داء الكَلَب أو السُّعار

بسم الله الرحمن الرحيم

داء الكَلَب أو داء السُّعار

من الناحية الطبية :

هو انتان حاد يصيب الإنسان والحيوانات ذات الدم الحار ،يوجد الفيروس في لعاب المُضيف، وينتقل بواسطة العضّ أو اللمس،وهو يُسّبب اضطراب عميق الأذية في الجملة العصبية المركزية،وينتهي غالباً بالوفاة .

تُسبب المرض حُمّى راشحة (فيروس ) تمتاز بطول دور الحضانة ،وبقدرتها النوعية على غزو الغدد اللعابية والجملة العصبية المركزية . لا تتأثر الحُمّى الراشحة بأشعة الشمس أو الأشعة فوق البنفسجية ،أو الفورمالين .

إنّ جميع الحيوانات ذات الدّم الحار يمكن أن تُصاب بهذا المرض،فهو مرض الثدييات (ومنها الخفافيش)،ولايمكن أن يصاب الجلد بهذا الفيروس إلا إذا كان مرضوضاً،ولا تأثير للفيروس عن طريق جهاز الهضم . وإن درجة الإصابة تتعلق بشكل خاص بموضع الجرح ودرجة أذيتّه ، فجروح الرأس والعنق أشدّ بكثير من جروح الأطراف السفلى مثلاً.ويشخص المرض من الناحية النسيجية بالعثور على مايسمى أجسام نيغري في المقاطع النسيجية ،ولكن غيابها لاينفي المرض .

من الناحية السريرية وبعد فترة الحضانة التي تتراوح مابين أيام وحتى عدة أسابيع تحدث الاعراض السريرية عند الإنسان وتتميز بثلاثة أدوار :

دور الصولة : حُمّى ،قَهَم(فقد الشهية)، الصُداع ،الوعكة ، الغثيان،ومن الأعراض الهامة في هذا الدور:تشوش الحس حول موضع الإصابة ،كالألم المتقطع ، وحس الحرق أو التنمل

دور التنبه : هنا تشاهد بعض الأعراض الهامة المميّزة للمرض وخاصة مايسمى الخوف من الماء والسوائل ،حيث يُصاب المريض بالتشنجات العضلية في عضلات الفم والبلعوم والحنجرة أثناء تناول الماء والسوائل ،وهذا سببه اضطراب في منعكسات البلع . ومن الأعراض الهامة أيضاً اضطراب التنفس بسبب تشنج عضلات التنفس ،وقد يحدث الضُباح لشلل عضلات التصويت . ومن الأعراض الهامة أيضاً حدوث التقوس الظهري بسبب تشنج عضلات الفقار الخلفية .

دور الشلل :تقف هنا التشنجات وتخف أو تنعدم المنعكسات ،ويحدث الشلل العام ،وهو من نوع الشلل الرخو.

من الناحية الدينية :

جاء في صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”خمسٌ فواسق يقتلن في  الحِلِّ و الحَرم : الفأرة، والعقرب، والحُدَيا، والغراب، والكلب العقور .

يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في نجاسة الكلب:

“نجاسة الكلب فيها خلاف : الشافعي :نجس كله شعره وريقه،مالك :طاهر كله شعره وريقه ، أبو حنيفة :ريقه نجس وشعره طاهر ، ابن تيمية : وافق أبو حنيفة .

ويقول أيضا رحمه الله :

“الحيوان المؤذي يجوز قتله ،فإذا كانت الكلاب تؤذي بنباحها في الليل وتخويف الأطفال، ونشرها الأمراض ،أي تحقق الضرر منها جاز قتلها . ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا قتلنا الحيوان أن لا نعذّبه ، فقال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة “. والرسول صلى الله عليه وسلم ،لما ورد المدينة أمر بقتل الكلاب ثم نهى عنه ،ولعل الأمر الأول كان لعلّة ، فلما زالت زال الأمر بالقتل ، والله أعلم .

من الناحية الأدبية :

الفرزدق:

وما قام منّا قائِمٌ في نَدِينا                              فينطِقَ إلا بالتي هي أعرَفُ

ولو تشربُ الكَلبى المِراضُ دماءَنا                  شَفتها ، وذو الخَبْلِ الذي هو أدْنَفُ

(الكَلبى : الذين عضّهم الكلبُ الكَلِب فاصيبوا بداء الكَلَبْ)

رواية: ولو تشرب الكلبى…………………..شفتها، وذو الداءِ……

الفرزدق:

من الدارميين الذين دماؤهم                        شفاءٌ من الداء المَجَنَّةِ والخَبل

(المجنة: الكلب)

(تقول العرب: دماء الملوك شفاء من عضة الكَلب الكَلِبْ، ومن الجنون والخبل نقلا عن عيون الاخبار ابن قتيبة  كتاب الطبائع ص78)

وقال الشاعر الأموي عبد الله بن الزبير يمدح احدهم ويصفه انه من أولاد الملوك الذين تبرأ بسُقيا دماءهم امراض الكلب والجنون _(اختيارات الاغاني ج3 ص242 ):

من خيرِ بيتٍ علمناه  وأكرمه                       كانت دماؤهم تشفي من الكَلَبِ

الكميت :

أحلامُكُمْ لَسقَامِ الجهلِ شافيةٌ                  كما دماؤكُمُ تشفي من الكَلبِ

(رواية:يشفى بها الكَلِبُ)

قال صاحب اللسان :قال اللحياني: الرجل الكلب يعض إنساناً فيأتون رجلاً شريفاً فيقطر لهم من دم اصبعه فيسقون الكَلِبْ فيبرأ

وقال ابن الاعرابي: كانت العرب تقول أن من اصابه الكلب أو الجنون لا يبرأ منه إلا أن يُسقى من دم ملك.وقد ذكر التبريزي في شرحه نحوا مما حكاه ابن الأعرابي ثم قال: وقيل في دوائه ان تشرط الإصبع الوسطى من يسرى رجل شريف ويؤخذ من دمه قطرة على تمرة فيطعم المعضوض فيبرأ وقيل انه يسعط به .

وجاء في البيان والتبيين للجاحظ “كان عتيبة بن مرداس(ابن فَسوة)الشاعر عضه كلبٌ كَلِب فاصابه ما يصيب صاحب الكلب الكَلِب فداواه ابن المُحِلِّ بن قدامة بن الاسود فأباله مثل الكلاب والنمل فبرأ فقاتل فيه الشاعر :

ولولا دواءُ ابن المحِلِّ وطبُّهُ                     هرَرت إذا مالناسُ هرَّ كليبها

وأخرجَ بعد الله أولادَ زارعٍ                        مُولعةٌ أكنافها وجنوفها وجنوبتها

وكان الأسود جد المحل أتى النجاشي فعلمه هذا الدواء فهو في ولده الى اليوم .

المثقب العبدي:

با حرىُّ الدّم ، مُرٌّ طعمهُ                          يبرئُ الكلبَ إذا عّضَّ وهَرْ

النابغة الجعدي:

وقومٍ يهينونَ أعراضَهُمْ                             كَويتُهُم كَيةَ المُكْلِبِ

عبد الله بن الزَبِير الاسدي في عبد الله بن زياد:

من خير بيت علمناه وأكرمه                     كانت دماؤهم تشفي من الكلب

عبد الله بن قيس الرقيات:

عاودني النكس فاشتفيت كما                تشفي  دماءُ الملوك من كلب

ابن عباس الكندي لبني اسد في قتلهم حجر بن عمرو:

عبيد العصا جئتم بقتل رئيسكم               تريقون تاموراً شفاءً من الكلب

عاصم بن فرية الجاهلي:

وداويته مما به من مجنة                         دام ابن كهال والنطاسي واقف

وقلدته دهراً تميمة جده                         وليس لشئ كاده الله صادف(أي صارف)

البحتري:

ليهنك البرءُ مما كنت تامله                      وليهنك الأجر عقبى صائب الوصب

لئن فَصَدْتَ ابتغاءَ البُرءِ من سَقَمٍ            فقد أَرَقتَ دماً يشفي من الكَلَبِ

القاسم بن حنبل من شعراء الحماسة:

بنات مكارم وأساة كلم                          دماؤهم من الكلب الشفاءُ

وقال أحدهم:

إذا قيلَ أينَ المستشفى بدمائهم           وأين الرّوابي والفروع المعاقل

أُشير إلينا أو رأى الناسُ إننا                  لهم جُنَّةٌ إن قال بالحق قائل

(المستشفى بدمائهم: الملوك والاشراف يزعمون ان دمائهم تشفي من الكَلَب والخبل)


أقول : ومن الناحية الطبيّة فإن كل ماذكر من كتب الأدب لاقيمة له علمياً فلا دماء الأشراف ولا غير الأشراف تشفي من داء الكَلَب أو غيره فكل هذا لاقيمة له من الناحية الطبية ، وإنّما ذكرته للناحية الأدبية.

وللقيمة الأدبية لهذه المراجع .

ويمكن الرجوع إلى موضوع العدوى بين الطبّ والقرآن حيث فيها أيضاً بعض الأحاديث الدينية

والآراء الفقهية فيما يتعلق بداء الكلب .