من طرائف الشعر

من طرائف الشعر

حافظ إبراهيم

إنّي دُعيتُ إلى احتفالكَ فجأةً
فأجبتُ رغمَ شواغلي وسَقامي
ودعوتُ شعري يا “أمينُ” فخانني
أدبي ولم يرعَ القريضُ ذمامي
فأتيتُ صِفرَ الكفِّ لم أملكْ سوى
أملي بصفحكَ عن قصورِ كلامي
ياسيدي وإمامي
ويا أديبَ الزمانِ
قد عاقني سوءُ حظّي
عن حفلة المهرجانِ
وكنتُ أولَ ساعٍ
إلى رحابِ “ابن هاني”
لكن مرضنُ لنحسي
في يوم ذاكَ القِرانِ
وقد كفاني عقاباً
ما كانَ من حرماني
حُرمتُ رؤية “شوقي”
ولثمِ تلك البنانِ
فاصفح فأنتَ خليقٌ
بالصفحِ عن كلِّ جاني
وعشْ لعرشِ المعاني
ودٌمْ لتاجِ البيانِ
إن فاتني أن أُوفّي
بالأمسِ حقّ التهاني
فاقبلهُ مني قضاءً
والله يقبل منا
(حافظ يعتذر لشوقي عدم حضور قران ابنته لمرضه)

وكنْ كريمِ الجنانِ
الصلاةَ بعد الأوان
يُرغي ويُزبدُ بالقافاتِ تحسبها
قصفَ المدافعِ في أُفقِ البساتينِ
من كلِّ قافٍ كأنّ الله صورّها
من مارجِ النارِ تصويرَ الشياطينِ
قد خصّهُ الله بالقافاتِ يعلِكها
واختصَّ سبحانه بالكافِ والنونِ
يغيبُ عنه الحَجا حيناً ويحضرهُ
حيناً فيخلِك مختلاً بموزونِ
يُعفى من المهرِ إكراماً للحيتهِ
(يداعب الدكتور محجوب ثابت الذي عرف بكثرة ورود حرف القاف في حديثه)

ولما أظلّتهُ من دنيا ومن دينِ
وبيتي فارغٌ لاشىءَ فيه
سوايَ،وإنني في البيتِ عاري
ومالي جزمةٌ سوداءُ حتى
أوافيكمُ على قُربِ المزارِ
وعندي من صحابي الآن رهطٌ
إذا أكلوا فآسادٌ ضواري
فإن لم تبعثنَّ إليّ حالاً
بمائدةٍ على متنِ البُخارِ
تغطيها الحلوى صنوفٌ
ومن حَمَلٍ تتبتلَ بالبهارِ
فإني شاعرٌ يُخشى لساني
وسوفَ أُريكَ عاقبةُ احتقاري
عَطّلتَ فنَ الكهرباءِ فلم نجدْ
شيئاً يعوقُ مسيرها إلاكا
تسري على وجهِ البسيطةِ لحظةً
(حافظ يصف إنساناً عظيم البطن)

فتجوبها وتحارُ في أحشاكا
ثقلت عليكَ مؤونتي
إني أراها واهيهْ
فافرحْ فإنّي ذاهبٌ
(مخاطباً خاله)

مُتوجهٌ في داهيهْ
لي ولدٌ سميّتهُ حافظاً
تيمناً بحافظ الشاعرِ
كحافظ إبراهيم لكنّهُ
أجملُ خلقاً منهُ في الظاهرِ
فلعنةُ الله على حافظٍ
إن لم يكن بالشاعرِ الماهرِ
لعلّ أرض الشام تُزهى به
على بلاد الأدبِ الزاهرِ
على بلادِ النيل تلك التي
تاهت بأصحابِ الذكاء النادرِ
شوقيو مطرانو صبري ومن
سميتهُ في مطلعي الباهرِ
يقولون أن الشوق نارُ ولوعة
فما بال(شوقي) أصبح اليوم بارد

فأجابه أحمد شوقي

وأودعتُ إنساناً وكلباً وديعة
فضيّعها الإنسانُ والكلبُ(حافظ)

أحمد شوقي

إذا مانفقت ومات الحمار
أبينك فرق وبين الحمار
لنا صاحبٌ قد مُسَّ إلا بقية
فليسَ بمجنون،وليسَ بعاقلِ
لهُ قدمٌ لا تستقرُّ بموضعٍ
كما يتنزى في الحصى غيرُ ناعلِ
إذا ما بدا في مجلسٍ ظُنَّ حافلاً
من الصخبِ العالي،وليسَ بحافلِ
ويُمطرنا من لفظهِ كلّ جامدٍ
ويُمطرنا من رَيلهِ شرَّ سائلِ
ويُلقي على السُّمارِ كفاً دعابُها
كَعضّةِ بردٍ في نواحي المفاصلِ
سقط الثقيلُ من السفينةِ في الدجى
فبكى الرفاقُ لفقدهِ وترّحموا
حتى إذا طلعَ النهارُ أتت به
نحوَ السفينة كوجةٌ تتقدّمُ
قالت خذوهُ كما أتاني سالماً
لمأبتلعهُ لأنهُ لا يُهضمُ
رزقت صاحب عهدي
وتمَّ لي النسلُ بعدي
هم يحسدوني عليه
ويغبطوني بسعدي
ولا أراني ونجلي
سنلتقي عند مجدِ
وسوف يعلم بيتي
أني أنا النسلُ وحدي
فيا علي،لا تلمني
فما احتقارُكَ قصدي
وأنتَ مني كروحي
وأنتَ أنتَ عندي
فغن أساءكَ قولي
كذب أباك بوعدِ
صارَ شوقي أبا علي
في الزمانِ”الترلّلي”
وجناها جنايةً
(بعدما بُشر بابنه علي)

ليسَ فيها بأوّلِ
لقد وافتني البشرى
وأنبئتُ بما سرّا
وقالوا عنك لي أمس
ربحت النمرة الكبرى
فيا مطران،ما أولى
ويا مطران،ما أحرى
لقد أقبلت الدنيا
فلا تجزع على الأخرى
أخذت الصفر باليمنى
وكان الصفر باليسرى
وكانت فضة بيضا
فصارت ذهباً صفرا
وقال البعض:ألفين
(شوقي في خليل مطران بعد ربحه اليانصيب)

وقالوا: فوق ذا قدرا

خليل مطران

ومأدبةٍ بالنيوبِ الحِدادِ
غزونا مآكلها الطيبهْ
أكلنا بلا أدبٍ ما بها
ففيمَ يُقالُ لها مأدُبه

إبراهيم ناجي

يا جمالَ الصِّبا وأنس النفوسِ
خبرينا عن زوجكِ المنحوسِ
حَدّثي أنتِ عن عماهُ الحسّي
(يتحدث عن امرأة حسناء تزوجت أعمى بغيض)

وصفي لي الغرام بالتحسيسِ
بصرت به والصحنُ بالصحنِ يلتقي
فلم أرَ أبهى من غنيم وأظرفا
تراءى لهُ لحم فلم يدر عنه
كديك من بعد الطوى أم تخرفا
وأومأ لي باللحظِ يسألني به
أتعرفهُ ؟أومأتُ باللحظِ مسعفا
وقدمتهُ للديك وهو كأنما
يطيرُ إليهِ واثباً متلهفا
غنيم!أخونا الديك! قدّمتُ ذا لذا
فهذا لهذا بعد لأيٍّ تعرّفا
وما هي إلا لحظة وتغازلا
وقد رفعا بعد السلامِ التكلفا
فمالَ على الوركِ الشهيِّ ممزقاً
ومال على الصدرِ النظيف منظفا
جزى الله أسناناً هناك عتيقة
ظللن على الصحنِ الأباظيِّ عُكفا

علي الجارم

أتى رمضان غير أن سراتنا
يزيدون صوماً تضيقُ به النفس
يصومون صوم المسلمين نهاره
وصوم النصارى حين تغرب الشمس
تباً لهُ من ثقيل
دماً وروحاً وطينهْ
لو كانَ من قومِ نوح
لما ركبتُ السفينهْ
لنا شيخٌ تولّى أطيباهُ
يهيمُ بِحبِّ رباتِ القدودِ
يُغازلُ إذ يُغازلُ من قيامٍ
(أطيباه:الشباب والغنى)

وإن صلى يُصلي من قعودِ

عباس محمود العقاد

مُتحكّم في الراكبين
ومالهُ أبداً ركوبه
لهم المثوبة من بنانك
حين تأمر والعقوبة
مُرْ ما بدا لك في الطريق
ورض على مهل شعوبه
أنا ثائر أبداً وما في
ثورتي أبداً صعوبة
أنا راكبٌ رجلي فلا
(يصف عسكري المرور)

أمرٌ عليَ ولا ضريبة

حفني ناصف

أتذكر إذ كنا على القبرِ ستة
نعدّدُ آثارَ اللإمامِ ونندبُ
وقفنا بترتيب وقد دبَّ بيننا
ممات على دفق الرثاء مرتبُ
أبو خطوة ولّى وقفّاه عاصم
وجاءَ لعبد الرزاق الموت يطلبُ
فلبى وغابت بعده شمسُ قاسم
وعما قليل نجم حياتي يغربُ
فلا تخشَ هلكاً ما حييتُ وإن أمت
فما أنتَ إلا خائفٌ تترقبُ
فخاطر وقعْ تحت القطار ولا تخفْ
ونمْ تحت بيت الوقف وهو مخربُ
وخضْ لجج الهيجاءِ أعزلَ آمناً
فإن المنايا عنك تنأى وتهربُ

أرسل حفني ناصف هذه الرسالة إلى حافظ إبراهيم وكانوا ستة مات الواحد تلو الآخر عندما كانوا يشيعون الشيخ محمد عبده وكانت الوفاة بالترتيب لكل منهم:الشيخ أحمد أبو خطوة،ثم حسن عاصم،ثم حسن عبد الرزاق،ثم قاسم أمين،ثم حفني ناصف وآخرهم حافظ إبراهي

ابن الرومي

يُخالفُ إخوانهُ في الطريق
إلى أن تضمهم المائدهْ
فبينا كذلك إذ هُمْ بهِ
مع القومِ كالحيّةِ الراصدهْ
يلينُ الطعامُ على ضرسهِ
ولو كانَ من صخرةٍ جامدهْ
ويأكلُ زاد الورى كلّه
ولكنها أكلةُ واحدهْ
ولو عاينتهُ جحيمُ الإله
لخرّتْ لمعدته ساجدهْ
ترى الأفدامَ يعتلفون ثوماً
ويغشونَ المجالسَ كالهمومِ
فشهمُ القومِ مأثومٌ بخمرٍ
وفدمُ القومِ مأثومٌ بثومِ
فإن عيرّتهم بالنتنِ قالوا:
كذا نكهاتُ أفواه القرومِ
فسوء الفعل يردفُ سوءَ قول
ونتن الثومِ يردفُ نتن لوم
ألا قبحاً على قبحٍ وسحقاً
لهاتيك المناظر والجسومِ
شهرُ القيام وإن عظمت حرمتهُ

شهرٌ طويلٌ ثقيلُ الظلِّ والحركهْ
يمشي الهوينا،وأما حين يطلبنا

فلا السُليكُ يُدانيه ولا السُلكهْ
يا صدقَ من قال: أيامٌ مباركةٌ

إن كانَ يُكنى عن اسمِ الطولِ بالبركهْ
شهرٌ كأنّ وقوعي فيهِ من قلقي

وسوءِ حالي وقوعُ الحوتِ في الشبكهْ
قد كان لولا دفاعُ الله يُسلمنا

إلى الردى ويُؤدينا إلى الهلكهْ
أصبحَ يعقوبُ وتبجيلُهُ
للخبزِ مرئيٌّ ومسموعُ
رغيفهُ في قَدرِ ديناره
بتلكمُ السّكة مطبوعُ
لا يشتكي ضيفٌ لهُ كِظّةً
لكنهُ يقتلهُ الجوعُ
لإبنِ أبي الجهمِ وجهُ سوءٍ
مُقَبحٌ ظاهرٌ قبوحه
يعلوهُ بغضٌ له شديد
على قلوبِ الورى طفوحه
بغض تراه ولا يراه
ولو لم يُقصّر به وضوحه
لولا عمى ناظريه عنه
لذاب حتى تجف روحه
رأيتُ جحظةَ يخشى الناسَ كُلَّهمُ
إذا هم عاينوهُ الفالجَ الذكرا
تخال ما برقابِ الناسِ من مَيَلٍ
عنهُ،إذا ماتراءى وجههُ ،صَعرا
وإن تبدّى بصوتٍ ،خرَّ سامعُهُ
للبردِ ميتاً،ولو درّعتهُ سقرا
تخالهُ أبداً من قبحِ منظرهِ
مجاذباً وتراً أو بالعاً حجرا
كأنّهُ ضفدعٌ في لُجّةٍ هرمٌ
إذا شدا نغماً أو كرّرَ النظرا
لو كان لله في تخليدنا قَدرٌ
مع قربه،ما أردنا ذلكَ القدرا

وجهُكَ يا عمرو فيهِ طولُ
مقابحُ الكلبِ فيك طرّاً
وفيهِ أشياء صالحات

وفي وُجوهِ الكلابِ طولُ
يزولُ عنها ولا تزولُ
حماكها الله والرسولُ
فالكلبُ وافٍ ،وفيكَ غدرٌ
ففيكَ عن قدْرهِ سُفولُ
وقد يُحامي عن المواشي
وما تُحامي ولا تصولُ
وأنتَ من أهلِ بيتِ سوءٍ
قصتهم قصةٌ تطولُ
وجوهُهم للورى عِظاتٌ
لكنَّ أقفاءَهم طبولُ
مُستفعلن فاعلن فَعولنْ
مستفعلن فاعلن فعول
بيتٌ كمعناكَ ليسَ فيهِ
معنىً سوى أنه فضولُ
عشقنا قفا عمروٍ وإن كان وجههُ
يُذكرنا قُبحَ الخيانةِ والغدرِ
فتى وجههُ كالهجرِ لا وصلَ بعدَهُ
وأما قفاهُ فهو وصلٌ بلا هجرِ
لكَ أنفٌ يا ابنَ حربٍ
أنِفتْ منهُ الأنوفُ
أنتَ في القدسِ تصلي
وهو في البيتِ يطوفُ
حملتَ أنفاً يراهُ الناسُ كُلّهمُ
من رأسِ ميل عياناً لا بمقياس
قولوا لنحوِّينا أبي حسن
إنّ حسامي متى ضربتُ مضى
لا يأمننَّ السفيهُ بادرتي
فإنني عارضٌ لمن عرضا
عندي لهُ السوطُ إن تلوّمَ
في السيرِ وعندي اللجامُ إن ركضا
أقسمتُ بالله لا غفرتُ له
إن واحداً من عروقهِ نبضا
عجبَ الناسُ من أبي الصقرِ إذ ولّ
ى بعد الإجارة الديوانا
ولعمري ما ذاك أعجبُ من أن
كان علجاً فصارَ من شيبانا
إنّ للجدِّ كيمياء إذا ما
مسَّ كلباً أحالهُ إنسانا
يفعلُ الله مايشاء كما شا
ء متى شاء كائناً ما كانا
كانَ للأرضِ مرةً ثقلانِ
فلها اليومَ ثالثٌ بِفلانِ
أتقي عُضّةَ اسمهِ عَلِمَ الله
فأُكنّي عن ذكرهِ بالمعاني
يا ثقيلَ الثَّقالِ أفديتَ عيني
ليتَ أنّي كما أراكَ تراني
من يكنْ غانياً بُحبِّ حبيبٍ
ففؤادي بِبُغضكَ الدهرَ عانِ
وما صلحَ الرأسُ الذي أنتَ حاملٌ
(أي لصفع القفا)

أبا حسنٍ إلا لقفدِ قَذالِ
رجل وجههُ كضرعِ المِردِّ
حاش لله،أو كَسحر المُفِدِّ
جدَليٌّ إذا تُنوزعَ شِعرٌ
شاعرٌ حضرة الجدال الألدِّ
مستجيرٌ من ذكرِ هذا بهذا
ما لديهِ لسائل من مَرَدِّ
وبغيض …من بغيضٍ
(يصف ثقيلاً)

وتعالى عن كلِّ مثلٍ ونِدِّ
وأمّا يدُ البصري في كلِّ صُحفةٍ
فأقلعُ من سيلٍ وأغرفُ من رَفشِ
يُغيرُ على مالِ الوزيرِ وآلهِ
فَيُنفِشُ في رُغفاتهمْ أيّما نفشِ
على أنّهُ ينعي إلى كلِّ صاحبٍ
ضُروساً له تأتي على الثورِ والكبشِ
يُخبّرُ عنها أنَّ فيها تَتلّماً
وذلكمُ أدهى وأوكدُ للِجِرشِ
ألم تعلموا أنّ الرّحى عند نقرها
وتجريشها تأتي على الصُلبِ والهشِ
إن تَطُلْ لحيةٌ عليكَ وتَعرُضْ
فالمخالي معروفةٌ للحميرِ
علّقَ الله في عِذاريك مِخلاةً
لو غدا حكمها إليَّ لطارت

ولكنها بغيرِ شعيرِ
في مهبِ الرياحِ كلَّ مطير
لحيةٌ أُهملتْ فطالتْ وفاضتْ
ألقِها عنكَ يا طويلة!أو لا
إرعَ فيها الموسى فإنكَ فيها

فإليها تُشيرُ كفُّ المشير
فاتبسها شرارةً في السعير
يشهدُ الله في آثامٍ كبير
ما رأتها عينُ امرىءٍ ما رآها
روعة تستخفهُ لم يُرعها
فاتقِ الله ذا الجلالِ وغيّر
أو فقصّرْ منها فحسبكَ منها
لو رأى مثلها النبيُّ لاجرى
واستحبَّ الإحفاءَ فيهن والحل

قطُّ إلا أهلَّ بالتكبير
من رأى وجهَ منكر ونكير
منكراً فيك ممكن التغيير
نصفُ شبرٍ علامة التذكير
في لحى الناسِ سُنّة التقصير
ق مكانَ الإعفاءِ والتوفير
ولحيةٍ ذاتِ أصوافٍ وأوبارِ
منها يُحاكُ أثاثُ البيتِ والدارِ
منها متاعٌ إلى حينٍ لصاحبها
وللعيالِ وللإخوانِ والجارِ
ولحيةٍ يحملها مائقٌ
شبه الشراعين إذا أُشرعا
لو قابلَ الريحَ بها مرةً
لم ينبعث من خطوهِ إصبعا
أو غاصَ بها في البحرِ غوصة
صاد بها حيتانهُ أجمعا
إنّ أبا عمرو لهُ لحيةٌ
بعيدةُ البعضِ عن البعضِ
مضى إلى السوقِ وعثنونهُ
أقامَ في البيتِ فلم يمضِ
وهو إذا مامرَّ في سكّةٍ
يملؤها بالطولِ والعرضِ
يدوسها الناسُ بأقدامهم
كأنها أرضٌ على أرضِ
إن أنتَ صادفتَ أخا لحيةٍ
قد جللّتْ من كبر صدرَهْ
فاقبض بِيُسراكَ على أصلها
وضع على حلقومهِ الشفره
فأنّي خشيت الله في قتلهْ
وخفتُ منهُ سطوةًَ مره
فَثِبْ إلى عُثنونهِ ناتفاً
فأتِ عليهِ شعرةً فشعرهْ
لله لحيةُ حائكٍ أبصرتها
ما أبصرتْ عيناي في مقدارها
إنّي لأحسبُ أن من أشعارها
هذا الأثاثُ معاً ومن أوبارها
تخالهُ أبداً من قُبحِ منظرهِ
مُجاذباً وتراً، أو بالعاً حجرا
كأنّهُ ضِفدعٌ في لُجّةٍ هَرمٌ
إذا شدا نغماً أو كررا النظرا
لو كانَ لله في تخليدنا قَدرٌ
(يهجو جحظة المغني)

مع قُربةِ ما أردنا ذلكَ القَدرا
يا رحمتا لمنادميهِ تجشّموا
(يصف جحظة المغني)

ألمَ العيونِ للّةِ الآذان
حسبي منها يانديمي حسبي
وقد أصدأت سمعي وغمّت قلبي
ومُسمعٍ لا عدِمتُ فَرقتهُ
فإنها نعمةٌ من النِّعمِ
يفتحُ فاهُ من الجهادِ كما
يفتحُ فاهُ لأعظمِ اللقمِ
كأنني طولَ ما أشاهدهُ
أشربُ كأسي ممزوجةً بدمي
يُفزِّعُ الصبيةَ الصغارُ به
إذا بكى بعضهم ولم ينمِ
بتُّ وباتَ الصبيانُ في أرقٍ
من بحّةٍ لم تزل تُفزّعنا
يبكون من خوفها ويُسهرني
بكاؤهم،فالبلاءُ يجمعنا
نحتالُ للنومِ كي يُواتينا
بكلِّ شىءٍ وليسَ ينفعنا
لا حفظَ الله تلك مُسمعةً
مايكرهُ السامعون تُسمعنا
تضغط الصوت الذي تشدو به
غصّةً في حلقها معترضهْ
فإذا غنّتْ بدا في جيدها
كلُّ عِرقٍ مثلُ بيتِ الأرضهْ
لها غناءٌ يُثيبُ الله سامعهُ
ضِعفي ثوابِ صلاةِ الليلِ والصومِ
ظللتُ أشربُ بالأرطالِ لا طَرباً
عليه،بل طلباً للسُّكرِ والنَّومِ
أبو سُليمان لا تُرضي طريقتهُ
لا في غناءٍ ولا تعليمِ صبيانِ
له إذا جاوبَ الطنبورُ محتفلاً
صوتٌ بمصر وضربٌ في خراسان
عواء كلب على أوتار منذقةٍ
في قُبحِ قردٍ وفي استكبارِ هامان
وتحسبُ العين فكيه إذا اختلفا
(يهجو مغنياً)

عند التنغمِ فكي بغلِ طحان
دُريرةُ تجلبُ الطّربا
ونزهة تجلبُ الكُربا
تُغني هذه فيظ
لُّ عنك الحزنُ قد غربا
وتعوي هذه فتُطي
لُ منكَ الحزنَ والوصبا
أقولُ لجامعٍ لهما:
(يمدح مغنية ويهجو أخرى)

لقد أحضرتنا عجبا
غَنَتْ فمسَّ القلبَ كلُّ كَرب
واستوجبتْ منّا أليمَ الضّربِ
إذا ما شنطفٌ نكهتْ أماتتْ
فمن ندمائها قتلى وصرعى
يُلاقي الأنفُ من فمها عذاباً
وترعى العين منها شرّ مرعى
وإنّ سكوتها عندي لبشرى
وإن غناءها عندي لمنعى
مُغنيةٌ حقاً بإسقاطِ نقطةٍ
إذا ماشدتْ ظلّتْ وأشداقها تُلّوى
لها نكهةٌ تحكي بها إن تكلمتْ
فأهدتْ إلى المُشتّمِ من ريحها الفسوى
إذا شهدت للقومِ في اللهوِ مَعرساً
غدا مأتماً يمحو بأحزانهِ اللهوى
وإنّ امرأً يقوى على لثمِ ثغرها
على الضغطِ والتعذيبِ في قبرهِ يقوى
شُنطف،يا عُوذة السمواتِ والأ
رضِ وشمس النهار والقمر
إن كان إبليسُ خالقاً بشراً
فأنتِ عندي من ذلكَ البشر
لم تقطعي قطُّ ذا منكايدةٍ
بل تقطعينَ الوتين بالبَخر
ترمينَ آنافنا بأسهمهِ
عن شرِّ قوسٍ،وشرِّ ما وتر
قَصُرتْ أخادِعهُ وغابَ قذاله
فكأنّهُ متربصٌ أن يُصفعا
وكأنّما صُفعتْ قفاهُ مرةً
(يصف أحدباً)

وأحسَّ ثانيةً لها فتجمّعا
وقصيرٍ تراهُ فوقَ يفاعٍ
فتراهُ كأنّهُ في غَيابهْ
لم تدعْ قفدهُ يدُ الدهرِ حتى
قمعتْ فيهِ طولَهُ وشبابهْ
وجَلتْ رأسَهُ نِعمّا فأضحى
بارزَ الصّرحِ ما يُواري صُؤابه
يا أبا حفصٍ الذي فطنَ الده
رُ لميدانِ رأسهِ فاستطابهْ
ظَرُفَ الدهرُ في اتخاذك صنعا
ناً وما خلتهُ ظريفَ الدّعابهْ
وصفعانٍ يجودُ بمصفعيه
ويصفع نفسه في الصافعينا
كهدمِ المشركين بيوت سوءٍ
بأيديهم وأيدي المؤمنينا
أبا حفصٍ جزاكَ الله خيراً
فأنتَ السيد المفضال فينا
قفاكَ لمن أراد الصفع وقفٌ
وعِرسك منحةٌ للناكحينا

ضَرطةُ إبراهيمَ في البَربخِ
كنفخة النافخِ في المِنفخِ
رِيعَ لها الأحياءُ من هولها
وأفزعَ الامواتَ في البرزخِ
لولا دفاعُ الله قد زلزلت
بالارضِ في أجبالها الشّمخِ
قد أحسنَ الله بأسماعنا
إذ سلمتْ منها فلم تُصمخِ
أنذرتُ من في دارهِ مطبخٌ
ضرطةَ إبراهيم من فرسخِ
بَخ بَخ لإبراهيم من ضارط
ذي ضرطة مرهوبة بَخِ بَخِ
يظلُّ من يسمعُ أهوالها
من صارخ ذُعراً ومُستصرخِ
ضراطُ ابن ميمون فيه سَعَهْ
وضرطُ أبي صالح في دَعَهْ
فيضرط هذا على رجلهِ
ويضرطُ هذا على أربعهْ
إذا ما تضارط هذا وذا
سمعت رعوداً لها قعقعهْ
أتيتُكَ شاعراً فهجوتَ شعري
وكانت هفوةً مني وغلطهْ
لقد أذكرتني مثلاً قديماً:
جزاءُ مُقبّلِ الوجعاء ضرطه
يا أيها السائلي لأخبره
عني،لِمْ لا أراك معتجرا
أسترُ شيئاً لو كان يمكنني
(يتحدث عن صلعته)

تعريفُهُ السائلينَ ما سُترا
تَعمّمتُ إحصاناً لراسي برهةً
من القُرِّ يوماً والحرور إذا سفع
عزمتُ على وضع العمامة حيلة
لتستر ما جرّت عليَّ من الصلع
نحن تركناهُ قصيراً أصلعا
من بعدِ ما كانَ طويلاً أفرعا
مازالَ يكسوه إذا ما استصفعا
صعفاً…حتى قرّعا
يا صلعةً لأبي حفص مُمرّدةً
كأنّ ساحتها مرآةُ فولاذِ
ترنُّ تحتَ الأكفِّ الواقعاتِ بها
حتى ترنّ لها أكنافُ بغداذِ
كم من غناءٍ سمعنا في جوانبها
من حاذقٍ بلحونِ الصنعِ أستاذِ
قُلْ لأبي حفصٍ إذا جئتهُ
قول أخي نُصحٍ وإرشادِ:
آنّىّ تزوجتُ على صَلعةٍ
كأنّها سِندانُ حداد
للموزِ إحسانٌ بلا ذنوبِ
ليسَ بمعدودٍ ولا محسوبِ
يكادُ من موقعهِ المحبوبِ
يدفعهُ البلعُ إلى القلوبِ
أقصِرٌ وعَورٌ
وصلعٌ في واحدِ؟
شواهدٌ مقبولةٌ
ناهيكَ من شواهدِ
تُخبرنا عن رجلٍ
أقمأهُ القفدُ فأض

مستعمل المقافدِ(صفيع القفا بباطن الكف)
حى قائماً كقاعدِ
إذا عُرضتْ لحيةٌ للفتى
وطالت وصارتْ إلى سُرتهِ
فنقصانُ عقل الفتى عندنا
بمقدارِ مازاد في لحيته
ولحيةٍ يحملها مائقٌ
شِبه الشّراعينِ إذا أُشرعا
لو قابل الريح بها مرةً
لم ينبعث من خَطوهِ إصبعا
أو غاص في البحر غوصةً
صادَ بها حيتانهُ أجمعا
شِبه عصا موسى ولكنّه
لم يخلق الله لها فاها
رِفقاً بزادِ القوم لا تُفنهِ
يا ناقة الله وسُقياها
أكلتُ رغيفاً عند عيسى فَملّني
وكان كهميِّ من مُحبٍّ مُقرّبِ
رآني قليلَ الخوفِ من لحظاتهِ
وذلك من شأني لهُ غيرُ مُعجبِ
يُريدُ أكيلاً رزؤُهُ من طعامهِ
كَرزءِ كتابٍ من تراب مُترِّبِ
إذا لحظتهُ عينُهُ عندَ مَضغهِ
طوى الانسَ طيَّ الخائفِ المُترقبِ
يُحبُّ الخميصَ البطنِ من أُكلائهِ
ويضحى ويُمسي بطنهُ بطنَ مُقرِبِ
وما أُنسُ ذي أُنسٍ لعيسى بمؤنسٍ
ولا وقعُ أضراسِ الأكيلِ بِمُطربِ
تَزوّدْ إذا آكلتهُ فهي أكلةٌ
وما أختها إلا كعنقاءِ مُغربِ
بخيلٌ يُصوِّمُ أضيافَهُ
ويبخلُ عنهم بأجرِ الصيامِ
يَدسُ الغلامَ فيوليهمُ
جفاءً فيُشتمُ مولى الغلام
فهم مُفطرونَ ولا يُطعمونَ
وهم صائمون وهم في آثام
فيحتالُ بخلاً لأن يُفطروا
على رفثِ القولِ دونَ الطعام
لقد جاءَ باللؤمِ من فصهِ
وتمَّ لهُ البخلُ كلَّ التمام
يا أيها الهارب من دهرهِ
أدرككَ الدهرُ على خيله
يسوق من نقرته طرة
إلى مدى يقصرُ عن نيله
فوجههُ يأخذ من رأسه
أخذ نهارِ الصيف من ليله
مثل الذي يرفع من جبينه
وهباً بما يأخذ من ذيله
من كانَ يبكي الشّبابَ من جزعٍ
فلستُ أبكي عليهِ من جزعِ
لأنَّ وجهي بقبحِ صورته
مازالَ لي كالمشيبِ والصّلعِ
إذا أخذتُ المرآة سلّمني
وجهي وما متُّ هولَ مطلعي
شُغفتُ بالخرَّدِ الحسانِ وما
يصلحُ وجهي إلا لذي ورعِ
كي يعبد الله في الفلاةِ ولا
يشهد فيهِ مشاهد الجُمعِ
وفارسٍ ما شئتَ من فارسٍ
يهزم صفينِ من القملِ
إذا سرى في الجيشِ أغناهمُ
ضريطةٌ جُبناً عن الطبلِ
إقدامهُ تضبيعهُ حذره
من هوجٍ فيه ومن خبلِ
ينزعُ طولَ الدهرِ من جُبنهِ
لكنهُ نزعٌ على مهلِ
لنا صديق كلا صديقٍ
غثٍّ على أنهُ سمينُ
من أقبحِ الناس ولا أحاشي
من كان منهم ومن يكونُ
إذا بدا وجهه لقوم
لاذت بأجفانها العيون
كأنّهُ عندهم غريمٌ
حلّت عليهم له ديون
وهو على ما وصفتُ منه
متهم ودّه ظنين
شغفتُ بالخُردِ الحسانِ وما يص
لحُ وجهي إلا لذي ورع
كي يعبد الله في الفلاة ولا يش
هد فيها مشاهد الجمع
قد عاشَ دهراً خفيف الرأسِ نعلمهُ
حتى تزوجها بكراً على كِبرهْ
والبكرُ لاتترك الشّبانَ طائعةً
للشيخِ في أرذلِ النصفينِ من عمره
أقولُ لما علا قرناهُ صلعتهُ:
لبئس ما عُوِّض المسكينُ من شعره
ولقد منعت من المرافقِ كلّها
حتى مُنعتُ مرافقَ الأحلام
من ذاكَ أنّي ما أراني طاعماً
في النومِ أو متعرضاً لطعامِ
إلا رأيت من الشقاءِ كأنني
(كان ابن الرومي منهوما شرها للطعام ويأسف أن يذاد عنه ولو في المنام)

أثنى وأكبح دونه بلجام
جزى الله عني قُبحَ وجهي سعادةً
كما قد جزاهُ ،والإلهُ قديرُ
ذعرتُ به قوماً فأدّوا إتاوةً
كأنّي عليهم عند ذاكَ أميرُ
فدى نفسَهُ من قُبحِ وجهي سيّدٌ
وزيرٌ،أبوهُ سيّدٌ ووزيرُ
إنّي ليعجبني تمام هلاله
(هلال رمضان)

وأسرُّ بعد تمامهِ بنحوله
رم
شهرٌ
وك
ت
ف
ل
لح
شهرُ الصيامِ مباركٌ لكنّما
جُعلت لنا بركاتهُ في طولهِ
إنّي ليعجبني تمامُ هلاله
وأسرُّ بعد تمامهِ بنحولِه
شهرٌ يصدُّ المرءَ عن مشروبهِ
مما يحلُّ له ومن مأكولِه
لا أستثيبُ على قبولِ صيامهِ
حسبي تصرّمهُ ثوابَ قبوله
شهرُ الصيامِ مباركٌ
ما لم يكنْ في شهرِ آب
خفتُ العذابَ فصمتهُ
فوقعتُ في نفسِ العذاب
وأما يدُ البصري في كلِّ صفحةٍ

فأقلعُ من سيلٍ وأغرقُ من رفشِ
أأوعده بالشعر وهو مسلّطٌ

على الإنس والجنِ والطيرِ والوحشِ
ألم أره لو شاءَ بلْعَ تهامةٍ

وأجبالها،طاحت هناك بلا أرشِ
على أنّهُ ينعى إلي كل صاحبٍ

ضروساً له تأبى على الثورِ والكبشِ
يخبر عنها أن فيها تثلماً

وذلكم أدهى وأوكد للجرشِ

أبو نواس:

ألومُ عباساً على بُخلهِ
كأنَّ عباساً منَ الناسِ
وإنّما العباسُ في قومهِ
كالثومِ بينَ الوردِ والآسِ
لبني البرمكيّ قصرٌ منيفُ
وجمالٌ،وليسَ فيهم حنيفُ
دارهم مسجدٌ يُؤذنُ فيها
لاتقاءٍ،وليسَ فيها كنيفُ
فإذا أذنوا لوقتِ صلاةٍ
(كنيف:مرحاض)

كرروا:لا إله إلا الرغيف
صَحّفتْ أمُّكَ إذ
سَمتّكَ في المهدِ أبانا
صيّرتْ باءً مكان التاءِ
تصحيفاً عيانا
قد علمنا ما أرادتْ
لم تُردْ إلا أتانا
ثقيلٌ يُطالعنا من أَممْ(قريب)
لطلعته وخزةٌ في الحشا

إذا سَرّهُ رعفّ أنفي ألمْ(زار)
كوقعِ المشارطِ في المُحتجِم
أقولُ له إذ بدا: لا بدا
ولا حملتهُ إلينا قدمْ
فقدتُ خيالكَ لا من عمىً
تغطّ بما شئت من ناظري

وصوتَ كلامكَ لا من صممْ
ولو بالرداء بهِ تلتثِم
رأيتُ الرّقاشي في موضعٍ
وكانَ إليَّ بغيضاً مقيتا
فقال اقترحْ بعضَ ما تشتهي
فقلتُ اقترحتُ عليكَ السكوتا
نمتُ إلى الصُبحِ وإبليسُ لي
في كلِّ مايُؤثمني خصمُ
رأيتهُ في الجو مستعلياً
ثمّ هوى يتبعهُ نجمُ
فقال لي لما هوى:مرحبا
بتائبٍ توبتهُ وهم
ما أنا بالآيسِ من عودةٍ
منكَ،على رغمكَ :يا فدم
لستُ أبا مُرّةٍ إن لم تعدْ
فغيرُ ذا من فعلك الغشم
وجهُ بنانٍ كأنّهُ قمرٌ
يلوحُ في ليلةِ الثلاثين
والخدّ من حسنهِ وبهجته
كطاقة الشوكِ في الرياحين
والفم من شيقهِ إذا ابتسمتْ
كأنّهُ قصعةُ المساكين
لهُ ثنايا تحكي ببهجتها
وحسنها ألسن الموازين
والجيدُ زَينٌ لمن تأملهُ
أشبه شىءٍ بجيدِ تنين
ومنكباها في حُسنِ خلقهما
في مثلِ رمانتين من طين
والبطنُ طاوٍ تحكي لطافتهُ
ما ضمنوهُ كتبَ الدواوين
تفتنُ من رامها بلحظتها
ولدت من أسرةٍ مباركةٍ

كأنهُ لحظةُ المجانين
لا عيبَ فيهم…من الشياطين
إنّي قصدتُ إلى فقيه عالم
مُتنسك حبرٌ من الأحبارِ
مُتعّمقٌ في دينهِ،متفقه
مُتبصر في العلمِ والأخبارِ
قلتُ :النبيذَ تُحلّه؟فأجابَ لا
إلا عقاراً ترتمي بشرارِ
قلتُ السماعَ فما علمت أجابني:
إلا بخفقِ العودِ والمزمارِ
قلتُ المنادم من يكون؟أجابني:
لا تعدلنَ عن ماجنٍ عيّارِ
قلتُ الصلاةَ فقال: فرضٌ واجبٌ
صلِ الصلاةَ وبت حليفَ عَقارِ
اجمع عليَ صلاة حولٍ كاملٍ
من فرضِ ليل فاقضهِ بنهارِ
قلتُ :الصيام فقال لي:لا تنوهِ
واشدد عرى الإفطارِ بالإفطارِ
لم يكن فيك غيرَ شيئين مما
قلت من بعد خَلقِكَ الدّحداح
لحية سبطة وأنف طويل
وهباءٌ سواهما في الرياح
فيك تيهٌ وفيكَ عُجبٌ شديدٌ
وطِماحٌ يفوقُ كلَّ طِماح

باردُ الطرفِ مظلمُ الكذبِ تيا

هٌ معيدُ الحديثِ غثّ المزاح
أماتَ الله من جوعٍ رُقاشاً
فلولا الجوعُ ما ماتت رُقاشُ
ولو أشممتَ موتاهم رغيفاً
وقد سكنوا القبورَ إذاً لعاشوا
وباخلٍ جئتهُ فقدّمَ لي
كِسرةَ خبز وعينهُ عبرى
فقال ما تشتهي؟فقلتُ له:
قطعةُ جُبنٍ وكسرةً أخرى
على خبز إسماعيل واقية البخلِ
فقد حلَّ في دارِ الأمانِ من الأكلِ
وما خبزهُ إلا كآوى يرى ابنها
ولسنا نراها في الحزون ولا السّهلِ
أصبحتَ أجوعَ خلقِ الله كلّهم
وأفرغَ الناسِ من خيرٍ إذا وضعا
خبزُ ابن سابه مكتوبٌ عليه ألا
لا باركَ الله في ضيفٍ إذا شبعا
إنّي أحذركم من خبز صاحبنا
فقد ترونَ بحلقي اليومَ ما صنعا
قالوا:امتدحت فماذا اعتضت، قلت لهم
خَرقُ النعالِ وإخلاق السرابيل
قالوا:فسمِّ لنا الممدوحَ،قلت لهم
أو وصفهُ يعدلُ التفسيرَ في القيل
ذاكَ الأميرُ الذي طالت علافتهُ
(يهجو جعفر بن يحيى وكان طويل العنق)

كأنّهُ ناظرٌ في السيفِ بالطولِ
لي صاحبٌ أثقلُ من أحد
قرينهُ ما عاشَ في جهدِ
علامة البغضِ على وجههِ
تبينُ مذ أن حلّ في المهدِ
إن دخل النار طفا حرّها
فمات من شدّةِ البردِ
نفسُ الخصيبِ جميعهُ كذِبُ
وحديثُهُ لجليسهِ كربُ
تبكي الثيابُ عليه مُعولةً
أن قد يُجر ذيولها كلبُ

فأق

ع
أ
وأ

ضر
يخبر
وذلك
قولا لإبراهيمَ قولاً هِترا
غلبتني زندقةً وكفرا
إن قلت:ماتتركُ؟قال برّا
أوقلتَ:ماترهبُ؟قال:بحرا
أو قلتَ:ماتقولُ؟قال:شرّا
أصلاهُ ربي لهيباً وجمرا
رأيتُ الفضلَ مكتئباً
يُناغي الخبز والسمكا
فقطب حين أبصرني
ونكس رأسه فبكى
فلما ان حلفت له
بأني صائمٌ ضحكا
فتى لرغيفهِ قرطٌ وشنفُ
وخلخالان من حرزٍ وشذرِ
إذا فقد الرغيفَ بكى عليه
بُكا الخنساء إذ فُجعت بصخر
ودونَ رغيفه قلعُ الثنايا
وحربٍ، مثل وقعة يوم بدر
ارفقْ بحفصٍ حين تأ
كلُ يا مُعاويَ من طعامه
الموتُ أيسرُ عندهُ
من مضغِ ضيفٍ والتقامه
وتراهُ من خوفِ النزيلِ
به يُروّعُ في منامه
سيّان كسرُ رغيفه
أو كسرُ عظمٍ من عظامه
لا تكسرنَّ رغيفهُ
لإن كنتَ ترغبُ في كلامه
وإذا مررتَ ببابهِ
فاحفظ رغيفكَ من غلامه
سِيَّانِ كسرُ رغيفهِ
أو كسرُ عظمٍ من عظامهْ
فارفقْ بكسرِ رغيفهِ
إن كنتَ ترغبُ في كلامهْ
أبو نوحٍ دخلتُ عليهِ يوماً
فَغدّاني برائحةِ الطعامِ
وقدّمَ بيننا لحماً سميناً
أكلناهُ على طبقِ الكلامِ
فلما أن رفعتُ يدي سقاني
كؤوساً خمرُها ريحُ المُدامِ
فكانَ كمن سقى الظمآن آلاً
وكنتُ كمن تغدّى في المنام
رغيفُ سعيدٍ عندهُ عِدلُ نفسه
يُقلّبهُ طوراً وطوراً يُلاعبهْ
ويُخرجهُ من كُمّهِ فيشمُّهُ
ويُجلسهُ في حجرهِ ويُخاطبه
وإن جاءهُ المسكينُ يطلبُ فضلََهُ
فقد ثكلتهُ أمّهُ وأقاربُه
يكرُّ عليهِ السوطَُ من كلِّ جانبٍ
وتُكسرُ رجلاهُ ويُنتفُ شاربه
أيُّ ديوان كآبهْ
مذ تولاهُ ابنُ سابه
يا غرابَ البينِ في الشؤ
مِ وميزابَ الجنابهْ
يا كتاباً بطلاقٍ
يا عزاءً ومصابه
ما على وجهٍ به قابل
تني اليومَ مهابهْ
كاتبٌ أيضاً فما مرَّ
على رأس الكتابهْ
خبزُ الخصيبِ مُعلّقٌ بالكوكبِ
يُحمى بكلِّ مُثقَفٍ ومشطبِ
جعل الطعامَ على بنيه محرّماً
قوتاً وحلّلهُ لمن لم يسغبِ
فإذا همُ نظروا الرغيفَ تطرّبوا
طربَ الصيامِ إلى أذان المغربِ
فإذا همُ رأوا الرغيفَ تَطرّبوا
طربَ الصيامِ إلى أذان المغربِ
إذا ما كنت عند قيانِ موسى
فعند الله فاحتسب السرورا
إذا غنينَ صوتاً قيل موتا
وهجنَ بهِ عليك الزمهريرا
أبا العباس كُفَّ عن الملام
ودعْ عنكَ التعمق في الكلام
فقد،وحياةُ من أهوى وتهوى
أقامَ قيامتي شهرُ الصيام
أماتَ مجانتي وأبادَ لهوي
وعطلَّ راحتي عن المُدام
ولو أبصرتني عند السواري
أطوفُ عند تأذين الإمام
علمت بأنني عذبتُ نفساً
لها عاد ورسم في الحرام
فكم لي ثم من تقبيلِ خدٍّ
ومن عضٍّ ورشف والتثام
شهرُ القيام وإن عظمت حرمتهُ
شهرٌ طويلٌ ثقيلُ الظلِّ والحركهْ
يمشي الهوينا،وأما حين يطلبنا
فلا السُليكُ يُدانيه ولا السُلكهْ
يا صدقَ من قال: أيامٌ مباركةٌ
إن كانَ يُكنى عن اسمِ الطولِ بالبركهْ
شهرٌ كأنّ وقوعي فيهِ من قلقي
وسوءِ حالي وقوعُ الحوتِ في الشبكهْ
قد كان لولا دفاعُ الله يُسلمنا
(الشعر لإبن الرومي وليس لأبي نواس)

إلى الردى ويُؤدينا إلى الهلكهْ
لقد سرّني أنّ الهلالَ غُدّيةً
بدا وهو ممشوقُ الخيالِ دقيقُ
أضرّتْ به الأيامُ حتى كأنّهُ
عِنانٌ لواهُ باليدينِ رفيقُ
وقفتُ أُعزيهِ وقد دقّ عظمهُ
وقد حانَ من شمسِ النهارِ شروقُ
ليهنَ ولاة اللهو أنك هالكٌ
فأنتَ بما يجري عليك حقيقُ
وإني بشهر الصومِ إذ بانَ شامتٌ
وإنك يا شوالُ لي لصديقُ
فقد عاودت نفسي الصبابة والهوى
وحانَ صبوحٌ باكرٌ وغبوق
أكثري أو فأقلّي
قد مللناكِ فَحلّي
ما إلى حبكِ عَودٌ
ما دعا الله مصلي
لم يكن مثلكِ لولا
سفهُ الرأي وهوىً لي
أيها السائلُ عنها
اسمع اللفظ المُجلّي
شخصها شخصٌ قبيحٌ
ولها موجهُ مُولّى
وخفت عن كلِّ عينٍ
وخفت عن كلِّ دلِّ
ولها ثغرٌ كأن الله
غشاهُ بكحلِ
تصف النكهة منها
جيفةً في يومِ طلِّ
ردفها طستٌ ولكن
بطنها كوّةُ خلِّ
اشهدوا أني برىءٌ
من هواها مُتخلّي

المتنبي

يمشي بأربعةٍ على أعقابهِ
تحتَ العلوجِ ومن وراءٍ يُلجمُ
وجفونُهُ ما تستقرُّ كأنّها
مطروفةٌ أو فُتَّ فيها حصرمُ
وإذا أشارَ مُحدثاً فكأنهُ
قردٌ يقهقهُ أو عجوزٌ تلطمُ
يقلي مُفارقة الأكفِّ قذالهُ
حتى يكادَ على يدٍ يتعمّمُ

بشار بن برد

أبو دُلفٍ كالطّبلِ يذهبُ جوفُهُ
وباطنهُ خِلوٌ من الخيرِ أخربُ
أبا دُلفٍ يا أكذبَ الناسِ كُلّهم
سِوايَ،فإني في مديحكَ أكذبُ
قُلْ لشهرِ الصيامِ أنحلتَ جسمي
إنّ ميقاتنا طلوع الهلالِ
اجهدْ الآن كلّ جهدكَ فينا
سترى ما يكونُ في شوال
إذا سلّمَ المسكينُ طارَ فؤادهُ
مخافةَ سُؤلٍ واعتراهُ جنونُ
سيدي !مِلْ بِعناني
نحو بابِ الأصبهاني
إنّ بالبابِ أتاناً
فَضلتْ كلَّ أتانِ
تيّمتني يوم يومَ رُحنا
بثناياها الحِانِ
تيّمتني ببنانٍ
وبِّدلٍّ قد شجاني
وبُحسٍ ودلالٍ
سلَّ جسمي وبراني
ولها خدٌّ أسيلٌ
مثلُ خدِّ الشيفرانِ
فَبها مِتُ ولو عِش
(بشار يتندر عن حمار مات عشقاً بأتان)

تُ إذن طال هواني

المعري

هذا أبو القاسمِ أعجوبة
لِكلِّ من يدري ولا يدري
لا يقرض الشعر ولا يقرأ ال
قرآن،وهو الشاعر المقري
سألتْ مُنجمها عن الطفل الذي
في المهدِ كم هو عائش دهره
فأجابها مائةٌ ليأخذ درهماً
وأتى الحِمامُ وليدها في شهره

الحطيئة

كدحتُ بأظفاري، وأعملتُ معولي
فصادفتُ جلموداً من الصخرِ أملسا
تشاغلَ لما جئته في وجه حاجتي
فأجمعتُ أن أنعاهُ حينَ رأيتهُ

وأطرقَ حتى قلتُ:قد ماتَ أو عسى
يفوقُ فواقَ الموتِ حتى تنّفسا
فقلتُ له:لابأس،لست بعائدٍ
فأفرخَ، تعلوه السمادير مُبلسا
جزاكِ الله شراً من عجوزٍ
ولقّاكِ العقوقَ من البنينا
تَنّحي فاقعدي مني بعيداً
أراحَ الله منكِ العالمينا
أغربالاً إذا استودعتِ سراً
وكانوناً على المتحدثينا
ألم أُظهر لكِ الشحناء مني
ولكنْ لا إخالُكِ تعقلينا
حياتُكِ ما علمتُ حياةُ سوءٍ
وموتُكِ قد يسرُّ الصالحينا
أبت شفتايَ اليومَ إلا تكلّما
بِشرٍّ فما أدري لمنْ أنا قائلهْ
أرى لي وجهاً شوّهَ الله خَلقَهُ
فقبُحَ من وجهٍ وقبح حامله

البحتري

بكى المنبرُ الشرقيُّ إذ خارَ فوقَهُ
على الناسِ ثورٌ قد تدّلتْ غباغبهْ
ثقيلٌ على جَنبِ الثّريدِ،مُراقبٌ
لشخصِ الخوانِ يبتدي فيواثبه
إذا ما احتشى من حاضرِ الزادِ لم يُبلْ
(يهجو الخليفة المستعين بالله)

أضاءَ شهابُ الملك أم كلَّ ثاقبه
لم يسمعوا بالمكرُماتِ ولم يَنُحْ
في دارهم ضيفٌ سوى إبليسِ
فعلى وجوههم لباسُ خوايةٍ
وعلى رؤوسهم قرونُ تيوسِ
لا تدعونَ أبا الوليدِ لنائلٍ
خُلُقُ الحمارِ وخِلقةُ الجاموسِ
رأيتُ(الخثعميّ) يُقِلُّ أنفاً
يضيقُ بعرضهِ البلدُ الفضاء
سما صَعداً فقصّرَ كلُّ سامٍ
لهيبتهِ وغصَّ به الهواء
هو الجبلُ الذي لولا ذُراهُ
(يهجو اخثعمي الشاعر)

إذاً وقعت على الارضِ السماء
جُعلتُ فِداكَ! لي خبرٌ طريفٌ
وأنتَ بكلِّ مكرُمةٍ خبيرُ
غداةَ النّحرِ ينحرُ كلّ قومٍ
ولا شاةً لديَّ ولا بعيرُ
بلى عندي حمارٌ لي،فقل لي
أتُقبلُ من مُضحيها الحميرُ؟
لئن لم تفدِهِ ـ تفديك نفسي ـ
بذبحٍ فهو في غدهِ نحيرُ
تزيدُ الإهانةُ في شأنهِ
صلاحاً،وتفسدهُ التكرمة
يُرعشُ لَحييهِ عند الغناءِ
كأنَّ بهِ النافِضَ المؤلمة
وأنفٌ إذا احمرَّ في وجههِ
وقامَ توهمّتهُ محجمه
ومُنتشرُ الحلقِ واهي اللَهاة
إذا ما شدا فاحِشُ الغلصمه
إذا صاحَ سالت له مَخطةٌ
على العودِ وانقلعت بلغمه
كثيرُ التلفتِ والاعتراض
شديدُ التفلتِ والهمهمه
يجىء بما هو أهلٌ له
فلولا الحياء كسرنا فمه
تَغنّى ونحنُ على لذّةٍ
فأرعدَ بعضٌ،وبعضٌ نَعَسْ
فقال:اقترحْ بعضَ ما تشتهي
فقلتُ:اقترحتُ عليكَ الخَرَسْ

أبو تمام

قد كان يُعجبني لو أنّ غيرتهُ
على جراذقِهِ كانت على حُرَمِهْ
إن رمتَ قتلته فافتك بخبزتهِ
(جراذق:الرغيف)

فإنّ موقعها من لحمه ودمه
يا منْ تبرّمتِ الدنيا بطلعتهِ
كما تبرّمتِ الأجفانُ بالرّمدِ
يمشي على الارضِ مختالاً فأحسبهُ
لِبُغضِ طلعتهِ يمشي على كبدي
لو أنّ في الأرضِ جزءاً من سماجتهِ
لم يقدم الموتُ إشفاقاً على أحدِ

أبو العتاهية

رُبّما يثُقلُ الجليسُ وإن كان
خفيفاً في كفّةِ الميزانِ
كيفَ لا تحمل الأمانةَ أرضٌ
حملت فوقها أبا عمران
لا جعلَ الله لي إليكَ ولا
عندكَ ما عشتُ حاجة أبدا
ما جئتُ في حاجةٍ أُسرُّ بها
إلا تثاقلتَ ثمّ قلتَ غدا

الفرزدق

بَكَرت عليَّ نوارُ تنتِفُ لحيتي
تنتافَ جَعدة لحية الخشخاش
كلتاهما أسدٌ إذا ما أُغضبت
ورضاهما وأبيكَ خيرُ معاشِ

الأخطل

كأنّ أبا مروانَ يُنزعُ ضِرسُهُ
إذا القومُ قالوا متعونا بدرهمِ

مسلم بن الوليد

يا ضيفَ موسى أخي خُزيمة صُمْ
أو فتزوّدْ إن كنتَ لم تَصُمِ
أطرقَ لما أتيتُ مُمتدحاً
فلم يَقُلْ لا فضلاً على نعمِ
فَخفتُ إن ماتَ أن أُقادَ به
فقمتُ أبغي النجاةَ من أَممِ
لو أنَّ كنزُ البلادِ في يدهِ
لم يَدَعِ الإعتلال بالعدمِ

النجاشي الحارثي

وأُقسمُ لو خرّتْ من استِكَ بيضةٌ
(يهجو قصيرا)

لما انكسرتْ من قربِ بعضكَ من بعض

ابن مفرغ الحميري

ألا ليتَ اللُحى كانت حشيشاً
فنعلفها دوابَ المسلمينا
يغسل الماءُ مافعلتَ وقولي
راسخٌ منك في العظام البوالي
إذا ما الرزقُ أحجمَ عن كريمٍ
فالجأهُ الزمانُ إلى زياد
تلّقاهُ بوجهٍ مكفهِر
كأنّ عليهِ أرزاقُ العباد

أبو حية النميري

إذا أنتَ رافقتَ الحُتات بن جابر
فقلْ في رفيقٍ غائبٍ وهو شاهدُ
أصمّ إذا ناديتَ جهلاً وإن تسرْ
فأعمى وإن تفعل جميلاً فجاحدْ
أواني وإياهُ الطريق عشيّةً
يهابُ سُراها إلا حمسيُّ المعاود
فأقسمَ براً أنّ لولا خيالهُ
لما كنتُ إلا مثل من هو واحد

أبو العيناء

من كانَ يملكُ درهمين تعلّمتْ
شفتاهُ أنواعَ الكلامِ فقالا
وتقدّمَ الفصحاء فاستمعوا لهُ
ورأيتهُ بين الورى مختالا
لولا دراهمهُ التي في كيسهِ
لرأيتهُ شرَّ البرية حالا
إنّ الغنيَّ إذا تكلم كاذباً
قالوا:صدقتَ وما نطقتَ مُحالا
وإذا الفقيرُ أصابَ قالوا:لم يُصبْ
وكذبتَ يا هذا وقلتَ ضلالا
إنّ الدراهمَ في المواطنِ كلها
تكسو الرجالَ مهابةً وجلالا
فهي اللسانُ لمن أرادَ فصاحةً
وهي السلاحُ لمن أرادَ قتالا

ابن حمديس الصقلي

لا أركبُ البحرَ خوفاً
عليَّ منهُ المعاطب
طينٌ أنا وهو ماءٌ
والطينُ في الماءِ ذائب

أبو القاسم الإلبيري

قالوا أتسكنُ بلدةً
نفسُ العزيزِ بها تهونْ
فأجبتهم بتأوهٍ
كيفَ الخلاصُ بما يكونْ
غرناطةٌ مثوى الج
نينِ يلذُّ ظلمتهُ الجنين

أبو الفتح البُستي

رغيفُ أبي عليٍّ حلَّ خوفاً
من الاضيافِ منزلةَ السِّماكِ
إذا كسروا رغيفَ أبي عليٍّ
بكى يبكي بكاءً فهوَ باكِ

الراعي النميري

طافَ الخيالُ بأصحابي فقلت لهم:
أأم شذرة زارتنا أم الغول
لا مرحباً بابنةِ الأقيانِ إن طرقت
كأنّ محجرها بالقارِ مكحول
سودٌ معاصمها جعدٌ معاقصها
قد مسّها من عقيد القارِ تفصيل

مروان بن أبي حفصة

لقد كانت مجالسنا فساحاً
فضيّقها بلحيتهِ رباحُ
مبعثرةُ الأسافلِ والأعالي
لها في كلِّ زاويةٍ جناحُ

دعبل

رأيت أبا عمران يبذلُ عرضهُ
وخبزُ أبي عمران في أحرز الحرز
ومُغنٍّ إن تغنّى
أورثَ الندمانَ همّاً
أحسنُ الأقوام حالاً
فيهِ كانَ أصمّا
بعثتَ إليَّ بأُضحيةٍ
وكنتَ حريّاً بأن تفعلا
ولكنّها خرجت غثيّة
كأنّكَ أرعيتها حَرملا
فإن قبلَ الله قربانها
فسبحان ربّكَ ما أعدلا
يا تاركَ البيتِ على الضيفِ
وهارباً منهُ من الخوفِ
ضيفُكَ قد جاء بزادٍ لهُ
فارجع فكن ضيفاً على الضيفِ
إذا اشتهى الضيفُ طبيخَ الشتاء
أتاهُ بالشهوةِ في الصيف
وإن دنا المسكينُ من بابهِ
شَدَّ على المسكينِ بالسيفِ
وضيفُ عمروٍ وعمروٌ يسهران معاً
عمروٌ لبطنتهِ والضيفُ للجوع
استبقِ وُدَّ أبي المقا
تلِ حينَ تأكل من طعامهِ
سِيّانِ كسرُ رغيفهِ
أو كسرُ عظمٍ من عظامهِ
فتراهُ من خوفِ النز
يلِ به يُروّع في منامه
فإذا مررتَ ببابهِ
فاحفظ رغيفكَ من غلامه
بُرهانُ لا تُطربُ جُلاسها
حتى تُريكِ الصّدرَ مكشوفا
شبهُها لما تغنّت لهم
بنعجةٍ قد مضغت صوفا

حماد عجرد

ويا أقبح من قردٍ
(يهجو بشار بن برد)

إذا عميَ القردُ
نهارهُ أخبثُ من ليلهِ
ويومهُ أخبثُ من أمسهِ
ما خلقَ الله شبيهاً لهُ
من جنّهِ طُراً ومن إنسهِ
والله ما الخنزيرُ في نتنهِ
بربعه في النتنِ أو خُمسهِ
بل ريحهُ أطيبُ من ريحهِ
(يهجو بشارا)

ومسّهُ أطيبُ من مسَهِ
ألا من مُبلغ عني ال
ذي والدهُ بُردُ
إذا ما نسبَ الناسُ
فلا قبلُ ولا بعدُ
وأعمى قلطبانٍ ما
على قاذفهِ حدّ
وأعمى يشبهُ القردَ
إذا ما عميَ القردُ
دنىءٌ لم يَرُح يوماً
إلى المجدِ ولم يغدُ
ولم يحضر مع الحا
ضرِ في خير ولم يُبدُ
ولم يخشى لهُ ذمُّ
ولم يرجَ له حمدُ
جرى بالنحسِ مذ كا
نَ ولم يجرِ له سعدُ
هو الكلبُ إذا ما ما
تَ لم يوجد لهُ فقدُ
لو طُليتْ جِلدتهُ عنبراً
لَنتنّت جلدتهُ العنبرا
أو طُليتْ مسكاً ذكيّاً إذاً
(يهجو بشارا)

تحوّلَ المسكُ عليهِ خرا
زرتُ امرأً في بيتهِ مرةً
لهُ حياءٌ ولهُ خِيرُ
يكرهُ أن يُتخِمَ أضيافهُ
إنّ أذى التخمةِ محذورُ
ويشتهي أن يُؤجروا عندَهُ
بالصومِ والصائمُ مأجورُ

البهاء زهير

وأحمقَ ذي لحيةٍ
كبيرةٍ منتشرة
طلبتُ فيها وجههُ
بشدّةٍ فلم أره
معروفةٌ لكنّهُ
أصبحَ فيها نكره
وثقيلٍ ما برحنا
نتمنى البُعدَ عنهُ
غابَ عنا ففرحنا
جاءنا أثقل منه

أبو دلامة

ألا أبلِغْ إليك أبا دُلامة
فلستَ من الكرامِ ولا كرامه
إذا لبسَ العِمامه كانَ قرداً
وخنزيراً إذا نزعَ العِمامه
جمعتَ دمامةً وجمعتَ لؤماً
كذاك اللؤمُ تتبعهُ الدمامه
فإن تكُ قد أصبتَ نعيمَ دُنيا
(يهجو نفسه)

فلا تفرحْ فقد دنتِ القيامه
فما ولدتك مريم أمُّ عيسى
ولم يكفلكِ لقمانُ الحكيمُ
ولكن قد تضمّكِ أمُّ سوءٍ
(بعد أن رزق بابنة)

إلى لَبّاتِها وأبٌ لئيم

صفي الدين الحلي

وبخيلٌ ينالُ من عِرضهِ النا
سُ ولكنَّ رغيفُهُ لا يُنالُ
كلّ يوم يأتي بحرف رغيفٍ
كهلالٍ لم يدنُ منه كمال
مُستقرٌ في وسطِ سفرتهِ الزر
قاء لا يعتريه منهُ زوال
فتعجّبتُ من سماءٍ بأرضٍ
كلّ يوم يلوحُ فيها هلال
أعودُ حماركم في كلِّ يوم
إذا ما ضرّهُ فرطُ الشعيرِ
ويُمرضني التألم من جفاكم
فلم أرَ عائداً لي من زفيري
فإن يكُ ذا حقّ جزايَ منكم
لإفراطِ المحبة في ضميري
فشكراً للمحبةِ إذ حططتم
بها الأصحاب عن قدرِ الحمير
وشحيحٍ من لؤمهِ يخبزُ الب
خلَ ببسطِ الأخلاقِ بين الرفاقِ
فهو من شُحّهِ يُثّمنُ في الخر
جِ علينا مكارمَ الأخلاق
وليلةٍ زارني فقيهٌ
في رُشدهِ ليسَ بالفقيهِ
رأى بِيُمنايَ كأسَ خمرٍ
فظلَّ ينأى ويتقيهِ
فقلتُ هلا،فقال كلا
فقلتُ لم لا،فقال إيهِ
ما ذاكَ قنّي فقلتُ عدلٌ
أنزّهُ الكأسَ عن سفيه
وشادٍ يُشتت شملَ الطربْ
يُميتُ السرورَ ويُحي الكُربْ
بوجهٍ يبيدُ إذا ما بدا
وكفٍّ تضرُّ إذا ما ضربْ
شدا،فغدا كلُّ قلبٍ بهِ
قليل النصيب كثيرَ النَّصَب
تغنّى،فغنّى قلوبَ الرفاق
وماسَ،فمسّى القلوبَ العطب
حَوتْ ضدينِ إذ ضربتْ وغنّتْ
فقد ساءت وسرّت من رآها
غناءٌ تستحقُ عليه ضرباً
وضرباً يستحقُّ به غناها
لو تراني من فوقِ طودٍ من الجو
عِ أناجي رغيف نجل سنان
كلما قمتُ قائلاً أرني وجه
كَ نادى وعزتي لن تراني
يحفظُ في الجوعِ ألفَ منفعةٍ
ومثلها في مضرّةِ البطنة
ويُوهمُ الناسَ أنَّ شبعهمْ
يطفىءُ نورَ الذكاءِ والفطنة
إن حاول الضيفُ أن يُلّمَ به
أعطاهُ من قبل نطقهِ القَطَنة
لما اغتنى أفقدنا نفعَهُ
وتلكَ من شيمةٍ بيت الخلا
يُسعى إليه إن غدا فارغاً
وما بهِ نفعٌ إذا ما امتلا
وافى،وقد شفع التقطبُ وجهه
وطحا بها مرحُ التكبرِّ فانثنى
يبدو فتقذفهُ النفوسُ لثقلهِ
فتراهُ أبعدَ مايكونُ إذا دنا
فطفقتُ أُنشدُ إذ بصرتُ بحمقهِ
بيتاً جعلتُ الشّطرَ نته مضمناً
يا ثقلَ صورته،وخفة رأسهِ
هلا نقلتِ إلى هنا من ها هنا

علي بن الجهم

أمّا الرغيفُ لدى الخِوا
نِ فمن حماماتِ الحرمْ
ما إن يُمسُّ ولا يُجسُّ
ولا يُذاقُ ولا يُشم
وتراهُ أخضرَ يابساً
يأبى النفوس من الهرم
أنتَ كالكلبِ في حفاظكَ للودِّ
وكالتيسِ في قراعِ الخطوبِ
أنتَ كالدلوِ لا عدمناك دلواً
من كبارِ الدلا كثير الذنوبِ
ما كنتُ أحسَبُ أنَّ الخبزَ فاكهةٌ
حتى نزلتُ على زيد بن منصور
الحابسِ الروثَ في أعفاجِ بغلتهِ
خوفاً على الحَبِّ من لقطِ العصافير
يا أُمّنا أفديكِ من أُمِّ
أشكو إليك فظاظةَ الجَهمِ
قد سرّحَ الصبيانَ كلّهم
(كتب هذا وهو صغير بعد أن حبسه والده)

وبقيتُ محصوراً بلا جُرمِ

محمود الوراق

أظهروا للناسِ نُسكاً
وعلى المنقوشِ داروا
ولهُ صاموا وصلوا
ولهُ حجوا وزاروا
ولهُ قاموا وقالوا
ولهُ حلّوا وساروا
لو غدا فوقَ الثريا
ولهم ريشٌ لطاروا

محيى الدين بن عربي

إذا رأى أهل بيتي الكيسَ ممتلئاً
تبسمت ودنتْ مني تُمازحني
وإن رأتهُ خلياً من دراهمهِ
تكرّهتْ وانثنتْ عني تقابحني

الحارث الكندي

فلما أن أتيناهُ وقلنا
بحاجتنا تلوّنَ لونَ وَرسِ
وآضَ بكفّهِ يحتكُّ ضِرساً
يُرينا أنّهُ وجعٌ بضرسِ
فقلتُ لصاحبي أبِهِ كُزازٌ
وقلتُ أسرّه أتراهُ يُمسي
وقمنا هاربين معاً جميعاً
نُحاذرُ أن نُزنَّ بقتلِ نفسِ

ابن هانىء الاندلسي

يا ليتَ شعري،إذا أومى إلى فمهِ
أحلقُهُ لهوات أم ميادينُ
كأنّها وخبيثُ الزادِ يضرمها
(يصف أكولا)

جهنم،قذفت فيها الشياطين

أحمد بن كشاجم

صديقُ لنا من أبرعِ الناسِ في البخلِ
وأفضلهم فيه،وليسَ بذي فضلِ
دعاني كما يدعو الصديقُ صديقَهُ
فجئتُ كما يأتي إلى مثلهِ مثلي
فلما جلسنا للطعامِ رأيتُهُ
يرى أنّهُ من بعضِ أعضائه أكلي
ويغتاظُ أحياناً ويشتمُ عبدَهُ
وأعلمُ أنَّ الغيظَ والشتمَ من أجلي
فأقبلتُ أستلُّ الغداءَ مخافةً
وألحاظُ عينيهِ رقيبٌ على فِعلي
أمدُّ يدي سراً لاسرقَ لقمةً
فيلحظني شرراً فأعبثُ بالبَقلِ
إلى أن جنت كفّي لحتفي جنايةً
وذلكَ أنّ الجوعَ أعدمني عقلي
فجرّت يدي للحين رِجلَ دجاجةٍ
فَجُرّتْ،كما جرّتْ يدي رجلها رجلي
وقدّمَ من بعد الطعامِ حلاوةً
فلم أستطعْ فيها أُمرُّ ولا أُحلي
وقمتُ لو أني كنتُ بَيّتَ نيّةً
ربحتُ ثوابَ الصومِ مع عدم الأكلِ

ابن عنين

طوّلت يا دولعيُّ فقصّرْ
فأنتَ في غيرِ ذا مُقصّرْ
خطابةٌ كلها خطوبٌ
وبعضها للورى مُنّفرْ
البغلُ والجاموس في جدليهما
قد أصبحا مثلاً لكلِّ مناظرِ
برزا عشيّة ليلةٍ فتناظرا
هذا بقرنيهِ وذا بالحافرِ

بديع الزمان الهمذاني

ويلي على كَفينِ من سَويق
أو شحمةٍ تُضربُ بالدقيقِ
تفتأ عنا سطواتِ الريقِ
يا جالبَ الرحمة بعد الضيقِ

أبو علي البصير

غناؤُكِ عندي يُميتُ الطرب
وضرُبكِ بالعودِ يُحي الكرب
ولم أرَ قبلكِ من قينةٍ
تغني فأحسبها تنتحبْ
ولا شاهدَ الناسُ إنسيّةً
سواكِ لها بدنٌ من خشبْ
ووجه رقيب على نفسهِ
ينفر عنه عيون الرِّيب

ابن هرمة

نكس لما أتيتُ سائلَهُ
واعتلَّ تنكيس ناظم الخرز

أبو الحسن علي بن يونس المنجم

وذي حرصٍ تراهُ يلمُّ وَفراً
لوارثه،ويدفع عن حِماه
ككلبِ الصيدِ يُمسك وهو طاوي
فريستهُ ليأكلها سواه

إسماعيل بن عمار

جارٌ لهُ باب ساج مغلقٌ أبداً
عليه من داخلٍ حُرّاسُ أحراسِ
عبدٌ وعبدٌ وبنتاهُ وخادمهُ
يدعونَ مثلهم ماليسَ من ناسِ
صفرُ الوجوهِ كأنَّ السّلَ خامرهم
وما بهم غير جهدِ الجوعِ من باسِ
لهُ بنونٌ كأطباءٍ مُعلقة
في بطنِ خنزيرٍ في دارِ كناسِ
إن نفتح الباب عنهم بعد عاشرة
تظنهم خرجوا من قعرِ أرماسِ

الحمدوي

عذلوني على الحماقةِ جهلاً
وهيَ من عقلهم ألذُّ وأحلى
لو رأوا ما لقيتُ من حرفةِ العقل
لطاروا إلى الحماقة رسلا
حُمقي اليومَ قائمٌ بعيالي
ويموتونَ إن تعاقلتُ ذلا

ابن العلاف

يا هر فارقتنا ولم تعد
وكنتَ منا بمنزلة الولد
وكيف ننفكُّ عن هواك
وقد كنت لنا عدّة من العدد
تمنعُ عنا الاذى وتحرسنا
بالغيبِ من حية ومن جرد
وتخرج الفأر من مكامنها
ما بين مفتوحها إلى السدد
يلقاك في البيت منهم عدد
وأنت تلقاهم بلا عدد

محمد بن موسى الحدادي البلخي

نال الحمارُ بالسقوطِ في الوحل
ما كانَ يهوى ونجا من العمل

أبو اسحق الصابي

يا منْ تَعمّمَ فوق رأسٍ فارغٍ
بعمامةٍ مَروية بيضاء
حسنت وقُبِحَ كلّ شىء تحتها
فكأنّها نورٌ على ظلماء
لما بدا فيها أطلت تعجبني
من شرِّ شىءٍ في أجلِّ إناء
لو أنني مُكنت مما أشتهي
وأرى من الشهواتِ والآراء
لجعلتُ موضعك الثرى وجعلتها
في رأس حرِّ من ذوي العلياء

الهلال الحموي

ليت شعري منْ لقلبي أمرضوا
هم إلى الآن غضابٌ أم رضوا
غرضي همُ أعرضوا أم أغرضوا
بالتجني أم على قتلي نووا
عني لووا،قلبي كووا،عزّاً حووا
وعلى العرش من الحسنِ استووا

زين الدين الحمصي

لحماً شووا،خبزاً طووا،بيضاً قلووا
وعلى السّمنِ القبوات استووا
أيها الإخوان للأكل انهضوا
وذروا الجوعَ وعنهُ أعرضوا
وعلى الخروفِ بالكفِّ اقبضوا
بأصابيع على الصحنِ هووا
يا صدرَ بَصما كم برزتُ أحاربه
والقطرُ طابت للنفوسِ مشاربه
ما من أرز واللحوم تصاحبه
إلا ومغناطيس قلبي جاذبه
بالكفّ والاسنان بالله
يا جوعان ،قم سغسغ الرغفان
فالجوع شَين
والطعام يناسبه

يحيى بن عبد العظيم الملقب بالجزار

لا تلمني يا مولاي في سوءِ فعلي
عندما قد رأيتني قصّابا
وكيفَ لا أرضى الجزارة ما ع
شتُ قديماً وأترك الأدابا
وبها صارت الكلاب ترجي
ني وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ابن حزمون

تأملتُ في المرآة وجهي فخِلتهُ
كوجهِ عجوزٍ قد أشارتْ إلى اللهوِ
إذا شئتَ أن تهجو تأمّلْ خليقتي
فإنّ بها ما قد أردتَ من الهجوِّ
كأنَّ على الأزرارِ مني عَورةً
تُنادي الورى غُضوا ولا تنظروا نحوي
فلو كنتُ مما تُنبتُ الأرضُ لم أكنْ
من الرائقِ الباهي ولا الطيّبِ الحلوِ

حميد الأرقط

أواثبُ ضيفي حينَ يُقبلُ طارقاً
بسيفي ولا أرضى بما صنعَ الكلبُ
وأضربهُ حتى يقول قتلتني
على غيرِ جرمٍ قلتُ قلَّ لكَ الضربُ

أوس بن ثعلبة التيمي

صبرتُ على ليلى ثلاثينَ حجّةً
تُعذبني ليلى مراراً وتصخبُ
إذا قلتُ هذا يوم ترضى تنّمرتْ
وقالتْ فقيرٌ سىء الخُلقِ أشيبُ
فقلتُ لها قد يفقرُ المرءُ حقبة
ويصبرُ والأيامُ فيها التقلّبُ
فلما رأيتُ أنّها ليَ شانىءٌ
تنكبتها والحرُّ يحمى ويغضبُ
وطلقتها إني رأيتُ طلاقها
أعفُّ في الأرض العريضة مذهبُ

الشاعر القروي

قالوا حلقت الشاربين
ويا ضياع الشاربين
فأجبتهم بل بئس ذان
ولا رأت عيناي ذين
الشاغلين المزعجين
الطالعين النازلين
ويلي إذا ما أرهفا
ذنبيهما كالعقربين
إن ينزلا لجما فمي
أو يطلعا التطما بعينين
وإذا هما بُسِطَ الخوان
تراهما بسط اليدين
فإذا أردت الأكل يقتسمان
بينهما وبيني
وإذا أردت الشرب يمتص
ان كالاسفنجيين
فكأنني بهما وقد وقفا
ببابِ المنخرين
عبدان من أشقى العبيد
تقاضيا ملكاً بدينِ

معروف الرصافي

سوّدَ الله منك يا شيخ وجهاً
غشَّ حتى باللحيةِ السوداءِ
لو نتفنا من شعرها وغزلنا
لنسجنا خمسين ثوب رياء

أحمد صافي النجفي

أُكابدُ البردَ في سراجٍ
يكادُ من ضعفهِ يموتُ
في غرفةٍ ملؤها ثقوبٌ
أو قُلْ ملؤها بيوتُ
يسكنُ فيها بلا كراءٍ
فأرٌ وبقٌ وعنكبوتُ
للفأرِ في مأكلي غذاءٌ
والبقُّ جسمي لديهِ قوتُ
واعتزل العنكبوتُ أمري
وفي بقاهُ معي رضيتُ
كم صادَ في الصيفِ من بعوضٍ
قد كنتُ من لذعهِ خشيتُ
ينسجُ فوقَ الثقوبِ بيتاً
به من الشمسِ قد وُقيتُ

عبد الله النجار الوزير السوري السابق

ولقد ذكرتُكِ والحمارُ مُعاندي
فوقَ الحديدِ وقد أتى الوابور

خليل مردم بك

جَهمٌ كظلِّ الصخرِ من يرهُ يقُل
هو وجهُ ميت بالسخام مُحنطُ
فإذا تمعرَّ أو تكشرَّ ضاحكاً
أحفى شواربه ولحيته معاً
ومشى العَرضنة حاسراً عن رأسه
ويشيرُ إذ يبدى بعشر أصابعٍ

فكأنّهُ من وجههِ يتغوّطُ
أرأيتَ رأسَ التيس ساعة يُسمطُ
فكانهُ إذ ذاكَ قردٌ أشمطُ
ويدورُ مثل أبي الرياح وبلعطُ
وإذا تنحنحَ في الكلامِ حسبتهُ
وكلامهُ متقطع بسعاله
فكأنهُ بضجيجهِ وعجيجهِ

ثوراً يخورُعلى العليقِ وينحطُ
كالعيرِ يبهر في النهيقِ فيغططُ
ذو جنّةٍ بقيودهِ يتخبطُ

جمال الدين المصري

تزوجَ الشيخُ أبي شيخةً
ليسَ لها عقلٌ ولا ذهنُ
لو برزت صورتها في الدجى
ما جسرتْ تبصرها الجنُّ
كأنّها في فرشها رَمّةً
وشعرها من حولها قطنُ
وقائلٍ قال فما سِنّها
فقلتُ ما في فمها سنُّ

حسن جبينة الدسوقي

إن ترغبوا يا قومُ في السيران
فجمعوا دراهم الإخوان
وبعدُ سيروا بالسرورِ والهنا
وأرسلوا أكلاً لنا يُشبعنا
وهيئوا هذا الذي ذكرتهُ
ونوع حلوى ليس يخفى نعتهُ
واصطحبوا صوتاً جميلاً حسناً
ومن يكونُ مطرباً يُضحكنا
وأبعدوا عنا عذولاً يرقبُ
وإن تشاؤوا في الرياضِ فالعبوا
وانتخبوا لنا مكاناً معتبر
وأجلسونا حول زهرٍ ونهر
لنجتلي ثلاثة تجلو الحَزن
الماءُ والخضرةُ والشكل الحسن

نعمة قازان

لقد أهديتُ توفيقاً حذاءً
فقال الحاسدون وما عليه
اما قال الفتى العربي يوماً
شبيهُ الشىء مُنجذبٌ إليه
فردّ عليه:

لو كان يُهدى إلى الإنسانِ قيمته
لكنت أستأهلُ الدنيا وما فيها
لكن تقبلتُ هذا النعل معتقداً
أن الهدايا على مقدارِ مُهديها

فضالة بن شريك

إذا جئتهُ تبغي القِرى باتَ نائماً
بطيناً وأمسى ضيفهُ غيرُنائمِ
أناسٌ إذا ما الضيفُ حلَّ بيوتهم
غدا جائعاً عيمانَ ليسَ بغانمِ

حران العود

يقولونَ في البيتِ لي نعجةٌ
وفي البيتِ لو يعلمون النّمرْ
أحبّي لي الخيرَ أو ابغضي
كلانا بصاحبهِ ينتظرْ

ابن دريد الأزدي

لو أنزل الوحيُ على نفطويه
لكانَ هذا الوحيُ سُخطاً عليه
وشاعرٌ يُدعى بنصف اسمه
مستأهلٌ للصفعِ في أخدعيه
أفٍ على النحو وأربابهِ
قد صار من أربابه نفطويه
أحرقهُ الله بنصف اسمه
وصيّرَ الباقي صُراخاً عليه

حماد بن جعفر

حديثُ أبي الصّلتِ ذو خبرةٍ
بما يُصلحُ المعدة الفاسده
تَخوّفَ تُخمةَ إخوانهِ
فعوّدهم أكلةً واحده

الضحاك بن قيس الشيباني

تزوجتُ أبغي قُرّة العين أربعاً
فياليتني والله لم أتزوجِ
فواحدةٌ لا تعرفُ الله ربّها
ولم تدرِ ما التقوى ولا ما التحرّجِ
وثانيةٌ حمقاء تزني مخافةً
تُواثبُ من مرّتْ به لا تُعَرِّجُ
وثالثةٌ ما إن توارى بثوبها
مُذكرّةٌ مشهورةٌ بالتبرّجِ
ورابعةٌ ورهاءُ في كلِّ أمرها
مُفَرّكةٌ هوجاءُ من نسلِ أهوجِ
فهُنَّ طلاقٌ كلّهنَّ بوائنٌ
ثلاثاً ثباتاً فاشهدوا لا ألجلج

أبو الشمقمق

إنّ رياحَ اللؤمِ من شحهِ
لا يطمعُ الخنزيرُ في سَلحهِ
كفاهُ قفلٌ ضلَّ مفتاحهُ
قد يئسَ الحدادُ من فتحهِ
برزتُ من المنازلِ والقبابِ
فلم يعثر على أحد حجابي
فمنزليَ الفضاءُ وسقفُ بيتي
سماءُ الله أو قطعُ السحابِ
فأنتَ إذا أردتَ دخلتَ بيتي
عليَّ مُسلّماً من غيرِ بابِ
لاني لم أجد مصراعَ بابٍ
يكونُ من السحابِ إلى الترابِ
ولا انشقّ الثرى عن عودِ تختٍ
أُؤمل أن أشدّ به ثيابي
ولا خفتُ الإباقَ على عبيدي
ولا خفتُ الهلاكَ على دوابي
ولا حاسبتُ يوماً قهرماناً
مُحاسبةَ فأغلظُ في حسابي
وفي ذا راحةٌ وفراغُ بالٍ
فدأبُ الدهرِ ذا أبداً ودأبي
لي بُييتٌ من النضارة قفرٌ
ليسَ فيهِ إلا النوى والنُخالة
فارقتهُ الجرذان من قلّة الخير
وطارَ الذبابُ نحو زبالة
وأقامَ السنّورُ فيهِ بِشرٍ
يسأل الله ذا العلا والجلالة
أن يرى فأرةً فلم يرَ شيئاً
ناكساً رأسه لطول الملالة
ثم ولّى كأنه شيخُ سوءٍ
أخرجوهُ من مَحبسٍ بكفالة
ما جمعَ الناسُ لدنياهم
أنفعَ في البيتِ من الخبزِ
وقد دنا الفِطرُ وصبياننا
ليسوا بذي تمرٍ ولا أرزِ
كانت لهم عنزٌ فأودى بها
وأجدبوا من لبنِ العنزِ
فلو رأوا خبزاً على شاهقٍ
لأسرعوا للخبزِ بالقفزِ
ولهُ لحيةُ تيسٍ
ولهُ منقارُ نَسرْ
ولهُ نكهةُ ليثٍ
خالطت نكهتهُ صَقرْ
هيهات تضربُ في حديدٍ باردٍ
إن كنتَ تطمعُ في نوالِ سعيدِ
والله لو ملكَ البحارَ بأسرها
وأتاهُ سُلمٌ في زمانِ مدودِ
يبغيه منها شَربة لطهورهِ
لأبى وقال تيممنَ بصعيدِ

حميد بن مالك الارقط

أتى يخبطُ الظلماءَ والليلُ دامسٌ
يُسائلُ عن غير الذي هوَ آملُ
فقلتُ لها قومي إليهِ فيسري
طعاماً فإنّ الضيفَ لا بدّ نازلُ
يقولُ وقد ألقى مراسيهِ للقِرى
أبنْ ليَ ما الحجاجُ بالناسِ فاعلُ
فقلتُ لعمري مالهذا طرقتنا
فكُلْ ودعِ الحجاجَ ما أنتَ آكلُ
فما زالَ عنهُ اللقم حتى كأنّهُ
من العِيِّ لما أن تكلمَ باقلُ

ابن دانيال الكحال

أصبحتُ أفقرَ من يروحُ ويغتدي
ما في يدي من فاقةٍ إلا يدي
في منزلٍ لم يحوِ غيري قاعداً
فإذا رقدتُ رقدت غيرَ ممدّدِ
لم يبقَ فيه سوى رسوم حصيرةٍ
ومِخدّةٍ كانت لأم المهتدي
ملقى على طَرحة في حشوها
وترى البعوضَ يطيرُ وهو بريشةٍ

قملٌ كمثل السمسم المتبدِّدِ
فإذا تمكنَ فوقَ عِرقٍ يفصدِ
والفأرُ يركض كالخيولِ تسابقت
وترى الخنافسَ كالزنوجِ تصفّعتْ

من كلِّ جرداء الأديم وأجردِ
من كلِّ سوداءِ الاديمِ وأسودِ
هذا ولي ثوبٌ تراهُ مرقعاً
ولكيفَ أرضى بالحياةِ وهمتي

من كلِّ لون مثل لونِ الهدهد
تسمو وحظّي في الحضيضِ الأوهدِ

اسحق بن خلف

ما سرّني أنني في طولِ داوودِ
وأنني علمٌ في البأسِ والجودِ
ماشيتُ داوودَ فاستضحكتُ من عَجبٍ
كأنني والدٌ يمشي بمولودِ
ما طولُ داوودَ إلا طولُ لحيتهِ
يظلُّ داوود فيها غيرَ موجودِ
لكنّهُ خصلةٌ منها إذا نفختْ
ريحُ الشتاءِ وجفَّ الماءُ في العودِ

أرطأة بن سهية

لقد رأيتُكَ عُرياناً ومؤتزرا
فما دريتُ أأنثى كنتَ أم ذكرا

الحزين الكناني

كأنما خلقت كفاهُ من حجر
فليسَ بين يديه والندى عمل
يرى التيمّمَ في برٍّ وفي بحرٍ
مخافة أن يرى في كفّهِ بللُ

مسكويه

أيا ذا الفضائل واللام حاءُ
وياذا المكارم والميم هاء
ويا أنجب الناس والباء سينٌ
ويا ذا الصيانة والصاد خاء
ويا أكتب الناس والتاء ذالٌ
ويا أعلمَ الناسِ والعينُ ظاء
تجود على الكلِّ والدال راء
فأنتَ السخيُّ ويتلوه فاء

ابن المجاور

صديق قال لي لما رآني
وقد صلّيت زهداً ثم صُمت:
على يدِ أيّ شيخٍ تبت؟قل لي
فقلت: على يدِ الإفلاسِ تبت

ابن الحجاج الكاتب

يا رائحاً في دارهِ غاديا
بغيرِ معنىً وبلا فائدة
قد جُنَّ أضيافُكَ من جوعهم
فاقرأ عليهم سورة المائدة

مزاحم العقيلي

أتاني بظهرِ الغيبِ أن قد تزوجتْ
فظلّتْ بيَ الأرضُ الفضاء تدورُ
وقد زايلتْ لُبّي ـ وقد كان حاضراً ـ
وكاد جناني عند ذاك يطيرُ
فقلتُ وقد أيقنتُ أن ليسَ بيننا
تلاقٍ وعيني بالدموعِ تمورُ:
أيا سُرعة الأحبابِ حين تزوجتْ
فهل يأتيني بالطلاقِ بشيرُ

أبو الحسين يحيى الجزار

سقى الله أكناف الكنافة بالقطر
وجادَ عليها سكراً دائم الدّر
وتباً لأيامِ المخلل إنها
تمرُّ بلا نفع وتُحسب من عمري

أبو العباس الأعمى

ألا من يشتري جاراً نؤوماً
بجارٍ لا ينامُ ولا يُنيمُ
ويلبسُ بالنهارِ ثيابَ ناسٍ
وشطرَ الليلِ شيطانٌ رجيمُ

عبد الله بن أوفى الخزاعي

فإن تشربْ الزقّ لا يَروِها
وإن تأكلِ الشاةَ لا تشبعِ
وليستْ بتاركةٍ مُحرّماً
ولو حُفَّ بالأسلِ الشُّرَعِ

ابن منير الطرابلسي

وصاحبٍ لا أملُّ الدهرَ صُحبتهُ
يشقى لنفعي وأجني ضرّهُ بيدي
أدنى إلى القلبِ من سمعي ومن بصري
ومن تلادي ومن مالي ومن ولدي
أخلو ببثي من خالٍ بوجنته
مدادهُ زايدُ التقصيرِ للمددِ
لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا
(يتكلم عن الضرس)

لناظريَّ افترقنا فرقةَ الأبد

اسماعيل بن إبراهيم الحمدوني

يا بنَ حربٍ كسوتني طيلسانا
ملَّ من صحبةِ الزمانِ وصدّا
إن تنفّستُ فيه ينشقُّ شقاً
أو تنحنحتُ فيه ينقدُّ قدّا
طال تردادهُ إلى الرّفو حتى
(طيلسان:ثوب)

لو بعثناهُ وحده لتهدّى

إبراهيم بن نصر الشافعي

متى سمع الناسُ في دينهم
بأنّ الغنا سنّةٌ تُتبعْ
وأن يأكلَ المرءُ أكلَ البعيرِ
ويرقص في الجمعِ حتى يقع
وقالوا:سكرنا بِحُبِّ الإله
وما أسكرَ القوم إلا القِصع
كذاكَ الحميرُ إذا أخصبت
يُهيّجها رِيّها والشبع

أحدهم

ولو عليكَ اتكالي في الغِداءِ إذاً
لكنتُ أولَ مدفونٍ من الجوعِ
وتراهم خشيّةَ الأضيافِ خُرساً
يُصلون الصلاةَ بلا أذان
ويكَ أبا طلحة ما تستحي
بلغتَ سبعين ولم تلتحي
وإنّي لأجفو الضيفَ من غيرِ عُسرةٍ
مخافةَ أن يضرى بنا فيعودُ
حيوا الحكيمَ ولا تنسوا قرينته
فهو سليمان والمدام بلقيس
لهُ غلامٌ أطالَ الله مدّتهُ
تنازع العرب فيه والفرنسيس
لا تعذلوه إذا ما خانَ أمته
فنصفهُ صالح والنصف موريس
إذا ما ماتَ ميتٌ من تميم
فَسرّكَ أن يعيش فجىء بزادِ
بخبزٍ أو بسمنٍ أو بتمر
أو الشىءُ المُلفّفِ في البجادِ
تراهُ يطوفُ في الآفاقِ حرصاً
ليأكل رأسَ لقمان بن عادِ
تزوجتُ اثنتينِ لفرطِ جهلي
بما يشقى بهِ زوجُ اثنتين
فقلتُ أصيرُ بينهما خروفاً
أنعمُ بين أكرمِ نعجتين
فصرتُ كنعجةٍ تُضحي وتُمسي
تداولُ بينَ أخبثِ ذئبتين
ولقد مدحتُكَ كي أجيدَ قريحتي
وعرفتُ أنّ المدحَ فيكَ مُضيَعُ
فلما تبدّى للقوابلِ وجههُ
نكصنَ على أعقابهن من الندمِ
وقُلنَ وأخفينَ الكلامَ تستراً
ألا ليتنا كنا تركناهُ في الرّحمِ
وإن أتوكَ وقالوا إنها نصف
فإن أحسنَ نصفيها الذي ذهب
عجوزٌ تُرَجّي أن تكونَ فتيةً
وقد لُحِبَ الجنبانِ واحدودبَ الظهرُ
تدسُ إلى العطارِ سِلعةَ أهلها
وهل يُصلحُ العطار ما أفسدَ الدهرُ
تسائلني عن نفسها هل أحبّها
فقلت لها:لا والذي أمرهُ الأمرُ
وما غرّني إلا خضابٌ بكفّها
وكُحلٌ بعينها وأثوابُها الصفرُ
وجاؤوا بها قبل المِحاقِ بليلةٍ
فكان مِحاقاً كلّهُ ذلك الشهر
لو أنَّ خِفةَ عقلهِ في رجلهِ
سبقَ الغزالَ ولم يُفتهُ الأرنبُ
ولقد قتلتك بالهجاءِ فلم تمتْ
إنّ الكلابَ طويلةُ الأعمار
وجيرةٍ لاترى في الناسِ مثلهم
إذا يكونُ لهم عيدٌ وإفطارُ
إن يوقدوا يوسعونا من دُخانهمُ
وليسَ يبلغنا ما تُنضجُ النارُ
لها جسمُ بُرغوثٍ وساقا بعوضة
ووجهٌ كوجهِ القردِ بل هو أقبحُ
وتبرُقُ عيناها إذا ما رأيتها
وتعبِسُ في وجهِ الضجيعِ وتكلَحُ
وتفتحُ ـ لا كانت ـ فماً لو رأيته
توهمتهُ باباً من النارِ يُفتحُ
فما ضحكت في الناسِ إلا ظننتها
أمامهم كلباً يَهرُّ وينبحُ
إذا علينَ الشيطانُ صورةَ وجهها
تعوّذَ منها حينَ يُمسي ويُصبحُ
وقد أعجبتها نفسُها فتملحت
بآيّ جمال ليت شعري تَملحُ
أتيتُ المُساورَ في حاجةٍ
فما زالَ يسعلُ حتى ضَرطْ
وحكَّ قفاهُ بكرسوعهِ
ومسّحَ عثنونهُ وامتخط
فأمسكتُ عن حاجتي خيفةً
لأخرى تُقطَعُ شرجَ السَّقط
فأقسم لو عدتُ في حاجتي
للطخَ بالسّلحِ وشىَ النمط
وقالَ غلطنا حسابَ الخراج
فقلتُ من الضرطِ جاء الغلط
خبروها بأنني قد تزوج
تُ فظلتْ تكاتمُ الغيظَ سراً
ثم قالت لأختها ولأخرى
جزعاً:ليتهُ تزوجَ عشرا!
وأشارتْ إلى نساءٍ لديها
لا ترى دونهنَّ للسرِّ سترا
ما لقلبي كأنّهُ ليسَ مني
وعظامي كأنَّ فيهنَّ فترا
من حديثٍ نما إليَّ فظيعٌ
خِلتُ في القلبِ من تلظيهِ جمرا
إخواننا طلبوا الصبوح بسحرة
بعثوا رسولهم إليَّ خصيصا
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه
قلت اطبخوا لي جبّةً وقميصا
يجوعُ ضيفُ أبي نو
حٍ بُكرةً وعشيّة
أجاعَ بطني حتى
وجدتُ طعمَ المنيّه
وجاءني برغيفٍ
قد أدركَ الجاهليه
فقمتُ بالفأسِ كيما
أدقُّ منه شظيه
فَثلمَ الفأسَ وانصا
عَ مثلَ سهمِ الرّميه
فشجَّ رأسي ثلاثاً
ودقَّ مني ثنيّه
فما الفيلُ تحملهُ ميتاً
بأثقلَ من بعضِ جُلاسنا
أيا من أذاقَ النفوسَ الغصص
رفعنا إلى الله فيك القصص
فوقع فيها ألا فاصبروا
فما زاد مازاد إلا نقص
قالت وقد شاهدت بِلمّته
صِبغاً وسجادة بجبهته
هذا الذي كنت قبل أعرفه
يكذب في وجهه ولحيته
شيخ كبير لهُ ذنوب
تعجز عن حملها المطايا
قد بيضّت شعرهُ الليالي
وسوّدت وجهه الخطايا
رأى”الصيف” مكتوباً على بابِ داره
فصحّفهُ “ضيفاً” فقام إلى السيفِ
فقلنا له”خيراً” فظنَّ بأننا
نقول له”خبزاً” فماتَ من الخوفِ
نوالُكَ دونهُ خرطُ القتادِ
وخبزُك كالثريا في البعادِ
ولو أبصرت ضيفاً في منامٍ
لحرّمت الرقاد على العبادِ
تغيّرَ إذ دخلتُ عليه حتى
فطنتُ فقلتُ في عرض المقالِ
عليَّ اليوم نذرٌ من صيامٍ
فأشرقَ وجهه مثل الهلال
لحمصَ أم لحماة اليوم تنتسبُ
هنا العمى وهناكَ المعشرُ الجدبُ
وفي دمشق علاكاتٌ مصدّيةٌ
وللتناحةِ دارٌ اسمها حلبُ
جئتُ إلى بابِ صديقٍ لنا
وبابهُ من دونهِ مُقفلُ
وحول ذاك البابِ غلمانه
قد أحدقوا بالبابِ واستكملوا
فقلتُ: ما يفعلُ مولاكم؟
قالوا:سمعنا أنه يأكلُ
قلتُ:وهل يفتحُ مولاكم؟
قالوا:نعم رأس الذي يدخلُ
إن شئت أن تبصر أعجوبةً
من جَورِ أحكامِ أبي السائب
فاعمِدْ من الليلِ إلى صُرّةٍ
وقرر الأمرَ مع الحاجب
حتى ترى مروان يقضي له
على علي بن أبي طالب
يُحصّنُ زادهُ عن كلِّ ضرسٍ
ويُعملُ ضرسهُ في كل زاد
ليتني كنتُ ساعةً مَلكَ المو
ت فأفني الثقالَ حتى يبيدوا
ولو أني وأنتَ في جنةِ الخ
لدِ لقلتُ الخروج منها أريدُ
لدخول الجحيم أهون من
جنة خلدٍ أراكَ فيها ترودُ
أوصيتُ من بَرَّة قلباً حراً
بالكلبِ خيراً والحماة شراً
لا تسأمي ضرباً لها وجرّاً
حتى يروا حلوَ الحياةِ مرا
سُبي الحماةَ وابهتي عليها
وإن رنت فازدلفي إليها
وأوجعي بالفِهرِ ركبيها
ومرفقيها واضربي جنبيها
لا تخبري الدهر بذاك لبنيها

أهدتْ إليهِ سفرجلا فتطيرَّ
منهُ وظلّ متيماً مستعبرا
خاف الفراق لأن أول اسمه
سفر فحقّ له بأن يتطيرا
لا يحبُّ الشقائقا
كلّ من كان عاشقا
إن نصف اسمه شقا
ء إذا فهت ناطقا
أهدى لهُ أحبابهُ أترجة
فبكى وأشفقَ من عيافة زاجر
خاف التلون إذ أتتهُ لأنها
لونان باطنها خلاف الظاهر
أهدت إليه بنفسجاً يسليه
تُنبيه أن بنفسها تفديه

الغربة والحنين إلى الوطن ـ الجزء الثاني ـ

الغربة والحنين إلى الوطن

الجزء الثاني

المتنبي

ذِكرُ الصّبا ومراتعُ الآرامِ
جلبتْ حِمامي قبل وقتِ حمامي
دِمنٌ تكاثرتِ الهمومُ عليَّ في
عرصاتها كتكاثرِ اللّوامِ
ذَرِ النفسَ تأخذ وُسعها قبل بينها
فمفترق جارانِ دارهما العمرُ
بأبي مَنْ ودِدتهُ فافترقنا
وقضى الله بعدَ ذاك اجتماعا
فافترقنا حولاً،فلما اجتمعنا
كانَ تسليمهُ عليَّ الوداعا
لك يا منازلُ في القلوبِ منازلُ
يعلمنَ ذاكِ،وما علمتِ،وإنّما

أقفرتِ أنت وهنَّ منك أواهلُ
أولاكما يبكي عليهِ العاقلُ
كلّ يومٍ لكَ احتمالٌ جديد
ومسيرٌ للمجدِ فيهِ مُقام
تذكرتُ مابينَ العُذيبِ وبارق
مجرّ عوالينا ومجرى السوابق
شرُّ البلادِ بلادٌ لا صديقَ بها
وشرُّ ما يكسبُ الإنسانُ ما يَصِمٌ
يامنْ يَعِزُّ علينا أن نفارقهم
وجدانُنا كلَّ شىء بعدكم عَدمُ
أرى النّوى يقتضيني كلَّ مرحلةٍ
لا يستقلُّ بها الوخادةُ الرُسمُ
إذا ترّحلتَ عن قومٍ وقد قدروا
أن لا تُفارقهم فالراحلونَ هُمُ
أجابَ دمعي وما الداعي سوى طلل
دعا فلبّاهُ قبل الركبِ الإبلُ
ظللتُ بينَ أصيحابي أكفكفه
وظلّ يسفحُ بينَ العذر والعذلُ
أشكو النوى ولهم من عبرتي عجب
كذاك كانت وما أشكو سوى الكللُ
وما صبابةُ مشتاقٍ على أمل
من اللقاءِ كَمُشتاقٍ بلا أملُ
قد ذُقتُ شدّة أيامي ولذّتها
فما حصلتُ على صابٍ ولا عسلُ
ألِفتُ تَرحلُّي وجعلتُ أرضي
فتودي والعزيريّ الجُلالا
فما حاولتُ في أرضٍ مُقاما
ولا أزمعتُ عن أرضٍ زوالا
على قلقٍ كأنَّ الريحَ تحتي
أُوجهها جَنوباً أو شمالا
بأيَّ بلادٍ لم أجُرَّ ذؤابتي
وأيُّ مكانٍ لم تطأهُ ركائبي
والعيشُ غضٌّ والحواسدُ نُوّمٌ
عنا وعينُ البينِ قد كُحلت عمى
بقائي شاءَ ليسَ هُمُ ارتحالا
وحُسنَ الصبرِ زَمُوا لا الجمالا
تولّوا بغتةً فكأنَّ بيناً
تهيّبني ففاجأني اغتيالا
فكانَ مسيرُ عيسهم ذَميلاً
وسيرُ الدمعِ لإثرهمُ انهمالا
كأنَّ العيسَ كانت فوقَ جفني
مُناخاةٍ فلما ثُرنَ سالا
وحجّبتِ النوى الظبياتِ عنّي
فساعدتِ البراقعَ والحجالا
في الخدِّ أن عزمَ الخليطُ رحيلاً
مطرٌ تزيدُ بهِ الخدودُ مُحولا
يا نظرةً نفتِ الرّقادَ وغادرتْ
في حَدِّ قلبي ما حييتُ فُلولا
أحيا وأيسرُ ما قاسيتُ ما قتلا
والبَينُ جارَ على ضعفي وما عدلا
والوجدُ يقوى كما تقوى النّوى أبداً
والصبرُ ينحلُ في جسمي كما نحلا
لولا مفارقةُ الأحبابِ ما وجدتْ
لها المنايا إلى أرواحنا سُبلا
فيا شوق ما أبقى ويالي من النّوى
ويادمع ما أجرى ويا قلبِ وما أصبى
لقد لعبَ البينُ المُشتُّ بها وبي
وزوّدني في السير ما زوّدَ الصّبا
ومن لي بيومٍ مثلِ يومٍ كرهتُهُ
قَرُبتُ به عند الوداعِ من البُعدِ
وألا يخصَّ الفقدُ شيئاً فإنني
فقدتُ فلم أفقد دموعي ولا وجدي
تَمَنٍ يلذُّ المُستهامُ بذكرهِ
وإن كانَ لا يُغني فتيلاً ولا يُجدي
وغيظٌ على الأيام كالنارِ في الحشا
فإمّا تريني لا أقيمُ ببلدةٍ

ولكنهُ غيظُ الاسيرِ على القِدِّ
فآفةُ غمدي في دُلوقيَ من حدّي
فديناكَ من ربعٍ وإن زدتنا كرباً
فإنّكَ كنتَ الشّرقَ للشمسِ والغربا
وكيفَ عرفنا رسمَ من لم يدع لنا
فؤاداً لعرفانِ الرسومِ ولا لُبّا
نذمُ السحابَ الغُرَّ في فعلها به
ونعرضُ عنها كلّما طلعت عتبا
لمّا تقطّعتِ الحمولُ تقطّعتْ
نفسي أسىً وكأنهنَّ طُلوحُ
وجلا الوداعُ من الحبيبِ محاسناً
حسنُ العزاءِ وقد جُلينَ قبيحُ
فيدٌ مُسلّمةٌ وطرفٌ شاخصٌ
وحشىً يذوبُ ومدمعٌ مسفوحُ
قِفا قليلاً بها عليَّ فلا
أقلّ من نظرة أزودها
ففي فؤادِ المُحبِّ نارُ جوىً
أحرُّ نار الجحيمِ أبردها
سهرتُ بعد رحيلي وحشة لكم
ثمّ استمرَ مريري وارعوى الوسن
وإن بُليت بودّ مثل ودّكم
فإنني بفراقِ مثله قمن
لو كُنَّ يومَ جرينَ كُنَّ كصبرنا
عند الرحيلِ لكُنَّ غيرَ سجامِ
لم يتركوا لي صاحباً إلا الأسى
وذَميلَ دعبلةٍ كفحلِ نعامِ
غنيٌّ عن الأوطانِ لا يستفزني
إلى بلدٍ سافرتُ عنهُ إيابُ
وكيفَ التذاذي بالأصائلِ والضحى
إذا لم يعدْ ذاكَ النسيمُ الذي هبّا
ذكرتُ بهِ وصلاً كأن لم أفز بهِ
وعيشاً كأنّي كنتُ أقطعهُ وثبا
وتوّقدت أنفاسُنا حتى لقد
أشفقت تحترقُ العواذلُ بيننا
أفدي المُودّعةَ التي أتبعتُها
نظراً فُرادى بينَ زفراتٍ ثُنا
طالَ غشيانكَ الكرائهَ حتى
قال فيكَ الذي أقولُ الحسامُ
وكفتكَ الصفائحُ الناسَ حتى
قد كفتك الصفائحَ الأقلامُ
وكفتكَ التجاربُ الفكرَ حتى
قد كفاكَ التجاربَ الإلهامُ
فارسٌ يشتري برازكَ للفخرِ
بقتلِ مُعجّلٍ لا يُلامُ
فواحسرتا ما أمرَّ الفراقَ
وأعلقَ نيرانَهُ بالكبودِ
حاشى الرقيب فخانتهُ ضمائره
وغيض الدمع فانهلّت بوادره
وكاتم الحبّ يومَ البينِ منهتك
وصاحبُ الدمعِ لا تخفى سرائره
فارقتكم فإذا ما كانَ عندكم
قبلَ الفراقِ أذى بعد الفراق يد
إذا تذكرت مابيني وبينكم
أعانَ قلبي على الشّوقِ الذي أجد
أحِنُّ إلى أهلي وأهوى لقاءَهم
وأينَ من المُشتاقِ عنقاء مغرب؟
بمَ التعلّلُ؟ لا أهلٌ ولا وطنٌ
ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سَكنُ
في سعة الخافقين مضطربٌ
وفي بلادٍ عن أختها بدلُ
وكم ذنبٍ مولده دلال
وكم بعد مولده اقترابُ
يُضاحكُ في ذا العيدِ كلّ حبيبه
حذائي،وأبكي من أحبّ وأندبُ
أحنُّ إلى أهلي وأهوى لقاءَهم
وأينَ من المشتاقِ عنقاء مغرب
وكلُّ امرىء يُولي الجميلَ مُحبّبٌ
وكلُّ مكانٍ يُنبتُ العزَّ طيبُ
إذا التوديعُ أعرضَ قال قلبي
عليكَ الصمت لا صاحبتَ فاك
ولولا أن أكثر ما تمنى
معاودةٌ لقلت:ولا مناك

أبو تمام
أآلفةَ النحيبِ كم افتراقٍ
ألمَّ فكانَ داعيةَ اجتماعِ
وليستْ فرحةُ الأوباتِ إلا
لموقوفٍ على تَرحِ الوداعِ
قالوا:أتبكي على رسمٍ ؟فقلت لهم:
من فاتهُ العينُ أدنى شوقهُ الأثرُ
لم يبقَ للصيفِ لا رسمٌ ولا طللُ
ولا مشيبٌ فيستكسى ولا سملُ
عدلٌ من الدمعِ أن يبكي المصيف
كما يبكي الشّباب ويبكي اللهو والغزلُ
أزعمتَ أنَّ الرّبعَ ليسَ يُتيّمُ
والدمعُ في دِمنٍ عَفتْ لا يَسجمُ
يا موسم اللذاتِ غالتك النوى
بعدي فربُعكَ للصبابةِ موسمُ
ولقد أراكَ من الكواعبِ كاسياً
فاليومَ أنت من الكزاعبِ مُحرِمُ
لحظت بشاشتُكَ الحوادثُ لحظة
مازلتُ أحلمُ أنها لا تسلمُ
البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ
والبينُ أثكلني وإن لم أثكلِ
ما حسرتي أن كدت أقضي إنّما
حسراتُ قلبي أنني لم أفعلِ
يا سَهمُ كيفَ يُفيقُ من سكرِ الهوى
حرّانُ يُصبحُ بالفراقِ ويُغبَقُ
مازالَ مُشتملَ الفؤادِ على أسىٍ
والبَينُ مُشتملٌ على من يعشقُ
حكمتْ لأنفسها الليالي أنّها
أبداً تُفرقنا ولا تتفرّقُ
ودِّعْ فؤادكَ توديعَ الفراقِ فما
أراهُ من سفر التوديعِ مُنصرفا
نأوا فظلّتْ لوِشكِ البينِ مقلتهُ
تندى نجيعاً ويندى جسمهُ سَقما
أظلّهُ البينُ حتى أنّهُ رجلٌ
لو مات من شُغلهِ بالبينِ ما علما
فكادَ شوقي يتلو الدمع منسجماً
إن كانَ في الا{ضِ شوقٌ فاضَ فانسجما
وما القَفرُ بالبيدِ الفضاء،بل التي
نبتْ بي وفيها ساكنوها هي القفرُ
كذلكَ لا يُلقي المسافرُ رَحْلهُ
إلى منقل حتى يُخلِّف منقلا
ولا صاحبُ التطوافِ يعمرُ منهلاً
ورَبعا إذا لم يُخلِ ربعاً ومنهلا
ومن ذا يداني أو ينائي؟وهل فتى
يحلُّ عُرى الترحالِ أو يترحلا؟
سقى عهدَ الحمى سَبَلُ العِهادِ
ورُوّي حاضر منهُ وبادِ
نزحت بهِ رَكيَّ الدمعِ لما
رأيتُ الدمعَ من خيرِ العتادِ
قالوا الرحيل! فما شككتُ بأنّها
نفسي عن الدنيا تريدُ رحيلا
الصبرُ أجملُ غيرَ أنَّ تلدُّداً
في الحبِّ أحرى أن يكون جميلا
كانتْ لنا ملعباً نلهو بزخرفهِ
وقد ينفسُ عن جدِّ الفتى اللعبُ
لأوّدعنكَ ثمَّ تدمعُ مقلتي
إنّ الدموعَ هي الوداعُ الثاني
لا والذي هو عالِمٌ أنّ النّوى
صبرٌ وأنّ أبا الحسين كريمُ
مازلتُ عن سَننِ الودادِ ولا عدتْ
نفسي على إلفٍ سواكِ تحومُ
ما اليومُ أوّلُ توديعي ولا الثاني
وما أظنُّ النوى ترضى بما صنعت

البينُ أكثرَ من شوقي وأحزاني
حتى تشافه بي أقصى خراسان
نسائلُها أيَّ المواطنِ حَلّتِ
وأيِّ ديارٍ أوطنتها وأيتِ
وماذا عليها لو أشارت فودّعتْ
إلينا بأطرافِ البنانِ وأومتِ
وما كانَ إلا أن تولّتْ بها النّوى
فولّى عزاءُ القلبِ لمّا تولّتِ
فأمّا عيونُ العاشقينَ فأسخنت
ولما دعاني البينُ ولّيت إذ دعا
فلم أرَ مثلي كان أوفى بعهدها
مشوقٌ رمتهُ أسهمُ البينِ فانثنى
لئن ظمئت أجفانُ عينٍ إلى البكا
عليها سلامُ الله آنّى استقلّتِ

وأمّا عيونُ الشامتينَ فَقرّتِ
ولمّا دعاها طاوعتهُ ولبّتِ
ولا مثلها لم ترعَ عهدي وذمّتي
صريعاً لها لما رمتهُ فأصمتِ
لقد شربت عيني دماً فتروّتِ
وآنّى استقرّت دارها واطمأنتِ
على أنّ الغريبَ إذا استمرّت
بهِ مَرُ النّوى آسى الغريب
عذلتْ غروبُ دموعهِ عذالهُ
بسواكبٍ فَندَّنَ كلَّ مُفَندِ
أتت النوى دونَ الهوى فأتى الأسى
دونَ الأسى بحرارةٍ لم تبرُدِ
جارى إليهِ البينُ وصلَ خريدةٍ
ماشت إليه المَطلَ مشيَ الأكبدِ
عبثَ الفراقُ بدمعهِ وبقلبهِ
عبثاً يروحُ الجدُّ فيهِ ويغتدي
يا يومَ شردَ يومَ لهوي لهوهُ
بصبابتي وأذلَّ عزَّ تجلّدي
ليالينا بالرقتينِ وأهلها
سقى العهدَ منكِ العهدُ والعهدُ والعهدُ
غدت تستجيرُ الدّمعَ خوفَ نوى غدِ
وعادَ قتاداً عندها كلَّ مَرقدِ
وأنقذها من غمرةِ الموتِ أنّهُ
صدودُ فراقٍ لا صدودُ تعمّدِ
فأجرى لها الإشفاقُ دمعاً مُورداً
من الدّمِ فوقَ خدٍّ موردِ
صريعُ هوى تُعاديهِ الهمومُ
بنيسابورَ ليسَ لهُ حميمُ
غريبٌ ليسَ يؤنسهُ قريبٌ
ولا يأوي لِغربتهِ رحيمُ
مقيمٌ في الديارِ نوى شطونٌ
يُشافههُ بها كمدٌ مقيمُ
يمدُّ زمامهُ طمعٌ مقيمٌ
تدّرعَ ثوبهُ رجلٌ عديمُ
ولو تراهمْ وإيانا وموقفُنا
في مأتمِ البينِ لاستهلالنا زجل
من حُرقة أطلقتها فرقةٌ أسرت
قلباً ومن غزلٍ في نحرهِ عذلُ
وقد طوى الشّوقَ في أحشائنا بقرٌ
عينٌ طوتهنَّ في أحشائها الكِللُ
فرغن للسحر حتى ظلَّ كلُّ شجٍ
حرّان في بعضهِ عن بعضهِ شغلُ
فقد فارقتُ بالغربيِّ داراً
بأرضِ الشآمِ حَفَّ بها النعيمُ
وكنتُ بها المُمّنعُ غير وغد
ولا نكدٍ إذا حلَّ بها العظيمُ
فإن أكُ حللتُ بدارِ هونٍ
صبوتُ بها فقد يصبو الحليمُ
وما أظنُّ النّوى ترضى بما صنعتْ
حتى تطوحَ بي أقصى خراسانِ
لا عذرَ للصبِّ أن يقنى الحياء ولا
للدمعِ بعدَ مضي الحيِّ أن يقفا
حتى يظل بماء سافح ودم
في الربعِ يحسب من عينيهِ قد رعفا
إنّي لمنْ أن أرى حياً وقد برحتْ
بكَ النّوى يا شقيقَ النفس محتشمُ
إن لم أُقِمْ مأتماً للبينِ أُشهدهُ
أهلُ الوفاءِ فَودّي فيك مُتّهمُ
أو لوعةٍ منتوجةٍ من فُرقةٍ
حُقُّ الدموعِ عليَّ فيها واجبُ
وولهتُ مذ زُمّتْ ركابُكِ للنّوى
فكأنّني مذْ غُبتِ عني غائبُ
البينُ جرّعني نقيعَ الحنظلِ
والبينُ أثكلني وإن لم أثكلِ
ما حسرتي أن كدتُ أقضي إنما
حسراتُ نفسي أنني لم أفعلِ
ما اليومُ أوّلَ توديعٍ ولا الثاني
البينُ أكثرُ من شوقي وأحزاني
دعِ الفراقَ فإنّ الدهرَ ساعدَهُ
فصار أملكَ من روحي بجثماني
وغرّبتُ حتى لم أجد مشرقاً
خطوبٌ إذا لاقيتهنَّ رددنني
وقد يَكهَمُ السيفُ المُسّمى منيّةً

وشرّقتُ حتى قد نسيتُ المغاربا
جريحاً كأنّي قد لقيتُ الكتائبا
وقد يرجعُ المرءُ المظفر خائبا
لا أنتَ،أنتَ،ولا الديارُ ديارُ
خفَّ الهوى وتولّت الأوطارُ
كانت مجاورة الطلولِ وأهلها
زمناً عِذابَ الوِردِ فهي بِحارُ
أجلْ أيها الربعُ الذي خفّ أهلهُ
لقد أدركتْ فيكَ النوى ما تحاوله
ذكرتكم الأنواءُ ذكري بعضكم
فبكتْ عليكم بكرةً وأصيلا
وبنفسيَ القمرُ الذي بمحجر
أمسى مصوناً للنّوى مبذولا
جزى الله أيامَ الفراقِ ملامةً
كما ليس يومٌ في التفرُّقِ يُحمد
إذا ما انقضى يوم بشوقٍ مُبرّح
فلم يبقِ مني طولُ شوقي إليهم

أتى باشتياقٍ فادح بعده غدُ
سوى حسراتٍ في الحشا تتردّدُ
وأصرِف وجهي عن بلادٍ غدا بها
لسانيَ معقولاً وقلبي مُقفلا
وجدَّ بها قومٌ سواي فصادفوا
بها الصُّنع أعشى والزمانُ مغفلا
ما أقبلتْ أوجهُ اللذاتِ سافرةً
مذ أدبرتْ باللّوى أيامنا الأولُ
إن شئتَ ألا ترى صبراً لمصطبرِ
فانظرْ على أيِّ حالٍ أصبحَ الطللُ
كأنّما جادَ مغناهُ،فغيّرهُ
دموعُنا،يوم بانوا،وهي تنهملُ
ولو تراهم وإيانا وموقفنا
في مأتمِ البينِ لاستهلا لنا زحلُ
من حرقةٍ أطلقتها فرقةٌ أسرتْ
قلباً ومن غزلٍ في نحرهِ عذلُ
رحلَ العزاءُ مع الرحيلِ كأنّما
أُخذتْ عهودَهما على ميعادِ
فما وجدتُ على الأحشاءِ أوقدَ من
دمعٍ على وطنٍ لي،في سوى وطني
صيّرتُ لي من تباري عبرتي سَكناً
مذْ صرتُ فرداً بلا إلفٍ ولا سَكنِ
الموتُ عندي والفراقُ
كلاهما ما لا يُطاقُ
يتعاونان على النفوسِ
فذا الحِمامُ وذا السياق
لو لم يكن هذا كذا
ما قيلَ موتٌ أو فراق
وطولُ مقامِ المرءِ في الحيِّ مُخلِقٌ
لديباجتيه فاغتربْ تتجدّدِ
فإنّي رأيتُ الشمس زيدتْ محبة
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمدِ
يا بُعدَ غايةِ دمعِ العينِ إن بعدوا
هي الصّبابةُ طول الدهرِ والسُّهدِ
قالوا الرحيلُ غداً لاشكَّ قلتُ لهم:
آلانَ أيقنتُ أنّ اسم الحِمامِ غدُ
ما لامرىءٍ خاض من بحرِ الهوى عمرٌ
إلا وللبين منهُ السهلُ والجَلّدُ
كأنّما البينُ من إلحاحهِ أبداً
على النفوسِ أخٌ للموتِ أو ولدُ
النار نارُ الشّوقِ في كبد الفتى
والبينُ يوقدهُ هوى مسموم
خيرٌ له من أن يخامر صدرهُ
وحشاهُ معروف امرىء مكتوم
البحتري
سقى الغيثُ أجراعا عهدتُ بجوِّها
غزالاً تُراعيه الجآذرُ أغيدا
عَذَلاً يتركُ الحنينَ أنيناً
في هوىً يتركُ الدموعَ دماء
لا تلمني على البكاءِ فإنّي
نِضوُ شجوٍّ ما لُمتُ فيه البكاء
كيفَ أغدو من الصّبابةِ خِلواً
بعدما راحت الديارُ خلاء
وقوفكَ في أطلالهم وسؤالها
يُريكَ غروبَ الدمعِ كيف انهمالها
وكيفَ رحيلي والفؤادُ مُخَلّفٌ
أسيرٌ لديها لا يُفكُّ بِفادِ
فوالله ما أدري أأثني عزيمتي
عن الغربِ أم أمضي بغيرِ فؤادِ؟
وما بلغَ النَّومُ المُسامحُ لذةً
سوى أرقي في حُبّها وسُهادي
منازلٌ أنكرتنا بعد معرفةٍ
وأوحشت من هوانا بعد إيناسِ
ويومَ النّقا والبينُ يطرِفُ أعيناً
ذوارفَ لم تهممْ أسىً بجمودِ
فزعتُ إلى السّلوانِ فانحزتُ لاجئاً
إلى قل صبرٍ بالعزمِ مذود
رحلوا..فأيّةُ عبرةٍ لم تُسكبِ
أسفاً،وأيُّ عزيمةٍ لم تُغلّبِ؟
قد بيّنَ البينُ المٌفرّقُ بيننا
عشقَ النوى لربيب ذاك الربربِ
يا يومُ عَرِّجْ ،بل وراءكَ يا غدُ!
قد أجمعوا بيناً وأنتَ الموعدُ
ألفوا الفراقَ كأنّهُ وطنٌ لهم
لا يقربون إليهِ حتى يبعدوا
حجبوها حتى بدتْ لفراقِ
كانَ داءً لعاشقٍ ودواءَ
أضحكَ البينُ يومَ ذاكَ وأبكى
كلُّ ذي صَبوةٍ وسَرَّ وساءَ
فجعلنا الوداعَ فيه سلاماً
وجعلنا الفراقَ فيهِ لقاءَ
ووشتْ بي إلى الوشاةِ دموعُ ال
عينِ حتى حسبتها أعداءَ
فهلّا جزى أهلُ الحمى فيض عبرتي
وشوقي إلى أهلِ الحمى وتطلّعي
ألا لا تُذكرّني الحمى إنّ عهدهُ
جوىً للمشوقِ المستهامِ المُعذّبِ
ويا لائمي في عبرةٍ قد سفحتها
لبينٍ،وأخرى قبلها للتجنّبِ
تُحاولُ مني شيمةً غير شيمتي
وما كبدي بالمستطيعة للأذى
ولما تزايلنا من الجزع وانتأى
تبينتُ أن لادار من بعد عالج

وتطلبُ عندي مذهباً غير مذهبي
أسلو،ولا قلبي كثير التقلّبِ
مشرق ركب مصعد عن مغرب
تسرُّ وأن لا خلّة بعد زينب
رأى البرقَ مجتازاً فباتَ بلا لُبِّ
وأصباهُ من ذِكرِ البخيلة ما يُصبي
وقد عاجَ في أطلالها غيرَ مُمسكٍ
لدمعٍ،ولا مُصغٍ إلى عَذَلِ الرّكبِ
عَدتنا عوادي البعدِ عنها،وزادنا
بها كَلَفاً أنّ الوداعَ على عَتبِ
ولم أكتسبْ ذنباً فتجزيني بهِ
ولم أجترمْ جُرماً فُتعتب من ذنبِ
وأنّي اليومَ عن وطني شريدٌ
بلا جُرمٍ ومن مالي حريبُ
على حين استتمَّ الوهنُ عظمي
وأعُطيَ فيَّ ما احتكمَ المشيبُ
تشكو الفراقَ إلى قتيلِ صبابةٍ
شَرِقِ المدامعِ بالفراقِ مُعذّبُ
زِدني اشتياقاً بالمُدامِ وغَنّني
أعززْ عليَّ بِفرقةِ القرناءِ
فلّعلني ألقى الردى فيُريحني
عمّا قليل من جوى البُرحاءِ
وما التقتِ الأحشاءُ يومَ صبابةٍ
على بُرحاءٍ مثلَ بُعدِ الأقاربِ
إبكيا هذهِ المغاني التي أخ
لقها بُعدُ عهدها بالغواني
زعمَ الغرابُ مُنبىءُ الأنباءِ
أنّ الأحبّةَ آذنوا بتناءِ
فأثلجَ ببردِ الدمعِ صدراً واغراً
وجوانحاً مسجورةُ الرّمضاءِ
لا تأمرنّي بالعزاءِ،وقد ترى
أثرَ الخليطِ ولاتَ حينَ عزاءِ
قصرَ الفراقُ عن السّلوِّ عزيمتي
وأطالَ في تلك الرسوم بكائي
ولمّا تزايلنا من “الجزع” وانتأى
مُشرِّقُ ركبٍ مُصعداً عن مُغرِّبِ
تبينتُ أن لادارَ من بعد “عالج”
تسرُّ وأن لا خُلّةَ بعد زينبِ
عَزّيتُ نفسي ببردِ اليأسِ بعدَهمُ
وما تعزّيتُ من صَبرٍ ولا جَلَدِ
إنّ الهوى والنوى شيئان ما اجتمعا
فخليا أحداً يصبو إلى أحدِ
فسلامٌ على جَنابك والمن
هل فيه وربعكَ المأنوسِ
حيثُ فعلُ الأيامِ ليسَ بمذمو
مٍ ووجهُ الزمانِ غيرُ عبوسِ
وما انفكَ رسمُ الدارِ حتى تهللّتْ
دموعي وحتى أكثرَ اللّومَ صاحبي
وإذا الزمانُ كساكَ حُلّةَ مُعدمٍ
فالبس له حُللَ النوى وتغرّبِ
عجباً لهجركِ قبلَ تشتيتِ النّوى
منّا،ووصلُكِ في التنائي أعجبُ
عفَتِ الرسوم،وما عفَتْ أحشاؤهُ
من عهدِ شوقٍ ما يحولُ فيذهبُ
أفي كلِّ دارٍ منكَ عينٌ ترقرقُ
وقلبٌ على طولِ التذكرِ يخفقُ؟
نعم،قد تباكينا على الشِّعبِ ساعةً
ومن دونهِ شعبٌليلى مُفرِّقُ
وقفتُ،وأوقفتُ الجوى موقفَ الهوى
لياليَ عودُ الدهرِ فينا مُورقُ
فَحرّكَ بَثَّي ربعها وهو ساكنٌ
وجدّدَ وجدي رسمها وهو مُخلِقُ
الله جارُكَ في انطلاقكْ
تلقاءَ شامكَ أو عراقكْ
بكيتُ من الفراقِ غداةَ ولّت
بنا بُزْلُ الجمالِ على الفراقِ
فما رقأتْ دموعُ العينِ حتى
شفى نفسي الفراقُ من التلاقي
غداً تغدو مطايا السيرِ مني
بشوقٍ لا يُقيمُ على الرفاقِ
حلفتُ لها بالله يومَ التفرُّقِ
وبالوجدِ من قلبي بها المُتّعَلقِ
وبالعهدِ ،ما البذلُ القليلُ بضائعٍ
لديّ ولا العهدُ القديمُ بِمُخلّقِ
وعَزّكَ مهراقٌ من الدمعِ حيث ما
توّجهَ بعدَ البينِ صادفَ مُهرْقا
وطيفٍ سرى حتى تناولَ فِتيةً
سروا يجذبونَ الليلَ حتى تمزّقا
فعاودَ يومَ الهجرِ أسوانَ بعدما
قرعنا لهُ باباً من الشّوقِ مُغلقا
أأسطيعُ العزاءَ وقد تراءتْ
عيونُ العينِ تُؤذنُ بالفراقِ؟
ولوينَ البنانَ غداةَ بَينٍ
بتسليمٍ وهنَّ على انطلاقِ
هنالكَ تتلفُ المُهجاتُ ضُراً
لما فيهنَّ من حُرقٍ بواقِ
أما أبصرتُهنَّ شُموسَ دَجنٍ
على قُضُبٍ مهفهفةٍ دِقاقِ
وما إن زال مكتوماً هواهم
وعند البينِ بٌحتُ بما أُلاقي
جفا مِضجعي وأيُّ مضجعٍ مُغرمٍ
يغصُّ بلوعاتِ الفراقِ فلا يجفو
إنّ سَبرَ الخليطِ حينَ استقلا
كان عوناً للدّمعِ حتى استهلا
والنّوى خُطّةٌ من الدهرِ ما ينف
كُّ يشجى بها المُحبُّ ويبلى
هَبِّ الدارَ ردّتْ رجعَ ما أنتَ قائلهْ
وأبدى الجوابَ الرّبعُ عمّا تسائلهْ
أفي ذاكَ بُرءٌ من جوىً ألهبَ الحشا
تَوقدُّهُ واستغزرَ الدمعَ جائلهْ
هو الدمعُ موقوفاً على كلِّ دِمنةٍ
تُعرِّجُ فيها أو خليطٍ تُزايلهْ
ولقد تأمّلتُ الفراقَ فلم أجدْ
يومَ الفراقِ على امرىءٍ بطويلِ
قَصرت مسافتهُ على مُتَزوِّرٍ
منهُ لدهرِ صبابةٍ وعويلِ
إنّ يومَ النّوى ليومٌ طويلٌ
ليسَ يفنى ويومُ حزنٍ طويل
فراقٌ يُعجلُ الإيشاكُ منهُ
عن التسليمِ فيه والعناقِ
لعلَّ تخالُفَ الطّياتِ منّا
يعودُ لنا بُقربٍ واتفاقِ
فلولا البعدُ ما طُلبَ التداني
ولولا البينُ ما عُشقَ التلاقي
فإن أفقدِ العيشَ الذي فاتَ باللّوى
فقدِماً فقدتُ الظّلَ عند انتقاله
لعلّ اقترابَ الدارِ يثني دموعَهُ
فيُقلعَ أو يشفي جوىً من غليله
وما زالَ توخيدُ المطايا وطَيّها
بنا البُعدَ من حَزنِ الملا وسهوله
إلى أن بدا صحنُ العراقِ وكُشّفتْ
سجوف الدّجى عن مائهِ ونخيله
يظلُّ الحمامُ الوُرقُ في جنباته
يذكرنا أحبابنا بهديله
فاحيتْ مُحبّاً رؤيةً من حبيبه
وسَرّتْ خليلاً أوبةً من خليله
كنتُ الغريبَ فإذ عرفتُكَ عادَ لي
أُنسي وأصبحتِ العراقُ عراقي
قالوا: مطايا التي تهوى سترتحلُ
في يومنا أو غدٍ والبينُ مُقتبلُ
فأضرموا ـ إذ أشاعوا البينَ ـ في كبدي
والقلبِ نارَ الهوى والشوقَ تشتعلُ
والبينُ يفعلُ بالعشاقِ محتكماً
ما ليسَ يفعلهُ الهنديُّ والأسلُ
مضى العامُ بالهجرانِ منهم وبالنّوى
فهل مُقبلٌ بالقُربِ والوصلِ قابله
لا دِمنةٌ بِلوى خبتْ ولا طللُ
يردُّ قولاً على ذي لوعةٍ يَسَلُ
إن عَزَّ دمعُكَ في آي الرسوم فلم
يصُبْ عليها فعندي أدمعٌ ذُلَلُ
أنسى ليالينا هناكَ وقد خلا
من لهونا في ظلّها ما قد خلا؟
عيشٌ عزيزٌ،لو ملكتُ لما مضى
ردّاً،إذا لرددتهُ مستقبلا
لاموا علي ليلي الطويل وكلّما
عادوا بلومٍ كانَ ليلي أطولا
أفي كلّ دار منك عينٌ ترقرقُ
وقلبٌ على طولِ التذكرِ يخفقُ
وقفنا على دارِ البخيلة فانبرتْ
بوادرُ قد كانت بالعينِ تبخلُ
فلم يدرِ رسمُ الدارِ كيف يجيئنا
ولا نحنُ من فرط الجوى كيفَ نسألُ
أجَدّكَ !هل تنسى العهود فينطوي
بها الدهر،أو يُسلى الحبيبُ فيذهلُ
كَلَفي ما أراهُ عني يريمُ
وصروفُ النوى عذابٌ أليم
متى جرى الدمعُ عن بَينٍ تقدمهُ
الهجرانُ كان خليقاً أن يكونَ دما
ليتَ الخليطَ الذي قد بانَ لن يَبنِ
بل ليتَ ما كانَ من حُبيّكِ لم يكُنٍ
أحرى العيونِ بأن تدمى مدامعها
عينٌ بكتْ شجوها من منظرٍ حسنِ
أكثرتَ في لومِ المُحبِّ فأقللِ
وأمرتَ بالصبرِ الجميلِ فأجملِ
لم يكفهِ نأيُ الاحبّةِ باللّوى
حتى ثنيتَ عليهِ لومَ العُذّلِ
قسمَ الصبابة فِرقتين: فشوقهُ
للظاعنين،ودمعهُ للمنزلِ
لامتْ،على أنّها في الدمعِ لم تَلُمِ
لكن على أنّ فيضَ الدمعِ لم يَدُمِ
واستشعرتْ ألماً لما رأت ألمي
من حادثِ البينِ أنساني جوى الألمِ
راحتْ تُسّرُ دموعاً غيرَ مُعلنةٍ
ورحتُ أُعنُ دمعاً غيرَ مُكتتمِ
أرى الحرمانَ أبعدَهُ قريبٌ
بها،والنُّجحَ أقربهُ بعيدُ
تقاذفَ بي بلادٌ عن بلادي
كأنّي بينها خبرٌ شَرودُ
أما ومن ما ذكرتُ فرقتهُ
إلا يرى القلب حاشداً شجنه
ويومَ تأوّهتْ للبينِ وجداً
وكفّتْ عبرتينِ تباريان
جرى في نحرها من مقلتيها
جُمانٌ يستهلُّ على جُمان
لقد سرَّ الأعادي فيَّ أنّي
برأسِ العينِ محزونٌ كئيبُ
وأنّي اليوم عن وطني شريدٌ
بلا جُرمٍ ومن مالي حريبُ
هوَ المشوقُ استغررتْ دمعَهُ
معاهدُر اللإلافِ وهي الربوعُ
طوَّلَ هذا الليلُ أن لا كرى
يُريكَ من تهوى وأن لاهجوعُ
إذا توّقعنا نواها جرتْ
سواكبٌ يَحمرُّ فيها النجيعُ
ويوم تلاقٍ في فراقٍ شهدتهُ
بعينٍ إذا نهنها دمعت دما
لحقنا الفريقَ المُستقلَّ ضحىً وقد
تيّممَ من قَصدِ الحمى ما تيمّما
فقلت:أنعموا منا صباحاً!وإنّما
أردتُ بما قلتُ الغزالَ المُنّعما
تلكَ الديارُ ودارساتُ طلولها
طَوعَ الخطوب:دقيقها وجليلها
متروكةً للريحِ بين جنوبها
وشمالها ودَبورها وقَبولها
يادارُ غيّرها الزمانُ،وفرّقتْ
عنها الحوادثُ شَملها المجموعا
لو كانَ لي دمعٌ يُحسِّنُ لوعتي
لتركتهُ في عَرصتيكِ خليعا
لا تخطبي دمعي إليَّ فلم يدعْ
في مقلتي جوى الفراقُ دموعا
أمّا راعكَ الحيُّ الحِلالُ بهجرهمْ
وهم لك غَدوا بالتفرُّقِ أروَعُ
بلى!وخيالٌ من “أثيلة” كلّما
تأوّهتُ من وجدٍ تعرَّضَ يُطمِعُ
وقوفُكَ في أطلالهم وسؤالها
يُريكَ غروبَ الدمعِ كيفَ انهمالها
أكنتَ مُعّنفي يومَ الرحيل
وقد لَجّتْ دموعي في الهمولِ
عشيّةَ لا الفراقُ أفاءَ عزمي
إليَّ ولا اللقاءُ شفى غليلي
فؤادٌ بذكرِ الظاعنينَ مُوَّكلُ
ومنزلُ حيٍّ فيهِ للشوقِ منزلُ
أراحلةٌ”ليلى” وفي الصدرِ حاجةٌ
أقامَ بها وجدٌ فما يترّحلُ؟
ذاك”وادي الأراكِ” فاحبس قليلاً
مُقصراً من صبابةٍ أو مُطيلا
قِفْ مشوقاً أو مُسعداً أو حزيناً
أو مُعيناً أو عاذراً أو عذولا
أسيتُ فأعطيتُ الصّبابة حقّها
غداةَ استقلّتْ للفراقِ حُمولها
ولما خطونادجلةانصرم الهوى
فلم يبق إلا لفتةَ المُتذكرِ
وخاطرُ شوقٍ مايزال يهجنا
لبادينَ من أهلِ الشام وحُضّرِ
ولن تعتادني أشكو مقاماً
على مضضٍ وفي يديَ انطلاقي
في حضورِ الفراقِ عند لقائي
ك احتراقٌ يفوقُ كلَّ احتراقِ
وإذا ما نأيتُ هوّنَ ما ألقاهُ
من نأيكم رجاءُ التلاقي
ليتني قد رأيتُ وجهك عن قربٍ
فأنّى أليكَ بالأشواقِ
إذا أردتُ لراقي الدّمعِ مُنحدراً
ذكرتُ مرتبعاً فيها ومصطافا
إن أُتبع الشّوقَ إزراءً عليه
فقد جافى من النومِ عن عيني ما جافى
مُتّعنا باللقاءِ عند الفراقِ
مستجيرينَ بالبُكا والعناقِ
كمْ أسرّا هواهما حذرَ البينِ
وكم كاتما غليلَ اشتياقِ
فأطلّ الفراق فاجتمعا فيه
فراقٌ أتاهما بإتفاقِ
كيفَ أدعو على الفراقِ بِبينٍ
وغداةَ الفراقِ كانَ التلاقي
لوأنّ أنواءَ السّحابِ تُطيعني
لشفى الربيعُ غليلَ تلك الأرُبعِ
ما أحسنَ الأيام،إلا أنها
يا صاحبي إذا مضت لم ترجعِ
كانوا جميعاً ثمّ فرّقَ بينهم
بَينٌ كتقويضِ الجهامِ المُقلعِ
من واقفٍ في الهجرِ ليسَ بواقفٍ
ومودِّعٍ بالبينِ غيرِ مودِّعِ
ووراءهم صُعداءُ أنفاسٍ إذا
ذُكرَ الفراقُ أقمنَ عُوجَ الأضلعِ
وطليحٍ من الوداعِ تُعنّيهِ
نوى غربة،ووجناء حرْفُ
وأناةٌ عن كلِّ شىء سوى البينِ
وإلا بينٌ فصدٌّ وصَدفُ
قِفْ بربعٍ لهم عفاهُ ربيعٌ
ومَصيفٍ محاهُ مّرُّ مصيفِ
واعصِ هذا الرّكبِ الوقوفَ وإن أفتوكَ
لوماً في فرطِ ذاك الوقوفِ
وصلنا إلى التوديعِ غيرَ مُودّعِ
سنحفظُ عهداً منكَ غيرُ مُضيّعِ
ومن أعجبِ الأشياءِ أنّ قلوبنا
صِحاحٌ لخوفِ البينِ لم تتقّطعِ
ولو أنّ غَرْبَ الدمعِ كانَ مُشاكلاً
لَغربِ الأسى لأرفضَّ كلِّ مدمعِ
وأحبُّ أوطانِ البلادِ إلى الفتى
أرضٌ ينالُ بها كريم المطلب
دعْ دموعي في ذلكَ الإشتياقِ
تتناجى بفعلِ يومِ الفراقِ

فقر كَفقرِ الأنبياء وغربةٌ
وصبابةٌ ليسَ البلاءُ بواحد
حُلمٌ مُطبقٌ على الشّكِّ عيني
أم أمانٍ غيّرَنَ ظنّيِّ وحَدسي؟
وكأنَّ اللقاءَ أوّلُ من أم
سٍ ووشكَ الفراقِ أوّلُ أمسِ
عُمرتْ للسرورِ دهراً فصارت
للتعزّي ربوعهم والتأسي
بعدتْ بي مسافةٌ وتمادى
أمدٌ دون ما طلبتُ طويلُ
وسئمتُ المقامَ حتى لقد صارَ
شبيهاً بالنُجحِ عندي الرحيلُ
ما كفى موقف التفرّقِ حتى
عادَ بالبثِّ موقف الاجتماعِ
أعناقُ اللقاءِ أثلمُ في الأحشا
ء والقلبِ،أم عناقُ الوداعِ
جمعتْ نظرةَ التعجب إذ حاو
لتُ بيناً ووقفةَ المُرتاعِ
وبكت فاستثار مني بكاها
زفرةً ما تطيقها أضلاعي
كم تندّمت للفراقِ وكم أزمعتُ
بيناً فما حمدتُ زَماعي
آن أن أسأمَ اجتيابي الفيافي
وارتدائي من الدّجى وادّراعي
لم تبلغ الحقّ ولم تُنصفِ
عينٌ رأت بيناً فلم تذرفِ
الله جارُك في انطلاقك
تلقاء شامِك أو عراقك
لا تعذلني في مسي
ري يوم سِرتُ ولم ألاقكْ
إنّي خشيتُ مواقفاً
للبينِ تسفحُ غربَ مآقك
وعلمتُ ما يلقى المودِّعُ
وعلمتُ أنّ بُكاءَنا
وذكرتُ ما يجدُ المٌودِّ

عند شمّك واعتناقك
حسبَ اشتياقي واشتياقكْ
عُ عندَ ضَمّكَ واعتناقكْ
فتركتُ ذاكَ تعمداً
وخرجتُ أهربُ من فراقك
وقد تجاذبني شوقانِ عن عَرض
من بَينِ مُطّرفٍ عندي ومُتّلدِ
لا عيشُ وجرةُ يُنسى عيشَ ذي سلمِ
ولا هوى القربِ يُسلي عن هوى البُعدِ
ما باتَ للأحبابِ ضامنَ لوعةٍ
من باتَ بعد البينِ غيرَ مُسّهدِ
يا ربوعَ الديارِ إنّي على ما
قد أراهُ منكنَّ غيرُ جليدِ
فرّقتْ شملنا النوى بعدما كنا
جميعاً في ظلِّ عيشٍ حميدِ
لو ترانا عند الوداعِ وقد لوّ
نَ سكبُ الدموعِ وردَ الخدودِ
حينَ ساروا بغانياتٍ وسامٍ
آنسات حورِ المدامعِ غيدِ
يتلفتنَّ من بعيدٍ،وينظر
نَ استراقاً إلى المُحبِّ العميدِ
سلامٌ عليكمْ لا وفاءٌ ولا عهدُ!
أما لكمْ من هجرِ أحبابكمْ بُدُّ؟
أأحبابنا قد أنجزَ البينُ وعدَهُ
وشيكاً ولم يُنجزْ لنا منكم وعدُ
أأطلالَ دارِ “العامرية” باللوى
سقت ربعكِ الأنواء! ما فعلتْ هندُ؟
بنفسي من عّّبتُ نفسي بِحبّهِ
وإن لم يكنْ منهُ وصالٌ ولا ودُّ
حبيبٌ من الاحبابِ شطّتْ بهِ النوى
وأيُّ حبيبٍ ما أتى دونهُ البعدُ
أما مصافحةُ الوداعِ فإنّها
ثقُلتْ فما اسطاعتْ تنوءُ بها يدي
فعليكَ تضعيفُ السلام فإنني
إما أروحُ غداً ,وإما أغتدي
وما القربُ في بعضِ المواطنِ للذي
يرى الحزمَ إلا أن يشطَّ ويبعدا
وباكيةٍ تشكو الفراق بأدمعٍ
تبادرها سحاً كما انتشرَ العقد
بشار بن برد
كأنَّ جفوني كانت العيسُ فوقها
فسارت وسالت بعدهنَّ المدامعُ
وكنتُ إذا ضاقتْ عليَّ محلّةٌ
تيممّتُ أخرى ما عليَّ مضيقُ
متى تعرف الدارَ التي بانَ أهلها
بسعدى فإنّ العهدَ منك قريبُ
تذكرك الأهواء إذ أنت يافعٌ
لديها فمغناها لديك حبيبُ
أبى طَللٌ بالجزعِ أن يتكلما
وماذا عليهِ لو أجابَ مُتيّما
وبالقاعِ آثار بقين،وباللوى
ملاعب لا يعرفن إلا توهما
إنّ الوداعَ من الأحبابِ نافلةٌ
للظاعنين إذا ما يمّموا بلدا
ولستُ أدري إذا شطَّ المزارُ غداً
هل تجمعُ الدار أم لا تلتقي أبدا
دعا بِفراقِ من تهوى أبانُ
ففاضَ الدمعُ واحترقَ الجَنانُ
كأنَّ شرارةً وقعتْ بقلبي
لها في مقلتي ودمي استنانُ
إذا أنشدتُ أو نسمتْ عليها
رياحُ الصيفِ هاجَ لها دخانُ
تنّفستُ شوقاً كلّما ذكروا نجدا
ولم يرقَ دمعي من بُعدهم وجدا
تحمّلَ الظاعنون فأدلجوا
والقلبُ مني الغداةَ مختلجُ
بانوا بخودٍ كأنّ رؤيتها
بدرٌ بدا،والظلامُ مُرتهجُ
حشاشتي ودّعتني يومَ بينهم
وسابقتهم وخلّتني لأحزاني
وقد أشاروا بتسليم على حذر
من الرقيبِ بأطرافِ وأجفان
وإذا ما تنكرّتْ لي بلادٌ
وخليلٌ فإنني بالخيارِ
للهِ ما تجني صروفُ النوى
على حديثِ العهدِ بالهجرِ
ليالينا بين “اللّوى” ف”محجرِ”
سُقيتِ الحيا من صَيّبِ المزنِ مُمطرِ
مضى بكِ وصلُ الغانياتِ ونشوةُ
الشبابِ ومعروفُ الهوى المتنكرِ
فإن أتذكر حسن ما فات لا أجدْ
رجوعاً لما فارقتهُ بالتذكرِ
نضوتُ الاسى عني اصطباراً وربما
أسيتُ فلم أصبر ولم أتصبّرِ
يا طللَ الحيِّ بذاتِ الصّمدِ
بالله حدّث:كيفَ كنتَ بعدي
أوحشتَ من دعدٍ ونُؤيَ دعدٍ
بعد زمانٍ ناعمٍ ومَرْدِ
حتى إذا بعثَ الصباحُ فراقنا
ورأينَ من وجهِ الظلامِ صُدودا
جرت الدموع وقلن فيكَ جلادة
عنا وتكرهُ أن تكونَ جليدا
وإذا خشيتَ تعذراً في بلدةٍ
فاشدُدْ يديكَ بعاجلِ الترحالِ
واصبر على غِيرِ الزمانِ فإنما
فرجُ الشدائدِ مثلُ حلِّ عقال
أبو تمام
بَيّنَ البينُ فقدها قلّما تعرفُ
فقداً للشمسِ،حتى تغيبا
أبو تمام
أجلْ أيها الربعُ الذي خفَّ آهلِهْ
لقد أدركتْ فيكِ النوى ما تُحاولُهْ
وقفتُ وأحشائي منازلُ للأسى
بهِ،وهو قفْرٌ قد تعّفتْ منازِلُهْ
أسائلكمْ ما بالهُ حكمَ البِلى
عليهِ،وإلا فاتركوني أسائلهْ
البحتري
يا أيها المكتوي على ظعنٍ
باتوا وما سلّموا على أحدِ
أبو تمام
إذا انصرفَ المحزونُ قد فلَّ صبرَهُ
سؤالُ المغاني فالبكاءُ لهُ ردُّ
بدتْ للنوى أشياءٌ قد خلتُ أنها
سيبدؤني ريبُ الزمانِ إذ تبدو
أبو تمام
وأبي المنازلِ إنّها لشجونُ
وعلى العجومةِ إنّها لَبينُ
فاغقِلْ بنضوِ الدارِ نِضوكَ يقتسم
فرطَ الصبابةِ مسعدٌ وحزينُ
لا تمنعني وقفةً أشفي بها
داءَ الفريقِ فإنّها ماعونُ
واسقِ الأثافي من شؤوني ريّها
إنَّ الضنينَ بدمعهِ لَضنينُ
لولا التفجُعُ لادعى هضب الحِمى
وصَفا المُشَّقرِ أنّهُ محزونُ
أبو تمام
لو يُفاجا ركنُ النسيب كثيرٌ
بمغانيهِ خالهُنَّ نسيبا
غَرّبتهُ العلى على كثرةِ النا
سِ فأضحى في الأقربينَ جَنيبا
فليطُلْ عمرُهُ،فلو مات في مر
و مقيماً بها لماتَ غريبا
البحتري
ألا إنّ قلبي من فراقِ أحبّتي
وإن كنتُ لا أبدي الصبابةَ جازعُ
ودمعي بين الحزنِ والصبرِ فاضحي
وستري عن العذالِ عاصي وطائعِ
قضت عقب الأيام فينا بفرقة
متى ما تغالب بالتجلد تغلب
فإن أبك لا أشفِ الغليل وإن أدع
أدع لوعة في الصدر ذات تلهب
ألا لا تذكرني الحمى إن ذكره
جوى باطن للمستهام المعذب
أتت دون ذاك العهد أيام جرهم
وطارت بذاك العيش عنقاء مغرب
أنزاعاً في الحبِّ بعدَ نزوعِ
وذهاباً في الغَيِّ بعد رجوعِ؟
قد أرتكَ الدموعَُ يوم تولّتْ
ظُعنُ الحيِّ ماوراء الدموع
عبراتٌ ملءَ الجفونِ مَرَتْها
حُرقٌ في الفؤادِ ملءُ الضلوع
فرقةٌ لم تدعْ لعيني مُحبٍ
إن تبتْ وادعَ الضميرِ فعندي

منظراً بالعقيقِ غيرَ الربوع
نَصَبٌ من عشيّةِ التوديعِ
سأودّعُ الإحسانَ بعدكَ واللّهى
إذ حانَ منكَ البينُ والتوديعُ
وسأستقلُّ لكَ الدموعَ صبابةً
ولو أن “دجلة” لي عليكَ دموعُ
وسينزعُ العشاقُ عن أحبابهم
جَلداً،ومالي عن نداكَ نزوعُ
فإذا رحلتَ رحلتُ عن دارٍ إذا
بُذلَ السّماحُ فجارُها ممنوعُ
عزّيتُ نفسي بِبرْدِ اليأسِ بعدهمُ
وما تعزّيتُ من صبرٍ ولا جَلَدِ
إن الهوى والنوى شيآنِ ما اجتمعا
فخلّيا أحداً يصبو إلى أحدِ
تأبى المنازلُ أن تُجيبَ ومن جوىً
يومَ الديارِ دعوتُ غيرَ مُجيبِ
فسقى الغضا والنازليهِ وإن همُ
شبوُّهُ بين جوانحٍ وقلوبِ
وقصارَ أيامٍ بهِ سُرِقتْ لنا
حسناتُها من كاشحٍ ورقيبِ
كانت فنونَ بَطالةٍ فتقطعت
عن هجرِ غانيةٍ وَوخطِ مشيبِ
جَدِّدْ بكاءً لبينٍ جديد
ونّبِهْ أقاصي الدموعِ الهجودِ
فسوفَ تُحِلُّ الخليطَ القريبَ
دواعي النّوى في مَحَلٍ بعيدِ
ألم ترني يومَ فارقتهُ
أودّعهُ والهوى يستزيدْ؟
أُوَلّي إذا أنا ودّعتهُ
فيغلبني الشّوقُ حتى أعودْ
أفي كلّ يوم لنا رحلةٌ
فينأى قريبٌ،ويدنو بعيدْ
فإن يُبلني الشوقُ من بعدهِ
فإنّ اشتياقي إليهِ جديد
لولا الفراقُ لمّا استرابتْ مقلتي
عهد الكرى لزمتنك المعهودِ
أيامَ اتباعُ الجهالة بالنّهى
وأرى حليفَ الرُّشدِ غير رشيدِ
أُمسي صريعَ مُدامةٍ في مجلسٍ
ريحانُهُ لحظاتُ مُوقِ الغيدِ
وقفتُ وقد فقدتُ الصبرَ حتى
تبين موقفي أنّي الفقيدُ
وشككَ فيّ عذالي فقالوا
لَرسمُ الدارِ أبكى العميدُ
إنّ الوداعَ من الأحبابِ نافلةٌ
للظاعنينَ إذا مايممّوا بلدا
ولستُ أدري إذا شطَّ المزارُ بهم
هل تجمعُ الدار أم لانلتقي أبدا
وجدت رقابُ الوصل أسياف هجرنا
وقدت لرجل البين يغلين من خدّي
إذازُرتَ أطلالاً بقينَ على اللّوى
ملأنكَ من شوقٍ وهنَّ عُذوبُ
ونمّتْ عليكَ العينُ في عرصاتها
سرائرَ لم ينطق بهنَّ عَريبُ
متى تعرفُ الدار التي بانَ أهلُها
بِسُعدى فإنّ الدمعَ منكَ قريبُ
تذكر من أحببتَ إذ أنتَ يافِعٌ
غلامٌ فمغناهُ إليكَ حبيبُ
أبو فراس الحمداني
ولّما وقفنا للوداعِ،غدّيةً
أشارتْ إلينا أعينٌ وأصابعُ
وقالت:أتنسى العهدَ بالجِزعِ واللّوى
وما ضمّهُ منا النقا والأجارعُ؟
وأجرتْ دموعاً من جفونِ لحاظها
شفارٌ،على قلبِ المُحبِّ قواطعُ
فقلتُ لها: مهلاً فما الدمعُ رائعي
وما هو للقرمِ المصمم رائعُ
وقد كنت أشكو البعد منك وبيننا
بلادٌ إذا ماشئتُ قرّبها الوجدُ
فكيفَ وفيما بيننا مُلكُ قيصرٍ
ولا أملٌ يُحيى النفوس ولا وعدُ
يا طولَ شوقي إن كانَ الرحيلُ غداً
لا فرّقَ الله فيما بيننا أبدا
يا ليلُ ما أغفل عمّا بي
حبائبي فيك وأحبابي
يا ليلُ نامَ الناسُ عن مُوجعٍ
ناءٍ،على مضجعه نابي
هبّتْ له ريحٌ شآميةٌ
متّتْ إلى القلبِ بأسبابِ
أدّت رسالاتِ حبيبٍ لنا
فهمتها من بين أصحابي
عزيز حيثُ حطَّ السيرُ رحلي
تُداريني الأنامُ ولا أداري
وأهلي من أنحتُ إليهِ عنسي
وداري حيث كنت من الديار
يُمسي وكلُّ بلادٍ حلّها وطنٌ
وكلّ قومٍ،غدا فيهم عشائر
وما تُمدُّ له الأطنابُ في بلدٍ
إلا تضعضعَ باديه وحاضرهْ
لي التخيّرُ،مشتطاً ومنتصفاً
وللأفاضل بعدي ما أغادرهْ
وراحل أوحشَ الدنيا برحلته
وإن غدا معه قلبي يُسايره
هل أنتَ مُبلغهُ عني بأنّ له
ودّاً تمكّنَ في قلبي يجاوره؟
إلى الله أشكو من فراقك لوعةً
طويتُ لها مني الضلوعَ على الجمرِ
لا رعى الله يا خليلي دهراً
فرّقتنا صروفهُ تفريقا
فاذكراني !وكيفَ لا تذكراني
كلّما استخونَ الصديقُ الصديقا
أقولُ وقد ناحتْ بقربي حمامةٌ
أيا جارتا هلْ تشعرينَ بحالي
معاذَ الهوى ما ذقتِ طارقةَ النّوى
ولا خطرت منكِ الهمومُ ببالي
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ
على غصنٍ نأي للمسافر عالي
أيا جارتا ما أنصفَ الدهرُ بيننا
تعالي أقاسمكِ الهمومَ تعالي
تعالي تري روحاً لديَ ضعيفةٌ
تردّدَ في جسم يُعذبُ بالي
أيضحكُ مأسورٌ وتبكي طليقةٌ
ويسكتُ محزونٌ وينطقُ سالي
لقد كنتُ أولّى منكِ بالدمعِ مقلةً
ولكنّ دمعي في الحوادثِ غالي
ألا يازائرَ الموصلِ
حَيِّ ذلك النادي
فبالموصل أخواني
وبالموصلِ أعضادي
فقلْ للقومِ يأتو
نني من مثنىً وأفرادِ
فعندي خِصبُ زوّارٍ
وعندي ريِّ رُوّادِ
وعندي الظلّ ممدود
على الحاضرِ والبادي
سقى الله أياماً بسبطان فاللّوى
إلى بلد غيثاً تهلل بالقطر
سلامٌ على تلك الديار وأهلها
سلامٌ غريب ظلَ يزري على الدهر
البينُ بيّنَ ما يجنّ جناني
والوجدُ جدّدَ بعدكم أحزاني
وبِلى الرسوم الدارساتِ بذي الغضا
أغرى بي الكمد الذي ابلاني
ألوى اللّوى بجميلِ صبري في الهوى
ودعا حنيني أبرق الحنان
بُليتُ بِبينٍ بانَ إثرهُ صبري
وأخنى على عزمي بفادحةِ الدهرِ
أبتْ عبراتهُ إلا انسكابا
ونارُ ضلوعهِ إلا التهابا
ومن حقِّ الطلولِ عليّ إلا
أغبّ من الدموعِ لها سحابا
وما قصرت في تسآلِ ربع
ولكنّي سألتُ فما أجابا
ومن مذهبي حبُّ الديارِ وأهلها
وللناسِ فيما يعشقونَ مذاهبُ
سقى ثرى حلبٍ، ما دُمتَ ساكنها
يا بدرُ،غيثانِ مُنهَلٌ ومُنبجسُ
أسيرُ عنها وقلبي في المقام بها
كأنّما الأرضُ والبلدان موحشةٌ

كأن مهري لثقل السير مُحتبس
وريعها دونهنّ العامر الأنس
مثل الحصاة التي يُرمى بها أبداً
إلى السماء،فترقى ثم تنعكس
بدوتُ وأهلي حاضرون لأنني
أرى أنّ داراً لستِ من أهلها قفرُ
وإنّ وراءَ السِّترِ أماً بكاؤها
عليَّ وإن طالَ الزمانُ طويلُ
فيا أُمتا لا تعذلي الصبرَ إنهُ
إلى الخيرِ والنُجحِ القريبِ رسولُ
ويا أمّتا لا تخطئي الأجرَ إنّهُ
على قَدرِ الصبرِ الجميلِ جزيلُ
أما لكِ في ذاتِ النطاقينِ أُسوةٌ
بمكة،والحرب العوان تجولُ
أراد ابنها أخذَ الأمانِ فلم تجب
وتعلمُ علماً إنّهُ لقتيلُ
والمرءُ ليسَ ببالغٍ في أرضهِ
كالصقرِ ليسَ بصائدٍ في وكرهِ
أبيتُ كأنّي للصبابةِ صاحبُ
وللنومِ،مذ بانَ الخليطُ،مجانبُ
وما أدّعي أنّ الخطوبَ تخيفني
لقد خبرّتني بالفراقِ النواعبُ
ولكنني مازلتُ أرجو وأتقي
وجد وشيك البينِ والقلبُ لاعبُ
عليّ لربع العامرية وقفةٌ
تمل علي الشوق والدمعُ كاتبُ
فلا وأبي العشاق ما أنا عاشقٌ
إذا هي لم تلعب بصبري الملاعبُ
يُذكرني “نجداً” حبيبٌ بأرضها
أيا صاحبي نجواي هل ينفعُ الذكر
تطاولتْ الكثبانُ بيني وبينهُ
وباعد فيما بيننا البلدُ القفرُ
مفاوزَن لا يعجزن صاحبَ همّةٍ
وإن عجزت عنها الغريرية الصُبّرُ
ولقد سألتُ الرّبعَ عن سكانهِ
لو كانَ يخبرني عن السكانِ
إذا لم أجدْ من بلدة ما أريدهُ
فعندي لأخرى عزمة ورِكاب
وليسَ فِراقٌ ما استطعتَ فإن يكنْ
فِراقٌ على حالٍ فليسَ إيابُ
ما أنسَ لا أنسَ يوم البينِ موقفنا
والشوق ينهى البكا عني ويأمره
وقولها ودموعُ العينِ واكفةٌ
هذا الفراقُ الذي كنّا نحاذره

أُشيّعهُ، والدمعُ من شدّةِ الأسى
على خدّهِ نظمٌ ،وفي نحرهِ نثرُ
وعدتُ ،وقلبي في سجاف غبيطهِ
وفيمن حوى ذاك الحجيج خريدة
وفي الكُمِّ كفّ لايراها عديلها

ولي لفتات نحو هودجهِ كثرُ
لها دون عطف الستر من صونها ستر
وفي الخدرِ وجه، ليس يعرفه الخدر

أما ودموعي بينَ تلك المعالم
وشقوي إلى تلكَ الخدودِ النواعمِ
لقد أورثوني يومَ بانوا صبابة
وناموا وطرفي بعدهم غير نائمِ
وقائلةِ ماذا دهاكَ تعجباً
فقلتُ لها يا هذهِ أنت والدهرُ
أبالبينِ أم الهجرِ أم بكليهما
تشاركَ فيما ساءني البينُ والهجرُ
فَعُدْ يا زمانَ القُربِ في خيرِ عيشة
وأنعم بال،ما بدا كوكب دريّ
أيا لاهياً،والبينُ قد جدَّ جدّه
أأنتَ خلي القلب أم أنتَ غافلُ؟
وعيشك،لولا رحلة الحيِّ لم يرح
على أهله شاء غزير وحامل
وما العيس سارت بالجآذرِ،غُدوةً
ألا إنّما صبري استقلّتْ عزائمه
أمّا الخليطُ ،فَمُتهم أو مُنجد
فاذرف ،فمالكَ ،غير دمعكَ مُنجدُ
رحلوا فأخلق ربعهم،وصبابتي
أبداً،لإخلاقِ الربوع تجدّدُ
وتحالفا،في يوم زمّت عيسهم
دمعٌ يفيضُ،وحسرةٌ تتردّدُ
وقفنا فسّقينا المنازلَ أدمعاً
هي الوبل،والأجفانُ منها غمائمه
وما الدمعُ يوماً،ناقعاً من صبابةٍ
ولو فاضَ حتى يملأ الارض ساجمه
وكانَ عظيماً عندي الهجرُ مرةً
وقد كانَ تنعابُ الغرابِ مُخبراً

فلما رأيتُ البينَ هانتْ عظائمه
بوشكِ فراق،أو حبيبٍ نصارمه
تلكَ المنازلُ والملا
عبُ لا أراها الله محلا
أوطنتها زمنَ الصِّبا
وجعلتُ فيها لي محلا
حيثُ التفّتُ رأيتُ ماءً
سائحاً ورأيتُ ظلاً
والنهرُ يفصلُ بين زهرِ الر
وضِ في الشطينِ فصلا
كبساطٍ وشيٍّ جرّدتْ
أيدي القيونِ عليهِ نصلا
وقد كنتُ أخشى الهجرَ والشّملُ جامع
وفي كلِّ يوم لقيةٌ وخطابُ
فكيفَ وفيما بيننا مُلك قيصر
وللبحرِ حولي زخرةٌ وعُبابُ
ودّعوا خشيةَ الرقيبِ،بإيما
ءٍ،فودّعتُ،خشية اللّوامِ
لم أبُحْ بالوداعِ جهراً ولكن
كان جفني فمي ودمعي كلامي
فما كنا إذ بانوا بنفسك فاعلاً
فدونكه،إنّ الخليط لزائلُ
هي الدارُ من سلمى وهاتي المرابع
فحتى متى يا عين دمعُكِ هامع؟
بكيتُ فلما لم أرَ الدمعَ نافعي
رجعتُ إلى صبرٍ أمرَّ من الصبرِ
وقدّرتُ أنّ الصبرَ بعد فراقهم
يساعدني وقتاً فعزيتُ عن صبري
دعِ الوطنَ المألوف،دأبك أهله
وعدَّ عن الأهل،الذين تكاشروا
فأهلُكَ من أصفى وودُّك ما صفا
وإن نزحت دار،وقلّت عشائرُ
أحبُّ بلاد الله، أرضٌ تحلّها
إليّ،ودارٌ تحتويك ربوعها
أفي كلّ يومٍ رحلةٌ بعد رحلةٍ
تُجرِّعُ نفسي حسرةً وتروعها
هل أنتِ،يا رفقة العشاق،مخبرتي
عن الخليطِ الذي زُمّتْ أباعره
وهل رأيتِ أمام الحيِّ جاريةً
كالجؤذر الفرد تقفوه جآذره
وأنت يا راكباً يُزجي مطيّته
يستطرقُ الحيَّ ليلاً أو يباكره
إذا وصلتَ فعرّض بي وقل لهم:
هل واعدُ الوعدِ يوم البينِ ذاكره
ما لمتُ ذا شجنٍ بكى أوطانه
مذْ أقفرت فبكيتها أوطاني
ولئن سلوتُ عن الأحبّةِ نائياً
ما غرد القمري في الأفنان
فهراق فيك دمي حسام مكذب
عن قرنه وشبا سنان جبان
ابن الرومي
وأبرحُ شىءٍ فُرقةٌ بعدَ ألفةٍ
وفقدُكَ من عُلِّقت بعد التقاربِ
ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ
وألا أرى غيري لهُ الدهر مالكا
وحبّبَ أوطانُ الرجالِ إليهمُ
مآربُ قضّاها الش!بابُ هنالكا
إذا تذكروا أوطانهم ذكرّتهمُ
عهودَ الصِّبا فحنّوا لذالكا
أأبكتكَ المعاهدُ والمغاني
كدأبكَ قبلهنَّ من الغواني
وقفتُ بهن فاستمطرتُ عيني
غياثاً والتذكرُ قد شجاني
فجادَ سحابُها تَمريه ريحٌ
من الزفراتِ تلحى من لحاني
تُرى الأيامُ تُدني بعدَ بُعدٍ
وتُعطينا اجتماعاً والتئاما
وتشفي من جوى الابراحِ صَبّاً
يكادُ يموتُ سُقماً واغتماما
فكفا بالذي أبلى وعافى
عن المشغول بالحُبِّ الملاما
وقع الفراقُ وما يزالُ يروعني
فكأنَّ واقع شرّهِ مُتوّقعُ
سقى الله أوطاراً لنا ومآرباً
تقطّعَ من أقرانها ما تقطعا
ليالي تُنسينا الليالي حسابها
بُلهنيَّةٌ أقضى بها الحولَ أجمعا
سُدى غِرَّةٍ لا أعرفُ اليوم باسمهِ
وأعملُ فيه اللهوَ مرأىً ومسمعا
الموتُ دون تفرُّقِ الأحبابِ
وعذابُ نأيهمُ أشدُّ عذابِ
لم تُبلَ ـ مذ خلقت ـ نفوسُ ذوي الهوى
يوماً بمثل ترُّحلٍ وذهاب
بانوا بِلُبّكَ رائحين وخلّفوا
لكَ دمعةً موصولة التسكاب
بانوا فبانَ جميل الصبر بعدهم
فللدموع من العينين عينان
بلدٌ صحِبتُ بهِ الشبيبة والصِّبا
ولبستُ ثوبَ العيشِ وهو جديدُ
فإذا تمثّلَ في الضمير رأيته
وعليهِ أغصان الشّباب تميدُ
لعلَّ الليالي بعدَ شَحط من النوى
ستجمعنا في ظلِّ تلكَ المآلفِ
نعمْ إنَّ للأيامِ بعد انصرامها
عواطفَ من أفضالها المُتضاعفِ
لو كنتَ يومَ الفراقِ حاضرنا
وهنَّ يُطفئنَ لوعةَ الوجدِ
لم ترَ إلا دموعَ باكيةٍ
تَهجعُ من مقلةٍ على خدِّ
كأنّ تلكَ الدموعَ قطرُ ندى
يقطرُ من نرجسٍ على وردِ
أذاقتني الأسفارُ ما كرّهَ الغنى
إليَّ وأغراني برفضِ المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراءِ أزهدَ زاهدٍ
وإن كنتُ في الإثراءِ أرغبَ راغبِ
حريصاً جباناً،أشتهي ثم أنتهي
بلحظي جنابَ الرزقِ لحظَ المراقبِ
فما كلُّ من حطَّ الرحالَ بِمُخفقٍ
ولا كلُّ من شدَّ الرحالَ بكاسبِ
كُفّي الدموعَ وإن كانَ الفراقُ غداً
فرحلتي لتعيشي عيشةً رغدا
بُنيَّ:قد قعد الدهرُ الخؤون بنا
وليسَ مثليَ في أمثالهِ قعدا
سلامُ مُحبٍ نازحِ الدارِ شَفّهُ
وأقرحَ عينيهِ فراقُ حبيبِ
تحكّمتِ الأيامُ في ذاتِ بيننا
فقلّلن منهُ بالفراقِ نصيبي
قد كنتُ أبكي على من ماتَ من سَلفي
وأهلُ ودّي جمبعٌ غيرُ أشتاتِ
فاليوم إذ فرّقت بيني وبينهمُ
نوىً بكيتُ على أهلِ الموداتِ
وما حياةُ امرىءٍ أضحتْ مدامعُهُ
مقسومةً بين أحياءٍ وأمواتِ
كيفَ يا مَنْ بها قِوامُ حياتي
كنتِ بعدي مذْ بِنتِ يا مولاتي
أعلى العهدِ أنتِ أم خلتِ عنه؟
جعلَ الله قبلَ ذاك مماتي
لستُ أنسى امتناع صبرك للتو
ديع،والبينُ مؤذنٌ بِشتاتِ
وانحدارُ الدموعِ كاللؤلؤ الرط
بِ هوى من مدامعٍ قرِحات
في رياضٍ من الشقائقِ والنّس
رين فوق المراشفِ البارداتِ
والتفاتاً نحوي،وقد قبضتني
عنك أيدي النوى حيال التفاتي
ومقالاً جرى وللشوق في الأح
شاءِ نارٌ أليمةُ الحرقات
حاطكَ الله بالكلاءةِ والصن
ع ووقاك أعينَ العائدات
أسايَ أسى يوم التفرّقِ وحدهُ
ولكنَّ شوقي شوق فرقة أعوام
أشجتكَ داعيةٌ مع الإشراقِ
هتفت بساقٍ في ذوابةِ ساقِ
أيكيةٌ تدعو بشجنٍ إن دعا
ريبُ الزمانِ قرينها بِفراق
نظرت حضرةَ الوداعِ بعينٍ
غسلتها الدموعُ وهي كحيلُ
يحدُرُ الماءُ من محاجرِ عين
ها على خدِّها مسيلٌ أسيلُ
أشكو الفراق إلى التلاقي
وإلى الكرى سهر المآقي
وإلى السلوُّ تفجعي
وإلى التصبّرِ ما ألاقي
وإلى الذي شطّتْ به
عني النوى طول اشتياقي
وطوتْ حشاي على الجوى
لما طوتهُ يدُ الفراقِ
صبراً فَرُب تفرقٍ
آتٍ بقربٍ واتفاقِ
أشكو الفراق إلى التلاقي
وإلى الكرى سهر المآقي
وإلى السلوُّ تفجعي
وإلى التصبّرِ ما ألاقي
وإلى الذي شطّتْ به
عني النوى طول اشتياقي
وطوتْ حشاي على الجوى
لما طوتهُ يدُ الفراقِ
صبراً فَرُب تفرقٍ
آتٍ بقربٍ واتفاقِ
يحولُ الحول في الوصل
ويبقى لي تذكارهْ
ويوم الهجر والبين
كيومٍ كانَ مقدارهْ
يا نظرةً لي،والنوى
نحوي بعينِ الموت تنظرْ
بكروا لبينهمُ وقلب
ي في هواه بهم مُبكرْ
بكتِ العيون عليهمُ
كَبُكايَ إذ بانوا،وأغزرْ
فلقد كسوا بفراقهم
أحشايَ نيراناً تسّعرْ
ولمّا رأيتُ البينَ قد جدَّ جَدّهُ
وقد قُرنتْ للبينِ عشرُ سفائن
أماطتْ رداءَ الخزِّ عن حُرِّ وجهها
ولم تخشَ من داياتها والحواضن
فإنى يقضِ لي الله الرجوعَ فإنّهُ
عليَّ له أن لا أفارقكم نذرُ
ولا أبتغي عنكم شخوصاً وفرقةً
يدَ الدهر إلا أن يُفرّقنا الدهرُ
فما العيشُ إلا قربُ من أنتَ آلف
وما الموتُ إلا نأيهُ عنكَ والهجرُ
وشجعنا على التوديعِ شوقٌ
تحرّق بين أثناء الضلوعِ
تلاقينا لقاءً لا فتراقٍ
كلانا منه ذو قلبٍ مروعِ
فما افترّتْ شفاهٌ عن ثغورٍ
بل افترت جفونٌ عن دموعِ
لهم على العيسِ إمعانُ يشطّ بهم
وللدموعِ على الخدّينِ إمعانُ
تلاحظُكَ العيونُ وأنتَ فيها
كأنّ عليك أفئدة الرجال
المعري
إلى كمْ أُمنّي القلب،والقلبُ مولعٌ
وأزجرُ طرفَ العين،والطرفُ يدمع
وحتى متى أشكو فراق أحبّةٍ
عفا بالنوى منهم مصيف ومربعُ
وأستعرضُ الركبان عنهم مُسائلاً
عسى خبرٌ عنهم بهِ الرّكبُ يرجعُ
تصّبرتُ عنهم وانثنيت إليهمُ
ولم يبقَ في قوسِ التصبرِ منزعُ
أُراعي نجومَ الليلِ أرقبُ طيفهم
وكيفَ يزورُ الطيفُ من ليسَ يهجعُ
وما زلتُ أبكي لؤلؤاً بعدَ بَينهم
إلى أن بدا مرجان دمعي يهمعُ
وما كان تبكي العين لولا فراقهم
عقيقاً،ولا يشفي الفؤاد طويلعُ
كمْ بلدةٍ فارقتُها ومعاشرٍ
يُذرونَ من أسفٍ عليَّ دموعا
خاللتُ توديعَ الأصادقِ للنّوى
فمتى أودِّعُ خِليَّ التوديعا
فيا برق ليس الكرخ داري وإنما
رماني الدهرُ إليها منذ ليالي
فهل فيك من ماءِ المعرةِ قطرة
تُغيثُ بها ظمآن ليس بسالِ
إذا نمتُ لاقيتُ الأحبّةَ بعدما
طوتهم شهور في التراب وأحوال
ينبعُ من عينيكَ ماءٌ لها
إذا خليطٌ يمّموا يَنبُعا

أبو نواس

ركبٌ تساقوا على الاكوارِ بَينهمُ
كأسَ الكرى فانتشى المسقيُّ والساقي
كأنّ أرؤسَهمْ والنومُ واضِعها
على المناكبِ لم تُخلقْ بأعناقِ
ساروا فلم يقطعوا عقداً لراحلةٍ
حتى أناخوا إليكم بعد أشواقِ
من كلِّ جائلةِ الطرفينِ ناجيةٍ
مشتاقةٍ حملتْ أوصالَ مشتاقِ
ألا هلْ على الليلِ الطويلِ مُعينُ
إذا بعدت دارٌ،وشطَّ قرينُ
تطاولَ هذا الليلُ،حتى كأنّما
على نجمهِ ألا يعودَ يمينُ
كفى حَزناً أنّي بِفُسطاطَ نازحٌ
ولي نحو أكنافِ العراقِ حنينُ

إلى أهلهَ من أعظمِ الحدثان
ذكرَ الكرْخَ نازحُ الأوطانِ
فبكى صبوةً ولاتَ أوانِ
وأوبةُ مشتاق بغير دراهم
إلى أهلهَ من أعظمِ الحدثان
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفاً، ماضرّ لو كان جلس
كفى حَزناً أنّي بفسطاط نازحٌ
ولي نحو أكنافِ العراقِ حنينُ
إلفان كانا لهذا الوصلِ قد خُلقا
داما عليهِ ودام الحبُّ فاتفقا
كانا كغُصنينِ في ساقٍ،فشانهما
ريبُ الزمانِ،وصرفُ الدهر فانفلقا
واصفرّ عودٌ لها من بعد خضرتهِ
وأسقطَ البينُ عن أغصانه الورقا
باتت عيونهما للبينِ ساهرةً
وللفراقِ،ولولا البينُ ما افترقا
إنّما يُفتضحُ العاشق
في وقت الرحيل
ألا هلْ على الليلِ الطويلِ مُعين
إذا نَزحتْ دارٌ وحنَّ حزينُ
فوالله مافارقتكم قالياً لكم
ولكن ما يُقضى فسوفَ يكونُ
لمّا تيّقنتُ أنَّ روحتهم
ليسَ لها ما حييتُ مُنقَلبُ
أبليتُ صبراً لم يُبله أحد
واقتسمتني مآربٌ شُعَبُ
يا دارُ! ما فعلت بكِ الأيامُ
لم تبق فيك بشاشة تُستامُ
رواية:ضامتكِ،والأيامُ ليس تُضام
عرمَ الزمانُ على الذينَ عهدتهمْ
بكِ قاطنين ،وللزمان عُرامُ
أيامَ لا أغشى لأهلك منزلاً
إنّي أنا الوضاحُ إن تصلي
شطت فشفّ القلبُ ذكرها

إلا مراقبةً عليَّ ظلامُ
أحسنْ بكِ التشبيبَ والوصفا
ودنتْ فما بذلت لنا عُرفا
وكأنَ سُعدى إذ تُودّعنا
وقد اشرأبَ الدمعُ أن يكفا
فالحبُّ ظهرٌ أنت راكبُهُ
فإذا صرفتَ عِنانهُ انصرفا
ذكرتمُ من الترحالِ يوماً فَغمّنا
فلو قد فعلتم صبّحَ الموتُ بعضنا
زعمتم بأنَّ البينَ يحزنكم ،نعم
سيحزنكم حُزناً ولا مثلَ حُزننا
تعالوا نقارعكمْ ليحقق عندكم
من أشجى قلوباً أم من أسخن أعيُنا

أبو العتاهية

أشاقكَ من أرضِ العراقِ طُلولُ
تَحمّلَ منها جيرةٌ وحمولُ
وكيفَ يلذُّ العيشُ بعد معاشرٍ
بهم كنتُ عند النائباتِ أطولُ
إنَّ المُحبَّ إذا شطّتْ منازلُهُ
عن الحبيبِ بكى أو حنَّ أو ذكرا
يا رُبَّ ليلٍ طويلٍ بتُّ أرقبُهُ
حتى أضاءَ عمودَ الصبحِ فانفجرا
والليلُ أطولُ من يومِ الحسابِ على
عينُ الشجىِّ إذا ما نومهُ نفرا
طلبتُ المُستقرَّ بكلِّ أرضٍ
فلم أرَ لي بأرضٍ مُستقرا
أطعتُ مطامعي فاستعبدتني
ولو أني قنعتُ لكنتُ حرّا
ووجدتُ بردَ اليأسِ بينَ جوانحي
فأرحت من حِلٍّ ومن ترحالِ
وإذا خشيتَ تعذراً في بلدةٍ
فاشدد يديكَ بعاجلِ الترحال
من لقلبٍ مُتيّمٍ مشتاقِ
شفّهُ شوقهُ وطول الفراقِ
طالَ شوقي إلى قعيدة بيتي
ليتَ شعري فهل لنا من تلاقي
جمعَ الله عاجلاً بكِ شملي
عن قريبٍ وفكنّي من وثاقي
ولمّا استقلوا بأثقالهم
وقد أزمعوا الذي أزمعوا
قرنتُ التفاتي بآثارهم
وأتبعتهم مقلةً تدمعُ

الشريف الرضي

وشممتُ في طفل العشيّة نفحةٌ
حبست برامة صُحبتي وركابي
متململين على الرّحالِ كأنّما
مرّوا ببعض منازلِ الأحبابِ
ذكرت لي الأربَ القديم من الهوى
عهدَ الصِّبا ولياليَ الأطرابِ
يا دارُ من قتلَ الهوى بعدي
وجدوا ولا مثلَ الذي عندي
لا تعجبي،يا دارُ،أنهم
أبدوا،ومن يكُ واجداً يُبدي
رَبعٌ قريبُ العهدِ أحسبُهُ
بالظاعنينَ،وقد مضى عهدي
لو حرّكت ذاك الرّمادَ يدٌ
ارأت بقايا الجمرِ والوقدِ
إني لَيُعجبني حِماكَ،إذا
نشر النسيمُ ذوائبَ الرّندِ
غرامي جديدٌ بالديارِ وأهلها
وعهدي بهاتيكَ الطلولِ قديمُ
يقولون:ما أبقيتَ للعينِ عبرةً
فقلتُ:جوىً،لو تعلمونَ أليمُ
أيسمحُ جفني بالدموعِ وأغتدي
ضنيناً بها؟إني إذاً للئيمُ
ولو بخلت عيني إذاً لعسفتها
فكيف ودمعُ الناظرين كريم
أعادَ لهُ البرقُ الحجازيُّ مَوهناً
عقابيلَ أيام اللقاءِ السوالفِ
ما ساعفتني الليالي بعدَ بَينهمُ
إلا بكيتُ ليالينا بذي سَلَمِ
ولا استجدَّ فؤادي في الزمانِ هوىً
إلا ذكرتُ هوى أيامنا القدُمِ
لا تطلبنَّ لي الابدالَ بعدهمُ
فإن قلبي لا يرضى بغيرهم
شجاكَ الفراقُ فما تصنع
أتصبرُ للبينِ أم تجزعُ
إذا كنتَ تبكي وهم جيرةٌ
فكيفَ بذاكَ إذا ودّعوا
عهدُ الحمى ،لا أينَ عهدُ الحمى
قضى على الصّبِّ جوىً وانقضى
يا قلبِ جَدّدْ كمدا
فموعدُ البينِ غدا
لم أرَ فَرْقاً بعدهمْ
بين الفراقِ والرّدى
ما أطيبَ الامرَ ولو أنّهُ
على رزايا نَعَمٍ في مُراح
وأشعثِ المفرقِ ذي هِمّةٍ
طوّحهُ الهمُّ بعيداً فطاح
لما رأى الصبرَ مُضراً بهِ
راحَومن لم يُطقِ الذلَّ راح
يا ديارَ الأحبابِ كيفَ تغيّرَ
تِ ويا عهد ما الذي أبلاكا
هل أولاكَ الذين عهدي بهم في
كَ على عهدهم وأينَ أولاكا
ورُبّ وميضٍ نبّهَ الشوقَ ومضَهُ
ورُبَّ نسيمٍ جدّدَ الوجدَ نسمُهُ
عَزَّ صبري يومَ اللقاءِ ولكنْ
فضحتهُ الأشجانُ يومَ الفراقِ
نسرِقُ الدمعَ في الجيوبِ حياءً
وبنا ما بنا من الإشفاقِ
سقى منىً وليالي الخَيفِ ما شربتْ
من الغمامِ وحيّاها وحيّاكِ
إذ يلتقي كلُّ ذي دَينٍ وماطلَهُ
منا،ويجتمعُ المشكو والشاكي
ولم يبقَ عندي للهوى غيرَ أنني
إذا الرّكبُ مرّوا بي على الدارِ أشهقُ
لا تخلدن إلى أرضٍ تهونُ بها
بالدارِ دارٌ وبالجيرانِ جيرانُ
أألله،إني إن مررتُ بأرضها
فؤادي مأسورٌ ودمعي مُطلقُ
فواهاً من الرّبعِ الذي غيّرَ البلى
وآهاً على القومِ الذينَ تفرّقوا
أصونُ ترابَ الارضِ كانوا حلولُها
وأحذرُ من مرّي عليها وأُشفقُ
أيها الرائحُ المُغِذُّ تحمّلْ
حاجةً للمُعذبِ المشتاقِ
أقرِ عنّي السلامَ أهلَ المصلى
وبلاغُ السلامِ بعد التلاقي
وإذا مامررتَ بالخيفِ فاشهدْ
أنّ قلبي إليهِ بالاشواقِ
ضاعَ قلبي فانشدهُ لي بين جمعٍ
ومنىً عند بعض تلكَ الحِداقِ
وابكِ عني فطالما كنتُ منْ قب
لِ أُعيرُ الدموعَ للعشاقِ
رعى الله من فارقتُ من غيرِ رغبةٍ
على الوجدِ مني والسّقامِ المُطابقِ
فكلُّ غريبٍ يألفُ الهمُّ قلبَهُ
ولاسيا قلبُ الغريبِ المُفارقِ
فكيفَ بطرفٍ لحظهُ لحظُ مُدنفٍ
سقيمٍ وجسمٍ قلبهُ قلبُ عاشقِ
أحِنُّ إلى من لا يحنّ صبابةً
وما واجدٌ قلبا مشوقٍ وشائقِ
من رأى البارقَ في مجنوبةٍ
هَبّهُ البارقِ قد راعَ الظلاما
كلما أومضَ من نحوِ الحمى
أقعدَ القلبَ من الشوقِ وقاما
يا خليليَّ انظرا عنّي الحمى
إن طرْفَ العينِ بالدمعِ أغاما
طال ما استسقوا لعيني دمعها
أينما استسقيتُ للدارِ الغماما
آهاً على نفحاتِ نجدٍ إنها
رُسلُ الهوى وأدّلةُ الاشواقِ
أسقيت بالكأسِ التي سُقّيتها
أم هل خطتكَ إليَّ كفُّ الساقي
لا يُبعدِ الله فتياناً رُزئتُهمْ
رُزءَ الغصونِ وفيها الماءُ والورَقُ
إن يرحلوا اليومَ عن داري فإنهمْ
جيرانُ قلبي أقاموا بعدما انطلقوا
بانوا فكلُّ نعيمٍ بعدهمْ كمدٌ
باقٍ وكلُّ مساغٍ بعدهم شَرَقُ
أراكَ تجزعُ للقومِ الذين مضوا
فهل أمنتَ على القومِ الذين بقوا
وكيفَ ينعمُ بالتغميضِ بعدهمُ
عينٌ أعانَ عليها الدمعُ والارقُ
ولقد رأيتُ “بدير هندٍ” منزلاً
ألِماً من الضّراءِ والحدثانِ
أغضى كمستمعِ الهوان،تغيبت
أنصارهُ وخلا من الاعوان
دعْ من دموعك بعد البينِ للدِمن
غداً لدارهم واليوم للظعن
فاتني أن أرى الديارَ بطرفي
فلعلي أرى الديار بسمعي
ووقفتُ أسألُ بعضها عن بعضها
وتُجيبني عِبراً بغيرِ لسانِ
قدَحتْ زفيري فاعتصرتُ مدامعي
لو لم يَؤُل جزعي إلى السّلوانِ
ترقى الدموعُ ويرعوى جَزعُ الفتى
وينانُ بعد تفرّق الأقران
وتلّفتت عيني،فمذ خفيت
عنها الطلولُ،تلّفتَ القلبُ
وعندي من الأحبابِ كلّ عظيمةٍ
تُزَهدُ في قربِ الضجيعِ المعانقِ
تعطلّتِ الأحشاءُ من كلِّ آنّةٍ
فلا القربُ يُضنيني ولا البعدُ شائقي
وما في الغواني من سرورٍ لناظرٍ
ولا في الخزامى من نسيمٍ لناشقِ
رمى الله بي من هذه الأرض غيرها
وقطّعَ من هذا الأنامِ علائقي
أسرِعْ السير أيها الحادي
إنّ قلبي إلى الحِمى صادي
فالثُمْ الأرضَ خاضعاً فلقد
نلت والله خير إسعاد
وإذا ما حللت ناديهم
يا سقاهُ الإله من نادي
فاغضُض الطرفَ خاشعاً ولهاً
واخلع النعلَ إنّهُ الوادي
من مُعيد أيامَ سلع على ما
كانَ فيها وأينَ أيام سلع؟
أعددتكم لدفاعِ كلّ مُلّمة
عني فكنتم عون كلّ مُلّمة
فلأرحلن رحيل لا مُتلّهف
لفراقكم أبداً ولا متلّفتِ
ولأنفضنَّ يديَّ يأساً منكم
نفضَ الأنامل من تراب الميتِ
هي الدارُ ما شوقي القديم بناقص
إليها ولا دمعي بجامدِ
أما فارق الأحبابَ بعدي مفارقٌ
ولا شيّعَ الأظعانَ من مثلي بواجد
ياليلة السفح ألا عدت ثانية
ماضٍ من العيشِ لو يُفدى بذلتُ لهُ

سقى زمانكَ هطالٌ من الديمِ
كرائمَ المالِ من خيلٍ ومن نَعمِ
لم أقضِ منكِ لُباناتٍ ظفرتُ بها
فليت عهدكِ إذ لم يبقَ لي أبداً

فهل لي اليومَ إلا زفرةُ الندمِ
لم يُبقِ عندي عقابيلاً من السَقمِ
تعجبوا من تمنّي القلبِ مُؤلمهُ
ردّوا عليَّ ليالي َّ التي سلفت

وما دروا أنّهُ خِلوٌ من الألمِ
لم أنسهنَّ ولا بالعهدِ من قِدمِ
يا حبذا لمّةً بالرملِ ثانية
وحبذا نهلةٌ من فيكِ باردةٌ

ووقفةٌ ببيوتِ الحيِّ من أممِ
يُعدي على حَرِّ قلبي بردها بفمي
ما ساعفتني الليالي بعد بينهم
إلا بكيتُ ليالينا بذي سَلمِ
ولا استجدَّ فؤادي في الزمانِ هوىً
إلا ذكرتُ هوى أيامنا القُدُم
لا تطلبنَّ ليَ الأبدالَ بعدهمُ
فإنّ قلبي لايرضى بغيرهم
أقولُ لركب رائحين لعلّكم
تحلّون من بعدي العقيق اليمانيا
خذوا نظرةً مني فلاقوا بها الحِمى
ونجداً وكثبان اللّوى والمطاليا
ومُرّوا على أبياتِ حيٍّ برامةٍ
فقولوا لديغٌ يبتغي اليوم راقيا
عدمتُ دوائي بالعراقِ فربما
وجدتم بنجدٍ لي طبيباً مداويا
عارضا بي ركبَ الحجازِ أسائله
متى عهدهُ بأعلام جمع
واستملا حديث من سكن الخيف
ولا تكتباهُ إلا بدمعي
يا غزالاً بعينِ النقى والمصلى
ليسَ يبقى على منالك درعي
كل ما سلّ من فؤاده سهم
عادَ سهم لكم مضيض الوقع
عللّاني بذكرهم واسقياني
وامزجا لي دمعي بكأس دهاقِ
وخذا النوم من جفوني فإني
قد خلعتُ الكرى على العشاقِ
والبعدُ عنكَ بلاني باستكانهمُ
إنّ الغريبَ لمضطرٌ إلى السّكنِ
أسِلْ بدمعكَ وادي الحي إن بانوا
إنّ الدموعَ على الاحزانِ أعوانُ
لا عُذرَ بعد تنائي الدارِ من سَكنٍ
لِمدّعي الوجدِ لم يدمع له شانُ
سارتْ بقلبكَ في الأحشاءِ زفرتهُ
واستوقفتك بأعلى الرّملِ أظعانُ
لمّا مررنا على تلكَ السّروبِ ضحىً
نضَتْ إلى الرّبعِ أجيادٌ وأعيانُ
من كلِّ غيداءَ قد مالَ النعيمُ بها
كما تخايلَ بالبُردينِ نشوانُ
تهفو إلى البانِ من قلبي نوازعهُ
وما بيَ البانُ بل من دارُهُ البانُ
أسدُّ سمعي إذا غنى الحمامُ به
ألا يُبين بسرِّ الوجد إعلانُ
خذي نفسي يا ريحُ من جانبِ الحمى
فلاقي بها ليلاً نسيمَ رُبى نجدِ
فإن بذاكَ الحيِّ إلفاً عهدتهُ
وبالرّغمِ مني أن يطولَ به عهدي
ولولا تداوي القلب من ألمِ الجوى
بذكرِ تلاقينا قضيتُ من الوجدِ
قال لي صاحبي غداةَ التقينا
نتشاكى حرَّ القلوبِ الظّماء:
كنتَ خبّرتني بأنكَ في الوج
دِ عقيدي،,انّ داءكَ دائي
ما ترى النّفرَ والتحمل للب
ينِ ،فماذا انتظارُنا للبكاء
لم يقلها حتى انثنيتُ لما بي
أتلّقى دمعي بفضلِ ردائي
يا روضَ ذي الأثلِ من شرقيِّ كاظمةٍ
قد عاودَ القلبُ من ذكراكَ أديانا
أمرُّ بالرّكبِ مجتازاً بذي سَلمٍ
لو ماشريتُكَ بالأوطانِ أوطانا
شغلتَ عيني دموعاً والحشى حُرقاً
فكيفَ ألفّتَ أمواهاً ونيرانا
أشمُّ منكَ نسيماً لستُ أعرفُهُ
أظنُّ ظمياءَ جرّتْ فيك أردانا
ألقاكَ والقلبُ صافٍ من رجيعِ هوىً
وأنثني عنكَ بالأشواقِ نشوانا
ولا تداويتُ من قُرحٍ فَرى كبدي
ولا سقاني راقي الحيِّ سُلوانا
يقولُ صحبي وقد أعياهمُ طربي:
بعضَ الاسى إنما أحببتَ إنسانا
أنسيتني الناسَ إذ أذكرتني بهمُ
يا مُهدياً ليَ تذكاراًونسيانا
أحبُّ ثرى أرضٍ أقامَ بِجوّها
حبيبٌ إلى قلبي وإن لم يُلائمِ
وأستشرفُ الأعلامَ حتى تدُّلني
على طيبها مرُّ الرياحِ الهواجمِ
وما أنسِمُ الأرواحَ إلا لأنها
تجوزُ على تلك الرُّبى والمعالمِ
ولله أيامٌ عفونَ كما عفا
ذوائب ميّاسي العرار رطيبه
أحنُّ إلى نورِ الربى في بطاحهِ
وأظمأ إلى ريّا اللّوى في هبوبه
وذاكَ الحِمى يغدو عليلاً نسيمهُ
ويُمسي صحيحاً ماؤهُ في قليبه
حَببتُ لقلبي ظلّه في هجيرهِ
غّا ما دجا،أو شمسهُ في ضريبه
مهيار الديلمي
يا نسيمَ الصُبحِ من كاظمةٍ
شَدَّ ما هِجتَ الجوى والبَرحا
الصّبا ـ إن كانَ لابُدّ ـ الصّبا!
إنّها كانت لقلبي أروحا
يا ندامايَ بِسَلعٍ،هل أرى
ذلكَ المَغبقَ والمُصطبحا؟
فاذكرونا ذِكرنا عهدَكمُ
رُبّ ذكرى قرّبتْ من نزحا
وارحموا صبّاً إذا غنى بكم
رجعَ العاذلُ عني آيساً
قد شربتُ الصبرَ عنكم مُكرهاً

شربَ الدمعَ وعافَ القدحا
من فؤادي فيكمُ أن يُفلحا
وتبعث السقم فيكم مُسمحا
وعرفتُ الهمَّ من بعدكمُ
ما لساري اللهوِ في ليلِ الصِّبا
ما سمعنا بالسّرى من قبلهِ
أنكرت تبديلَ أحوالي،ومن
شدَّ ما منّى غروراً نفسَهُ

فكأنّي ما عرفتُ الفرحا
ضلَّ في فجرٍ برأسي وضحا؟
بابن ليلٍ ساءهُ أن يُصبحا
صحبَ الدنيا على ما اقترحا؟
تاجرُ الآدابِ في أن يربحا
يا سائقَ الأظعانِ لا صاغراً
عُجْ عَوجةً ثم استقم واذهبِ
دعِ المطايا تلتفت إنها
تلوبُ من جفني على مشربِ
عَرِّجْ على الوادي فقل عن كبدي
للبانِ ما شئت الجوى والحُرقا
أتكتُمُ يوم”بانة” أم تبوحُ؟
وأجدرُ لو تبوح فتستريح
حملتَ البينَ جَلداً والمطايا
بوازلها بما حملتْ طلوحُ
وقمت وموقف التوديعِ قلبٌ
يطيرُ به الجوى وحشاً تطيحُ
فهل لك غير هذا القلب تحيا
به أو غير هذي الروح روحُ
فمن يكُ في النّوى بطلاً فإنّي
أنا المقتولُ والبينُ السلاح
فراقٌ سابقَ اللقيا وعطفٌ
من الايامِ زاحمهُ أطراحُ
لئن قصرت مساعيها وضاقت
ففي الأشواقِ طولٌ وانفساحُ
فغن كسرت عصا جَلدي عصاها
فآمالي برجعتها صحاحُ
الآن إذ بردَ السلوُّ ظمائي
وأصابَ بعدكم الأُساةُ دوائي
كانت عزيمة حازمٍ أضللتها
في قربكم فأصبتها في النائي
وقذاءُ قلبي أن يحنَّ لناظرٍ
يومَ الرحيلِ تفرّق الخلطاءِ
مستمطرين ولم تجدهم أدمعي
ومؤججين ومالهم أحشائي
أظمى ورِيى في السؤالِ فلا يفي
حرُّ المذلةِ لي ببردِ الماءِ
أصبو إلى “طَيبةَ” من” بابلٍ
ما أقربَ الشوقَ وما أبعدا
يا حبذّا الذكرى وإن أسهرتْ
لا تأخذِ النّفرَ بتفريقنا

بعدكَ والدمعُ وإن أرمدا
فرّبما عاد لنا موعدا
بالغَورِ” دارٌ ،”وبنجدٍ “هوىً
يا لهفَ من غارَ لمن أنجدا

ليتَ الذين أصاخوا يومَ صاح بهم
داعي النّوى،ثوّروا،وصموا كما سمعوا
أو ليتَ ما أخذَ التوديعُ من جسدي
قضى عليَّ فللتعذيبِ ما يدعُ
وعاذلٍ لحَّ أعصيهِ ويأمرني
فيهم وأهربُ منهُ وهو يتتّبعُ
يقول:نفسكَ فاحفظها فإن لها
حقاً وإن علاقاتِ الهوى خُدَعُ

سلا جمراتِ البينِ :كيف دُستها
يوّقدُ بالأنفاسِ تحتي سعيرُها
حملتُ بقلبي منهمُ وهو حَبّةٌ
ومن عيسهم ما لا تُقِلُّ ظهورُها
بكيتُك للفراقِ ونحن سفرٌ
وعدتُ اليوم أبكي للإيابِ
كفى البينُ أني لِنتُ تحتَ عراكهِ
وخُرتُ وعودي في الخطوبِ صليبُ
وقاربتُ من خَطوي رضاً بقضائهِ
ولي بين أحداثِ الزمانِ وثوبُ
فِكاكُكَ أيها القلبُ الأسيرُ
غداً،لو قالَ حادي الرّكب،سيروا
وإن أخذوكَ أنتَ وخلّفوني
فَسِرْ معهم فذاكَ لهم يسيرُ
وكيفَ يخافُ تيهَ الليلِ ركبٌ
تطّلعُ من هوادجهِ البدورُ
يناجزُ في الوداعِ معاتباتٍ
لَهُنَّ كبودنا ولنا الزفيرُ
ما لقلوبٍ جُبلت لدنةً
يعطفها العاجمُ والكاسرُ
قست على البُعدِ وقنطنَّ
بالوفيِّ منها أنه غادرُ
ما لدهري قضى الفراقَ عليها
عذّبَ الله بالفراقِ الدهرا
كم النّوى؟قد جزع الصابرُ
وقنط المهجورُ يا هاجرُ
أم كانَ يومُ البينِ ـ حاشاكم ـ
أوّلَ شىءٍ مالهُ آخرُ
لمن الظُّعنُ تهتدي وتجورُ؟
سائقٌ مُنجد وشوقٌ يغيرُ
تُتبِعُ الخطرَ قاهراً بينَ أيديها
ومن خلفها هوىً مقهورُ
ووراءَ الحُدوجِ في البيدِ أرواحُ
المقيمين في الديار تسيرُ
رفعوها وهي الخدور وراحوا
وهي مما تحوي القلوب صدورُ
حدّثني عن “الغضا” وأهلهِ
فانكشفَ السترُ ونمَّ الكاتِمُ
للبارقاتِ مطرٌ وهذه
مُزنتها دموعيَ السواجمِ
في كلِّ ذاتِ صبوةٍ من عبرتي
ما يشكرُ الراعي ويرضى السائمُ
سلا المُحبّون،وعندي زفرةٌ
عسراء لا تنقضها الغرائِمُ
ولما جلا التوديعُ عمّا عهدتهُ
ولم يبقَ إلا نظرةٌ تُتغنّمُ
بكيتُ على الوادي فحرّمتُ ماءه
وكيفَ يحلُّ الماءُ أكثرهُ دمُ
يا حبّذا ليلُ”الغضا” وطولهُ
تَمّتْ لنا أقمارُهُ ولم تتِمْ
أفذكرةٌ تُرضي الوفاءَ على النّوى
إذ لا رجاءَ لنظرةٍ تُرضيني
ردّوا ولو يوماً ،ولو ساعةً
على”الغضا” من عيشنا الزائلُ
لي ذلّةُ السائلِ ما بينكم
فلا تفتكم عزّةُ الباذلِ
أشتكي البُعدَ وهو ظلمٌ ولولا
لذّةُ القُربِ ما ألِمتُ البُعدا
أجيرانَنا “بالغورِ” والركبُ مُتهِمُ
أيعلمُ خالٍ كيفَ باتَ المُتيّمُ؟
رحلتم وعمرُ الليل فينا وفيكمُ
سواءٌ وفيكم ساهرونَ ونُوّمُ
بنا أنتمُ من ظاعنينَ وخلّفوا
قلوباً أبت أن تعرفَ الصبر عنهمُ
يقون الوجوه الشمسَ والشمسُ فيهمُ
ويسترشدونَ النجمَ والنجمُ منهمُ
أمنتُكَ يا فراقُ ورُبَّ يومٍ
حذرتُ لو أنّهُ نفعَ الحذارُ
أخذت فلم تدعْ شيئاً عليه
يُخافُ أسىً ولا يُرجى اصطبارُ
حبيبٌ خنتني فيهِ ودارٌ
وللناسِ الأحبّةُ والديارُ
أدمعُكَ أم عارضٌ ممطرٌ؟
أم النفسُ ذائبة تقطرُ؟
دعوا بالرحيلِ فمستذهلٌ
أضل! البكاء ومُستعبرُ
وقالوا:الوداع على”رامة”
فقلت لهم:“رامةٌ”المحشرُ
وأرسلتُ عينيَ “بالأنعمينِ”
لتُبصرَ لو أنّها تُبصرُ
فما حملتْ خبراً يُستطا
بُ إلا الذي كذبَ المُخبرُ
وعنّفني منذرٌ خالياً
ألفتَ وفُورقتَ يا مُنذرُ
وقالوا:تحمّل ولو ساعةً
فقلت لهم:مُدّتي أقصرُ
دعوني فلي إن زُمّتْ العيسُ وقفةٌ
أُعلِّمُ فيها الصخرَ كيفَ يلينُ
وخلّوا دموعي أو يُقال نعم بكا
وزفرةُ صدري أو يُقالَ حزينُ
فلولا غليلُ الشّوقِ أو دمعةُ النّوى
لما خُلقتْ لي أضلعٌ وجفونُ
لو كنتَ تبلو غداةَ “السفح” أخباري
علمتَ أن ليسَ ما عَيّرتَ بالعارِ
شوقٌ إلى الوطن المحبوبِ جاذبَ أضلا
عي ودمعٌ جرى من فرقةِ الدارِ
ووقفةٌ لم أكنْ فيها بأوّل من
بانَ الخليطُ فداوى الوجدَ بالدارِ
توّهموا أنّ الفراقَ سلوةٌ
عنهم فلا أحللتُ من توّهما
وأن عيني مُلئتْ من غيرهم
إذ منعوا،إذن رأت عيني العمى
يلومُ على “نجدٍ” ضنينٌ بدمعهِ
إذا فارقَ الأحبابَ جفت غروبه
فما أسفتُ لشىءٍ فائتٍ أسفي
من أن أعيشَ وجيرانُ”الغضا” غيبُ
قد كنتُ أسرقُ دمعي في محاجرهِ
تطيراً بالبكى فاليوم أنتحبُ
تظنُّ ليالينا عُوّدا
على العهدِ من “برقتي ثهمدا؟
وهل خبرُ الطيفِ من بعدهم
إذا طابَ يصدُقك الموعدا؟
أفي كلِّ دارٍ تمرُّ العهودُ
عليك ولم تنسَ منها العهودا؟
خليليَّ هذي دار”لمياء” فاحبسا
معي واعجبا إن لم تُميلا فتُسعدا
فعاتب فيها الدهر،لا! كيفَ عتبهُ
وأخلاقهُ إخلاقُ ما كان جدّدا
وليلة”ذات البانِ” ساهرتُ طالعاً
من النجمِ لم يُكتبْ عليهِ غروبُ
أُسائلُ عن نومي وضوءِ صباحها
وأعيا،فأيُّ الغائبينَ يؤوبُ
تحدّثْ بما أبصرتَ يا بارقَ الحِمى
فإنّكَ راوٍ لا يُظنُ بكَ الكذبُ
وقُلْ عن حشىً عن حرّها وخفوقها
تعلّمتَ ماتنزو خِطاراً وتشبّبُ
وعن بدنٍ لم يبرح الشوقُ مُعرياً
وشائطهُ حتى التقى الخببُ والخببُ
وقفتُ وصحبي في “اللوى” فأملّهم
وقوفي حتى قد وقفتُ ولا صحبُ
أُذاكرهُ مرآة يومي بأهلهِ
فيشكو الذي أشكو ويصبو كما أصبو
ولم أحسب الأطلالَ تُخضعها النّوى
ولا أن جسم الربعِ يُنحلهُ الحبُّ
تصبّرَ على البينِ واجزعْ له
ولو كنتُ أصبرُ لم أجزعِ
غداً موعدُ البينِ ما بيننا
فما أنتِ صانعة فاصنعي
عسى الله يجعلها فرقةً
تعودُ بأكرمِ مستجمعِ
سلمت وما الديارُ بسالماتٍ
على عنتِ البِلى يا دارَ هندِ
ولا برحتْ مفوّفة الغوادي
تُصيبُ رُباكِ من خطأ وعمدِ
بموقظة الثرى والترب هاد
ومجدية الجنى والعام مكدي
على أني متى مطرتكِ عيني
ففضلٌ ماسقاكِ الغيث بعدي
أميلُ إليكِ،يجذبني فؤادي
وغيرُكِ ما استقامَ السير قصدي
وأشفقُ أن تبدّلك المطايا
بوطأتها كأنّ ثراكِ خدّي
يا ديارَ الحيِّ من جَنبِ الحمى
عدتِ ظناً بعدما كنتِ حقيقهْ
فلئنْ كُنتِ عدوَّ العينِ من
بعدهم إنكَ للقلبِ صديقهْ
لم أكنْ أعلمُ حتى نحلتْ
كنحولي أنها مثلي مشوقهْ
أينَ جيراني بها،لهفي بهم
لهفة سكرتُها غير مُفيقهْ
ويُسليك أنك مذ فارقوك
على عهد من أتلف البينُ باقي
فقلتُ:وهل هو إلا الحِمام
أحلى من العيش بعد الفراقِ
فداؤُك طائفةُ البينِ في
بكائي على إثرهِ واحتراقي
وقلبٌ على العهدِ أما سلو
تَ من حفظ ميثاقكم في وثاقِ
سلْ الجيرةَ الغادينَ هلْ مُودّعَ الهوى
أمينٌ وهل بعد التفرّقِ ملتقى
كأنّ فؤادي عند صائحة النوى
وقد رقَّ ضُعفاً أن يجيش فيخفقا
ولما اتقى نبلَ الوشاةِ بصبرهِ
رمتهُ وشاةُ الدمعِ من حيثما اتقى
أليلَ سوادي ما أرى الصُبحَ سرّني
فمن ردَّ لي ذاك الظلام فأغسقا
قضتْ ظُلماتُ البُعدِ فيك قضاءَها
فصُبحاً،فهذا الفجرُ منك قريبُ
أرى كبدي قد أثلجت في ضلوعها
وكانت على جمرلاِ الفراقِ تذوبُ
سَلْ بما سرَّ غير قلبي فالحز
نُ به مذ نأيتُ عنك محيق
وكم لي في ليلِ الحمى من إصاخةٍ
إلى خبرِ الأحلامِ وهو كذوبُ
توقّرُ منها ثم يسفهُ أضلعي
ويجمدُ فيها الدمعُ ثم يذوبُ
رأت شعراتٍ غيّرَ البينُ لونها
فأمست بما تطريهِ أمس تعيبُ
هل عند ريحُ الصَّبا من “رامةٍ” خبرُ
أم طابَ أن أصابَ روضاتُ اللّوى المطرُ
علامةٌ لك من “أم الوليد” أتتْ
تعلو الرياحُ بها والمزنُ تنحدرُ
هوىً ترامتْ بهِ الأيام تبعده
وقرّبتهُ لك الآياتُ والذكرُ
النابغة الذبياني
يا دارَ مَيّةَ بالعلياءِ فالسّندِ
أقوتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ
وقفتُ فيها أُصيلاناً أسائلها
عَيّتْ جواباً وما بالربعِ من أحدِ
أمستْ خلاءً وأمسى أهلها احتملوا
أخنى عليها الذي أخنى على لُبَدِ
زعمَ البوارحُ أنّ رحلتنا غداً
وبذاكَ تنعابُ الغرابِ الأسودِ
لا مرحباً بغدٍ،ولا أهلاً بهِ
إن كانَ تفريقُ الأحبّةِ في غدِ
أمِنْ آلِ ميّةَ رائحٌ أو مُغتدِ
عجلانَ،ذا زادٍ وغير مزوّدِ
أفِدَ الترحلُ،غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا،وكان قد قدِ
فأضحتْ بعدما فُصلتْ بدارٍ
شطونٍ، لا تُعادُ ولا تعودُ
قالت:أراكَ أخا رحلٍ وراحلةٍ
حيّاكَ ربي،فإنا لا يحلُّ لنا

تغشى متالف، لن ينظرنك الهرما
لهو النساء وإنَّ الدِّينَ قد عزما
طرفة بن العبد
تُعيّر سَيري في البلادِ ورحلتي
ألا رُبّ دار لي سوى حُرّ داركِ
وليسَ امرؤٌ أفنى الشباب مجاوراً
سوى حيّهِ إلا كآخرَ هالكِ
قِفي لا يكنْ هذا تعلّة وصلنا
لبين،ولا ذا حظّنا من نوالكِ
أخبرّكِ أنّ الحيّ فرّقَ بينهم
نوى غُربةٍ،ضرارةٍ لي كذلكِ
ولم يُنسني ما قد لقيتُ،وشَفّني
من الوجدِ أنّي غير ناسٍ لقاءكِ
وقفتُ فيها،سراةَ اليوم،أسألها
عن آلِ نُعْمٍ،أمُونا،عبرَ أسفارِ
فاستعجمتْ دارُ نُعْمٍ،ما تُكلّمنا
والدارُ،لو كلمتنا،ذاتُ أخبارِ
وقد أراني ونُعماً لاهيينِ بها
والدهرُ والعيشُ لم يَهمم بإمرارِ
أيامَ تُخبرني نُعمٌ وأخبرُها
ما أكتمُ الناس من حاجي وأسراري
ولا غروَ إلا جارتي وسؤالها:
ألا هل لنا أهل؟سئلتِ كذلكِ
تُعيِّرُ سَيري في البلادِ ورحلتي
ألا رُبّ دارٍ لي سوى حُرّ داركِ
عنترة العبسي
لقد ودّعتني عبلةٌ يومَ بَينها
وداعَ يقين أنني غير راجعِ
وناحتْ وقالتْ كيفَ تُصبحُ بعدنا
إذا غبتَ عنا في القفا الشواسعِ
وحقّك لا حاولت في الدهرِ سلوةً
ولا غيّرتني عن هواك مطامعي
فكنْ واثقاً بحسنِ مودةٍ
وعشْ ناعماً في غبطةٍ غيرَ جازعِ
يا طائرَ البانِ قد هيّجتَ أشجاني
وزدتني طَرباً يا طائرَ البانِ
إن كنتَ تندبُ إلفاً قد فُجعتَ بهِ
فقد شجاكَ الذي بالبينِ أشجاني
زِدني من النَوحِ واسعدني على حَزني
حتى ترى عجباً من فيضِ أجفاني
وقِفْ لتنظرَ ما بي لا تكنْ عَجلاً
واحذرْ لنفسكَ من أنفاسِ نيراني
وطِرْ لعلّكَ في أرضِ الحجازِ ترى
ركباً على عالجٍ أو دونَ نَعمانِ
يسري بجاريةٍ تنهلُّ أدمعها
شوقاً إلى وطنٍ ناءٍ وجيرانِ
ناشدتُكَ الله يا طيرَ الحمام إذا
رأيتَ يوماً حُمولَ القوم فانعاني
وقلْ طريحاً تركناهُ وقد فنيتْ
دموعهُ وهو يبكي بالدم القاني

ألا قاتلَ الله الطلولَ البواليا
وقاتلَ ذِكراكَ السنينَ الخواليا
وقولكَ للشىء الذي لا تنالهُ
إذا ماهو احلولى ألا ليتَ ذا ليا
وحقّك أشجاني التباعد بعدكم
فهل أنتمو أشجاكم البعد من بعدي
حذرت من البينِ المُفرِّق بيننا
وقد كانَ ظني لا أفارقكم جهدي
فغن عاينت عيني المطايا وركبها
فرشت لدى أخفافها صفحة الخدَّ
ولقد ناحَ في الغصونِ حمامٌ
فشجاني حنينينُهُ والنحيبُ
باتَ يشكو فراقَ إلفٍ بعيد
وينادي أنا الوحيدُ الغريبُ
إذا ريحُ الصَّبا هبّتْ أصيلا
شفتْ بهبوبها قلباً عليلا
وجاءتني تُخبِّرُ أنّ قومي
بمن أهواهُ قد جَدّوا الرحيلا
وما حَنّوا على من خَلّفوهُ
بوادي الرملِ منطرحاً جديلا
يحِنُّ صبابةً ويهيمُ وجداً
إليهمُ كلّما ساقوا الحمولا
ألا ياعبلَ إن خانوا عهودي
وكانَ أبوكِ لايرعى الجميلا
حملتُ الضيمَ والهجرانَ جُهدي
على رغمي وخالفتُ العذولا
لقد ذَلَّ من أمسى على ربعِ منزلٍ
ينوحُ على رسمِ الديارِ ويندبُ
هلْ غادرَ الشعراء من مُتردمِ
أم هلْ عرفتَ الدارَ بعد توهمِ
قِفْ بالمنازلِ إن شجتكَ رُبوعُها
فلعلَّ عيناكَ تستهلُّ دموُعها
أرضُ الشّربةِ شِعبٌ ووادي
رحلتُ وأهلُها في فؤادي
يحلّون فيه وفي ناظري
وإن بعدوا في محلِ السّوادِ
إذا خفقَ الربقُ من حيّهم
أرقتُ وبتُّ حليفَ السّهادِ
وريحُ الخُزامى يُذّكرُ أنفي
نسيم عذارى وذاتَ الأيادي
فبالله يا ريحَ الحجازِ تنّفسي
على كبدٍ حرّى تذوبُ من الوجدِ
ويا برقُ إن عرّضتَ من جانبِ الحِمى
فَحيِّ بني عبسٍ على العلم السّعدي
وإن خمدتْ نيرانُ عبلة موهناً
فَكُنْ أنتَ في أكنافها نيرَ الوقدِ
وخلِّ الندى ينهلُّ فوقَ خيامها
يذكرّها أني مُقيمٌ على العهدِ
ما راعني إلا الفراق وجَورهِ
فأطعتهُ والدهرُ طوعُ زمامي
فكمْ أبكي بإبعادٍ وبَينٍ
وتشجيني المنازلُ والطلولُ
وكمْ أبكي على إلفٍ شجاني
وما يُغني البكاءُ ولا العويلُ
تلاقينا فما أطفى التلاقي
لهيباً لا ولا بردَ الغليل
أيا صادحاتِ الأيكِ إن متّ فاندبي
على تربتي بين الطيورِ السواجعِ
ونوحي على من ماتَ ظلماً ولم ينلْ
سوى البُعدِ عن أحبابهِ والفجائعِ
امرؤ القيس
كأنّي غداةَ البينِ يومَ تحملّوا
لدى سَمُراتِ الحيِّ ناقفُ حنظلِ
وقوفاً بها صَحبي عليَّ مطيّهمْ
يقولونَ لا تهلِكْ أسىً وتجمّلِ
فدعْ عنكَ شيئاً قد مضى لسبيلهِ
ولكنْ على ما غالكَ اليوم أقبِلِ
وقفتُ بها حتى إذا ما تردّدتْ
عَمايةُ محزونٍ بشوقٍ مُوَّكلُ
وإنّ شفائي عبرةٌ إن سفحتُها
وهلْ عندَ رسمٍ دارسٍ من مُعوَّلِ؟
ففاضت دموعُ العينِ مني صبابةً
على النّحرِ حتى بلَّ دمعي مِحملي
ولو أنّي هلكتُ بأرضِ قومي
لقلتُ الموتُ حقٌّ،لا خلودا
أُعالجُ مُلكَ قيصرَ كلّ يومٍ
وأجدرْ بالمنيّةِ أن تقودا
بأرضِ الشامِ لا نسبٌ قريبٌ
ولا شافٍ فيسندَ أو يعودا
فأضحتْ بعدما فُصلتْ بدارٍ
شطونٍ، لا تُعادُ ولا تعودُ
ألا عِمْ صباحاً أيّها الربعُ وانطقِ
وحدِّثْ حديثَ الركبِ إن شئت واصدقِ
يجولُ بآفاقِ البلادِ مُغرِّباً
وتسحقهُ ريحُ الصَّبا كلّ مُسحقِ
أجارتنا إنّ المزارَ قريب
وإنّي مقيم ما أقامَ عسيب
أجارتنا إنا غريبان هاهنا
فإن تصلينا فالقرابةُ بيننا

وكلّ غريبٍ للغريبِ نسيب
وإن تصرمينا فالغريبُ غريبُ
ذكرتُ بها الحيِّ الجميع فهيّجت
عقابيلَ سُقمٍ من ضميرٍ وأشجانِ
فَسّحتْ دموعي في الرداءِ كأنّها
كُلىً من شعيبٍ ذاتُ سَحٍّ وتهتان
وما تدري إذا يمّمت أرضاً
بأيِّ الأرضِ يُدركُكَ المبيتُ
ظللِتُ،ردائي فوقَ رأسي قاعداً
أعدُّ الحصى ما تنقضي عبراتي
أعِنّي على التهمامِ والذِّكراتِ
يبتنَ على ذي الهمِّ مُعتكراتِ
تذكرتُ أهلي الصالحينَ وقد أتتْ
على”خملى”خوص الركابِ وأوجرا”
فلما بدتْ حورانُ في الآلِ دونها
نظرتَ فلم تنظرُ بعينكِ منظرا
تقّطعَ أسبابُ اللبانةِ والهوى
عشيّةَ جاوزنا حماةً وشيزرا
فدعْ ذا وسَلِّ الهمَّ عنك بجسرةٍ
ذَمولٍ إذا صامَ النهارُ وهَجّرا

ألِمّا على الرّبعِ القديمِ بِعَسعسا
كأنّي أنادي أو أُكلِمُ أخرسا
فلو أنّ أهلُ الدارِ فيها كعهدنا
وجدتُ مقيلاً عندهم ومَعرسا
الحطيئة
ألا طرقتنا بعدما هجدوا هندُ
وقد سِرنَ غَوراً واستبانَ لنا نجدُ
ألا حبذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ
وهندٌ أتى من دونها النأيُ والبعدُ
أمِنْ رسمِ دارِ مَربعٌ ومَصيفُ
لعينيكَ من ماءِ الشؤونِ وكيفُ
تذّكرتُ فيها الجهلَ حتى تبادرتْ
دموعي،وأصحابي عليَّ وقوفُ
وقفتُ بها فاستنزفتُ ماءَ عبرتي
بها العينُ إلا ما كففتُ بهِ طرفي

زهير بن أبي سلمى

وقفتُ بها من بعدِ عشرينَ حِجّةً
فلأياً عرفتُ الدارَ بعدَ توهُّمِ
فلما عرفتُ الدارَ قلتُ لربعها
ألا عِمْ صباحاً أيها الرّبعُ واسلمِ
ومن يغترِبْ يحسب عدواً صديقَهُ
ومن لم يُكرِّم نفسهُ لم يُكرَّمِ
فَقرِّي في بلادكِ إنّ قوماً
متى يدعوا بلادهم يهونوا
كأنّ عيني ،وقد سالَ السّليلُ بهمْ
وعبرةٌ ما همُ لو أنّهمْ أَمَمُ
تأوّبني ذكرُ الأحبّةِ بعدما
هجعتُ ودوني قُلَّةُ الحَزنِ فالرّملُ
تأمل خليلي هل ترى من ظعائن
تحملن بالعلياء من فوق جرثم

حسان بن ثابت

تطاولَ بالجمانِ ليلي فلم تكن
تهمُّ هوادي نجمهِ أن تصوبا
أبيتُ أراعيها كأنّي موكلٌ
بها لا أريد النوم حتى تغيبا
إذا غار منها كوكبٌ بعد كوكبٍ
أخافُ مفاجأة الفراقِ ببغتةٍ

تراقبُ عيني آخرَ الليلِ كوكبا
وصرفَ النوى أن تشتَّ وتشعبا
وأيقنتُ لما قوَّضَ الحيُّ ضمهم
بروعاتِ بينٍ تتركُ الرأسَ أشيبا
وأسمعكَ الداعي الفصيح بفرقة
وبيّنَ في صوتِ الغرابِ اغترابُهم
وفي الطيرِ بالعلياءِ إذ عرضت لنا

وقد ضحت شمسُ النهارِ لتُغربا
عشيّةَ أوفى غُصنَ بانٍ فطرّبا
وما الطيرُ إلا أن تمُرَّ وتنعبا

لبيد

وإذا رُمتَ رحيلاً فارتحلْ
واعصِ مايأمرُ توصيم الكسل

حاتم الطائي

حننتُ إلى الأجبالِ،أجبالِ طىءٍ
وحنّتْ قلوصي أن رأتْ سوط أحمرا
فقلتُ لها:إنّ الطريقَ أمامَنا
وإنّا لمحيو ربعنا إن تيّسرا
وأخرى لحتني يوم لم أمنع النّوى
قيادي ولم ينقض زماعي ناقضُ
أرادت بأن يحوي الغنى وهو وادعٌ
وهل يفرِسُ الليثُ الطبا وهو رابضُ
من مُبلغ قومنا النائين إذ شحطوا
أنّ الفؤادَ إليهم شيّق ولعُ
سقى الله،ربِّ الناسِ،سحاً وديمةٍ
جَنوبَ السّراةِ،من مآبٍ إلى زُعَرْ
بلاد امرىء،لا يعرفُ الذمُّ بيتَهُ
لهُ المشرب الصافي،وليسَ لهُ الكدرُ
بكيتَ،وما يُبكيكَ من طلل قفرِ
بسيفِ اللّوى بين عموران فالغمر
عبيد بن الأبرص

لمنْ جِمالٌ قُبيلَ الصبحِ مزمومة
مُيمماتٌ بلاداً غير معلومة
ساعدْ بأرضٍ إذا كنتَ بها
ولا تقلْ إنني غريب
فقد يوصل النازحُ النائي
وكلُّ ذي غيبةٍ يؤوبُ

ويقطعُ ذو السهمةِ القريبُ
وغائبُ الموتِ لا يؤوبُ
إذازُرتَ أطلالاً بقينَ على اللّوى
ملأنكَ من شوقٍ وهنَّ عُذوبُ
ونمّتْ عليكَ العينُ في عرصاتها
سرائرَ لم ينطق بهنَّ عَريبُ
وحنّتْ قَلوصي بعد وَهنٍ وهاجها
مع الشّوقِ يوماً بالحجازِ وميضُ
فقلتُ لها:لا تضجري،إنّ منزلاً
نأتني بهِ هندٌ إليَّ بغيضُ
زعمَ الأحبّة أنّ رحلتنا غداً
وبذاك خبرّناالغُدافُ الاسودُ
يا دار هندٍ عفاها كلُّ هطالِ
بالجوِّ مثلُ سحيق …البالي
حبستُ فيها صحابي كي أُسائلها
والدمعُ قد بلَّ مني جيبَ سربالي
شوقاً إلى الحيِّ أيام الجميعُ بها
وكيفَ يطربُ أو يشتاقُ أمثالي
عروة بن الورد
قالت تماضر إذ رأت مالي خوى
وجفا الأقاربُ،فالفؤادُ قريحُ
مالي رأيتُكَ في النّدى مُنكساً
وصباً،كأنّكَ في الندى نطيحُ؟
إذا المرءُ لم يطلب معاشاً لنفسهِ
شكى الفقرَ أو لامَ الصديق فأكثرا
وصارَ على الادنين كَلاً وأوشكت
قلوبُ ذوي القربى له أن تنّكرا
فَسرْ في بلاد الله والتمس الغنى
تعشْ ذا يسارٍ أو تموتَ فتعذرا
ولا ترضَ من عيشٍ بدونٍ ولا تنمْ
وكيفَ ينامُ الليلِ من كانَ مُعسرا
وإذا رُمتَ رحيلاً فارتحلْ
واعصِ مايأمرُ توصيم الكسل
ذريني للغنى أسعى فإنّي
رأيتُ الناس شرّهمُ الفقيرُ
وأبعدهم وأهونهم عليهم
وإن أمسى لهُ حسبٌ وخيرُ
وتعصيه الندى وتزدريه
حليلته وينهرهُ الصغير
ذريني أُطوِّفُ في البلادِ لعلّني
أُخَلّيكِ، أو أُغنيكِ عن سوءِ محضرِي
فإن فازَ سهمٌ للمنيةِ لم أكنْ
جزوعاً،وهل عن ذاكِ من متأخرِ؟
وإن فازَ سهمي كفّكم عن مقاعدٍ
لكم خلفَ أدبارِ البيوتِ ومنظرِ
وسائلةٍ أينَ الرّحيلُ،وسائلٍ
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبهْ
مذاهبهُ أنَّ الفجاجَ عريضةٌ
إذا ضنَّ عنه بالفعالِ أقاربُه
فلا أتركُ الإخوانَ،ماعشتُ للردى
كما أنهُ لايترك الماءَ شاربُه
لعلّ انطلاقي في البلدِ ورحلتي
وشدّي حيازيم المطيّة بالرّحلِ
سيدفعني يوماً إلى رب هجمة
يدافع عنها بالعقوق وبالبخل

خاطرْ بنفسك كي تُصيبَ غنيمةً
إنّ القعودَ مع العيالِ قبيحُ
المالُ فيهِ مهابةٌ وتجلّةٌ
والفقرُ فيهِ مذلةٌ وفضوحُ
أرى أمّ حسان الغداة تلومني
تُخوّفني الأعداء والنفسُ أخوفُ
تقول سُليمى لو أقمت بأرضنا
ولم تدرِ أنّي للمقام أطوفُ
لعلّ الذي خوّفتنا من أمامنا
يصادفهُ في أهلهِ المُتخلّفُ
إذا قلتُ قد جاءَ الغنى،حال َ دونهُ
أبو صبية يشكو المفاقر أعجفُ
لهُ خلّة لا يدخل الحقّ دونها
كريم أصابتهُ خطوب تجرفُ
فإنّي لمستاف البلاد بسربة
فَمُبلغ نفسي عذرها أو مطوف

الشنفرى

أقيموا بني أُمّي صدورَ مَطيّكمْ
فإنّي إلى أهلٍ سواكم لأميلُ
فقد حُمّتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ
وشُدّت لِطياتي مطايا وأرحلُ
هجرتَ أمامةَ هجراً طويلاً
وحَملّكَ النأيُ عبئاً ثقيلاً
وحُملّت منها على نأيها
خيالاً يُوافي ونيلاً قليلاً
ونظرة ذي شجنٍ وامقٍ
إذا ما الركائبُ جاوزنَ ميلا

تأبط شراً

تشكّي للهمومِ تُصيبهُ
كثيرُ الهوى،شتى النوى والمسالكِ

المغيرة بن حبناء

ومثلي إذا ما الدارُ يوماً نَبتْ بهِ
تحوّلَ عنها واستمرتْ مرائرهْ
ولا أنزِلُ الدارَ المُقيمَ بها الأذى
ولا أرأمُ الشىء الذي أنا قادرهْ
إذا أنتَ لم ترغبْ بدارٍ نزلتها
فَبِعها بدارٍ أو بجارٍ تجاورهْ

عوف بن مُحلم الخزاعي

أفي كلِّ عامٍ غُربةٌ ونزوحُ
أما للنوى من ونيةٍ فتُريحُ
لقد طلّحَ البينُ المُشتُّ ركائبي
فهل أرينَ البينَ وهو طليحُ
وأرّقني بالريِّ نوحُ حمامةٍ
فَنحتُ وذو اللبِّ الحزينِ ينوحُ
على أنها ناحت فلم تُرِ عبرةً
ونُحتُ وأسرابُ الدموع سفوحُ
وناحتْ وفرخاها بحيثُ تراهما
ومن دونِ أفراخي مهامهُ فيحُ
ألا ياحمام الأيكِ فرخك حاضر
وغصنُكَ ميّادٌ ففيمَ تنوحُ
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى
فتضحى عصا التسيار وهي طريحُ
فإنّ الغنى يُدني الفتى من صديقه
وعُدم الغنى للمعسرين طروحُ

بشامة بن الغدير

هجرتَ أمامةَ هجراً طويلاً
وحملّكَ النأيُ عبئاً ثقيلا
وحُملّتَ منها على نأيها
خيالاً يُوافي ونيلاً قليلاً
ونظرةَ ذي شَجنٍ وامقٍ
إذا ما الركائبُ جاوزنَ ميلا
أتتنا تُسائلُ ما بثنّا
فقلنا لها:قد عزمنا الرحيلا
وقلتُ لها:كنتِ وقد تعلمي
نَ،منذُ ثوى الركبُ عنا غَفولا
فبادرناها بِمُستعجلٍ
من الدّمعِ ينضحُ خداً أسيلا
وما كانَ أكثرُ ما نوّلتْ
من القولِ إلا صِفاحاً وقيلا
وعِذرتها أنّ كلَّ امرىء
مُعِدٌ له كلّ يومٍ شكولا
كأنّ النوى لم تكنْ أصقبت
ولم تأتِ قومَ أديم حلولا

علقمة بن عبدة الطبيب (علقمة الفحل)

هل ماعلمتَ وما استودِعتَ مكتومُ
أم حبلُها إذ نأتْ مصرومُ
أم هل كبيرٌ بكى لم يقضِِ عبرتهُ
إثرَ الأحبّةِ يومَ البينِ مشكوم
لم أدرِ بالبينِ حتى أزمعُوا ظعناً
كلُّ الجمالِ، قُبيلَ الصبحِ مزمومُ

الشمردل

ليتَ المُقيمُ مكانَ الظاعنين وقد
تدنو الظنونَ وينأى من بهِ تثِقُ
وما استحالوا عن الدارِ التي تركوا
عني كأنّ فؤادي طائرٌ علقُ
وفي الخدورِ مهاً لما رأينَ لنا
نحواً سوى نحوهنَّ اغرورقَ الحدقُ
أريننا أعيناً نُجلاً مدامعها
دافعنَ كلّ دوى أمسى بهِ رمقُ
بموطنٍ يتقى بعض الكلامِ بهِ
وبعضهُ من غشاش البينِ مسترقُ
القتال الكلابي
إذا هَبّتِ الأرواحُ،كان أحبّها
إليَّ التي من نحوِ نجدٍ هُبوبُها

الأقيشر

أيا صاحبي أبشرْ بزورتنا الحِمى
وأهلَ الحِمى من مُبغضِ وودودِ
قد اختلجت عيني فدلَّ اختلاجُها
على حُسنِ وصلٍ بعدَ قُبحِ صُدودِ

سلامة بن جندل

أبى القلبُ أن يأتي السديرَ وأهلَهُ
وإن قيل:عيشٌ بالسديرِ،غريرُ
بهِ البقّ،والحمى،وأسد خفيةٍ
وعمرو بن هندٍ يعتدي ويجورُ
فلا أُنذرُ الحيَّ الألى نزلوا بهِ
وإنّي لمن لم يأتهِ لنذيرُ

المخبل السعدي

ألا يالقومي وللرسومِ تبيد
وعهدُكَ ممن حبلهن جديد
وللدار بعدَ الحيّ يُبكيكَ رسمها
وما الدارُ إلا دِمنة وصعيد
أتهجرُ ليلى،بالفراقِ حبيبها
وما كانَ نفساً،بالفراقِ،تطيبُ

المُثقب العبدي

أكُلَّ الدهرِ حلٌ وارتحالُ
أما تبُقي عليَّ وما تقيني

مالك بن الريب

ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
بجنبِ الغضى أزجي القلاص النواجيا
فليتَ الغضا لم يقطع الرّكبُ عَرضهُ
وليتَ الغضا ماشى الركابَ لياليا
لقد كان في أهلِ الغضا لو دنا الغضا
مرارٌ ولكنَّ الغضا ليسَ دانيا
ففي الأرضِ عن دارِ المذلّة مذهبٌ
وكلُّ بلادٍ أُوطنتْ كبلادي

الأخفش

أقولُ لصاحبيَّ بأرضِ نجدٍ
وجَدَّ مسيرُنا ودنا الطّروق
أرى قلبي سينقطعُ اشتياقاً
وأحزاناً وما انقطع الطريق

ذو الإصبع العدواني

عَفٌ يؤوسٌ،إذا ماخِفتُ من بلدٍ
هُوناً،فلستُ بوقافٍ على الهونِ

ابن كعب الغنوي

فإذا بلغتُم أرضَكمْ فتحدّثوا
ومن الحديثِ متالفٌ زخلودُ

المرقش الأكبر

أينما كنتِ أو حللتِ بأرضٍ
أو بلادٍ،أحييتِ تلك البلادا

المرقش الأصغر

أفاطمَ لو أنَّ النساء ببلدةٍ
وأنتِ بأخرى،لاتبعتُكِ هائما

الصمة القشيري

حننتَ إلى رَيّا ونفسُكَ باعدتْ
مزاركَ من ريّا وشَعباكما معا
فما حسَنٌ أن تأتي الامرَ طائعاً
فليت جمال الحيِّ يومَ ترّحلوا
فيصبحن لا يحسنَّ مشياً براكبٍ
كأنّكَ بِدْعٌ لم ترَ البينَ قبلها
كأتكَ لم تشهد وداعََ مفارقٍ
ألا يا غرابي بينها لا ترفّعا

وتجزعَ أن داعي الصّبابةِ أسمعا
بذي سَلَمٍ أمست مزاحيف ظُلعا
ولا السيرُ في نجدٍ،وإن كانَ مهيعا
ولم تكُ بالآلافِ قبلُ مفجعا
ولم ترَ شعبيَ صاحبين تقّطعا
وطيرا جميعاً في الهوى وقعا معا
قِفا ودِّعا نجداً ومن حلَّ بالحِمى
بنفسي تلك الأرضُ ما أطيبَ الربى
وأذكرُ أيامَ الحمى ثمّ أنثني

وقلَّ لنجدٍ عندنا أن يُودَّعا
وما أحسنَ المصطافَ والمتربعا
على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا
وليستْ عشيّاتُ الحمى برواجعٍ
عليكَ ولكنْ خَلِّ عينيكَ تدمعا
ولمّا رأيتُ البِشرَ أعرضَ دونَنا
أمن أجلِ دار بالرّقاشين أعصفتْ

وجالتْ بناتُ الشّوقِ يَحنِنَّ نُزَّعا
عليها رياح الصيفِ بدءاً ورُجّعا
بكتْ عينيَ اليمنى فلما زجرتها
أتجزعُ والحيّانِ لم يتفرقا
تحملَ أهلي من قُنين وغادروا
فرحتُ ولو أسمعت مابي من الجوى

عن الجهلِ بعدَ الحلمِ أسبلتا معا
فكيفَ إذا داعي التفرّقِ أسمعا
به أهل ليلى حين جيد وأفرعا
رذيَّ قطاء حنَّ شوقاً ورّجعا
تَلفّتُ نحوَ الحمى ثم أنثني
على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا
كأنّ فؤادي من تذكره الحمى
وأهلُ الحمى،يهفو به ريشُ طائر
سلامٌ على الدنيا فما هي راحةٌ
إذا لم يكنْ شملي وشملكمُ معا
ولا مرحباً بالرّبعِ لستم حُلولَهُ
ولو كانَ مخضّل الجوانبِ مُمرعا
لَعمري ولقد نادى منادي فراقنا
بنفسي تلكَ الأرضُ ما أطيبَ الرُّبى

بتشتيتينا في كلّ وادٍ فأسمعا
وما أحسنَ المصطافَ والمُتربعا
كأنّا خُلقنا للنوى وكأنّما
ولم أرَ مثل العامرية قبلها
تُريكَ غداةَ البينِ مقلةَ شادنٍ

حرامٌ على الأيامِ أن نتجمعا
ولا بعدها يوم ارتحلنا مودّعا
وجيدَ غزال في القلادة أتلعا
أوس بن حجر
لا تُحزنيني بالفراقِ فإنني
لا تَستهلُّ من الفراقِ شؤوني

معن بن أوس

تأوّبهُ طيفٌ بذاتِ الجراثمِ
فنامَ رفيقاهُ وليسَ بنائم

المسيب بن علس

أرحلت من سلمى بغير متاعِ
قبلَ العُطاسِ ورُعتها بوداع

سوار بن المضرب

سقى الله اليمامةَ من بلادٍ
نوافحها كأرواحِ الغواني
وجوٌّ زاهرٌ للريحِ فيه
نسيمٌ لا يروعُ التُربَ،وانِ
بها سُقتُ الشبابَ إلى مشيبٍ
يُقبحُ عندنا حسنَ الزمانِ
أُحبُّ عُمانَ من حبي سُليمى
وما طِبّي بِحبِّ قرى عمان
علاقة عاشقٍ وهوىً متاحاً
فما أنا والهوى متدانيان
فلا أنسى لياليَ بالكلندى
فنينَ وكلُّ هذا العيشِ فاني

صدفة بن نافع الغنوي

ألا ليتَ شعري هل تَحنِنَّ ناقتي
ببيضاءِ نجدٍ حيثُ كانَ مسيرُها
فتلكَ بلادٌ حبّبَ الله أهلها
إليك،وإن لم يُعطِ نصفاً أميرُها
بلادٌ بها أنضيتُ راحلةَ الصِّبا
ولانتْ لنا أيامها وشهورُها
فقدنا بها الهمَّ المُكدّرَ شُربُهُ
ودارَ علينا بالنعيمِ سرورها

عبد يغوث بن وقاص الحارثي

ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا
فما لكما في اللومِ خيرٌ ولا ليا
أيا راكباً إمّا عرضت فبلغنَّ
نداماي من نجران ألا تلاقيا
أقولُ وقد شدّوا لساني بنسعةٍ
أمعشر تيمٍ أطلقوا عن لسانيا
أحقاً عباد الله أن لست سامعاً
نشيد الرّعاء مغربين المتاليا
وقد علمت عرسي مُليكة أنني
أنا الليثُ معدواً عليَّ وعاديا
وقد كنتُ نحّارَ الجزور ومُعمل ال
عطيَّ وأمضي حيث لا حيَّ ماضيا
وأنحرُ للشّربِ الكرام مطيتي
وأصدعُ بين القينتين ردائيا
وكنتُ إذا ما الخيلُ شمسها القنا
لبيقا بتصريف القناة بنانيا
كأني لم أركب جواداً ولم أقل
لخيلي كُرّي نفسي عن رجاليا
ولم أسبأ الزِّق لبردّيّ ولم أقل
لأيسار صدق …ناريا

أم هل كبيرٌ بكى لم يقض عبرتهُ
إثرَ الأحبّةِ يومَ البينِ معذورُ
الأعشى الأكبر(ميمون بن قيس)
تصابيتَ أم بانتْ بعقلك زينبُ
وقد جعلَ الودُّ الذي كان يذهبُ
وشاقتكَ أظعانٌ لزينبَ غدوة
تحملنَ حتى كادت الشمسُ تغرُبُ
ودِّعْ هريرةَ إنَّ الرّكبَ مُرتحلُ
وهلْ تُطيقُ وداعاً أيها الرجلُ

متى يغتربْ عن قومهِ لا يجد لهُ
رواية:”ومن يغترب عن قومه لايزل يرى

على من لهُ رهطٌ حواليه مُغضبا
مصارع مظلوم مَجرّاً ومَسحبا”
وتدفنُ منهُ الصالحاتُ ،وإن يُسىء
ليسَ مُجيراً إن أتى الحيَّ خائِفٌ
ورُبَّ بقيعٍ لو هتفتُ بجوّهِ

يكن ما أساءَ ،النارَ في رأس كبكبكا
ولا قائلاً إلا هو المُغيّبا
أتاني كريمٌ يُنفضُ الرأسَ مُغضبا

عمرو بن هبيرة العبدي

أبى الله للجيران إلا مذلة
ومن يغترب عن قومهِ يتذلل

عتبة بن حوط التميمي
أقيمُ بالدارِ ما اطمأنتْ بي الدارُ
وإن كنتُ نازعاً طربا
وإن بأرض نبت بي الدار عجلت
إلى غير أهلها القربا
لا سانح من سوانح الطير بثنيني
ولا ناعب إذا نعبا

ربيعة بن مقروم الضبي
ودار الهوان أنفنا المقام
بها فحللنا محلاً كريماً

الحريش السعدي

ألا خلّني أذهبْ لشأني ولا أكنْ
على الناسِ كِلاً،إنّ ذا لشديدُ
أرى الضَرْبَ في البلدانِ يُغني معاشراً
ولم أرَ من يُجدي عليهِ قعودُ
أتمنعني خوفَ المنايا ولم أكنْ
لأهربَ مما ليسَ عنهُ مَحيدُ
فلو كنتُ ذا مالٍ لَقُرِّبَ مجلسي
وقيلَ إذ أخطأتُ أنتَ سديدُ
فدعني أُطوِّفُ في البلادِ لعلّني
أسرُّ صديقاً أو يُساءُ حسودُ

أحمر بن سالم

مُقِلٌ رأى الإقلالَ عارٌ فلم يزلْ
يجوبُ بلادَ الله حتى تموّلا
إذا جابَ أرضاً ينتويها رمت به
مَهامِهَ أخرى عيسهُ فتغلغلا
ولم يُثنهِ عمّا أرادَ مهابةٌ
ولكن مضى قدماً وإن كان مُبْسَلا
يلاقي الرزايا عسكراً بعدَ عسكرٍ
ويغشى المنايا جحفلاً ثمّ جحفلا
على ثقةٍ أن سوفَ يغدو مُجدِّلاً
على المالِ قرناً أو يروحُ مُجدلا
فلما أفادَ المالَ جادَ بفضلهِ
لمن جاءهُ يرجو جَداهُ مُؤمّلا
وإنّ امرءاً قد باعَ بالمالِ نفسَهُ
وجاد بهِ أهلٌ لأن لا يُبخلا

أبو النشناش النهشلي
وسائلةٍ أينَ ارتحالي وسائلٍ
ومن يسألُ الصعلوكَ أين مذاهبهْ
لِيُدركَ ثأراً أو لِيُدركَ مغنماً
جزيلاً،وهذا الدهرُ جمٌّ عجائبهْ
إذا المرءُ لم يَسرحْ سَواماً ولم يُرِحْ
سواماً ولم تعطِفْ عليهِ أقاربهْ
فللموتُ خيرٌ للفتى من قعودهِ
عديماً ومن مولىً تدِبُّ عقاربهْ
فلم أرَ مثلَ الفقرِ ضاجعهُ الفتى
ولا كسوادِ الليلِ أخفقَ طالبهْ
فَمُتْ مُعدماً أو عشْ كريماً فإنني
أرى الموتَ لا بنجو من الموتِ هاربهْ
ودعْ عنكَ مولى السّوءِ والدّهرِ إنّهُ
سيكفيكهُ أيامهُ وتجاربه

عبدُ قيس بن خفاف البرجمي
واترك محلَ السّوءِ لا تحللْ به
وإذا نبا بك منزلٌ فتحوّلِ
دارُ الهوانِ لمن رآها دارَهُ
أفراحلٌ عنها كمن لم يرحلِ

الحارث بن حلزة
ألا بانَ بالرهن الغدتةَ الحبائبُ
كأنّكَ معتوبٌ عليكَ وعاتبُ

لا أرى من عهدت فيها فأبكي اليوم
دلها وما يُجيرُ البكاء

الأقرع بن معاذ العامري
إذا راحَ ركبٌ مُصعدونَ ،فقلبهُ
مع الرائحين المصعدين جَنيبُ
وإن هبَّ عُلويُّ الرياحِ وجدتني
كأنّي لعلو ياتهنَّ نسيبُ

أبو الرّبيس التغلبي
أيُّ عيشٍ عيشي إذا كنتُ فيهِ
بينَ حَلٍّ وبينَ وشكِ رحيلِ
كلُّ فجٍّ من البلادِ كأنّي
طالبٌ بعضَ أهلهِ بدحولِ
ما أرى الفضلَ والتكرُمَ إلا
ترككَ النفسَ عن طِلابِ الفضولِ
وبلاءٌ حملُ الأيادي وأن تسمع
مَنّاً تُؤتى بهِ من مُنيلِ

أبو عدي العبلي
أحِنُّ إلى وادي الأراكِ صبابةً
لعهدِ الصِّبا وتذكار أوّلِ
كأنَّ نسيمَ الريحِ في جنباتهِ
نسيمُ حبيبٍ أو لقاءُ مُؤّملِ

جابر بن الثعلب الطائي

وقامَ إليَّ العاذلاتُ يلمنني
يَقُلنَ:ألا تنفكُّ ترحَلُ مَرحلا
فإنّ الفتى ذا الحزم رامٍ بنفسهِ
جواشِنَ هذا الليلِ كي يتموّلا
ومن يفتقرْ في قومهِ يحمدِ الغنى
وإن كانَ فيهم واسط العمِّ مُخولا
كأنَّ الفتى لم يَعْرَ يوماً إذا اكتسى
ولم يكُ صعلوكاً إذا ما تموّلا
ولم يكُ في بؤسٍ إذا نامَ ليلهُ
يُناغي غوالاً فاترَ الطرفِ أكحلا

مضرس بن قرط الحارثي المزني
تكادُ بلادُ الله يا أمَّ مَعمرٍ
بما رَحبُتْ يوماً عليَّ تضيقُ
وهيّجني للوصلِ لأيامُنا الألى
مررنَ علينا والزمانُ وريقُ
لياليَ لا تهوينَ أن تشحط النوى
وأنت خليلٌ لا يُلامُ صديقُ
أتجمعُ قلباً بالعراقِ فريقُهُ
ومنهٌُ بأطلالِ الأراكِ فريقُ

أبو المياح العبدي
إذا خفتَ من دارٍ هواناً فولّها
سِواكَ،وعن دار الاذى فتحوّلِ

الخطيم المحرزي
عليكَ السلامُ فارتحلْ غيرَ باعدٍ
وما البعدُ إلا في التنائي وفي الهجرِ


معاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب

ذكرتُ بها الإيابَ ومن يُسافر
كما سافرتُ يَدِّكرِ الإيابا

عمرو بن الأهتم السعدي النقري
وهانَ على أسماءَ أن شطّتِ النّوى
يحنُّ إليها والهٌ ويتوقُ

راشد السلمي وقيل غيره
فألقتْ عصاها واستقرّ بها النوى
كما قرَّ عيناً بالإيابِ المسافرُ

حزن بن جناب
وإن خفتَ من دارٍ هواناً فولّها
سواك وعن دارِ الاذى فتحوّلِ

سعدى بنت الشمردل
كم من جميعِ الشملِ ماتئمِ الهوى
كانوا كذلك قبلهم فتصدّعوا

أبو جويرية العبدي
سلّمنَ نحوي للوداعِ بمقلةٍ
فكأنّما نظرت إلينا الربربُ
وقرأن بالحَدقِ المِراضِ تحية
كادت تكلمنا وإن لم تُعرِبُ

علي بم محمد الإيادي
بالجزعِ فالخبتين أشلاء دار
ذات ليال قد تولّتْ قِصارُ
بانوا فماتت أسفاً بعدهم
وإنما الناسُ نفوسُ الديارُ

مالك بن أسملء الفزاري
بكتِ الديارُ لفقدِ ساكنها
أفعندَ قلبي أبتغي الصبرا؟

عبيد السلامي
فهل مثلُ أيامٍ تسلّفن بالحمى
عوائدُ أو غيثُ الستارين واقعُ
فإنّ نسيم الريح من مدرج الصَّبا
لأورابِ قلبٍ شفّهُ الحبُّ نافعُ

الزبير بن عبد المطلب:
ولا أُقيمُ بدارٍ لا أشدُّ بها
صوتي إذا ما اعترتني سَورةُ الغضبِ

أمية بن أبي عائذ الهذلي
ألا إنّ قلبي مع الظاعنينا
حزينٌ،فمن ذا يُعزّي الحزينا
فيالكِ من روعةٍ يومَ بانوا
بمن كنتُ أحسبُ ألا يبينا