها إلى التوحيد والإنقياد لشرع الله سبحانه .

ويتابع : الختان لغة: مصدر ختن . أي قطع  وهو اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان .

والختان شرعاً:هو إزالة قطعة من الجلد تغطي الحشفة.وأما حكم الختان :بالنسبة للذكور فهو مختلف فيه فمنهم من قال إنه واجب،ومنهم من قال إنه مستحب . وقد لخص ابن حجر آراء العلماء في حكم الختان كما يأتي  قال:ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور  أصحابه وقال به من القدماء عطاء، حتى قال :لو أسلم الكبير لم يتم إسلامه حتى يختتن ،وعن أحمد وبعض المالكية:واجب ،وعن أبي حنيفة:واجب وليس فرض، وذكر النووي أنه سنة عند مالك وكثير من العلماء ،وقال ابن القيم:اختلف الفقهاء في ذلك، فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى ابن سعيد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد:هو واجب وشدد مالك حتى قال :من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تقبل شهادته ،ويقول الدكتور الصباغ:والرأي الذي نرجحه أنه واجب على الذكور ولكن يسقط هذا الواجب على من أسلم وخاف على نفسه من فعله وهو على أي حال ليس شرطاً في صحة إسلام المرء ولا في صحة عباداته .

ويتابع: وأما وقته،بقول الماوردي: له وقتان: وقت وجوب،ووقت استحباب،فوقت الوجوب :البلوغ،ووقت الاستحباب :قبله،والاختيار في اليوم السابع من الولادة وقد ختن النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين في اليوم السابع من ولادتهما  أخرجه الحاكم والبيهقي .

والختان عند الذكر يسمى اعذارا كما يقول الإمام النووي ،وعند الأنثى يسمى خفضا .

أما من الناحية الصحية: فإن الختان عند الذكور يتم بقطع القلفة قطعا دائريا بصورة تؤدي الى كشف جميع الحشفة.

وقد تبين طبياً أن الختان له عدة فوائد صحية نذكر منها :

أولاً:  الوقاية من سرطان القضيب ،وقد تبين أن هذا السرطان يكاد يكون معدوما عند المسلمين واليهود بسبب الختان ،ويشكل نسبه 1في المائه من السرطان عند الذكور في اوروبا.

ثانيًا : تبين هبوط نسبة إصابة الأنثى بسرطان عنق الرحم عند الإناث لأزواج مختونين ولعل ذلك يفسر بقلة التراكمات والرواسب تحت القلفة،وبالتالي انخفاض نسبه الالتهابات المزمنة عند الاناث .

ثالثًا : انخفاض نسبة التهابات القضيب المتكررة عند المختونين، ويعلل كما ذكرنا سابقا بنقص تراكم المفرزات والترسبات في القلفة وما تسببه من انتفاخ وتورم وحدوث تقرحات في الحشفة مع صعوبة التبول وألمه.

رابعاً : تبين أنه في بعض الحالات عندما يقوم غير المختون بسحب القلفة إلى الخلف لكشف الحشفة فإن هذا قد يؤدي إلى انقباض حلقة القلفة عند قاعدة الحشفة واستحالة عودتها إلى الأمام مما يمهد إلى حدوث انسداد شرياني وهذه حالة اسعافية خطيرة.

خامساً: تبين أيضا أن غير المختونين هم عرضة أثناء الجماع لسرعة الإنزال وهذا ينعكس سلباً على الزوجين أثناء الجماع ،كما أن الختان يزيد من لذة الجماع بالمقارنة مع غير المختونين .

وقد تبين أنه تجُرى في أمريكا الختان لدى الكثير من أطفال النصارى لديهم بعد أن علموا الفوائد الصحية للختان، وغالبا مايجرى الختان في سن الرضاعة.

ختان الأنثى :

ختان الأنثى عادة كانت موجودة قبل الإسلام ،وكانت تقوم بها في الجاهلية أم أنمار الخزاعية  ويقول كُتّاب السيرة أن هذه المرأة هي من قصدها سيدنا حمزة يوم أحد حين قال لسباع بن عبد العزى ” هلم إليَّ يابن مُقطّعة البظور ” .

ويتم الختان ويُسمى كما ذكرنا باسم الخفض بقطع قسم من البظر وأحياناً مع شيئ من الشفرين الصغيرين ،عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم عطية وكانت ختانة في المدينه ” إذا خفضت فأشمي ولا تنهكي  فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج “[أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وإسناده حسن] .

وقد ذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أن خِتان الأنثى ليس بواجب،يقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب فتاوى معاصرة:

“هذا الموضوع اختلف فيه العلماء والأطباء أنفسهم وقامت معركة جدلية حوله في مصر منذ سنوات،من الأطباء من يؤيد ومنهم من يعارض ومن العلماء من يؤيد ومنهم من يعارض،ولعل أوسط الأقوال وأعدلها وأرجحها وأقربها إلى الواقع وإلى العدل في هذه الناحية هو الختان الخفيف كما جاء في بعض الأحاديث وإن لم تبلغ درجة الصحة،إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأمراة كانت تقوم بهذه المهمة أشمي…    الحديث المذكور سلفا

والإشمام هو التقليل ،ولا تنُهكي أي لا تستأصلي ،ويتابع الشيخ القرضاوي حفظه الله ” والبلاد الإسلاميه تختلف بعضها عن بعض في هذا الأمر فمنها من يختن ومنها لا يختن وعلى كل حال من رأى أن ذلك أحفظ لبناته فليفعل، وأنا اؤيد هذا وخاصة في عصرنا الحاضر،ومن تركه لا جناح عليه لأنه ليس أكثر من مكرمة للنساء كما قال بعض العلماء،وكما جاء في بعض الآثار..  أما الختان للذكور فهو من شعائر الإسلام حتى قرر العلماء أن الإمام لو رأى أهل بلد تركوه لوجب عليه أن يقاتلهم حتى يعودوا إلى هذه السنةا لمميّزة لأمةالإسلام “. انتهى  الكلام

ومن الناحية الطبية: فإنه في بعض البلاد الحارّة كما في السودان وبعض دول أفريقيا فإنه يغلب أن يكون للنساء بظر تام مما يزيد في الشهوة الجنسية لدى احتكاكه بما يجاوره من البدن والثياب أثناء المشي وقد يكون شديد النمو إلى درجه يستحيل معها الجماع ومن هنا لجأ البعض إلى استئصال مقدم البظر في مثل هذه الظروف لتعديل الشهوه ولجعل الجماع ممكنا .

وكانت العرب عندما تشتم شخصاً تقول له يابن القلفاء ،أي التي لم تختتن، فتزيد غلّتها وشبقها مما يؤدي إلى ارتكابها الزنى.

العادة السرية أو الإستمناء:

جاء في دائره المعارف( السفير ):”الإستمناء في اللغة : استدعاء خروج  المني وهو ماء الشهوة الذي يكون منه الولد ،يُقال استمنى :إذا تعّمد إخراج منيه “.

وفي الإصطلاح الشرعي : “استخراج المني بغير طريق الوطء فيكون ذلك باليد أو المباشرة بغير جماع  أو النظر والتفكير “.

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله:

“إن الله وضع فينا غريزة حفظ الذات لئلا نموت وجعل الجوع دليلا عليها، ووضع فينا غريزة حفظ النوع وجعل الشهوة إمارة جوعنا إليها، وهذه المادة التي تفرز في هذه الحالة طاقة منتجة وإذا كانت طاقة الغاز أو الكهرباء تدير المعمل فتنتج أشياء  فهذه الطاقه تنتج بشرا فلا يجوز إهدارها على الأرض وتعطيلها كما يكون في العادة السرية، ويتابع رحمه الله: ” وإذا أردت أن تعرف أمرًا من الأمور هل هو خير أم شر فعمّمه كما يقول كانت الفيلسوف الالماني، فلو عمّمنا هذه العادة بحيث يفعلها الشباب  والشابات جميعا لتعطّل الزواج وانقطع النسل وانقرضت الأمة  فهي إذن سيئة لا حسنة وممنوعة لا مشروعة ولكن هل هي حرام مثل الزنا وما حكمها ؟ إنها ممنوعة ولكنها ليست من الذنوب الكبائر، وفيها أضرار للجسم، فمن كان هادئاً فأثار شهوته بإرادته ليستمتع بها كان آثماً ولكن دون إثم مرتكب الكبائر،ومن ثارت شهوته فلم يستطع تهدئتها إلا بها جازت لنوع من الضرورة وإن لم تكن من الضرورات التي تبيح المحظورات، ومن وقف موقفاً ليس أمامه إلا الوقوع في الزنا أوعملها كان عليه أن يعملها من باب ارتكاب أخفّ الشّرين،ويتابع الشيخ الطنطاوي رحمه الله:

” والنصيحة للشباب أن يتزوجوا فإن لم يقدروا صاموا لأن الصيام علاج مؤقت يهدئ من ثورات الشهوات وعليهم الإبتعاد عن كل مايثيرها من الأفلام  والمسلسلات والصور والأغاني وأحاديث الرفاق  التي تدور وتدور ثم تقف عليها ومن اتقى الله كفاه ونفسّ عنه بالأحلام فيجد اللذة ويجتنّب المضّرة ويبتعد عن الاثم ” .

ويقول الدكتور القرضاوي  حفظه الله (في كتاب الحلال والحرام في الإسلام ):

” ويمكن أن نأخذ برأي الإمام أحمد في حالات ثوران الغريزة وخشية الوقوع في الحرام ،كشاب يتعلم او يعمل غريباً عن وطنه  وأسباب الإغراء أمامه كثيرة ويخشى على نفسه العنت،فلا حرج عليه أن يلجأ إلى هذه الوسيلة يُطفئ بها ثوران الغريزة على أن لايسرف فيها ويتخذها ديدنا،وأما الإستمناء من أجل اجراء بعض الفحوصات الطبية لمعرفة العقم والخصوبة فلا بأس بذلك ما دام أنه محتاج إليه، فقد قال العلماء : ومن استمنى بيده من غير حاجة عزر، وأما هذا فلحاجة وهي اخراج المني لتحليله ومعرفة المرض الذي من أجله لم ينجب هذا الشخص ولعل العلة منه أو من زوجته .

قواعد الجماع

إن لإجتماع الزوجين كما يقول الأستاذ محمد صلاح الدين المستاوي نقلاً عن مجلة الأمة( عدد محرم عام 1405هجري)”إ ن الغاية من اجتماع الذكر والأنثى تتعدى تلبية الحاجات الغريزية الشهوانيه إلى الإنجاب الذي به يتواصل عمران هذا الكون وهؤلاء البنون والحفدة هم ثمرة ودّ ومحبة وصفاء ووئام جعله الله بين قلبي الزوجين حتى أصبح كل منهما سكناً للأخر ،{هُنَّ لبِاسٌ لكم  وأنتم لبِاسٌ لهنّ}  [البقرة 187].

ويقول الأستاذ محمد قطب رحمه الله(قبسات من الرسول ص100):

“ليس في الأرض شريعة ولا نظام يعترف بالجنس نظيفاً كريماً كالإسلام.

يكفي أن نذكر فقط أن المسلم وهو يأتي زوجه يذكر اسم الله الكريم.وليس في الإسلام أقدس من ذكر الله،ولا أنظف مما يقرأ اسم الله عليه.والإباحة فيه ـ في حدوده الشرعية،أي الزواج ـ أوضح من أن تحتاج إلى دليل.

والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخذ من هذا المباح بقسط كامل لاشبهة فيه،واستمتع منه بكل ما يحل لمسلم أن يستمتع به في هذه الحياة.ومع ذلك فلننظر كيف كان الأمر…تروي السيرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجه زوجته حين يضاجعها في الفراش…وروى الخطيب من حديث أم سلمة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغطي رأسه ويغض صوته ويقول لأمرأته:عليك بالسكينة.

الحياء والترفع إلى هذا الحد!

ليس الجنس شهوة الحيوان الجائع الذي لايملك نفسه من أن يندفع هائجاً إلى التنفيذ.وليس غلظة الشبق التي تتلمظ على متاع لذيذ.وليس نزوة الجسد الفائر التي تختنق في بخارها الوخم عاطفة القلب وإشراقة الروح.

ومع ذلك فإن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم للناس أن يهذبوا العمل الجنسي لم تكن دعوة إلى الزهادة أو إطفاء المتعة أو تبريد حرارتها.

كلا! على العكس من ذلك.لقد كان يدعوهم إلى المتاع ويحببهم فيه.بل كان في الواقع يوسع مساحته في النفس،ويزيد من متعته،حين يرفعه من لهفة الجسد الخالصة إلى “عواطف”و”مشاعر”و”مودة”.

فقد كان ينهى عن المواقعة دون رسول يسبقها ويمهد لها من مداعبة وعواطف جياشة.

وليست هذه دعوة الذي يريد أن يحرم الناس من المتاع أو يفسده عليهم.بل دعوة من يريد تهذيبهم ورفعهم من مستوى الحيوان إلى مستوى الإنسان،مع”إحسان” تلذذهم بهذا المتاع،حتى يصبح متاعاً”جميلاً”تدخل فيه كل عناصر النفس،ويدخل فيه”الفن”بتعبيره الجميل.

والقرآن يصف الصلة بين الرجل والمرأة على أنها”سكن”و”مودة”:{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}[الروم21].وهو تعبير جميل آخاذ يشمل كل صلات الجنس،ولكنه يشملها في مستواها الأرفع.في مستوى”الإنسان”.

ذلك هو الإحسان في شئون الجنس.وهو أمرواضح الدلالة على نظرة الإسلام لهذه ىالأمور.

الضرورة تُقضى .نعم.لا كبت ولاحجران.ولا استقذار للدوافع الفطرية في ذاتها.ولا الإحساس بالذنب عند الإتيان.ولكنه التنظيف رغم ذلك وتهذيب الوجدان.

والجنس ـ من كثرة ما أبدا في شأنه فرويد وأعاد ـ مظنة أن تكون الأديان تستقذره وتنفّر منه.والإسلام بخاصة لايجنح لحظة واحدة لهذا الاستقذار.ولكنه ـ وهو يحض على الإحسان في كل شيء ـ يحض كذلك عليه في شئون الجنس،فيقضي الإنسان ضرورته فيه على طريقة الإنسان لا على طريقة الحيوان،حتى وإن كان يشترك في الضرورة مع الحيوان”.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه( فتاوى معاصرة ص484):

“إن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية وقد يؤدي عدم الإهتمام بها أو وضعها في غير موضعها إلى تكدير هذه الحياة  وإصابتها بالأضطراب والتعاسة،وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد،ويتابع حفظه الله: ” وربما ظنَّ بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها وربما توهمّ أخرون أن الدين أسمى وأطهر من أن يتدخّل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس على أنه قذارة وهبوط حيواني، والواقع أن الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحسّاس من حياة الإنسان وحياة الأسره،وكان له في ذلك اوامره ونواهيه، سواء منها ماكان له طبيعة الوصايا الأخلاقية أم كانت له طبيعة القوانين الإلزامية،وقد أباح الله للزوجين هذه الغريزة ولم يمنعهما عنها وحتى ليلةالصيام{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هُنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ }.[البقرة 187]

يقول الشهيد سيد قطب في الظلال :

“الرفث مقدمات المباشرة ذاتها وكلاهما مقصود هنا ومباح ،ولكنّ القرآن لا يَمرُّ على هذا المعنى دون لمسةٍ حانية رفّافة تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقاً ونداوة،وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته وتُوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة ،هُنَّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن ،واللباس ساتر وواق،وكذلك هذه الصلة بين الزوجين تستر كلا منهما وتقيه والإسلام الذي يأخذ هذا الكائن الإنساني بواقعه كله ويرتضي تكوينه وفطرته كما هي ويأخذ بيده للمعارج الإرتفاع بكليته،الإسلام وهذه نظرته يلبي دفقة اللحم والدم ،وينسم عليهاهذه النسمة اللطيفة ويدثرها بهذا الدثار اللطيف، فالآن باشروهن  ولكن هذه الإباحة لا تمضي دون أن تربط بالله، ودون توجيه النفوس في هذا النشاط لله ايضا وابتغوا ما كتب الله لكم،ابتغوا هذا الذي كتبه الله لكم من المتعة بالنساء ومن المتعة بالذرية، ثمرة المباشرة  فكلتاهما من امر الله ومن المتاع الذي أعطاكم إياه ومن إباحتها وإتاحتها يباح لكم طلبها وابتغاؤها، وهي موصولة بالله فهي من عطاياه ومن ورائها حكمة ولها في حسابه غاية فليست إذن مجرد اندفاع حيواني موصول بالجسد ومنفصل عن ذلك الإفق الأعلى الذي يتجه إليه كل نشاط ،بهذا ترتبط المباشرة بين الزوجين بغاية أكبر منهما وأُفق أرفع من الأرض ومن لحظة اللذة بينهما، وبهذا تُنظف هذه العلاقة وترقى”.

والزوج ليس عليه حرج في أن يأتي زوجته في أي وقت من ليل أو نهار،كما جاء في الحديث الشريف :”المرأة لا تؤدي حقَّ الله حتى تؤدي حقّ زوجها،حتى لو سألها وهي على ظهر قَتَبٍ لم تمنعه نفسها”.[رواه زيد بن أرقم رضي الله عنه وقال الألباني حديث صحيح]

يقول الدكتور يوسف القرضاوي( من كتابه فتاوى معاصره ص485):

“أوجب الشرع على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه ولا تتخّلف عنه كما في الحديث” إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور “[ رواه الترمذي وحسنه]،  وحذّرها أن ترفض طلبه بغير عذر فيبيت وهو ساخط عليها،  وقد يكون مفرطاً في شهوته وشبقه فتدفعه دفعاً إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه أوالقلق والتوترعلى الاقل ،جاء في الحديث الشريف: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت  فباتَ غضبانَ عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ” [متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه] .

ولكن هناك شروط يجب على الزوج مراعاتها أيضاً:

أولًا: أن لايكون وقت صيام فرض،ولكنّ الشارع الحكيم نهاها عن صيام النافلة وهو حاضر إلا بإذنه ،لأن حقه أولّى بالرعاية من ثواب صيام النافلة،وفي الحديث المتفق عليه  عن أبي هريرة رضي الله عنه“لايحل  للمرأة أن تصوم وزوجها شاهدٌ إلا باذنه ”  وكما ذكرنا فهذا يقُصد به صوم التطوع بالإتفاق بين العلماء .

ثانيًا:  أن تكون طاهرة، يقول تعالى: :{ فإذا تَطهرنَّ فأتوهُنَّ من حيث أمركم الله}  [البقره 222]

ثالثًا :عدم إتيان المرأة من الدبر { فأتُوهُنَّ من حيث أمركم الله} ا[لبقره 222]،والتفسير القرآني والأحاديث النبوية الشريفة تبين حرمة إتيان النساء من الدبر،فقد أجمع المفسرون على أن المعنى في قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}[البقره 223]،أن موضع الحرث هو الفرج وليس الدبر، روى مسلم وأبو داوود عن جابر رضي الله عنه أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء الولد أحول فنزل قوله تعالى “نساؤكم حرث ” الآية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة”[رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأخرجه الترمذي وأحمد والنسائي وقال الألباني حديث صحيح]  وجاء في الحديث” ملعون من أتى  امرأته في دبرها”[رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والديلمي وقال االألباني حديث حسن ] والحديث ” لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً، أو امرأةً في الدُّبر”[رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو صحيح الإسناد]  .وقال صلى الله عليه وسلم :” أقبل وأدبر واتق الدُّبر والحيضة“، أي ائت امرأتك من قدام أو من وراء وابتعد عن الدبر، وابتعد أثناء الحيض عن الفرج أيضاً.وقال صلى الله عليه وسلم” إن الله تعالى:لا يستحي من الحقّ،لاتأتوا النساء من أدبارهنّ” [رواه الشافعي عن خزيمة بن ثابت وصححه ابن حبان والألباني]

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ملعون من أتى امرأة في دبرها” وقال أيضاً: “من أتى كاهناً فصدّقه بما يقول أو أتى امرأة حائضاً أو أتى  امرأة في دبرها فقد برىء مما أنزل الله على محمد”[رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وصححه الألباني] .وعن عمرو بن شعيب عن  أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى” [رواه أحمد].

والجماع ليس حق الرجل فقط بل هو أيضاً حق للمرأة، يقول الدكتور  القرضاوي :(في فتاوى معاصرة ص 486):

”  والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل لم ينس جانب المرأة وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص  “يا عبد الله  ألم اُخبر  أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ قلت: بلى يا رسول الله ،قال: فلا تفعل  صُم وأفطر وقُم ونَم  فإنّ لجسدك عليك حقا ،وإن لعينك عليك حقا  وإن لزوجك عليك حقا ” [رواه البخاري].  ويقول الإمام الغزالي صاحب الإحياء رحمه الله:

” ينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل ،نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين فإن تحصينها واجب عليه “.وأوجب الحنفية والمالكية على الرجل الإسمتاع بزوجته عن طريق الوطء المعروف لإعفافها وحدّد الحنابلة ذلك بمرة كل أربعة أشهر كحد أقصى  فاذا امتنع  وتضّررت الزوجة كان لها حق طلب الفسخ.

ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله(مجلة المنار العدد233 بتاريخ الثالث من تموز عام 1905):

“الإيلاء من المرأة كما جاء في الآية الكريمة من سورة البقرة{للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر}[البقرة 226] هو أن يحلف الرجل أنه لايقربها وهو مما يكون من الرجال عند المغاضبة والغيظ وفيه امتهان للمرأة وهضم لحقها وإظهار لعدم المبالاة بها فترك المقاربة الخاصة المعلومة ضراراً معصية والحلف عليه حلف على ما لايرضي الله تعالى به لما فيه من ترك التواد والتراحم بين الزوجين وما يترتب على ذلك من المفاسد في أنفسهما وفي عيالهما وأقاربهما،وأنه يجب على المؤلي أن يحنث ويكفّر عن يمينه وإن لم يفعل هذا فإنه لن يكن آثماً في نفسه فقط فيقال حسبه ما يلقى من جزاء إثمه بل يكون بإثمه هاضماً لحق امرأته ولايبيح له العدل هذا الهضم والظلم ولذلك أنزل الله فيه هذا الحكم وهو التربص مدة أربعة أشهر،وقد قيل أن هذه هي المدة التي لا يشق على المرأة البعد فيها عن الرجل وهي كافية لتروّي الرجل في أموره ورجوعه إلى رشده”.

وقد استجاب الله لدعاء ومجادلة خولة بنت ثعلبة التي اشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة المجادلة:{قد سمعَ اللهُ قولَ التي تُجادلكَ في زوجها وتشتكي إلى الله واللهُ يسمعُ تَحاوُرَكما إنَّ الله سميعٌ بصيرٌ}[المجادلة 1].

جاء في التفسير:عن خولة بنت ثعلبة قالت:فيّ والله وفي أوس بن الصامت(زوجها)أنزل الله صدر سورة المجادلة.قالت:كنت عنده،وكان شيخاً كبيراً قد ساء خلقه،قالت:فدخل علي يوماً فراجعته بشىء فغضب.فقال:أنت علي كظهر أمي.قالت:ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة،ثم دخل علي،فإذا هو يريدني عن نفسي،قالت:قلت:كلا والذي نفس خويلة بيده،لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه.قالت:فواثبني،فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف،فألقيته عني.قالت:ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثياباً،ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه،فذكرت له ما لقيت منه،وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه.قالت:فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه”قالت:فوالله مابرحت حتى نزل فيّ قرآن ،فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه،ثم سري عنه،فقال لي:”يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا”.

يقول سيد قطب رحمه الله في الظلال:”إن هذا الظهار قائم على غير أصل.فالزوجة ليست أماً حتى تكون محرمة كالأم.فالأم هي التي ولدت.ولا يمكن أن تستحيل الزوجة أماً بكلمة تقال.إنها كلمة منكرة ينكرها الواقع.وكلمة مزورة ينكرها الحق”.

يقول العلاّمة الدكتور القرضاوي (موقع القرضاوي فتاوى وأحكام المرأة ):

“فإذا كان في الرجل عيب يُعجزه عن الإتصال الجنسي، فللمرأة أن ترفع أمرها الى القضاء فيحكم بالتفريق بينهما ،دفعاً للضرر عنها ،إذ لا ضرر ولا ضرار في الاسلام . روى الامام مالك رحمه الله في الموطأ عن عبد الله بن دينار  قال خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الليل فسمع امراة تقول:

تطاول هذا الليل واسَودَّ جانبه            وأرّقني أن لا خليل أُلاعبه

فوالله لولا الله أني أُراقبه                   لحرّكّ من هذا السرير جوانبه

فسأل عمر ابنته حفصة رضي الله عنها كم أكثر ما تصبر المراة عن زوجها فقالت ستة أشهر فقال عمرلا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك.

جاء في كتاب الأوائل للعسكري ص359:”كان كعب بن سور جالساً عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فجاءت امرأة فقالت : ياأمير المؤمنين ! ما رأيت رجلاً قط أفضل من زوجي ،إنه يبيت ليله قائماً،ويظل نهاره صائماً في اليوم الحار وما يفطر، فاستغفر الله لها ،وأثنى عليها ،وقال : مثلك أنثى الخير ،فاستحيت المرأة وقامت راجعة .فقال كعب : يا امير المؤمنين !هلا أعديت المرأة على زوجها  ـ  أي نصرتها عليه ـ إذ جاءتك تستعديك ؟قال : أو ذاك أرادت ؟ قال : نعم .قال ردّوا علي المرأة ، فردت ، فقال : لابأس بالحق أن تقولين ،هذا زعم أنما جئت تشكين زوجك أنه تجنب فراشك ،قالت : أجل،أي امرأة شابة لا تبتغي ما يبتغي النساء ؟فأرسل إلى زوجها فجاء فقال لكعب :اقض بينهما ،قال أمير المؤمنين أحق بالقضاء بينهما ،قال : إنك فهمت من أمرهما مالم أفهم .قال :فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هذه رابعتهن ،فأقضي له ثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ولها يوم وليلة . فقال عمر :والله ما رأيك الأول أعجب إلي من الأخر   ـ أحب إلي  ـ .

ويقول الإمام ابن القيّم في الطب النبوي  “وأما الجماع والباه فكان هديه صلى الله عليه وسلم أكمل هدي تحفظ به الصحة، وتتم به اللذة وسرور النفس، ويحصل به مقاصده التي وضع لأجلها  فإن الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية:

أولاً: حفظ النسل ودوام النوع الإنساني

ثانياً: إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجميع البدن

ثالثاً : قضاء الوطر ونيل اللذة والتمتع بالنعمة،وهذه وحدها هي الفائدة من الجماع التي في الجنة إذ لاتناسل هناك ولا احتقان يستفرغه الإنزال “.

وقد جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه النسائي وأحمد والحاكم في المستدرك وقال الحافظ العراقي إسناده جيد “حُبِبَّ إليَّ من دنياكم النساء والطيب  وجُعلت قرة عيني في الصلاة”.

ومن القواعد النبوية والصحية أثناء ممارسة الجماع :

أولاً: جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم“لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله  الَّلهُمَّ جَنبّنا الشيطان، وجَنِّب الشيطان مارزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك،لم يضره الشيطان أبدا”[رواه ابن عباس رضي الله عنهما]

ثانيَا: “لا ترتموا على نسائكم  كالبهائم ” وفي رواية أخرى “لا يقعنَّ أحدكُم على امرأته كما تقع  البهيمة، وليكن بينهما رسولٌ، قيل: يارسول الله وما الرسول ؟قال القُبلة والكلام “[رواه الديلمي في مسند الفردوس وقال الحافظ العراقي هو حديث منكر]

والقرآن الكريم يشير إلى هذا المعنى بقوله تعالى  :{ وقدموا لأنفسكم}[البقرة 223] يقول الإمام الغزالي (في الإحياء باب أداب المعاشرة)”  ثم إذا قضى الزوج وطره فليتمهّل على أهله حتى تقضي هي أيضاً نهمتها  فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها  ثم القعود عنها إيذاءً لها “، وجاء في الحديث الشريف”إذا جامعَ أحدكم أهله فليصدُقها ثم إذا قضى حاجته قبل ان تُقضي حاجتها فلا يُعجلها حتى تقضي حاجتها“[أخرجه أبو يعلى ورواه الصنعاني في المصنف عن أنس بن مالك  رضي الله عنه،وقال الألباني حديث ضعيف].وقال تعالى{ ولهُنَّ مثلُ الذي عليهنّ بالمعروف}[البقرة 228].

ويقول الإمام ابن القيم في الطب النبوي : “ومما ينبغي تقديمه من الجماع ملاعبة المراة وتقبيلها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يلاعب أهله ويقبلها، ،يقول الامام ابن القيم  “ومما ينبغي تقديمه على الجماع ملاعبة المراة وتقبيلها ومص لسانها ،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاعب أهله ويقبلها.

ثالثًا : روى ابو سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لو أن أحدكم أتى أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ”  [أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه والامام احمد  في المسند] .

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله :” كان صلى الله عليه وسلم  ربما جامع نساؤه كلهن بغسل واحد وربما  اغتسل عند كل واحدة منهن ” وروى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه” أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يطوف على نسائه بغسل واحد” ، وروى أبو داوود في سننه عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” طاف على نسائه في ليلة فاغتسل عند كل امرأة منهن غسلا ، فقلت :يارسول الله لو اغتسلت غسلا واحداً فقال :هذا أزكى واطهر  وأطيب [أبوداوود وابن ماجة].

رابعاً:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إنَّ من شرُّ الناس عند الله منزلة  يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته، وتفُضي إليه ثم ينشر سرها “[رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وأخرجه مسلم]،فلا يجوز أبداً التحدث إلى الناس بما مارسه الزوجان من عمليات جنسية لفظاً أو إشارة.

خامسًا : أن يتحّين الزوج الوقت المناسب للوقاع ،وخاصة أن يلاحظ احساس زوجته وحالتها الجسديه والنفسيه وإذا كانت متعبة أومريضة.

سادسًا :الإعتدال في ممارسة الجنس وعدم الإسراف ،جاء في كتاب الكامل للمبرد ج2ص533  قال بعض الحكماء” لاينبغي للعاقل أن يخلي نفسه من ثلاث في غير إفراط :الأكل والمشي والجماع ،فأما الأكل فإن الأمعاء تضيق لتركه،والمشي إن لم تتعهده أوشكت ان تطلبه فلا تجده ،والجماع كالبئر إن نزحت جَمت وإن تركت  يخثر  ماؤها، وحق هذا كله القصد “،ويقال في المثل كما جاءفي أدب الكاتب لإبن قتيبة ” ذهب منه الأطيبان: أي الأكل والنكاح ،وأهلك الرجل الاحمران:أ ي الخمر واللحم “.

سابعاً:ومما ينصح به عند ممارسةالجماع أن يكون الزوجان بحالة نفسية جيدة بدون هموم ولا إنشغال نفسي،وأن لايكون أحدهما في مرض منهك أوفي حالة ألم ،وكذلك عدم امتلاء البطن والتخمة وقد قالت العرب قديما : ” أربع يهدمن البدن : دخول الحمام على البطنة،والجماع على الشبع ،وأكل القديد الجاف،وشرب الماء البارد على الريق”(  كما جاء في البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي ).

ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا

يقول تعالى في محكم كتابه العزيز:{ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساءَ سبيلاً}[الإسراء 32].

يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله(تفسير سورة النور):

“إن مفهوم”الزنا” العام الذي يعرفه عامة الناس،هو”أن يأتي رجل وامرأة بفعل الجماع بغير أن تكون بينهما علاقة الزوجية المشروعة”. وكون هذا الفعل رذيلة من ناحية الأخلاق وإثماً من ناحية الدين وعيباً وعاراً من ناحية الاجتماع،أمر مازالت المجتمعات البشرية مجمعة عليه منذ أقدم عصور التاريخ إلى يومنا الحاضر،ولم يخالفها فيه حتى اليوم إلا شرذمة قليلة من الذين جعلوا عقولهم تابعة لأهوائهم وشهواتهم البهيمية أو أتوا من قبل عقولهم،ويظنون كل مخالفة للنظام والعرف الجاري اختراعاً لفلسفة جديدة.والعلة في هذا الإجماع العالمي أن الفطرة الإنسانية بنفسها تقتضي حرمة الزنا،ومما يتوقف عليه بقاء النوع الإنساني وقيام التمدن الإنساني أن لاتكون الحرية للرجل والمرأة في أن يجتمعا ابتغاء للذة وقضاء لشهوتهما النفسية متى شاءا ثم يتفرقا متى أرادا،بل يجب أن تكون العلاقة بين كل رجل وامرأة قائمة على عهد للوفاء دائم معروف في المجتمع وتكون مستندة ـ مع ذلك ـ إلى ضمان المجتمع كله.وبدون هذا لايمكن أن يكتب النمو والبقاء للنسل الإنساني ولا ليوم واحد،لأن طفل الإنسان محتاج لحياته ونموه إلى من يقوم بتعهد شأنه وتربيته إلى غير واحدة من السنين.ومن الظاهر أن لا قبل بذلك للمرأة وحدها ما دام لايشاركها فيه الرجل،الذي يكون السبب في إخراج هذا الطفل إلى حيز الوجود.ثم إن هذه المعاهدة بين الرجل والمرأة،هي التي بدونها لايمكن أن يكتب البقاء والنمو للتمدن الإنساني،لأن التمدن الإنساني لم يتكون إلا بمعاشرة الرجل والمرأة معاً وإنشائهما أسرة ثم امتداد وشائج النسب والصهر بين تلك الأسرة.فإن أخذ الرجل والمرأة يجتمعان بكل حرية لا لشئ إلا ابتغاء اللذة ونيل المتعة النفسية بقطع نظرهما عن التفكير في إنشاء الأسرة،انتثر عقد التمدن الإنساني واستؤصلت حياة الإنسان الاجتماعية وعاد الأساس الذي يقوم عليه اليوم بناء التمدن والاجتماع أثراً بعد عين.ولأجل هذه الأسباب فإن كل علاقة حرة بين الرجل والمرأة لاتقوم على عهد للوفاء معروف مسلم به في المجتمع، تضاد الفطرة الإنسانية ولأجل هذه الأسباب مازال الإنسان يعد الزنا في كل زمان رذيلة قبيحة وتحللاً سافراً من قيود الأخلاق و”إثماً كبيراً” حسب المصطلح الديني.ولأجل هذه الأسباب فقد بذلت المجتمعات الإنسانية سعيها لسد باب الزنا جنباً بجنب لسعيها في ترويج النكاح في كل عصر وزمان،ومهما كانت صور هذا السعي وطرقه ومقاديره مختلفة بين مختلف القوانين والشرائع والنظم الخلقية والمدنية والدينية،وأساس هذا الاختلاف هو الفرق في شعور مختلف المجتمعات بمضار الزنا لنوع الإنسان وتمدنه، فهو قليل في بعضها وكثير في بعضها وواضح في بعضها وملتبس بالمسائل الأخرى في بعضها”.

ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله :

“ومن النهي عن قتل الأولاد”ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق” [الإسراء 31]والزنا صلة ومناسبة .وقد توسط النهي عن الزنا بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن قتل النفس”ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ىإلا بالحق“[الإسراء 33] لذات الصلة وذات المناسبة.

إن في الزنا قتلاً من نواحي شتى .إنه قتل ابتداء لأنه إراقة لمادة الحياة في غير موضعها،يتبعه غالباً الرغبة في التخلص من آثاره بقتل الجنين قبل أن يتخلق أو بعد أن يتخلق،قبل مولده أو بعد مولده.فإذا ترك الجنين للحياة ترك في الغالب لحياة شريرة،أو حياة مهينة،فهي حياة مضيعة في المجتمع على نحو من الأنحاء…وهو قتل في صورة أخرى قتل للجماعة التي يفشو فيها،فتضيع الأنساب وتختلط الدماء،وتذهب الثقة في العرض والولد،وتتحلل الجماعة وتتفكك روابطها،فتنتهي إلى ما يشبه الموت بين الجماعات.

وهو قتل للجماعة من جانب آخر،إذ أن سهولة قضاء الشهوة من طريقه يجعل الحياة الزوجية نافلة لا ضرورة لها،ويجعل الأسرة تبعة لا داعي إليها،والأسرة هي المحضن الصالح للفراخ الناشئة لا تصح فطرتها ولا تسلم تربيتها إلا فيه.

وما من أمة فشت فيها الفاحشة إلا صارت إلى انحلال،منذ التاريخ القديم إلى العصر الحديث.

والقرآن يحذر من مجرد مقاربة الزنا.وهي مبالغة في التحرز.لأن الزنا تدفع إليه شهوة عنيفة،فالتحرز من المقاربة أضمن.فعند المقاربة من أسبابه لا يكون هناك ضمان.

ومن ثم يأخذ الإسلام الطريق على أسبابه الدافعة،توقياً للوقوع فيه..يكره الاختلاط في غير ضرورة،ويُحرم الخلوة،وينهى عن التبرج بالزينة،ويحض على الزواج لمن استطاع،ويوصي بالصوم لمن لا يستطيع،ويكره الحواجز التي تمنع من الزواج كالمغالاة في المهور…وينفي الخوف من العيلة والإملاق بسبب الأولاد.ويحض على مساعدة من يبتغون الزواج ليحصنوا أنفسهم، ويوقع أشد العقوبة على الجريمة حين تقع،وعلى رمي المحصنات الغافلات دون برهان….إلى آخر وسائل الوقاية والعلاج،ليحفظ الجماعة الإسلامية من التدردي والانحلال”.

ويقول سيد قطب رحمه الله في قوله تعالى:{والذين هم لفروجهم حافظون}[المؤمنون5]:

“وهذه طهارة الروح والبيت والجماعة.ووقاية النفس والأسرة والمجتمع.بحفظ الفروج من دنس المباشرة في غير حلال.وحفظ القلوب من التطلع إلى غير حلال،وحفظ الجماعة من انطلاق الشهوات فيها بغير حساب،ومن فساد البيوت فيها والأنساب.

والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغي حساب جماعة قذرة هابطة في سلم البشرية،فالمقياس الذي لايخطىء للارتقاء البشري هو تحكيم الإرادة الإنسانية وغلبتها.وتنظيم الدوافع الفطرية في صورة مثمرة نظيفة،لا يخجل الأطفال معها من الطريقة التي جاءوا بها إلى هذا العالم،لأنها طريقة نظيفة معروفة،يعرف فيها كل طفل أباه.لا كالحيوان الهابط الذي تلقى الأنثى فيه الذكر للقاح،وبدافع اللقاح،ثم لا يعرف الفصيل كيف جاء ولا من أين جاء”.

ويقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله من مقال نشر له في حضاره الاسلام :

“إن الإسلام حرّم الزنا وبيّن أنه فاحشةً ومقتاً وساء سبيلاً،وحينما حرّم الزنا حرّم معه كل مايُؤدي إليه من قريب أو بعيد ففرض على المرأة الحجاب مع غير محارمها ،وحرّم عليها إبداء زينتها للأجانب كما حرّم اختلاط الرجال بالنساء،والخلوة بالمراة الأجنبية،وأمر الرجل بغضّ النظر،وكذلك النساء، وفرض الأستئذان في الدخول إلى بيوت الأصدقاء والأقارب،وكل ذلك للحفاظ على نقاء الأخلاق وسلامة العرض والشرف، واستقرار الخواطر والنفوس من أن يتلاعب بها الشيطان فيجّرها إلى الهاوية والتّردي في الفاحشة، والدلائل على ذلك : قال تعالى:{ياأيُّها الذين أمنوا لا تدخُلُوا بيوتاً غيرَ بيُوتِكُم حتى تَستأنسُوا وتُسَلِّمُوا على أهلِها ذلكُم خيرٌ لكم لعلَّكُم تَذَكّرون *فإن لم تجدُوا فيها أحداً فلا تَدخلُوها حتى يُؤذنَ لكُم وإن قِيلَ لَكُمُ ارجعُوا فارجعُواهو أزكى لكُم والله بما تَعملونَ عليم} [ النور 27_28]

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنماجُعلَ الإستئذان من أجل البصر”  [متفق عليه] . ويكون الإستئذان ثلاثاً فإن أُذن له،وإلا فليرجع ،فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الإستئذان ثلاث فإن أُذن لك وإلا فارجع “[متفق عليه].

وقال تعالى : {قُلْ للمُؤمنين يَغُضُّوا من أبصارِهم  ويحفظُوا فُرُوجَهُم  ذلك أزكى لهم إنَّ الله خبيرٌ بما يصنعون* وقُلْ للمُؤمناتِ يَغضُضنَ من أبصارِهنَّ ويَحفظنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبدينَ زِيَنتَهُنَّ إلَّا ماظَهرَ منها وليَضرِبنَ بخُمُرهنَّ على جُيوبهنّ } [ النور30و31].وقدّم الأمر بغض البصرعلى حفظ الفرج لأن البصرهو بداية طريق خطيئة الفرج وهو الممهد لها  كُلُّ الحوادثِ مَبدؤُها من النظر ،ومُعظمُ النار من مُستصغرِ  الشّرر

كم نظرةٍ بلغتْ من قلبِ صاحبها      كمبلغ السهم بين القوس والوتر

وروى ابو داود والنَسائي والترمذي في سننهم عن أبي موسى الأشعري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا استعطرت المرأة فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية”

إنّ التبرج في اللغة وكما جاء في دائرة المعارف الاسلامية السفير من فعل تبرّج ،ويعني التكُّلف في إظهارمايخفى، ثم خصَّ بتكّشف المرأة فيقُال تبرّجت المرأة تبرُّجاً: أي أظهرت محاسنها وزينتها للرجال ،وقد وردت في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:

{وقَرنَ في بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجاهليةِ الاُولى }[الاحزاب 33]{والقَواعِدُ من النساءِ اللاتي لايَرجُونَ نِكاحاً فليسَ عَليهِنَّ جُناحٌ أن يَضَعنَ ثِيابَهُنَّ غيَر مُتَبرِجات بزينة} [النور 60]

وفي السنة النبوية عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما  قال :جاءت اميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام  فقال : ” اُبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفترينه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تبرّجي تبرُّج الجاهلية الأولى ” [رواه أحمد في مسنده]

فالتبرُّج المُحّرم في الإسلام له الصور التالية:”إظهار المرأة شيئاً من عورتها التي أُمرت بسترها عن غير محارمها وهي عند الجمهور جميع بدنها عدا الوجه والكفين،وارتداء المراة ملابس تشفُّ عن شئٍ من بدنها أو تحدده لغير محارمها،وتعطرُها بما يفوح رائحته مما يلفت الانتباه إليها وتفتن الرجال الأجانب ،أما الطيب الذي لا تظهر رائحته فلا شئ فيه ،والتبختر والتثّني  في المشية فتنة للرجال،وتعمد الإتيان بحركات تلفت النظر إلى زينة باطنة، قال تعالى : {ولا يَضرِبنَ بأرجُلِهنَّ لِيُعلَمَ ما يُخفِينَ من زِينَتِهنّ}  [النور 31] ،وتليين الكلام  بما يخرج عن حد الوقار .

وإنّ  فرض الحجاب على المرأة هو حماية لها من أن تمَتدّ إليها اليد العابثة  فتفسدها، فشرع الحجاب للصون والحفاظ على العفة  كالدُرِّ المصون في أصدافه يبقى بعيدا عن العبث،وقد جاء في الحديث الشريف: ”  ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة:العاقُّ لوالديه،والمرأة المترجلة،والدَّيوث،وثلاثة لا يدخلون الجنة:العاق لوالديه،والمدمن على الخمر،والمنّان بما أعطى“[رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأخرجه النسائي واللفظ له وأحمد وصححه الألباني وقال حديث حسن صحيح]وعدَّ منهم الديوث وهو الذي لا يبالي بمن دخل على أهله من غير المحارم وهذا خطاب لكل من فقد الغيرة وتلبدّ فيه الإحساس  واتبّع مايسمى المدنية الحديثة  حيث تبلدّت الإحاسيس ،وماتت الغيرة  والنخوات.

ومن جهة أخرى فمنعاً للزنا حثَّ الإسلام على الزواج وتسهيل ذلك للراغبين فنهى عن المُغالاة في المهور، وحارب الإسراف فيما يتعلق بتجهيز التحضير للأعراس والإسراف في الولائم ،وبيّن الإسلام أن خير متاع الدنيا المراة الصالحة وأن الزواج استقرار وسكينة قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة}[الروم 21].

ونهى عن الإمتناع عن تزويج الفتاة إن وجد الرجل الصالح المناسب جاء في الحديث الشريف  “إذا خطب إليكم  من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه،إن إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض”[رواه أبو هريرة رضي الله عنه وأخرجه الترمذي واللفظ له وابن ماجه وقال الألباني حسن لغيره]

وقال صلى الله عليه وسلم :” يامعشر الشباب من استطاع منكم  الباءة فليتزوج ،فإنّه أغض للبصر،وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء “[رواه البخاري والجماعة من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]

والزواج من سنن المرسلين فعن أبي أيوب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أربع من سنن المرسلين : الحياء، والتعطر ،والسواك ،والنكاح ” [رواه الترمذي وقال حسن غريب] .

وفي حديث آخر رواه الترمذي قال صلى الله  عليه وسلم :”ثلاثة حق على الله عونُهم : المجاهد في سبيل الله ،والمُكاتب الذي يريد الآداء،والناكح الذي يريد العفاف “[رواه أبو هريرة رضي الله عنه وقال الألباني حديث حسن].

يقول الأستاذ محمد لطفي الصباغ  حفظه الله معقبا على هذا الحديث  (موقع الدكتور مقالة بعنوان الاسلام والزواج) :

“فكيف يتردد مؤمن يسمع هذا الكلام في الإقدام على الزواج مهما كانت أوضاعه المادية ،ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” حقٌّ على الله عونهم “ومن تعهّد الله له بالعون ،فليطمئن بهذا الوعد . ويتابع ” ويحسن ان نورد ماذكره ابن كثير في تفسيره حول الاية الكريمة {إن يكونوا فقراء يُغنهم الله من فضله}  ا[لنور 32] قال رحمه الله : عن ابن عباس قال : رغَّبهم الله في التزويج ،وأمر به الأحرار والعبيد ،ووعدهم عليه الغنى ، فقال : “إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ” وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ،يُنجز لكم ما وعدكم من الغنى فقال تعالى {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله }.

ويقول الدكتور  القرضاوي حفظه الله في موضوع الزنا ( في كتابه الحلال والحرام في الاسلام):

“إن الاسلام شدّد في  النهي عنه والتحذير منه لما يؤدي إلى اختلاط الأنساب والجناية على النسل وانحلال الأسر وتفكك الروابط  وانتشار الأمراض السارية وطغيان الشهوات وإنهيار الأخلاق  ويتابع: ” والإسلام إذا حرّم شيئاً سدَّ الطرق المُوصلة إليه،وحرّم كل ما يُفضي إليه من وسائل ومقدمات ،ويتابع حفظه الله :” فما كان من شأنه أن يستثير الغرائز الهاجعة، ويفتح منافذ الفتنة على الرجل أو المرأة ويغري بالفاحشة أويُقربَّ منها أو ييُسّر سبيلها فإن الإسلام ينهى عنه ويحرمه سداً للذريعة ودرءاً للمفسدة،ومن هذه الوسائل التي حرمها الإسلام خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه وهي التي لاتكون زوجة له ولا إحدى قريباته التي يحرم عليه زواجها حرمة مؤبدة، وليس هذا فقدانا للثقة بهما أ بأحدهما ،ولكنه تحصين لهما من وساوس السوء وهواجس الشر التي من شأنها أن تتحرك في صدريهما عند التقاء فحولة الرجل بأنوثة المرأة ولا ثالث بينهما،وفي هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا لا يخلون رجلٌ بامرأة لا تحِلُّ له، فان ثالثهما الشيطان،إلا مَحرم،فإن الشيطان مع الواحد،وهو من الإثنين أبعد“[ رواه احمد واللفظ له،وقال شعيب الأرناؤوط صحيح لغيره] ،وفي الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يخلون أحدكم بإمرأة إلا مع ذي محرم “،وفي تفسير قوله تعالى في شأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذا سألتُمُوهُنَّ مَتاعاً فاسألوهُنَّ من وراءِ حِجاب ذلكم أطهَرُ لِقُلوبِكُم  وقُلُوبِهنّ} [ الاحزاب 53]،يقول الإمام القرطبي رحمه الله” يريد من الخواطر التي تعرض للرجال في أمر النساء وللنساء في أمر الرجال،أي إن ذلك أنفى للريبة وأبعد للتهمة  وأقوى في الحماية، وهذا يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يثق بنفسه في الخلوة مع من تحل له فإن مجانبة ذلك احسن لحاله وأحصن لنفسه وأتمّ لعصمته ” انتهى قول القرطبي .

ويقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (مقالة هكذا بدأ الاختلاط] :

“أما الشهوات فهي داء يمرض وقد لا يقتل،ولكن أسرع سرياناً وأقوى عدوى،إذ يصادف من نفس الشاب والشابة غريزة غرزها الله ،وغرسها لتنتج طاقة تستعمل في الخير، فتنشئ أسرة وتنتج نسلاً، وتقوي الأمة، وتزيد عدد أبنائها ،فيأتي هؤلاء فيوجهونها في الشر، للذة العاجلة التي لا تثمر، طاقة نعطلها ونهملها ودافع أوجد ليوجه إلى عدونا، لندافع بها عن بلدنا ،فنحن نطلقها في الهواء، فنضيعها هباء ،أو يوجهها بعضنا إلى بعض، ويتابع  رحمه الله: ” هذا هو باب الشهوات وهو أخطر الأبواب ،عرف ذلك خصوم الإسلام  فاستغلوه ،وأول هذا الطريق هو الاختلاط . كان أعداء الحجاب يقولون أن اللواط والسحاق،وتلك الإنحرافات الجنسية سببها حجب النساء ،ولو مزقتم هذا الحجاب وألقيتموه لخلصتم منها،ورجعتم إلى الطريق القويم،وكنا من غفلتنا ومن صفاء نفوسنا نصدقهم ،ثم لما عرفناهم وخبرنا خبرهم، ظهر لنا أن القائلين بهذا أكذب من مسيلمة . ويتابع :” إن كان الحجاب مصدر هذا الشذوذ ،فخبروني هل نساء ألمانيا وبريطانيا محجبات الحجاب الشرعي ؟ فكيف إذن نرى هذا الشذوذ منتشراً فيهم حتى سَنّوا قانوناً يجعله من المباحات؟ ويتابع : “خلق الله الرجال والنساء بعضهم من بعض، ولكن ضرب بينهم بسور ٍ له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبِلهِ العذاب، فمن طلب الرحمة والمودة واللذة والسكون والاطمئنان دخل من الباب، والباب هو الزواج ،ومن تسّور الجدار أو نقب السقف،أو أراد سرقة متعة ليست له بحق، ركبه في الدنيا القلق والمرض وازدراء الناس وتأديب الضمير وكان له في الآخرة عذاب السعير “.

ويقول الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله في مقال بعنوان “المرأة المسلمة” نشر عام 1359 هجري:

“يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطراً محققاً،فهو يباعد بينهما إلا بالزواج . سيقول دعاة الاختلاط :” إن في ذلك حرماناً للجنسين من لذة الاجتماع ،وحلاوة الاُنس التي يجدها كل منهما في سكونه للأخر،والتي توجد شعوراً يستتبع كثيراً من الأداب الإجتماعية، من الرقة وحسن المعاشرة ولطف الحديث ودماثة الطباع … الخ  .وسيقولون : “إن هذه المباعدة بين الجنسين ستجعل كلاً منهما مشوقاً أبداً الى الآخر، ولكن الاتصال بينهما يُقّلل من التفكير في هذا الشأن،ويجعله أمراً عادياً في النفوس “وأحب شئ الى الإنسان  ما مًنع ” وما ملكته اليد زهدته النفس . كذا يقولون ويُفتن بقولهم كثير من الشبان،ولا سيما وهي فكرة توافق أهواء النفوس وتساير شهواتها ونحن نقول لهؤلاء : “مع أننا نسلم  بما ذكرتم في الأمر الأول نقول لكم : إن ما يعقب لذة الإجتماع  بحلاوة الأنس من ضياع الأعراض ،وخبث الطوايا ،وفساد النفوس، وتهدم البيوت،وشقاء الأمر،وبلاء الجريمة، وما يستلزمه هذا الإختلاط من طراوة في الأخلاق ،ولين في الرجولة ،ولا يقف عند حدِ الرقة، بل هو يتجاوز ذلك إلى حدِّ الخنوثة والرخاوة ،وكل ذلك ملموس لا يماري فيه إلا مكابر . كل هذه الآثار السيئة التي تترتب على الإختلاط تربو ألف مرة على ما ينتظر من فوائد،وإذا تعارضت المصلحة والمفسدة فدرء المفسدة أولى، ولا سيما إذا كانت المصلحة لا تعدُّ شيئاً بجانب هذا الفساد  وأما الأمر الثاني فغير صحيح ،وإنما يزيد الاختلاط قوة الميل ،وقديماً قيل : إن الطعام يقوي شهوة النهم . والرجل يعيش مع امرأته دهراً ،ويجد الميل إليها يتجدد في نفسه ،فما باله  لا تكون صلته بها مُذهبة لميله إليها ،والمرأة التي تخالط الرجال  تفتن ّ في ابداء ضروب زينتها ولا يرضيها إلا أن تثير في نفوسهم الإعجاب بها وهذا أيضاً أثر اقتصادي من أسوأ الآثار التي يعقبها الاختلاط ،وهو الإسراف في الزينة والتبرج المؤدي الى الإفلاس والخراب والفقر . ولقد أباح الإسلام للمرأة شهود العيد ، وحضور الجماعة ،والخروج في القتال عند الضرورة الماسة، ولكنه وقف عند هذا الحدّ،واشترط له شروطاً شديدة من البعد عن كل مظاهر الزينة، ومن ستر الجسم ، ومن إحاطة الثياب به فلا تصف ولا تشف ومن عدم الخلوة بأجنبي مهما كانت الظروف،وهكذا . ويتابع رحمه الله :” ولقد أخذ الإسلام السبيل على الجنسين في هذا الإختلاط أخذاً قوياً محكماً، فالستر في الملابس أدب من أدابه ،وتحريم الخلوة بالأجنبي حكم من أحكامه، وغضّ الطرف واجب من واجباته، والعكوف في المنازل للمرأة حتى في الصلاة شعيرة من شعائره، والبعد عن الإغراء بالقول والإشارة  وكل مظاهر الزينة ،وبخاصة عند الخروج حد من حدوده ،كل ذلك إنما يراد به أن يسلم الرجل من فتنة المرأة وهي أحب الفتن إلى نفسه، وأن تسلم المرأة من فتنة الرجل وهي أقرب الفتن الى قلبها، والآيات الكريمة والأحاديث المطهرة تنطق بذلك . انتهى كلام الشهيد البنا .

ويقول الأستاذ الدكتور محمد لطفي الصباغ رحمه الله (مقال: ماذا قدَّم المجتمع لفتاة اليوم):

“إن المجتمع فتح أمام الفتاة كل أبواب الفساد والفسق والتحلل والفجور،وأغلق في وجهها كل أبواب الخير والإستقامة والسداد.

وقد أغلقت في بعض البلاد معظم المدارس الدينية للفتيان والفتيات،وما بقي من تلك المدارس تعرّضت مناهجها إلى المسخِ والإفسادِ وتشويه أحكام الدين،ثم أدخلوا الضيم على شهادة المدارس فلم تعد مقبولة في كثير من الجهات.

إن هذا لمكر عظيم ،وعدوان أثيم،ولكنّ الأمر لم يقف عند هذا الحدّ بل إن المجتمع هذا ألزم الفتاة بالإختلاط في المدارس وهم في سن المراهقة…كان ذلك في معظم العالم الإسلامي.

كان هذا الاختلاط الإلزامي في الجامعات،وفي المدارس المتوسطة والثانوية،ومعلوم أن الفتى والفتاة في هذه السنّ يعانون من هجمة الجنس الشديدة،ويكون كل طرف في حالة تشوق إلى لقاء الطرف الآخر،فإذا كان التوجيه الإسلامي ضعيفاً أو معدوماً،ولم تكن مخافة الله مستقرة في أعماق القلوب،وإذا زالت الكلفة بين الفتى والفتاة،يتضاحكون ويمزح بعضهم مع بعض…كان الجو مهيأً للجريمة والعياذ بالله…وفي ذلك الفساد الكبير.

ثم أقدم هذا المجتمع على إلزام الفتاة بخلع حجابها في المدرسة والجامعة والطريق،وقدّم هذا المجتمع للفتاة وسائل الإعلام الممتعة الجذابة من إذاعة وتلفاز،وفي هذه الوسائل السم الزعاف والكيد للعقيدة والخلق الكريم.وبذلك أضحت هذه الأدوات في أكثر البلاد من أكبر أدوات الهدم…ولا سيما التلفاز حيث كانت التمثيليات والمسلسلات تزيّن للفتاة الخروج عن طاعة الوالدين،وتشجعها على ممارسة حرّيتها الطليقة كما تهوى،وعلى الجرأة على التقاليد المتصلة بالدين.

ثم أدخل هذا المجتمع عدداً من الفتيات الوساط القذرة العفنة المنتنة التي يسمونها الأوساط الفنية،وجعل منهنّ بطلات في تمثيليات هدّامة وأقام البلاجات على الشواطىء للفتيات مع الرجال وعدَّ ذلك مظهراً من مظاهر التقدم،وفتح هذا المجتمع للفتاة أبواب دور السينما،ثم دخلت السينما بيوت المسلمين بل وخيامهم عن طريق التلفاز والمحطات الفضائية،وما أدراك ما المحطات الفضائية!!!

وقامت صحافة خسيسة تنصر الباطل وتهاجم الحق بطرق خفيّة وظاهرة تشكّك بحقائق الدين،وتغرس الإعجاب بالكفّار ومدنيتهم القائمة على استعباد الدين الباطل الذي يدينون به،وتشيع هذه الصحف الفاحشة عن طريق القصص الماجن الهابط وعن طريق نشر الأخبار الشنيعة”.

ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله(مجلة الرسالة العدد194):

“يريد الشباب مع حقيقة العلم حقيقة الدين،فإن العلم لايعلم الصبر ولا الصدق ولا الذمة.يريدون قوة النفس مع قوة العقل،فإن القانون الأدبي في الشعب لا يضعه العقل وحده ولا بنفذه وحده.

يريدون قوة العقيدة حتى إذا لم ينفعهم في بعض شدائد الحياة ماتعلموه،نفعهم ما اعتقدوه.

يريدون السمو الديني،لأن فكرة إدراك الشهوات بمعناها هي فكرة إدراك الواجبات بغير معناها.

يريدون الشباب السامي الطاهر من الجنسين،كي تولد الأمة الجديدة سامية طاهرة.

أحس الشباب أنهم يفقدون من قوة المناعة الروحية بقدر ما أهملوا من الدين.

وما هي الفضائل إلا قوة المناعة من أضدادها؟فالصدق مناعة من الكذب والشرف مناعة من الخسة.والشباب المثقل بفروض القوة هو القوة نفسها.وهل الدين إلا فروض القوة على النفس؟

وشباب الشهوات شباب مفلس من رأس ماله الاجتماعي ينفق دائماً ولا يكسب أبداً.

وأحسَّ الشبابُ معنى كثرة الفتيات في الجامعة،وأدركوا معنى هذه الرقة التي خلقتها الحكمة خالقة.والمرأة أداة استمالة بالطبيعة،تعمل بغير إرادة ماتعمله بالإرادة لأن رؤيتها أول عملها.

نعم إن المغناطيس لايتحرك حين يجذب،ولكن الحديد يتحرك له حين ينجذب.ومتى فهم أحد الجنسين الجنسَ الآخر،فهمه بإدراكين لا بإدراك واحد.وجمال المرأة إذا انتهى إلى قلب الرجل،وجمال الرجل إذا استقر في قلب المرأة.

هما حينئذ معنيان،ولكنهما على رغم أنف العلم معنيان متزوجان..”..

ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في مقال آخر(الرسالة العدد72):

“احذري أيتها الشرقية وبالغي في الحذر،واجعلي أخص طباعك الحذر وحده.احذري تمدن أوروبا أن يجعل فضيلتك ثوباً يوسع ويضيق،فلبس الفضيلة على ذلك هو لبسها وخلعها..احذري فنهم الإجتماعي الخبيث الذي يفرض على النساء في مجالس الرجال أن تؤدي أجسامهن ضريبة الفن..احذري تلك الأنوثة الاجتماعية الظريفة.إنها انتهاء المرأة بغاية الظرف والرقة إلى….إلى الفضيحة.

احذري تلك النسائية الغزلية.إنها في جملتها ترخيص اجتمتعي للحرة أن…أن تشارك البغي في نصف عملها.

أيتها الشرقية احذري احذري!احذري التمدن الذي اخترع لقتل لقب الزوجة المقدس،لقب(المرأة الثانية)…واخترع لقتل لقب العذراء المقدس،لقب(نصف عذراء)..واخترع لقتل دينية المرأة،كلمة(الأدب المكشوف)…وانتهى إلى اختراع السرعة في الحب…فاكتفى الرجل بزوجة ساعة…وإلى اختراع استقلال المرأة،فجاء بالذي اسمه(الاب) من الشارع،لتلقي بالذي اسمه (الإبن) إلى الشارع…

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري وأنت النجم الذي أضاء منذ النبوة،أن تقلدي الشمعة التي أضاءت منذ قليل.

إن المرأة الشرقية هي استمرار متصل لآداب دينها الإنساني العظيم.هي دائماً شديدة الحفاظ حارسة لحوزتها،فإن قانون حياتها هو قانون الأمومة المقدس.هي الطهر والعفة،هي الوفاء والأنفة،هي الصبر والعزيمة،هي كل فضائل الأم.

أيتها الشرقية!احذري احذري!

احذري ويحك تقليد الأوروبية التي تعيش في دنيا أعصابها محكومة بقانون أحلامها…لم تعد أنوثتها حالة طبيعية نفسية فقط بل حالة عقلية أيضاً تشك وتجادل…أنوثة تفلسفت فرأت الزواج نصف الكلمة فقط…والأم نصف المرأة فقط…ويا ويل المرأة حين تنفجر أنوثتها بالمبالغة العقلية فتنفجر بالدواهي على الفضيلة…إنها بذلك حرة مساوية للرجل،ولكنها بذلك ليست الأنثى المحدودة بفضيلتها…

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري خجل الأوربية المترجلة من الإقرار بأنوثتها.إن خجل الأنثى من أنها أنثى يجعل فضيلتها تخجل منها…إنه يسقط حياءها ويكسو معانيها رجولة غير طبيعية.إن هذه الأنثى المترجلة تنظر إلى الرجل نظرة رجل إلى أنثى…والمرأة تعلو بالزواج درجة إنسانية،ولكن هذه المكذوبة تنحط درجة إنسانية بالزواج.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري تهوس الأوربية في طلب المساواة بالرجل.لقد ساوته بالذهاب إلى الحلاق،ولكن الحلاق لم يجد في وجهها اللحية…إنها خلقت لتحبيب الدنيا إلى الرجل، فكانت بمساواتها مادة تبغيض.العجيب أن سر الحياة يأبى أبداً أن تتساوى المرأة بالرجل إلا إذا خسرته.والأعجب أنها حين تخضع،يرفعها هذا السر عن المساواة بالرجل إلى السيادة عليه.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري أن تخسري الطباع التي هي الأليق بأم أنجبت الأنبياء في الشرق.أم عليها طابع النفس الجميلة،تنشر في كل موضع جو نفسها العالية.فلو صارت الحياة غيماً ورعداً وبرقاً،لكانت هي فيها الشمس الطالعة.ولو صارت الحياة قيظاً وحروراً واختناقاً،لكانت هي فيها النسيم يتخطر.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري هؤلاء الشبان المتمدنين بأكثر من التمدن…يبالغ الخبيث في زينته،وما يدري أن زينته معلنة أنه إنسان من الظاهر…ويبالغ في عرض رجولته على الفتيات،يحاول إيقاظ المرأة الراقدة في العذراء المسكينة.

ليس لإمرأة فاضلة إلا رجلها الواحد،فالرجال جميعاً هم مصائبها إلا واحداً.وإذا هي خالطت الرجال، فالطبيعي أنها تخالط شهوات ويجب أن تحذر وتبالغ.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري فإن في كل امرأة طبائع شريفة متهورة،وفي الرجال طبائع خسيسة متهورة.وحقيقة الحجاب أنه الفصل بين الشرف فيه الميل إلى النزول وبين الخسة فيها الميل إلى الصعود.فيك طبائع الحب والحنان،والإيثار،والإخلاص كلما كبرت.طبائع خطرة،إن عملت في غير موضعها…جاءت بعكس ماتعمله في موضعها.فيها كل الشرف مالم تنخدع ،فإذا انخدعت فليس فيها إلا كل العار.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

احذري السقوط ،إن سقوط المرأة لهوله وشدته ثلاث مصائب في مصيبة:

سقوطها هي،وسقوط من أوجدوها،وسقوط من توجدهم.

نوائب الأسرة كلها قد يسترها البيت إلا عار المرأة.فيدُ العار تقلب الحيطان كما تقلب اليد الثوب فتجعل مالايرى هو مايرى.والعار حكم ينفذه المجتمع كله،فهو نفي من الاحترام الإنساني.

أيتها الشرقية! احذري احذري!

لو كان العار في بئر عميقة لقلبها الشيطان مئذنة ووقف يؤذن عليها.يفرح اللعين بفضيحة المرأة خاصة كما يفرح أب غني بمولود جديد في بيته..واللص، والقاتل،والسكير،والفاسق،كل هؤلاء علة ظاهر الإنسانية كالحر والبرد.أما المرأة حين تسقط،فهذه من تحت الإنسانية هي الزلزلة.ليس أفظع من الزلزلة المرتجة تشق الأرض إلا عار المرأة حين يشق الأسر’”. ا

ويقول رحمه الله في مقال آخر(الرسالة العدد61):

“وما هو الحجاب إلا حفظ روحانية المرأة للمرأة،وإغلاء سعرها في الاجتماع،وصونها من التبذل الممقوت لضبطها في حدود كحدود الربح من هذا القانون الصارم،قانون العَرض والطلب والإرتفاع بها أن تكون سلعة بائرة ينادَى عليها في مدارج الطرق والأسواق:العيون الكحيلة،الخدودالوردية،الشفاه الياقوتية،الثغور الؤلؤية،الأعطاف المرتجّة،…أو ليس فتياتنا قد انتهين من الكساد بعد نبذ الحجاب إلى هذه الغاية،وأصبحن إن لم ينادين على أنفسهن بمثل هذا فإنهن لا يظهرن في الطرق إلا لتنادي أجسامهن بمثل هذا؟

ماهو الحجاب الشرعي إلا أن يكون تربية عملية على طريقة استحكام العادة لأسمى طباع المرأة واختصها الرحمة،هذه الصفة النادرة التي يقوم الاجتماع الإنساني على نزعها والمنازعة فيها مادامت سنة الحياة نزاع البقاء،فيكون البيت اجتماعاً خاصاً مسالماً للفرد تحفظ المرأة به منزلتها،وتؤدي فيه عملها،وتكون مغرساً للإنسانية وغارسة لصفاتها معاً.

ويتابع رحمه الله:”فليس الحجاب إلا كالرمز لما وراءه من أخلاقه ومعانيه وروحه الدينية وهو كالصدفة لاتحجب اللؤلؤة ولكن تربيتها في الحجاي تربية لؤلؤية،فوراء الحجاب الشرعي الصحيح معاني التوازن والاستقرار والهدوء وأخلاق هذه المعاني وروحها الديني القوي الذي ينشىء عجينة الأخلاق الإنسانية كلها،أي صبر المرأة وإيثارها.وعلى هذين تقوم قوة الدافعة،وهذه القوة هي تمام الأخلاق الأدبية كلها،وهي سر المرأة الكاملة،فلن تجد الأخلاق على أتمها وأحسنها وأقواها إلا في المرأة ذات الدين والصبر والمدافعة.إنها فيها تشبه أخلاق نبي من الأنبياء.

ويتابع رحمه الله:”فخروج المرأة من حجابها خروج من صفاتها،فهو إضعاف لها،وتضرية للرجال بها،وماذا تجدي عادة الحذر إذا أفسدتها عادة الاسترسال والاندفاع،فيكون حذراً ليكون إغفالاً،ثم يكون إغفالاً ليعهد الزلة والغلطة،ومتى رجع غلطة فهذا أول السقوط ومبدأ الانقلاب والتحوّل.

وإذا قرتْ المرأة في فضائلها فإنما هي في حجابها ودينها،وإنما ذلك الحجاب ضابط حريتها الصحيحة،باعتبارها امرأة غير الرجل،فهو مسمى بالحجاب لاتصاله بالحرية وضبه لها،ولكن الضعفاء الذين يعرفون ظاهراً من الرأي لا يدركون مذهبه،ولا يحققون ماينتهي إليه،وينفذون في حكمهم على الظاهر لا على البصيرةـ هؤلاء لايعرفون معنى الحجاب إلا في القماش والكساء والأبنية،كأن حجاب الأخلاق النسوية يصنعه الحائك والباني والمستعبد،ولا تصنعه الشريعة والأدب والحياة الاجتماعية،فهم كما ترى حين يأتون بنصف العلم يأتون بنصف الجهل.

لم يخلق الله المرأة قوة عقل فتكون قوة إنجاب،ولكنه أبدعها قوة عاطفة لتكون قوة سلب،فهي بخصائصها والرجل بخصائصه،والسلب بطبيعته متحجب صابر هادىء منتظر،ولكنه بذلك قانون طبيعي تتم به الطبيعة.

أيتها الفتاة،إن صدق الحياة تحت مظاهرها لا في مظاهرها التي تكذب أكثر مما تصدق،فساعدي الطبيعة واحجبي أخلاقك عن الرجل،لتعمل هذه الطبيعة فيه بقوتين دافعتين منها ومنك،فيسرع انقلابه إليك وبحثه عنك،وقد يجد الفاسق فاسقات وبغايا،ولكن الرجل الصحيح الرجولة لن يجد غيرك.وإنما سفورك وسفور أخلاقك إفساد لتدبير الطبيعة،وتمكين للرجل نفسه أن يُرجف بك الظن ويسيْ فيك الرأي،وعقابك على ذلك ما أنت فيه من الكساد والبوار،عقاب الطبيعة لمستقبلك بالحرمان،وعقاب أفكارك لنفسك بالألم”.

بيدِ العفافِ أصونُ عزَّ حجابي                    وبعصمتي أسمو على أترابي

وبفكرةٍ وقّادةٍ وقريحةٍ                               نفّاذةٍ قد كُمِلتْ آدابي

فجعلتُ مِرآتي جبينَ دفاترٍ                         وجعلتُ من نقشِ المدادِ خطابي

ما عاقني خجلي عن العليا ولا                     سَدلُ الخِمارِ بلمّتي ونقابي

بل صولتي في راحتي وتفرُّسي                   في حُسنِ ما أسعى لخيرِ مآبِ

(عائشة التيمورية)

إنَّ الفتاة حديقة وحياؤها                            كالماءِ موقوفاً عليه بقاؤها

بفروعها تجري الحياة فتكتسي                     حُللاً يروقُ الناظرات رواؤها

إيمانها بالله أحسن حلية                              فيها فإما ضاعَ ضاعَ بهاؤها

لا خيرِ في حسنِ الفتاة وعلمها                     إن كان في غير الصلاح رضاؤها

فجمالها وقف عليها إنّما                             للناسِ منها دينها ووفاؤها

(باحثة البادية)

هل تطلبون من الفتاة سفورها؟                       حسن،ولكن أين بينكم التقي؟

لا تتقي الفتيات كشف وجوهها                          لكن فساد الطبع منكم تتقي

(باحثة الباديةـ ملك حفني ناصف)

أغرَّكِ يا أسماء ما قال “قاسمٌ”؟                       أقيمي وراء الخدر فالمرء واهم

تضيقين ذرعاً بالحجاب وما بهِ                         سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعمُ

سلامٌ على الأخلاقِ في الشرقِ كلّه                      إذا ما استبيحت في الخدور الكرائمُ

أقاسم لا تقذف بجيشك تبتغي                             بقومك والإسلام،ما الله عالم

اسائلُ نفسي إذ دلفت تريدها                              أأنتَ من البانين أم أنت هادمُ؟

ولولا اللواتي أنت تبكي مصابها                          لما قام للأخلاق في مصر قائم

(أحمد محرم مهاجماً قاسم أمين الذي كان يدعو للسفور)

يقول الكاتب العظيم مصطفى صادق الرافعي رحمه الله(الرسالة العدد63):

“كان الحلم الجميل في الحجاب وحده،يرغمني على الاعتقاد أن ههنا علامة التكرم ورمز الأدب وشارة العفة،وأن هذه المحصنة المخدرة عذراء أو امرأة لم تلق الحجاب عليها إلا إيذاناً بأنها في قانون عاطفة الأمومة لاغيرها،فهي تحت الحجاب لأنه رمز الأمانة لمستقبلها،ورمز الفصل بين ما يحسن وما لا يحسن،ولأن وراءه صفاء روحها الذي تخشى أن يكدر،وثبات كيانها الذي تخشى أن يزعزع”.

ويقول أيضاً رحمه الله(الرسالة العدد 73):

“واعلموا أن المرأة في أنوثتها وفنونها النسائية الفردية،كهذا السحاب الملون في الشفق حين يبدو،له وقت محدود ثم يمسخ مسخاً،ولكن الزوجة في نسائيتها الاجتماعية كالشمس،قد يحجبها ذلك السحاب ،بيد أن البقاء لها وحدها،والاعتبار لها وحدها،ولها وحدها الوقت كله”.

ويحذر الرسول هنا تحذيراً خاصاً من خلوة المرأة بأحمائها أي أقارب زوجها كأخيه وابن عمه ،لما يحدث عادة من تساهل في ذلك بين الأقارب قد يجر أحيانا إلى عواقب وخيمة ،لأن الخلوة بالقريب أشدّ خطراً من غيره، والفتنة به أمتن لتمكنه من الدخول إلى المرأة من غير نكير عليه بخلاف الأجنبي ومثل ذلك أقارب الزوجه من غير محارمها كابن عمها وابن خالها وابن خالتها  فلا يجوز لأحد منهم الخلوة بها ،قال رسول الله صلى الله عليه السلام: ” إياكم والدخول على النساء  فقال رجل من الأنصار يارسول الله أفرأيت الحمو،قال الحمو الموت “[متفق عليه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه]. يعني أن في الخلوة لأخطر والهلاك هلاك الدين إذاوقعت المعصيه ،وهلاك المرأة بفراق زوجها  إذا حملته الغيرة على تطليقها ،وهلاك الروابط الإجتماعية إذا ساء ظن الأقارب بعضهم ببعض ،ويتابع الدكتور القرضاوي : ” ومما حرمه الإسلام إطالة النظر من الرجل إلى المرأة،  ومن المرأة إلى الرجل ،فإن العين مفتاح القلب والنظررسول الفتنة، وبريد الزنى، ولهذا وجّه الله تعالى أمره إلى المؤمنين والمؤمنات جميعا بالغضّ من الأبصار مقترناً بأمره بحفظ الفروج، قال تعالى:{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنَّ ولا يُبدين زينتهنَّ إلا ماظهر منها }[النور 30 ـ 31] ويتابع حفظه الله :” ويلاحظ ان الآيه أمرت بالغضّ من البصرلا بغضّ البصر وذلك لأن الله سمح للناس بشئ من البصر رفعا للحرج ورعاية للمصلحة، فالغض من البصر ليس معناه إقفال العين عن النظر ولا إطراق الرأس إلى الأرض فليس هذا بمراد ولا مستطاع ،كما أن الغضّ من الصوت في قوله تعالى  {واغضض من صوتك }[لقمان 19] ، ليس معناه  إغلاق الشفتين عن الكلام ،وإنما معنى الغضّ من البصر خفضه وعدم إرساله طليق العنان يلتهم الغاديات والرائحات، أو الغادين والرائحين، فاذا نظر إلى الجنس الأخر لم يغلغل النظر إلى محاسنه، ولم يطل الإلتفات إليه والتحديق به ، ولهذا قال الرسول عليه الصلاه والسلام لعلي بن أبي طالب : ” يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الأخرة”  [رواه احمد وأبو داود والترمذي] ، وقد جعل النبي عليه الصلاه والسلام النظرات الجائعة الشرهة من أحد الجنسين إلى الآخر زنى العين فقال  : “العينان تزنيان وزناهما النظر”  [رواه البخاري] ، وإنما سماه زنى لأنه ضرب من التلذذ والإشباع للغريزة الجنسية  بغير الطريق المشروع .

وجاء في الحديث الشريف عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إياكم والجلوس في الطرقات  فقالوا يارسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا أبيتم إلا المجلس  فأعطوا الطريق حقه  قالوا وما حق الطريق  يا رسول الله ؟ قال :غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف  والنهي عن المنكر”  [رواه الشيخان].

وعن جرير قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأه قال: اصرف بصرك ” [رواه مسلم وابو داوود والترمذي  واحمد].

وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيه فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها . وقد علّق الإمام ابن  القيم رحمه الله على ذلك فقال :”وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزاً لأقرّه عليه” .

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله(الداء والدواء ص206):

“وأكثر ماتدخل المعاصي على العبد من أبواب أربع:اللحظات والخطرات واللفظات والخطوات”.

فأما اللحظات: فهي رائد الشهوة ورسولها،وحفظها أصل حفظ الفرج، فمن أطلق بصره أورد نفسه موارد المهلكات.وقال النبي صلى الله عليه وسلم:”لاتتبع النظرة النظرة،فإنَّ لك الأولى وليست لك الآخرة“[أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد عن بريدة بن الحصيب الأسلمي وقال الألباني حديث حسن].

ويتابع ابن القيم:”والنظرة أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان،فالنظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة،ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصيرعزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد،مالم يمنع منه مانع،وفي هذا قيل:”الصبر على غض البصرأيسرمن الصبرعلى ألم مابعده”.

ومن آفات النظر : أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ماليس قادراً عليه ولاصابراً عنه،وهذا من أعظم العذاب،أن ترى مالاصبر لك عن بعضه،ولاقدرة على بعضه”.

ويقول سيد قطب رحمه الله في قوله تعالى:{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}[النور 30]:

“إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف،لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة،ولا تُسثار فيه دفعات اللحم والدم في كل حين،فعمليات الإستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار شهواني لا ينطفىء ولا يرتوي.والنظرة الخائنة،والحركة المثيرة،والزينة المتبرجة،والجسم العاري…كلها لا تصنع شيئاً إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون…وإلا أن يفلت زمام الأعصاب والإرادة.فإما الإفضاء الفوضوي الذي لا يتقيد بقيد وإما الأمراض العصبية والعقد النفسية الناشئة من الكبح بعد الإثارة،وهي تكاد أن تكون عملية تعذيب…

وإحدى وسائل الإسلام في إنشاء مجتمع نظيف هو الحيلولة دون هذه الاستثارة،وإبقاء الدافع الفطري العميق بين الجنسين سليماً،وبقوته الطبيعية،دون استثارة مصطنعة،وتصريفه في موضعه المأمون النظيف.

ولقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة،والحديث الطليق والإختلاط الميسور،والدعابة المرحة بين الجنسين،والإطلاع على مواضع الفتنة المخبوءة…شاع أن كل هذا تنفيس وترويح،وإطلاق للرغبات الحبيسة،ووقاية من الكبت،ومن العقد النفسية،وتخفيف من حدة الضغط الجنسي،وما وراءه من اندفاع غير مأمون…الخ…

شاع هذا على إثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه من الحيوان،والرجوع به إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين وبخاصة نظرية فرويد،ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية،رأيت بعيني في أشد البلاد إباحية وتفلتاً من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والدينية والإنسانية ما يكذبها وينقضها من الأساس.

إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي،لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض،وتحقيق الخلافة لهذا اللإنسان فيها.فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود،وإثارته في كل حين تزيد من عرامته،وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة,فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمر.

والنظرة تثير،والحركة تثير،والضحكة تثير،والدعابة تثير،والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير.والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية،ثم يلبى تلبية طبيعية.وهذا هو المنهج الذي يختارهالإسلام مع تهذيب الطبع وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة،غير تلبية دافع اللحم والدم،فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد”.

ماهي فلسفة سيغموند فرويد حول الجنس؟

جاء في مقال للسيد أبو النصر أحمد الحسني الهندي في مجلة الرسالة المصرية العدد 155:

“إن من نابذ الأديان العداء في العصر الحاضرهو الطبيب النمساوي الفيلسوف سيجموند فرويد صاحب المذهب الخاص في علم النفس التحليلي،فهو قد رأى في حقيقة أعمال الإنسان،بل في جميع حركاته وسكناته رأياً غريباً،وهو أن أساسها العاطفة الجنسية،وأن الولد يُولد وعنده تلك العاطفة،وأن جميع خواطر الإنسان وهواجسه من الطفولة إلى الشيخوهة ترجع إليها.وعلى هذا فالإنسان عند فرويد مجسم الشهوانية وكتلة العاطفة الجنسية،ولا حقيقة عنده للأمور المعنوية الأخلاقية البحتة التي كثيراً ما طمحت إليها نفس الإنسان لتتسم فيها ذروة الشرف،ولا لنظم الروحانية المجردة عن تلك العاطفة مثل الأديان ،ولا لأمثالها التي طالما تطلعت إليها روحه فلم يأل جهداً في حيازة كمالها.فهكذا جرد فرويد الإنسانية من أوصافا المميزة،وحطها من مراتبها الروحانية السَنية،والدرجات الأخلاقية والمعنوية الرفيعة،إلى حضيض الحيوانية والهمجية.

قرر فرويد أن الدين عبارة عن وهم محض خُلق من المُهيجات والدوافع المرفوضة في نفسية البشرن لتجد تلك المهيجات والدوافع في دائرة الدين حرية العمل غير المسدود،وأن العقائد والمذاهب الدينية ليست إلا نظريات الطبيعة الإبتدائية التي سعى بها الإنسان لإنقاذ الحقيقة من قبحها العنصري،ولجعلها شيئاً أقرب إلى رغبة القلب من غير أن تسمح بذلك حقائق الحياة.

ومبنى هذا القرار هو نظريته التي أتى لها في علم النفس التحليلي،وخلاصة تلك النظرية هي أننا حينما نقوّم بيئتنا ونرتب ما حولنا نتعرض للمهيجات والدوافع المختلفة الكثيرة فنرد عليها.وعملية هذا الرد إذا تكررت كثيراً تتحول إلى العادة فتصبح نظاماً للرد أكثر ثباتاً مما لم يتكرر،ثم هي تتقدم بالاستمرار في التعقيد،وذلك لأننا عند الرد نقبل بعض تلك المهيجات ونهصمها،ونرفض الأخرى التي لا توافق نظام ردنا الثابت،فتتراجع إلى منطقة من العقل مسماة”بالمنطقة اللاشعورية” أو”منطقة ما تحت الشعور”،وتبقى فيها حتى تجد فرصة سانحة للإنتقام من الذات المركزية والهجوم عليها وحينئذ تقدر أن تغير خططنا للعمل،وتفسد أفكارنا،وتشيد أحلامنا وأوهامنا،أو تجرنا إلى تصورات سيرتنا الأولى التي كنا تركناها طوع سنة الارتقاء على مسافة شاسعة،فالدين عند فرويد مخلوق هذه المهيجات والدوافع المرفوضة،وثمرة اقتحامها الذات المركزية.

ويخالف الدكتور الفيلسوف محمد إقبال هذا الرأي السقيم أشد مخالفة،وقال من محاضرة له:”إن من تجرد الشيطانية عن سلطة الألوهية أن قام فرويد وأنصاره بخدمة للدين تفوق التقدير إنني لا أستطيع أن أمتنع عن القول بأن النظرية الأساسية في علم النفس الجديد هذا لا تظهر لي مؤيدة بدليل قطعي حاسم.فلو كانت مهيجاتنا ودوافعنا المتشردة تهاجمنا في الحلم أو في الأوقات الأخرى التي لسنا فيها في حالتنا الأصلية،فلا يتأتى من ذلك الهجوم أنها تبقى مسجونة في مكان يشبه مكان سقط المتاع وراء ذاتنا الطبيعية. إن هجوم هذه المهيجات والدوافع المكبوتة على منطقة ذاتنا الطبيعية يفضي أكثر إلى تبيين أن لنظام ردنا العادي تمزقاً وقيتاً من أن يثبت وجودها الدائمي في زاوية مظلمة من العقل…أما القول بأن العقائد والمذاهب الدينية ليست إلا نظريات الطبيعة الالبتدائية التي سعى بها الإنسان لإتقاذ الحقيقة من قبحها العنصري ولجعلها شيئاً أقرب إلى القلب من غير أن تسمح بذلك حقائق الحياة، فلا أنكر أن هناك أدياناً وأمثالاً من الفن تحث الإنسان على الهروب من حقائق الحياة وتساعده عليهنولكن الذي أريد أن أقول هو إنه لا يصدق على جميع الأديان.فلا نزاع في أن للمذاهب والعقائد مضامين تتعلق بما وراء الطبيعة،ولكنه أيضاً بين أنها ليست تفسير مدلولات الاختبار الذي هو موضوع بحث العلوم الطبيعية.

إن الدين غير علم الطبيعة،وعلم الكيمياء اللذين يشرحان الطبيعة بقانون السبب والمسبب،إنما الدين يقصد التعبير عن منطقة الاختبار الإنساني الذي يختلف عن غيره تمام الاختلاف ـ الاختبار الديني ـ الذي لا يمكن أن تحول مدلولاته إلى مدلولا علم آخر.وفي الحق إنه يجب علينا أن نقول في إنصاف الدين إنه أصر على ضرورة الاختبار المعين في الحياة الدينية قبل أن يعرف ذلك العلم بكثير.فالخصام بين الدين والعلم ليس بقائم على أن لأحدهما وجوداً والثاني لا وجود لهنبل على الاختبار المعينز فكلاهما يقصدان الاختبار المعين كنقطة الافتراق بينهما،وعلى هذا فالخصام المفروض بينهما ناشىء عن سوء الفهم  وهو أن كلا منهما يعبر عن مدلولات الاختبار الواحد.إننا ننسى أن الدين يتوخى الوصول إلى المضمون الحقيقي لنوع خاص من الاختبار الإنساني.

ولا يمكن أن نفسر مضمون الشعور الديني بنسبته إلى عملية العاطفة الجنسية.فإن الشعورين ـ الجنسي والديني ـ في الغالب متخاصمان أو على الأقل في أوصافهما المميزة،وفي غرضيهما وفي نوع السيرة التي ينتجها كل منهما يختلفان كل الاختلاف.والحق أننا في حالة العاطفة الدينية نعلم الحقيقة الواقعية بمفهوم أنها خارجة عن دائرة شخصيتنا الضيقة،وللشدة التي تهز بها تلك العاطفة الدينية أعماق وجودنا تلوح للعالم بعلم النفس أنها ثمرة”منطقة ما تحت الشعور”. إن في كل علم يوجد عنصر العاطفة،ويزداد موضوع العلم وينقص في قيمة موضوعيته على حسب الزيادة والنقص في شدة تلك العاطفة.فإن الشىء الذي يقدر أن يهز جميع شخصيتنا هزاً شديداً أكثر حقيقة لنا”.

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله ( منبر الإسلام السنة 16 ربيع الاخر 1378 العدد 4 ) :

“يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف “النظرة سهم مسموم من سهام إبليس _لعنه الله _ من تركها خوفاً من الله أتاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه[أخرجه  الطبراني والحاكم وضعفه الألباني والمنذري والهيثمي] ” .يقول الغزالي  رحمه الله:” فخطورة النظرة الخبيثة أنها محور لما يسميه علماء النفس بتداعي المعاني . إن الفيضان المدمر قد يبدأ ثقباً صغيراً في السدود الحاجزة ،والحريق المستعر قد تبدأ شرراً خفيفاً .كذلك تمرغ المرء في المعصية وتقلبه في حمأتها إنما ينشأ عن تهاون واستخفاف،النظرة العابرة تعقب قلقاً وخواطر مبلبلة، وتثير في نواحي النفس لغطاً وحيرة .. وأدنى مراتبها أنها لو لم تجلب شراً عاجلاً فهي عائق عن الفضيلة والتجرد لها، وكما قال الشاعر :

وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً         لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر         عليه ولا عن بعضه أنت صابر

أما حين يملك الرجل إرادته ويحكم نظره ويراقب ربه ويمشي في طريقه وهو موقن بأنه لن يغيب لحظة عن شهوده وهو القائل :{ يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } [غافر 19] .

ويقول الدكتور محمد لطفي الصباغ  حفظه الله (في كتاب قضايا في الدين والحياه والمجتمع ص103) :

“والنظرة سهم من سهام الشر، وقد تكون سلما إلى البلاء والشقاء وسبباً إلى مهاو من الإنحراف لا قرار لها، فكم من نظرة محرّمة  آلمّت صاحبها وأفسدت عليه أمره ولم يستفد منها شيئاً محمودا ،لكنها نغصت عليه حياته التي كان قانعا بها راضيا عنها  وكم من نظرة محرّمة هدمت حياة صاحبها وقوضّت دعائم سعادته وهنائه ،وقد تقوده الى الإثم الغليظ  والجريمة المنكرة، وقد تقضي عليه بالمرض والعقد النفسية حتى تنتهي به إلى الموت وإن عمّ ذلك كانت الفوضى والإعتداء على الحرمات واختلاط الأنساب واختلال حبل الأمن، وتعكير صفو المجتمع، ويتابع  رحمه الله :”إنّ غضّ البصر مطلوب، ولو كانت المرأة محجبة محتشمة،لأن المرأة تبقى فتنة، فقد روى مسلم والترمذي وأبو داود عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان (والحديث عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة ، فأتى امرأته زينب وهي تمعس(تدلك)منيئة(جلداً) لها فقضى حاجته ،ثم خرج إلى أصحابه فقال:”إنّ المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت اهله فإن ذلك يردُّ ما في نفسه ” .وفي رواية عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم”إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يردّ ما في نفسه“[ أخرجه مسلم ] . ولم يمنعها الشرع من المرور في الطريق إن كانت لها حاجة فوجب على المسلم أن يغضّ بصره، وغضّ البصر مطلوب في كل وقت وهو الآن مطلوب على وجه أكبر  لما نرى في الشوارع من التبرُّج الساقط وعرض المحاسن  وإغراء الشباب  بالنظر والإثم ويتابع  رحمه الله :”لقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من البلاد فالنساء يخطرن كاسيات عاريات مائلات ممُيلات يتثنّين في مشيتهن ويتبخترن رؤوسهن كأسنمة البخت،  وجاء في الحديث الشريف  قال صلى الله عليه وسلم : ” صنفان من أهل النار لم أرهما ،قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس،ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ” [أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]، فقد تحققّت هذه النبؤة الصادقة فالمراة تسير في بعض البلاد وهي تلبس لباساً مزركشاً يُبرز المفاتن ولا يستر إلا القليل من جسمها بل لا تكاد  تستر الواحدة منهن من جسمها إلا ماقبح مرآه  والعياذ بالله تعالى، فلو قال قائل أنها كاسية كان صادقا ولو قال إنهاعارية كان صادقا، وتتزين أتمَ زينة وتتطيّب بأفخر أنواع العطر، وتنطلق الروائح الزكية قبل مرورها وبعده وهذا مُحّرم، وتختال تقطع الشوارع، إنها فتنة عظيمة فمن الجدير بالمسلم ألاّ يعرض نفسه إلى أماكن الفتنة، ويتابع  رحمه الله:”إن الفتنة بالنساء أضرّ الفتن، قال صلى الله عليه وسلم :” ماتركت بعدي فتنة اضرّ على الرجال من النساء “[ رواه الشيخان وأحمد والترمذي  والنَسائي وابن ماجة]، ويتابع:” إن الأمر بغضّ النظرهو من سد الذرائع لأن النظرة الآثمة طريق للوقوع  في الحرام، والإسلام العظيم لا يمكن أن يبيح سببا مؤديا إلى منكرولا أن يُقرّ مقدمات الجريمة مع اعترافه بأنها تفضي إلى الجريمة الُمحّرمة  قال شوقي:

وكن في الطريق عفيف الخُطا               شريف السماع كريم النظر

وكن رجلا  إن أتوا بعده                           يقولون مرّ وهذا الأثر

انتهى كلام الدكتور ابو لطفي الصباغ .

ويعلق الأستاذ  د.محمد لطفي الصباغ على الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:”استحيوا من الله حق الحياء. قالوا :إنا نستحي يا نبي الله والحمد لله . قال:ليس كذلك . ولكن من استحي من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى ،وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الأخرة ترك زينة الدنيا، ومن فعل ذلك فقد استحي من الله حق الحياء ” [رواه الترمذي بإسناد حسن ]. يقول الأستاذ الصباغ:

“فالحياء من الله يقضي بأن يذكر الموت والبلى،وإنه لحديث ينطق بالحكمة، إن الحياء من الله أن يحفظ المسلم رأسه وما وعى من فكر وسمع وبصر وشم ونطق، فإذا حفظ ذلك من الإنحراف ومخالفة أمر الله أقام دليلاً على أنه يستحي من الله حق الحياء ولم يبق كلامه مجرداً عن البرهان .وأن الحياء من الله أن يحفظ المسلم بطنه وما حوى من قلب ومعدة وفرج، فإذا كان قلبه معلقاً بالله ، ولم يدخل بطنه لقمة حرام ،وحفظ فرجه عما يحرم عليه كان ممن يستحي من الله حق الحياء.انتهى كلام الدكتور الصباغ.

وهناك قصة معروفة عن فتنة النظر حدثت في خلافة عمر الفاروق رضي الله عنه ،حيث افتتنت إحدى النساء بجمال أحدهم  وكان اسمه نصر بن حجاج حتى تمنّت أن تشرب الخمر وتلقاه فارسل إليه عمر الفاروق فإذا هو أحسن الناس شَعراً،وأصبحهم وجهاً، فأمره أن يحلق شعره، فظهر جبينه ووجنتاه، فازداد حُسناً، ثم أمره أن يَعتّم(أي يلبس العمامة)،فزادته العمامة زينة وغواية، فقال لايسكن معي رجل تهتف به العوائق، وزوّده بمال وأرسله إلى البصرة ليعمل في تجارة تشغله عن النساء.

وهناك واسطة أخرى للإغراء وهو الحديث والكلام الملئ بالإغراء والميوعة والإغواء ،وهذا قد يكون أشد من زنا النظر،وزنا اللسان النطق ،ويقول تعالى : {يانساءَ النَّبيّ لَستُنَّ كأحدٍ من النساء إن اتَّقيتُنَّ فلا تَخضعنَ بالقولِ  فَيطمعَ الذي في قلبهِ مرضٌ }[الأحزاب 32].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كُتب على ابن أدم نصيبه من الزنا ،مدرك ذلك لا محالة، 

العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الإستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ” [متفق عليه وهذا لفظ مسلم] .وفي رواية لمسلم”والفم يزني وزناه القبل”.

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في الآية 32 من سورة الاحزاب:

“ينهاهن حين يخاطبن الأغراب من الرجال أن يكون في نبراتهن ذلك الخضوع اللين الذي يثير شهوات الرجال ويحرك غرائزهم،ويُطمع مرضى القلوب ويهيج رغائبهم.

ومن هنّ اللواتي يحذرهنّ الله هذا التحذير؟إنهنّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين،اللواتي لا يطمع فيهن طامع،ولا يرف عليهن خاطر مريض.

وفي أي عهد هذا التحذير؟في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الاعصار.

ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول،وتترقق في اللفظ ما يثير الطمع في قلوب،ويهييج الفتنة في قلوب،وأن القلوب المريضة التي تُثار وتطمع موجودة في كل عهد،وفي كل بيئة،وتجاه كل امرأة،ولو كانت هي زوج النبي الكريم،وأم المؤمنين،وأنه لا طهارة من الدنس،ولا تخلص من الرجس،حتى تمتنع الأسسباب المثيرة من الأساس”.

ويقول الشيخ العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله(مجلة المنار العدد199):

“وظاهر أن المراد بالنظرهو النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوة والمراد بالبطش لمسها وفي معنى اليد غيرها فكل ملامسة محرمة.فاستمتاع الرجل بغير امرأته أو جاريته المملوكة له ملكاً صحيحاً شرعياً محرم كيفما كان سواء أنزل أم لم ينزل ومقتضى الحديث الصحيح الذي تقدم أن هذا الاستمتاع يسمى زنا وأن للزنا مراتب أدناها النظر بشهوة عمداً وأقصاها الفاحشة الكبرى المعروفة،وإنما وضع الحد على من انتهى إلى الدرجة القصوى لأن المضرات البدنية والأدبية التي يعاقب الحكام مرتكبيها لاتظهر إلا في هذه الدرجة فالنظر مما يكثر وقوعه ولايعرف كونه بشهوة إلا من الناظر فترتيب الحد عليه حرج عظيم لأنه من اللمم الذي ترجى مغفرته باجتناب ماوراءه{الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}[النجم32] وأما اللمس والتقبيل فمضراته في الإصرار ومنها تجرئة مرتكبه على المحارم إذا لم يبادر إلى التوبة منه وهي مضرة روحية لا أثر لها في الأمة ـ أو الهيئة الاجتماعية كما يقولون ـ إلا إذا تعدى الرجل على المرأة أو فعل ذلك بحضور الناس ولذلك درجات تختلف باختلاف الأشخاص والمكان والزمان ليس من العدل أن توضع لها عقوبة معينة لاتختلف كما هو معنى الحد وإنما عقوبتها التعزير الذي يفوض إلى رأي الحاكم.فعلم من ذلك أن عدم وضع الحد على مثل هذه الأمور ليس دليلاً على إباحتها ولا على كونها هينة عند الله تعالى.

ويتوهم بعض الناس أن ما أشرنا إليه من أنواع الاستمتاع بالنساء دون الوقاع لم يحرم إلا لأنه مقدمة للوقاع الذي تترتب عليه المفاسد الكثيرة وإن من وثق بنفسه وقدر على منعها من الوقاع حل له أن يستمتع بالمرأة الأجنبية كما يشاء إذ لامفسدة في هذا(بزعمهم) ويقول بعض الفقهاء لاكبيرة بما دون الفتحشة الكبرى وهي الوقاع.وإنني أتعجب أشد التعجب من كون هذا مما يخفى تحريمه على مسلم ويرى إنه مما يستفتى فيه.

نعم إنه لم يحرم شيئ في الشريعة الإسلامية إلا لأنه ضار بفاعله أو بالناس مباشرة أو مفض إلى الضرر وإن استباحة استمتاع الرجال بالنساء فيما دون الوقاع ضار بالمستمتعين والمستمتعات وبغيرهم.وإن لذلك مضرات كثيرة نذكر منها على سبيل الإيجاز:

أحدها:إن هذا الاستمتاع يغري صاحبه بالشهوة، ويولعه باللذة،حتى لايكون له هم سواها،فإن من طبيعة نفس الإنسان أنها إذا أخذت بمبادئ الأمر المستلذ بالطبع تتدرج فيه حتى تصل إلى غايته،وتكون قبل الوصول إلى الغاية في بلبال وهم،وإشتغال فكر وقلب،وهذا ضرر في نفسه وهو أصل لمضرات أخرى تنشأ عنه كما يعلم مما يأتي.

ثانيها:إنه يورث النفس الصغار والضعة لأن الولوع بملاعبة النساء شر من الولوع بملاعبة الأطفال أو الحمام فإن هذه على كونها اشتغالاً بالمحقرات والسفاسف التي تنافي كبر العقل وعزة النفس ليس فيها من الخنوثة ومهانة النفس مافي الولوع بملاعبة النساء.

ثالثها:إنه يملك الهوى وحب اللذة زمام الإرادة وقلما تجد عند صاحبه عزيمة ثابتة إلا ماعساه يكون في طلب لذته،ومن يستحل الزنا فيرتكبه عند شدة الدعاية إليه في المواخير العامة لايكون عرضة لهذه الغائلة وماقبلها كالمسترسل في ملاعبة النساء والاستمتاع بهن في غير المسيس،وإن كان للزنا مضرات أخرى شر منهما.

رابعها:إنه لابد لأن ينتهي أمر هذا الاستمتاع بالفاحشة الكبرى لما فيه من الإلحاح بالإغراء،والتجرئة على العصيان،فإن كان الفاسق يستمتع بعذراء يحافظ على شرفها،ويخشى عاقبة فضيحتها،وقوي ذلك على ضبط نفسه معها،فإنه لابد أن يجمع به سلطان الهوى المطاع إلى غيرها.

خامسها:إن وازع الدين والحياء من الله تعالى يضعف ويضمحل في نفس هذا المستمتع في ذلك من الضرر الروحاني ما لامحل لشرحه هنا .

سادسها:إن هذا العاصي لسلطان الدين،الخاضع لسلطان الشهوة،لايكتفي غالباً بالاستمتاع بامرأة واحدة لاسيما إذا كانت الخلوة بها لاتيسر له دائماً فهو إذا جاء الوقت تهم به داعية الشهوة بدافع من التأثر والتأثير العصبي فيلتمس غير من عرفها أولا حتى لايضيع كثيراً من وقته ويحرم بذلك من إتقان عمله في معيشته.

سابعها:أن هذا العاصي يفسد بإسلاس قياده للذة كثيراً من النساء وهذا شر في نفسه وربما يتولد منه شرور أخرى كالتنازع بين الفاسقين أو بين الفاسق وأقارب المرأة.

ثامنها: أن في هذا التنقل في الفسق من إتلاف المال مايقل عنه كل إتلاف.

تاسعها:أن من اعتاد على التنقل في مراتع الفسق كثيراً مايرغب عن الزواج ويكتفي بالمسافحة أو اتخاذ الأخدان وفي ذلك من المفاسد مافيه.

عاشرها:أن من اعتاد ذلك يحرم في الغالب من السعادة البيتية التي ملاكها قناعة كل من الزوجين بالآخر،ومن تنقل في مراتع الفسق لايكاد يرضى بمن يتزوج بها لاسيما إذا اعتاد الاستمتاع بمن هي أجمل منها شكلاً، أو الطف في ذوقه دلا، وكذلك المرأة، وناهيك بما في فقد هذه القناعة من ضروب الشقاء،والجناية على النسل ،فإنه مخرب للبيوت التي تتألف منها الأمة.

وجملة القول أن الاستمتاع المسئول عنه ضار في ذاته ومؤد إلى الفاحشة حتماً ولكنه شر طريق إليها لأن من وقع في الفاحشة ابتداء يوشك أن يدرك قبحها ويتوب منها قبل الاسترسال فيها ولكن من يقدم لها تلك المقدمة المهيجة فإنه ينغمس فيها حتى يغرق ويكون من الهالكين”.انتهى كلام الشيخ رشيد رضا.

فإن زادت الشهوة وصعب على الشاب كبحها ولم يستطع الزواج فعليه بالصيام ،جاء في الحديث الشريف”   يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءه فليتزوج فإنه أغضّ للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ” [رواه الجماعة].  (والوجاء : مايصرفه  عن الشهوة)

وجاء في دائرة السفير للمعارف : الباءة في اللغة : اسم يطلق على الجماع والنكاح وأصلها من الفعل باء يبوء ويدور حول معنيين : الرجوع إلى الشئ واللزوم ،يقال باء إلى كذا : رجع اليه وباء الرجل المكان: أقام به ولزمه، ومن المعنى الثاني أطلقت الباءة على الجماع والنكاح لأن الرجل  يتبوأ من أهله أي يستمكن  كما يتبوأ من داره .

وجاء في لسان العرب لإبن منظور :الباءة والباء: أي النكاح ،وسمي باء من المباءه لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن من أهله  كما يتبوأ من داره .

وفي حديث أخر جاء شاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الخصاء فقال له: “صم واسأل الله من فضله “[ رواه أحمد ].

وكذلك فإن إقناع الشخص بعدم ممارسة الزنا وبيان عواقبه مما يسهل عليه الإبتعاد عنه وما أفضل عندما يجتمع الوازع الديني مع الوازع العقلي التربوي ،عن ابي أمامة قال: إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه فقالوا :مه مه  فقال :ادنه فدنا منه قريباً قال فجلس قال :أتحبه لأمك؟ قال لا والله جعلني الله فداك ،قال ولا الناس يحبونه لأ مهاتهم، قال أفتحبه لأبنتك؟ قال لا والله يارسول الله جعلني الله فداك،قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال :أ تحبه لأختك ؟ قال لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم ،قال :أ تحبه لعمتك؟”  قال لا والله جعلني الله فداك ، قال :ولا الناس يحبونه لعماتهم،قال :أ تحبه لخالتك ؟ قال لا والله جعلني الله فداك ، قال ولا الناس يحبونه لخالاتهم،

قال فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه ،قال فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيئ” [رواه أحمد في مسنده] .

يقول تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله }[ النور 33].

وقد جاء التحذير من الزنا ومن كل مايُقرِّب منه على لسان عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم ،لأن الدين واحد والعقيدة واحدة أيضاً،كما جاء على لسان كل الأنبياء والرسل صلى الله عليهم وسلم،جاء في كتاب عباس محمود العقاد (المسيح ص129 ): ” وقيل للقدماء:لا تزن،أما انا فأقول لكم :إنّ من ينظر ألى امرأة فيشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن كانت عينك اليمنى تلقي لك في العثرات فاقلعها وألقها عنك، فخير لك ان يهلك عضو لك من أن تهلك كلك “.

وقد جاء في سفر الخروج من العهد القديم: “لا تزن ولا تسرق ولا تشهد على قريبك شهادة زور ولا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته…

وقد توعد الله عز وجل ورسوله الكريم الزاني والزانية بأقصى العقوبات في الدنيا والأخرة ،قال تعالى: {والذين لايَدعُونَ معَ اللهِ إلهاً أخرَ ولايقُتلُونَ النفسَ التي حَرّمَ الله إلّا بالحَقِّ ولا يَزنونَ ومن يَفعلْ ذلكَ يَلقَ أثاماً * يُضاعف له العذابُ يومَ القيامةِ ويَخلُد فيه مهانا} “[سورة الفرقان  68 ـ 69]،فقد قرن الله تعالى الزنا مع الشرك بالله تعالى ومع قتل النفس .وقال تعالى :{الزانيةُ والزاني فاجلدوا كُلَّ واحدٍ مِنهُما مائةَ جلدةٍ ولا تأخُذكُم بهما رَافةٌ في دين الله إن كُنتُم تُؤمِنُونَ باللهِ واليومِ الأخرِ وليَشهد عَذابَهُما طائفةٌ من المؤمنين} [النور 2]،هذا ينطبق على العزب، وأما المتزوجون والمتزوجات فالعقوبة الرجم حتى الموت.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله(الداء والدواء ص204):

“ولما كانت مفسدة الزنى من أعظم المفاسد،وهي منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب،وحماية الفروج وصيانة الحرمات،وتوقى مايوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس،من إفساد كل منهم امرأة صاحبه وابنته وأخته وأمه،وفي ذلك خراب العالم،كانت تلى مفسدة القتل في الكبر،ولهذا قرنها الله سبحانه بها في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في سننه.قال الإمام أحمد:” ولا أعلم بعد قتل النفس شيئاً أعظم من الزنى”.

وقد أكد سبحانه حرمته، بقوله:{والذينَ لايدعونَ مع الله إلهاً آخر ولايقتلون النفسَ التي حرّمَ الله إلاّ بالحقِّ ولايزنون ومن يفعل ذلكَ يلقَ أثاماً *يُضاعف لهُ العذابُ يومَ القيامة ويخلد فيه مهاناً* إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً}[الفرقان68 ـ 70].

فقرن الزنى بالشرك وقتل النفس،وجعل جزاء ذلك الخلود في العذاب المضاعف،مالم يرفع العبد موجب ذلك بالتوبة والإيمان والعمل الصالح.

وقال تعالى:{ولاتقربوا الزنى إنّهُ كانَ فاحشةً وساءَ سبيلا}[الإسراء 32]،فأخبر عن فحشه في نفسه،وهو القبيح الذي قد تناهى قبحه حتى استقر فحشه في العقول عند كثيرمن الحيوان،كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال:”رأيت في الجاهلية قرداً زنى بقردة، فاجتمع القرود عليهما فرجموهما حتى ماتا”، ثم أخبر عن غايته بأنه ساء سبيلا،فإنه سبيل هلكة وبوار وافتقار في الدنيا وعذاب وخزي ونكال في الآخرة.

ولما كان نكاح أزواج الآباء من أقبحه خصّه بمزيد ذم. فقال:{إنّهُ كانَ فاحشةً ومَقتاً وساءَ سبيلا}[النساء22].

وعلق سبحانه فلاح العبد على حفظ فرجه منه، فلاسبيل إلى الفلاح بدونه.فقال:{ قد أفلح المؤمنون* الذينَ هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللّغوِ مُعرضون*والذين هم للزكاةِ فاعلون* والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غيرُ مَلومين} إلى قوله تعالى:{فمن ابتغى وراءَ ذلكَ فأولئكَ هُمُ العادون}[الفرقان 1 ـ 7].

وهذا يتضمن ثلاثة أمور:أن من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين وأنه من الملومين،ومن العادين،ففاته الفلاح، واستحق اسم العدوان،ووقع في اللوم،فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها ايسر من بعض ذلك.

فإمر الله تعالى نبيه أن يؤمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم، مطلع عليها{يعلمُ خائنةَ الأعينِ وماتُخفي الصدور}[غافر 19].

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في “الظلال” :

“في الآية الثانية من سورة النور وحول موضوع جلد الزاني والزانية غير المتزوجين: “فهي الصرامة في إقامة الحد،وعدم الرأفة في أخذ الفاعلين بجرمهما،وعدم تعطيل الحد أو الترفق في إقامته،تراخياً في دين الله وحقه ،وإقامته فيمشهد عام تحضره طائفة من المؤمنين، فيكون أوجع وأوقع في نفوس الفاعلين ونفوس المشاهدين.ثم يزيد في تفظيع الفعلة وتبشيعها، فيقطع مابين فاعليها وبين الجماعة المسلمة من وشيجة:

{الزاني لا ينَكِحُ إلَّا زَانيةً أو مُشرِكةً والزانيةُ لا يَنكِحُها إلّا زَانٍ أو مُشركٌ وحُرِّمَ ذلكَ على المؤمنين}[النور 3]،وإذن فالذين يرتكبون هذه الفعلة لا يرتكبونها وهم مؤمنون. إنما يكونون في حالة نفسية بعيدة عن الإيمان وعن مشاعر الإيمان.ويتابع رحمه الله :”من هنا شدّد الإسلام في عقوبة الزنا بوصفه نكسة حيوانية، تذهب بكل هذه المعاني،وتطيح بكل هذه الأهداف،وترد الكائن الإنساني مسخاً حيوانياً،لا يفرق بين أنثى وأنثى،ولا بين ذكر وذكر. مسخاً كل همه إرواء جوعة اللحم والدم في لحظة عابرة. فإن فرق وميز فليس وراء اللذة بناء في الحياة، وليس وراءها عمارة في الأرض،وليس وراءها نتاج ولا إرادة نتاج! بل ليس وراءها عاطفة حقيقية راقية، لأن العاطفة تحمل طابع الإستمرار. وهذا ما يفرقها من الانفعال المنفرد المتقطع،الذي يحسبه الكثيرون عاطفة يتغنون بها،وإنما هي انفعال حيواني يتزيا بزي العاطفة الإنسانية في بعض الأحيان! ” .

ويقول أيضاً رحمه الله معقباً على العقوبة القاسية التي تلحق بالزاني والزانية من الجلد والرجم في سورة النور:

“والإسلام وهو يضع هذه العقوبات الصارمة الحاسمة لتلك الفعلة المستنكرة الشائنة لم يكن يغفل الدوافع الفطرية أو يحاربها.فالإسلام يقدر أنه لا حيلة للبشر في دفع هذه الميول ولا خير لهم في كبتها أو قتلها.إنما أراد الإسلام محاربة الحيوانية التي لا تفرق بين جسد وجسد،أو لا تهدف إلى إقامة بيت،وبناء عش،وإنشاء حياة مشتركة،لا تنتهي بانتهاء اللحظة الجسدية الغليظة.وأن يقيم العلاقات الجنسية على أساس من المشاعر الإنسانية الراقية،التي تجعل من التقاء جسدين نفسين وقلبين وروحين،وبتعبير شامل التقاء إنسانين،تربط بينهما حياة مشتركة،وآمال مشتركة،وآلام مشتركة،ومستقبل مشترك،يلتقي في الذرية المرتقبة،ويتفاعل في الجيل الجديد،الذي ينشأ في العش المشترك،الذي يقوم عليه الوالدان حارسين لا يفترقان.

من هنا شدّد الإسلام في عقوبة الزنا بوصفه نكسة حيوانية،تذهب بكل هذه المعاني،وتطيح بكل هذه الأهداف،وترد الكائن الإنساني مسخاً حيوانياً،لا يفرق بين أنثى وأنثى،ولا بين ذكر وذكر.مسخاً كلّ همّه إرواء جوعة اللحم والدم في لحظة عابرة.فأن فرّق وميّز فليس وراء اللذة بناء في الحياة.وليس وراءها عمارة في الأرض،وليس وراءها نتاج ولا إرادة نتاج.بل ليس وراءها عاطفة حقيقية راقية،لأن العاطفة تحمل طابع الاستمرار،وهذا ما يفرقها من الانفعال المنفرد المتقطع،الذي يحسبه الكثيرون عاطفة يتغنون بها،وإنما هي انفعال حيواني،يزيا بزي العاطفة الإنسانية في بعض الأحيان.

إن الإسلام لا يحارب الفطرة ولا يستقذرها،إنما ينظمها ويطهرها،ويرفعها عن المستوى الحيواني،ويرقيها حتى تصبح المحور الذي يدور عليه الكثير من الآداب النفسية والاجتماعية.

فأما الزنا ـ وبخاصة البغاء ـ فيجرد هذا الميل الفطري من كل الرفرفات الروحية،والأشواق العلوية،ومن كل الأداب التي تجمعت حول الجنس في تاريخ البشرية الطويل ،ويبديه عارياً غليظاً قذراً كما هو في الحيوان،بل أشد غلظاً من الحيوان.ذلك أن كثيراً من أزواج الحيوان والطير تعيش متلازمة،في حياة زوجية منظمة،بعيدة عن الفوضى الجنسية التي يشيعها الزنا ـ وبخاصة البغاء ـ في بعض بيئات الإنسان.

على أن الإسلام لا يشدد في العقوبات هذا التشديد إلا بعد تحقيق الضمانات الوقائية المانعة من وقوع الفعل،ومن توقيع العقوبة إلا في الحالات الثابتة التي لا شبهة فيها.فالإسلام منهج حياة متكامل،لا يقوم على العقوبة،إنما على توفير أسباب الحياة النظيفة.ثم يعاقب بعد ذلك من يدع الأخذ بهذه الأسباب الميسرة ويتمرغ في الوحل طائعاً غير مضطر.

فإذا وقعت الجريمة بعد هذا كله فهو يدرأ الحد ما كان هناك مخرج منه لقوله صلى الله عليه وسلم:”ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة“[أخرجه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها].

لذلك يطلب شهادة أربعة عدول يقرون برؤية الفعل،أو اعترافاً لا شبهة في صحته.

وقد يظن أن العقوبة إذن وهمية لا تردع أحداً،لأنها غير قابلة للتطبيق.ولكن الإسلام لا يقيم بناءه على العقوبة،بل على الوقاية من الأسباب الدافعة إلى الجريمة،وعلى تهذيب النفوس،وتطهير الضمائر،وعلى الحساسية التي يثيرها في القلوب،فتتحرج من الإقدام على جريمة تقطع ما بين فاعلها وبين الجماعة المسلمة من وشيجة.ولا يعاقب إلا المتبجحين بالجريمة،الذين يرتكبونها بطريقة فاضحة مستهترة فيراها الشهود.أو الذين يرغبون في التطهير بإقامة الحد عليهم كما وقع لماعز ولصاحبته الغامدية”.

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني،والنفس بالنفس،والتارك لدينه المفارق للجماعة

يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله :

“الثيب الزاني أي الزاني المُحصن المتزوّج،فمن زنى وهو متزوج بعد أن عرف الطريق إلى الحلال الطيب،وعرف نعمة الله عليه بالزوجية،ونعمة الله عليه بظلِّ الأسرة يظلّله، بعد أن عرف ذلك، ثم خان زوجته، أو عرفت المرأة ذلك ثم خانت زوجها من فعل ذلك فقد استحق الموت.استحقّ الموت رجماً..هكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمن زنى وهو محصن،أو زنت وهي محصنة..رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً اسمه ماعز،ورجم امرأة من غامد تعرف بالغامدية، ورجم يهوديين،وأمر أحد أصحابه واسمه أنيس أن يرجم امرأة زنت وهي متزوجة إذا اعترفت بذلك، فاعترفت فرجمها.ويتابع الشيخ حفظه الله :ولكن الإسلام لا يجعل هذه العقوبة إلا لمن يعلن بها، ويفجُر بها جهرة علانية أمام الناس، بحيث يراه أربعة من الشهود العدول المؤمنين المستقيمين، الذين لا جرح فيهم، ولا عيب في سلوكهم،وهو يرتكب الفاحشة رأي العين،علانية بلا استخفاء ولا استحياء… أو يقرّ هو على نفسه أربع مرات بأنه زنى، يقر بذلك في مجلس الحكم والقضاء”.انتهى كلام القرضاوي

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ثلاثةٌ لايُكلمهم الله يوم القيامه ولا يزُكيهم ولا ينظر اليهم ولهم عذاب أليم  :شيخ زان،وملك كذاب، وعائل متكبر “[أخرجه مسلم] .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله : أيّ الذنب أعظم عند الله تعالى ؟ قال: .أن تجعل لله ندا وهو خلقك،  فقلت :إ ن ذلك لعظيم، ثُمّ أي ؟ قال :أ ن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت :ثُمَّ أي ؟قال : أن تزني بحليلة جارك ” [أخرجه الشيخان].

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيمن يريد ان يلم بأمرأة حامل من السبي:لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه قبره ،كيف يورثه وهو لا يحل له ؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له ؟ [رواه مسلم] ، ومعنى هذا أن المرأة السبية لا يحل جماعها حتى تضع وذلك من أجل حفظ المجتمع من أن تختلط فيه الأنساب.

وفي الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه قبل غزوة خيبر : “لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره_(يعني إتيان الحبالى من السبايا ) _ولا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم آخر أن يقع على  امرأة من السبي حتى يستبرئها”.[رواه أبو داود عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وقال الألباني حديث حسن]

وفي صحيح البخاري في حديث منام النبي صلى الله عليه وسلم  الذي رواه سمرة بن جندب وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل وميكائيل قال فانطلقنا فأتينا من مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه لغط وأصوات،قال فاطلعنا عليه فإذا فيه رجال ونساء عراة فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا اتاهم ذلك اللهب ضوضوا أي صاحوا من شدة حرّه فقلت من هؤلاء ياجبريل : قال :هؤلاء الزناة والزواني”  .

وفي حديث أخر : “ثلاثة لا يكلمهم الله  عز وجل يوم القيامة ،ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ،ولهم عذاب أليم :المنّان بما أعطى، والمُسبلُ إزارَه، والمُنفق سلعته بالحلف الكاذب “[أخرجه النسائي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وقال الألباني حديث صحيح].

وجاء في الصحيحين في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم  في صلاة الكسوف “يا أمة محمد  والله إنه لا أحد أغيّر من الله  أن يزني عبده أوتزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ثم رفع يديه وقال اللهم هل بلغت”.

وقد رُفعت صفة المؤمن عمّن يرتكب كبيرة الزنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب  الخمر حين يشرب وهو مؤمن” [رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه]، وزاد النَسائي” فإن فعل ذلك فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه فإن تاب تاب الله عليه”.

ولكن الطامة  الكبرى ان هناك من يجاهرون بالمعصية ولا يُخفونها ،قال تعالى : {إنَّ الذينَ يُحبُّونَ أن تَشيعَ الفاحشةُ في الذين آمنوا لهم عَذابٌ أليمٌ في الدُّنيا والأخرة والله يعلمُ وأنتم لا تعلمون}  [النور 19]،   على نفسه بالزنا]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كل أمتي مُعافى إلّا المجاهرين، وانّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا  ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله “[ متفق عليه] .والمعنى أن المجاهر: هو الذي يُظهر المعاصي ولايتحاشاها ،والجهر بالمعصية عناد واستخفاف بالله ورسوله وصالح المؤمنين .

وجاء في مجلة المنار العدد 12 للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:

“مراتب الرذائل والشرور خمس:

الأولى: أن يقترف الجاهل ماتدعوه إليه صفاته الرذيلة من الفواحش والمنكرات وراء الستر وحيث لاترمقه عيون الناس.

الثانية:أن يأتيها حيث تعنّ له سراً أو جهراً فلايبالي إطار اللوم أم وقع.

الثالثة:أن يدعو إليها ويرغّب فيها ،وأهل هذه المرتبة هم الذين أطلق عليهم القرآن العزيز لقب الشياطين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

الرابعة:أن يفتخر ويتبجح باجتراح السيئات وارتكاب المنكرات ويباهي بها الأقران، وأهل هذه المرتبة هم شرّالأشرارعلى الإطلاق كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء.

الخامسة:أن يعتقد أن ماهو فيه فضيلة وكمال بحيث يود البقاء وينتقص من يخالفه فيه.وأصحاب هذه المرتبة هم الأخسرون أعمالاً والأرذلون أخلاقاً، هم أصحاب الدرك الأسفل من الجهالة وسفاهة العقل وأفن الرأي.وليس كل مجاهر بالقبيح أو داع إليه يعتقد حسنه ونفعه ويحتقر المحسنين الأخيار بل لايصدرهذا إلا من المسخاء الذين انسلخوا من الإنسانية وهبطت بهم تربيتهم السوءى إلى مرتبة جمعوا فيها بين شهوة البهائم وخبث الشياطين،ولايمكن للقلم أن يصف شناعة هذه المرتبة ويحيط بنقائص ذويها وإنما يمكن أن يحكم حكماً جازماً بأن يشتق لهم صيغة(افعل من كل نقيصة ورزيلة )، ويعجبني في هذا الموضوع قول الفيلسوف أحمد بن مسكويه الرازي رحمه الله تعالى في كتابه تهذيب الأخلاق حيث قال:”ثم ارجع القهقرى إلى النظر في الرتبة الناقصة التي هي أدون مراتب الإنسان فإنك تجد القوم الذين تضعف فيهم القوة الناطقة وهم القوم الذين ذكرنا أنهم في أفق البهائم، تقوى فيهم النقائص البهيمية حتى يرتكبوها ولايرتدعوا عنها،وبقدر مايكون فيهم من القوة العاقلة يستحيون منها حتى يستترون منها بالبيوت ويتواروا بالظلمات إذا همّوا بلذة تخصهم، وهذا الحياء منهم هو الدليل على قبحها، فإن الجميل بالإطلاق هو الذي يتظاهر به، ويستحب إخراجه وإذاعته، وهذا القبح ليس بشئ اكثر من النقصانات اللازمة للبشروهي التي يشتاقون إلى إزالتها، وأفحشها هو أنقصها، وانقصها أحوجها إلى الستر والفن. ولو سألت القوم الذين يعظمون أمر اللذة ويجعلونها الخير المطلوب والغاية الإنسانية لم تكتمون الوصول إلى أعظم الخيرات عندكم؟وما بالكم تعدون موافقتها خيراً ثم تسترونها؟ أترون سترها وكتمانها فضيلة ومروءة وإنسانية، والمجاهرة بها وإظهارها بين أهل الفضل وفي مجامع الناس خساسة وقحة لظهر من انقطاعهم وتبلدهم في الجواب ماتعلم به سوء مذهبهم وخبث سيرتهم. وأقلهم حظاً من الإنسانية إذا رأى إنساناً فاضلاً احتشمه ووقره، إلا الشاذ منهم الذي يبلغ من خساسة الطبع ونزارة الإنسانية ووقاحة الوجه إلى أن يقيم على نصرة ماهو عليه من غير محبة لرتبة من هو أفضل منه”.

وليس فقط المجاهرة بالمعصية وإعلانها ما يستوجب العقاب الشديد من الله عز وجلّ بل أيضاً رمي النساء والفتيات المؤمنات بالزنا والمعصية يقول الله عز وجل: {والذينَ يرمونَ المُحصناتِ ثمَّ لم يأتُوا باربعَةِ شُهداءَ فاجلِدُوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأُلئكَ همُ الفاسقون}[ النور 4]

يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في ” الظلال”:

“إن ترك الألسنة تلقي التهم على المحصنات ـ وهن العفيفات الحرائر ثيبات أو أبكاراً ـ بدون دليل قاطع، يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقذف بريئة أو بريئاً بتلك التهمة النكراء، ثم يمضي آمناً! فتصبح الجماعة وتُمسي، وإذا أعراضها مجرحة، وسمعتها ملوثة، وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالإتهام،وإذا كل زوج فيها شاك في زوجه،وكل رجل فيها شاك في أصله، وكل بيت فيها مهددٍ بالإنهيار… وهي حالة من الشك والقلق والريبة لا تطاق.ويتابع رحمه الله :”لهذا، وصيانة للأعراض من التهجم، وحماية لأصحابها من الآلام الفظيعة التي تصب عليهم.. شدد القرآن الكريم في عقوبة القذف، فجعلها قريبة من عقوبة الزنا..ثمانين جلدة.. مع إسقاط الشهادة، والوصم بالفسق..والعقوبة الأولى جسدية. والثانية أدبية في وسط الجماعة، ويكفي أن يهدر قول القاذف فلا يؤخذ له بشهادة،وأن يسقط اعتباره بين الناس ويمشي بينهم متهماً لا يوثق له بكلام! والثالثة دينية فهو منحرف عن الإيمان خارج عن طريق المستقيم ..انتهى كلام سيد قطب رحمه الله.

وقد يظن البعض أن القذف والتشهير يقتصر فقط على النساء والفتيات المؤمنات، بل إنه قد يصل إلى اتهام بعض الشباب المؤمنين الصالحين وهذا الأمر حدث في القديم البعيد،وقد تجاوز المعقول والمنقول في العصر الحديث حيث أصبح التشهير بالدعاة الصالحين المؤمنين لم يعد يقتصر على الاتهامات المتعددة بالفساد والضلال والباطل والإنحراف..بل أيضاً إطلاق الإتهامات والتلفيقات في أعراضهم وعفتهم وعفّة زوجاتهن..

نعم، إنه أمر قديم حديث، وكان في الأمم السابقة أولياء صالحون، وعباد زاهدون تعرضوا لهذا النوع من الإفتراء والقذف، ومنهم جريج العابد والذي ذكرت قصته مفصّلة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والذي أخرجه الإمام  البخاري ومسلم والذي يمكن الرجوع إليه في كتب الحديث، وقد كان عبداً صالحاً ، تربصّ به المفسدون، وحاولوا إيقاعه في الفاحشة، وتشويه وتلطيخ سمعته، فبرّأه الله،وأظهر على يديه الكرامات.وملخص القصة أن جريجاً كان في صومعته، فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت من جريج، فأتوا فكسروا صومعته، وأنزلوه وسبّوه، وتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك ياغلام، فقال: الراعي، فبرأه الله وأظهر على يديه الكرامات، فاعتذر منه قومه وأرادوا أن يعيدوا بناء صومعته التي هدموها من ذهب ولكنه رفض وقال إلا من طين.

نعم، هناك الكثيرين من أعداء الدين والأخلاق والأعراف من يحاول أن يشوّه سير أولياء الله وأحباؤه من الصالحين الذين لا يطيقون أن يروهم يعيشون حياة الطهر والفضيلة والعفاف والتقى وهم أي أعداء الحق والعدل والدين منغمسون في حمأة الطين، وأوحال الرذيلة ومستنقعات العفونة، فهم اشبه بالخنازير حياتهم في قذارتهم وتعاستهم في وجود النظافة والطهارة من حولهم،ولا يطيب لهم العيش إلا إذا شاركهم الأخرون انتكاسهم وارتكاسهم في حمأة الطين وأوحال الفساد والرذيلة، وكما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:” ودت الزانية لو زنى النساء كلّهن”. ولابد من تنبيه الدعاة والمصلحين أيضاً إلى أن الباطل يستخدم معهم كل أنواع الأسلحة والفساد من أجل الإيقاع بهم ،ومنها سلاح تسليط النساء المفسدات الداعرات ـ كما في قصة جريج ـ فإن سلاح الشهوات والمغريات وخاصة سلاح المرأة هو من أهم الوسائل للإيقاع بالمصلحين،وهو مخطط قديم حديث ولكنه في العصر الحديث أخذ أبعاداً كبيرة، واشكالاً متعددة،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” [رواه الإمام أحمد].

ولذلك فإن الزنا في الشرع له بابان :

الأول :وهو المسافحة والمسافحات المعلنات بالزنا

والثاني: المتخذات أخدان وهن ذات الخليل الواحد

قال تعالى : {وأتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعروفِ مُحصناتٍ غيَر مُسَافحاتٍ ولا مُتَّخِذاتِ أخدان} [النساء 25.]

وكان أهل الجاهلية يُحرّمون ماظهر من الزنا ويَستحلّون ماخفي يقولون اما ماظهر منه فهو لؤم وأما ماخفي منه فلا بأس بذلك ، فانزل الله تعالى : {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن }[ الانعام 151.]

واخيراً وللتنويه فإن المصريين القدامى كانوا يعاقبون الرجل الزاني بسمل عينيه وكان الرومان يعاقبون الزانية بجدع أنفها ،ولذا قال الشاعر طانيوس عبده:

فلو وصلت شرائعكم إلينا                 على مانحن فيه من مجون

لأصبحت النساء بلا أنوف                  وأصبحت الرجال بلا عيون

هذا من جهه العقاب ولكن من جهة أخرى فان الإبتعاد عن المحرمات وخاصة الزنا ثوابه الجنة يقول تعالى في سوره المؤمنون:  {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون}  وتذكر الآيات أيضا  :{والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ماملكت ايمانهم فإنهم غير ملومين }” وفي نهاية الآية  {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}.

وجاء في الحديث الشريف: ”  من يضمن لي مابين لَحييه وما بين رِجليه، أضمن له الجنة”[أخرجه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه]ومن السبعة الذين يُظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله “ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال  فقال إني أخاف الله رب العالمين.

هذا هو الثواب في الأخرة، ولكن هناك أيضاً ثواب الدنيا وهو حفظ الله لهذا الإنسان الذي يتجنّب الزنى،وعونه في الملّمات التي قد تقع له،ولعلّ الحديث الشريف الصحيح المتفق عليه  في قصة ثلاثة نفر من الأمم السابقة الذين انطلقوا حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم مدخل الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم فانفرجت الصخرة بسبب صالح أعمالهم ودعواتهم وخرجوا من الغار فائزين، ونورد جزءاً من هذا الحديث الشريف: “قال الآخر : “اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحبَّ الناس فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمّت بها سنة من السنين،فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، قالت: اتق الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه فانصرفت عنها وهي أحبُّ الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها،اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة…”،إن هذا الحديث النبوي الصحيح يبين كيف أنقذ الله عبده بعد أن ترك الزنا وهو قادرٌ عليه مخافة الله، فكان ثوابه أن عفا الله عنه وأنقذه من الموت،كما انقذ صاحباه الأخرين بارتكابهم أحسن الأعمال.

نعم، لقد انفرجت أساريره،بعد أن فرّجَ الله عنه،فانفرجت الصخرة،وخرج من الغار، مُكلّلاً بالغار، بعد أن صان ابنة عمه من العار، فكان له في الدنيا الفوز والانتصار،وفي الأخرة عظيم الثواب والفخار.

إنه كان فاحشة:

ذُكرت كلمة الفاحشة في القرآن الكريم  ثلاثة عشرة مرة، وذُكرت الفحشاء سبع مرات،والفواحش أربع مرات ،يقول الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى:{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم  ذكروا الله  فاستغفروا لذنوبهم}[آل عمران 135]،يقول رحمه الله: ” الفاحشة الفعلة القبيحة الخارجة عما أذن الله عز وجل، وأصل الفحش :القبح والخروج عن الحد والمقدار في كل شيئ، ومنه قيل للطويل المفرط الطول إنه لفاحش الطول،يراد به قبيح الطول خارج عن المقدار المستحسن، ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد كلام فاحش، ويقول الطبري أما المقصود في هذه الآية  فهو الزنا “.

ويقول الإمام القرطبي: ” الفاحشة تطلقعلى كل معصية،وقد كثر اختصاصها بالزنا ،ويقول الإمام الرازي : ” وإن لفظ الفاحشة إذا اُطلق لم يفهم منه إلاّ الزنا واذا قيل فلان فحّاش أي أنه يشتم الناس بألفاظ الوقاع ، فوجب حمل لفظ الفاحشة على الزنا فقط لا على مطلق الكبيرة،ويؤيدون ذلك عطف الفواحش على كبائر الإثم في قوله تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش} .

ويقول الشيخ  محمد متولي شعراوي رحمه الله رحمة واسعة:

” الفاحشة: مأخوذ من التفحّش أي التزّيد من القبح وصرفها بعض العلماء إلى الزنا لأنه يزيد في القبح لأن كل معصية تعمل وتنتهي أما الزنا فيخلف أثاراً كالإجهاض،أو أولاد الزنا،أو الفاحشة: هي الكبيرة اوما يطبق عليه الحد ويسمى الفاحش من القول بالسّباب ،والسبة هي حلقة الدبر، وسمي الفاحش بالسّباب لأنه يهدف من ذلك إبداء عورة المسبوب “.

وساء سبيلا :

إنَّ ارتكاب الزنا له تداعيات صحية ومرضية وإجتماعية ونفسية لايمكن حصرها أو التقليل من أهميتها، وقد جاءت الأحاديث النبوية الشريفة والتي تبّين بنوع من الإعجاز بعضاً منها،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر المهاجرين!خصالٌ خمسٌ إذا ابتليتم بهنّ،وأعوذ بالله أن تدركوهنّ:لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ،حتى يعلنوا بها،إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا،ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنينَ وشدّة المؤنة،وجور السلطان عليهم،ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء،ولولا البهائم لم يُمطروا،ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدوهم من غيرهم،فأخذوا بعض ما كان في أيديهم،وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم”[أخرجه ابن ماجه والطبراني والحاكم وقال الألباني حديث صحيح].

وفي حديث آخر “ما نقض قوم العهد قطّ ،إلاّ كان القتل بينهم ،ولا ظهرت الفاحشة في قوم قط، إلّا سلطَ الله عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ” [رواه الحاكم والبيهقي وهو صحيح على شرط مسلم].

وحديث آخرعن ميمونة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ”  لا تزال أمتي بخير مالم يفش فيهم ولد الزنا  فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك الله أن يعمّهم بعذاب”  [ رواه أحمد بسند صحيح ].

( وكلمه يَفشَ: أي يكثر)

وفي حديث أخر عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا ظهر الزنا والربا في قرية  فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب الله “[ رواه الحاكم بسند حسن].

وفي حديث رواه أبو مالك الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” ليكونن من أُمتي أقوام يستحلُّون الحرّوالحرير والخمر والمعازف ،ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم أي الفقير لحاجة فيقولوا ارجع  إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ أخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة“[أخرجه البخاري].

( والحرّ بتشديد الراء هو الزنا، وعلم جبل ،والحديث يصف مجالس اللهو التي يعصى فيها الله تعالى ).

وجاء  في جزء من حديث شريف “فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم،ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمر فعليهم تقوم الساعة “[رواه مسلم ].

(والمعنى يبقى شرار الناس الذين بلغوا من الإنحطاط درجة تهون على مجتمعهم أن يجامع الرجال النساء بحضرة الناس دون مبالاة ولا اكتراث كما تفعل الحمير فعلى هؤلاء تقوم الساعه ).

جاء في الحديث الشريف :” والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيرهم يومئذ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط ” [رواه أبو يعلى وقال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح] .

وجاء أيضاً في الحديث الشريف :”إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال وتكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد“[متفق عليه] .

يقول الشيخ العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله(مجلة المنار العدد305):

“للزنا مضار ومفاسد كثيرة في الصحة والأخلاق والروابط الزوجية والحياة الاجتماعية والإقتصدادية والإنتاج لأجلها كان محرماً في الأديان، فإن الله تعالى لم يحرم على الناس شيئاً إعناتاً للناس ولامنعاً لهم من التمتع باللذات التي لاضرر فيها وإنما حرّم عليهم كل ما هو ضار وأباح لهم كل ما هو نافع وما كان فيه نفع وضر فالترجيح في الشريعة لما فيه دفع المفسدة وحفظ المصلحة والمنفعة جار على الطرق الموافقة لنظام الفطرة وقوانين المنطق المعقولة،وأكثر مفاسد البغاء المستباح الذي يتخذه العواهر حرفة تكون معروفة في البلد فكل من شاء ذلك تيسر له متى شاء مادام يملك أجرة البغي.هذا الضرب من الفسق هو الذي يسرع إفساد الصحة والآداب وتقليل النسل وإيقاع الشقاق في البيوت حتى تصل إلى درجة يستباح فيها أكثر الأعراض وتفشو القيادة والدياثة حتى لايوثق بنسل أحد إلا النادر من الناس وأكثر الشبان الجاهلين لايعرفون من أمر هذه المفاسد شيئاً فيقضي الفسق على حياتهم الجسدية والأدبية والمنزلية من أول النشأة ولايعرفون من أين جاءهم البلاء بل لايدرون به إلا بعد وصوله إلى حد اليأس ولاسيما في البلاد الصغيرة التي ليس فيها مستشفيات تداوى فيها الأمراض والأدواء التي تتولد من الزنا كالزهري والسيلان، ويعتبر بما يرى فيها من العبر من كان لايعرف ذلك من الشبان.

أول رزايا البغاء وأسرعها حصولاً انتشار المرض الزهري القتال وياليت هؤلاء الشبان المساكين يعرفون شيئاً من عواقب الزهري وماينتهي إليه.

ياليت هذا الداء الخبيث لم يكن معدياً إذاً كان وباله على أولئك الفساق وحدهم وهم له مستحقون،ولكنه من الأدواء التي تسري بضروب من العدوى لايعرف طرق التوقي منها إلا من لهم إلمام بعلم الصحة ،فياحسرة على أهل بيت يغوي الشيطان أحدهم فيقوده إلى تلك المواخير النجسة فيعود حاملاً إلى أهله الأبرياء المساكين ذلك السم القتال فيلقح به امرأته وأولاده وأخوته وإخوانه وربما أصاب به والديه فإنه ينتقل بفضل الطعام وسؤر الشراب وبالتقبيل واللمس إذا كان هنالك جرح أصابه ذلك السم .

ومن رزايا هذه الفاحشة ومصائبها أن من افتتن بها يصير يؤثر الحرام على الحلال فإن كان أعزب تضعف داعية الزواج الشرعي في نفسه ولذلك يقل الزواج في جميع البلاد التي يفشو فيها الزنا ومضار ذلك كثيرة منها قلة النسل ومنها كثرة الأيامى من النساء وذلك مدعاة لخروجهن من حظيرة العفة والصيانة حتى أن العوانس من العذارى الأبكار يلجأن أحياناً يلتمسن الأخدان في البيوت السرية،فكيف يكون حال الأرامل؟وإن كان متزوجاً يهجر امرأته ولو جميلة ويأوي إلى بغي دونها جمالاً وفتاء وإن شاركه فيها من لايحصى من أسافل الناس وبذلك تضعف غيرته على العرض ويضيق ذرع امرأته ويخونها الاصطبار فتنتقم منه والجزاء من جنس العمل.

يتوهم بعض المغرورين بأنفسهم أنه يسهل عليهم الجمع بين التهتك في الفسق وبين صيانة نسائهم عنه وأن أقل نصيبهم منهم،وإنما ذلك هو الجهل والغباوة وعدم الخبرة والتجربة فما ذكرناه من إفضاء تهتك الرجال في الفسق إلى إفساد نسائهم هو من القضايا المعقولة الثابتة بالتجربة المؤيدة بحديث(عفوا تعف نساؤكم)[أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال الذهبي والألباني حديث ضعيف] فإن استبعدته عقولهم الضعيفة فليعلموا أن المشاهدة والتجربة أقوى حجة من نظريات الفلاسفة الحكماء”.

ومن اقوال الصحابة رضوان الله عليهم والصالحين:

أبوبكر الصديق رضي الله عنه: ” لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهّم الله بالبلاء”.

عمر الفاروق رضي الله عنه :” إنّ هذا الحق ثقيل مري،وإنّ الباطل خفيف وبي،ورُبَّ نظرة زرعت شهوة، وشهوة ساعة أورثت حزنا طويلا “( من كتاب أدب الدنيا والدين  للماوردي ص54 ).

(والمريّ بالياء المشددة  أي كالمري في إصلاح البدن اي إن منع النفس شهواتها وإن كان ثقيلا عليها  فقد يحفظ صحة الروح  كما يحفظ المري صحة البدن).

وقال أيضا رضي الله عنه: “إن الرجف من كثرة الزنى، وإن قحوط المطر من قضاة السوء وأئمة الجور”

وقال أيضا رضي الله عنه :”  مازنى قوم إلاّ تقاطعوا ”

وقال علي بن ابي طالب رضي الله عنه : “إياكم وتحكيم الشهوات على أنفسكم فإنّ عاجلها ذميم وأخرها وخيم ، فإن لم ترها تنقاد بالتحذير والإرهاب فسوفها بالتأميل والإرغاب، فإن الرغبة والرهبة اذا اجتمعتا على النفس ذلت لها وانقادت “( من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي ).

وقال ابن عباس رضي الله عنهما ” إنّ للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة اسودادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق “.

وقال عبد الله بن مسعود:”رُبَّ ؤشهوة تورث حزناً طويلاً”.

وقال الأحنف بن قيس :” لا خير في لذة تُعقب ندماً”.

وقال ابن السماك وهو أحد الزهاد في زمن هارون الرشيد :”إن ترك النفس وما تهوى داؤها ،وترك ما تهوى دواؤها فاصبر على الدواء كما تخاف من الداء “.

ويقول ابن القيم رحمه الله :

” إن من نتائج المعصية قلة التوفيق وفساد الراي وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر وإضاعة الوقت ونفرة الخلق والوحشة بين العبد وبين ربه ومنع إجابة الدعاء وقسوة القلب ومحق البركة في الرزق والعمروحرمان العلم ولباس الذل وإهانة العدو وضيق الصدر والإبتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت وطول الهم والغم  وضنك المعيشه وكسف البال”.

ويقول ابن القيم أيضاً في إغاثة اللهفان :

“فياحسرة المحب الذي باع نفسه لغير الحبيب الأول بثمنٍ بخسٍ،شهوة عاجلة ذهبت لذتها وبقيت تبعتها وانقضت منفعتها وبقيت مضرتها فذهبت الشهوة وبقيت الشقوة وزالت النشوة  وبقيت الحسرة” .

ويقول أيضا  رحمه الله :” ومن استحى من الله عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه ،ومن لم يستح من معصيته لم يستح من عقوبته”.

ويقول ايضا : “إن مما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر ولابد ان ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر وهل في الدنيا والاخرة شر وداء إلا بسبب الذنوب والمعاصي”.

ويقول ابن القيم أيضاً:

” اللذة المحرّمة ممزوجة بالقبح حال تناولها مثمرة للألم بعد انقضائها، فإذا اشتدت الداعية منك إليك ففكر في انقطاعها وبقاء قبحها وألمها ثم وازن بين الأمرين وانظر مابينهما من التفاوت”.

ويقول ابن القيم في مساوىء الشهوات:

“الصبر عن الشهوة أسها من الصبر على ماتوجبه الشهوة،فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة،وإما أن تقطع لذة أكمل منها،وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة،وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه،وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه،وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه،وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة،وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك،وإما أن تجلب همّاً وغمّاً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة،وإما أن تُنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة،وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً،وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة،وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول،فإن الأعمال تورث للصفات والأخلاق”.

ويقول ابن مسكوية: ”  أسباب المضرات أربعة: الشهوة ويتبعها الرداءة، والشرارة أي أن يكون شريرا ويتبعها الجور، والخطأ ويتبعه الحزن، والشقاء ويتبعه الحيرة وفيها مذله وحزن”.

وقال ابن سيرين:”سمعت شريحاً يحلف بالله ماترك عبد لله شيئاً فوجد فقده”.

ويقول ابراهيم بن العباس الصولي(من كتبة الدولة العباسية) : “وقديماً غَذتِ المعصيةُ أبناءَها،فحلبتْ عليهم من دَرِّها مُرضعة،وبذلت لهم من أمانيّها مُطمعة،وركبت فيهم مخاطرَها موضعة،حتى إذا رَتعوا فأمنوا،وركبوا فاطمأنوا،وانقضى رضاع،وآن فطام، سقتهم سُمّاً، ففجرت مجاريَ ألبانها منها دماً،وأعقبتهم من غذائها مُرّا،وحطت بهم من مَعقل إلى عقال،ومن غرَّة إلى حسرة:قتلاً وأسراً، وإجاجة وقسرا”.

ويقول العلّامة الشيخ محمد أبو زهرة في قوله تعالى من سورة الفرقان :{ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولايزنون} يقول رحمه الله :”والأمر الثالث الذي نفاه الله تعالى عن عباد الرحمن الإعتداء على النسل بالزنى،لأن إشاعة الزنى تضيع النسل ، ولا تجعل الناس في أمن ودعة ،وتضعف الوحدة الإنسانية، ويكون الناس في تناحر، وتنزل بالقيمة الإنسانية إلى دركة الحيوانية ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” وما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة في رحم امرأة لا تحل له “[رواه ابن أبي الدنيا عن الهيثم بن مالك الطائي] ،وقال صلى الله عليه وسلم :” قلت يا رسول الله :أي الذنب أعظم ؟ قال: أن تجعل لله ندّاَ وهو خلقك، قال : قلت : ثم ماذا؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : أن تزني بحليلة جارك “.( رواه الترمذي وابن حبان والبيهقي) .ويتابع رحمه الله :” وقد ذكر سبحانه وتعالى عقاب هذه المآثم التي هي أمهات الرذائل {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما} [الفرقان 68 ]، الأثام : جزاء الإثم وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أي أنه جزاء من نوع ما ارتكب، ولكنه جزاء كبير،واطلاق الآثام بمعنى جزاء الإثم ،وارد في اللغة العربية فقد جاء في الكشاف هذا البيت من الشعر :

جزى الله ابن عروة حيث            أمسى عقوقا والعقوق له آثام

وإن هذا الآثام شديد ،حتى أنه ليحسب أنه مضاعف الإثم ليس مثله، ولذا قال تعالى في بيان هذا الآثام وتوضيحه : {يضاعف له العذاب يوم القيامة} ، إن الله عدل، يجازي السيئة بمثلها ،ورحيم يجازي الحسنة بعشرة أمثالها ،فكيق يجعل العقاب ضعف الذنب ، أجاب عن ذلك صاحب الكشاف بأن المضاعفة لأنه عقاب الشرك،وعقاب الذنب الذي ارتكب من قتل نفس وزنى، ونقول حينئذ لا مضاعفة .

ويقول الشيخ أبو زهرة : والذي يبدو لي غير متطاول على مقام الزمخشري أن العذاب شديد عنيف حتى أنه ليبدو لدى المعاقب كأنه مضاعف للذنب،وأن المذنب دائما يحس بالجزاء كانه أكثر من الذنب، فالله تعالى يصور له العقاب كأنه مضاعف،ولأنه يتجدد آناً بعد آن ، كلما نضجت جلودهم بدلهم الله تعالى جلوداً غيرها، فهو عذاب بعد عذاب، وبهذا التكرار الدائم يكون كأنه مضاعف .وإنه عذاب دائم مستمر ،ولذا قال تعالى :” {ويخلد فيه مهانا} “[الفرقان 69،] أي مستمر مع مهانته الشديدة الواضحة الدائمة المستمرة “.

ويقول الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله  في رسائل الاصلاح :

“في البغاء فساد كبير وشر مستطير يفتك بالفضيلة ويدنس الأعراض، يفصم رابطة الوفاق ويبعث الأمراض القاتلة في الأجسام ،أما فتكه بالفضيلة فإنه يقتلع الحياء من منابته فلا يُبقي في نفس صاحبه ذره من الحياء ويلبس وجهه رقعة من الصفاقة، ومن لم يستح هان عليه ارتكاب ما لايليق بالإنسانية أن يرتكبه ومما يغلب على الزاني أن تكون غيرته على محارمه ضعيفة جدا أو مفقودة وشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة يسقط جانبا من مهابتهن له ويسهل عليهن بذل أعراضهن إن لم يكن ثوب العفاف منسوجا من تربية دينية صادقة، وهذا بخلاف حال من ينكر موبقة الزنا في ذاتها ويستهجنها إلى حد أن يتجنبها بنفسه ثم لا يرضاها لغيره ولا سيما ممن ينتمون إليه بنسب او صهر ومصداق ذلك القول الماثور ” عفوا تَعفُّ نساؤكم “،وأما تدنيسه للأعراض فإنه يذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عارا لا يقف عندها بل يتعداها إلى أسرتها ويجلب لهم الخزي والمهانة وهذا يجر أن تثور بينهم وبين الزاني وأسرته العداوة والإنتقام وقد تبلغ الفتنة والقتل فتنفصم رابطة الوفاق، ومن مفاسد البغاء أن أصحابه يلقون نطفهم في حرام فيتولّد منها مخلوقات ربما اعتدي عليها بالقتل وهي أجنة أو قريبة عهد بالوضع  خشية الفضيحة  فتستتبع فاحشة الزنا جناية قتل  النفس،وإن سلم ولد الزنا من القتل عاش محتقر الجانب مقطوع النسب ولا يجد عطف أولي القربى والسلامة من القذف باقبح الالقاب”.

ويقول الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله :

” الشهوةالآثمه حلاوة ساعة ثم مرارة العمر،والشهوة المباحة حلاوة ساعة ثم فناء العمر،والصبر المشروع مرارة ساعة ثم حلاوة الأبد”.

ويقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله(جدد حياتك ص92):

“والإنسان الذي يؤثر الزنا على الإحصان يدركه من الشقاء مايدرك الكلب الضال حين يتسكع لاختطاف طعامه، فيقع على جسمه من الضربات أكثر مما يدخل فمه من المضغ المنهوبة”.

وأما من الناحية الصحية: فإن للزنا عواقب شديدة يمكن ان نلخصها فيما يلي :

1ـ الأمراض المنقولة بالجنس:وسنتكلم عنها لاحقاً بشئ من التفصيل

2 ـ الإجهاض:قدرت منظمة الصحة العالمية عدد حالات الإجهاض الجنائي في العالم بخمسة وعشرين مليون حالة عام 1976م، وقد ارتفع الرقم إلى خمسين مليون حالة إجهاض سنوياً في عام 1984م حسب مانشرته مجلة التايم الأمريكية.

3 ـ العقم

الأمراض المنقولة بالجنس

تؤدي الفحشاء وبشكل خاص الزنا إلى انتشار عدد كبير من الأمراض المنقولة بالجنس وهذه الأمراض انتشرت قديما وحديثا وأدت إلى حدوث أوبئة في الماضي والحاضر،وأدت إلى القضاء على عدد كبير من الناس، وخاصة في الماضي عن طريق مرض الإفرنجي، وحاليا عن طريق مرض الإيدز .

جاء في المجلة الطبية الألمانية الأسبوعية بتاريخ 11 كانون الثاني عام 2016:

إن الأمراض المنقولة بالجنس تسببها مجموعة كبيرة من الجراثيم والفيروسات والطفيليلت، وتشترك جميعها أنها تنتقل بواسطة الإنتقالات والممارسات الجنسية سواء تمت عن طريق الفرج أو الشرج أو عن طريق الفم من إنسان لآخر.وقد تكون هذه الأمراض المنقولة بالجنس في بعض الحالات السريرية قليلة أو صامتة الأعراض.وتقول منظمة الصحة العالمية أن الأمراض المنقولة بالجنس تأتي بالدرجة الخامسة من حيث أكثر الأمراض انتشاراً في العالم.وهذه الأمراض قد تسبب أذيات شديدة وربما الوفاة عند المواليد لأمهات مصابات بهذه الأمراض.كما أنها قد تسبب حدوث بعض الأورام الخبيثة عند المصابين بها وربما أيضاً العقم.

وإن أهم الأعراض التي قد تسببها هذه الأمراض مايلي:

ـ تقرحات فرجية أو شرجية أو حول الشرج أو في ناحية الفم.وأهم العوامل المسببة المرضية هنا نذكر:فيروس العقبول البسيط بشكل خاص، وتشاهد هذه التقرحات أيضاً في الدور الأول من داء الافرنجي(السفلس) وتقد عدد الإصابات بالإفرنجي في ألمانيا مابين أعوام 2003 ـ 2008  بنسبة 1,9/100000.

ـ سيلان مهبلي أو احليلي:حيث يشاهد سيلاناً مخاطياً ـ قيحياً أو قيحياً فقط.وأهم الأسباب هنا داء السيلان بسبب المكورات البنية، والكلاميديا، والمكوبلاسما.وهناك أسباب أخرى نادرة.

ـ ثآليل في الناحية التناسلية: وتسببها فيروسات تسمى الفيروس البشري الثؤلولي، وهذه تسبب نوعاً من الثآليل وخاصة في الناحية الشرجية وقد تهيئ لحدوث التسرطن فيها.

ـ داء الايدز:تقدر عدد الإصابات حالياً في ألمانيا(2016م) بحوالي 80 ألف حالة، والسبب في الإصابة في 90 بالمائة من الحالات عن طريق الاتصالات الجنسية.وثلثي الإصابات عند الذكور بسبب اللواط،وقد ارتفعت نسبة الإصابات في السنوات العشر الأخيرة وتقدر بحوالي 3525 اصابة جديدة عام 2014م.

ـ التهاب الكبد بالفيروس من نوع ث: وهو ليس من الأمراض المنقولة بالجنس فقط بحد ذاته ولكن يشاهد شيوعه عند مرضى الإيدز.انتهى كلام المجلة الطبية.

تقول المعلومات الطبية الحديثة في الماضي كان يُقال بوجود خمسة أمراض تنتقل بالجنس :وهي داء السيلان، وداء الإفرنجي،  وداء القرح اللين، وداء المشعرات (اي التريكوموناس) ،والداء المغبني التناسلي ،والآن تم احصاء ما لايقل عن مائتي عامل مُمرض يمكن أن تتسبب بحدوث ما لا يقل عن خمسين مرضا سريريا مختلفا  تنتقل بالجنس .وتشير أخر التقارير لمنظمة الصحة العالمية أن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض انتشاراً في العالم، وأنها أهم وأخطر المشاكل الصحية العاجلة التي تواجه دول الغرب، ويقال أنه في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص بالأمراض الجنسية في العالم.

وبحسب التصنيف المعتمد حاليا فإنها تقسم إلى ما يلي:

1 ـ الأمراض الجنسية لأسباب جرثومية :ونذكر منها:السيلان، والإفرنجي والداء المغبني اللمفاوي التناسلي  والقرح اللين .

2  ـ المنقولة بالكلاميديا

3 ـ المنقولة بالمكوبلاسما

4 ـ المنقولة بالفيروسات :ومنها داء العقبول البسيط، وفيروسات التهاب الكبد، والإيدز، وداء هيومان بابيلوم فيروس

5 ـ المنقولة بالأوالي أي البروتزوا : ومنها داء المشعرات المهبلية، وداء الجيارديا لامبليا، وقمل العانة،والجرب

6 ـ والمنقولة بالخمائر والفطور

وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن الأمراض الجنسية تأتي بالدرجة الثانية حدوثا بعد الرشوحات، ويصاب سنويا في العالم ما لايقل عن 500 مليون شخص بداء التهاب الإحليل اللابني، و200 مليون بداء السيلان البني، و40 مليون بالإفرنجي والأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير،ويموت في فرنسا سنويا ثلاثون الف شخص بالأمراض الجنسية، وخصصت أمريكا ما لا يقل عن خمسين مشفى لمعالجة الأمراض الجنسية،وسجل معهد مراقبة الأمراض في اطلنطا في امريكا ارتفاع عدد حالات الأمراض الجنسية، وخاصه السيلان والإفرنجي، وتبين أن أكثر الإصابات في ولايات كاليفورنيا وفلوريدا  ونيويورك،وفي المانيا الشرقية وقبل ان تحصل الوحدة مع الغربية سجل ارتفاعا ملحوظا في هذه الأمراض حيث ذكرت إحصائيات جامعة لايبزيغ  ارتفاع النسبة إلى حوالي ثلاثمائة حالة لكل مائة الف شخص، بينما كانت قبل حوالي العشرين سنه قبلها مائة حالة،ولذا تعلق المنظمات الصحية على هذا وتقول بعد حوالي 500 عام من حدوث وباء الإفرنجي هاهي الامراض الجنسيه تظهر وبقوة من جديد .

ولنتكلم ببعض التفصيل عن أهم الأمراض المنقولة بالجنس:

1 ـ داء الإفرنجي=الزهري=السفلس

التعريف:إنتان مزمن تسببه اللولبيات الشاحبة.

العدوى:إ ن بضعة لولبيات قادرة على إحداث الإنتان ،ويُسّهِل الإنتقال الشروط الرطبة والحرارة العادية ،وتتم العدوى غالبا بالتماس ،وخاصة عن طريق الإتصالات الجنسية ولكن هناك طرق أخرى للتماس والعدوى ومنها الطريق التناسلي  ـ الفمي ،والتناسلي ـ الشرجي،والفم ـ الفم.

والإتصالات الجنسية معدية سواء تمت بطريق الجماع أو السحاق،وفي حالات نادرة تحدث العدوى بنقل دم مريض مصاب بالداء(الإفرنجي مقطوع الرأس)، وأيضا عن طريق الحامل المصابة للجنين (الإفرنجي الولادي).

من الناحية التاريخية:

يطلق على الداء مرض الزهري،وهو اسم مرتبط بالزهرة”فينوس” التي عبدها الرومان والبابليون الذين أطلقوا عليها “عشتار”،وصنعوا لها التماثيل،بشكل امرأة عارية جميلة،لها مكانها حتى الآن في متاحف روما ومتحف اللوفر في فرنسا.

الوبائيات :

دور الحضانة:يستغرق حتى ثلاثة أسابيع بعد التماس ومن ثم يظهر القرح الإفرنجي مع ضخامة العقد اللمفية الناحيية غير المؤلمة وتشفى عفوياً خلال أسابيع .

دور الافرنجي الثانوي:يحدث بعد حوالي تسعة أسابيع وتظهر اندفاعات وأفات جلدية وفي الأغشية المخاطية وتشفى خلال أسابيع أو أشهر .

دور الافرنجي المتأخر :يحدث إذا لم تتمكن العضوية من القضاء على الجراثيم الممرضة(اللوالبيات)وتحدث الأعراض خلال سنتين إلى اربع سنوات

الأعراض السريرية :

الافرنجي الباكر : ويتميز بالأعراض التالية :

1_القرح الافرنجي : ومن صفاته الرئيسية:

اولاً-التوضع :عند الذكور غالباً على جسم القضيب ،القلفة ،الحشفة،أو جذر القضيب

عند الإناث غالباً الأعضاء التناسلية الظاهرة وعنق الرحم

وفي حالات نادرة يوجد القرح خارج الجهاز التناسلي:الشفة،الأصابع، الشرج…

2-القرح غير مؤلم

3- غالبا قرح منفرد ونادرا مايكون متعددا

4- يترافق مع ضخامة العقد اللمفية الناحيوية ،وهي غير مؤلمة، قاسية،غير متنوسرة.

5- الشفاء العفوي البطئ للقرح خلال 2-6 اسابيع ،ولكن الضخامات العقدية قد تستمر لعدة شهور.

الافرنجي الثانوي: ويتميز بعد حوالي تسعة اسابيع بالأعراض التالية :

  • الضخامات العقدية المعممة : وتشاهد بشكل خاص خلف الأذنين،وفي الناحية القفوية،وفوق الترقوة.
  • 2- الإندفاعات الجلدية :تبدو بشكل لطخات حمراء شاحبة زهرية اللون لا تترك ندبات وغير حاكة أو مؤلمة وهي غالبا اندفاعات ثنائية الجانب وتشاهد غالبا في ناحية الجزع والأجزاء المركزية للأطراف وتَعفُّ عن الوجه غالبا وتستمر لمدة شهر أو اثنين وهي اوائل الاندفاعات وتدعى الوردية الإفرنجية .
  • ثم تظهر اندفاعات اخرى حَطاطية (قد تبدا بالظهور قبل اختفاء الوردية الافرنجية) وهي بلون زهري وقد تُخلِّف تصبغات(عقد فينوس)وتشاهد غالبا في فروة الرأس والراحتين والأخمصين (ظهورها هنا علامة مشخصة للداء) وتستمر 2-4 اسابيع
  • الإندفاعات المخاطية :وتشاهد غالبا في الفم والفرج والشرج وهذه الآفات المخاطية من أشدّ الآفات عدوى في المرض.

الافرنجي المتأخر : أهم أفاته:

  • الصموغ : وهي أفات نموذجية للداء تصيب الجلد والعظام والأحشاء وتكثر غالبا في الفم واللسان والوجه وقبة الحنك.
  • الآفات الصقلية: تصيب غالبا السمحاق وأحيانا نادرة قشر ومخ العظم وتصيب غالبا العظام الطوال كالشظية والترقوة.
  • الإفرنجي العصبي :يصيب السحايا القاعدية ومنه للأعصاب القحفية وأهمها إصابة العصب الثامن فيحدث الصمم والعصب العيني فيحدث الشفع كما أن المرض يصيب الحبال الخلفية للنخاع الشوكي فيحدث السهام=التابس.
  • الإفرنجي القلبوعائي:ويتميز بالتهاب الوتين الصاعد وقوس الوتين ويؤدي الى قصور الأبهر(الوتين)وأمهات الدم.

الإفرنجي الولادي:

إذا اُصيبت الحامل بالإفرنجي فإن نسبة الإجهاضات العفوية تكون بنسبة عالية في المراحل المبكرة من المرض وكلما تقدم سن الإنتان كان احتمال ولادة طفل مصاب بالمرض عالية .

يصاب الجنين بعد الشهر الرابع من الحمل ومن أشهر الآفات التي يصاب بها الجنين الداء الكيسي في الكبد والتهاب العظم والغضروف ،وهناك حالات لا تظهر الأعراض إلا بعد سنتين من الولادة بحيث يكون الإنتان كامنا عند الولادة ومن الأعراض الصمم والتهاب القرنية الخلالي والتهاب السمحاق والظنبوب كالسيف والأنف السرجي وتشوهات الأسنان ..ويمكن ان تشاهد كل اشكال آفات الإفرنجي المتاخر ولكن من النادر الإصابات القلبوعائية .

من الناحية التاريخية :

جاء في مجلة دير شبيغل الإلمانيةالعدد 40 عام 1985 :”كان كارل الثامن من فرنسا أقرب منه إلى الوحش منه إلى الإنسان، وحكم لمدة خمسة عشرة عاما، ومات عن عمر يناهز الثامنة والعشرين ولكنه في هذه السنوات لم يقدم شيئا سياسيا أو ثقافيا أو روحيا ،اذ انه كان خليعا، لاهمّ له إلا النساء .

في خريف 1493 فكّر هذا الملك ان يضم إلى مملكته نابولي بالقوة وذلك لظنه بحقه الوراثي . وما أن ذابت ثلوج الشتاء حتى انطلق هذا الملك ومعه جيش من المرتزقة قدره 300 ألف معظمهم من الإسبان والفرنسيين والهولنديين والألمان ،ومعهم 500 من العاهرات المومسات .

وبعد ان عاد هذا الملك إلى مدينة ليون في فرنسا بعد حوالي العام كان جيش المرتزقة هذا قد نشر مرضا في العالم ونشر الخوف والقلق ولعدة مئات من السنين، وهذا المرض لم يكن الداء الأسود(الطاعون) ،ولم يكن الجدري، ولم يكن الجذام،وانما الداء الذي هو داء الإفرنجي (السفلس) او داء المتعة القاتلة ،وقد قضى هذا الداء على عدة ملايين من البشر،وحطم الروابط العائلية وكان كالسُّم الزعاف .

ان هذا الداء أي الافرنجي ليس كالكوليرا أو الطاعون،أو حاليا مثل السرطان أو الاحتشاء القلبي ،انه مثل الإيدز حاليا يصيب البشرية في جذورها وبقاءها أو كما يقول غوته في “أعمق أعماق القلب “،وأدى هذا المرض كما يقول المؤرخ ايغون فريدريك إلى حدوث سوء الظن وانعدام الثقة بين أبناء البشر وادى إلى تسمم حياتهم .

يقول البروفسور مانفريد ديتريش من هامبورغ أنه يوجد تلاق مابين الإفرنجي وداء الإيدز ،فكلاهما يسمى داء الحب، ويشاهدان غالبا بسبب ممارسة الجنس الاأخلاقي ،ولكن هناك بعض الفروق بينهما ،ففي داء الرغبة القديم: أي الإفرنجي تحدث اصابات عديدة ولكن الوفاة ليست شائعة فهو قد يصيب النخاع الشوكي كما حدث ل” هاينريش هاينه “وقد يصيب الدماغ كما حدث للفيلسوف “فريدريش نيتشه “،وحتى قبل اكتشاف الصادات الحيوية مثل السالفرسان او البنسلين فان نسبة الوفيات في الإفرنجي لم تتجاوز خمسة في المائة ،والا لما بقيت البشرية على قيد الحياة ،واما في الايدز فان التشخيص حاليا يعني توقيع شهادة الوفاة .

وقد كتب شوبنهاور قبل عدة قرون (ويظن أنه أصيب بهذا الداء) عن عواقب الإفرنجي على المجتمع :”ان الداء التناسلي ينشر سلطانه ويتعدى حدوده أكثر مما يظن للوهلة الاولى  وما يسببه لايقتصر على الإصابات الجسمية وانما يتعداها الى الأخلاقية وما يترتب على هذا من تأثيرات مباشرة على المجتمع “.

وكما أن داء الإيدز حاليا بدا انتشارا من قبل اللواطيين ،فإن الإفرنجي قديما انتشر عن طريق الداعرات المومسات، حيث أن جيش المرتزقة لكارل الثامن ومن خلال زحفه الى نابولي استطاع وخلال سنة واحدة من نشر هذا المرض، من خلال الجنود الخليعين المخمورين المنتعشين بلذة الخمر والجنس، ونشروا هذا المرض في كل مكان حطّت به أقدامهم ورحالهم ،وعند وصول جيش المرتزقة هذا إلى روما في أعياد الميلاد ورأس السنة ،كانت روما تحكم من خلال البابا الفاسق الكسندر السادس وابنته الجميلة والمصابة بهذا المرض وتسمى لورزايل بورغيا ،ومشت في شوارع المدينة حوالي ثلاثين ألف داعرة ،النصف منهن من اسبانيا ،يقدمنّ بضاعتهنّ ويرتكبنّ العهرفي هذه المدينه قبل أن يتابع جيش المرتزقة مسيره إلى نابولي .

وما إن وصلوا إلى مشارف نابولي ،حتى شُرّعِت لهم الأبواب وتعاون رجال المدينة مع جيش المرتزقة والنساء و مارسن العهر والفحش مع جيش المرتزقة ولم يدافع عن المدينة إلاحوالي ثمانمائة رجل .

لقد سبب هذا المرض عقدا نفسية عند الناس ،وبسبب الخوف من الداء ونتائجه امتنع الكثير منهم عن ممارسة الجنس ومنهم الأديب الألماني غوته الذي بقي حتى سن 34 يمتنع عن ممارسته خوفا من الإصابة بالافرنجي .

وبعد ثلاث سنوات من عودة كارل الثامن من نابولي ونشره لهذا المرض في كل أنحاء اوروبا تم دفن جثمانه في كاتدرائية سان دينيس في باريس .

وفي عام1496 كان المرض قد انتشر في كل أنحاء اوروبا . وفي عام 1530 كان الداء قد وصل الى أوروبا واسيا . واُعطي الداء اسمه المعروف” السفلس” بالإستناد إلى إحد الأرباب وهو رب الشمس راعي الخنازير المسمى “سيفيليوس “كما ذكر في احدى القصائد .ويسمى الداء ايضا” داء لويس” وهو اسم لاتيني يعني الوباء والبعض سماه ايضا “داء فينوس” وهي الهة الحب عند الرومان .

والداء أصاب الجميع حكاما ومحكومين، أغنياء وفقراء، وممن أصابهم الداء نذكر :فرانز الأول من فرنسا، وكريستيان السابع من الدنمارك، وايفان السادس والمسمى إيفان المرعب وبطرس الأول والمسمى بطرس الأكبر، ومن الفنانين أصيب به لودفيغ الثاني من بايرن وكان ممن يمارسون اللواط وقد سلبه المرض العقل والفهم ،كما أصيب به لودفيغ فان بيتهوفن وسبب له الصمم ، كما أصيب به الرسام الفريد ريتيل ،وممن أصيب به المؤلف الفرنسي زولا، وموباسان ،وأيضاً المؤلف الموسيقي روبرت شومان والذي أدى لديه لحدوث الجنون والأهلاس وبقي أكثر من 800 يوما في إحدى المصّحات العقلية ،وأصيب به ايضا هاينريش الثامن من انكلترا والذي أعدى بدوره زوجته الأولى كاترينيا فون ارغونيا ،وهذه ولدت له اربع اطفال خلال ست سنوات وكلهم ما عدا ابنة واحدة وهي الاميرة ماري ماتوا أثناء الولادة أو بعدها بفترة قصيرة وذلك لاصابتهم بالإفرنجي الولادي  وبسبب هذا توجه هاينريش الثامن الى البابا طالبا منه الغاء عقد الزواج لأنه يحتاج وصيا على العرش ،ولكن البابا رفض ذلك لا لأسباب أخلاقية ،ولكن لاسباب سياسية، ومن هنا انفصل هاينريش عن البابا وأسس ما يسمى الكنيسة الحكومية الإنجليزية ، وباعتباره الرئيس لها فإنه استطاع أن يطلق زوجته .

ويقول الراهب الاوغستيني ايراسموس من روتردام انه لو أحرق أوائل المصابين بهذا المرض منذ البداية لكان العالم خاليا من الداء وبما أن الوقت قد تأخر فانه ينصح بإخصاء كل المصابين ،وفي العصر الحديث فان أحد الواعظين الأمريكيين ويسمى جيري فالويل ينصح بتطبيق الإخصاء على المصابين بداء الإيدز ،وتقول الدراسات ان هذا الراهب اي ايراسموس وبعد ان تم فحص جثته عام 1928 تبين أنه مصاب بداء الإفرنجي .

وفي الفاتيكان تم دفن البابا الكسندر السادس وابنته بعد ان ماتوا بهذا الداء ،وكذلك فان خليفته البابا يوليوس الثاني لم يكن يستطيع أثناء الصلوات أن يرفع نفسه وذلك لإصابة قدمه بالتقرحات والتي يسببها المرض .

وعلى الرغم من كل ذلك استمرت الكنيسة وبدون انقطاع تتكلم عن هذا المرض على أنه عقاب إلهي، وحتى عام 1826منع البابا ليو الثاني عشر من استعمال الواقيات الذكرية(الكوندومات) والتي كانت تحضر في الماضي من أمعاء الخراف وذلك حتى يتم عقاب المذنبين ،وبسبب عدم نجاعة كل الخطب والمواعظ والتخويف من العقاب الإلهي أصدر البابا الأمر بإغلاق بيوت الدعارة والحمامات ومنعت .انتهى كلام دير شبيغل .

ويقول الدكتور محمد صلاح الدين الكواكبي رحمه الله في أحد أعداد مجلة المجمع العربي بدمشق:

“(بجل) ويقصد بها العامة(الداء الافرنجي أو الزهري)،مع أنها في الأصل صفة لا اسم كما سترى،شائعة الاستعمال فيما بين النهرين دجلة والفرات وبين أهل البادية.(بجل)هذه ليست عربية الأصل البتة ولا من العامي الفصيح.إنما هي فارسية المنشأ.فالبجل العربي الأصل هو:البهتان والافتراء،وأما كلمة(البجل )العامية فهي فارسية المنشأ ومعناها بالفارسية الإنسان القذر،الملوث،المستكره المنظر، البغيض،الخ) .

وإذا بحثنا عن معنى كلمة سيفليس الفرنسية نجدها مأخوذة من اليونانية(سيفلوس)ومعناها المستكره ،المقيت،المستوجب النفور منه.

و من كلمة البجل استعمال كلمة(مزهور) أي المصاب بالزهري،وهذه من (الزُّهرة)النجم المعروف،وهي عندهم إلهة الحب ولأن المصاب بهذا الداء إنما يصاب به من(الحب الملوث).

يقول الدكتور خالص جلبي(الطب في محراب الإيمان ج2):

“جرت القاعدة في دخول أي جسم أجنبي إلى الجسم الإعلان عنه بأجراس انذار معينة وأخصها الآلام والترفع الحروري والتوعك،ولكن هذه القاعدة تشذ هنا فلا أجراس انذار ولا ارتفاع في الحرارة أثناء دخول وحدة مرض الزهري(الإفرنجي)…

إن وحدة المرض في الزهري هي المعروفة باللولبية الشاحبة وطولها 6 ـ 14 ميكروناً وتشبه منظر الأفعى بطولها ودقة رأسها وتثنيها الذي يصل إلى حدود 10 تثنيات.

إن الزنا كله صمت وتستر وتخفي!!والسبب بديهي لأنه من أقبح العادات،يصل بالأمة إلى الهلاك وبالنسل إلى الانقطاع،وبالعلاقات الخارجية إلى التمزق،وبالأمانة إلى البوار،وبالعضوية إلى المرض والفساد،وبالنفس إلى الخواء والتمزق والضياع،هكذا يحدث الزنا وبنفس الطريقة تدخل اللولبية بصمت إلى الجسم،تنسل انسلالاً بهدوء وبدون اثارة أي ضجة ويشفع لها الدخول أنها تتظاهر بالضعف والقصور(ذلك أن اللولبية لاتعيش خارج الجسم أكثر من ساعات خلافاً لبقية الجراثيم)وبأنها ضعيفة،خفيفة الظل،لاتزعج ولاتحرج،وبذلك تدخل اللولبية ومن خلال الغشاء المخاطي،وهذا له معناه بالاتصالات الجنسية،ولذا فإن هذه الجرثومة قد تصل إلى داخل البدن بعد قبلة بسيطة!!ومن هناك تنسل إلى الأوعية اللنفاوية فتعبرها وبهدوء وبرفق وبصمت حتى تصل إلى العقد اللمفاوية فتعبرها إلى الأوردة ومن ثم إلى الشرايين،وهناك تمشي على نفس قاعدة التسلل والتخفي من عدم الظهور في الشرايين الكبيرة لتتمركز في الشرايين الصغيرة بعيداً وحتى هناك تمشي كالمجرم الخائف تماماً بجانب الجدار الوعائي وليست رافعة الرأس في مركز الوعاء.ومنه تنسل إلى الجدار وخارجه،وخلال 24 ساعة يتم التوزع في البدن كله وتقعد بهدوء،وهكذا يصاب البدن بدون أي ضجة من هذه الآفة الخبيثة التي كانت نتيجة الخبث وصدق الله العظيم{الخبيثاتُ للخبيثينَ والخبيثونَ للخبيثات}[النور 26].

تصمت الجرثومة،ويصمت الجسم فلا ترتفع الحرارة كما في الانتانات عادة،ولايظهر مايدل على المرض حتى إذا تمركزت وبشكل جيد،وتمكنت من التوطين،بدأت بحملة التخريب،والعطب، والإتلاف…وهذا هو طبع الأفاعي، ولذا فلا عجب إذا أسمينا هذه الجرثومة بأفعى الزنا،فشكلها ودخولها وتصرفها هو من أخلاق الأفاعي،فإذا أضفنا إليها العمل الجنسي الخبيث الحرام اكتملت الصورة،ووضح المنظر،فتبارك الله منزل الكتاب الذي حذرنا من مقاربة الأفاعي خوف العضاض!!{ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا}.

ويتابع:”وتذهب اللولبية تعمل في صمت الجواسيس وحذق الخبثاء،وحنكة الأفاعي،تهىء السم،وتعدّ العدة وتنتظر ساعة الصفر!!حتى إذا مرت فترة قامت بتمرد أول لتعرف قوة البدن واحتياطه،وجنوده وأعوانه،لأنها تعرف من نفسها الضعف والهزيمة،ذلك أن من طبائع الحياة أن الخبيث مصيره إلى زوال،ومآله إلى فناء!!

فإذا عرفت من البدن مكامن ضعفه،وثغرات قصوره راحت تخطط في خبث شديد،وهدوء بالغ،وكمون طويل،تماماً كنوم الأفاعي الطويل،وهمودها الخادع،وسكونها المرائي حتى يكاد الإنسان يشك بحياة الأفعى،كذلك يشك الإنسان بحياة اللولبية إذا مرت السنوات وهو ألعن وأشنع من نوم الأفاعي،لأن الأفعى تنام في الشتاء وتستيقظ في الربيع والصيف،أما اللولبية فقد تستغرق في نوم يدوم ربع قرن من الزمن لتثور بعد ذلك ثورة موفقة على قيادة الأركان العامة،وتقوم بهجوم مركز على الإذاعة والتلفزيون،وتشن حرباً ضروساً على حكومة البدن ومركزيته،في صورة مرض الشلل العام حيث يحل العطب والدمار بالدماغالذي يمثل حكومة البدن العاقلة العالمة المخلصة،وحيث تصاب مراكز النطق والكلام التي تمثل مركز البث والإذاعة في الجسم،وحيث تعطب العصب البصري الذي يمثل المركز التلفزيوني الملون في البدن،هناك في المركز تعم الفوضى في الوظائف،فيتراجع الفهم والإدراك،ويقصر العقل،ويتباطىء الذكاء،وينعكس ذلك على البدن في صورة التشنج والاختلاج والاهتزاز والترنح والتطوح،يعبر عنه الجسم بتفكك الترابط،بقصور الوظائف،بتباطىء العمل والانتاج،ومن العجب العجيب أن المريض يصاب بالنشوة بالإضافة إلى شلل عضلاته،وضعف كيانه وهذا هو حال الأمم عندما يختل المركز،وتنخفض الثقافة،ويقصر الفهم الاجتماعي،وتخف الطاقة الانتاجية،وتتفكك الروابط العائلية والاجتماعية،عندما يخبو نشاط المجتمع،ويضعف كيانه ويترنح في سيره،ويتطوح في مشيته،عندما لايرى النور ويعيش في الظلام وهو يحسبه خير وبركة،عندما يختلج في صورة الاهتزاز السياسي،والفوضى الاقتصادية،والخلل الاجتماعي.مع كل هذا نرى المريض يصدح في الغناء،ويطرب على كلمات اللهو الفارغة،وينصرف إلى المجون ويغرق في وحل الجنس،ومستنقع الرذيلة،كذلك تحق عليه كلمة الله بالعذاب والاستئصال الشديد،والأخذ الأليم{وكذلكَ أخذُ ربّكَ إذا أخذَ القُرى وهيَ ظالمةٌ إنَّ أخذهُ أليمٌ شديدٌ*إنَّ في ذلكَ لآيةً لمن خافَ عذابَ الآخرةِ ذلكَ يومٌ مجموعٌ لهُ الناسُ وذلكَ يومٌ مشهودٌ}[هود 102 ـ 103].

من المشاهير الذين أصيبوا بهذا المرض:

البابا الكساندر الرابع،إيفان الرهيب، القيصر الروسي بطرس الأكبر ،الملك هاينريش الثامن من بريطانيا، وملك باير لودفيغ الثاني، والشاعر هاينريش هاينه،والشاعر نيكولاوس ليناو، ومن الموسيقيين  لودفيغ فان بيتهوفن ،وفرانز شوبارت،والشاعر الفرنسي بودلير، وموباسان،وفلوبير، ومن الفلاسفة نيتشه ،وحتى المصلح مارتين لوثر أصيب بهذا المرض .

في البداية عولج المرض بمركبات الزئبق ومن ثم مركبات اليود والبيزموت .

وفي عام 1905 اكتشف ريتشارد شاودين جراثيم الافرنجي .

وفي عام 1906 اكتشف فاسرمان فحص تفاعل الأضداد للكشف عن المرض .

وفي عام 1908 تم اكتشاف مركب السالفرسان للعلاج وهو من مركبات الزرنيخ والذي اكتشفه العالم باول ايلريش، وأحدث ثورة في معالجة الداء وفيما بعد تم اكتشاف البنسلين الذي كان حقا الثورة الحقيقية في معالجة المرض وكان ذلك عام 1929 ومكتشفه هوالعالم الكسندر فيليمنغ .

من الناحية الأدبية :

عبد الله النديم يصف مريضاً بالإفرنجي(نقلاً عن فيض الخاطر ج6 ص152)”:

في مقال عنوانه :مجلس طبي لمصاب بالافرنجي يقول:وهي قصة شاب صحيح البنية ،قوي الأعصاب،جميل الصورة ،لطيف الشكل ،في رقة ألفاظ، وعذوبة كلام،وفي عزّة ومنعةلايشاركه فيها مشارك،يلتف حوله أهله يُعززونه ويؤازرونه حتى لاتمتد إليه يد عدو ،ولا حِيل محتال ،وبينا هو في ذلك تسلل إليه أحد الماكرين يتظاهر بالصلاح والتقوى ،ويضمر الختل والغدر،فأسلمه أهله إليه انخداعاً به ،فعرضه هذا الماكر على الاسواق يريه من الغواني من تعارض الشمس بحسنها ،وتكسف البدر بنورها، فمانع حيناً، ولكنه رأى أهل بيته قد وقعوا في مثل هذه الغواية ،وانغمسوا في مثل هذه الضلالة ،فسار سيرهم ،وترك النقاء والإباء وسار في الطريق الذي رسمه المنافق الخادع ،فما سار فيه حتى أصيب بالداء الإفرنجي(الزهري)، فاصفر وجهه، وارتخت أعضاؤه، وذهبت بهجته ،وغارت عيناه، وتشّوه وجهه ، وتبدّلت محاسنه بقبائح تنفر منها الطباع، وتمّكن الداء منه وسرى في دمه وعروقه ،فصار يُقّلب طرفه لعلّه يجد من قومه من ينقذه من مرضه.واجتمع الاطباء من قومه يفحصون الجسم ويشّخصون مرضه ، ويقفون على أصله، ويرّكبون الدواء ، ليقف سريان الداء ، وتعّلق بهم أهل المريض يسألونهم الاسراع في معالجته ، والإجتهاد في دفع مصابه ، فطمأنهم الأطباء ونصحوهم بالهدوء والتحرز ممن كانوا السبب في الداء حتى لا يفسدوا العلاج ، وابتدأوا يعملون بمشورة الاطباء ويبذلون الجهد في معالجته “.

2- السيلان البني

التعريف:هو انتان يصيب الأغشية المخاطية للإحليل والجهاز التناسلي ويتلو الإتصالات الجنسية وتسببه المكورات البنية(النايسريات البنية)، ويمكن أن تسبب هذه الجراثيم اصابة أنحاء أخرى من الجسم(غير الجهاز التناسلي) فتسبب التهاب المفاصل والتهاب الشغاف وذات السحايا .ومرض السيلان هو أكثر الأمراض الجنسية شيوعاً في العالم، وتقدر عدد حالات الإصابة به سنوياً حوالي 250 مليون حالة(والرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير).

ولا تحصل العدوى في الداء إلا عن طريق المقارنات الجنسية لشخص مصاب بالداء.

إن المكورات البنية تنفرد عن غيرها من الكورات المقيحة كالمكورات العنقودية والرئوية أنها تسبب التهابات قيحية سيلانية،وأفضل الأمكنة لتوضعها وإمراضها الجهاز التناسلي لدى الجنسين.وبحيث يبدأ الانتات في الإحليل الأمامي عند الذكور،وفي الإحليل الأمامي والغدد الفرجية المهبلية وعنق الرحم عند الإناث.وقد تبين ولأسباب مجهولة أن بطانة الرحم شديدة المقاومة للإنتانات بالمكورات البنية.

الأعراض:

الذكور: بعد فترة حضانة 2-8 أيام تبدا الأعراض فجأة وأهمها عسر التبول أي تواتر التبول مع ألم وزحير بولي مع حدوث سيلان مخاطي قيحي غزير جدا وسّيال ولا يترافق غالبا مع ترفع حروري إلا اذا اختلط بحدوث التهاب البروستات أو البربخ ، واذا لم يعالج يتراجع التهاب الإحليل خلال أسابيع ولكن يبقى سيلان مخاطي نقطي وخاصة صباحا ويستمر لعدة أشهر وينجم عن هذا تضيق الإحليل ،وإن التهاب البربخ المزمن يؤدي الى العقم .ومن النادر جداً التهاب الخصية في الداء.

الإناث :بعد دور الحضانة يحدث عسر التبول وتكون الأعراض بسيطة ولفترة قصيرة ويحدث التهاب عنق الرحم الذي يؤدي لسيلان مخاطي قيحي وقد يحدث التهاب النفير الذي يترافق بحمى عالية وآلام بطنية سفلى والذي إن لم يعالج أدى الى حدوث العقم .

ومن الإصابات خارج الجهاز التناسلى:التهاب المفاصل، وهو من أكثر الإختلاطات شيوعا ،ويحدث بعد 1-3 اسابيع من الأعراض التناسلية والبدء تدريجي ويصيب غالبا عدة مفاصل وأكثرها اصابة مفصل الركبة او العقب والمعصم .

وقد يحدث التهاب الشغاف وهو نادر الحدوث . وقد يحدث تجرثم الدم والتهاب حول الكبد .

وفي بعض الحالات يصاب الوليد من أم مصابة بالداء وتتركز الإصابة في العينين.وبسبب المعالجة بالصادات الحيوية أمكن الوقاية من مضاعفات هذا الالتهاب في العين عند الوليد،وقبل عصر الصادات كان المرض يسبب العمى عند هؤلاء الأطفال.

والإصابة بعد المكورات البنية وحدوث داء السيلان القيحي لا تترك مناعة دائمة بعد الإصابة والمعالجة،ولذا فإن تكرر الإصابة أمر طبيعي كلما تعرض الشخص لمواجهة هذه النايسريات البنية.

والداء إذا شخص في بدايته يسهل علاجه ولايترك عادة أي عقابيل.

الإيدز= متلازمة العوز المناعي المُكتسبAIDS

الإيدز:

من الناحية التاريخية:

في عام 1979م ظهرت بضع حالات في أمريكا لنوع من حالات مرضية تتصف بنقص مناعة شديد غير معروف السبب.وسجلت على أنها حالات من نقص المناعة الفردية.

وفي عام 1081م ظهر اسم مرض الإيدز كمرض فقدان المناعة المكتسب وذلك بعد أن ذكر أحد الأطباء ويدعى “غوتليب”انتشار مرض في مدينة سان فرنسيسكو على مجموعة من الرجال المصابين بالشذوذ الجنسي والذين كانوا مصابين بأمراض انتانية وخاصة رئوية شديدة وخاصة بسبب عامل ممرض نادر الشيوع ويسمىPneumo Cystis Carinii،أو ألأنهم مصابون بسرطان لمفاوي خبيث من نوع Kapsi Sarcoma.

ومن ثم بدا تظهر أعراض هذا المرض الجديد ليس فقط عند الشاذين جنسياً بل أيضاً عند مدمني المخدرات،وبعد نقل الدم لبعض المرضى الذين هم بحاجة لنقل الدم.

من الناحية الطبية:

مرض فيروسي يسببه فيروس ضئيل لايرى إلا بعد تكبيره مئات الآلاف من المرات بالمجهر الالكتروني، وينتمي هذا الفيروس إلى مايسمى الفيروسات Retrovirus،وهذه الفيروسات لها قدرة عجيبة على استعمار الخلايا الحية والتكاثر فيها والتحكم في أسرار الجينات(المورثات) في هذه الخلايا، ويهاجم الفيروس بشكل خاص الخلايا اللمفاوية المساعدة T4 والتي تعتبر المسؤؤل الرئيسي عن جهاز المناعة الخلوية عند الإنسان،ومن هنا تسمية المرض بنقص المناعة المكتسب.وأول اكتشاف للمرض كان في أمريكا عام 1981م،وأول من اكتشف الفيروس هو البروفسور “بولك مونتانييه”الفرنسي عام 1983م،وسمي الفيروس باسمHIV.وقد سبق ذلك الكشف عن تواتر حدوث ساركوما كابوزي عام 1979م لدى مرضى الشذوذ الجنسي وهو ورم جلدي نادر الحدوث.وقد تبين أن العديد منهم يصابون أيضاً بالإنتانات الانتهازية وخاصة ذات الرئة بالعواملPneumocystis Carinii.

إن المناعة البدنية في جسم الإنسان تتشكل من الخلايا اللمفاوية والتي توجد بشكل خاص في الدم والعقد اللمفية والكبد والطحال ونقي العظم.وهذه الخلايا اللمفاوية تنقسم بدورها إلى قسمين: الخلايا البائية B،وهي خلايا تشكل مايسمى الأضداد وهذه تكون جوالة في الدورة الدموية وتقضي على الجراثيم والعوامل الممرضة الأخرى،والنوع الثاني من الخلايا اللمفاوية تسمى الخلايا التائية T،وهي اثنا عشر نوعاً ولكل منها ميزة خاصة ووظيفة معينة،ومن هذه الخلايا توجد مايسمى الخلايا المساعدة Helper،ويتركز هجوم الفيروس على هذه الخلايا بشكل خاص، حيث يدمرها ويسبب أعراض المرض بسبب نقص المناعة البدنية.ومنها الإصابات بالإسهالات الشديدة والإلتهابات الرئوية وخاصة بالفطور والطفيليات والفيروسات مع نقص الوزن الشديد وازدياد الإصابة بالأورام الخبيثة وخاصة في العقد اللمفية وسرطانات الجلد ومن ثم الإصابات العقلية والعصبية والتي قد تؤدي للشلول والموت .ويقدر عدد حالات الوفاة اليومية في أفريقيا بسبب الإيدزحوالي ستة ألاف حالة، ويفوق هذا الرقم ضحايا الحروب والمجاعات والفيضانات، وينتج عن ذلك ازدياد عدد الاطفال الذين يطلق عليهم أيتام الإيدز بصورة تنذر بالكارثة. وتقدر عدد الوفيات الناجمة عن الداء عام 2003م حوالي 3مليون شخص،وعدد المصابين بعدوى الإيدز تجاوز 40 مليون اصابة نصفهم من النساء.

وفي عام 2012 أصدر مركز مكافحة الأمراض في أمريكا أن هناك نحو مليون ونصف تقريباً يعيشون في أمريكا وهم مصابون بالإيدز،ومن المصابين بالإيدز من المشاهير عالمياً:

ـ ادوين كاميرون:وهو قاض في المحكمة الدستورية لجنوب أفريقيا.وهو مشهور بدفاعه المستميت عن “المثليين”.

ـ روي ماركوس كوهين:محامي أمريكي مشهور من خلال التحقيقات مع السيناتور جوزيف مكارثي.

ـ جون كويل:وكان مرشحاً لعضوية مجلس الشيوخ الامريكي،ومات بالداء عام 1991م.

ـ تيري دولان:ناشط سياسي أمريكي كان يدافع عن “المثليين” ومات بالداء وعمره 36 عاما.

ـ جيمس دريسيل:كان يشغل منصب رئيس منظمة ميتشجان لحقوق الإنسان،وكان يدافع عن”المثليين” ومات بالداء عام 1992 وكان عمره 48 سنة.

ـ كريستوفر سميث:سياسي بريطاني وعضو برلمان،ووزير الدولة لشئون الثقافة والإعلام،وكان يعلن أنه لواطي،وفي عام 2005 أعلن وكأول عضو برلماني أنه مصاب بداء الإيدز.

ـ روك هدسون:الممثل الأمريكي المشهور،توفي بالمرض عام 1985م وكان من”المثليين الجنسيين”.

ـ فريدي ميركوري:وهو مطرب وموسيقي بريطاني ومات بالداء عام 1991م وكان ممن يمارسون الشذوذ الجنسي.

ـ ماجيك جونسون:لاعب السلة العالمي وقد أصيب بالداء عام 1991 وتم شفاؤه منه عام 2011.وأعلن أنه كان يمارس العلاقات الجنسية غير الشرعية قبل زواجه.

ـ تومي موريسون:توفي بالإيدز عام 2013 .

ـ ميشيل فوكو:فيلسوف فرنسي وهو من أكبر فلاسفة العصر الحديث الذين عالجوا معضلة الجنون في التاريخ،ومات بالداء عام 1984م.

ومن الناحية الفقهية والطبية :أذكر مايلي (نقلاً عن دائرة سفير للمعارف الإسلامية ج31-32):

كلمة “ايدز” هي اختصار للتسمية الإنجليزية للمرض .والإسم العلمي باللغة العربية لهذا المرض هو “متلازمة العوز المناعي المكتسب” وإن كان الاسم الأكثر شيوعاً هو “مرض نقص المناعة المكتسب”.

ويشير هذا الاسم إلى فقدان جسم المريض القدرة على مقاومة مسببات الأمراض المعدية والأورام ،حيث يقوم “فيروس الايدز ” بمهاجمة خلايا  الجهاز المناعي التي تدافع عن جسم الإنسان ضد أنواع  العدوى المختلفة ،وضد أنواع معينة من السرطان .وتكون الأمراض المتولدة من هذه الكائنات والأورام هي السبب المباشر في القضاء على المريض.

وفي غالبية المرضى لا تظهر أعراض الإصابة  بالفيروس مباشرة ولكن تمر فترة تتراوح بين ستة شهور وعدة سنوات بعد حدوث العدوى ،وقبل ظهورالأعراض المميزة للمرض.

وتؤكد عدة دراسات أن خمسين بالمائة من الذين يصابون بالعدوى ستظهرعليهم أعراض المرض خلال عشر سنوات من إصابتهم  بهذا المرض ،وخلال هذه السنوات لا يشكو المريض من أية أعراض للمرض، ولكنه يكون مصدراً لعدوى الآخرين.

من الناحية السريرية يشاهد ثلاث مراحل للمرض:

1 ـ دور الحضانة:ويستمر من 6 ـ 24 شهراً بعد دخول الفيروس للجسم.ولا يوجد هنا أعراض سريرية.

2 ـ طور الضخامات العقدية المزمنة:حيث توجد ضخامات عقدية معممة مع طفح جلدي غير معلل وغالباً ما يترافق مع الحمى والتعرق الليلي ونقص الوزن وضعف الجسم والإعياء.

ويكون هنا على مستوى الفحص المخبري نقصاً في الخلايا اللمفية المساعدة T Help  وزيادة في الخلايا المثبطة  T Suppresor Cells

3 ـ طور العوز المناعي والاختلاطات:حيث تكثر الانتانات الانتهازية،ويكثر حدوث ساركوما كابوزي،مع حدوث اعتلالات في شبكية العين…

ومن أهم الأعراض التي تدعو إلى الاشتباه  في مريض الايدز مايلي:

-الإعياء المستمر دون سبب ظاهر

-حدوث نقص في الوزن بصورة غير متوقعة :إذ يفقد المريض أكثر من عشرة بالمائة من وزن الجسم خلال شهرين.

  • تضخم العقد اللمفاوية ،وبخاصة في العنق والإبط وثنية الفخذ  دون سبب معروف.

-ارتفاع في درجة الحرارة ،مع عرق ليلي يستمر عدة أسابيع دون سبب معروف.

ـ إسهال ليس له سبب واضح ،يستمر عدة أسابيع كذلك.

  • سعال جاف يستمر مدة أطول، مما يمكن أن تسببه نزلة برد حادة.
  • وجود بقع حمراء أو قرمزية على الجلد أو في الفم أو الجفون .
  • وإن معظم مرضى داء الإيدز يموتون بسبب الانتانات المصاحبة للداء،وسببها غالباً مايسمى الانتانات الانتهازيةOpportun،وهذه تعني الإصابة بجراثيم وفطور لاتشكل خطراً عادة عند الأسوياء الأصحاء ولكنها بسبب نقص المناعة تغافل الجسم وتحدث فيه إصابات بالغة وشديدة.وأهم هذه الانتانات الانتهازية نذكر:
  • 1 ـ Pneumocystis Carinii:وهذه تحدث التهابات شديدة وخاصة في الرئتين.وتحتاج لمعالجة نوعية خاصة ومراقبة شديدة.
  • 2 ـ المصورات القوسية:Toxoplasmose:وهي تحدث انتانات شديدة لدى مرضى الإيدز وهي تصيب الدماغ والرئتين وذات خطورة كبيرة.
  • 3 ـ الطوقياتCandida والمكورات الخفيةkryptoccus،:والطوقيات أو المونيليل تسبب التهابات المري والجهاز الهضمي.
  • 4 ـ الانتانات الفيروسية:يصاب مرضى الإيدز بمجموعة من الفيروسات وخاصة منها حمى العقبول البسيط(الهربس)وحمى داء المنظقة وحمى داء الخلايا الخلوي العرطل
  • 5 ـ الانتانات بالعصيات الفطرية:أي عامل السل وجراثيم السل وداء السل يشاهد حدوثها بشكل واسع لدى هؤلاء المرضى.وكذلك أيضاً الإصابة بالعصيات الفطرية اللانموذجية.
  • وكذلك يكثر عند مرضى الاإيدز الانتانات الانتهازية في الجلد والأغشية المخاطية،وخاصة بالطوقيات.
  • كما لوحظ لدى هؤلاء المرضى زيادة نسبة حدوث بعض السرطانات وخاصة مايسمى ساركوما كابوزي.والذي ينتشر في الجلد ويسبب بقعاً منتشرة سرطانية.

وتنتقل عدوى مرض “الايدز” بواسطة ثلاث طرق:

1-الطريقة الأولى : وهي الأكثر شيوعاً:هي الإتصال الجنسي بكل أنواعه.

2-والطريقة الثانية : وهي عن طريق الدم الملوث بالفيروس، كما يحدث عند استخدام إبرة،لحقن شخص مصاب بالمرض، ثم استعمال الإبرة نفسها بعد ذلك بدون تعقيم لحقن شخص آخر سليم . ويحدث ذلك أيضاً خلال عمليات نقل الدم من شخص مصاب بالمرض إلى شخص آخر سليم

3- والطريقة الثالثة : وهي انتقال الفيروس من الأم المصابة إلى طفلها، ويحدث ذلك خلال فترة الحمل أو أثناء الولادة .

ومن أكثر الناس تعرضاً لخطر الإصابة  أولئك الذين يمارسون الجنس :بارتكاب الزنا أو اللواط أو نحوهما  ذكوراً كانوا أو إناثاً، والذين يتعاطون المخدرات حقناً،والذين يتكرر استعمالهم المحاقن والإبرغير كاملة التعقيم .

ولا ينتقل الإيدز عن طريق الحشرات التي تمتص الدم مثل البعوض،لأن فيروس “الايدز” لا يعيش ولا يتكاثر داخل جسم البعوضة ،كما هو الحال في الأمراض التي تنتقل بوساطة البعوض مثل :الملاريا . ولا ينتقل الإيدزعن طريق الهواء أو السعال  أو العطس، ولا عن طريق المصافحة أو ملامسة جلد المصاب، ولا عن طريق الإستخدام المشترك  لبعض الأدوات  الشخصية ، ولا عن طريق الاختلاط بمرضى الإيدز في الحياة العملية والاتصالات اليومية ،وفي أماكن  العمل وفي وسائل المواصلات العامة . إلا أن هناك بعض المهن التي يتعرض العاملون بها لملامسة الدم ،مثل الأطباء والممرضات ،والعاملين في المختبرات، مما يستلزم اتخاذ بعض الاحتياطات للوقاية من العدوى .

وقد تم وصف حالات الايدز لأول مرة في الولايات المتحدة الامريكية في عام 1981م ، ولكن هناك من الشواهد ما يشير إلى حدوث حالات أخرى قبل هذا التاريخ .

ولم تتوصل البحوث العلمية الحديثة إلى معرفة من أين جاء الايدز، وقد ساعدت الإباحية الجنسية وانتشار اللواط في كثير من بلدان العالم  على سرعة انتشار الايدز وتحوله من مجرد حالات معدودة إلى وباء شامل ، وقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:”..لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا “[رواه ابن ماجة] .

وإلى جانب التسيب الجنسي يأتي انتشار تعاطي المخدرات عن طريق الحقن : فالمدمنون لا يعتنون بتعقيم أدوات الحقن، بالإضافة إلى استعداد بعضهم لممارسة الرذيلة ،للحصول على المال الذي يشترون به المخدر .

وقد رتب الفقهاء بعض الأحكام الفقهية على مريض الإيدز ومنها :

  • حق الزوجة في طلب فسخ عقد الزواج من مريض الإيدز : ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للزوجة طلب فسخ عقد زواجها بسبب إصابة زوجها بعيب تتضرر منه ،إذا لم يسبق لها العلم به قبل العقد، ولم ترضَ به بعده . وأجاز جمهور الفقهاء لزوجة المجذوم طلب فسخ العقد للضرر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم “فر من المجذوم كما تفر من الأسد“[اخرجه البخاري] .وذلك لأن  العلماء قطعوا بانتقال فيروس المرض بالمعاشرة الجنسية ،وهذا قد يؤدي إلى نفور الزوجة وتضررها من المقام مع زوجها المريض به، فهو من هذه الناحية شبيه بالجذام فيأخذ حكمه .
  • حكم إجهاض المرأة المصابة بالإيدز :يمر الجنين وهو في رحم أمه بأربع مراحل : النطفة، فالعلقة ،فالمضغة ،فنفخ الروح . وكل مرحلة من المراحل الثلاث الأوَل حدُّها الزمني أربعون يوماً،ويكون نفخ الروح فيه بعد مضي مائة وعشرين يوماً من بدء التخلق .
  • وقد اتفق الفقهاء على حرمة إسقاط الجنين الذي نفخ فيه الروح،ورأوا أن اسقاطه يُعدُّ قتلاً للنفس،واختلفوا في إسقاط من يكون في أيّ من المراحل الثلاث الأخر .وإجهاض المصابة بالإيدز تعارضت فيه مفسدة إسقاط الحمل، حتى لا يولد حاملاً للمرض – مع مصلحة الابقاء عليه-حفاظاً على حقهِ في الحياة ،ولا يمكن تحقيق المصلحة ودرء المفسدة في نفس الوقت، وقواعد الشريعة تقضي بأنه إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة ،ولم يمكن تحصيل المصلحة ودرء المفسدة ،وكانت المصلحة أعظم قٌدِّمت على المفسدة . ومصلحة الإبقاء على هذا الجنين، حفاظاً على حقه في الحياة  ـ أرجح من المفسدة التي تقابلها، لإمكان معالجة هذا الجنين، وإن وُلدّ حاملاً للمرض، لإحتمال ظهور علاجات تقلل من فيروسات الإيدز أو تمنع منها قد يتوصل إليها العلم الحديث .
  • حكم معاقبة مريض الإيدز إذا أصاب غيره بفيروس المرض:إذا تسبب مريض الإيدز في إصابة غيره عن عمد، فإنه يُعزَّز ، لإعتدائه على حق الغير في سلامة بدنه، ويُلزم بمداواته على نفقته، هذا إذا لم يمت المصاب ،فإذا مات، فإنه يُقاد به، وفقاً لما ذهب إليه جمهور الفقهاء غير الحنفية في القتل بالسم –الذي هو شبيه بهذه المسألة – لما روي عن أبي سلمة قال :”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصليّة (مشوية)سَمتَّها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم، فإنها أخبرتني أنها مسمومة، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليهودية، فقال لها:ماحملك على الذي صنعتِ؟ قالت: إذا كنت نبياً لم يضرك الذي صنعتُ، وإن كنت ملكاً أرحتُ الناس منك، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت…(قصاصاً لتسببها في قتل بشر بن البراء بن معرور )[أخرجه أبو داود في سننه] .
  • حكم عزل مريض الإيدز عن المجتمع :إنّ عزل مريض الإيدز عن المجتمع أمر تقتضيه حماية غيره من الأصحاء من الإصابة بمرضه، لما قد يترتب على مخالطته لهم من انتقال عدوى المرض إليهم .
  • حكم إبلاغ الزوج السليم بحقيقة مرض زوجته:إبلاغ السليم من الزوجين بحقيقة مرض الآخر ،أمر تقتضيه وقاية الزوج السليم من أن ينتقل إليه فيروس المرض، لأن هذا من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها كلا من الزوجين في قوله تعالى{وعاشروهنَّ بالمعروف} “[النساء 19]  وهذا يقتضي ألا يكتم أحد الزوجين حقيقة مرضه عن الأخر .انتهى كلام السفير .

الشذوذ الجنسي

ويشمل مايلي:

1 ـ فعل قوم لوط

2 ـ السحاق

3 ـ اتيان البهائم

4 ـ الخنوثه والمتخنثين

5 ـ السادية

6 ـ المازوشتية

 فعل قوم لوط(اللواط)

من الناحية التاريخية:

جاء في دائرة المعارف البريطانية:”إن اتصال الرجال بالرجال جنسياً لم يكن معروفاً ـ فحسب ـ عند الإغريق،ولكنه كان يحظى بالتقدير،ولذا فإن الآداب اليونانية تمدح الشذوذ الجنسي وتشيد به.ويعتقد كثير من الباحثين أن ذلك كان محصوراً في علية القوم فقط،بينما يعتقد آخرون أن المجتمع اليوناني بأكمله كان يشيد بالشذوذ الجنسي.وكان كل فيلسوف حكيم يلتصق به فتى أو مجموعة من الفتيان الذين كان يتصل بهم جنسياً.وقد أشاد الكتاب الإغريق بذلك”.

:وانتقلت عادة اللواط من الإغريق إلى الفرس زإلى الرومان وتتناقض نظرة اليهود مع نظرة الإغريق للواط،فقد جاء في التوراة لعن اللوطية زمعاقبتهم بالقتل”.

“وانتقلت هذه النظرة من اليهودية إلى المسيحية التي لم تنظر فقط إلى العلاقات الجنسية الشاذة بأنها قذر،بل نظرت إلى العلاقات الجنسية السليمة بين الأزواج على أنها قذر أيضاً،والتي مجدت نظام الرهبنة”.

وتواصل دائرة المعارف البريطانية حديثها فتقول:”ولكن نظام الرهبنة بمنعه الزواج أدى إلى انتشار اللواط بين رجال الكنيسة،وإلى المساحقة بين راهباتها”.

وتتابع دائرة المعارف البريطانية:”في الواقع لايوجد أي مجتمع إنساني بدائي أو متحضر يسمح بالشذوذ الجنسي ويمدحه ما عدا ماكان في مجتمع الإغريق وفي اليابان القديمة،وفي بعض القبائل الشاماينة(وهي عبادة وثنية كانت منتشرة في بلاد ماوراء النهر وأفغانستات قبل الإسلام) وفي الطبقات الحاكمة العليا في ألمانيا النازية،وحديثاً جداً في الدول الإسكندنافية،وهولندا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية”.

(نقلاً عن كتاب الأمراض الجنسية للدكتور محمد علي البار).

وجاء في مجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله العدد 425 بتاريخ 11 إيلول عام 1923م:

“خيرمايعرف به لوط عليه السلام أنه ابن أخي إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام،وأنه ولد في (أور الكلدانيين) وهي في طرف الجانب الشرقي من جنوب العراق الغربي من ولاية البصرة،وكانت تلك البقعة تسمى أرض بابل.ثم أسكنه إبراهيم في شرق الأردن باختياره لها لجودة مراعيها وكان في ذلك المكان المسمى بعمق السديم بقرب البحر الميت  ـ الذي سمي ببحر لوط أيضاً ـ القرى أو المدن الخمس: سدوم وعمورة وأدمة وصبوبيم وبالع التي سميت بعد ذلك صوغر لصغرها  ـ فسكن لوط عليه السلام في عاصمتها سدوم التي كانت تعمل الخبائث”.

لقد ذكر الله تعالى قصة قوم لوط في حوالي أربع عشر موضعا في القرآن الكريم،وذلك في سور الحجر والقمروهود والنمل  والعنكبوت والأعراف والأنعام  والشعراء والحج والتحريم والأنبياء والصافات  وص وق ، في حين أنه ذكر الزنا في أربع مواضع فقط في سور الإسراء والفرقان والنور والممتحنه، و ذلك مما يُظهر فظاعة اللواط وعظيم فحشه وأن الله تعالى سَمّى الزنا فاحشة ،وسَمّى اللواط  الفاحشة والفرق بين التسميتين عظيم ،فكلمة فاحشة بدون الألف واللام نكرة ،ويعني ذلك أن الزنا فاحشة من الفواحش، لكن عند دخول الألف واللام عليها فتصير معرفة ويكون حينئذ لفظ الفاحشة جامعاً لمعاني اسم الفاحشة ومعبراً عنها بكل مافيها من معنى قبيح  قال تعالى{أتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} [الأعراف80] وفي الزنا يقول تعالى :{ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلا} [الإسراء 132].

وجاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به”، وقال صلى الله عليه وسلم”إن أخوفَ ما أخافُ على أمتي عملُ قومِ لوطٍ”[رواه ابن ماجة والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].

إن قوم لوط هم أول من مارس هذا الشذوذ الجنسي أي اتيان الذكران من أدبارها فأرسل الله لهم نبيه لوطاً عليه السلام :{ولوطاً إذ قال لقومه أتاتون الفاحشة وأنتم تبصرون} [ النمل 54 ]فأجابه قومه إجابة منكرة {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط إنهم أناس يتطهرون}  [النمل 56]  واستشرى الشذوذ وصار يمارس علانية في أنديتهم بلا رادع ولامانع بل أجابوا لوطاً بكل استكبار  واستهتار :{ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين }” [لعنكبوت 29].

وأرسل الله الملائكة الى لوط بهيئة شباب مشرقة وجوههم وهو يجهل في البدء حالهم فلما عرف أنهم ضيوفه ضاق صدراً وتمتم قائلاً{هذا يوم ٌ عصيب }[هود 77] وهرع قومه إليه بعد أن عرفوا بمقدمهم إليه وحاول لوط إقناعهم واستجاشة مشاعرالشفقة لديهم دون فائدة{قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد}[هود78] فأجابوه بكل صفاقة ووقاحة{لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد}[هود 79].

فكان أن جاءهم العقاب الشديد حيث جعل الله عاليها سافلها،وأمطرهم بحجارة مختوم على كل منها اسم صاحبها فأهلكتهم جميعاً{فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومةعند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} [هود 82].

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله(الداء والدواء ص228):”ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات.

وقد اختلف الناس: هل هو أغلظ عقوبة من الزنى،أو الزاني أغلظ عقوبة منه،أو عقوبتهما سواء؟والراجح وماعليه جمهور الأمة، هو قول أصحاب القول الأول،وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة(ومنهم أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس …)ليس في المعاصي أعظم مفسدة من هذه المفسدة،وهي تلي مفسدة الكفر،وربما كانت أعظم من مفسدة القتل.

ويتابع ابن القيم رحمه الله:

“قالوا: ولم يبتل الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين،وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداًغيرهم،وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم والخسف بهم،ورجمهم بالحجارة من السماء،فنكل بهم نكالاً لم ينكله أمة سواهم وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها،وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والارض إذا شاهدوها ،خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم،وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى،وتكاد الجبال تزول عن أماكنها،وقتل المفعول به خير له من وطئه،فإنه إذا وطئه قتله قتلاً لاترجى الحياة معه بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد أو ربما ينتفع به في آخرته.

ويتابع:”قالوا: والدليل على هذا: أن الله سبحانه جعل حد القاتل إلى خيرة الولي إن شاء قتل وإن شاء عفا.وحتم قتل اللوطي حداً.كما أجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.جاء في الحديث الشريف:”من وجدتموهُ يعملُ عملَ قوم لوط فاقتلوا الفاعلَ والمفعول به”[رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وقال الألباني حديث صحيح].

وقالوا: وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط،لعن الله من عمل عمل قوم لوط،ولم يجئ عنه صلى الله عليه وسلم لعنة الزاني ثلاث مرات في حديث واحد،وقد لعن جماعة من أهل الكبائر،فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة ،وكرر لعن اللوطية،وأكده ثلاث مرات.

قالوا: ومن تأمل قوله سبحانه:{ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساءَ سبيلا}[الإسراء 32]. وقوله في اللواط:{أتأتونَ الفاحشةَ ماسبقكم بها من أحدٍ من العالمين}[الأعراف 80].تبين له تفاوت مابينهما، وأنه سبحانه نكر الفاحشة في الزنا،أي هو فاحشة من الفواحش،وعرفها في اللواط، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة.أي أتأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد،فهي لظهور فحشها وكماله غنية عن ذكرها،بحيث لاينصرف الإسم إلى غيرها.

ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم،فقال:{ماسبقكم بها من أحد من العالمين} ثم زاد في التأكيد بأن صرح بما تشمئز منه القلوب،وتنبو عنه الأسماع، وتنفر منه الطباع أشد نفرة وهو إتيان الرجل رجلاً مثله ينكحه كما ينكح الأنثى، فقال:{إنكم لتأتون الرجال}[الأعراف 81]، ثم نبه عن استغنائهم عن ذلك،وأن الحامل لهم عليه ليس إلا مجرد الشهوة لا الحاجة التي لاجلها مال الذكر إلى الأنثى،ومن قضاء الوطر ولذة الاستمتاع،وحصول المودة والرحمة التي تنسى المرأة لها أبويها،وتذكر بعلها،وحصول النسل الذي حفظ هذا النوع الذي هو أشرف المخلوقات، وتحصين المرأة وقضاء وطرها،وحصول علاقة المصاهرة التي هي أخت النسب،وقيام الرجال على النساء،وخروج أحب الخلق إلى الله من جماعهن كالأنبياء والأولياء والمؤمنين،ومكاثرة النبي صلى اله عليه وسلم الأنبياء بأمته إلى غير ذلك من مصالح النكاح والمفسدة التي في اللواط تقاوم ذلك كله.وتربى عليه بما لايمكن حصر فساده،ولايعلم تفصيله إلا الله.

ثم أكد قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر الله عليها الرجال وقلبوا الطبيعة التي ركبها الله في الذكور.وهي شهوة النساء دون الذكور،فقلبوا الأمر،وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم،فجعل عاليها سافلها،وكذلك قلبواهم، ونكسوا في العذاب على رؤوسهم.

ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد، فقال:{بل أنتم قومٌ مسرفون}[الأعراف 81]. فتأمل هل جاء مثل ذلك أو قريب منه في الزنى؟

وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله:{ونجيناهُ من القريةِ التي كانت تعمل الخبائث}[الأنبياء 74].

ثم أكد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال:{إنهم كانوا قومَ سَوءٍ فاسقين}[الأنبياء 74]. وسماهم مفسدين في قول نبيهم{رَبِّ انصرني على القومِ المفسدين}[العنكبوت 30]. وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم:{إنا مُهلكوا أهلِ هذهِ القريةِ إنّ أهلها كانوا ظالمين}[العنكبوت 31].فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات، ومن ذمه الله بمثل هذه المذمات،ولما جادل فيهم خليله إبراهيم الملائكة،وقد أخبروه بإهلاكهم قيل له:{يا إبراهيمُ أعرض عن هذا إنّهُ قد جاءَ أمرُ رَبّكَ وإنّهم آتيهم عذابٌ غيرُ مردود}[هود76].

وتأمل خبث اللوطية وفرط تمردهم على الله حيث جاءوا نبيهم لوطاً لما سمعوا بأنه قد طرقه أضياف هم من أحسن البشر صوراً.فأقبل اللوطية إليه يهرولون، فلما رآهم قال لهم:{ياقومِ هؤلاءِ بناتي هُنّ أطهرُ لكم فاتقوا الله ولاتخزوني في ضيفي أليس منكم رجل رشيد}[هود78] ففدى أضيافه ببناته يزوجهم بهن خوفاً على نفسه وأضيافه من العار الشديد.فردوا عليه.ولكن رد جبار عنيد {لقد عَلمتَ مالنا في بناتكَ من حقٍّ وإنّكَ لَتعلمُ مانريد}[هود 79] فنفث نبي الله منه نفثةَ مصدورخرجت من قلب مكروب فقال:{لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد} فنفس له رسل الله وكشفوا له عن حقيقة الحال، وأعلموه أنهم ممن ليسوا يوصل إليهم، ولا إليه بسببهم فلاتخف منهم ولاتعبأ بهم وهون عليك، فقالوا:{يالوط إنّا رسل ربك لن يصلوا إليك}وبشروه بما جاءوا به من الوعد له ولقومه من الوعيد المصيب فقالوا:{فأسرِ بأهلكَ بِقطعٍ من الليل ولايلتفت منكم أحدٌ إلا امرأتكَ إنّهُ مُصيبها ما أصابهم إنّ موعدَهُمُ الصُّبحُ أليسَ الصُّبحُ بقريب}[هود 81]فاستبطأ نبي الله موعد هلاكهم، وقال أريد أعجل من هذا.فقالت الملائكة:{أليسَ الصُّبحُ بقريب}فوالله ماكان بين إهلاك أعداء الله ونجاة نبيه وأوليائه إلا مابين السحر وطلوع الفجر،وإذا بديارهم قد اقتلعت من أصلها،ورفعت نحو السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب ونهيق الحمير،فبرز المرسوم الذي لايرد عن الرب الجليل،الى عبده ورسوله جبرائيل،بأن قلبها عليهم كما أخبر محكم التنزيل، فقال عزّ من قائل:{فلمّا جاءَ أمرُنا جعلنا عَاليها سَافلها وأمطرنا عليها حِجارةً من سِجّيل}[هود82]، فجعلهم آية للعالمين وموعظة للمتقين،ونكالاً وسلفاً لمن شاركهم في أعمالهم من المجرمين، وجعل ديارهم بطريق السالكين{إنَّ في ذلكَ لآياتٍ للمتوسمين* وإنّها لَبِسَبيلٍ مقيم*إنّ في ذلكَ لآيةً للمؤمنين}[الحجر 75 ـ 77]، أخذهم على غرة وهم نائمون وجاءهم بأسه وهم في سكرتهم يعمهون، فما أغنى عنهم ماكانوا يكسبون فقلبت تلك اللذات آلاما، فأصبحوا بها يعذبون.

مآرب كانت في الحياة لأهلها           عذاباً فصارت في الممات عذابا

ذهبت اللذات،وأعقبت الحسرات،وانقضت الشهوات،وأورثت الشقوات،وتمنعوا قليلاً، وعذبوا طويلا،رتعوا مرتعاً وخيماً فإعقبهم عذاباً أليماً، أسكرتهم خمرة تلك الشهوات، فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذبين، وأرقدتهم تلك الغفلة فما استيقظوا منها إلا وهم في منازل الهالكين فندموا والله أشد الندامة حين لاينفع الندم،وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم فلورأيت الأعلى والأسفل من هذه الطائفة،والنار تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم وهم بين أطباق الجحيم،وهم يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون:ذوقوا ما كنتم تكسبون:{اصلوها فاصبروا أو لاتصبروا سواءٌ عليكم إنّما تُجزونَ ماكنتم تعملون}[الطور 16].

وقد قرب الله مسافة العذاب بين هذه الأمة وبين إخوانهم في العمل،فقال مخوفاً لهم أن يقع الوعيد:{وماهيَ من الظالمينَ ببعيد}[هود83] “.

يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله(مجلة المنار العدد 425):

“يقول تعالى:{إنكم لتأتون الرجال شهوةً من دون النساء بل أنتم قومٌ مسرفون}، الإتيان كناية عن الاستمتاع الذي عهد بمقتضى الفطرة بين الزوجين تدعو إليه الشهوة ويقصد بها النسل،وتعليله هنا بالشهوة وتجنب النساء بيان لخروجهم عن مقتضى الفطرة،وما اشتملت عليه هذه الغريزة من الحكمة،التي يقصدها الإنسان العاقل والحيوان الأعجم، فسجل عليهم بابتغاء الشهوة وحدها أنهم أخسّ من العجماوات وأضل سبيلاً،فإن ذكورها تطلب إناثها بسائق الشهوة لأجل النسل الذي يحفظ نوع كل منها،ألا ترى أن الطير والحشرات تبدأ حياتها الزوجية ببناء المساكن الصالحة لنسلها في راحته وحفظه مما يعدو عليه ـ من عش في أعلى الشجرة،أو وكنة في قلة جبل،أو حجر في باطن الارض،أو غيل في داخل أجمة أو حرجة؟وهؤلاء المجرمون لاغرض لهم إلا إرضاء حسّ الشهوة، وقضاء وطر اللذة،ومن قصد الشهوات لذاتها،أي التمتع بلذاتها، دون الفائدة التي خلقها الله تعالى لأجلها،جنى على نفسه غائلة الإسراف فيها،فانقلب نفعها ضراً،وصار خيرها شراً،بجعل الوسيلة مقصداً،وصيرورة الإسراف فيه خلقاً،إذ الفعل يكون حينئذ عن داعية ثابتة،لاعن علة عارضة،فلا يزال صاحبه يعاوده، حتى يكون ملكة راسخة له، فتكرار العمل يكون الملكة،والملكة تدعو إلى تكرار العمل والإصرار عليه،وهذا وجه الإنتقال من إسناد إتيان الفاحشة إليهم بفعل المضارع المفيد للتكرار والاستمرار،إلى إسناد صفة الإسراف إليهم بقوله{بل أنتم قوم مسرفون} أي لستم تأتون هذه الفاحشة المرة بعد المرة ولكن بعد ندم وتوبة،بل أنتم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم لاتقفون عند حد الإعتدال في عمل من الأعمال،ففي سورة العنكبوت{إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر}، وفي سورة الشعراء{بل أنتم قوم عادون}أي متجاوزون لحدود الفطرة وحدود الشريعة،فهو بمعنى الإسراف،وفي سورة النمل{بل أنتم قوم تجهلون} وهو يشمل الجهل الذي هو ضد العلم،والجهل الذي هو بمعنى السفه والطيش.ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مرزوئين بفساد العقل والنفس،فلاهم يعقلون ضرر هذه الفاحشة في الجناية على النسل وعلى الصحة وعلى الفضيلة والآداب العامة ولاغيرها من منكراتهم  ـ فيجتنبونها أو يجتنبوا الإسراف فيها ـ ولاهم على شئ من الحياة وحسن الخلق يصرفهم عن ذلك.على أن العلم بالضرر عن السوء والفساد،إذا حرم صاحبه الفضائل أو مكارم الفضائل الموهوبة بسلامة الفطرة،عرضة للفساد بسوء القدوة، إلا إذا رسخت بالمكسوبة بتربية الدين،فإننا نعلم أن هذه الفاحشة فاشية بين أعراف الناس بمفاسدها ومضارها في الأبدان والأنفس ونظام الإجتماع من المتعلمين على الطريقة المدنية العصرية حتى الباحثين في الفلسفة منهم،فقد بلغني عن بعضهم أنه قال لأخدانه:إن هذه الفعلة لاتحدث نقصاً في النفس الناطقة!ونقول يالها من فلسفة فاسقة!!أليسوا يستخفون بها من الناس حتى أشدهم استباحة للشهوات كالإفرنج لكي لاينتقصوهم ويمتهنوهم؟أو ليسوا يشعرون بنقص أنفسهم الناطقة ودنسها،فإن لم يشعر الفاعل،أفلا يشعر القابل، بلى ولكن قد يجهل كثير من الأحداث الذين يخدعون عن أنفسهم بهذه الفاحشة أنهم يصابون بالأبنة،حتى إذا كبر أحدهم وصار لايجد من الفساق من يرغب في إتيانه للاستمتاع به يبحث هو في الخفاء عمن يؤجر لهذا العمل من الفقراء وأراذل الخدم فيجعل له جعلا أو راتباً على إتيانه،وهو لايلبث أن يعاف هذا المنكر أو يعجز عن إرضاء صاحبه فينشد المأبون غيره، ولايزال يذل ويخزى في مساومة أفراد هذه الطبقة السفلى على نفسه حتى يفتضح أمره في البلد ويشتهر بل يشهر بين سائر طبقات الناس. أفنسي من ذكرنا من فلاسفة الفسق هذا الخزي؟أم يرون أنه لايدنس النفس الناطقة بنقص؟فقبح اللواطة وفحشها ليس بكونها لذة بهيمية كما قيل،إذ اللذة البهيمية لاقبح فيها،لأنها مقتضى الفطرة ومبدأ حكمة بقاء النسل،بل بما يترتب عليه من المضار البدنية والاجتماعية والأدبية الكثيرة”.

ويقول الدكتور القرضاوي (في رحاب سورة الحجر ..قصة قوم لوط) :

“هي قصة قوم أدمنوا الفاحشة، ابتكروا هذه الفاحشة ابتكارا،فكان عليهم وزرها ووزر من عملها من بعدهم، إنهم ابتكروا هذه الفاحشة،ماحدثت هذه الفاحشة في قوم من الأقوام قبل هؤلاء قوم لوط، فاحشة إتيان الذكور أو مايسموه في عصرنا : الشذوذ الجنسي، والأن لم يعودوا يسمونه الشذوذ الجنسي،لأن كلمة الشذوذ هي اسم ذم، وهؤلاءلا يريدون أن يذمهم أحداً، فأصبحوا يسمونهم : المثليين، أي الرجل يأتي الرجل،والمرأة تأتي المرأة .

ويتابع القرضاوي حفظه الله:” لقد خلق الله المرأة للرجل :{هنَّ لباسٌّ لكم وأنتم لباسٌّ لهنّ}[البقرة 187]،حتى الخلقة الجسمية مهيأة لذلك ،ولكن هؤلاء  انتكسوا وانعكسوا وارتكسوا، قلبوا  فطرة الله التي فطر الله الناس عليها ، فلذلك استحقوا عذاب الله . ويتابع  الدكتور القرضاوي : “الإنسان حينما يدمن شيئاً ويداوم عليه، يفقد عقله ..ويفقد رشده ..يفقد إرادته ..يفقد إنسانيته ،فهؤلاء فقدوا إنسانيتهم ،فأصبحوا كالأنعام ،بل هم أضل من الأنعام سبيلاً، فالبهائم لا تفعل مايفعل هؤلاء ، انجد ثوراً يطأ ثوراً،ولا كلباً يطأ كلباً،الكلب لا يطأ إلا كلبة ،والثور لا يطأ إلا بقرة ،لكن هؤلاء أصبحوا  كالبهائم ،بل أضل سبيلاً .

ويتابع :الله تعالى أهلك الأمم المكذبة للأنبياء والمرسلين،كل أمة بنوع من أنواع العذاب،أما قوم لوط فقد أهلكهم الله عز وجل بثلاثة أنواع من العذاب ،كل واحدة منها تكفي لاستئصالهم :{فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها} ،وصحب هذه الصيحة ،وهذا الصوت الشديد الهائل القاصف، شئ آخر وعقوبة ثانية ،وهي : أن جبريل قلع الأرض بهم،ورفعها إلى السماء ، ثم أهوى بها مقلوبة نحو الأسفل  قال تعالى : {فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة ًمن سِجِيل} ،جعل الله عاليها سافلها ، وسافلها عاليها،وقلب بلادهم ،قلبوا الفطرة ،وارتكسوا وانتكسوا، فعوقبوا بمثل عملهم ،والجزاء من جنس العمل ،قلب الله عليهم قريتهم ،وجعل عاليها سافلها ،وزاد على ذلك شيئا آخر، وعقوبة ثالثة ،وهي : المطر المتتابع بحجارةٍ من طين مشويّ، حُميَ عليه حتى أصبح سجيلاً، كل حجر مُعلّم بعلامة خاصة ذاهب إلى صاحبه ، كما جاء في سورة هود {وأمطرنا عليها حجارةً من سجيل منضود مسومة ًعند ربك }[هود 82] ،فأهلكهم الله جميعاً،حاضرهم وغائبهم ،إذ تتبعتهم الحجارة ففرقتهم وأهلكتهم ،وطهرت الأرض من فسقهم ورجسهم .

ويقول الدكتور القرضاوي : ليس الإسلام وحده يقف ضد هذا الشذوذ الجنسي أي اللواط ،إن هذا موقف الأديان الكتابية الكبرى، موقف اليهودية والمسيحية والإسلام، موقف التوراة والإنجيل والقرآن،موقف حاخامات اليهود وأباء النصارى وعلماء الإسلام ، بل موقف كل فلسفة أخلاقية ،ولو أن الناس استجابوا لهذه النزعة الشهوانية لانقرضت البشرية بعد جيل أو جيلين ،لأن البشرية لكي تبقى لا بد أن يظل الزواج الفطري الطبيعي الشرعي، الذي يرتبط فيه الذكر بالأنثى، أو ترتبط فيه الأنثى بالرجل،هذا هو الذي يمكن أن ينجب أولاداً،إنما حين يستكفي الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة ،ستفنى البشرية “.

يقول أبو هلال العسكري في كتابه الاوائل ص383 :” أول ماظهر اللواط حين كثر الغزو في صدر الإسلام وطالت غيبة الناس عن أهليهم وذلك حين افتتح خراسان وجمع البعوث في ثغورها وسبوا ذراري المشركين فيها واتخذوهم وصفاء يخدمونهم في خاص أنفسهم وطالت الخلوة معهم والصحبة لهم ،ورأوهم يجرون مجرى النساء في بعض صفاتهم فطلبوا منهم ذلك الفعل فأجابوهم وأطاعوهم للأنس الذي بينهم وكان ابتداؤه أول ماظهر من خراسان في صدر الإسلام ولم يعرف أهل الجاهليه من العرب أصلا،والدليل على ذلك أنه لم يرو فيه شعر ولا مثل وكان من عادتهم ان يقولوا الأشعار الكثيرة في الشئ الزهيد”.

وجاء في كتاب تاريخ الأدب العربي د . عمر فروخ الجزء الثاني ص44:”إن الشعراء قاطبة من أيام مولد الشعر قبيل الاسلام إلى أخربني أمية كان تشبيهم بالنساء لاغير،إذ كانت دواعي عشقهم من جهه النساء، فلما أقبلت المسودة أي دعاة بني العباس وسموا بذلك لإتخاذهم اللباس الاسود والراية السوداء من المشرق مع أهل خراسان أحدث فيهم اللواط لإرتباطهم الغلمان أي استعمالهم في خدمتهم ، فشّبب شعراء الدولة  بالذكران وكان لحدوث هذه الفاحشة في الخراسانيين سبب حكاه الجاحظ قال :”إن السبب الذي أشاع اللواط في أجناد خراسان خروجهم في البعوث مع الغلمان وذلك حين تعذّر عليهم اصطحاب النساء والجواري  حين سنّ أبو مسلم  صاحب الدولة في تلك العساكر ألا يصحبها  النساء خلافا على بني أمية في إخراجهم النساء معهم في العساكرولم يكن لهم بد من غلمان يخدمونهم  فتعود القوم ذلك في أسفارهم فلم يقفلوا منها الى منازلهم إلا وقد تمكنت منهم”.

ولذا قد حضّ الإسلام على عدم رؤيه العورات من قبل النساء والرجال وعدم النوم في فراش واحد تجنبا ووقاية من حدوث مالا يحمد عقباه،عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد” [رواه مسلم]،والمعنى اي لا يضجعا متجردين تحت ثوب واحد.

يقول الدكتور القرضاوي في كتابه” الحلال والحرام في الاسلام “:

” ومن أجل عناية الإسلام بحفظ العورات وسترها حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول المراة الحمامات العامة  وتعرية جسدها أمام غيرها من النساء اللائي يحلو لهن أن يتخذن من الأوصاف البدنية لهذه وتلك حديث المجالس ومضغة الأفواه،كما حذر عليه السلام من دخول الرجل إلا بمئزر يستره عن أعين الآخرين، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال : “من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدخل حليلته الحمام “[رواه النَسائي والترمذي وحسنه].

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “اذا كان الله حّرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض أي الحيض، فما الظن بالحشا الذي هومحل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لإنقطاع النسل والذريعة القريبه جدا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان، ويتابع رحمه الله :” ان الوطء في الدبر من أكبر أسباب زوال النعمة وحلول النقم  فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله وإعراضه عن فاعله وعدم النظر إليه ،فأي خير يرجوه منه بعد هذا وأيّ شر يأمنه،ويتابع رحمه الله :” ان اللواط يذهب بالحياء جملة، والحياءهو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب استحسن القبيح، واستقبح الحسن ،وحينئذ فقد استحكم فساده “.

ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في قوله تعالى من سورة العنكبوت:{ولُوطاً إذ قالَ لقومهِ إنّكم لتأتونََ الفاحشةََ ما سبقكُم بها من أحدٍ من العالمينَ}[العنكبوت 28] يقول رحمه الله:

“فشا في القوم شذوذ عجيب يذكر القرآن أنه يقع لأول مرة في تاريخ البشرية.ذلك هو الميل الجنسي المنحرف إلى الذكور بدلاً من الإناث اللاتي خلقهن الله للرجال،لتتكون من الجنسين وحدات طبيعية منتجة تكفل امتداد الحياة بالنسل وفق الفطرة المطردة في جميع الأحياء.ومن خطاب لوط لقومه يظهر أن الفساد قد استشرى فيهم بكل ألوانه.فهم يأتون الفاحشة الشاذة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين:يأتون الرجال.وهي فاحشة شاذة قذرة تدل على انحراف الفطرة وفسادها من أعماقها.فالفطرة قد تفسد بتجاوز حد الاعتدال والطهارة مع المرأة،فتكون هذه جريمة فاحشة،ولكنها داخلة في نطاق الفطرة ومنطقها.فأما ذلك الشذوذ الآخر فهو انخلاع من فطرة الأحياء جميعاً.وفساد في التركيب النفسي والتركيب العضوي سواء.ويقطعون السبيل فينهبون المال،ويروعون المارة،ويعتدون على الرجال بالفاحشة كرهاً.وهي خطوة أبعد في الفاحشة الأولى إلى جانب السلب والنهب والإفساد في الارض.ويأتون في ناديهم المنكر.يأتونه جهاراً وفي شكل جماعي متفق عليه،لا يخجل بعضهم من بعض.وهي درجة أبعد في الفحش،وفساد الفطرة،والتبجح بالرذيلة إلى حد لا يرجى معها صلاح”.

ويقول سيد قطب أيضاً في قوله تعالى:{أتأتونََ الذُّكرانَ من العالمين َ*وتذرونَ ما خلقَ لكم ربُّكُم من أزواجكُم بل أنتم قومٌ عادونَ}[الشعراء165 ـ 166].

يقول رحمه الله:”والخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط (وقد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن)هي الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور وترك النساء.وهو انحراف في الفطرة شنيع.فقد برأ الله الذكر والأنثى وفطر كلاً منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل.فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف،ولا يحقق غاية،ولا يتمشى مع فطرة هذا الكون وقانونه.وعجيب أن يجد فيه أحد لذة.واللذة التي يجدها الذكر والأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة.فالإنجراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط.ومن ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا،لخروجهم من ركب الحياة،ومن موكب الفطرة،ولتعريهم من حكمة وجودهم وهي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج والتوالد”.

ويقول رحمه الله في قوله تعالى:{ولقد راودُوهُ عن ضيفهِ فطمسنا أعيُنَهُم فذوقوا عذابي ونُذُرِ}[القمر 37]:

“وطالما أنذر لوط قومه عاقبة المنكر الشاذ الذي كانوا يأتونه،فتماروا بالنذر،وشكوا فيها وارتابوا،وتبادلوا الشك والرتياب فيما بينهم وتداولوه،وجادلوا نبيهم فيه.وبلغ منهم الفجور والإستهتار أن يراوده هو نفسه عن ضيفه ـ من الملائكة ـ وقد حسبوهم غلماناً صباحاً فهاج سعارهم الشاذ الملوث القذر!وساوروا لوطاً يريدون الاعتداء المنكر على ضيوفه،غير محتشمين ولا مُستحيين ولا مُتحرجين من اتنهاك حرمة نبيهم الذي أنذرهم عاقبة هذا الشذوذ القذر المريض.عندئذ تدخلت يد القدرة،وتحرك الملائكة لأداء ما كلفوه وجاءوا من أجله”فطمسنا أعينهم”فلم يعودوا يرون شيئاً ولا أحداً،ولم يعودوا يقدرون على مساورة لوط ولا الإمساك بضيفه.والإشارة إلى طمس أعينهم لا ترد إلا في هذا الموضع بهذا الوضوح.ففي موضع آخر ورد:{قالوا يا لوط إنا رُسُلُ رَبّكَ لن يصلوا إليك}[هود 81]فزاد هنا ذكر الحالة التي تمنعهم من أن يصلوا إليه وهي انطماس العيون”.

ومن الناحيه الطبية:

إن ظاهرة اللواط كانت ولفترة قريبة تعتبر من الإنحرافات الجنسية ومن الأمراض النفسية، ولكن في مؤتمر أطباء علم النفس في امريكا عام 1973 تم حذف اللواط من قائمة الأمراض النفسية،واعتبر المؤتمر الشاذ جنسيا إنسانا طبيعيا ،وأصبح من يمارس عمل لوط يظهر في المجتمع على أساس انه إنسان سوي غير شاذ، ولم يعد ينُظر إليه باحتقار ولم يعد يُهدد في وظيفته، وأصبح الكثير من هؤلاء ذو مراتب عالية في السياسه والفن والثقافه وأصبحوا في مراكز ومراتب عالية حتى أن كثيرا من القادة والزعماء يطلبون ودهم في الانتخابات المحلية نظرا لكثرة أعدادهم وزيادة نفوذهم .

يقول الدكتور القرضاوي  ـ في رحاب سورة الحجر  ..قصة قوم لوط ـ :”وللأسف في عصرنا قامت الحضارة الحديثة ، الحضارة الغربية التي يُسميها بعضهم الحضارة الكونية ،الحضارة التي تسود الكون ،وتسود العالم ،جاءت هذه الحضارة لتعيد من جديد عالة قوم لوط . قوم لوط جاءوا بأن يستغني الذكور بالذكور، فلم تكتف بهذا الحضارة الحديثة ،بل جاءت باستغناء الإناث بالإناث ،زادوا الطين بلة، والداء علة ،ثم جعلوا هذا أمراً مقنناً، وسنّوا قوانين تبيح هذا الأمر، وتُقرّه وتعتبره أمراً مباحا . وللأسف أقرَّت هذا بعض الكنائس النصرانية، وأصبح يوجد في أوروبا وأمريكا بعض القساوسة الذين يعلنون في الصحف أو يعلنون في التلفزيونات ،القس فلان  الفلان يعقد عقود الزواج المثلية ، يذهب القسيس يبارك هذا الزواج المثلي فيكتبه القسيس” .

وجاء في كتاب الأمراض الجنسية للدكتور محمد علي البار ص43:

“إن الشذوذ الجنسي انتشر انتشاراً ذريعاً قي المجتمعات الغربية اليوم.وقد قننت الدول الغربية قوانين تبيح هذا الشذوذ طالما كان بين بالغين دون إكراه.وتكونت آلاف الجمعيات والنوادي التي ترعى شؤون الشاذين جنسياً،وكما تقول دائرة المعارف البريطانية(طبعة 82 المجلد 16):”فإن الشاذين جنسياً خرجوا من دائرة السرية إلى الدائرة العلنية وأصبح لهم نواديهم وباراتهم وحدائقهم وسواحلهم ومسابحهم،وحتى مراحيضهم الخاصة بهم حيث يستطيع الشاذ جنسياً أن يلتقي بأمثاله من الشاذين،وتعرف دوائر الشرطة هذه الأماكن،ولكنها تغض الطرف عنهم طالما لم يسببوا أي إزعاج للمجتمع!!.وهناك معابد وكنائس خاصة في الولايات المتحدة تقوم بتزويج الرجال بالرجال والنساء بالنساء في حفلات خاصة.وقد خصصت بعض الجامعات في الولايات المتحدة منحاً دراسية خاصة للشاذين جنسياً،ومن تلك الجامعات جامعة سير جورج وليامز التي تخصص كثيراً من منحها للشاذين جنسياً،ولا يمكن الحصول على تلك المنحة إلا إذا كان المتقدم مصاباً بالشذوذ الجنسي”.

واللواط مشتق من الاورانيزم وهذا مشتق من افروديت اورانيا وهي ربة الحب والجمال عند الإغريق، ويقابل اللواط السحاق عند الاناث والسحاق اي سافيزم نسبة الى سافو الشاعرة الاغريقيه الفنانة والتي كانت تعيش في جزيره ليزبوس ولذا يسمى السحاق ايضا ليسبيانزم  حيث كانت تمارس الإنحرافات الجنسيه مع النساء الأخريات.

والعجيب أن الله تعالى خلق المستقيم وهو الجزء الأخيرمن الأمعاء الغليظة وذلك لتفريغ القاذورات،وأن كل مغ واحد من البراز يحتوي على 140 مليون من الجراثيم ومع هذا يستطيب للشواذ جنسيا أن يغمسوا انفسهم فيه !!

وتفيد المعلومات ان حوالي عشرة بالمائة من سكان سان فرنسيسكو يمارسون اللواط وان عدد من يمارس اللواط في أمريكا حوالي عشرون مليون نسمة.

واللواط يسبب الاصابة بعدد من الامراض الجنسية وفي مقدمتها داء الايدز، كما انه يؤهب للإصابه بداء الثآليل الشرجية،وهذا مهيئ لسرطان الشرج وسببه فيروس من نوع البابلوم .

وتبين أن اللواطي عرضة للإصابه بسرطان الشرج بنسبه تزيد عن ثلاثين بالمائه من غيره.

وأما أهم من اشتهر بممارسة فعل قوم لوط على مدى التاريخ كما جاء في الويكيبيديا:

الإسكندر الأكبر المقدوني(356ـ 323 ق م)،الان تورنغ(1912 ـ 1954م)وهو عالم حاسوب ورياضيات وعالم تحليل الشفرات،التون جون وهو عازف بيانو انجليزي ومغني بوب ونال لقب “السير”ووسام الامبراطورية البريطانية ولد عام 1947م،بابر وهو سلطان مغول الهند(1483 ـ 1530م)،بارني فرانك وهو عضو الكونغرس الامريكي وأول عضو تزوج زواجاً مثلياً عام 2012،براين سنجر وهو مخرج سينمائي مشهور ولد عام 1965م،بيلي جو أرمسترونغ وهو ممثل وموسيقي أمريكي ولد عام 1972م،تشايكوفسكي(1840 ـ 1893م) وهو مؤلف موسيقي مشهور وأهم أعماله بحيرة البجع،جيمس دين(1931 ـ 1955م) وهو ممثل أول من حصل على ترشيح للأوسكار بعد وفاته ،ريشارد تشامبرلين وهو ممثل أمريكيمشهور ولد عام 1934م،فريدنارد الأول(1861 ـ 1948م) وهو ملك وقيصر بلغاريا،كاليغولا(12 ـ 41م)وهو ثالث امبراطور روماني،كريستيان ديور(1905 ـ 1957م) مصمم أزياء عالمي،لودفيغ الثاني(1845 ـ 1886م) وهو ملك بافاريا،مارلون براندو(1924 ـ 2004م) ممثل أمريكي مشهور،مونتغمري كليفت(1920 ـ 1966م) ممثل أمريكي مشهور،هادريان(76 ـ 138م) امبراطور روما،غيدو فيستر فيله(1961 ـ 2016م)وزير خارجية ألماني سابق.

السحاق

وهو مايكون بين المرأة والأخرى من تدالك الفرجين واستمتاع الأنثى بالأنثى.وهو محرم بلا شك،وقد عدّه بعض العلماء من الكبائر.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:”اتفق الفقهاء على أنه لا حدَّ في السحاق،لأنه ليس زنى،وإنما يجب فيه التعزير،لأنه معصية”.

قال ابن قدامة  : وإذا تدالكت امرأتان فهما زانيتان ملعونتان لما روي عن النبي صلى الله علبه وسلم أنه قال :”إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان ولا حد عليهما”[أخرجه البيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وضعفه الألباني].لأنه  لا يتضمن إيلاجاً ،فأشبه المباشرة دون الفرج وعليهما التعزير لأنه زنا لا حد له ، فأشبه مباشرة الرجل المرأة من غير جماع.

وقال  الألوسي في روح المعاني بعدما تحدث عن اللواطة وخبثها قال :وألحق بها السحاق، وبدا أيضاً في قوم لوط ، فكانت المرأة تأتي المرأة ، فعن حذبفة رضي الله عنه  إنما حق القول على قوم لوط عليه السلام حين استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال.

ومن الناحية التاريخية:يعود أصل كلمة السحاق إلى أصل كلمة”ليسبيان”وهي ذات منشأ اغريقي يعود إلى جزيرة”لسبوس” حيث كانت مسقط رأس الشاعرة اليونانية صافو التي كانت تمارس”السحاق” مع النساء اليونانيات في القرن السادس قبل الميلاد(كما جاء في الويكيبيديا).

الخنوثة  والمتخنثين

وهذه ظاهرة قديمة حديثة،وقد وصلت في عصرنا الحالي لدرجة من الشيوع والإنتشارمن جهة، ومن تقبل المجتمعات وخاصة الغربية لها بحيث أن هؤلاء الشاذين أصبح لهم شأن وقيمة وحضور في هذه المجتمعات وتجرى لهم الإحتفالات التي يحضرها عُليّة القوم ويشاركون هؤلاء الشاذين ويدعمونهم بالمال والتشجيع .

لقد عرف العرب هؤلاء المخنثين ومنهم طويس وبحيث أن العرب ضربت به المثل فقالوا :أخنث من طويس . وهو مخنث من أهل المدينة ،يكنى أبا عبد النعيم وكان أول من غنى الغناء العربي . سمع قوماً من الفرس يغنون فأخذ طرائقهم وكان يقول:ولدت في الليلة التي مات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفطمتُ في اليوم الذي مات فيه أبو بكررضي الله عنه،وبلغت الحلم في اليوم الذي قُتل فيه عمر رضي الله عنه، وتزوجت في اليوم الذي قُتل فيه عثمان رضي الله عنه، وولُد لي في اليوم الذي قُتل فيه علي رضي الله عنه، فأنا أشأم الناس ( نقلاً عن العسكري ج1 ص436 ـ 437).

وجاء في نفس المرجع أيضاً: ويقولون أخنث من دلال . وكان مخنثاً من أهل المدينة، وكان يرمي الجِمار بسُكَّرٍ سُليماني مُزَعفَرٍمُبَخرٍ ويقول :لأبي مرَّة عندي يدٌ في تحبيبه إليّ الأُبنة، فأحبُّ أن أكافئه، وسمع سليمان بن عبد الملك سُمَيراً يغني :

وغادةٍ سمعتْ صوتي فأرَّقتها                 من آخر الليل لماّ مَسّها السّهرُ

في ليلةِ البدرِ لا يدري مُعاينها              أَوجهها عنده أبهى أم القمرُ

تُني على فخذها من ذي مُعصفرةٍ          والحَليُ دانٍ على لَباتها خَصِرُ

لم يَحجبُ الصوت َ أحراسٌ ولا غَلَقٌ        فدمعها بأعالي الخدِّ ينحدرُ

لو خُلَّيتْ لَمشت نحوي على قَدمٍ          تكادُ من رِقةٍ للمشي تنفطرُ

وكان بحضرة سليمان جارية تخدمه، فألهاها الإصغاءُ عن بعض شأنها، فقال سليمان:إنّ الفرسَ يصهل فتستودق الحِجرْ،والفحل يَحظر فتضبعُ الناقة، والرجل يغني فتشبقُ المرأة، والتيسُ ينبُّ فتستحرم العنز، ودعا بسُمير فخصاه، وكتب إلى ابن خَزم عامله على المدينة أن يخصي المخنثين،فخصى طويساً، فقال هذا الختان أُعيد علينا ،وخصى دلالاً فقال هذا الختان الأكبر وخصى نسيمَ السَّحرَ فقال صرت مخنثاً حقا، وخصى نومةُ الضحى فقال صرنا نساء حقا ،وخصى برد الفؤاد فقال :استرحنا من حمل ميزاب البول، وخصى ظلَّ الشجر فقال:ما يصنع سلاحٌ لا يستعمل .

ويقولون أخنث من هِيتٍ:(جاء في مجمع الأمثال للعسكري ج1 ص435)

مخنث،وكان يدخل على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ،وكان من حديثه أنه دخل على أم سلمة رضي الله عنها وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأخيها عبد الله بن أمية :إن فتح الله عليكم الطائف فَسَلْأن تُنَفَّلَبادنة بنت غَيلان ابن سلمة ،فإنها مُبتَّلَّةٌهيفاء،شَموعٌ نجلاء ،تناصف وجهها في القسامة ،وتجزَّأ معتدلاً في الوسامة ، إن قامت تَثَنت،وإن قعدت تَبَنت، وإن تكلمت تَغَّنت ، أعلاها قضيب وأسفلها كثيب ،إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان،مع ثغرٍ كالأقحوان،وشيئ بين فخذيها كالعَقَبٍ المكفوء ، فهي كما قال قيس بن الخطيم :

تغترٍقُ الطَرْفَ وهي لاهيةٌ          كأنما شفَّ وجهها التُّرُّفُ

بين شُكول ِ النساءِ خِلقتها        قَصْدٌ فلا جَبْلَةٌ ولا قَصَف

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :مالكَ سبلكَ الله. كنت أحسبك من غيرأولي الإربة من الرجال .فلذا ماكنت أحجبك عن نسائي ،واُمر به فَسُير إلى طاخٍ

التبني:تباعد بين الفخذين، وقيل تبنت : صارت كالبنيان . تقبل باربع :أي بأربع عُكَنٍ وتدبر بثمان: يعني أطراف العُكن الأربع في جنبيها ، لكل عكنة طرفان .تغترق الطرف:أي تذهب به أجمع فتشغله عن غيرها . شفَّ:جَهَد،يريد أنها ليست بكثيرة لحم الوجه . النزف : خروج الدم يعني أنها تضرب إلى الصفرة وذلك من النعمة . الشكول :الضروب . الجبلة : الغليظة الكزَّة

لقد لعن الله هؤلاء المخنثين ،عن ابن عباس رضي الله عنهما قال” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المٌُخنثين من الرجال،  والمُترجِّلات من النساء “[صحيح البخاري] وفي رواية “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ” [رواه البخاري]  وقال أخرجوهم من بيوتكم  قال فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم  فلانا وأخرج عمر فلانا  وقال صلى الله عليه وسلم “ثلاثه لاينظر الله عزّ وجلَّ إليهم  يوم القيامة، العاقُّ لوالديه، والمرأة المترجِّلة ، والدَّيوث  “[سنن النَسائي  عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وصححه الألباني].

(والمترجله اي التي تتشبه بالرجال،والديوث الذي لا يغار على أهل بيته).

السادية

هي التلذذ بإيلام الآخرين وتعذيبهم سواءً أكان التعذيب جسدياً أو معنوياً.وقد اشتق تعبير السادية من اسم المركيز”دو ساد”الأديب الفرنسي المشهور(1740 ـ 1814م)، والذي اشتهر عنه في رواياته بأن الغريزة الجنسية لاتستثار ولاتشبع إلا إذا أنزل الألم بشريكته.وقد يكون هذا التعذيب وأيقاع الألم بالضرب والتعذيب وقد يصل الأمر إلى القتل والتمثيل الشنيع!!ومن أبرز قصص هؤلاء الساديين مايسمى “السفاح الأحمر” واسمه الحقيقي”اندريه تشيكاتيلو”والذي كان يقتل ضحاياه من الغلمان والفتيات ويمثل فيهم وبلغ عدد ضحاياه 56 ضحية، وكان لديه ثلاث شهادات جامعية.وكان عضواً نشيطاً في الحزب الشيوعي الروسي.وتم اعدامه عام 1992م.

المازوشية

وهي على العكس من السادية فإن المصاب بهذا الانحراف الجنسي لايصل إلى النشوة في ممارسة الجنس إلا إذا وقع عليه ذاته العذاب والألم سواء الأذى الجسدي أو المعنوي.وتنسب هذه الحالة إلى الروائي الألماني “مازوش”.

النرجسية أو عشق الذات

وهي حب الفرد لذاته وجسده،أو المبالغة في حب الذات والانغماس في الملذات الجسدية الذاتية والإعجاب في رؤية الجسم على المرآة عارياً ومغازلته والإعجاب بكل شخص مشابه له في الجسم واللون والملابس.

الإباحية والتحلل الجنسي

إن الثورة الجنسية كما يسمونها، وما أدت إليه من الإباحية والتحلّل الجنسي مرت بثلاث مراحل في القرن العشرين الماضي وحاليا:

المرحلةالاولى: في مطالع العشرينيات من القرن الماضي وبسبب تاثير أفكار فرويد (عالم النفس النمساوي اليهودي)وعلماء الجنس الآخرين، بدأ الكلام وبشكل واضح وصريح ومفضوح عن الجنس قراءة وكتابا وكلاما،وانتشرت في هذه الحقبة بعض الأمراض الجنسية وخاصه السيلان والإفرنجي .

يقول فرويد :”إن الإنسان لا يحقق ذاته بغير الإشباع الجنسي …وكل قيد من دين أو أخلاق أو مجتمع أو تقاليد هو قيد باطل أو مدمر لطاقة الإنسان وهو كبت غير مشروع “.

وفي نهاية الحرب العالمية الثانية حدثت تبدلات جذرية اجتماعية واقتصادية في ألمانيا مثلا وتبدلت الكثير من القيم والأعراف وازدادت حالات البغاء والدعارة بشكل كبير جدا وكان السبب في هذا العيش وكسب المال وإعاشة الأسره،ولكنها حدثت أيضا من أجل الجنس ،لقد كان الجنود الأمريكيون وبسبب امتلاكهم المال قد لعبوا دورا في جذب النساء الألمانيات،وعندما عاد الجنود الألمان الأسرى إلى بلادهم واجهتهم هزيمه مضاعفه، من جهة هزيمتهم في الجبهة أمام الحلفاء ومن جهة أخرى داخل بيوتهم من قبل نساءهم، وكان بالقرب من الثكنات العسكرية بيوت للدعارة والرزيلة.

وفي بدايه الخمسينيات ومع نهضة صناعة السيارات،أصبحت تمارس الدعارة في السيارات وفي الشوارع العامة،وفي نهاية الخمسينيات تحولت منطقة محطة القطارات في فرنكفورت إلى أحد المراكز الرئيسية للدعارة ( نقلا عن مجله دي نيو ارتزليشه عدد 22 شباط 1989)

المرحله الثانية :

بدأت في نهاية الستينات من القرن الماضي،وذلك مع انتشار حبوب منع الحمل ورخص أثمانها وبسبب التحسن في الظروف الإجتماعية، وبسبب التحرر النسائي والمطالبة بمساواة الجنسين وأصبح  الجنس متحررا وصارخا وبدأت الأفكار تتغيرحول مفهوم الشذوذ الجنسي كاللواط وخاصه في السويد حيث لم يعد يعتبر من الأمراض النفسية،ثم ظهرت التربية الجنسية في المدارس وتم انتشار حبوب منع الحمل رغم كل النداءات والتحذيرات والعواقب الناجمة عنها، ومنها نداءات البابا المتكررة الذي دعا لمنع واجتناب كل مانعات الحمل غير الطبيعية.

كان العالم البيولوجي الأمريكي جريجوري بنكوس(1903 ـ 1967/)من له الدور الهام في تطوير حبوب منع الحمل عن طريق الفم.وقد كان لهذه الحبوب أثرها الهام في التحكم وضبط النسل.ولكن من جهة أخرى فقد أدى اكتشافها إلى تغيير العادات الجنسية وإطلاق الحريات والإباحية في العالم أيضاً.وقد ولد في ولاية نيوجرسي لأبوين من اليهود الروس.

وقد كان لهذه الحبوب أثرها الهائل في أمريكا فقد كان الخوف دائماً من العلاقات الجنسية السابقة على الزواج.ولكن بسبب هذه الحبوب اختفت هذه المخاوف تماماٍ.وهذا ما أدى إلى تغييرات ثورية في العلاقات بين الجنسين.

المرحلة الثالثه :

ظهرت في بدايه الثمانينات من القرن الماضي، مع ظهور داء الإيدز حيث أدى الخوف من المرض إلى حدوث تبدلات جنسية ومنها كثرة اللجوء إلى استعمال الواقي الذكري (الكوندوم ) وازدياد الإقبال على الأفلام والشرائط الإباحية واللجوء الى الإستمناء، ويقدر أن عدد مايستهلك سنويا من الكوندوم في امريكا حوالي 325 مليون، كما أن ممارسة الجنس أصبح يشاهد لدى المراهقين والمراهقات وبشكل مبكر وبأعداد متزايدة ،وهذا أدى إلى ازديادعدد حالات الإجهاض وذكر أحد المحاضرين الألمان في المؤتمر الدولي الثاني عشر لأطباء النسائية في ريو دي جانيرو إنه حوالى 3 في المائة من المراهقات في سن 14 قد مارسن الجماع وتصل الى نسبه 9 في المائه في سن 15 والى نسبه 28 في المائه في سن 16 واكثر من 50 في المائه في سن .17

إن التحلل الجنسي والإباحية لها عواقب خطيرة وسيئة على الفرد والمجتمع نذكر منها:

1ـ ازدياد ظاهرة الشذوذ والإنحراف الجنسي، وخاصة اللواط والسحاق والمازوشتيه

2 ـ إتيان البهائم

3 ـ ازدياد حالات الاغتصاب

4 ـ الإعتداء الجنسي على الأطفال من الجنسين،وزنا المحارم

5 ـ العنف الجنسي

استغلال القاصرات والسياحة الجنسية

يقدر أن كل خامس داعرة في الهند هي طفلة دون سن البلوغ، ووجد أنه من وسائل اغراء الفتيات دعوتهن لخدمة المعابد الهندية، ومن ثم يحولون لخدمة الرجال وممارسة الجنس معهم،وقد ازدهرت في الهند وفي تايلاند وفي بلدان أخرى مايسمى” السياحة الجنسية “حيث يقصد السواح وخاصة من دول اوروبا والخليج العربي إلى هذه البلدان لممارسة الجنس مع الفتيات القاصرات  ويقدرعدد العاهرات في مدينه كلكوتا في الهند حوالي خمسون ألفا  منهن عشره ألاف دون سن البلوغ .

وجاء في الويكيبيديا:”السياحة الجنسية:هي السفر للإنخراط في أنشطة جنسية،وبالتحديد مع عاملات في مجال الجنس.ويمكن تقسيم السياحة الجنسية إلى ثلاثة أقسام:

1 ـ السياحة الجنسية في استغلال القاصرين والقاصرات(البيدوفيليا):وتنتشر في العديد من دول العالم الثالث التي تعاني مجتمعاتها من فقر مدقع وفساد أمني واجتماعي،ومعروفة بالاستهتار فيما يتعلق بكرامة وحقوق الطفل والإنسان.

2 ـ السياحة الجنسية التقليدية:وهي سياحة قديمة قدم مهنة الدعارة

3 ـ السياحة الجنسية المثلية:وتنتشر في بعض البلدان التي يسمح بها ببمارسة الشذوذ الجنسي ـ

 زنا المحارم والإعتداء الجنسي على الأطفال

يقول الدكتور محمد علي البار(الأمراض الجنسية):

“لقد اعتبرن البشرية منذ القدم نكاح المحارم أمراً يثير أقصى درجات الاشمئزاز والاحتقار في أي صورة من صوره كما تقول دائرة المعارف البريطانية(الطبعة 82 المجلد 16)”.ومع هذا فإن المجتمعات البشرية اختلفت في تحديد عدد المحارم الذين يحرم الاقتراب منهم،ففي مصر الفرعونية كان نكاح الأخت شائعاً،وكان كثير من الفراعنة يتزوجون أخواتهم،وكان كذلك النكاح أيضاً شائعاً لدى الفرس.

ومنذ زمن نوح عليه السلام،حرصت الديانات السماوية على توسيع رقعة المحرمات بحيث أنها تشمل الأم وإن علت،والبنت وإن نزلت…والأخت وبنت الأخ أو الأخت.وجاء القرآن الكريم فوضح لنا سبحانه وتعالى المحرمات في سورة النساء،وأبطل ماكان يفعله أهل الجاهلية من نكاح زوجة الأب. قال تعالى:{ولا تَنكحوا مانَكحَ آباؤُكم من النساءِ إلا ماقد سلف إنّهُ كانَ فاحشةً ومقتاً وساءَ سبيلاً*حُرِّمتْ عليكم أُمهاتُكم وبناتُكم وأخواتُكم وعماتُكم وخالاتُكم وبناتُ الأخِ وبناتُ الأُختِ وأُمهاتُكمُ اللّاتي أرضعنكم وأخواتُكم من الَّرضاعةِ وأُمهاتُ نسائِكُم وربائبُكمُ اللّاتي في حُجوركم من نسائكمُ اللّاتي دخلتم بهنَّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنَّ فلا جُناحَ عليكم وحلائلُ أبنائِكُمُ الذينَ من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ماقد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً}[اللنساء 22 ـ 23].

يقدرعدد حالات الإعتداء الجنسي على الاطفال في ألمانيا حوالى 300 ألف سنويا، وإن كان الرقم الحقيقي أعلى من هذا بكثير، وحوالي ثلاثة أرباعههم من الإناث،والفعلة في هذه الحالات هم من افراد العائلة كالأب او زوج الأم أو الجد أو العم وربما أيضا الأخ أو  أحد أقرباء العائلة.

وجاء في المجلة الطبية الألمانية (Deutsch Aerzte Blatالعدد21 بتاريخ21.5). :إن الإعتداء الجنسي على الأطفال ليس بالأمر النادر،حيث أن كل ثالث أو رابع مراهق قد حصل عليه إعتداء جنسي عندما كان طفلاً،وأن حوالي خمسين بالمائة من حالات الإعتداء تتم من أفراد العائلة وأن 75%من الإعتداء يكون على الإناث.وأغلب الأقارب الذين يقومون بهذا هم الأب الحقيقي للطفل أو زوج الأم ،وأن معظم الأطفال الذين يتم الاعتداء عليهم دون سن 14. إن الاعتداء قد يتم بدون العنف وخاصة بواسطة الاغراءات والمغريات ولكنه يترافق دوماً مع ضغط نفسي شديد ومستمر الذي يكون له تأثيره النفسي الشديد على الطفل الذي قد يفوق العنف الجسدي. وقد يتم الإعتداء باستخدام العنف الجسمي لإجبار الطفل على ممارسة الجنس بالقهر أو بالاغتصاب وأحياناً قد يؤدي الى القتل بعد تحقيق الإعتداء. وإن الكثير من حالات الإعتداء لايخبر بوقوعها بسبب الخوف من المعتدي ،أو الخشية من أن يقف أفراد العائلة مع المعتدي ضد الضحية،أو بسبب خوف العائلة من أن يجر معاقبة المعتدي _وهو غالباً الأب أو زوج الأم _إلى حدوث الفضيحة أو الخوف من التبعات الإقتصادية على العائلة. إن عواقب الإعتداءات الجنسية على الأطفال على المدى القريب والمتوسط والبعيد ،وهذه العواقب لها علاقة مع الإعتداء بحد ذاته، ومع الظروف التي أحاطت بالإعتداء وخاصة استعمال العنف،وكون المعتدي من الأقارب،وكذلك تجاوب الأهل أوعدم تجاوبهم مع الضحية .

ويقول الدكتور محمد علي البار(الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها):

“إن الشىء المرعب حقاً هو أن الغرب لم يكتف بالفوضى الجنسية العارمة التي تجتاح مجتمعاته،ولم يكتف بانتشار الزنا بصورة لم يسبق لها مثيل،وتعدى الزنا إلى الشذوذ الجنسي،ولم يكتف بكل ذلك،بل تعداه إلى الهجوم على الأطفال الأبرياء.تقول مجاة الريدرز دايجست في عددها الصادر أغسطس 1983م تحت عنوان أطفال للبيع…العالم المظلم لفن الدعارة:”إن استخدام الأطفال جنسياً لم يعد أمراً شاذاً ولا أمراً شخصياً،وإنما أصبح تجارة منظمة يبلغ دخلها مابين خمسمائة إلى ألف مليون دولار،ويعمل فيها آلاف المصورين والكتاب بل والأطباء وعلماء النفس!!!”.

ويتابع:”والواقع أن انتشار الاعتداء على الأطفال من آبائهم وذويهم أمر واسع الانتشار في الغرب،فمن كل عشرة أطفال يدخلون المستشفيات هناك واحد دخلها بسبب اعتداء ذويه عليه،ويأتي الاعتداء على الأطفال كثاني سبب لوفيات الأطفال مابين ستة أشهر وعام.وما بين سنة وخمس سنوات فإن وفيات الأطفال الناتجة عن الاعتداء هي السبب الثاني للوفيات ويأتي مباشرة بعد الحوادث التي تعتبر قضاء وقدراً،والغريب أن ثلثي حالات الاعتداء على الأطفال دون الثالثة،بينما غالبية ضحايا الاعتداء الجنسي يكونون قد جاوزوا السابعة.وإن كانت هناك حالات اعتداء على أطفال رضع”.

ماهي العواقب التي تنجم عن الاعتداء الجنسي على الأطفال؟

من العواقب على المدى القريب نذكر:الأذيات الجسدية ،الآلام، اضطرابات من نوع الخيبة وانعدام الثقة ،والإستسلام  للمقادير والهمود،وشعور الطفل أنه قد سُلم لمصيره والفشل المدرسي والنقمة على المجتمع والتفكير بالإنتحار وربما القيام به.

والعواقب على المدى المتوسط والبعيد:لها ثلاثة أشكال:

أولاً:اضطرابات جنسية وزوجية:إن الإعتداء الجنسي على الأطفال يمثل أول التجارب الجنسية وهذه التجربة وما تضمنته من مرارة وقسوة وعنف تخلق لدى هؤلاء الضحايا مشاكل جنسية صعبة ومعقدة عند دخول الحياة الزوجية.

ثانياً:اضطرابات النمو والتطور :في شخصية الضحية وخاصة نظرة الضحية إلى الأهل والوالدين ودورهم وهذا ينعكس على نظرة الضحية للمجتمع والمحيط الذي يعيش فيه.

ثالثاً: الأمراض النفسية : وخاصة الإصابة بالهمود والمزاج السوداوي مع اضطراب النمو والشهية والتفكير بالإنتحار  واضطراب قابلية العمل والتعلم والميل للإهمال والميل إلى رفض العلاقات العائلية والسلوك العدواني.

هذه مقدمة بسيطة عن موضوع الإعتداء الجنسيعلى الأطفال وزنا المحارم في ديار الغرب،وإن كان وللأسف الشديد قد زادت نسبة حدوثها أيضاً في بلادنا الإسلامية، نقلتها وبشكل موجز ومختصر عن بعض المجلات العلمية والطبية التي تصدر في ألمانيا، ولكن عند قراءتنا لهذه المجلات نجد أنها لا تتعرض غالباً للأسباب والدوافع ـ إلا ماندر ـ والتي تدفع بالأب أو الجد أو العم أو الأخ إلى ممارسة الزنا والإغتصاب والجنس مع ابنته أو حفيدته أو أخته،فهم يدرسون الظاهر ويحاولون معالجته دون التعمق في الأصول والباطن،وكأنهم لا يريدون أن يقرّوا  بما وصل إليه هذا المجتمع من فساد ورذيلة وإباحية ،بل إن المسؤول الرئيسي عن تلك الحوادث والتي تعتبر في شريعة الإسلام من الكبائر وأمهات الخبائث ومحرّمة أشدَ التحريم تعتبر عندهم من العادات والأعراف ولا علاقة لها بالتحليل والتحريم،وأذكر بشكل خاص أم الخبائث الخمر،والزنا، واختلاط الأنساب، والإباحية الجنسية،والشذوذ الجنسي،وتناول المخدرات،وفقدان الوازع الديني والأخلاقي، وتهاون القانون والمجتمع مع المعتدي وإهمال الضحية،والإنغماس في الملذات والحرام…

وهنا يحضرني قول للإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله : “إن الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصور.وهو قابل لكل نقش ومائل إلى كل ما يُمال به إليه،فإن عُلّم الخير وعوّده نشأ عليه وسعد به الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه كل معلّم ومؤّدب له،وإن عُوِّدَ الشر واُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم به والموالي عليه”. ويقول الأحنف بن قيس في الأطفال لمعاوية بن سفيان: “ثمار قلوبنا،وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرضٌ ذليلة، وسماءٌ ظليلة،فإن طلبوا فأعطهم،وإن غضبوا فأرضهم،يمنحوك ودّهم، ويحبوك جهدهم،ولا تكن عليهم ثقيلاً، فيملوا حياتك ويحبّوا وفاتك”.

العنف الجنسي

ازدادت حالات العنف الجنسي أثناء ممارسة الجنس سواء بين الأزواج أوبسبب البغاء أوالاغتصاب وهذه قد تحدث أذيات شديدة لدى النساء.

إتيان البهائم

وهذا شذوذ قديم حديث عرف عن الغابرين واتسع عند اللاحقين،وهذا يدل على انتكاس في الفطرة وارتكاس في النفس وذلك عندما يقضي إنسان شهوته من بهيمة عجماء فيرجع بأدميته إلى الحضيض .جاء في الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لعن الله من وقع على بهيمة”[صححه الألباني].

قال ابن القيم :”ولا ريب أن الزاجر الطبعي عن إتيان البهيمة أقوى من الزاجر الطبعي عن التلوط”.

روي عن بعض الأعراب والبدو أنهم كانوا يمارسون إتيان البهائم فالنجاشي الحارثي يهجو قوما فيقول فيهم :

إذا سقى الله قومًا صوب غادية             فلا سقى الله أهل الكوفة المطرا

التاركينَ على طُهرٍ نساءهم                 والناكحين بشطي دجله البقرا

ولكن هذا الشذوذ قد توسع في عصرنا الحاضروأصبح الكثير من الناس وخاصة الإناث يقتنون الكلاب لا من أجل الحراسة  والسمر،وإنما لممارسة الرذيلة معها ،وكذلك الأمر بالنسبة لإقتناء الخيول لدى بعض الأسر، وفي بعض الأرياف يتم هذا عن طريق الحميروالبقر والعجول .

ذكرت دائرة المعارف البريطانية (الطبعة 82 المجلد 16):

“إن ولوغ الكلاب في فروج النساء ليس شيئاً نادراً في الغرب!!وإن كان نكاح الحيوانات أمراً نادر الحدوث،أما أن يلعق الكلب فرج صاحبته فهو أمر غير نادر الحدوث:.

ومن الناحيه الشرعية  فإن إتيان البهيمة حرام بإجماع أهل العلم، وقد اختلف العلماء فيمن وقع على بهيمة وأصحّ الأقوال في ذلك أنه يوجب التعزير فقط لأنه ليس بزنا وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وأما الإمام ابن القيم فإنه يرجح قتل واطئ البهيمة  كما جاء في كتابه الجواب الكافي.

إن أهم أسباب التحلل الجنسي والانحلال :هو انتشار المجلات والشرائط الفاضحة والأفلام الاباحية والمتوفرة في كل شارع وفي كل دكان ،وظهور مايسمى الأدب المكشوف أي الأدب الفاضح .(يمكن الرجوع إليه بالتفصيل في موضوع الطغاة وحرية القلم في الموقع).

يقول الشيخ علي الطنطاوي( في كتاب في سبيل الإصلاح ص103):

” ويتم ابليس عمله  فيدخل في رؤوس نفر من الأدباء ثم ينطق بلسانهم ويخط باقلامهم هذا الأدب الوقح البذئ  أدب أبي نواس من الأولين وأباء نواس من العصريين ،الأدب الذي يستقر في أدمغة الشباب استقرار صناديق البارود في أصول البيوت، فلا يلبث أن يتفجّر عند الشرارة الأولى تخرج منعين امراة  فينسف عقل صاحبه ودينه، وأخلاق الأمة  وصيانتها، ولا نعدم مع ذلك من الناس من يعجب بهذا الأدب ويكبره ويسمي صاحبه باسماء الجهابذة الأعلام من أرباب البيان وحملة الاقلام، ويتابع رحمه الله:”وهل في الأدب المكشوف إلا كشف سوأة من سوءات الفكر، وعورة من عورات الضمائر،يحرص العقلاء على سترها كما يسترون عورات الجسم “.

ويقول الشهيد سيد قطب رحمه الله(الرسالة العدد 631)::

“ولعل أشنع بدعة هي الإذاعة من الصالات والإذاعة من الأشرطة السينمائية.وهو تصرف غير مفهوم،ما لم يكن القصد هو ملاحقة الناس في بيوتهم بما يقال في أوساط وأماكن يعف كل إنسان مهذب عن الذهاب إليها،ويعف بصورة خاصة أن يسمح لبناته وأهل بيته بمشاهدتها.

وكلنا نعرف رواد الصالات،ونعرف ما يجري داخل هذه الصالات…نعرف أن جماعة مهذبين يرتادون هذه الأماكن،وقد استعدوا للسهرة بالخمر كيما تنطلق في أجسادهم  أقصى حيوانيتها،وكيما يستثير حيوانيتهم ما يشاهدونه من اللحم الرخيص في هذه الصالات..ثم هذا اللحم الرخيص يعرض في أضواء حمراء مهيجة على أوضاع لا يرضاها إلا(الرقيق الأبيض) الذي يقتات من هذه الموائد القذرة…ثم يهيج السعار الحيواني..يهيجه النور الأحمر،والرقص الخليع،والكلمات المكشوفة،والحركات الداعرة،والنبرات المتخلعة،ويهيجه السكر المسرف،والدم المتنزي في أجسام جائعة…فينطلق ذلك كله في جو معربد صاخب داعر تشمئز له الفطرة السليمة.

ثم تأتي محطة الإذاعة فتنقل ذلك كله إلى البيوت الطاهرة…إلى الزوجات الفاضلات،وإلى العذارى،وإلى الصبية والأطفال والمراهقين،وإلى جميع الذين عفوا عن مشاهدة هذا الفحش الداعر في مكانه،فانتقل إليهم في بيوتهم،وتسور الجدران عليهم،لا لذنب جنوه إلا أنهم يقتنون جهازاً للاستقبال،وأن محطة الإذاعة الحكومية تريد لهم هذا الفحش الذي يفرون منه،فيلاحقهم إلى البيوت!”.

أضف الى ذلك انتشار مايسمى” دكاكين الجنس “وبيوت البغاء والمواخير وتلفون الجنس،وأضف الى ذلك عرض البغايا العاريات في أوضاع منكرة في بعض المحلات التجارية وبعض الإعلانات التلفزيونية وغيرها ،كما انتشرت صالونات الرياضة والتدليك والحمامات والمسابح والساونا ووصولها الى كثير من الفنادق.

يقول الشيخ الطنطاوي رحمه الله ( في سبيل الاصلاح ):

” استغفر الله ماذا أقول إن الناس قد كشفوا عورات الجسم على السواحل وفي المصايف، وأبدوا كل سوأة، وافتخروا بها وسموها جمالا وكمالا ،وصوروها  وملأوا بها جرائدهم ومجلاتهم، أفيُلام  الشباب إن جنّ جنونه  واشتعلت في أعصابه النيران “.

ويقول الشيخ علي الطنطاوي أيضاً(الرسالة العدد 1002):

“أما التكشف فقد عشت في مصر دهراً،ورأيت منه عجباً،أفخاذاً بادية،وعورات ظاهرة،في حديقة الحيوانات وسائر الحدائق،وعلى العربات البلدية،وفي الأعراس التي تقام على السطوح.ولقد رأيت والله رجالاً يستحمون عراة لا يسترهم شيء تحت جسر الملك الصالح ،ورأيت بنت تنزل في الماء كما خلقها الله لتغسل طبق فجل لتبيعه.أما العرى على الشواطيء فشيء أفظع من أن يوصف،وأما المجلات الإسبوعية المصورة فلقد كانت معمولاً لهذه الأخلاق ،سارت على طريق معبد،وفق خطة موضوعة لإضعاف الأمة بصرف شبابها إلى الشهوات،وشغلهم بالغرائز الجنسية،عن الجهاد الوطني،والتسلح بالرجولة والقوة والصبر…ولقد بلغت منا هذه المجلات أكثر ما بلغته جيوش الاحتلال جميعاً،وكانت أنفع لأعدائنا من كل ما ساقوه إلينا من حملات،وما أنفقوه على حربنا من أموال.

ثم جاءت هذه الأفلام:هذه الأفلام بُحت الخناجر،وبريت الأقلام ،وامتلأت الصحف بالكلام عنها،وبيان شرها،وسوء أثرها في نفوس رائيها،أفلام لا موضوع لها ولا حوار،ولا تمثيل فيها مثل تمثيل الناس،ولا إخراج فيها إلا التخنث والخلاعة والسقوط والخزي ورقص البطن،والتهريج البارد،والتقليد السمج…

أما الإذاعة فقد كان من الممكن أن تكون مدرسة ليس لها نظير وأن نجعل منها أداة للإصلاح لا يستعصي عليها فساد،ولكنا لم نتخذها مع الأسف إلا أداة للفساد.ولم نجد شيئاً نذيعه فيها إلا الاغاني،أغان دائماً وأبداً،كأننا أمة من الصراصير في الصيف لا تعرف إلا الغناء.أغان ليس فيها نصاعة البين،ولا روعة الأدب،ولا حلاوة الأنغام،ألفاظ عامية غثة باردة،لا وزن لها ولا رنين ولا قافية،كلها دعوة إلى الشهوة،وإثارة الغريزة،وتصريح بطلب الفاحشة…

ويتابع رحمه الله:”بقيت المدارس يا سيدي.المدارس تفسد بناتنا،وتعلمهن التكشف وتسوقهن إلى شفا المحرمات.وكم من متسترة ما تعلمت السفور إلا في المدارس،وكم من متمسكة بعادات البلاد وأوضاع الإسلام ما جرأها على الخروج عليها إلا المدارس.أليست المدارس تجبر البنات البالغات على كشف أفخاذهن في درس الرياضة في المدرسة؟ألا يأتي المفتش مثلاً فيراهن على هذه الحال؟ومن في المدرسة من المعلمين الرجال؟!

ألا تكشف العورات في العرض الرياضي العام أمام الآلاف من الرجال وتأتي هذه المجلات الآثمة فتنشر صورة ذلك في الدنيا كلها،حتى يراها كل من لم يكن رآها”.

وانتشرت أيضا ظاهرة المخيمات الجنسية حيث يتم جلب السياح إلى هذه المعسكرات وقضاء بعض الليالي وممارسه كل أنواع الإباحية، كما ظهرت في بعض دول اوروبا ظهور مايسمى تجاره الرقيق الابيض، حيث يتم استدعاء الفتيات من اسيا وأوروبا الشرقية الى هذه البلدان الاوروبية من بعض أنواع المافيا المتخصصة واغراءهن بقصد العمل او الدراسة وتحويلهن الى بضائع رخيصة في سوق النخاسة وتحويلهن إلى عبيد لممارسة الجنس، وان يُمارس عليهن كل أنواع العنف الجسدي والنفسي والتهديد بالقتل، وهذا الامر ينطبق ايضا على الأطفال الصغار، وذكرت مجلة الاوبزرفر البريطانية في أحد أعدادها انه يتم المتاجرة بما لايقل عن مليون طفل بعضهم في الرابعه من العمر في سوق التجاره الإباحي الدولي وأن الكثيرمنهم يموت قبل سن 15  بالمرض اوالإنتحار،وظهرت ايضا نوادي الشذوذ الجنسي وسمح لهؤلاء في بعض المدن الأوروبيه بالزواج تحت مظلة القانون وتبني الأطفال ان أحبوا ذلك!!

ان كل هذا وغيره أدى الى عدم اشباع الجنس بالطرق الطبيعيه فكان لابد من اللجوء الى أبشع الوسائل وأقذرها من أجل اشباع الرغبة الجنسية وخاصه اللجوء الى ماسبق وقلناه كالاغتصاب الذي قد ينتهي بقتل الضحية، والإعتداء الجنسي على الصغار والذي أيضا ماقد ينتهي بقتل هذا الطفل البرئ ،والعنف الجنسي الذي قد لا يتمكن فاعله من ارواء عطشه الجنسي إلا بممارسة أبشع أنواع العنف الجنسي والذي قد ينتهي أيضا بقتل الضحية،ولا ننسى أن هذا مايترافق غالبا مع تناول الخمور والمخدرات .

لقد تعامل الغرب مع المرأة على أنها سلعة جنسية،وبدعوى تحرير المرأة،تم تحريرها من ثيابها وإظهار عوراتها ،فأصبحت في متناول كل إنسان وبدراهم قليلة يمكنك أن “تمتع “بصرك بجسمها وفي أوضاع معيبة في أفلام السينما وخاصة الأفلام الإباحية التي لم تترك شيئاً في هدر كرامة المرأة وإذلالها وتعريتها بالأوضاع المختلفة،وارتكاب أبشع أنواع الجنس معها وبدون أي قيد وكل ذلك بدعوى “تحرير المرأة”،ولا عجب بعد كل هذا أن تصبح هذه المسكينة “المتحرّرة” مدمنة على المسكرات والمخدرات والحبوب المهدئة والمنومات،ولا عجب أن تزداد حالات الانتحار وتصبح مشافي الأمراض النفسية تعجّ بأعداد متزايدة من النساء “المتحررات” .

وأما في الإسلام يقول الشيخ محمد البشيرالإبراهيمي رحمه الله في مقالة بعنوان تحرير المرأة:

“حرر الاسلام المرأة من ظلم الرجال وتحكّمهم ،فقد كانت المرأة في العالم كله في منزلة بين الحيوانية والإنسانية،بل هي إلى الحيوانية أقرب،تتحكّم فيها أهواء الرجال،وتتصرّف فيها الإعتبارات العادية المجردة من العقل ،فهي حيناً متاع يُتخطّف،وهي تارةً كرة تُتلقّف،تُعتبر أداة للنسل،أو مطيةً للشهوات ، ويتابع :” وجاء الإسلام فنبّه على منزلتها، وشرفها،وكرّم جنسها ،وأعطاها كلَّ ما يناسب قوتهّا العقلية،وتركيبها الجسمي، وسوّى بينها وبين الرجل في التكاليف الدينية ،وخاطبها بذلك استقلالاً،تشريفاً لها وإبرازاً لشخصيتها ،ولم يجعل للرجل عليها سبيلاً في كلِّ ما يرجعُ إلى دينها وفضائلها،وراعى ضعفها البدني بالنسبة للرجل ، فأراحها من التكاليف المادية في مراحل حياتها الثلاث :من يوم تولد إلى يوم تموت، بنتاً وزوجاً وأماً،فأوجب على أبيها الإنفاق عليها وتأديبها مادامت في حِجره إلى أن تتزوج ،وهذا حقٌّ تنفرد به البنت على الإبن الذي يسقط الإنفاق عيه ببلوغه قادراً على الكسب،فإذا تزوجت انتقل كلُّ مالها من حق أدبي أومادي من ذمة الأب إلى ذمة الزوج ، فتأخذ منه الصداق فريضة لازمة، ونِحلة مسوغّة ،وتستحق عليه نفقتها ونفقة أولادها منه بالمعروف، فإذا خلت من الزوج ولها أولاد مكتسبون وجبت الحقوق على أولادها ،ولا تنفق شيئاً من مالها إلا باختيارها “.

ولقد ظهرت وتظهر من حين وآخر نداءات للحدّ من الزنا والتحلل الجنسي وخاصة في أوروبا وأمريكا ،حيث كتب جيمس روستون في النيويورك تايمز :”أن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية الأمر أكبر وأخطر من خطر الطاقه النووية”.  وفي نيسان 1964أُثيرت في السويد ضجة كبيرة عندما وجه 140 من الأطباء المرموقين  مذكرة إلى البرلمان والملك يطلبون فيها اتخاذ اجراءات عاجلة للحد من الفوضى الكبيرة التي تهدد حيوية الأمة وصحتها وطالب الأطباء بقوانين ضد الإنحلال الجنسي ،وفي سنه 1962 صرح الرئيس الامريكي كينيدي  بأن مستقبل أمريكا في خطر  لأن شبابها ضائع منحل غارق في الشهوات ولا يقدر المسؤولية الملقاة على عاتقه ،وأنه من بين كل سبعة شباب يتقدمون للجندية يوجد ستة غير صالحين .

ويقول جورج بالوش في كتابه الثورة الجنسية:”أن أطنانا من القنابل الجنسية تتفجّر كل يوم ويترتب عليها آثار تدعو الى القلق  وقد لا يجعل أطفالنا وحوشاً أخلاقية فحسب بل قد تشّوه أسر بأكملها ” .إ

نها نداءات قليلة مبعثرة تترّدد بين فينة وأخرى،ولكنها وللأسف لاتجد أذاناً صاغية ولا عقولاً حكيمة، فالإنحلال إلى ازدياد ،والشهوات قد ركبت الاعناق وطغت على النفوس.

ذكرت جريدة القبس الكويتية العدد المؤرّخ بتاريخ الثامن من نيسان1985:”جاء في إحدى الدراسات في بريطانيا حول الإتجاهات اللاأخلاقية مايلي :

90 في المائة من الشباب دون سن الثلاثين قالوا إنه ليس إثماً أن تمارس الخطيئة.

90 في المائة يؤيدون وجود علاقات جنسية قبل الزواج

وجاء في دراسة أخرى في نفس العدد والصحيفة :”عندما تصل المرأة الأمريكيه الى سن الخمسين تكون قد مرت بأكثر من عشر علاقات غراميه،وأن 7 في المائة من النساءالأمريكيات أقمن “علاقات جنسية’ مع 50 عاشقا أو يزيد ”

ويقول الدكتور عبد الله ناصح علوان :” إن اليهودية والماسونية والشيوعية والصليبية والتبشير والغستعمار متضافرون متعاونون متكاملون على إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق الخمر والجنس والمسرح والمجلات والصحف وترويج القصص والأفلام  والمسرحيات الاأخلاقية وقد وصلوا وياللاسف إلى هدفهم الخبيث وغايتهم الدنيئه حتى رأينا شبابا وشابات في كثير من مدن العالم الإسلامي قد انطلقوا وراء الغرائز والشهوات وانزلقوا في مزالق التحلل والميوعة، ولا همّ لهم ولا غاية سوى التقلّب في حمأه الرذيلة والشهوة والإنصراف بكليتهم في مشاهدة فيلم داعر أو مسرحية فاجرة أوتمثيلية ماجنة أو ارتياد الصالات التي               يذبحون على أعتابها معاني النخوة والشرف،أو الجري وراء امرأة ساقطة يريقون على قدميها ماء الحياء والرجولة والكرامة وهكذا يفعلون “.

نعم حاول شياطين الإنس أن يزيّنوا للعالم هذا الإنحلال ومايسمى الحرية الفردية واستطاعوا بكل ماأوتوه من وسائل اعلامية أن يجعلوا المنكر معروفا والمعروف منكرا ،فهل نجحوا بذلك لا والله فإن هذه المجتمعات وان كان ظاهرها رخاما إلا أن باطنها سخاما تفككت بها الأواصر وغلب عليها الأمراض النفسية والعداوات والبغضاء وعاشت في دياجير ظلمة الخوف والعفن وانحلال الأواص الأسرية والإجتماعية وسيطر عليها المرض والإدمان والإكتئاب .

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله:

“والذين جربوا الإباحية من أهل الشمال في أوروبا من أهل السويد وفنلندا ،بل وأكثر القوم في أمريكا ما وجدوا فيها اُنس نفوسهم، ولا استراحة أرواحهم، ما وجدوا إلا القلق والضيق واليأس، حتى أن أكثر البلاد انتحارا وعكوفا على المخدرات هي تلك البلاد ،لقد شربوا ولكنهم ازدادوا عطشا كالذي يشرب من ماء البحر ليروي ظمأه فيزيده شربه ظمأً،لا يروي هذا الظمأ إلا كأس الزواج فهي اللذة الآمنة الباقية، أما اللذة الحرام فلا تُورث إلا شدة العطش ولا رواء، إن اللذات المادية لها حدود فاذا بلغت حدها فقدت طعمها “.

ويقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (في كتاب  في سبيل الاصلاح ص101):

“وهل داء الشباب إلا الميل الجنسي الذي يملأ نفوسهم ويسيطر على أرواحهم ،ويتراءى لهم في كل جميل في الكون شيطانا لعينا يقود إلى الهاوية وابليسا من أبالسة الرزيلة يدعو الى دين الهوى وشرع الشهوات ويخدر عقل من يستجيب له فينزل به من مكانه في الرأس إلى غير مكانه، ويجعل صاحبه عبدا للجسم مؤتّماً بالشيطان “.

ويقول الأستاذ محمد قطب رحمه الله (في كتاب منهج التربية الاسلامية):

“حين تطغى على الإنسان شهوة من شهواته ، شهوة مال أو شهوة جنس أو شهوة قوّة  أوشهوة سلطان، فذلك اختلال في باطن نفسه لا يسعده في الحقيقة وإن بدا له في أول الأمر أنه مستمتع وراض وسعيد وإنما هو في الواقع في شقوة دائمة لأنه قلق على ماعنده،راغب في المزيد، ثم هو اختلال في واقع الحياة  فكل شهوة زائدة عن الحدلا تحرف صاحبها وحده، وإنما تصيب غيره من الناس في الطريق ويقع عليهم لا محالة من هذه الشهوة التي تجاوزت الحدود “.

ويقول الأستاذ فتحي يكن رحمه الله (من كتاب الإسلام والجنس):

“وماذا بعد، فالإنسان المكّون من النوازع المادية والروحية والمتطلبات البدنية والنفسية لا يمكن أن ينعم بالراحة والإطمئنان ما لم يحقق إشباع حاجاته الفطرية كلها،وإن الإتجاهات المادية قد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الطمأنينة والإستقرار للإنسان،وإن غيبة الفكر الديني عن دنيا الناس، وتعطيل حاكمية الله في الأرض، وهيمنة التشريعات والنظم  والقوانين المنبثقة عن النظريات المادية، كانت الأساس في انحراف سير القافلة البشرية عن الطريق القويم، وانطلاقها في متاهات الضياع والشرور”.

ويقول الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله  (نقلا عن أحد أعداد مجلة حضارة الإسلام):

“إن أشدّ ما عُني به الإسلام الحنيف تنقية المجتمع من الإنحرافات والآثام، وتجنيبه الأخطار والمفاسد، وتحليته بالفضائل والمكارم، وقد تظاهرت نصوص الشريعة السمحاءعلى رعاية سلامة الفرد والأمة من كل مايضعف كياتها أو يؤذي أفرادها أويضر في عقيدتها أوسلوكها أوصحتها أومالها اوتفكيرها أو أدابها العامة”.

وهناك مقالة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله بعنوان”رسالة إلى مبتعث” يبين فيها ماقد يتعرّض له الدارس في بلاد الغرب من محن ومشاكل ومنها مايتعلق بنساء الغرب وفتياته وهي مقالة جميلة رائعة أنقل منها بعض المقاطع يقول الشيخ رحمه الله:

“يا أخي إنك تمشي إلى بلد مسحورـ والعوذ بالله ـ الذاهب إليه لا يؤوب، إلا أن يؤوب مخلوقاً جديداً، وإنساناً أخرغيرالذي ذهب، يتبدل دماغه الذي في رأسه،وقلبه الذي في صدره،ولسانه الذي في فِيه.وقد يتبدل أولاده الذين هم في ظهره إذا حملهم في بطن أنثى جاء بها من هناك.إي والله يا أخي. هذه حال أكثر من رأينا وعرفنا إلا من عصم ربك.يذهبون أبناءنا وإخواننا وأحباءنا ويعودون عُداة لنا.دعاة لعدونا،جند لحربنا،وعوناً لمستعمري بلادنا. لا أعني الإستعمار العسكري،فهو هيّن لنا،وإنما أعني استعمار الرؤوس بالعلم الزائف،والقلوب بالفن الداعر،والألسنة باللغة الأخرق.وما يتبع ذلك من الأرتيستات والسينمات،وتلك الطامات من المخدرات والخمور، وهاتيك الشرور. فانتبه لنفسك،واستعن بالله، فإنك ستقدم على قوم لايبالي أكثرهم العفاف،ولا يحفل بالعرض، بل ليس في لغاتهم كلها كلمة بمعنى العرض كما نفهم نحن معناه.فترى النساء في الطرقات والسوق والمعابر يعرضن أنفسهن عرض السلعة. قد أذلتهنَ مدنية الغرب وأفسدتهن،وهبطت بهنّ إلى الحضيض.فلا يأكلن خبزهن إلا مغموساً بدم الشرف.

ويتابع رحمه الله رحمة واسعة:”إن الله قد وضع في الإنسان هذه الشهوة،وهذا الميل وجعل له من نفسه عدوا لحكمةٍ أرادها،ولكنه أعطاه حصناً حصيناً يعتصم به، وسلاحاً متيناً يدرأ به عن نفسه.فتحصّن بحصن الدين، وجرّد سلاح العقل، تنج من الأذى كله.واعلم أن الله جعل مع الفضيلة مكافأتها: صحة الجسم،وطيب الذكر،وراحة البال،ووضع في الرذيلة عقابها:ضعف الجسد، وسوء القالة، وتعب الفكر، ومن وراء ذلك الجنة أو جهنم.

ويتابع:”فإن عرضت لك امرأة بزينتها وزخرفها فراقب الله، وحكّم العقل،واذكر الأسرة والجدود،. لا تنظر إلى ظاهرها البرّاق، بل أنظر إلى نفسها المظلمة القذرة. أتشرب من إناء ولغت فيه الكلاب؟ويتابع:” وبعد : يا أخي: فاعلم أن أثمن نعمة أنعمها الله عليك هي نعمة الإيمان، فاعرف قدرها، وأحمد الله عليها، وكن مع الله تر الله معك، وراقب الله دائماً وأذكرأنه مطلع عليك، يعصمك من الناس،ويُعذك من الشيطان، ويوفقك إلى الخير”.

ثم علقّ الشيخ الطنطاوي بعد نصف قرن على كتابته لهذه الرسالة(سنة 1404 هجري) بقوله: “هذه كلمة نشرتها يوم لم تكن أوروبا بلغت من دنس الأخلاق،ورجس الفواحش، ما هي عليه اليوم،يوم كان لكلمات الأخلاق والحشمة والحياء والمروءة بقية من معانيها ودلالاتها،لم تفقد معانيها كلها كما حصل اليوم، وقد خفت على أخي. فما لبعض الآباء يلقون بأولادهم في هذا النهر الملوث وهم لا يحسنون السباحة؟ما لهم يبعثون بشاب أمضى عمره كله في بلد الدين والحجاب، ما رأى يوما أطراف جسد امرأة غريبة عنه،ولا خلا بها. شاب بين جنبيه من الرغبة جمرة تتلظّى، لو أبصر فتاة من بعد عشرة أمتار لهفا قلبه إليها، وتمنى الدنو منها، ودفع ربع عمره ليبصر ما تحت ثوبها، يرمون به إلى بلاد: بعض النساء فيها سلعة رخيصة على جوانب الشوارع،وربما تعرضّن له إن لم يتعرّض لهن!إلى بلاد المنكرات فيها معلنة ،والأعراض مستباحة، فإما أن يميله الهوى ويقوده الشيطان فيقع في الحرام، وإما أن يضم جوانحه على مثل لذع النار”.

ويقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ( في كتاب في سبيل الاصلاح):

“اخطبوا أيها المدرسون ماوسعكم الجهد،واهرؤوا مانفسح لكم سبيل الهرا ، وقولوا للشباب كُنْ صَيناً عفيفًا إنها لن تجدي عليه خطبكم ولا يستقر في نفسه هراؤوكم،إنه يخرج فيسمع ابليس يخطب بلغة الطبيعة الثائرة في السوق على لسان حال المرأة المتبّرجة ،وفي الساحل على لسان الأجساد العارية المغرية وفي السينما على لسان المناظر المتهتكة المثيرة، وفي المكتبة على لسان الجرائد المصورة والروايات  الخليعة الماجنة،وفي المدرسة على لسان  أصحابه الفسّاق المستهترين، ولسان المدرسين حين يدرسون شعر أبي نواس المقرر رسميا في المنهج ،ويتابع رحمه الله :”  إن الله الذي وضع الشهوة في النفوس جعل دواؤها الزواج، فاذا تعذر الزواج فهناك طرق للوقاية من الفاحشة، وهناك السدود من دونها والحجب هنالك الدين، فإذا علمتم الشباب دينه وعرفتموه بربه ونشأتموه على التوحيد الخالص والإيمان الصحيح حتى يعلم أن الله مطلع عليه لاستحيا من الله أن يأتي الفاحشة بسمعه وبصره كما يستحي أن ياتيها على مشهد من أبيه الذي يجلّه اوأستاذه الذي يحترمه ويعلم أن من حق الله عليه وقد اعطاه هذه الأعضاء ،وأنعم بها عليه ألايستعملها إلا في طاعته، هذا أول سلاح  تحارب به المعصية، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ” لا يزني الزاني حين يزني  وهو  مؤمن” أي لا يستطيع  أن يزنيوهو مؤمن أن الله مطلّع عليه ناظر إليه ولمنعه الحياء من الله ان لم يمنعه الخوف من العقاب ،وهناك الشرف فإذا ربيتم الشباب عليه وجعلتموه يحسّ به ويقدره قدره وأفهمتموه معنى المروءة وقيمة العرض، لمنعه من الفاحشة ما كان يمنع الجاهلي الشريف من أن ينظر إلى جارته حتى يواري جارته مأواها، وهناك الصحة فلوعودتموه الرياضة وعرفتموه قيمتها ،وأنباتموه أن الله جعل مع العفاف الصحة والسلامة،ومع الفاحشة الضعف والمرض والمصائب السود لأقتصد في إتباع الشهوة إن لم يكف عنها، ولم ينظر إليها من سبيلها، وسبيلها الزواج، وهناك طيب السمعة وحسن الذكر في الناس، وهنالك الكثير من الأسلحة والحجب، ويتابع  رحمه الله :”وبعد فهذا داء عضال فتاك فأين أطباؤه ؟ وأين من ينتبه اليه ؟ أين الكتاب الباحثون فيه؟ أين أولوا الأمر المعنيون به؟  أين الغِيَر على الدين والأخلاق؟  ألم يبق منهم احد ؟ ” .

وأخيراً وبعد سنوات تجاوزت الثلاثين عاماً عشتها في بلاد الغرب، بعُجرها وبُجرها،بحلاوتها ومرارتها،بالطيب والصاب،وفيما يتعلق بموضوع الجنس والغرب، فقد كتبت موضوعا في أحد أعداد مجلة الرائد  (العدد 117)التي كانت تصدر في ألمانيا وذلك بتاريخ شباط 1989م،أنقله بحرفيته وهو بعنوان:

“إنهم أناس يتطهرون”

بلغ عدد حالات الإيدز المسجلة رسمياً لدى منظمة الصحة العالمية في جنيف بسويسرا حتى نهاية شهر تشرين الأول(اكتوبر) 1988م ما يلي:قارة أفريقيا 19141،أمريكا الشمالية والجنوبية 88233، أوروبا15340،آسيل 1119، وبالتالي مجمل الإصابات في العالم 124114،وهذا الرقم كما تقول الدوائر الرسمية يعتبر رقماً تقريبياً، أما الرقم الحقيقي فهو يعادل اضعاف ذلك، وخاصة أنه توجد حالات كثيرة لم تسجل بعد، إما لعدم اكتشافها، وإما لعدم تسجيلها رسمياً.

ولا زال هذا المرض منذ انتشاره في أواخر السبعينيات وحتى الآن محصوراً بشكل رئيسي في فئات معينة تسمى فئات أو زمر الخطورة،وهذه الفئات تتميز بانها تمارس إما الشذوذ الجنسي وخاصة اللواط،أو البغاء(الدعارة)،أو تتعاطى المخدرات، وفي حالات نادرة جداً قد تتم الإصابة عن طريق نقل دم ملوث بفيروس الإيدز،أو إصابة الجنين داخل الرحم لأم مصابة بالداء.والسؤال الذي يطرح نفسه:ماهي الوسائل التي اتخذت في ديار الغرب من أجل مكافحة هذا المرض القاتل والحد من انتشاره، خاصة وانه لم يكتشف حتى الآن الدواء الفعال القادر على الشفاء من المرض،ولم يكتشف اللقاح المناسب الواقي من الإصابه به؟!والسؤال الذي يطرح نفسه أيضاً: ماذا فعلت الكنيسة، والسياسيون،وطبقات المجتمع في ديار الغرب من أجل الوقوف تجاه هذا المرض؟

على المستوى الديني، فإن الكنيسة(أو على الأقل معظم فروعها) اعتبرت اللواط أحد الأشكال الطبيعية لممارسة الجنس!!وفي خطبته الأخيرة بمناسبة أعياد الميلاد ذكر البابا، ووجّه نداءه غلى العالم وخاصة الأطباء والعلماء من أجل إيجاد الدواء الفعّال أو اللقاح المناسب(ونحن معه في ذلك)، وأنه يجب على أفراد المجتمع رعاية مرضى الإيدز والعناية بهم (ونحن معه في ذلك أيضاً)، أما أن يذكر البابا أسباب المرض وان يدعو لإيقافها، وخاصة اللواط والدعارة..فلم يتطرق إلى هذا من قريب أو بعيد.والأدهى من ذلك ان الكنيسة التي قالت في العصور الوسطى عند انتشار داء الطاعون الذي أودى بحياة الملايين،والذي ليس لإنتشاره من قريب أو بعيد علاقة بالشذوذ الجنسي والبغاء، وإنما سببه انتشار المجاعات والحروب،الكنيسة قالت عندها أن الطاعون”عقاب رباني” وأما الآن فإن الكنيسة لم تقل عن داء الإيدز الذي سببه الفاحشة والشذوذ الجنسي أنه “عقاب رباني”.

وعلى المستوى السياسي فإن معظم الساسة في ديار الغرب دعوا إلى الحد من انتشار المرض ومكافحته بالوسائل المناسبة ـ كما يقولون ـ ومنها التوعية الصحية، وفتح مراكز للإستشارة، واستعمال”الكوندوم” عند ممارسة الجنس، وأحياناً لمّحوا، وقليلاً ماوضّحوا أنه يفضل عدم تبديل شريك الجنس والاكتفاء بالحليلة أو الخليلة، وعدم تنويع الشركاء.أما أن توجّه الإمكانيات المادية والمعنوية من أجل مكافحة الداء بمكافحة أسبابه وهي الشذوذ والبغاء والإباحية وتعاطي المخدرات فلم يتطرق إلى هذا احد،بل الأدهى من ذلك أن الكثيرين من الساسة وخاصة في أمريكا يتبارون عند الإنتخابات ومن أجل كسب أصوات الناخبين فيذكر بعضهم أنه لا بد من إيجاد التسهيلات الكافية لممارسة اللواط والشذوذ الجنسي لمن يريد، ومحاولة إيقاف العزلة التي يعيشها المصابون بالداء، وكيف لا وهناك مناطق في أمريكا وخاصة سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس قد أصبحت موبوءة بهذا الداء، وكيف لا وقد اصبح بعض الساسة في أمريكا وأوروبا فيمن بيدهم اتخاذ القرارات لايشجعون على الشذوذ الجنسي ، بل يمارسونه أيضاً!!

وعلى المستوى الإجتماعي فإن الناس في هذه المجتمعات يدّعون الشفقة على هؤلاء المرضى والرغبة في مساعدتهم، إلا أنهم قد فرضوا العزلة التامة على مرضى الإيدز وخاصة على مستوى التعليم والعمل، ونسمع مرات ومرات عن المشاكل التي تحدث هنا وهناك من أجل طرد طفل مصاب من المدرسة لرفض جهاز التعليم وأهالي الأطفال وجوده معهم،وكذلك عن المشاكل التي تزداد باستمرار، واللجوء إلى القضاء من أجل حلها فيما يتعلق بطرد المرضى بالإيدز من أماكن عملهم،والأدهى من ذلك أن الكثيرين أعلنوا أنهم غير مستعدين لإجراء الإسعافات الأولية ـ التي قد يستلزم إجراؤها في بعض حالات الحوادث وغيرها ـ خوفاً من أن يكون المريض مصاباً بالإيدز، وهذه العزلة الإجتماعية كان لها تأثيرها النفسي الشديد على مرضى الإيدز بحيث أدى إلى إصابتهم بالهمود النفسي أو لجأ البعض منهم إلى الإنتحار، وأودى بآخرين إلى أخذ السلوك العدواني تجاه هذا المجتمع فلجأ إلى السلاح وقتل الأفراد بدون تمييز، أو اللجوء لإغتصاب النساء والفتيات والأطفال من أجل أن يصابوا بهذا الداء، وكل هذا دافعه الإنتقام من هذا المجتمع.

والأمر الغريب في الموضوع أنك عندما تخاطب وتناقش أفراد هذا المجتمع عن الداء وأسبابه يكون النقاش موضوعياً وهادفاً، ولكنك عندما تذكر لهم انه لابد من إيقاف هذه الإباحية الجنسية، ومنع الشذوذ واللواط والبغاء، ينقلب محدثك من إنسان موضوعي إلى إنسان عصبي لو أمكنه أن يرميك من النافذة لما توانى،ويقول لك أتريد أن تحدّ من حريتنا وأن تقيّدنا بقوانينك؟هذا عندكم أهل الشرق أما هنا فنحن في دار حرية يفعل المرء مايريد متى شاء وانّى شاء. حتى لو كانت حريته هذه قد تضرّ بالآخرين!!

إن هذا يذكرني بحادثة قوم لوط التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم وخاصة في سورتي الأعراف والنمل حين نصحهم لوط بأن يتركوا الشذوذ الجنسي خوفاً من عقاب الله، فانتهره القوم وشتموه، وقالوا بعد أن استشرى فيهم الداء وعمَّ البلاء{أخرجوهم من قريتكم}[الأعراف 82]، وما السبب في إخراج قوم لوط بعد النصيحة والإرشاد؟{إنهم أناسٌ يتطهرون}، هذا هو السبب!!

نعم، بعد ان يعم البلاء، وينتشر الفساد فإن الطاهرين المُتطّهرين من أفراد المجتمع ليس لهم مكان ولا بد من ترحيلهم!!

وأنهي كلامي بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الحديث من المعاني والعبر والإعجاز ما يفوق الوصف، يقول صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس اتقوا خمساً قبل أن تحلّ بكم:مانقص مكيال من الثمرات لعلّهم يرجعون، وما قوم إلا أخذهم الله بالسنين ونقص نكث قوم عهدهم إلّا سلطّ الله عليهم عدوهم،وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يُسقوا،وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلطّ الله عليهم الطاعون، وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم الله شِيعاً وأذاق بعضهم بأس بعض“.

الأدبيات

جاء في العقد الفريد (ج7ص77):

“خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظَّرب حكيم العرب ابنته عمرة- وهي أم عامر بن صعصعة- فقال: ياصعصعة ،إنك أتيتني تشتري مني كبدي، فارحم ولدي، قبلتك أو رددتك، والحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح أبٌ بعد أب،وقد أنكحتك خشية أن لا أجد مثلك أفر من السرِّ إلى العلانية … يامعشر عدوان ،خرجت من بين أظهركم كريمتكم ،من غيررغبةٍ ولا رهبة، وأقسم لولا قسم الحظوظ على (قدر) الجدود ما ترك الأولُ للآخر ما يعيش به “.

وفي نفس المرجع (ص77-78):

خطب عمرو بن حُجر إلى عوف بن محلم الشيباني ابنته أم إياس،فلما كان بناؤه بها خلت بها أمها فقالت:”أي بنية ،إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت،وعُشّك الذي فيه درجتِ، إلى رجل لم تعرفيه، وقرينٍ لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لكِ عبداً،واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذُخراً: أما الأولى والثانية ،فالخشوع له بالقناعة ،وحسن السمع والطاعة ،وأما الثالثة والرابعة،فالتفقد لموضع عينه وأنفه،فلا تقع عينه منك على قبيح ،ولا يشم منك إلا أطيب ريح ،وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت منامه وطعامه ، فإن حرارة الجوع ملهبة ،وتنغيص النوم مغضبة ،وأما السابعة والثامنة ،فالإحتفاظ بماله ،والإرعاء على حشمه وعياله ، وملاك الأمر في المال حسن التقدير ،وفي العيال حسن التدبير وأما التاسعة والعاشرة فلا تَعصن له أمراً، ولا تُفشِنّ له سراً ،فإنك إن خالفت أمره أوغرتِ صدره،وإن افشيت سرّه لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهتّما ،والكربة بين يديه إذا كان فرحا”.

جاء في أمراء البيان(محمد كرد علي ص529):

قال الجاحظ: في الخَصي عشرة أحوال متضادة، لم يخرج من ظهره مؤمن ،ولا خرج من ظهر مؤمن ،وهو أكثر الناس غيرة، وأشدهم قيادة،وهو أضعف الناس معدة،وأشرهم على الطعام،وهو أسوأ الناس أدباً ،وهو يعلم الأدب وهو أغزر الناس دمعة، وأقساهم قلباً، وما خلا قط مع امرأة إلا حدثته نفسه أنه رجل، ولا خلا مع رجل إلا حدثته نفسه أنه امرأة “.

أمامة بنت الحارث توصي ابنتها عند زواجها إلى الحارث بن عمرو أحد ملوك اليمن(العقد الفريد):

أي بُنيّة،إنّ الوصيةَ لو تُركت لعقلٍ وأدبٍٍ، أو مَكرمةٍ في حَسَب،لَتركتُ ذلكَ منكِ،ولَزويتهُ عنك،ولكنّ الوصيةَ تذكرةٌ للعاقل،ومَنبهةٌ للغافل.

أي بُنيّة،إنّهُ لو استغنتِ المرأة بِغنى أبويها،وشِدّة حاجتهما إليها،كُنتِ أغنى الناس عن الزوج،ولكن للرجالِ خُلِقَ النساء، كما لَهُنّ خُلِقَ الرجال.

أي بُنيّة إنكِ قد فارقتِ الحِواءَ الذي منه خرجت،والوكرَ الذي منه دَرَجتِ،إلى وكرٍ لم تعرفيه،وقرين لم تألفيهِ،فأصبحَ بملكهِ عليكِ مَلكاً،فكوني لهُ أمةً يَكُن لك عَبداً،واحفظي عني خصالاً عشراً،تكن لكِ دَرَكاً وذِكراً.

فأما الأولى والثانيةُ، فالمعاشرةُ لهُ بالقناعةِ،وحُسنُ السّمعِ له والطاعة، فإنّ في القناعةِ راحةَ القلبِ،وحُسنَ السّمعِ والطاعةِ رأفةَ الرّب.

وأما الثالثةُ والرّابعة، فلاتقع عيناهُ منكِ على قبيحٍ، ولايشمَّ أنفهُ منكِ إلا طيبَ الرِّيح،واعلمي ـ أي بُنيّة ـأنّ الماءَ أطيبُ الطّيبِ المفقودِ، وأنَّ الكُحلَ أحسنُ الحُسنِ الموجودِ.

وأما الخامسة والسادسة،فالتّعهد لوقتِ طعامهِ،والهُدُوُّ عند منامه،فإنّ حرارةَ الجوعِ مَلهَبةٌ،وتنغيصَ النومةِ مَغضبةٌ.

وأما السابعة والثامنة،فالاحتفاظُ بمالهِ،والرِّعايةُ على حَشمهِ وعياله فإنّ الاحتفاظ بالمالِ من حُسنِ التقدير،والرّعاية على الحَشمِ والعيالِ من حُسنِ التدبير.

وأما التاسعة والعاشرة، فلاتُفشي لهُ سِرّاً، ولاتعصي لهُ امراً، فإنّكِ إن أفشيتِ سِرّهُ لم تأمني غَدرهُ،وإن عَصيت أمرَهُ أوغَرتِ صدرهُ.

واتقّي الفَرحَ لديهِ إذا كانَ تَرحاً،والاكتئابَ عندهُ إذا كان فَرحاً،فإنّ الأولى من التقصيرِ، والثانيةَ من التكدير،واعلمي أنّكِ لن تَصلي إلى ذلك منهُ حتى تُؤثري هَواهُ على هواكِ،ورضاهُ على رِضاكِ فيما أحببتِ وكرهتِ،والله يخيرُ لكِ،ويصنع لكِ برحمته.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله(كتاب الفوائد):

“الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة،فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة،وإما أن تقطع لذة أكمل منها،وإما أن تضيع وقتاً أضاعته حسرة وندامة،وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه،وإما أن تذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه،وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه،وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة،وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك،وإما أن تجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة،وإما أن تنسى علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة،وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً،وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة،وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول،فإن الأعمال تورث للصفات والأخلاق”.

ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله(كتاب الفوائد ـ آثار ترك المعاصي):

“سبحان الله ربِّ العالمين. لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي إلا إقامة المروءة وصون العرض وحفظ الجاه وصيانة المال الذي جعله الله قواماً لمصالح الدنيا والآخرة ومحبة الخلق وجواز القول بينهم وصلاح المعاش وراحة البدن وقوة القلب وطيب النفس ونعيم القلب وانشراح الصدر،والأمن من مخاوف الفساق والفجار،وقلة الهم والغم والحزن،وعز النفس عن احتمال الذل،وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية،وحصول المخرج له مما ضاق على الفساق والفجار،وتيسير الرزق عليه من حيث لا يحتسب،وتيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي،وتسهيل الطاعات عليه،وتيسير العلم والثناء الحسن في الناس،وكثرة الدعاء له،والحلاوة التي يكتسبها وجهه،والمهابة التي تلقى له في قلوب الناس،وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي وظلم،وذبهم عن عرضه إذا اغتابه مغتاب،وسرعة إجابة دعائه،وزوال الوحشة التي بينه وبين الله،وقرب الملائكة منه،وبعد شياطين الإنس والجن منه،وتنافس الناس على خدمته وقضاء حوائجه،وخطبتهم لمودته وصحبته،وعدم خوفه من الموت،بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه،وصغر الدنيا في قلبه،وكبر الآخرة عنده،وحرصه على الملك الكبير،والفوز العظيم فيها،وذوق حلاوة الطاعة ووجد حلاوة الإيمان،ودعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة له،وفرح الكاتبين به ودعاؤهم له كل وقت،والزيادة في عقله وفهمه وإيمانه ومعرفته،وحصول محبة الله له وإقباله عليه،وفرحه بتوبته،وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه”.

ويقول ابن القيم رحمه الله(كتاب الفوائد ـ اللذة المحرمة):

“اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها مثمرة للألم بعد انقضائها،فإذا اشتدت الداعية منك إليك ففكر في انقطاعها وبقاء قبحها وألمها ثم وازن بين الأمرين وانظر ما بينهما من التفاوت.

والتعب بالطاعة ممزوج بالحسن مثمرة اللذة والراحة،فإذا ثقلت على النفس ففكر في انقطاع تعبها وبقاء حسنها ولذتها وسرورها،ووازن بين الأمرين وآثر الراجح على المرجوح،فإن تألمت بالسبب فانظر إلى ما في المسبب من الفرحة والسرور واللذة يهن عليك مقاساته،وإن تألمت بترك اللذة المحرمة فانظر إلى الألم الذي يعقبه ووازن بين الألمين”.

يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في مقال بعنوان“حصاد العصيان”:

“قد يكون للمعصية لذة يشعر بها متعاطيها نظراً لغلبة الهوى ولإيثار العاجلة،ولكنها لذة منقطعة لا تدوم،بل تذهب سريعاً وتخلف وراءها عواقب وخيمة،وعقوبات متعددة،وحسرات وجراحات قد تصيب الإنسان في مقتل.ومن ثمرات الذنوب والمعاصي:

1ـ قلّة التوفيق.

2 ـ فساد الرأي.

3 ـ فساد القلب ومرضه وقسوته وضيقه وهلاكه.

4 ـ خفاء الحق.

5 ـ عداوة الخلق وبغضهم.

6 ـ الوحشة بين العبد وربه.

7 ـ منع إجابة الدعاء.

8 لاـ محق البركة من الرزق والعمر.

9 ـ حرمان العلم.

10 ـ الابتلاء بالمذلة.قال الحسن:أبى الله إلا أن يذل من عصاه.

11ـ تسليط الأعداء.

12 ـ ضيق الصدر.

13 ـ فساد الذرية.

14 ـ الابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت .

15 ـ طول الهم والغمّ.

16 ـ ضنك المعيشة.

17 ـ كسف البال.

18 ـ ضعف البدن

19 ـ الإبتلاء بالأمراض النفسية والعضوية.

20 ـ صرف القلب عن سماع القرآن واستئناسه بسماع الغناء والألحان

21 ـ الغفلة عن ذكر الله

22 ـ سوء الخاتمة

23 ـ إزالة النعم الحاضرة

24 ـ فساد العقل

25 ـ سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله

26 ـ عمى البصيرة

27 ـ ذهاب الحياء

28 ـ ذهاب الغيرة

29 ـ جلب المذلة

ويقول الإمام ابن قيم الجوزية في مقال له بعنوان”الفوائد العشرة لغضّ البصر”:

“لله درّ الشاعر إذ يقول:

كم من نظرة فتكت في قلب صاحبها       فتك السهام بغير قوس ولا وتر

يسر مقلته ما ضرَّ مهجته                لا خير بسرور جاء بالضرر

1 ـ امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده،وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى،وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره،وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.

2 ـ يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه.

3 ـ أنه يورث القلب أنساً بالله ،فإن إطلاق البصر يقرق القلب ويشتته،ويبعده من الله،وليس على العبد شىء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.

4 ـي قوي القلب ويفرحه،كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.

5 ـ أنه يكسب القلب نوراً كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة،ولهذا ذكر الله آية النور عقيب الأمر بغض البصر فقال تعالى:{قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}[النور 30]،ثم قال لإثر ذلك:{الله نور السماوات والأرض }أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه،وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب،كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان.

6 ـ أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل،والصادق والكاذب.

7 ـ أنه يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة،ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والفوز.

8 ـ أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب،فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي.

9 ـ أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها،وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في إتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه.

10 ـ بين العين والقلب منفذاً أو طريقاً يوجب اشتغال أحدهما بما يشغل به الآخر،يصلح بصلاحه ويفسد بفساده،فإذا فسد القلب فسد النظر،وإذا فسد النظر فسد القلب.

ليلةُ حرَّة:

يقال للمرأة باتت بلَيلة حرّة:إذا امتنعت على زوجها في ليلة زفافها فلم يقدر على افتضاضها .قال النابغة الذبياني:

شُمْسٌ موانعُ كلَّ ليلة حُرَّةٍ      يُخالفن ظنَّ الفاحش المعيار

أي إذا ساء ظن الفاحش بهن أخلفنّ ظنه لعفتهنّ .

ومن أمثالهم : باتت بليلة شيباء :

إذا أمكنت زوجها من نفسها ليلة عرسها ،تُشَّبه بمن شابت وجرت مجرى من لا تمتنع ،لأن الحَدَثة أشدّ امتناعاً من الطاعنة في السن (نقلاً عن ثمار القلوب الثعالبي ص636).

سئل عامر بن الظرب العدواني عن الخنثى أتعطى حظ الذكر أم حظ الأنثى ،فلم يدر ما يقضي فيه،فقالت جاريته:وفي رواية ابنته عمرو:اجعله ليقم فليبل ، فإن خرج البول مما يكون للرجال فهو رجل ،وإن خرج مما يكون للنساء فهي امرأة،فقضى به فاستمر ثم ثبت في الإسلام ( نقلاً عن الأوائل للعسكري ص7)

وجاء في عيون الأخبار لابن قتيبة (كتاب السلطان، باب الأحكام ص74):

أُتي ابن زياد بإنسان له قُبُل ذكر ولا يدري كيف يُورَث، فقال : من لهذا ؟ فقالوا أرسل إلى جابر بن زيد ،فأرسل إليه ،فجاء يرسف في قيوده ،فقال : ما تقول في هذا ؟ فقال : الزقه بالجدار، فإن بال عليه فهو ذكر،وإن بال في رجليه فهو أنثى .

قال عثمان بن أبي العاص الثقفي لبنيه:”يابني،إني قد أمجدتكم في أمهاتكم وأحسنت في مهنة أموالكم،وإني ما جلست في ظل رجل من ثقيف أشتم عرضه والناكح مفترس، فلينظر امرؤ منكم حيث يضع غرسه،والعرق السوء قلما … ولو بعد حين ( البيان والتبيين ج2 ص75).

قالت الخِرنِق بنت هفان ترثي زوجها وابنها وأخويها وقوم من قومها قتلوا في إحدى المعارك:

لا يَبعَدنْ قومي الذين هُمُ          سُّمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزر

النازلين بكلِّ معتركٍّ               والطيبون معاقدَ الأُزْرِ

قولها الطيبون :ارادت أنهم أعفاء في فروجهم،لأن العرب تكني بالشيئ عما يحويه أو يشتمل عليه كقولهم ناصع الجيب :يريدون الفؤاد ، فكّنوا عنه بالجيب الذي يقع عليه أو قريباً منه. قال ابن خلف:إذا وصفوا الرجل بطهارة الأزار وطيبه فهو إشارة وكناية عن عفة الفرج،يراد أنه لا يقعد إزاره على فرج زانية  وكذلك طهارة الذيل،وإذاوصف بطهارة الكّم أو الردن وهو الكم بعينه أرادوا أنه لا يسرق ولا يخون،وإذا وصفوه بطهارة الجيب أرادوا قلبه لا ينطوي على غش ولا مكروه، وقد يكّنون عن عفة الفرج بطيب الحجزة قال النابغة:

رقاق النعال طيب حجزاتهم               يحيون بالريحان يوم السباسب

(نقلاً عن تفسير ابن الجوزي ج2 ص253)وأما قولها سُّم العداة أفة الجزر فإنها تعني أنهم شجعان كالسم يقتل الأعداء وكرماء ينحرون الجزور.

يقولون:رَمَتني بِدائها وانْسَلَّتْ:

وحديث المثل أن رُهْمَ ابنة الخزرج بن تيم الله بن رُفيدة ـ وكانت ذات جمال  ـ تزوجت سَعد بن مالك بن زيد مناة على ضِرٍّ، فكانت ضرائرها يرمينها بالعَفَل(شيئ مدور يخرج من فرج المرأة يشبه الأدرةالتي للرجال في الخصية )،  فقالت لها أمها:إذا ساببنكِ فابدئيهنَّ بها  ففعلت ، فقيل لها ذلك ” (نقلاًعن الأمثال للعسكري  ج1 ص476).

يقولون أخنثُ من مُصَفِّرِ استِهِ:

قالوا يعنى به أبو جهل . وكان يَرْدَعُ عَجُزَه بالزعفران لبرصٍ كان به ،وزعمت الأنصار أنه كان يُطَيبُّه للفاحشة ،وذكر أبو بكر بن دريد أنه كان من المنبوذين بالأُبنَة ،وأهل مكة  يقولون إن هذا نعتٌ لأصحاب الدَّعة والنعمة (العسكري ج1 ص438).

عيون الأخبار (ابن قتيبة  ـ كتاب الطبائع  ـ باب طبائع الإنسان ص63):

قالت الحكماء : كل شيئ من الحيوان يُخصى فإن عظمه يدِقّ، فإذا دقَ عظمه استرخى لحمه،وتبرأ من عظمه خلا الإنسان ،فإنه إذا خصي طال عظمه وعرُض. وقالوا : الخصي والمرأة لا يصلعان .والخصي تطول قدمه وتعظُم . وقالوا :والخصي يشتد وقعُ رجله لأن معاقد عَصَبه تسترخي ،ويعتريه الإعوجاج والفَدَع في أصابعه،وتسرع دمعته،ويتخدد جلده، ويسرع غضبه ورضاه،ويضيق صدره عن كتمان السر.

وجاء في نفس المرجع: ويزعم قوم أن أعمارهم تطول لترك الجماع ، قالوا : وتلك علّة طول عمر البغل ،وقالوا:علّة قصرعمر العصفور كثرة سِفاده أي من كثرة الجماع.

زوجَّ عامر بن الظرب ابنته لإبن أخيه،فلما دخلت عليه نفرت منه ،ولم ترده، فأتى ابن أخيه العم ، فشكا إليه،فقال له :يابن أخي ،إنها وإن كانت ابنتي فإن نصيبك الأوفر،فاصدقني فإنه لا رأي لمكذوب،وإن صدقتني صدقتك ،إن كنت نفرتها فاحفظ عصاك عن بكرتك تسكن ،وإن كانت نفرت عنك عن غير تنفير منك فذلك الداء الذي لا دواء له. وإلا يكن وفاق ففراق،وأجمل القبيح الطلاق ،ولن يترك أهلك مالك وقد خلعتها منك ،وأعطيتك مهرها،وهي فعلت ذلك بنفسها (وزعم العلماء إن ذلك أول خلع كان ثم أثبته الإسلام)  (نقلاً عن الأوائل للعسكري ص75).

وجاء في نفس المرجع ونفس الصفحة :عامر بن الظرب ينصح ابنته عند زواجها : “لا تستكرهنَّ زوجها على نفسه،ولا تمنعه عند شهوته ،فإن الرضا في الإتيان عند اللذة ،ولا تكثر مضاجعته فإن الجسد إذا ملّ، ملّ القلب.

وجاء في مجمع الأمثال للميداني:بِمْثْل جارية فلتزن الزانية :

هو جارية بن سُليط وكان حسن الوجه فمكنته احداهن من نفسها وحملت.

يقولون :أقودُ من ظُلْمة:

وهي امرأة من هُذيل ،فجرت في شبابها أربعين عاماً،حتى إذا عجزت قادت ،ثم أُقعدت فاتخذت تيساً وعنزاً فكانت تنزي التيس على العنز، فقيل لها لم تفعلين ذلك :قالت : حتى أسمع أنفاس الجماع. وقيل لها : أي الناس أنكح ؟فقالت : الأعمى العفيف. (الأمثال للعسكري ج2 ص131 والعقد الفريد ج3 ص9).

يقول الجاحظ في كتاب الحيوان :وقد توجد المرأة ذات لحية ،وقد رأيت ذلك وأكثر ما رأيته عجائز الدهاقين  ـ  رئيس الإقليم والتاجر  ـ وكذلك النَبَت ـ  وهو اللحم المتدلي تحت الحنك من الديك والبقر  ـ  والشارب، وقد رأيت ذلك أيضا ً، وقد ذكر أهل بغداد أنه كانت لإبنة من بنات محمد بن راشد لحية وافرة وأنها دخلت  مع نساء متنقبات إلى بعض الأعراس لترى العروس وجلوة العروس ففطنت لها امرأة فصاحت : رجل والله ،فأقبل الخدم والنساء عليها بالضرب فلم تكن لها حيلة إلا كشفها عن عورتها ،فنزعن عنها ، فقد كادت تموت.

يقولون :قُرْب الوِسادِ وطولُ السِّواد:

جاء في الأمثال للعسكري (ج2 ص127):يضرب مثلاً للأمر يُلقي صاحبه في المكروه . والمثل لِبنتِ الخُنْتَسِّ، وذكر أنها زنت مع عبدٍ لها ،فقيل لها : ماحملك على الزنا مع عقلك ورأيك ؟ فقالت : قرب الوساد وطول السواد . أي قرب مضطجع الرجل مني ، وطولُ مُسَارَّته لي . والسِّواد : المُسَّارة، وأصله من السَّواد وهو الشخص ، وذلك أن المُسارَّ يدني شخصه من شخص من يُسارُّه فيقال :ساوره أي أدنى سواده من سواده.

وجاء في بهجة المجالس (ج1 ص120): ذكر المدائني قال : قيل لأمرئ القيس : ما أطيب عيش الدنيا ؟فقال : بيضاء رُعبوبة ،بالطيب مشبوبة ،باللحم مكروبة.

(لرعبوبة :الحسنة البياض،المشبوبة :الظاهرة الحسن المشرقة الوجه،المكروبة :مفتولة الأعضاء غير مترهلة).

عبد الله بن المقفع :”وطء العجوز وأكل لحم القديد يُهرم” .( بهجة المجالس ج2 ص49)

استعمل معاوية رجلاً من كَلْب، فذكر له المجوس يوماً، فقال :لعن الله المجوس ،ينكحون أمهاتهم ،والله لو أعطيت عشرة آلاف درهم مانكحت أمي . فبلغ ذلك معاوية فقال : قبحه الله ّ!أترونه لو زيد فعل ؟ .( بهجة المجالس ج2 ص550 ).

العقد الفريد (ج7 ص223) :قالوا :كل ذي ريح منتنة وذفر كالتيس وما أشبهه ،إذا خصي نقص ريحه وذهب صُنانه، غير الإنسان، فإنه إذا خصي زاد نتنه واشتد صنانه وخبث عرقه وريحه.

وجاء في مختارات الأغاني (ج3 ص126):

سأل عبد الملك بن مروان أيمن بن حزيم ـ شاعر أموي ـ عن حاله فقال :”وأفترع العذراءولا يقعدني عنها الكبر ،ولا يمنعني منها الحَصْر  ـ عدم اشتهاء النساء  ـ ولا يُرويني منها الغُمَرـ القدح الصغيرة  ـ ولا ينقضي منها الوطر”.

يقال : أنكح من حوثرة:

جاء في ثمار القلوب للثعالبي (ص141):هو حوثرة ،تضرب العرب به المثل في شدَّة النكاح وكثرته .ومن يضرب به المثل في النكاح والغُلمة خوَّات بن جبير الأنصاري ،صاحب ذات النِّحيين ،وكان يأتي أحياء العرب يتطَّلب النساء ،فإذا سئل عن حاجته قال :قد شرد لي بعير فخرجت في طلبه ،وأدرك الإسلام وشهد بدرا،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يوماً:ما فعل بعيرك الشَّرود؟فقال :أما منذ قيدَّه الإسلام فلا . وتزعم الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بأن تسكن غُلمته ،فسكنت بدعائه صلى الله عليه وسلم.

وجاء في نفس المرجع (ص142) :

ذكر عبد الملك بن مروان إيادا فقال :هم أخطب الناس لمكان قُس بن ساعدة وأسخى الناس لمكان كعب ،وأشعر الناس لمكان أبي دواد ، وأنكح الناس لمكان ابن الغز.

يسار الكواعب :

هو عبد تعرّض لبنت مولاه ،وراودها عن نفسها فنهته، فعاودها ،فامتنعت عليه ،فعاد لعادته ،فقالت:إن كان لا بد فإني مبخرتك ببخور ،فإن صبرت على حرارته صرت إلى ماتريد ،فعمدت إلى مِجْمَر، فأدخلته تحته واشتملت على سكين حديد فجبَّت به مذاكيره ،فصاح فقالت صبراًعلى مجامر الكرام ! ثم لم يلبث أن مات ، فصار مثلاً لكّل جانٍ على نفسه،ومتعرض لما يجل عن قدره وفيه يقول الفرزدق لجرير:

ألستَ إذا القعساءُ أنسلَ ظهرُها            إلى آل بِسطام بن قيسٍ خاطبِ

وإني لأخشى إن خطبت إليهمُ          عليكَ الذي لاقى يسارُ الكواعبِ

(نقلاً عن ثمار القلوب الثعالبي ص108).

قال الأصمعي :العميان أكثر الناس نكاحاً،والخصيان أصحّ الناس أبصاراً، لأنهما طرفان :إذا نقص من أحدهما زاد في الآخر . (البصائروالذخائر التوحيدي ج3 مقطع 463)

خطب ذُهل بن شيبان وهو شيخ رقاش بنت عمرو ابن غنم فقالت لخادمتها انظري اذا بال أيُبعثر أم يُعَقرّ . فقالت لها : يعقر فتزوجته.

يقولون : حُمق دُغَة :

هي مارة بنت منعج، زُوجت وهي صغيرة في بني العنبر، فحملت، فلما ضربها المخاض ظنت أنها تحتاج إلى الخلاء فبرزت إلى بعض الغيطان ووضعت ذا بطنها ،فاستهل الوليد ،فجاءت منصرفة وهي لاتظن إلا أنها أحدثت فقالت لأمها :هل يفتح الجَعرُ فاه ؟ قالت : نعم ويدعو أباه ، فسبَّ بها بنو العنبر  فسموا بني الجعراء ( نقلا عن ثمار القلوب الثعالبي ص309).

يقولون : زواني الهند :

قال الجاحظ : إنما سار الزنا وطلب الرجال في نساء الهند أعمّ لأن شهوتهن للرجال أشدَّ  فلذلك اتخذ الهنود دوراً للزواني . قال : ومن إحدى علل حبهنّ للزنا ورغبتهن وفارة البظر والقَلَفة فإن البظراء تجد من اللذة ما تجده المختونة، وأصل  ختان النساء لم يحاول به الحسن دون التماس نقصان الشهوة، ليكون العفاف مقصوراً عليهن ّ،ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم عطية الخاتنة ” أشميه ولا تنهكيه ، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند البعل (نهاية ابن الأثير) :شبه القطع اليسير بإشمام الحرف والنهك بالمبالغة فيه، أي اقطعي بعض النواة ولا تستاصليها ” (كأنه أراد أن ينقص من شهوتها بقدر ما يردها إلى الاعتدال ، فإن شهوتها إذا قلن ذهب التمتع ، ونقص حبُّ الأزواج ، وحبّ الزوج قيد دون الفجور) .

وذكر صاحب كتاب المسالك والممالك أن عامة ملوك الهند يرون الزنا حلالا خلا ملك قَمار ،قال : وقد دخلت مدينته وأقمت بها سنتين  فلم أر ملكاً أغير ولا أشدّ في الأشربة منه، فإنه يعاقب على الزنا والشرب بالقتل ، فأما غيره من ملوك الهند فإنهم جميعاً يرون الزنا مباحاً،ولا يتحاشون عنه ،غير أن من أحصن منهم امرأة فعرض لها عارض فزنيا جميعا قتل الرجل والمرأة قتلاً ذريعا . (ثمار القلوب الثعالبي ص303).

كان ذو شناتر أحد ملوك اليمن، وكان فظاً غليظ القلب، وكان مع ذلك لايسمع بغلام ينشأ من أهل المقاول إلا بعث إليه واستحضره فعبث به وأفسده، ويقال :إنه بعث إلى غلام منهم يقال له ذو نُواس ،لأنه كانت له ذؤابتان تنوسان على عاتقيه وبهما سُميّ ذا نواس ،فأدخل عليه ومعه سكين لطيفة قد خبأها ،فلما دنا منه وعلم أنه يريد منه الفاحشة ،شقَّ بها بطنه واحتزَّ رأسه ، فلما بلغ حِمير ما فعل ذو نواس قالوا : مانرى أحداً أحقّ بالملك ممن أراحنا منه ،فملّكوا ذا نواس ،وهو صاحب الأخدود الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، وهو الذي لما تهوّد تهّود معه أمم من الناس  .( ثمار القلوب الثعالبي ص279).

وجاء في الأغاني للأصفهاني : كان المغيرة بن شعبة يقول : النساء أربع ، والرجال أربعة :رجل مذكّروامرأة مؤنثة، فهو قواّم عليها . ورجل مؤنث وامرأة مذكّرة فهي قوامة عليه .ورجل مذكّر وامرأة مذكّرة، فهما كالوعلين ينتطحان . ورجل مؤنث وامرأة مؤنثة فهما لا يأتيان بخير ولا يفلحان.

وجاء في اختيارات الأغاني (ج3 ص298):

“عن أبي عبيدة قال: كان لِعقيل بن عُلفة  جارٌ من بني سلامان بن سعد ، فخطب إليه ابنته ، فغضب عقيلٌ وأخذ السَلاماني فكتّفهُ ، ودهن استَهُ بشحم ،وألقاه في قرية النمل، فأكلن خُصييه حتى ورم جسده ، ثم حَلّه وقال: يخطب إليّ عبد الملك فأردّهُ ، وتجترء أنت علي..

مثل: زوج من عود خيرٌ من قعود.

جاء في الكامل للمبرد (ج2 ص777):

“الوَدَى: البلّة التي تكون في عقب البول كالمذي ،وأما المذي فمن الشهوة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:”كل فحلٍ مَذّاء”، ” ومن كلام العرب كل فحل يمذي وكل أنثى تقذي (وهو أن يكون منها مثل المذي).

وجاء في المستطرف للأبشيهي (ص201):

“زنى رجل بجارية فأحبلها ،فقالوا له : يا عدو الله هلا إذا ابتليت بفاحشة عزلت؟ قال: قد بلغني أن العزل مكروه، قالوا فما بلغك أن الزنا حرام.

وجاء في كتاب الأوائل للعسكري (ص72):

“راود الفرزدق امرأة شريفة في قومها عن نفسها ،وتهددها بالهجاء إن لم تطعه ،فاستعانت بالنوار امرأة الفرزدق فقالت النوار: واعديه الليلة واعلميني، ففعلت، فجاءت النوار ودخلت الحجلة(ستر يضرب للعروس في جوف البيت)، وجاء الفرزدق، ودخل ونحى السراج ،فلما واقعها قالت: يا فاسق. قال: وأنت هي ما أطيبك حراماً وأردأك حلالاً.

ليلة الفرزدق:

:يضرب بها المثل لليلة يبلغ فيها الخليع النهاية من الخلاعة وتعاطي الفحش ،والرّكض في حلبة المآثم. وقصتها أن الفرزدق نزل ليلة بدير راهبةٍ فأكل عندها لحم الخنزير، وشرب من خمرها، وزنى بها وسرقَ كساءها ثم قال:لله دَرُّ ابن المراغة- يعني جرير-في قوله:

وكنتَ إذا نزلتَ بدارِ قومٍ                           رَحلتَ بِخزيةٍ وتركت عارا

(وبعض الرواة يَنسبُ القصة إلى أبي الطمحان القيني).

جاء في لسان العرب لابن منظور: الاستبراء:أن يشتري الرجل جاريةً، فلا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة ثم تطهر، وكذلك إذا سباها لم يطأها حتى يستبرئها بحيضة ومعناه: طلبُ براءتها من الحمل. وكذلك الاستبراء:استنقاء الذَكرعن البول أي يستفرغ بقية البول، وينقّي موضعه ومجراه حتى يُبرئهما منه كما يبرأ من الدَّين والمرض.

وجاء في ثمار القلوب للثعالبي ص156-158:

“كان يحيى بن أكثم متقدماً في الفقه وأداب القضاة،ولاه المأمون قاضي القضاة ،ولكن كان يقال عنه ألوط من ثفَر، ومن قوم لوط،وكان إذا رأى غلاماً يفسده وقعت عليه الرِّعدة ،وسال لعابه، وبَرِقَ بصره.ويقال إنه هو الذي زّينَ للمأمون الّلواط، وحَبّبَ إليه الولدان ،وغرس في قلبه محاسنهم وفضائلهم وخصائصهم ، وقال:”إنهم بالليل عرائس، وبالنهار فوارس،وهم للفِراش والهراش، وللسفر والحضر” فصدر المأمون عن رأيه ، وجرى في طريقه، واقتدى به المعتصم حتى اشتهر بهم ،وملك ثمانية آلاف منهم ، وكان بنو العباس يحومون حولهم ، اللهم إلا ما كان يؤثر عن محمد الأمين من استخدام الخصيان والعبث بهم دون فحول الولدان).

ويحكى أنّ المأمون نظر يوماً إلى يحيى في مجلسه وهو يُحِدُّ النظر إلى ابن أخيه الواثق ،وهو إذ ذاك أمرد تأكله العين . فتبسم إليه وقال: يا أبا محمد، حَوالينا ولا علينا!  فقال: يا أمير المؤمنين ، إن الكَلب لا يأكل النار.

ومما قيل في يحيى:

وكنّا نرجِّي أن نرى العدلَ ظاهراً                      فأعقبنا بعد الرجاءِ قُنوطُ

متى تصلحُ الدنيا ويصلحُ أهلها                      وقاضي قُضاةِ المسلمين يَلوطُ

وفيه أيضاً:

أنطقني الدّهر بعد إخراسي                           بحادثاتٍ أطلنَ وسواسي

قاضٍ  يرى الحد في الزِّناء ولا                         يرى على من يلوطُ من باسِ

أميرنا يرتشي وحاكمنا                               يلوطُ، والرأسُ شرُّ ما راس

ما إن أرى الجورَ ينقضي وعلى ال                   أمةِ والٍ من بني العباسِ

وفيه قيل:

وكنتُ ألومُ الشيخَ فيك ولا أرى                     دمَ الشيخ إن رامَ الحرامَ محرّما

فلما رأيتُ الحُسنَ ألقى رداءَهُ                       عليكَ عذرتُ الشيخَ يحيى بنَ أكثما

ابن الجوزي في كتاب “لفتة الكبد في نصيحة الولد”يقول:

“فأين لذة أمس؟ رحلت وأبقت ندماً، وأين شهوة النفس ؟ كم نكّست رأساً وأزلّت قدماً، وما سعد من سعد إلا بخلاف هواه، ولا شقي من شقي إلا بإيثار دنياه “.

جاء في البيان والتبيين للجاحظ (ج2 ص83):”معاوية بن أبي سفيان: ما رأيتُ رجلاً يستهتر بالباءة إلا تبينت ذلك في منته(قوته)

جاء في تاريخ الأدب العربي د . عمر فروخ (ج1 ص332):”الحطيئة ابن الزنا”:

“اسمه جرول بن أوس، والحطيئة لقب له لأنه كان قصيراً قريباً من الأرض،استولده أوس بن مالك العبسي سفاحاً من جارية اسمها الضّراء كانت لبنت رباح بن عمرو، ثم إنّ الضرّاء تزوجت الكلب بن كُنيس بن جابر العبسي وكان أيضاً مدخول النسب .ويبدو أنّ الضراء كانت مستهترة تقول لابنها الحطيئة : لست لواحد ولا لاثنين ! وكان هو يعلم أنه زنيم ويَنقم على أمه وعلى الناس من أجل ذلك .وهذا يفسر لنا نقل نَسَبهِ من قبيلة إلى قبيلة مرة بعد مرة ، كما يعلل لنا هجاءه لأمه وأبيه ولنفسه، ويُعّلل هجاءه المقذع ونيله من أعراض الناس حقاً وباطلاً،ولذلك  يضاً كان الحطيئة ذا شرّ وسَفَه : جشعاً سَؤولاً ملحفاً في الطلب ، دنئ النفس، كثير الشر ، قليل الخير بخيلاً بذيئاً هجاءً”.

وللشعر دوره في هذا المجال:

أشعار في الزنا

المتنبي:

إذا كسبَ الإنسان من هَنِ عرسهِ                                                      فيا لؤمَ إنسان ويا لؤمَ مكسب(الفرج)

جرير:

تدليت تزني من ثمانين                                                                  وقصرت عن باع العلى والمكارم

بشار بن برد:

يلفون أبناء الزنا في عدادهم                                                          فعدتهم من عدّةِ الناس أكثر

إذا ما رأوا من دأبه مثل دأبهم                                                         أطافوا به والغيُّ للغي أصورُ

ولو فارقوا من فيهمُ من دعارةٍ                                                         لما عرفتهم أمهم حين تنظرُ

لقد فخروا بالملحقين عشيةً                                                          فقلتُ: افخروا،إن كان في اللؤم مفخرُ

جذيمة الأبرش لأخته رقاش:

حدثيني رَقاشُ لا تكذبيني                                                             ألحُرٍ حَملتِ أم لهجينِ

أم لعبدٍ فأنتِ أهلٌ لعبدٍ                                                                 أم لدونٍ فأنتِ أهلٌ لدونِ

الفرزدق وقيل الأخطل:

فلا تدخل بيوتَ بني كُليبٍ                                                            ولا تقربْ لهم أبداً رِحالا

فإن بها لوامعَ مُبرقاتٍ                                                                  يَكَدنَ يَنِكنَ بالحَدقِ الرجالا

(رواية ترى فيها لوامع.. )

الفرزدق:

كَسوبٌ بأختيهِ وقَنيةِ تاجرٍ                                                           وما كانَ في كتّابه بكسوب

(يكسب بعرض اختيه ويثري من ورائهما)

الفرزدق:

أبا  حاضرٍ مَن يَزنِ يُعرَفْ زناؤه                                                    ومن يشربِ الخرطومَ يُصبحُ مُسكراً

الفرزدق:

أخضبتَ فِعلك للزِناءِ ولم تكنْ                                                      يوم اللقاءِ لتخضبَ الأبطالا

جرير:

وجدنا نِسوةً لبني عِقالٍ                                                               بدارِ الخِزي أغراضَ الرُّماةِ

غَوَان هُنَّ أخبثُ من حَميرٍ                                                            وأمجَنُ من نساء مُشركاتِ

وسَوداءُ المُجرَدَّ من عِقالٍ                                                             تُبايعُ من دَنا خُذها وهاتِ

جرير يهجو بني تغلب:

المُعرِسينَ إذا انتشوا ببناتهم                                                       والدَّائبينَ إجارةً وسُؤالا

(الاباء يصيبون بناتهم بعد ان تعمل الخمرة في الرؤوس فلا يدرون ما ياتون وما يجنون)

أبو نواس:

نِيلتْ بأدنى المهور أختهمُ                                                          قَسراً ولم يَدْمَ أنفُ خاطبها

(اخت رخيصة وقد بيعت بمهر بخس وهي ذات ماض مريب لا يشرف خاطبها)

علي بن الجهم:

قوم أعِفّاءُ إلا في بيوتكمُ                                                            فإنّ في مثلها قد تُخلعُ العُذُرُ

قوم إذا نُسبوا فالأم ُ واحدةٌ                                                       والله أعلم بالأباء إذ كثروا

زيد بن عمرو:

إذا طمثت قادت وإن طَهُرتْ زنت                                                فهي أبداً يُزنى بها وتقودُ

السيد الحميري:

كعائدةِ المرضى بفائدة استها                                                    لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

أحدهم:

وأول خبثُ الماء خبثُ تُرابه                                                        وأول خبثُ القومِ خبثُ المناكحِ

أشعار في العجز والعنانة والإخصاء

ابن الرومي:

وأرى الكرامة حِليةً ما أخليت                                                   من غَيرةٍ فيها لها تحصين

تلقى الفتى الغيران ينفث دونها                                                 قطعَ الحريق كأنّهُ التنين

والغيرةُ الشئ الذي لم يُلغه                                                    إلا خصيُّ السوءِ والعنينِ

ابن المعتز :

أطالَ الدهر في بغدادَ هَمّي                                                   وقد يشقى المسافرُ أو يفوزُ

ظلِلتُ بها على رَغمي مقيماً                                                   كَعنيِّنٍ تضاجعهُ عَجوزُ

جرير:

أغَرّكَ أن قيلَ الفرزدقُ مرّة                                                      وذو السَّنِّ يخصى بعدما شقَّ بازله

النابغة الذبياني:

وإنّ الفحلَ تُنزعُ خُصيتاهُ                                                          فيصبحُ جافراً قرِحَ العجان

المعري:

خصاؤك خيرٌ من زواجك حُرةً                                                     فكيفَ إذا أصبحتَ زوجاً لمومسِ

أشعار في اللواط وإتيان البهائم

أبو نواس:

صلّى الإله على لُوطٍ وشيعِتهِ                                                   أبا عبيدةَ، قل باللهِ :أمينا

فأنتَ عندي، بلا شكٍ بقيتهُم                                                    منذُ احتلمتَ وقد جاوزتَ سَبعين

جرير:

نُبئّتُ(تغلبَ) ينكحونَ رجالهُم                                                     وترى نساؤُهم الحرامَ حلالا

المُعرسِين إذا انتشوا ببناتهمْ                                                    والدائبين إجارةً وسؤالا

(الدائبون بين سائل وأجير)

اشجع السلمي :

داءٌ قديمٌ في بني آدم                                                              صبوةُ إنسانٍ بإنسانِ

البهاء زهير:

أيا معشر الأصحاب مالي أراكم                                                 على مذهبٍ واللهِ غيرِ حميدِ

فهل أنتم قوم لوط بعينهم                                                         فما منكم من فعله برشيد

فإن لم تكونوا قومَ لوط بعينهم                                                   فما قوم لوط منكم ببعيد

لنجاشي الحارثي:

إذا سقى اللهُ  أرضاً صوبَ غاديةٍ                                                فلا سقى اللهُ أهل الكوفةِ المطرا

التاركينَ على طُهْرٍ نساءَهُمُ                                                      والناكحينَ بشطيْ دجلة البقرا

والسارقينَ إذا ما جَنَّ ليلهمُ                                                      والدارسين إذا ما أصبحوا السُّورا

البعيث(خِداش بن بشر) يصف من يأتي الأتان:

وكل كُليبي يسوقُ أتانهُ                                                         له حاجةٌ من حيث تُثفَر بالحبل (الثفر : الفرج)

أشعار في الطهارة والعفة

امرؤ القيس:

ثيابُ بني عوف طَهارى نقيةٌ                                                  وأوجهُهم عند المشاهد غُرّانُ

المتنبي:

وترى المُرُوَّةَ والفُتوَّةَ والاُبوَّ                                                     ةَ فيَّ كلُّ مَليحةٍ ضَرَّاتِها

هُنّ الثلاثُ المانعاتي لذَّتي                                                   في خلوتي، لا الخوفُ من تَبِعاتِها

الفرزدق:

يأنسنَ عند بُعولتِهن إذا خَلوا                                                وإذا هم خرجوا فهنّ خِفارُ

الشافعي:

عُفُّوا تَعِف نساؤكم في المحرم                                                 وتجنبّوا ما لايليق بمسلم

إن الزنا دين فإن أقرضته                                                     كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم

يا هاتكاً حرمَ الرجال وقاطعاً                                                سُبلَ المودةِ عِشتَ غيرَ مُكرم

لو كنت حُرّاً من سُلالة ماجدٍ                                               ما كنتَ هتاكاً لحرمة  مُسلم

من يَزِنْ يُزنَ به ولو بجدارهِ                                                  إن كنت ياهذا لبيباً فافهم

أمية بن أالصّلت الثقفي:

فلا هيَ هَمَّتْ بالنكاحِ ولا دَنتْ                                             إلى بَشَرٍ منها بِفرجٍ ولا فَمِ

النابغة الذبياني:

شُعَبُ العُلافِيَّاتِ بَيْنَ فروجِهمْ                                            والمحصَناتُ عوازِبُ الاطهارِ

(هم دوما على صهوات الخيل فوق السروج او فوق رحال الابل فلا يشتغلون عن الغزو بنسائهم)

زياد بن منقذ التميمي:

وإنّي لَعَفٌّ عن فكاهة جارتي                                            وإني لَمشنوءٌ إليَّ اغتيابها

إذا غابَ عنها بعلُها لم أكن لها                                            زَءوراً ولم تأنس إليّ كلابها

ولم أكُ طَلابّاً أحاديثَ سِرِّها                                               ولا عالماً من أي حَوْكٍ ثيابها

الكميت:

قبيح بمثلي نعت الفتاة                                                       إما ابتهاراً وإما ابتيارا

(ابتهار: يقول فعلت بها وهو كاذب، والابتيار ان كان صادق)

الفرزدق:

مَوانعُ للأسرارِ إلا لأهلهِا                                                    ويُخلِفنَ ما ظنَّ الغيورُ المُشفشَفُ(السر:النكاح)

المعري:

الدِّينُ هَجرُ الفتى اللذاتِ عن يُسْ                                        رٍ في صحةٍ واقتدارٍ منه ما عُمرا

أحدهم:

ولستُ بسائلٍ جارات بيتي                                                أغيابٌ رِجالكِ أم شهود

ولا أُلقي لذي الودعات سَوطي                                          لأُلهِيَه وربيبتُه اُريد

(ذوالودعات الصبي ، اي لا الهي الصبي بالسوط واخلو بامه)

مسكين الدارمي:

لا أخذُ الصبيانَ الثِمَهُمْ                                                         والأمرُ قد يُغري به الأمر

ابن حزم:

لا تتبع النفس الهوى                                                           ودع التعرض للمحن

ابليس حي لم يمت                                                             والعين باب للفتن

جعدة بن عتبة الكلابي:

وإنّي لَعَفٌّ عن مطاعمَ جَمَّةٍ                                                 إذا زَينَّ الفحشاء للنفسِ جُوعها

أحدهم :

ورُبَّ قبيحة ما حال بيني                                                     وبين ركوبها إلا الحياء

فكان هو الدواء لها ولكن                                                      إذا ذهب الحياءُ فلا دواءُ

أحدهم:

نأتي النساءَ لدى أطهارهنَّ ولا                                          نأتي النساءَ إذا أكبرن إكبارا

(بمعنى عند الحيض، جاء في تفسير ابن الجوزي في سورة يوسف قوله تعالى “وأكبرنه”)

أحدهم:

كل الحوادث مبداها من النظر                                              ومعظم النار من مستصغر الشرر

والمرء ما دام ذا عين يقلبها                                                في أعين الغير موقوف على الخطر

كم نظرة فعلت في قلب صاحبها                                         فعل السهام بلا قوس ولا وتر

قد سر ناظره ما ضر خاطره                                                 لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

أشعار في التمتع بالملذات والدعوة للشهوات

معروف الرصافي:

قد يستلذ الفتى ما اعتادَ من ضرر                                       حتى يرى في تعاطيهِ المسّرات

ابو نواس:

ألا فاسقني خمراً وقُلْ لي هي الخمرُ                                ولا تسقني سِرّاً إذا أمكنَ الجَهرُ

وَبُحْ باسمِ من أهوى ودعني من الكُنى                              فلا خيرَ في اللذاتِ من دونها

أبو نواس:

لا خيرَ في اللذاتِ ما لم يكنْ                                               صاحبها مُنكشفَ الرأسِ

أبو نواس:

جَريتُ مع الهوى طَلْقَ الجَموحِ                                               وهانَ عليَّ مأثورُ القبيحِ

وَوَجدتُ الذَّ عاريةِ الليالي                                                     قِرانَ النغم بالوترِ الفصيحِ

وَمُسمعةٍ متى ما شئتُ غَنَّتْ                                               متى كان الخيام بذي طُلوحِ

تَمَتَّعْ من شبابٍ ليسَ يبقى                                                    وَصِلْ بِعُرى الغَبوقِ عُرى الصَّبوحِ

أبو نواس:

الحمد لله أني                                                                      على حداثة سني

فقت المحبين طرّاً                                                                ببعضِ ما شاع عني

أبو نواس:

أطيبُ اللذات ما كا                                                                 ن جهاراً بافتضاح

أبو نواس مخاطباً أببي العتاهية:

أتراني يا عتاهي                                                                  تاركاً تلك الملاهي

أتراني مفسداً بالن                                                               سك بين المرد جاهي

أبو نواس:

ألم تَرَني أبحتُ اللهوَ نفسي                                                وديني واعتكفتُ على المعاصي

كأني لا أعودُ إلى مَعادٍ                                                         ولا أخشى هنالكَ من قصاصِ

أبو نواس:

يلائمني الحرامُ ، إذا اجتمعنا                                                وأجفو عن مُلاءمةِ الحلالِ

أبو نواس:

ومُلِحّةٍ في العذلِ ذاتِ نصيحةٍ                                              ترجو إنابةَ ذي مُجونٍ مارقٍ

بَكَرتْ تُبَصرّني الرشادَ وشيمتي                                         غيرُ الرشادِ ومذهبي وخلائقي

كم رضْتُ قلبي فاعلمي وزجرتُهُ                                         فرأى اتباعَ الرشدِ غيرَ مُوافقِ

أبو نواس:

ومُلِحةٍ باللوم تحسِبُ أنني                                             بالجهلِ أثوثرُ صُحبةَ الشُّطارِ

بَكرتْ عليَّ تلومني فأجبتها                                           إني لأعرفُ مذهبَ الأبرارِ

فدعي الملامَ فقد أطعتُ غوايتي                                      وصرفتُ معرفتي إلى الإنكارِ

ورأيتُ إتياني اللذاذة والهوى                                        وتعجلا من طيبِ هذي الدار

أحرى وأحزمَ من تَنظُّرِ آجلٍ                                        علمي به رجمٌ من الاخبارِ

ما جاءنا أحدٌ يُخبّرُ أنّهُ                                               في جنّةٍ من ماتَ أو في النار

أبو نواس:

غدوتُ على اللّذاتِ مُنهتكَ السترِ                                 وأفضتْ بناتُ السرِّ إلى الجهرِ

وهانَ عليَّ الناسُ فيما أريدُهُ                                      بما جئتُ فاستغنيتُ عن طلبِ العُذرِ

رأيتُ الليالي مُرصداتٍ لِمُدّتي                                     فبادرتُ لذاتي مبادرة الدّهرِ

أبو نواس:

ترى عندنا ما يكره الله كلّه                                    سوى الشّركِ بالرّحمنِ،ربّ المشاعر

أبو نواس:

وإنّي بشّهرِ الصّومِ إذ بانَ شامتٌ                             وإنّكَ يا شوالُ لي لصديقُ

مطيع بن إياس:

إخلعْ عذارك في الهوى                                                     واشربْ مُعَتّقةَ الدِّنان

وَصِلْ القبيحَ مجاهراً                                                          فالعيشُ في وَصْلِ القيان

امرؤ القيس:

وبيضةِ خدْرٍ لا يُرامُ خباؤها                                                تمتّعتُ من لهوٍ بها غيرُ مُعْجلِ

الفرزدق:

خرجنَ إليَّ لم يطمثن قبلي                                              وهن أصَحُّ من بيضِ النعامِ

(يقول الزوزني: النساء يشبهن بالبيض من ثلاثة اوجه: الصحة والسلامة عن الطمث ، والصيانة والستر، وصفاء اللون ونقاءه)

الأحوص:

إذا كُنتَ غَرْهاةً عن اللهوِ والصبى                                      فكن حجراً من يابسِ الصخر جلمدا

(غرهاة: الذي لا يقرب النساء من زهو او كبر)

أحدهم:

وإن قالوا حرام، قل حرام                                                   ولكنَّ اللذاذة في الحرام

خُويلد بن نوفل الكلابي مخاطباً الحارث بن أبي شمر الغساني وكان إذا أعجبته امرأة من بني قيس بعث إليها واغتصبها:

يا أيها الملكُ المَخُوفُ أما ترى                                            ليلاً وصبحاً كيف يختلفان؟

هل تستطيعُ الشمس أن تأتي بها                                          ليلاً وهل لك بالمليك يدانِ

يا جار، إنّكَ ميتٌ ومُحاسَبٌ                                                واعلم بأنَّ كما تَدينُ تُدان

أحدهم:

صِلْ الراحَ بالراحاتِ واغنم مسرةً                                     بأوقاتها واعكفْ على لذة الشرْبِ

ولاتخشَ إثماً إنَّ أوراق كرمها                                        اكفٌ غدت تستغفر الله للذنب

عواقب اللذَّة المُحّرمة

البوصيري:

كم حَسنَّت لذةٌ للمرءِ قاتلةٌ                                              من حيث لم يَدْرِ أنّ السُّمَ في الدَّسمِ

وأخشى الدسائس من جوع ومن شبع                                 فَرُبَّ مخمصةٍ شرٌ من التُخَمِ

واستفرغ الدمعَ من عين قد امتلأت                                   من المحارم والزم حمية الندم

المتنبي:

ضنىً في الهوى كالسُّمِ في الشهدِ كامناً                    لذذِتُ به جهلاً وفي اللذَّةِ الحتْفُ

ابن الرومي:

نعمت بها عيني فطالَ عذابُها                                       ولكمْ عذابٌ قد جناه نعيم

المعري:

جاءتكَ ساعةُ لذّةٍ فأخذتها                                     بالعار، لم تحفِلْ سوادَ العارِ

وابتعتَ مايفنى بأغلى سِعرهِ                                   هلاّ الخلودَ بارخصِ الأسعارِ

أبو نواس:

ولقد نهزتُ مع الغُواةِ بدلوهِمْ                                          وأسَمْتُ سرحَ اللهو  حيث أساموا

وبلغتُ ما بلغَ امرؤٌ بشبابهِ                                            فإذا عُصارةُ كلّ ذاك أثامُ

أبو نواس:

إنّ مع اليومِ فاعلمنّ غداً                                              فانظرْ بما ينقضي مجئُ غَدِهْ

ما ارتدّ طَرْفُ امرئٍ بلذّتهِ                                            إلا وشئٌ يموتُ من جَسدهْ

أبو نواس:

إنّ القلوبَ مع العيونِ إذا جَنتْ                                     جاءت بَليّتها على الأجساد

أبو نواس:

إذا كنت لا أنفكُ من طاعةِ الهوى                                 فإنّ الهوى يرمي الفتى ببوار

أبو العتاهية:

يا رُبَّ شهوةِ ساعةٍ قد أعقبتْ                                     من نالها حُزناً هناكَ طويلاً

فإذا دعتكَ إلى الخطيئةِ شهوةٌ                                   فاجعل لطرفكَ في السماءِ سبيلاً

مسعر بن كدام:

تفنى اللذاذةُ ممّن نالَ صَفوتَها                                   من الحرامِ ويبقى الإثمُ والعارُ

تبقى عواقبُ سوءٍ في مغّبتِها                                    لا خيرَ في لذةٍ من بعدها النارُ

(رواية: تبقى عواقب سوء في حقيبتها)

الحسين بن مطير الأسدي:

فلا تَقربِ الأمرَ الحرامَ فإنّهُ                                        حلاوتُهُ تفنى ويبقى مريُرها

أحمد شوقي:

ومُنَعَّم لم يَلْقَ إلا لذَّةً                                                 في طيِّها شَجنٌ من الأشجانِ

شوقي:

وإذا القلوبُ استرسلت في غَيِّها                               كان بَليِّتها على الأجسامِ

شوقي:

وإذا النفوسُ تطوّحت في لذةٍ                                   كانت جنايتها على الأجساد

صالح بن عبد القدوس:

عاصِ الهوى إنّ الهوى مركب                                   يصعب بعد اللين منه الذليل

إن يجلب اليوم الهوى لذة                                         ففي غد منه البكا والعويل

مابين ما تحمد فيه وما                                             يدعو إليك الذم إلا القليل

سهل بن هارون:

أعانَ طرفي على جسمي وأعضائي                            بنظرة وقفت جسمي على دائي

وكنتُ غِرّاً بما تجني عليَّ يدي                                لا عِلم لي أن بعضي بعض أعدائي

الأرجاني:

تمتعتما يا مقلتي بنظرةٍ                                         وأوردتما قلبي أشر الموارد

أعيني كُفا عن فؤادي فإنه                                     من  البغي سعيُ اثنين في قتلِ واحد

محمد الأخسيكائي:

إذا المرءُ أعطى نفسهُ كل ما اشتهت                     ولم ينهها تاقت إلى كل باطلِ

وساقت إليه الإثمَ والعار بالذي                            دعته إليه من حلاوة عاجلِ

أحدهم:

والمرءُ ما دام ذا عين يقلبها                                     في أعين الغيد موقوف على الخطر

يسرّ مقلته ماضرَّ مهجته                                         لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضرر

العقم وعدم الإنجاب

أبو تمام:

أبا جعفرٍ إنّ الجهالة أُمهُّا                                        ولودٌ واُمُّ العلم جَذَّاءُ حائِلُ

(جذاء : مقطوعة النسل، حائل: كل أنثى لاتلد)

المعري:

قد ساءها العقم لا ضمت ولا ولدت                        وذاك خيرٌ لها لو أُعطيت رشدا

العتابي:

ويستنتجُ العقماءَ حتى كأنّما                                 تغلغلَ في حيث استقرَّ جَنينها

(يستولد المشكلة العسرة)

عامر بن الطفيل:

لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا                         جباناً فما عذري لدى كل محضر

(قال أبو عبيدة: العاقر التي لاتلد والرجل الذي لا يلد)

شدّة الفزع وعواقبه الجنسية:

أحدهم :

ويومٍ يُبيلُ النساء الدماء                                      جعلتَ رداءك فيه خِماراً

0الرداء: الحسام، وضع الحوامل من شدة الفزع)

الخنوثة والمخنثون:

سهل بن هارون(عيون الاخبار باب الزنا ص112):

إذا نزل المُخّنثُ في رباعٍ                                          تحرك كل ذي خَنَث إليه

وصارت دونهم ماوى الخبايا                                    وصارَ الرّبع مدلولا عليه

عبد الرحمن بن حسان يهجو أحدهم فيه تأنيث:

قل للذي كان لولا خطُّ لحيتهِ                                يكون أنثى عليها الدُرُّ والمسكُ

هل أنتَ إلا فتاةُ الحي إن أمنوا                             يوماً ، وأنتَ إذا ما حاربوا دُعَكُ

دعبل:

إذا رأيتَ بني وهبٍ بمنزلةٍ                                   لم تدرِ أيهُم الأنثى من الذكرِ

قميصُ أنثاهُمُ ينقَّدُ من قُبُلٍ                                 وقميصُ ذُكرانهمْ تنقَدُّ من دُبُرِ

محنكونَ على الفحشاء في صغرٍ                          محنكون على الفحشاء في كبرِ

ابن الرومي:

رحم الله صالح بن وصيفٍ                                  فلقد كان جدّ شهمٍ ظريف

كان لا يصطفي المخنث خِدناً                             بل يراهُ مثل الكنيف المجُيف

معشر قربهم من الناس عَرٌّ                               لصحيحٍ وقُذرة لنظيف

فا دحروا عنكم المخانيثَ دحراً                          وليوّكلُ بذاكَ كل شريف

محمد مهدي الجواهري في الشباب المُخَنّث:

من مُبلغِ الاجيال أنّ شبيبةً يتكحلّون

يتخطّطون فإن عجبت فإنّهم يَتحّمرون

أم هُم وقد لبسوا الجديدَ غرانِقٌ يتأنفون(الغرنوق: الشاب الأبيض الناعم)

المائعونَ من الدلال المُنعمون المُترفون

يتأطرون من النعيمِ كما تأطرّت الغصونُ

إني رأيتُ وليتني قد كنت ممن يَعمهون

زُمْراً من النّفرِ المُخنثِ يسرحون ويمرحون

يتماجنونَ وبالمناكب بينهم يتدافعون

في حيثُ ينخفِضُ الحياءُ وحيثُ ترتفع السجون

مصطفى صادق الرافعي وقصيدة التخنث(الرسالة العدد 884):

ألا يا قوم للفتيان فينا                                         وزينتهم وما حمدوا وعابوا

رأيت لبعضهم أمراً عجاباً                                    وليس كمثله أمر عجاب

يسيل تخنثاً ويذوب لطفاً                                    فهل في أرضنا رجل مذاب

(ولان) كانه فينا اعتذار                                      تقدمه حوادثنا الصعاب

(وهذبه) الزمان لمصر شعرا                              رقيقاً منه بينهما عتاب

على خديه للمرآة نور                                        فهل في الحسن بينهما انتساب

ويحملها المخنث أين يمشي                             وبين الشكل والشكل اصطحاب

ويطرح وجهه فيها سؤالا                                    ليأتيه ( على الوجه) الجواب

وفيه من الذكورة نوع حسن                               يتم به أنوثتها الكعاب

ومطمحه الذي يرنو إليه                                      من (العمياء) نافذة وباب

وهمّته الثياب فليس يمشي                               إذا ما سار بل تمشي الثياب

ملونة مصبغة لوجه                                             له في لونه منها اقتراب

ولا عجب فذا قمر المعالي                                  (تسفل) والثياب له سحاب

يسائلني أتم الزي حسناً                                     وظرفاً قلت بل نقص النقاب

كأن فخار مصر عاد أنثى                                      قعيدة بيتها ولها حجاب

وما يمشي الفتى مغروراً منهم                           لأمر في عواقبه ثواب

تراهم تابعين لكل أنثى                                        وبين الشبه والشبه انجذاب

وفي أفواههم لفظ خبيث                                     وهل افعى وليس لها لعاب

إذا كان التراب قذى لعيني                                   فبعض القول في أذني تراب

رويدا يا بني مصر رويدا                                        وكونوا خير من شبوا وشابوا

متى ذهب الشبان سدى أقامت                          معائبه فليس لها ذهاب

الختان

الفرزدق:

وما وُجِعَتْ ازِدَّيةٌ من خِتانةٍ                                ولا شربتْ في جلدِ حَوْبِ مُعَلّبِ

(نساء الازد لا يختتن  ولا يشربن الحليب بالعلب كنساء العرب)

النكاح

المعري:

نصحتك لا تنكح فإن خفت مأثماً                        فأعرسْ ولا تنسل فذلك أحزمُ

الفرزدق:

بنو دارمٍ أكفاؤهُمْ آلُ مِسْمَعٍ                             وتَنكِحُ في أكفائها الحَبِطاتُ

أحدهم:

وأولُ خبثِ الماء خبثُ تُرابه                               وأولُ خبث القوم خبثُ المناكح

أحمد شوقي:

المال حللَ كل غير محللِ                                    حتى زواج الشيب بالأبكار

ما زوجت تلك الفتاة وإنما                                 بيع الصبا والحسن بالدينار

فتشت لم أر في الزواج كفاءة                           ككفاءة الأزواج في الأعمار

سحر القلوب فربَّ أمٍ قلبها                               من سحره حجرٌ من الأحجار

جاء في كتاب نوادر وطرائف ص218 نقلا عن بهجة المجالس للقرطبي، قبل لأعرابي : من لم يتزوج امرأتين لم يذق حلاوة العيش ، فتزوج امراتين ثم ندم فأنشأ يقول:

تزوجتُ اثنتينِ لفرطِ جَهلي                                   بما يشقى به زوجُ اثنتين

فقلتُ أصيرُ بينهما خَروفاً                                   اُنَعَّمُ بين أكرم نعجتينِ

فصرتُ كنعجةٍ تُضحي وتُمسي                             تُداولُ بين أخبث ذئبتينِ

رضا هذي يُهَيّجُ سُخطَ هذي                              فما أعرى من إحدى السّخطتينِ(انجو)

وألقى في المعيشة كُلَّ ضُّرٍ                              كذاك الضُرُّ بين الضَّرتين

لهذي ليلةٌ ولتلك أخرى                                 عتابٌ دائمٌ في الليلتين

فإن أحببتَ أن  تبقى كريماً                             من الخيراتِ مملوءَ اليدين

فَعِشْ عَزَباً ، فإن لم تستطعه                          فضرباً في عِراضِ الجحفلتين(الموت او الشهادة لتستريح)

متفرقات:

ليلى الأخيلية تخاطب النابغة الجعدي:

أعَيرَّتني داءً بأُمَّكَ مِثْلُهُ  ؟                                 وأيُّ حَصَانٍ لا يُقالُ لها: هَلا؟

(هلا كلمة زجر للفرس الانثى إذا نزا عليها الفحل لتقر وتسكن)

احداهنّ تخاطب أعرابياً جلس إليها ولكن لينظر ابنتها:

ومالك منها غيرَ أنك ناكِحٌ                                 بعينيك عينيها فهل ذاك نافع

المتنبي:

إنّ امرأً أمةٌ حبلى تدّبرهُ                                  لمستضامٌ سخين العين مفؤود

المعري:

تُنازعني إلى الشهواتِ نفسي                        قلا أنا مُجنِحٌ أبداً ولا هيْ

باحثة البادية:

هل تطلبون من الفتاة سفورها                    حسن ولكن أين بينكم التقي

تخشى الفتاة حبائلاً منصوبة                     غشيتموها في الكلام برونق

لا تتقى الفتيات كشف وجوهها                  لكن فساد الطبع منكم تتقي