أدبيات الحروب ـ الجزء الخامس

بسم الله الرحمن الرحيم

من عيون الشعر ـ أدب الحروب ـ الجزء الثاني ـ

خير الدين الزركلي:

لِكُلِّ أمر حين
خَلِّ البكا حينا
هاتي صلاح الدين
ثانية فينا
الشامخ العرنين
عزّاً وتمكينا
وجدّدي حطين
أو شيه حطينا



خير الدين الزركلي:

وأنظر إلى الآلافِ من بسلائهم
يغزوهم مئة من الثوار

بدوي الجبل:

ولَرّبما هزَّ اللواء مُظفرٌ
ماضي العزيمةِ أصيدَ بهلول
من آلِ يعرب لا تلين قناته
أنف أشمّ وساعد مفتول

عمر أبو ريشة:

كيفَ مالتْ بكِ الليالي وألوَتْ
بالبقايا من العهودِ الغوابرِ
ما حملنا ذُلَّ الحياةِ وفي القو
سِ نبالٌ وفي الأكفِّ بواترُ
يصفعُ الذئبُ جبهةَ الليثِ ضعفاً
إن تلاشتْ أنيابهُ والأظافرُ


عمر أبو ريشة:

دفقت موجة الهدى تغسل الشرك
وتروي النفوس بالتوحيد
وتبثُ الوئام والحبّ والرحم
ة ما بين سيّد ومَسودِ
مذهب ضجّت الأعاجمُ منه
وتعاموا عن شرعهِ المحمودِ
ورأوا فيه ما يدكُّ عروشاً
شيدوها بالظلمِ والتهديدِ
فرمت بالكتائب الخرسروما
وبأبطالها الغزاة الصيد
وطغى الهول والكتائب ماجت
في خضم من القنا والبنودِ
فأطلت تلك الفلول من العر
ب بعزم النبوّة المشدودِ




وأغارت ترمي الفوارس رمياً
وتحزُّ الوريد أثر الوريدِ
كلّما انهارَ حائط من جنود
أتبعتهُ بحائط من جنودِ
وضفاف

اليرموك

ترسل منها
زمزمات الحداء لإبن الوليد
جولة ترعف الصوارم فيها
وتصيحُ الأكفّ هل من مزيدِ
جولة كفّنت بها الروم حلماً
بين أنقاض صرحها المهدود
وكأن اندحارها لم يرد

الفرس

عن نشر بغيها المعهودِ
سخرت كل فيلق كسروي
لم يذق قبل نكبة التشريد
مزّقتهُ في القادسية تلك الب
يض والسّمرُ في أكفِّ الأسودِ



عمر أبو ريشة:
في الفاتحين العرب:

وتَطلّعوا صَوبَ الشموسِ وأسرجوا
للفتحِ صهوةَ كل مُهرٍ ضامرِ
ومضوا إلى غاياتهم ثم انثنوا
وعلى خدودِ النجمِ وشمُ حوافرِ




أنور العطار:

وانهضي للجهاد في نصرة الحقِّ
وبُثي رسالة التوحيد
من يُرد فرحة النعيم المُرجّى
يصدق الله في ظلالِ البنودِ
ودعي اسم النبيِّ تعبق به الدن
يا وترفع في عالم من سُعودِ





أنور العطار:
يتخطّى بعزمهِ كل هول
ويخوضُ الوغى بقلب حديدِ
هاتفاً بالحياة غيري غُرّي
صارخاً بالخطوبِ غيري كيدي





أنور العطار:
قلبه راكض إلى الموت يهفو
غير ما جازع ولا رعديد
يالهُ قاحماً نمتهُ البطولا
ت وألقت إليه بالإقليدِ
والبطولات شعلة الأمل السا
طع في ظلمة الليالي السود

عصام العطار:

إنّا إذا ما دعا الدّاعي فأسمعنا
ثُرنا شيوخاً إلى الداعي وشبانا
كلُّ يُسابقُ للجلّى فلا أحدٌ
لم يرضَهُ المجدُ إقداماً وإحسانا



أمجد الطرابلسي:

أروعٌ أينَ من عزيمتهِ السّي
فُ ومن جودِ كفّهِ الأنواءُ
ما يدومُ العمى إذا أسفرَ الحقُّ
ولا النورُ والظلامُ سواء

عبد المعين الملوحي:

إذا الموتُ أقبلَ سِرنا إليهِ
فَمُتنا رجالاً وعشنا رجالاً
صمدنا بكلِّ فتىً ثائرٍ
إذا زالتِ الشمسُ والأرضُ زالا
ويعرفُ أنَّ المماتَ الحياةُ
وأن سوفَ يُبعثُ من حيثُ صالا



فؤاد الخطيب(
الرسالة العدد925):

والتفَ حولك أبطال غطارفة
شُمُّ الأنوفِ يرون الموت مغتنما
فاصدم بهم حدثان الدّهرِ مخترقاً
سداً من الظلمِ إن تعرض له انهدما
إيه بني العربِ الأحرارِ إن لكم
فجراً أطلَّ على الأكوانِ مُبتسما
يستقبلُ الناس من أنفاسهِ أرج
ما هبّ في الشرقِ حتى أنشر الرمما
من ذلك البيت نت تلك البطاح على
تلك الطريق مشت أجدادنا قدما
لستم نبيهم ولستم من سلالتهم
إن لم يكن سعيكم من سعيهم أمما



فؤاد الخطيب:

يا شيخنا اسلم وذرنا نحن في محن
ماذا يضيرك أن نستقصي المحنا
تالله ما الموت إلا العيش في ضَعة
من يرض بالثوب يجعل ثوبه الكفنا
إن يعوز العرب في بنيان دولتهم
هدم الحياة بذلت الروح والبدنا
وليجعلوا من بقايانا ومن دمنا
طيناً وماءً فيبنوا الملك والوطنا

عبد الرحيم محمود:

كَشّري ما شئتِ يا سود الليالي
فأبو الطيب لا يخشى العوالي
إن تقاعستُ عن الحربِ فإنّي
مجرم يقعد عن شأو المعالي
غايتي ألقى المنايا عاجلاً
في مجالِ العلمِ أو ساحِ النضالِ
فابتسمي يا أمّ عبد إنّهُ
زفَّ للحور وولّى وهو عالِ



الأخطل الصغير:

ملاعبُ الصِّيدِ من حَمدانَ ما نسلوا
إلا الأهلّةَ والأشبالَ والقُضُبا
الخالعينَ على الأوطانِ بَهجتها
والرافعينَ على أرماحها القصَبا
حُسامُهمُ ما نبا في وجهِ من ضَربوا
ومُهرهم ما كبا في إثرِ من هربا
ما جرّدَ الدّهرُ سيفاً مثلَ

سيفهم

ربُّ القوافي على الإطلاقِ شاعرُهم
يُجري به الدَّمَ أو يُجري به الذّهبا
الخلدُ والمجدُ في آفاقهِ اصطحبا
سيفان في قبضةِ الشهباءِ لا ثَلما
وقد شَرّفا العُربَ،بل قد شَرّفا الأدبا

الأخطل الصغير:

يكادُ يغتالهُ فرطُ النُّحولِ،فلا
تدري أشخصاً رأت عيناكَ أم شبحا
حتى إذا انقضَّ قلتَ السيفُ مُنجردا
والليثُ مُحتدما،والسيلُ مُكتسحا



الأخطل الصغير:

يا لهولِ الحربِ في ويلاتها
رمتْ الكون بخطب جلل
تلهم المليون لا يشبعها
ومتى تطعم أخاه تأكل
كم شموس في سما الماضي وكم
من نجوم في سما المستقبل
ويتيمات فنون جمّة
حسبت من معجزات الأول

إيليا أبو ماضي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى:

زالت الحرب وولّت،إنّما
ليسَ للذعرِ من الحربِ انقضاء
إن صحونا ،فأحاديث الوغى
في الحمى الآهل والأرض العراء
وإذا نمنا،تراءت في الكرى
صور الهول وأشباح الفناء
فهي في الأوراق جد هائج
وعلى الراديو، فحيح الكهرباء
نتقّي في يومنا شرُّ غدٍ
وإذا الصبحُ انطوى خفنا المساء


عجباً،والحرب باب للردى
وطريق لدماء وعفاء
كيف يهواها بنو الناس،فهل
كرهوا في هذه الدنيا البقاء

الياس قنصل:

ماذا تهمُّ طوارِقُ الحدثان
خُلقَ الجهادُ لكلِّ ذي وجدان
الحقُّ شرعُكَ فامضِ فيه مؤملاً
ما آبَ غيرُ البطلِ بالخذلانِ
عميت نفوسُ الناسِ من أهوائها
فأعِدْ جمالَ النورِ للعميانِ
لا فرقَ بينَ مُلّففٍ بضلالةٍ
ومُلففٍ بنواصعِ الأكفانِ


معروف الرصافي:


هي المنى كثغورِ الغيد تبتسم
دعِ الأماني أو رمهن من ظبة
إذا تطربها الصمصامة الخذم
فإنّما هن من غير الظبا حلم
والمجدُ لا يبتنى إلا على أسس
والحقُّ لا يجتنى إلا بذي شطب
من الحديد وإلا فهو منهدم
ماء المنيّة في غربيه منسجم
فللحسام صليل يرتمي شرراً
مفتقاً أذن من في أذنه صمم
وإنّما العيشُ للأقوى فمن ضعفت
أركانهُ فهو في الثاوين مختوم
والمجدُ يأثل حيث البأس يدعمه
حتى إذا زال زالَ المجد والكرم



معروف الرصافي في سقوط مدينة أدرنة التركية على يد البلغار:

أدرْنِةُ مهلاً فإنَّ الظُّبى
سترعى لكِ العهدَ والموثقا
وداعاً لمغناك زاهي الرُّبا
وداعاً ولكن إلى الملتقى
عزاءً لمسجدكِ الجامع
أفارقَ محرابهُ المِنبرا
وهل في مُصلاهُ من راكع
يُجيبُ المؤذن إن كبّرا
فيا لسقوطك من فاجعٍ
وقبر النبوة في يثربا
بهِ فجعَ الدهرُ أمَّ القرى
ومثوى ضجيعيه مثوى التُّقى
ومن في البقيع ومن في قُبا
ومن شهدوا الفتح والخندقا
رويداً أدرنة لا تجزعي
وإن قد أمضّكِ هذا الأذى
إذا أنتِ بالسيفِ لم ترجعي
فلا حبّذا العيش لا حبّذا

جميل صدقي الزهاوي:

وشتان بين الجند قد هبَّ زاحفاً
وجند تولّى وهو بالخزي يعثرُ



جميل صدقي الزهاوي:

ما أكثر الوحش في الآجام واغلة
وما بها كل ذي ناب بمغوارِ
قد كنت أحمي عريني أن يطوف به
وحش وأني ذاك القسور الضاري
إن كنتُ أقتل ذا شر يهاجمني
فقد قتلتُم الوفا غير أشرارِ
بالسيف،بالنار،بالغازات خانقة
وبابتعاث الوباء الفاتك الساري
ونحن إما أردنا البطش ننذركم
وتفتكون بنا من غير إنذار
ندنو فنقتل بالأنياب من كثب
وتقتلون برغم البعد بالنارِ
بلى أضرُّ إذا ما وجعت مفترساً
لكنّي لست في شبعي بضرارِ
لا أوثر القتل حُبّاً في محاسنهِ
بل إن في حاجتي بعثاً لإيثاري

محمد بهجة الأثري:

يبنونَ مجدَهم على قهرِ الورى
والمجدُ يبرأُ منهم والسؤددُ!
الفتحُ عندهُمُ هوى وتعسفٌ
وممالكٌ تهوي وأخرى تخمدُ
أسراءُ أهواءِ النفوسِ فحمدُهُمْ
يومٌ،وأما ذمُّهُم فمؤبَّدُ
لم يظهروا إلا ليخفوا مثلما
تبدو فقاقيعُ السّيولِ وتهمدُ
من معجزاتِ الدين في أخلاقهم
خُصّوا بصنعِ المعجزاتِ وأُفردوا
من كلِّ وضّاحِ الجبينِ كأنّهُ
ينشقُّ في الظلماءِ عنهُ الفرقدُ
يمشي بهم للفتحِ يحدو شوقهم
دينٌ يتوبُ لآيةِ المُتشدِّدُ




مفدي زكريا:
نحنُ جندٌ في سبيلِ الحقِّ ثُرنا
وإلى استقلالنا في الحربِ قُمنا
لم يكن يُصغى لنا لما نطقنا
فاتخذنا رنةَ البارود وزنا
وعزفنا نغمة الرشاشِ لحنا
وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

محمد إقبال:

بمعابدِ الإفرنج كان آذاننا
قبل الكتائبِ يفتحُ الأمصارا
لم تنسَ أفريقيا ولا صحراؤها
سجداتنا،والأرضُ تقذفُ نارا
كنّا نقدّم للسيوف صدورنا
لم نخشَ يوماً غاشماً جبارا
وكأن ظل السيفِ ظلّ حديقة
خضراء تنبت حولنا الأزهارا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهد
مها ونهدم فوقها الكفارا

دِ
ف
اً

و
ز

و

ب
و


من قصائد النصر:

العماد الأصفهاني يمدح صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين:

استوحش القلبُ مذ غبتم فما أنسا
ولأظلم اليومُ مذ بنتم فما شمسا
ما طبتُ نفساً ولا استحسنتُ بعدكمُ
شيئاً نفيساً ولا استعذبتُ لي نُفَسا
قلبي وصبري وغمضي والشباب وما
ألفتم من نشاطي كله خلسا
وكيف يصبحُ أو يُمسي محبكم
وشوقكم يتولاهُ صباح مِسا
وكنتُ أحدسَ منكم كل داهيةٍ
وما دهانا من الهجرانِ ما حدسا
لما هدت نارُ شوقي ضيفَ طيفكمُ
قريهُ بالكرى أذرارَ مقتبسا
ورمتُ تأنيسهُ حتى وهبتُ له
إنسان عيني أفديه فما أنِسا
أنا الخيالُ نحولاً فالخيالُ إذا
ما زارني كيفَ يلقى من بهِ التبسا
لهفي على زمنٍ قضيتهُ طرباً
إذ لم أكن من صروفِ الدهرِ مُحترسا
عسى يعود شبابي ناضراً ومتى
أرجو نضارةَ عودِ للشبابِ عسى
وشادنٍ يغرسُ الآسادَ ناظرهُ
فديتهُ شادناً للأسدِ مفترسا
في العطفِ لينٌ وفي أخلاقهِ شَوسٌ
يا لينَ عطفيهِ جَنبُ خُلقه الشوسا
إن بانَ لبسٌ مضينا لا جئين إلى ال
فتى الحسام بن لاجينَ بنابلسا
يميتُ أعداءَهُ بأساً ونائلهُ
يُحيى رجاءَ الذي من نجمهِ يأسا
ممزق المازق المنسوج عثيره
وقد محا اليوم ليل النقع فانطمسا
لا زلتَ مستوياً فوقَ الحصانِ وفي
حصنِ الحفاظِ ومن عاداكَ منتكسا
قلْ للمليك صلاح الدين أكرم من
يمشي على الأرضِ أو من يركبِ الفرسا
من بعدِ فتحكَ بيت المقدس ليس سوى
صورٍ فأن فُتحت فاقصد طرابلسا
أثرَ على يوم انطرسوسَ ذا لجبٍ
وابعث إلى ليلِ أنطاكية العسسا
وأخلِ ساحلَ هذا الشام أجمعه
من العداةِ ومن في دينهِ وكؤسا
ولا تدع منهم نفساً ولا نَفَساً
فإنهم يأخذونَ النفسَ والنَفَسا
نزلتَ بالقدسِ فاستفتحتهُ ومتى
تقصدُ طرابلساً فانزل على قَلسا
يا يومَ حطينَ والأبطالُ عابسةٌ
وبالعجاجةِ وجهُ الشمسِ قد عبسا
رأيتُ فيه عظيمَ االكفرِ محتقراً
مُعفراً خدّهُ والأنفُ قد تَعسا
يا طهرَ سيفٍ برى رأسَ البرنسِ فقد
أصابَ أعظمَ من بالشركِ قد نجسا
وغاصَ إذ طارَ ذاكَ الرأسُ في دمهِ
كأنهُ ضفدعٌ في الماءِ قد عطسا
مازالَ يعطسُ مزكوماً بغدرتهِ
والقتلُ تشميتُ من بالغدرِ قد عطسا
عرى ظُبالهُ من ااغمادِ مهرقة
أدماً من الشركِ رداها به وَكَسا
من سيفهُ في دملءِ القوم منغمسٌ
من كلّ من لم يزلْ في الكفرِ منغمسا
أفناهم قتلهم والأسرِ فانتكوا
وبيتُ كفرهم من خبثهم كُنسا
أطيبُ بأنفاسٍ تطيبُ لكم نَفَساً
وتعتاضُ من ذكراكمُ وحشتي أُنسا
وأسألُ عنكم عافياتٍ دوارسٍ
غدتْ بلسانِ الحالِ ناطقةً خَرسا
معاهدكم ما بالها كعهودكم
وقد كررتَ من درسٍ آثارها دَرَسا
وقد كان في حَسي لكم كل طارقٍ
ومت جئتمُ من هجركم خالفَ الحَدسا
أرى حَدثانَ الدهرِ يُنسى حديثُهُ
وأما حديثُ الغدرِ منكم فلا يُنسى
تزولُ الجبالُ الراسياتُ وثابتٌ
رسيسُ غرامٍ في فؤادي لكم أرسى
حسبتُ حبيبي قاسيَ القلبِ وحدَهُ
وقلبُ الذي يهوى يحمل الهوى أقسى
أما لكم يا مالكي الرق رقة
يطيبُ بها مملوككم منكم نَفسا
وإن سروري كنتُ أسمعُ حسّهُ
فمذ سرتُ عنكم ما سمعتُ له حسا
وإنّ نهاري صارَ ليلاً لبعدكم
فمت أبصرت عيني صباحاً ولا شمسا
بكيتُ على مستودعاتِ قلوبكم
كما قد بكت قدماً على صخرها الخنسا
فلا تحبسوا عني االجميلَ فإنني
جعلتُ على حُبي لكم مهجتي حَبسا
رأيتُ صلاحَ الدينِ أفضلَ من غدا
وأشرفَ من أضحى وأكرمَ من أمسى
وقيلَ لنا في الأرضِ سبعةُ أبحرٍ
ولسنا نرى إلا أناملهُ الخمسا
سجيتهُ الحُسنى وشيمتهُ الرضا
وبطشتهُ الكبرى وعزمتهُ القعسا
فلا عدمتُ أيامنا منه مشرقاً
ينيرُ بما يولي ليالينا الدمسا
جنودكَ أملاكُ السماءِ وظنهمُ
عداتُكَ جنُالارضِ في الفتكِ لا الإنسا
فلا يستحقُ القدسَ غيركَ في الورى
فأنتَ الذي من دونهم فتحَ القُدسا
ومن قبلِ فتحِ القدسِ كنتَ مقدساً
فلا عدمتْ أخلاقُكَ اطهرَ والقُدسا
وطهرتهُ من رجسهم بدمائهم
فأذهبتَ بالرجسِ الذي ذهبَ الرجسا
نزعتَ لباسَ الكفرِ عن قُدسِ أرضها
وألبستها الذين الذي كشفَ اللّبسا
وعادتْ ببيتِ الله أحكامُ دينه
فلا بطركاً أبقيتَ فيها ولا قسا
وقد شاعَ في الآفاقِ عنكَ بشارةٌ
بان أذان القدسِ قد أبطلَ النقسا
جرى بالذي تهوى القضاءُ وظاهرت
ملائكةُ الرحمنِ أجنادكَ الحُمسا
وكم لبني أيوبَ عبدٌ كعنترٍ
فإن ذُكروا بالبأسِ لا يذكروا عبسا
وقد طابَ رياناً على طبريةٍ
فيا طيبها مغنىً ويا حسنها مرسى
وعكا وما عكا فقد كان فتحها
لإجلائهم عن مدن ساحلهم كَنسا
وصيدا وبيروتُ وتبنينُ كلّها
بسيفكَ ألفى أنفهُ الرّغمَ والتعسا
ويافا وأرسوفٌ وتُبنى وغزةٌ
تخذتَ بها بين الطلّى والظُبى عُرسا
وفي عسقلانَ الكفرُ ذلَّ بملككم
فمنظرهُ بل أمرُهُ اربدَّ وأرجسا
وصار بصورٍ عصبة يرقبونكم
فلا تُبطنوا عنها وحسّوهم حسا
توكلْ على الله الذي لكَ أصبحت
كلاءتهُ درعاً وعصمتهُ ترسا
ودمر على الباقين واجتثَّ أصلهم
فإنّكَ قد صيّرتَ دينارهم فَلسا
ولا تنسَ شركَ الشرقِ غربك مروياً
بماءِ الطُلى من صادياتِ الظبى الخمسا
وإنّ بلادَ الشرقِ مظلمةٌ فخذْ
خراسانَ والنهرين والتركَ والفُرسا
وبعد الفرنجِ الكركَ فاقصد بلادهم
بعزمكَ واملأ من دمائهمُ الرّمسا
أقامتْ بغابِ الساحلين جنودكم
وقد طردتَ عنهُ ذئابهمُ الطُلسا
سحبتَ على الأردنِ رُدناً من القنا
رُدينيةٌ مُلَداً وخَطيّةٌ مُلسا
حططتَ على حطينُ قدرَ ملوكهم
ولم تُبقِ من أجناسِ كفرهم جِنسا
ونعمَ مجالُ الخيلِ حطينُ لم تكن
معاركها للجُردِ ضرساً ولا دهسا
غداةَ أسودُ الحربِ معتقلوا القنا
أساودُ تبغي من نحورِ العدا نهسا
أتوا شُكسَ الأخلاقِ خُشناً فليّنتْ
حدودُ الرّقاقِ الخشنُ أخلاقها الشُكسا
طردتهم في الملتقى وعكستهم
مُجيداً بحكم العزمِ طردكَ والعكسا
فكيفَ مكستَ المشركينَ رؤوسهم
ودأبُكَ في الإحسانِ أن تُطلقَ المكسا
كسرتهم إذ صحّ عزمُكَ فيهمُ
ونكستهم إذ صارَ سهمهم نكسا
بواقعةٍ رجّتْ بها الرضُ جيشهم
دماراً كما بُست جبالهم بَسا
بطونُ ذئابِ الأرض صارت قبورهم
ولم ترضَ أرضٌ أن تكونَ لهم رَمسا
وطارت على نارِ المواضي فراشُهم
صلاءً فزادت من خمودهمُ قبسا
وقد خشعت أصواتُ أبطالها فما
يعي السمعَ إلا من صليلِ الظُبى همسا
تُقادُ بداً ماء الدماءِ ملوكهم
أسارى كسفنِ اليمِ نُطّت بها القلسا
سبايا بلادُ الله مملوؤةٌ بها
وقد شُريتْ بخساً وقد عُرضتْ نَخسا
يُطافُ بها الأسواقُ لا راغبٌ لها
لكثرتها كم كثرةٍ تُوجبُ الوكسا
شكا يَبساً رأسُ البرنسِ الذي به
تنّدى حسامٌ حاسمٌ ذلكَ اليُبسا
حسا دمهُ ماضي الغرارِ لقدره
وما كان لولا غدرهُ دمهُ يُحسى
فلله ما أهدى فتكت به
وأطهرَ سيفاً معدماً رجسهُ النجسا
نسفتَ بهِ رأسَ البرنسِ بضربةٍ
فأشبهَ رأسي رأسهُ العهنَ والبُرسا
تبوّغَ في أوداجهِ دمُ بغيهِ
فصالَ عليه السيفُ يلحسهُ لحسا
بعثتَ إمام أمةِ النارِ نحوها
وللهِ نصُّ النصرِ جاءَ لنصلهِ

فزارَ إمام أرناطها ذلكَ الحبسا
فلا قُونساً أبقى لرأسٍ ولا قَنسا
حكى عنقَ الداويَّ صُلَّ بضربةٍ
أيوم وغىً تدعوهُ أم يوم نائلٍ

طريرُ الشبا عوداً لمضرابهِ حسا
وأنتَ وهبتَ الغانمينَ به الخُمسا
وقد طابَ رياناً على طبريةٍ
فيا طيبها رياً ويا حسنها مرسى

ابن القيسراني يمدح نور الدين زنكي بعد انتصاره على الصليبيين:

هذي العزائمُ لا ما تدّعي القُضبُ
وذي المكارمُ لا ما قالتِ الكتبُ
أغرتْ سيوفكَ بالإفرنجِ راجفةٌ
فؤادُ روميّةَ الكبرى لها يَجِبُ
غضبتَ للدين لم يفتك رضاً
وكانَ دينُ الهدى مرضاتهُ الغضبُ
فانهض إلى المسجدِ الأقصى بذي لجبٍ
يُوليك أقصى المنى فالقدسُ مُرتقبُ
وائذن لموجك في تطهيرِ ساحلهِ
فإنّما أنتَ بحرٌ لُجةُّ لَجبُ
هذي العزائمُ لا ما تدّعي القُضبُ
وذي المكارمُ لا ما قالتِ الكتبُ
أغرتْ سيوفكَ بالإفرنجِ راجفةٌ
فؤادُ روميّةَ الكبرى لها يَجِبُ
غضبتَ للدين لم يفتك رضاً
وكانَ دينُ الهدى مرضاتهُ الغضبُ
فانهض إلى المسجدِ الأقصى بذي لجبٍ
يُوليك أقصى المنى فالقدسُ مُرتقبُ
وائذن لموجك في تطهيرِ ساحلهِ
فإنّما أنتَ بحرٌ لُجةُّ لَجبُ

ابن القيسراني يمدح عماد الدين زنكي بعد انتصاره على الصليبيينواستيائه على حصن الرها:

هوَ السيفُ لا يُغنيك إلا جِلادهُ
وهل طوّقَ الأملاكَ إلا نِجادهُ
سَمتْ قبلةَ الإسلامِ فخراً ببأسهِ
ولم يك يسمو الدينُ لولا عِمادهُ
فيا ظفراً عمَّ البلادَ رشادهُ
بمن كان قد عمَّ البلادَ فسادهُ
فلا مُطلقٌ إلا وشُدَّ وثاقهُ
ولا مُوثقٌ إلا وحُلَّ صِفادهُ
ولا منبرٌ إلا ترنحَ عودهُ
ولا مُصحفٌ إلا أنارَ امتدادهُ
فقلْ لملوكِ الكفر تُسلمُ بعدها
ممالكها إن البلادَ بلادهُ

بهاء الدين زهير بعد انتصار السلطان الكامل على الصليبيين في مصر:

بِكَ اهتزَّ عِطفُ الدينِ في حُللِ النصرِ
ورُدّتْ على أعقابها مِلّةُ الكفرِ
فقد أصبحت والحمدُ لله نعمةً
يُقصّرُ عنها قُدرةُ الحمدِ والشكرِ
يَقِلُّ بها بذلُ النفوسِ بشارةً
ويصغرُ فيها كلُّ شىءٍ من النذرِ
ألا فليقلْ ما شاءَ من هو قائلٌ
ودونكَ هذا موضعُ النظمِ والنثرِ
وجدتُ محلاً للمقالةِ قابلاً
فمالكَ إن قصّرتَ في ذاكَ من عُذرِ
لكَ الله من مولىً إذا جادَ أو سطا
فناهيكَ من عُرفٍ وناهيكَ من نُكرِ
تميسُ بهِ الأيامُ في حُللِ الصبا
وترفلُ منهُ في مطارفهِ الخضرِ
أياديهِ بيضٌ في الورى موسَويّةٌ
ولكنها تسعى على قدمِ الخِضرِ
ومن أجلهِ أضحى المُقطمُ شامخاً
يُنافسُ حتى طورَ سيناءَ في القدرِ
تدينُ لهُ الأملاكُ بالكُرهِ والرضى
وتخدمهُ الأفلاكُ في النهي والأمر
فيا مَلكاً سامى الملائكَ رِفعةً
ففي الملأ الأعلى لهُ أطيبُ الذكرِ
ليهنكَ ما أعطاكَ ربُّكَ إنّها
مواقفُ هُنَّ الغُرُّ في موقفِ الحشرِ
ومافرحتْ مصرٌ بذا الفتحِ وحدها
لقد فرحتْ بغدادُ أكثرَ من مصرِ
فلو لم يَقم بالله حقّ قيامهِ
لما سلمت دارُ السلامِ من الذعرِ
وأُقسمُ لولا هِمّةٌ كامليّةٌ
لخافت رجالٌ بالمقامِ وبالحجرِ
فمن مُبلغٌ هذا الهناءَ لمكّةٍ
ويثربَ تُنهيهِ إلى صاحبِ القبرِ
فقلْ لرسولِ الله إنّ سَميّهُ
حمى بيضةَ الإسلام من نوبِ الدهرِ
هوَ الكاملُ المولى الذي إن ذكرتهُ
فيا طربَ الدنيا ويا فرحَ العصرِ
بهِ ارتجعت دمياطُ قهراً من العدى
وهرّها بالسيبفِ والمِلّة الطُهرِ
وردَّ على المحرابِ منها صلاتهُ
وكم باتَ مشتاقاً إلى الشفعِ والوِترِ
وأُقسمُ إن ذاقت بنو الاصفرِ الكرى
فلا حلمتْ إلا بأعلامهِ الصفرِ
عجبتُ لبحرٍ جاءَ فيهِ سفينهمُ
ألسنا نراهُ عندنا مَلكَ الغَمرِ
ألا إنها من فعلهِ لكبيرةٍ
سيطلبُ منها عفو حلمكَ واليُسرِ
ثلاثةَ أعوامٍ أقمتَ وأشهراً
تُجاهدُ فيهم لا بزيدٍ ولا عمرو
صبرتَ إلى أن أنزلَ الله نصرَهُ
لذلكَ قد أحمدتَ عاقبةَ الصبرِ
وليلةِ غزوٍ للعدوِّ كأنها
بكثرةِ من أرديتهُ ليلةُ النحرِ
فيا ليلةً قد شرّفَ الله قدرها
ولالا غرَ إن سميتها ليلةَ القدرِ
سدَدتَ سبيلَ البرِّ والبحرِ عنهمُ
بسابحةٍ دُهمٍ وسابحةٍ غُرِّ
أساطيلُ ليست في أساطيرِ من مضى
بكلِّ غُرابٍ راحَ أفتكَ من صقرِ
وجيشٍ كمثلِ الليلِ هولاً وهَيبةً
وإن زانهُ ما فيه من أنجمٍ زُهرِ
وكُلِّ جوادٍ لم يكن قطُّ مثلُهُ
لآلِ زهيرٍ ولا لبني بدرِ
وباتت جنودُ الله فوقَ ضوامرٍ
بأوضاحها تُغني السُراةَ عن الفجرِ
فما زلتَ حتى أيّدَ الله حزبهُ
وأشرقَ وجهُ الأرضِ جذلانَ بالنصرِ
فروّيت منهم ظامىء البيضِ والقنا
وأشبعتَ منهم طاويَ الذئبِ والنَسرِ
وجاءَ ملوكُ الرومِ نحوكَ خُضّعاً
تُجررُ أذيالَ المهانةِ والصُغرِ
أتوا ملكاً فوقَ السِماكِ محلّهُ
فمن جودهِ ذاكَ السحابُ الذي يسري
فمنَّ عليهم بالأمانِ تكرّماً
على الرغمِ من بيضِ الصوارمِ والسُمرِ
كفى اللهُ دمياطَ المكارهَ إنّها
لَمن قبلةِ الإسلامِ في موضعِ النحرِ
وما طابَ ماءُ النيلِ إلا لأنّهُ
يحُلُّ محلَّ الريقِ من ذلكَ الثغرِ
فللهِ يومُ الفتحِ يومُ دخولها
وقد طارتِ الأعلامُ منها على وكرِ
لقد فاقَ أيامَ الزمانِ بأسرها
وأنسى حديثاً عن حُنينٍ وعن بدرِ
ويا سعدَ قومٍ أدركوا فيهِ حظَّهم
لقد جمعوا بين الغنيمةِ والأجرِ
وإنّي لمرتاحٌ إلى كلِّ قادمٍ
إذا كان من ذاكَ الفُتوحِ على ذِكرِ
فيطربني ذاكَ الحديثُ وطيبُهُ
ويفعلُ بي ماليسَ في قُدرةِ الخمرِ
وأُصغي إليهِ مستعيداً حديثُهُ
كأنّي ذو وقرٍ ولستُ بذي وقرِ
يقومُ مقامَ الباردِ العذبِ في الظما
ويُغني عن الأزوةادِ في البلدِ القفرِ
فكم مرَّ لي يومٌ إذا ما سمعتهُ
أقرَّ بهِ سمعي وأذكرهُ فكري
وها أنا ذا حتى إلى اليوم ربّما
أكذبُ عنهُ بالصحيحِ من الأمرِ
لكَ الله من أثنى عليكَ فإنّما
من القتلِ قد أنجيتهُ أو من الأسرِ
يُقصّرُ عنكَ المدحُ من كلّ مادحٍ
ولو جاءَ بالشمسِ المنيرةِ والبدرِ

محمد بن أسعد نقيب أشراف مصر بعد فتح بيت المقدس في 27 رجب عام 538هجري الموافق 1187م وذلك بعد 88 سنة من احتلال الصليبيون لبيت المقدس:

أتُرى مناماً ما بعيني أبصرُ
القدسُ يُفتحُ والفرنجةُ تُكسرُ
وقمامة قُمت من الرجسِ الذي
بزوالهِ وزوالها يتطهرُ
ومليكهم في القيدِ مصفودٌ ولم
يُرَ قبل ذاك لهم مليك يُؤسرُ
قد جاء نصرُ الله والفتح الذي
وعد الرسولُ فسبحوا واستغفروا
فُتح الشام وطهر القدس الذي
هو في القيامةِ للأنامِ المحشرُ
من كان هذا فتحهُ لمحمد
ماذا يُقال له وماذا يُذكرُ
يا يوسف الصديق أنت لفتحها
فاروقها عمرُ الإمام الأطهرُ
ولأنت عثمان الشريعة بعده
ولانت في نصرِ النبوة حيدرُ
ملك غدا الإسلام من عجب به
يختالُ والدنيا به تتبخترُ
نثرٌ ونظمٌ طعنهُ وضرابهُ
فالرمحُ ينظمُ والمهندُ ينشرُ
حيث الرّقاب خواضع حيث
العيون خواشع حيث الجباه تُعفرُ
غاراتهُ جُمعٌ فإن خطبت له
فيها السيوف فكلّ هامٍ منبرُ
إذ لا ترى إلا طلى بسنابك
تُحدى نعالاً أو دماءً تُهدرُ
تمشي على جثث العِدى عُرجا
ولا عرج بها لكنها تتعثرُ

الشاعر الجلياني في فتح بيت المقدس:

أبا المُظهّر أنت المحتبى لهدى
أخرى الزمان على حُبرٍ بخبرته
فلو رآك وقد حزت العلا عمر
في قُلّة التل قضّى كنه عبرته
ورآك وأهلُ القدسِ في ولهٍ
أبو عبيدة فدّى من مسرتهِ
غداةَ جزّوا النواصيَ في قمامته
وأعولوا بالتباكي حول صخرته
دارت بك المِلّة الحسن فنحن على
عهد الصحابةِ في استمرارِ مرّته
وأنت كاسمكَ صدّيقٌ وصاحبه
الملك المظفر سام في مبرّته
وفي السلالة عثمانٌ يؤيده
عُلا عليّ على إيثار نُصرته
وكم لديك ذوي قربى رقوا
وكم بعيد رأى الزُّلفى بهجرته
أما رأيت معالي يوسف نُسقت
حتى رمت كل ذي مُلكٍ بحسرته
أضحى لنشر الهدى في فتح منهجه
وبات يطوي العدى في سدّ ثُغرته
واستقبح الرُجس ممنّوا بمشهده
فاستفتح القدس محشواً بزمرته
لكنّ بأسَ صلاح الدين أذهلهم
بوقعةِ التلِّ واستشرى بسورته
تعيا الجوارح والفرسانُ وهو على
بدء النشاط عشياً مثل بُكرته
يا فاتحَ المسجدِ الأقصى على بُهمٍ
وقائص الجيش لا يُحصى بقفزته
أبشر بملك كظهر الشمس مُطلع
على البسيطة فتّاح بشرته
حتى يكون لهذا الدين ملحمةٌ
تحكي النبوة في أيام فَترته

أبو علي الحسن بن علي الجويني في فتح بيت المقدس:

جندُ السماء لهذا الملك أعوان
من شكَّ فيهم فهذا الفتحُ برهان
متى رأى الناس ما نحكيه في زمن
وقد مضت قبل أزمان وأزمان
هذي الفتوح فتوح الأنبياء وما
لها سوى الشكر بالأفعال أثمان
أضحت ملوك الفرنج الصيد في يده
صيداً وما ضعفوا يوماً وما هانوا
كم من فحول ملوك غُودروا وهم
خوف الفرنجة ولدان ونسوان
هذا وكم ملك من بعده نظر إلى
الإسلام يُطوى ويُحوى وهو سكران
تسعون عاماً بلاد الله تصرخ
والإسلام نُصّارهُ صمٌّ وعميان
فالآن لبّى صلاح الدين دعوتهم
بأمر من هو للِمعوان معوان
للناصر ادّخرت هذي الفتوح وما
سمت لها هِممُ الأملاك مذ كانوا
حباه ذو العرش بالنصر العزيز
فقال الناس داود هذا أم سليمان
في نصف شهر غدا للشرك مصطلماً
فطهرت منه أقطار وبلدان
فأين مسلمةٌ عنها وأخوته
بل أين والدهم بل أين مروان
وعدَّ عما سواه فالفرنجة لم
يبذهم من ملوك الارض إنسان
لو أنّ ذا الفتح في عصر النبي لقد
تنزلت فيه آيات وقرآن
يا قُبح أوجه عباد الصليب وقد
غدا يُبرقعها شؤم وخذلان
خزنتَ عند إله العرش سائر ما
ملكتهُ وملوك الارض خُزّان
فالله يُبقيك للإسلام تحرسهُ
من أن يضام ويُلفى وهو حيران
وهذه سِنّةٌ أكرم بها سنة
فالكفرُ في سنةٍ والنصرُ يقظان
يا جامعاً كلمة الإيمان قامع مَن
معبوده دون ربّ العرش صلبان
إذا طوى الله ديوان العباد فما
يطوى لأجر صلاح الدين ديوان

أبو الحسن علي بن محمد الساعاتي في فتح القدس:

عصفت به ريح الخطوب زعازعاً
فلقينَ طوداً لا تخفّ أناته
هو منقذ البيت المقدس بعدما
طالت فما وجد الشفاء شكاته
بيتٌ تأسسَ بالسكون وإنما
عند الزحافِ تحركات سكناته
أمُشتّت الأعداء وهي جحافل
عن شمل دين جُمعت أشتاته
أوتيت عزماً في الحروب مسدداً
لا زيغهُ يُخش ولا هفواته
أحسنت بالبيت العتيق ويثرب
ولك الفعال كثيرة حسناته
هذي سيوفك محرمات دونه
لبكائهنَّ تبسّمت جحراته

الرشيد أبو محمد عبد الرحمن بن مفرج النابلسي في فتح بيت المقدس:

لقد فتحت عصياً من ثغورهم
لولاك ما هدّ من أركانها حجرُ
تجل علياه عن دح يحيط به
وصف وإن نظم المداح أو نثروا
هذا الفتوح الذي جاء الزمان به
إليك من هفوات الدهر يعتذر
هذا الذي كانت الآمال تنتظرُ
فليوفِ لله أقوام بما نذروا
الآن قرّت جنوب في مضاجعها
ونام من لم يزل حِلفاً لهُ السهرُ
يا بهجةَ القدس إذ أضحى به علم الإسلام
من بعد طيٍّ وهو منتشر
يا نور مسجده الأقصى وقد رُفعت
بعد الصليب به الآيات والسورُ
شتان ما بين ناقوس يدان به
وبين ذي منطق يُصغي له الحجرُ
الله أكبر صوتٌ تقشعر له
شُمُّ الذرى وتكاد الارض تنفطر

الغربة والحنين إلى الوطن ـ الجزء الرابع ـ

الغربة والحنين إلى الوطن

الجزء الرابع

ابن زيدون

يا ناسياً لي على عرفانهِ تلفي
ذكرُكَ مني بالأنفاسِ موصولُ
وقاطعاً صلتي من غيرِ ما سببٍ
تالله إنّكَ على روحي لمسؤولُ
ما شئتَ فاصنَعهُ كلٌّ منكَ مُحتمَلٌ
والذنبُ مُغتفرٌ والعذرُ مقبولُ
لو كنتَ حظّي لم أطلب بهِ بدلاً
أو نلتُ منكَ الرضا لم يبقَ مأمولُ
ما للأحبّة دانوا بالنوى ورأوا
تعريضَ عهد اللقا بالبعدِ حينَ نأوا
رعاهمُ الله كانوا للعهودِ رَعوا
فغيّرتهم وشاةٌ بالفسادِ سعوا
ستبلغها عنّا الشّمالُ تحيةً
نوافحُ أنفاسِ الجنوبِ لها ردُّ
فما نُسيَ الإلفُ الذي كانَ بيننا
لطولِ تنائينا ولا ضُيّعَ العهدُ
لا يأسَ رُبَّ دُنو دار جامعٍ
للشّملِ قد أدى إليهِ بعادُ
إن أغتربْ فمواقعَ الكرم الذي
في الغربِ شِمتُ بروقهُ أرباد
المجدُ عذرٌ في الفراقِ لمن نأى
ليرى المصانعَ منهُ كيفَ تُشادُ
بِنتمْ وبِنّا فما ابتلّتْ جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفّتْ مآقينا
نكادُ حينَ تُناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الاسى لولا تأسينا
حالتْ لفقدكمْ أيامنا فغدتْ
سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يُغيّرنا
أن طالما غيّرَ النأيُ المحبينا
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ واسقِ بهِ
من كان صرفَ الهوى والودِّ يسقينا
واسأل هنالك: هل عَنّى تذكرنا
إلفاً،تذكرهُ أمسى يُغنينا
ويا نسيمَ الصَّبا بلّغْ تحيتنا
من لو على البعدِ حيّا كانَ يُحيينا
ألا وقد حانَ صُبحُ البينِ ،صَبّحنا
حَينٌ،فقامَ بنا للحَينِ ناعينا
من مُبلغُ الملبسينا بانتزاحهمُ
إنّ الزمانَ الذي قد كان يُضحكنا

حُزناً مع الدهرِ لا يبلى ويُبلينا
أنساُ بقربهم قد عاد يُبكينا
وقد نكونُ،وما يُخشى تفرّقنا
فاليومَ نحنُ،وما يُرجى تلاقينا
إنّا قرأنا الأسى يوم النّوى سوراً
مكتوبة وأخذنا الصبرَ تلقينا
إنا قرأنا الأسى،يوم النوى،سوراً
مكتوبةً،وأخذنا الصبرَ يكفينا
معاهدُ لذّاتٍ،وأوطانُ صبوةٍ
أجلت المعلى في الأماني بها قدحا
ألا هل إلى الزهراء أوبةُ نازحٍ
تقّضى تنائيها مدامعهُ نَزحا
محلُّ ارتياحٍ يذكرُ الخلدَ طيبهُ
إذا عزَّ أن يصدى الفتى فيه أو يضحى
أجل! إنّ ليلي ،فوقَ شاطىء نيطةٍ
لاقصرُ من ليلي بآنة فالبطحا
ويا فؤادي!آنَ أن تذوبا
قد ملأَ الشوقُ الحشا ندوبا
في الغربِ إذ رحتُ بهِ غريبا

غريبٌ بأقصى الشّرقِ يشكرُ للصَّبا
تحملّها منهُ السلامَ إلى الغربِ
وما ضرَّ أنفاس الصَّبا في احتمالها
سلامَ هوىً،يُهديه جسمٌ إلى قلبِ
ومنازل بالسفحِ غُيّر رسمها
بمدامعِ العشّاقِ والأنواءِ
لم يبقَ لي غيرَ انتشاقِ نسيمها
يا طولَ خيبةِ قانعٍ بهواءِ
يا نازحاً وضميرُ القلبِ مثواهُ
أنستكَ دُنياكَ عبداً أنتَ مولاهُ
ألهتكَ عنهُ فكاهاتٌ تلذُّ بها
فليسَ يجري ببالٍ منكَ ذكراهُ
علّ الليالي تبقيني إلى أملٍ
الدهرُ يعلمُ والايامُ معناهُ
هوايَ وإن تناءت عنكِ داري
كمثلِ هوايَ في حالِ الجوارِ
مُقيمٌ لا تغيره عوادٍ
تُباعدُ بينَ أحيانِ المزارِ
رأيتُكَ قلتَ إنَّ الهجرَ بدرٌ
متى خلتَ البدورُ من السرارِ
ورابكَ أنني جَلدٌ صبورٌ
وكم صبرٍ يكونُ عن اصطبارِ
ولم أهجر لعتبٍ غير أنّي
أضرّتْ بي مُعاقرةُ العقارِ
وهل أنسى لديك نعيم عيشٍ
كَوشي الخدِّ طُرّزَ بالعِذارِ
وكنتَ على البعادِ أجلَّ شىء
لدي فكيفَ إذ أصبحت جاري
لحى الله يوماً لستُ فيهِ بملتقي
مُحيّاكِ من أجلِ النوى والتفرّقِ
وهلْ كبدٌ حَرّى لبينكِ تُنقعُ
وهل للياليكِ الحميدةِ مرجِعُ

لسان الدين الخطيب

سقى الله من غرناطة متبوىء
الألى لهم حقّ عليّ كريم
ضمنت لها حفظ العهود وإنما
ضمنت لها أن لا أزال أهيمُ
ربوعُ أحبائي ومنشأ صبوتي
ومعهد أنسي إن ذا لعظيمُ
أحبّ الحِمى من أجلِ من سكنَ الحمى
حديثُ حديث في الهوى وقديم
بلادٌ عهدنا في قرارتها الصبا
يقلُّ لذاكَ العهدِ أن يألفَ العهدا
إذا ما النسيمُ اعتلَّ في عَرصاتها
تناولَ فيها البانَ والشيحَ والرندا
إذا استشعرتها النفسُ عاهدتِ الجوى
إذا التمحتها العينُ عاقدتِ السهدا
ومن عاشقٍ حرٍّ إذا ما استمالهُ
حديثُ الهوى العُذريّ صيّرهُ عبدا
سقى الله نجداًرما نضحتُ بذكرها
على كبدي إلا وجدتُ لها بردا
وآنسَ قلبي فهو للعهدِ حافظ
وقلَّ على الأيام من يحفظُ العهدا
صبورٌ وإن لم يبقَ إلا ذبالةٌ
إذا استقبلتها مسرى الصبا اشتعلت وقدا
وقد كنتُ جَلداً قبل أن يُذهبَ النوى
ذَمائي وأن يستأصلَ العظمَ والجلدا
لي الله كم أهذي بنجدٍ وحاجرٍ
وأكنّي بدعدٍ في غرامي أو سُعدى
وما هو إلا الشوقُ ثارَ كمينهُ
فاذهلَ نفساً لم تُبن عنده قصدا
ناديتُ دمعي إذ جدَّ الرحيلُ بهم
والقلبُ من فَرَقِ التوديعِ قد وجبا
سقطتَ يا دمعُ من عيني غداة نأى
عني الحبيبُ ولم تقضِ الذي وجبا
حينَ ساروا عني وقد خنقتني
عبراتٌ قد أعربت عن ولوعي
صحتُ من ينصرُ الغريبَ فلما
لم أجدنا أحداً بلعتُ دموعي
إذا فاتني ظلُّ الحمى ونعيمُهُ
فحسبُ فؤادي أن يَهُبَّ نسيمُهُ
ويُقنعني أنّي بهِ متكّنفٌ
فزمزمهُ دمعي،وجسمي حطيمهُ
يعود فؤادي ذكرُ من سكنَ الغضا
فيُقعدهُ فوقَ الغضا ويُقيمهُ
ولم أرَ شيئاً كالنسيمِ إذا سرى
شفى سقمَ القلبِ المشوقِ سقيمهُ
نُعلّلُ بالتذكارِ نفساً مشوقةً
نُديرُ عليها كأسَهُ ونديمُهُ
كمْ ليومِ الفراقِ من غُصّهْ
في فؤادِ العميدْ
نرفعُ الامرَ فيهِ والقصهْ
للولي الحميدْ
رحل الرّكبُ يقطعُ البيدا
بسفينِ النياق
كلُّ وجناء تُتلعُ الجيدا
وتبذُّ الرفاق
حسبتْ ليلة اللقا عيدا
فهي ذاتُ اشتياقْ
تذكرتُ العقيقَ فسال دمعي
عقيقاً من تذكرّه فذابا
أقولُ لنسمةٍ مرّتْ صباحاً
يُعطّرُ عَرْفها القفرَ اليبابا
ألا يا هذهِ كوني رسولي
وكوني إن رجعتِ ليّ الجوابا
نشدُتكِ بَلّغي صحبي سلامي
إذا جئتِ المعاهدَ والقبابا
يلومني العواذلُ في اشتياقي
إذا ما القلبُ من وجدي تصابى
وكم بينَ الأباطحِ من مهاةٍ
تروعُ بلحظها الأسدَ الغضابا
رمتني ثم قالت وهي تُزري
ولم تحذر بفتكتها العقابا

ابن دراج القسطلي

فيا حبذا تلكَ الرسوم وحبذا
نوافحٌ تهديها إلى صباها
دعوت لها سقيا الحيا ودعا الهوى
وبرح الهوى دمعي لها فسقاها
قالت وقد مزجَ الفراقُ مدامعاً
بمدامعٍ،وترائباً بترائبِ
أتفرقٌ،حتى بمنزل غربةٍ
أم نحن للأيامِ نُهبةَ ناهبِ
ولئن جنيتُ عليكِ نزحةَ راحلٍ
فأنا الزعيمُ لها بفرحةِ آيبِ
هل أبصرتْ عيناكِ بدراً طالعاً
في الأفقِ إلامن هلالٍ غاربِ
نجومُ الصِّبا،أينَ تلكَ النجوم؟
نسيم الصَّبا،أينَ ذاكَ النسيم؟
أمّا في التخيّل منها ضياءٌ
أمّا في التَنشُّقِ منها شميم؟
لقد شطَّ روضلإ إليه أحنُّ
وغادتْ مياهٌ إليها أهيم
ليالي إذ لا حبيبٌ يصدُّ
وعهدي إذ لا عذولُ يلوم
ولمّا تدانتْ للوداعِ،وقد هفا
بصبري منها أنّةٌ وزفيرُ
تُناشدُني عهدَ المودّةِ والهوى
وفي المهدِ مبغومُ النداءِ صغيرُ
عَيٌّ بمرجوعِ الخطاب،ولفظهُ
بموقعِ أهواء النفوسِ خبيرُ
عصيتُ شفيعَ النفسِ فيهِ وقادني
وطار جناحُ البينِ بي وهفت بها

رواحٌ لتدآبِ السرى وبكورُ
جوانح من ذعر الفراق تطيرُ
لئن ودّعتْ مني غيوراً فإنّني
ولو شهدتني والهواجرُ تلتظي
أسلط حرّ الهاجرات إذا سطا
وأستنشق النكباء وهي بوارح
وللموت في عين الجبان تلون

على عزمتي من شجوها لغيورُ
علي ورقراق السراب يمور
على حرِّ وجهي والأصيلُ هجير
وأستوطىء الرمضاء وهي تفور
وللذعر في سمع الجرىء صفير
أبُنيَّ لا تذهب بنفسك حسرة
عن غولِ رحلي منجداً أو مُغورا
فلئن تركتُ الليل فوقي داجياً
فلقد لقيتُ الصبحَ بعدكَ أزهرا
وحللتُ أرضاً بُدّلت حصباؤها
ذهباً يرفُّ لنا ظريَّ وجواهرا
وطارَ جناحُ البينِ وهفت بها
جوانحُ من ذُعرِ الفراقِ تطيرُ

ابن شهيد الأندلسي

فراق وشجون واشتياق وذلة
وجبار حفاظ علي عتيد
خليليَّ ما انفكَّ الأسى منذُ بينهمْ
حبيبي حتى حلَّ بالقلبِ فاختطّا
أريدُ دنواً من خليليَّ وقد نأى
وأهوى اقتراباً من مرارٍ وقد شطّا
وإنّي لتعروني الهموم لذكرهم
هُدواً فلا أسطيعُ قبضاً ولا بسطا

ابن حزم الأندلسي

كأنْ لم يكنْ بَينٌ إذا كانَ بعدَهُ
تلاقٍ ولكن لا إخالُ تلاقيا

ابن خفاجة الأندلسي

يا أهلَ أندلُسٍ لله دركمُ
ماءٌ وظلٌ وأنهارٌ وأشجارُ
ما جنّةُ الخلدِ إلا في دياركمُ
ولو تخيّرتُ هذى كنت أختارُ
لا تخشوا بعد ذا أن تدخلوا سَقراً
فليسَ تُدخل بعد الجنة النارُ
فيا عَرْفِ ريحٍ عاجَ عن بطنِ لعلعٍ
يجرُّ على الأنداءِ فضلَ زِمامِ
تلذّذْ بدارِ القصْفِ عني ساعةً
وأبلغْ نداماها أعمَّ سلامِ

ابن هانىء لأندلسي

قفا بي فلا مسرىً سرينا ولا نسري
وإلا نرى مشيَ القطا الوارد الكُدرِ
قفا نتبين أينَ ذا البرقُ منهمُ
ومن أينَ تأتي الريحُ طيبةَ النشرِ
لعلّ ترى الوادي الذي كنتَ مرةً
أزورهم فيهِ تضوّعَ للسّفرِ
وهل عجبوا أني أُسائلُ عنهمُ
وهم بين أحناءِ الجوانحِ والصدرِ
وهل علموا أنّي أُيمُ أرضهم
ومالي بها غيرُ التعفِ من خُبرِ
ولي سَكنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ
فيبعدُ عن عيني ويقربُ من فكري
إذا ذكرتهُ النفسُ جاشتْ بذكرهِ
كما عثرَ لساني بجامٍ من الخمرِ
يا حُرقةَ البينِ كويتِ الحشا
حتى أذبتِ القلبَ في أضلعهْ
أذكيتِ فيهِ النارَ حتى غدا
ينسابُ ذاك الذّوبُ من مدمعه
يا سُؤلَ هذا القلبِ حتى متى
يؤسى برشفِ الرِّيقِ من منبعه
فإنّ في الشهدِ شفاءَ الورى
ولا سيما إن مُصَّ من مكرعه
والله يُدني منكمُ عاجلاً
ويُبلغُ القلبَ إلى مطمعه

المعتمد ابن عباد

اقنعْ بحظِّكَ في دنياكَ ما كانا
وعَزِّ نفسكَ إن فارقتَ أوطانا
في الله من كلِّ مفقودٍ عِوضٌ
فأشعرِ القلبَ سلواناً وإيمانا
أكلمّا سنحتْ ذكرى طربتَ لها
مَجّتْ دموعُكَ في خدّيكَ طوفانا
أمّا سمعتَ بسلطانٍ شبيهُكَ قد
بزّتهُ سودُ خطوبِ الدهرِ سلطانا
وَطِّنْ على الكره وارقبْ إثره فرجاً
واستغفِ الله تغنمْ منهُ غفرانا

أبو العباس أحمد المقري التلمساني

فنلتقي ،وعوادي الدهر غافلة
عما نروم،وعقد البينِ محلول
والدارُ آسنة والشمل مجتمع
والطير صادحة والروض مطلول
شربت حميا البينِ صرفا وطالما
جلوت محيا الوصل وهو وسيم
فميعادُ دمعي أن تنوحَ حمامة
وميقاتُ شوقي أن يهبَّ نسيمُ
ذكرتني الورقاء أيام أنس
سالفات فبتّ أذرى الدموعا
ووصلت السهاد شوقاً لحبّي
وغراماً،وقد هجرت الهجوعا
كيف يخلو قلبي من الذكر يوماً
وعلى حبّهم حنيتُ الضلوعا؟
كلما أولعَ العذول بعتبي
في هواهم ،يزداد قلبي ولوعا

ابن سهل الأندلسي

ودّعتها فجنيتُ من مُرِّ النّوى
حُلوَ الوداعِ مُنّعماً ومُعذّبا
شملٌ تجمعَ حينَ حانَ شتاتهُ
ويزيدُ إشراقُ السّراجِ إذا خبا

محمد بن عمار الأندلسي

كساها الحيا بُردَ الشّبابِ فإنّها
بلادٌ بها عَقَّ الشّبابُ تمائمي
ذكرتُ بها عهدَ الصِّبا فكأنّما
قدحتُ بنارِ الشّوقِ بينَ الحيازمِ
لياليَ لا ألوي على رُشدِ ناصحٍ
عناني ولا أثنيهِ عن غَيِّ لائمِ
أنالُ سُهادي من عيونٍ نواعسٍ
وأجني مرادي من غصونِ نواعمِ
وبتنا ولا واشٍ نخافُ كأنّما
حللنا مكانَ السرِّ من صدرِ كاتمِ

ابن اللبانة الأندلسي

حانَ الوداع فضّجتْ كلّ صارخة
وصارخٍ من مُفداه ومن فادي
سارتْ سفائنهم والنوحُ يتبعها
كأنها إبلٌ يحدو بها الحادي
كم سالَ في الاءِ من دمعٍ وكم حملت
تلكَ القطائع من قطعات أكباد

أبو بكر بن زهر الأندلسي

كلّما فكر بالبينِ بكى
ويحهُ يبكي لما لم يقع
ولي واحدٌ مثلُ فَرخِ القطاة
صغيرٌ تخلّفَ قلبي لديه
وأُفرِدتُ عنهُ،فيا وحشتي
لذاك الشُخيص وذاكَ الوُجيه
تشوّقني وتشوّقته
فيبكي عليَّ وأبكي عليه
وقد تعبَ الشوقُ ما بيننا
فمنهُ إليَّ ومني إليه

ابن حمديس الصقلي

فارقتكم وفراقكم صعبُ
لا الجسمُ يحملهُ ولا القلبُ
قُتِلَ البعادُ فما أشيرَ بهِ
حتى تمزّقَ بيننا القُربُ
يا يومَ مرجعهم إلى أوطانهم
أرجعتَ أرواحاً إلى أبدان
نزلت بك الأفراح في عرصاتهم
وبها يكون ترّحل الأحزان
فلذا القلوب إلى القلوب تراجعت
في ملتقى الآباءِ بالولدان
والأمهات على البنات عواطف
والمشفقات على اللدات حوان
سُرَّ القرابة بالقرابة منهم
وتأنّسَ الجيرانُ بالجيران
وتزاور الأحبابُ بعد قطيعة
دخلت بذكر الودِّ في النسيان
في كلّ بيت نغمة ومسرة
شربوا سلافتها بلا كيسان
ودعاؤهم لك في السماء محلق
حتى لضاق بعرضه الأفقان
كحجيج مكة في ارتفاع عجيجهم
وطوافهم بالبيت ذي الأركان
صيرت في الدنيا حديثك فيهم
فخر يقيم إلى القيامة ذكره

مثلاً يمر بأهل كل زمان
مثل الشنوف تناط بالأذان

ابن بشري الصقلي

بدا البرق من نحو الحجاز مذكراً
بسلمى وسعدى والتذكر ينصب
يلوح على لون الدجى فكأنه
سيوف على زرق الثياب تقلب
فلله برق عذب القلب لمعه
أكل محب بالبروق معذب؟

ابن خاتمة الأنصاري الأندلسي

أيامنا بالحمى ما كانَ أحلاكِ
كمْ بتُّ أرعاهُ إجلالاً وأرعاكِ
لا تُنكري وقفتي ذلاً بمغناكِ
يا دارُ لولا أحبائي ولولاكِ
لما وقفتُ وقوفَ
الهائم الباكي
يا بدرُ تِمٍّ تناءت عنهُ أربعنا
ولم تزلْ تحتويه الدهر أضلعنا
ما للنوى بضروبِ البينِ تُوجعنا
إذا تذكرتُ دهراً كانَ يجمعنا
تقطرت كبدي
شوقاً لمرآكِ

ابن قلاقس

أرى الدهرَ أشجاني ببعدِ وسرّني
بقرب فأخطأ مرة وأصابا
فإن أرتشف شهد الدنو فإنني
تجرّعتُ للبينِ المشتت صابا

ابن زمرك

يا أهلَ نجد سقى الوسميّ ربعكم
غيثاً يُنيلُ غليل الترب ما اقترحا
ما للفؤاد إذا هبّت يمانية
تهديهِ أنفاسها الأشجان والبرحا
يا حبذا نسمة من أرضكم نفحت
وحبذا ربرب من جوّكم سنحا
خليليَّ إني يومَ طارقةِ النوى
شقيتُ بمن لو شاء أنعمَ باليا
أجيرتنا بالرملِ والرملُ منزلٌ
مضى العيشُ فيهِ بالشبيبةِ حاليا
ولم أرَ ربعاً منهُ أقضى لُبانةً
وأشجى حماماتٍ ،وأحلى مجانيا
أبثكم أني على النأي حافظٌ
ذمامَ الهوى لو تحفظونَ ذماميا
أناشدكم والحرُّ أوفى بعهدهِ
ولن يعدمَ الإحسانُ والخيرُ جازيا
هل الودُّ إلا ماتحاماهُ كاشِحٌ
وأخفقَ في مسعاهُ من جاءَ واشيا
لولا تألقُّ بارقِ التذكارِ
ما صابَ واكفُ دمعي المدرارِ
لكنّهُ مهما تعرّضَ خافقاً
قدحتْ يدُ الاشواقِ زندَ أُواري
وعلى المشوقِ إذا تذكرَ معهداً
أن يُغري الأجفانَ باستعبارِ
أمُذكري غرناطةً حلّت بها
أيدي السحابِ أزرّةَ النّوارِ
فلكم أقمتُ غداةَ زُمتْ عيسهم
أبغي القرارَ ولاتَ حينَ قرارِ
وطفقتُ أستقري المنازل بعدهم
يمحو البكاءُ مواقعَ الآثار
إنا بني الآمالِ تخدعنا المنى
فنخادعُ الآمالَ بالتسيارِ
نتشجمُ الأهوالَ في طلبِ العلا
ونروعُ سربَ النومِ بالافكارِ
لا يحرزُ المجدَ الخطيرَ سوى امرىءٍ
يُمطي العزائمَ صهوةَ الأخطارِ
مُستبصرٌ مرمى العواقبِ واصلٌ
في حملهِ الإيرادَ بالإصدارِ
أسائلُ عن نجدٍ ومرمى صبابتي
ملاعبُ غزلانِ الصريم بِنعمان
وأُبدي إذا ريحُ الشّمالِ تنّفستْ
شمائلَ مرتاحِ المعاطفِ نشوانِ
عرفتُ بهذا الحبّ لم أدرِ سلوةً
وإنّي لمسلوبِ الفؤادِ بِسلوانِ
ومّما شجاني أن سرى الركبُ مَوهناً
تقادُ به هوجُ الرياحِ بأرسان
على كلِّ نضوٍ مثله فكأنما
رمى منهما صدرَ المفازةِ سهمانِ
نشاوى غرامٍ يستميلُ رؤوسهم
من النومِ والشوق المُبرّح سُكران
أجابوا نداءَ البينِ طوعَ غرامهم
وقد تبلغُ الأوطار فرقة أوطان

ابن الزقاق البلنسي

هات حديثاً عن مغاني اللّوى
فعهدكَ اليومَ بها أقربُ
إيهٍ وإن عذّبني ذِكرُها
فمن عذابِ النفسِ ما يَعذُبُ
غفرتُ للأيام ذنب الفراق
أن فزتُ في توديعهم بالعناق
ما أنسَ لا أنسَ لهم وقفةً
كالشهدِ والعلقم عند المذاق
كم ليلة لي بعقيق الحمى
قصرتها باللثمِ والإعتناق
ما ادرع الليل بظلمائه
حتى كساه الصبح منه رواق
فانخفرت أنجمهُ يشتكي
للبعض منها البعضُ وشك الفراق
وانتبه الصبح بُعيدَ الكرى
كذي هوىً من غشيّة قد أفاق
في روضةٍ علّم أغصانها
أهل الهوى العذريّ كيف العناق
هبّت بها ريحُ الصَّبا سُحرةً
فالتفّتِ الأغصانُ ساقاً بساق

ابن زريق البغدادي

لا تعذليهِ فإنّ العذلَ يؤلمهُ
قد قلتِ حقاً، ولكن ليسَ يسمعهُ
جاوزتِ في لومهِ حدّاً أضرَّ بهِ
من حيثُ قدّرتِ أنَّ اللومَ ينفعهُ
فاستعملي الرفقَ في تأنيبهِ، بدلاً
يكفيه من لوعةِ التشتيتِ أنّ له
ما آبَ من سَفرٍ إلا وأزعجهُ
كأنّما هو في حلٍّ ومرتحلٍ

من عُنفهِ فهو مُضنى القلبِ مُوجعهُ
من النّوى، كلّ يومٍ مايروِّعه
عزمٌ إلى سَفرٍ،بالرغمِ يُزمعهُ
مُوِّكلٌ بفضاءِ الله يذرعهُ
والله قسّمَ بينَ الخلق رزقهمُ
لم يخلق الله مخلوقاً يُضيّعهُ
أستودع الله في بغدادَ لي قمراً
ودّعتهُ وبودِّي لو يُودّعني

بالكرخِ من فلكِ الازرارِ مطلعهُ
صفو الحياةِ وأنّي لا أودّعهُ
وكم تشّفعَ أنّي لا أفارقهُ
وكمْ تشبّثَ بي يوم الرحيلِ ضحىً
إنّي أُوسِّعُ عذري في جنايتهِ

وللضروراتِ حالٌ لا تُشفّعهُ
وأدمعي مستهلاتٌ وأدمعهُ
بالبينِ عنه،وقلبي لا يُوسِّعه
أعطيت مُلكاً فلم أحسن سياستهُ
كذاك من لايسوس الملك يخلعهُ
ومن غدا لابساً ثوبَ النعيمِ بلا
كم قائلٍ لي ذنبُ البينِ قلتُ له
وكنتُ من ريبِ دهري جازعاً فَرِقاً

شكرِ الإله فعنهُ الله ينزعهُ
الذنب والله ذنبي لستُ أدفعهُ
فلم أُوقَ الذي كنتُ أجزعه
ما كنتُ أحِسبُ أن الدهرَ يُفجعني
علماً بأنّ اصطباري مُعقبٌ فرجاً

به ولا أن بي الأيام تُفجعهُ
فأضيقُ الامر إن فكرّتَ أوسعه
ومن يُصدعُ قلبي ذكرهُ وإذا
علَّ الليالي التي أضنت بفرقتنا
إن تنلْ أحداً منا منيّتهُ
وإن يدم أبداً هذا الفراقُ لنا

جرى على قلبهِ ذكري يُصدعهُ
جسمي ستجمعني يوماً وتجمعهُ
لابدّ في غدهِ الثاني سيتبعه
فما الذي بقضاء الله يصنعهُ

ابن القيسراني

مررنا بجو فهاج الجوى
على مهجة شرقت بالنوى
وأذهلني الوجد عنها فما
ذكرت سوى عهدكم في سوى
وفي الرِكبِ صَبّ إذا اشتاقكم
لوى جيدهُ نحوكم فالتوى
يجودُ بعين لو أن الركاب
تغمر في دمعها لارتوى
مررنا في ديارِ بني عدي
يُجاذبُ لوعتي شرق وغرب
يتيمني بأرضِ الشام حبّ
ويعطفني على بغداد حبّ

عبد الرحمن الداخل

تبدّتْ لنا وسطَ الرّصافة نخلةٌ
تناءت بأرضِ الغربِ عن بلد النخل
فقلتُ: شبيهي في التغرُّبِ والنّوى
وطولِ التنائي عن بنيّ وأهلي
نشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبةٌ
فمثلُكِ في الإقصاءِ والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المُزنِ في المنتأى الذي
يسعُّ ويستمري السّماكينِ بالوبلِ
أيّها الراكبُ المُيّممُ أرضي
أقرَ مني بعض السلامِ لبعضي
إنّ جسمي كما علمتَ بأرضٍ
وفؤادي ومالكيهِ بأرضِ
قُدّر البينُ بيننا فافترقنا
وطوى البينُ عن جفوني غمضي
قد قضى الله بالفراقِ علينا
فعسى باجتماعنا سوفَ يقضي

السيد البطليوسي

هُمْ سلبوني حُسنَ صبري إذ بانوا
بأقمارِ أطواقِ مطالعها بانُ
لئن غادروني باللّوى،إنَّ مهجتي
مُسايرةٌ أظعانهم حيثما كانوا
سقى عهدهم بالخَيفِ عهد غمائم
ينازعها مُزنٌ من الدمعِ هتّانُ
أأحبابنا،هل ذلك العهدُ راجعٌ
وهلْ لي عندكم آخرَ الدهرِ سُلوانُ
ولي مقلةٌ عبرى وبينَ جوانحي
فؤادٌ إلى لقياكم الدهرَ حنّانُ
تنّكرتِ الدنيا لنا بعدَ بُعدكمْ
وحلّتْ بنا من مُعضلِ الخطب ألوانُ

ابن بسام الأندلسي

وضاعف ما بالقلب يوم رحيلهم
على ما به منهم حنين الأباعر
وأصبر عن أحباب قلب ترّحلوا
ألا إنّ قلبي سائر غير صابر

ابن عبدون

أذهبنَ من فَرَقِ الفراقِ نفوساً
ونثرنَ من درِّ الدموعِ نفيسا
فتبعتها نظرَ الشجيِّ فحدّقتْ
رقباؤها نحوي عيوناً شوسا
وحللنَ عَقدَ الصبرِ إذ ودّعنني
فحللنَ أفلاكَ الخدورِ شموسا

الشمس ابن جابر

عَرِّجْ على بانِ العُذيب ونادي
وانشد فديتُك أينَ حلَّ فؤادي
وإذا مررتَ على المنازلِ بالحمى
فاشرحْ هنالك لوعتي وسهادي
إيهٍ فديتُكِ يانُسيمةَ خبرّي
كيفَ الأحبةُ والحمى والوادي

أبو عبد الله محمد بن خميس

تلمسانُ جادتكِ السحابُ الروائحُ
وأرستْ بواديكِ الرياحُ اللواقحُ
يطيرُ فؤادي كلّما لاحَ لامعٌ
وينهلُّ دمعي كلما ناحَ صادحُ
ففي كلّ شفرٍ من جفوني مائحٌ
وفي كلِّ شطرٍ من فؤادي قادحُ
فما الماءُ إلا ما تسحُّ مدامعي
ولا النارُ إلا ما تُجنُّ الجوانحُ
خليليَّ لا طيفٌ لعلوةَ طارقٌ
بليلٍ ولا وجهٌ لصبحيَ لائحُ
نظرتُ فلا ضوءٌ من الصبحِ ظاهرٌ
لعيني ولا نجمٌ إلى الغربِ جانحُ
بحقّكما كُفا الملامَ وسامحا
فما الخلُّ كلُّ الخلٍّ إلا المُسامحُ

ابن فضيلة المعافري المرّي

سرتْ ريحُ نجدٍ من رُبى أرضِ بابلِ
فهاجتْ إلى مسرى سُراها بلابلي
وذكرّني عَرفُ النسيمِ الذي سرى
معاهدَ أحبابٍ سراةٍ أفاضلِ
فأصبحتُ شغوفاً بذكرِ منازلٍ
ألفتُ، فواشوقي لتلك المنازلِ
فيا ريحُ هُبّي بالبطاحِ وبالرُبى
ومُرّي على أغصان زهرِ الخمائلِ
وسيري بجسمي للتي الروحُ عندها
فَروحي لديها من أجلِّ الوسائلِ
وقولي لها عنّي مُعنّاكِ بالنوى
لهُ شوقُ معمودٍ وعبرةُ ثاكلِ

ابن الصائغ

ضربوا القبابَ على أقاحي روضةٍ
خطرَ النسيمُ بها ففاحَ عبيرا
وتركتُ قلبي سارَ بين حُمولهم
دامي الكلومِ يسوقُ تلك العيرا
هلّا سألتَ أميرهم هل عندهم
عانٍ يُفَكُّ ولو سألت غيورا
لا والذي جعلَ الغصونَ معاطفاً
لهم وصاغَ الأقحوان ثغورا
ما مرَّ بي ريحُ الصَّبا من بعدهم
إلا شهقتُ لهُ فعاد سعيرا

ابن خلدون:

أسرفنَ في هجري وفي تعذيبي
وأطلنَ موقفَؤ عبرتي ونحيبي
وابينَ يومَ البينِ وقفة ساعةٍ
لودعِ مشغوفِ الفؤادِ كئيبِ
لله عهدُ الظاعنينَ وغادروا
قلبي رهينَ صبابةٍ ووجيبِ
غَربت ركائبهم ودمعي سافحٌ
فشرقتُ بعدهمُ بماءِ غروبي
يا ناقعاً بالعَتبِ غُلّةَ شوقهم
رُحماكَ في عَذلي وفي تأنيبي
يستعذبُ الصبُّ الملامَ وإنني
ماءُ الملامِ لديَّ غير شريبِ
ما هاجني طربٌ ولا اعتاد الجوى
لولا تذكرُ منزلٍ وحبيبِ
إيهٍ على الصبرِ الجميلِ فإنهُ
ألوى بدينِ فؤادي المنهوبِ
حَيِّ المعاهدَ كانت قبلُ تُحييني
بواكفِ الدمعِ يُرويها ويُظميني
إن الألى نزحتْ داري ودارُهم
تحملوا القلبَ في آثارهم دوني
وقفتُ أنشدُ صبراً ضاعَ بعدهمُ
فيهم وأسألُ رسماً لا يُناجيني
أُمثّلُ الرّبعَ من شوقٍ وألثمهُ
وكيفَ والفكرُ يُدنيهِ ويقصيني
وينهبُ الوجدُ مني كلّ لؤلؤةٍ
مازالَ جفني عليها غيرَ مأمونِ
سقت جفوني مغاني الرّبعِ بعدهمُ
فالدمعُ وقفٌ على أطلالهِ الجونِ
قد كان للقلبِ عن داعي الهوى شغلٌ
لو أنّ قلبي إلى السلوان يدعوني
أحبابنا هل لعهدِ الوصلِ مذكَرٌ
منكم وهل نسمةٌ منكم تُحييني
مالي وللطيفِ لا يعتادُ زائرهُ
وللنسيمِ عليلاً لا يُداويني
يا نازحاً والمنى تُدنيهِ من خَلدي
حتى لأحسبهُ قرباً يناجيني
أسلى هواك فؤادي عن سواك وما
سواك يوماً بحالٍ عنكَ يُسليني
من مُبلغٌ عني الصحبَ الألى جهلوا
ودّي وضاع حماهم إذ أضاعوني
إني أويتُ من العليا إلى حَرمٍ
كادت مغانيهِ بالبشرى تُحييني
وأنني ظاعناً لم ألقَ بعدهمُ
دهراً أشاكي ولا خصماً يشاكيني
لا كالتي أخفرت عهدي لياليَ إذ
أقلبُ الطرفَ بين الخوفِ والهونِ
سقياً ورَعياً لأيامي التي ظفرت
يدايَ منها بحظٍّ غير مغبونِ
أرتادُ منها مليّاً لا يماطلني
وعداً وأرجو كريماً لا يُعَنّيني

أبو عبد الله ابن الأبار

أقلّوا ملامي أو فقولوا وأكثروا
مَلومكم عمّا بهِ ليسَ يُقصرُ
وهل غيرُ صبٍّ ماتني عبراته
إذا صعدت أنفاسهُ تتحدرُ
يحنُّ وما يُجدي عليهِ حنينُهُ
إلى أربُعٍ معروفها متنكرُ
تغيرَ ذاكَ العهدُ بعدي وأهله
ومن ذا على الايامِ لا يتغيّرُ
أقولُ لساري البرقِ في جنح ليلة
كلانا بها قد يبات يبكي ويسهرُ
أتأوي لقلبٍ مثل قلبك خافقٍ
ودمع سفوح مثل قطرك يقطرُ
وتحملُ أنفاساً كومضكَ نارها
إذا رُفعت تبدو لمن يتنوّرُ
يقرُّ بعيني أن أُعاين من نأى
لما أبصرته منكَ عينايَ تبصرُ
وأن يتراءى الخليطُ الذين هم
بقلبي وإن غابوا عن العينِ حُضّرُ
وأنّ كلينا مشوقٍ وشائقٍ
بنارِ اغتراب في حشاهُ تسعرُ

ابن المعتز

مازلتُ أدعو بضوءِ الصبحِ مُغترباً
يفري دجى الليل منهُ شخصُ حرّان
أزالهُ الدهرُ عن أهلٍ وأبدلهُ
أهلاً بأهلٍ وجيراناً بجيران
لا مثل منزلة الدويرة منزلٌ
يا دار جادك وابلٌ وسقاكِ
بؤساً لدهر غيّرتك صروفه
لم يمحُ من قلبي الهوى ومحاكِ
لم يحلُ للعينينِ بعدك منظرٌ
ذُمَّ المنازل كلهنَّ سواكِ
أيّ المعاهد منك أندب طيبهُ
ممساك بالآصالِ أم مغداك
أم برد ظلّك ذي الغصون وذي الجنى
أم أرضك الميثاء أم ريّاكِ
لاحَ لهُ بارِقٌ فأرّقهُ
فباتَ يرعى النجومَ مكتئبا
يُطيعه الطرفُ عند دمعته
حتى إذا حاول الرقاد أبى
إنّا على البعادِ والتفرُّقِ
لنلتقي بالذكرِ إن لم نلتقِ

إبراهيم بن العباس الصولي

باتت تُشوّقني برجعِ حنينها
وأزيدها شوقاً برجعِ حنيني
نِضوان مُغتربانِ عند تهامة
طويا الضلوع على جوى مكنون

ابن الخياط

بَكيتُكَ للبينِ قبلَ الحِمامِ
وأينَ من الثكل حرُّ الغرام
وما كانَ ذاكَ الفراقُ المُ
شتُ إلا دخاناً لهذا الضرام
فَعُوّضتُ بعد الحنينِ الأنينَ
وبُدّلتُ بعد الجوى بالسقام
إذا قتلَ البعدُ أهلَ الهوى
فأقتلُ لي منهُ موتُ الكرام
ولولا الرّدى ما كان بالعيش وصمةٌ
ولولا النّوى ما كان بالحبِّ من باسِ
تُحرّقني بناركَ مؤذناً لي
بما أنا فيكَ يوم البينِ لاقِ
ونيرانُ الصّبابة بالغاتٌ
مُرادكَ فيَّ من قبلِ الفراقِ
فيا ليتني أبقى ليَّ الهجرُ عبرةً
فأقضي بها حقَّ النّوى وأُريقها
هيَ الديارُ فَعُجْ في رسمها العاري
إن يخلُ طرفكَ من سُكانها فيها

إن كانَ يُغنيك تعريجٌ على دارِ
ما يملأ القلب من شوقٍ وتذكارِ
سقوهُ كأسَ فرقتهم دِهاقا
وأسكرهُ الوداعُ فما أفاقا
خذا من صَبا نجدٍ أماناً لقلبهِ
وإياكما ذاكَ النسيم فإنّهُ
إذا خطرتْ من جانبِ الرملِ نفحةٌ
خليليَّ لو أجبتُما لعلمتا
تذكر:والذكرى تشوقُ،وذو الهوى
غرامٌ على يأسِ الهوى ورجائهِ

فقد كادَ ريّاها يطيرُ بلبّهِ
متى هبَّ كانَ الوجدُ أيسر خطبهِ
تضَّمنَ منها داؤُهُ دون صحبهِ
محلَّ الهوى من مُغرمِ القلبِ صَبّه
يتوقُ،ومن يعلقْ بهِ الحبّ يُصبه
وشوقٌ على بُعدِ المزارِ وقربه
ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
يُرَّوحني بالغوطتينِ نسيمُ
وقفتُ أداري الوجد خوفَ مدامع
تُبيحُ من السرِّ المُمنّعِ ما أحمي
أغالبُ بالشكِ اليقينَ صبابة
وأدفعُ من صدرِ الحقيقة بالوهمِ
فلما أبى إلا البكاء ليَ الاسى
بكيتُ فما أبقيتُ للرسمِ من رسمِ
كأنّي بأجزاعِ النقيبة مُسلمٌ
إلى ثائر لا يعرف الصفح عن جُرمِ
لقد وجدت وجدي الديار بأهلها
ولو لم تجد وجدي لما سقمت سقمي
عليهنَّ وسمٌ للفراقِ وإنما
عليَّ له ماليسَ للنارِ من وسمِ
وكم قسّمَ البين الضنى بين منزل
وبيني ولكن الهوى جائر القسم
يا نسيمً الصَّبا الولوعَ بوجدي
حبذا أنت لو مررتَ بنجدِ
أجِرْ ذكري نعمتَ وأنعتْ غرامي
بالحمى ولتكن يداً لك عندي
لئن عداني زمانُ عن لقائكمُ
لما عداني عن تذكارِ ما سلفا
وفي الرّكبِ مطوي الضلوع على جوى
متى يدعه داعي الغرام يُلبّه
إذا خطرتْ من جانبِ الرملِ نفحة
تناول منها داءه دون صحبه
ومحتجب بين الأسنّة معرض
وفي القلب من إعراضه مثل حجبه
أغارُ إذا آنست في الحيّ أنّه
حذاراً عليه أن تكون لحبه
ما وَجدُ من فارقَ القومَ الألى ظعنوا
كَوجدِ من فارقَ العلياءِ والشّرفا
لأعزينَّ بذمِّ البينِ بعدكمُ
وكيفَ تحمدُ نفسُ التالفِ التلفا
وبالجزعِ حيٌّ كلّما عَنَّ ذكرهمْ
أماتَ الهوى مني فؤاداً وأحياهُ
تمنيّتهم بالرقمتين ودارُهم
بوادي الغضا يا بُعدَ ما أتمناهُ

صالح بن عبد القدوس

وإذا رأيتَ الرزقَ عَزَّ ببلدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ الله واسعةُ الفضا
طولاً وعرضاً شرقها والمغربُ
فلقد نصحتُكَ إن قبلتَ نصيحتي
فالنصُحُ أغلى مما يُباعُ ويُوهبُ
لا ألفينّكَ ثاوياً في غربةٍ
إنّ الغريبَ بكلِّ سهمٍ يُرشَقُ

أبو حيّة النميري

قلْ لحادي المطيّ خفِّضْ قليلاً
نجعل العيسَ سيرهنَّ ذَميلا
لا تقفها على السبيلِ ودعها
يهدها شوقُ من عليها السبيلا

ابن حيوس الدمشقي

ونبا بيَ الوطنُ القديمِ وإنني
في البُعدِ عمّنْ حَلَّهُ لسعيد
هل للخليط المستقل إيابُ
أم هل لأيامٍ مضتْ أعقابُ
فراقٌ قضى ألا تأسيَّ بعد أن
مضى منجداً صبري وأوغلت متهما
وفجعةُ بينٍ مثل صرعة مالك
ويقبح بي أن لا أكون متمما
خليليَّ إن لم تسعداني على الأسى
فما أنتما مني ولا أنا منكما
وحَسنتما لي سلوةً وتناسياً
ولم تذكرا كيفَ السبيلُ إليهما
لقد رُفعنا إلى حالينِ لستُ أرى
ما بينَ ذاكَ وهذا حظُّ مختارِ
إمّا المُقامُ على خوفٍ ومسبغةٍ
أو الرحيل عن الاوطانِ والدارِ
والموتُ أيسرُ من هذا وذاكَ وما
كربُ المماتِ ولا في الموتِ من عارِ
سأتركُ ذي البلادَ بلا اختيارٍ
وأهجرُ أهلها لا عن تقالِ
بحالٍ لو تأملها عدوي
لساهمني الرزيّة أو رثى لي

ابن عنين

هجرتُ الأكابرَ في جِلّقٍ
ورعتُ الوضيعَ بسبِّ الرفيع
وأُخرجتُ منها ولكنني
رجعتُ على رغمِ أنفِ الجميع
ولو أني خُيّرتُ في هذه الدن
يا لما اخترتُ غير أهلي وداري

ابن حجة الحموي

لي في ابتدا مدحكمْ يا عُربَ ذي سَلَمِ
براعةٌ تستهلُّ الدمعَ في العَلَمِ
بالله سِرْ بي فَسِرْبي أطلقوا وطني
وركّبوا في ضلوعي مُطلقَ السّقمِ
شَدتْ بكمُ العُشاقُ لمّا ترّنموا
فغنّوا وقد طابَ المقامُ وزمزمُ
وضاعَ شذاكمُ بينَ سَلعٍ وحاجرٍ
فكانَ دليلَ الظاعنينَ إليكمُ
ولمّا روى أخبارَ نشرِ ثُغوركمْ
أراكُ الحمى جاءَ الهوى يتنسّمُ

ابن النبيه المصري

يا ساكني السفحِ كم عينٍ بكم سفحت
نزحتم فهي بعد البعد قد نزحت
يا بارقاً أذكرَ الحشا شَجنهْ
منزلنا بالعقيقِ منْ سكنه
بلّغْ حديثَ الحمى وساكنه
لِمغرمٍ أنحلَ الهوى بدنه
أشقى المحبين عادمٌ وطراً
فكيفَ إن كانَ عادماً وطنه
سُقياً لأيامنا التي سلفتْ
كانتْ بطيبِ الوصالِ مقترنه
لو بيعَ يومٌ منها وكيف به
كنتُ بعمري مسترخصاً ثمنه

الشافعي

إذا ضاقَ صدرُكَ من بلادٍ
ترّحل طالباً أرضاً سواها
عجبتُ لمن يقيمُ بدارِ ذُلٍ
وأرضُ الله واسعةً فضاها
فذاكَ من الرجالِ قليل
عقل بليد ليس يعلم من بناها
فنفسُكَ فُز بها إن خفتَ ضيماً
وخلِّ الدارَ ومن بناها
فإنّكَ واجدُ أرضاً بأرضٍ
ونفسُكَ لم تجد نفساً سواها
ومن كانت منيّتهُ بأرضٍ
فليسَ يموتُ في أرضٍ سواها
أُخيَّ أرى نفسي تتوقُ إلى مصرِ
ومن دونها أرضُ المهامةِ والقفرِ
فوالله ما أدري أللفوزِ والغنى
أُساقُ إليها أم أُساقُ إلى قبري
تَغرّبْ عن الأوطانِ في طلبِ العلا
وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائد
تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشةٍ
وعلم وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
سافرْ تجدْ عوضاً عمّنْ تفارقه
وانصبْ فإن لذيذَ العيشِ في النَصَبِ
ما في المقام لذي لُبٍ وذي أدبٍ
معزةٌ فاترك الأوطانَ واغتربِ
إني رأيتُ وقوفِ الماءِ يُفسده
والتبر كالترب ملقى في أماكنه
الأسد لولا فراق الغاب ما افترست

إن ساحَ طابَ وإن لم يجرِ لم يطبِ
والعودُ في أرضه نوع من الحطبِ
والسهمُ لولا فراق القوس لم يُصب
سأصبرُ للحِمامِ وقد أتاني
وإلا فهو آتٍ بعد حين
وإن أسلمْ يمتُ قبلي حبيبٌ
وموتُ أحبّتي قبلي يسؤني
ارحلْ بنفسكَ عن أرض تُضامُ بها
من ذلَّ بين أهاليه ببلدته

ولا تكنْ من فراقِ الأهلِ في حُرقِ
فالاغترابُ له من أحسن الخلق
فالعنبرُ الخام روث في مواطنه
وفي التغرُّبِ محمولٌ على العنقِ
والكحلُ نوعٌ من الاحجارِ تنظرهُ
في أرضهِ وهو مرميٌّ على الطرقِ
لمّا تغرّبَ حازَ الفضلَ أجمعهُ
فصارَ يحمل بين الجفنِ والحدقِ
وأنزلني طولُ النوى دارَ غربةٍ
إذا شئتُ لاقيتُ امرأً لا أشاكله
فحامقتهُ حتى يُقالَ سجيّةٌ
ولو كانَ ذا عقلٍ لكنتُ أعاقله
إذا قيلَ في الأسفارِ ذلّ ومحنة
وقطعُ الفيافي واقتحامُ الشدائدِ
فموتُ الفتى خيرٌ لهُ من حياتهِ
بدارِ هوانٍ بينَ واشٍ وحاسدِ
إنّ الغريبَ لهُ مخافةُ سارقٍ
وخضوعُ مديونٍ وذلة موثقِ
فإذا تذكرَ أهلهُ وبلادهُ
ففؤادُهُ كجناحِ طيرٍ خافقِ

ابن الفارض

وبما جرا في موقفِ التوديعِ من
ألم النوى شاهدت هول الموقفِ
فلا تُنكروا إن مسّني ضرُّ بينكم
عليَّ سؤالي كشفَ ذاكَ ورحمتي
واقرَ السلامَ عُريبَ ذيّاكَ اللّوى
من مُغرمٍ دنفٍ كئيبٍ ناءِ
صَبٍّ متى قفلَ الحجيجُ تصاعدتْ
زفراتهُ بتنفُّسِ الصُّعداءِ
كَلَمَ السُّهادُ جفونَهُ فتبادرتْ
عبراتهُ ممزوجةٌ بدماءِ
وأبعدني عن أربعي بعدُ أربعٍ:
شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي
فلي بعد أوطاني سكونٌ إلى الفلا
وبالوحشِ أُنسي إذ من الانسِ وحشتي
نَعمْ بالصَّبا قلبي صَبا لأحبّتي
فيا حبذا ذاكَ الشّذا حينَ هبّتِ
سَرتْ فأسرّتْ للفؤادِ غُدَيّةً
أحاديثَ جيرانِ العُذيبِ فسرّتِ
تذكرني العهدَ القديمَ لأنّها
حديثةُ عهدٍ من أُهيلُ مودّتي
رعى الله أياماً بظلِّ جنابها
سرقتُ بها في غفلةِ البينِ لذّتي
وما دارَ هجرُ البعدِ عنها بخاطري
لديها بوصلِ القربِ في دار هجرتي
يا أهل وُدّي هل لراجي وصلِكمْ
طمعٌ فينعمْ بالهُ استرواحا
مُذْ غبتمُ عن ناظري لي أنّةٌ
ملأت نواحي أرضِ مصرَ نُواحا
وإذا ذكرتكم أميلُ كأنّني
من طيبِ ذكركمُ سُقيتُ الرّاحا
وإذا دُعيتُ إلى تناسي عهدكمْ
ألفيتُ أحشائي بذاك شِحاحا
حيّا الحيا تلكَ المنازلَ والرُّبى
وسقى الوليُّ مواطنَ الألاءِ
وسقى المشاعرَ والمُحصبَ من منىً
سَحّاً وجادَ مواقفَ الأنضاءِ
ورعى ليالي الخَيفِ ماكانت سوى
حلمٌ مضى مع يقظةِ الإغفاءِ
تناءتْ فكانتْ لذةُ العيشِ وانقضتْ
بعمري فأيدي البينِ مُدّتْ لِمُدّتي
وبانتْ فأما حسنُ صبري فخانني
وأما جفوني بالبكاءِ فوّفتِ
فلم يرَ طرفي بعدها ما يسرّني
فنومي كصبحي حيثُ كانت مسرّتي
يا ساكني البطحاءِ هلْ من عودة
أحيا بها يا ساكني البطحاءِ
إن ينقضي صبري فليسَ بِمُنقضٍ
وجدي القديم بكم ولا بُرحائي
واحسرتي ضاعَ الزمانُ ولم أفزْ
منكم أُهيل مودّتي بلقاءِ
أرجُ النسيم سرى من الزوراءِ
سَحَراً فأحيا ميتَ الأحياءِ
أهدى لنا أرواحَ نجدٍ عَرْفُهُ
فالجوُّ منهُ مُعنبرُ الأرجاءِ
وروى أحاديثَ الأحبّةِ مُسنداً
عن إذخرٍ بأذاخرٍ وسخاءِ
فسكرتُ من رَيّا حواشي بُردهِ
وسرتْ حُمَيّا البُرءِ في أدوائي
نأيتُم،فغير الدمع لم أر وافيا
سوى زفرةٍ من حرِّ الجوى تغلو
فسهدي حي،في جفوني مخلّد
ونومي بها ميت ودمعي له غسلُ
يا راحلاً وجميل الصبرِ يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك جفوني وهي دامية
ولا وفّى لك قلبي وهو يحترق
سائق الأظعان يطوي البيد طيّ
منعماً عرّجْ على كثبان طي

صفي الدين الحلي

ويومَ وقفنا للوداع وقد بدا
بوجه يحاكي البدرَ عندَ تمامهِ
شكوتُ الذي ألقى فظلَّ مقابلاً
بُكايَ وشكوى حالتي بابتسامه
بدمعٍ يُحاكي لفظهُ في انتثارهِ
وعتبٍ يُحاكي ثغرهُ في انتظامه
فما رقّ من شكوايَ غير خدودهِ
ولا لانَ من نجوايَ غير قوامه
أبعدتُ عن أرضِ العراقِ ركائبي
علماً بأنّ الحزمَ نعم المُقتنى
لا أخشى من ذلةٍ أو قلّةٍ
عزّي لساني والقناعةُ لي غنى
جبتُ البلادَ ولستُ متخذاً بها
سكناً ولم أرضَ الثريا مسكنا
حتى أنختُ بماردينَ مطيتي
فهناك قال لي الزمانُ :لكَ الهنا
تنّقلْ فلذّاتُ الهوى في التنقلِ
ورِدْ كلّ صافٍ لا تقف عنه منهل
ففي الأرض أحبابٌ وفيها منازل
فلا تبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل
فإذا رُميتَ بحادثٍ في بلدةٍ
جرّدْ حسامكَ صائلاً أو فارحلِ
إن جئتَ سلعاً فسلْ عن جيرةِ العلم
واقرَ السلام على عرب بذي سَلم
بالله لا تقطعوا عنا رسائلكم
فإنّ فيها شفاء القلبِ والبصرِ
وآنسونا بها إن عزَّ قربكم
فالأنسُ بالسّمعِ مثل الأنسُ بالنظر
قد كنتُ أصبرُر والديارُ بعيدةٌ
فاليومَ قد قربت وصبري قاني
ماذاك من عكسِ القياسِ وإنّما
لتضاعف الحسراتِ بالحرمان
رعى الله من فارقت يومَ فراقهم
حُشاشةَ نفسٍ ودّعت يومَ ودّعوا
ومن ظعنت روحي وقد سارَ ظعنهم
فلمأدرِ أيّ الظاعنينَ أُشيّعُ
تُعيّرني الأعداءُ بالبينِ عنهمُ
وما كانَ حكمُ الدهرِ بالبينِ إذني

عبد الصمد بن المعذل

تُرّجي قفولي لها بالغنى
لعلّ المنيّة دونَ القفولِ
رأتْ عَدمي فاسترثت رحيلي
سبيلك إنّ سواها سبيلي

بكر بن النطاح

تطاولَ ليلي بالحجاز ولم أزلْ
وليلي قصيرٌ من الغدواتِ
فيا حبذا برُّ العراقِ وبحرها
وما يجتنى فيه من الثمرات

سعيد بن حميد الكاتب

عَذُبَ الفراقُ لنا غداةَ وداعنا
ثمّ اجترعناهُ كَسُمٍ ناقعِ
فكأنما أثرُ الدموعِ بخدّها
طَلٌّ سقيطٌ فوقَ وردٍ يافعِ
كظاعنةٍ ضَنَتْ بها غربةُ النّوى
علينا ولكن قد يُلمُّ خيالها
تُقرّبها الآمالُ ثمّ تعوقها
مماطلةُ الدنيا بها واعتلالها
ولكنها أمنيّةٌ فلعلّها
يجودُ بها صَرفُ النّوى وانتقالُها

أبو المظفر الأبيوردي

أقولُ لسعدٍ وهو خلّيّ بطانة
وأيّ عظيم لم أنبه له سعدا
إذا نكبت نجداً مطاياك لم أبل
بعيش وإن صادفته خضلاً رغدا
فإنك إن أعرقت والقلب منجد
ندمتَ ولم تشمم عراراً ولا رندا
ولم تردِ الماء الذي زادك النوى
وقد ذقتَ ماء الرافدين به وجدا
وترمي بنا أرضُ الأعاجم ضلّة
فتزداد عمن نشتهي قربه بُعدا
وها أنا أخشى والحوادثُ جمّة
إذا زرتها أن لانرى بعدها نجدا
تقولُ ابنة السعدي وهي تلومني
أما لك عن الدار الهوان رحيل؟
فإن عناءَ المُستنيم إلى الاذى
بحيث يذل الأكرمون طويل
فثِبْ وثبة فيها المنايا أو المنى
فكلّ مُحب للحياةِ ذليلُ
بِمنشط الشيحِ من نجد لنا وطنٌ
لم تجر ذكراه إلا حنَّ مغترب
إذا رأى الأفق بالظلماءِ مختمراً
أمسى وناظرهُ بالدمعِ منتقب
ونشقةٌ من عرار هزَّ لمته
رويحة في سراها كسّها لغبُ
تشفي غليلاً بصدري لا يزحزحه
دمع تهيبُ به الأشواق منسكبُ
والنارُ بالماءِ نُطفاً والهموم لها
في القلب نارٌ بماء الدمع تلتهبُ
أعائدةٌ تلكَ الليالي بذي الغضى
ألا لا وهل يُثنى من الدهرِ ما مضى
إذا ذكرتها باتت كأنّها
على حدِّ سيفٍ بين جنبيَ يُنتضى
فَحِنْ رويداً أيها القلبُ واصطبرْ
فلا يدفعُ الأقدارَ سُخطٌ ولا رضى
تولّى الصِّبا والمالكيةُ أعرضت
وزالَ التصابي والشّبابُ قد انقضى

ابن جزي

وما أنسى الأحبّةَ حينَ بانوا
تخوضُ مطيّهمُ بحرَ الدموعِ
وقالوا: اليومَ منزلنا الحنايا
فقلتُ:نعم،ولكن من ضلوعي

ذو الوزارتين ابن الحكم

ذكرَ اللّوى شوقاً إلى أقمارهِ
فقضى أسىً أو كادَ من تذكارهِ
وعلا زفيرُ حريقِ نارِ ضلوعهِ
فرمى على وجناتهِ بشرارهِ

الخطيب ابن مرزوق

أُودّعكم وأُثني ثمّ أُثني
على ملكٍ تطاولَ بالجميلِ
وأسألُ رغبةً منكم لربّي
بتيسيرِ المقاصدِ والسبيلِ
سلامُ الله يشملنا جميعاً
فقد عزمَ الغريبُ على الرحيل

ابن نباتة المصري

ومنازل بالسفحِ غُيّر رسمها
بمدامعِ العشّاقِ والأنواءِ
لم يبقَ لي غيرَ انتشاقِ نسيمها
يا طولَ خيبةِ قانعٍ بهواءِ
وهل إلى أرضِ مصر زَورةٌ لِشَجٍ
بسائلٍ من دموعِ الشّوقِ مِلحاحِ
وهل أُباكرُ بحرَ النيلِ مُنشرحاً
فأشربُ الحُلوَ من أكوابِ ملّاحِ
وأشتكي النأيَ في بابِ العلاءِ إلى
نِعمَ الملّي بإنجائي وإنجاحي
أمّا زمانُ على مع شذا كِلمي
فقد تجانسَ نَفاعٌ بنّفاحِ
قسماً ما حلتُ عن عهدِ الوفاءِ
بعدَ مصلارَ لا ولا نيلَ بكائي
حبّها تحتي وفوقي ويميني
وشمالي وأمامي وورائي
فهي ستي من جهاتي ولديها
سيدي من حيث ودّي وولائي
يا جفن لست أراك تعرف ما الكرى
فعلام تشكو منه مرّ جفاء
كانت ليالي لذّةٍ فتقلصت
بيدِ الفراقِ تقلص الأفياء
فأبكي حسرةً حيثُ التنائي
وأبكي فرحةً حيثُ اللقاءِ
كأنَّ بكايَ لي عبدٌ مُجيبٌ
فما فرجي إذاً إلا البكاء
أعدْ لي يا رجاءُ زمانَ قرب
بروضتهِ أعد لي يا رجاء
ولثم حصىً لتربتهِ ذكيٌّ
كأنَّ شذاهُ في نفسي كباء
وشكوى كربة فرجت وكانت
من اللاتي يمدّ بها العناءِ
ونفس ذنبها كالنيل مداً
وما لوعود توبتها وفاء
مشوقةٌ متى وعدت بخير
ثقل سينٌ وواوٌ ثم فاء
ولكن حبّها وشهادتاها
من النيرانِ نعمَ الأكفياء

ابن نباتة السعدي

ولّما وقفنا للوداعِ عشيّةً
ولم يبقَ إلا شامتٌ وغيورُ
وقفنا فمنْ باكٍ يكفكفُ دمعهُ
وملتزمٍ قلباً يكادُ يطيرُ
يا حبذا زمنُ الجرعاءِ من زمنٍ
كلّ الليالي فيه ليلةُ العُرسِ

القاضي الجرجاني

لِلمحبينَ من حذارِ الفراقِ
عبراتٌ تجولُ بينَ المآقي
فإذا ما استقلّتْ العيسُ للبَينِ
وسارتْ حُداتُها بالرفاقِ
استهلّتْ على الخدودِ انحداراً
كانحدارِ الجُمان في الاتساق
كمْ مُحبٍ يرى التجلّدَ ديناً
فهو يثخفي من الهوى ما يُلاقي
ازدهاهُ النّوى فأعربَ بالوجدِ
لسانٌ عن دمعهِ المهراق
مالي ومالك يافراق
أبداً رحيل وانطلاق
وانحدارُ الدموعِ في موقفِ البينِ
على الخدِّ آيةُ العُشّاقِ
هَوّن الخطبَ لستَ أوّل صَبٍّ
فضحتهُ الدموعُ يومَ الفراقِ

القاضي الفاضل

ومن عجبٍ أنّي أحنُّ إليهم
وأسألُ شوقاً عنهم وهم معي
وتبكيهم عيني وهم في سوادها
ويشكو النوى قلبي وهم بينَ أضلعي

الشريف المرتضى

ولا تقمْ على الاذى في وطنٍ
فحيث يعدوك الاذى هو الوطن

المهذب بن الزبير

ومالي إلى ماءٍ سوى النيلِ غُلّةٌ
ولو أنّهُ أ أستغفر الله ـ زمزمُ
ولما وقفنا للوداعِ وترجمت
لعينيَ عمّا في الضمائرِ عيناها



يا ربعُ أين ترى الأحبّة يمّموا
هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا
نزلوا من العين السوادَ،وإن نأوا
ومن الفؤادِ مكانَ ما أنا أكتمُ
رحلوا وفي القلب المُعَنّى بعدهم
وجدٌ على مَرِّ الزمانِ مُخيِّمُ
وتعوّضتُ بالأنسِ روحي وحشةٌ
لا أوحشَ الله المنازلَ منهمُ

مطيع بن إياس

أسعِداني، يا نخلتي حُلوانِ
وابكيا لي من ريبِ هذا الزمان
واعلما أن رَيبهُ لم يزل يف
رُق بين الأُلافِ والجيرانِ
ولعمري ،لو ذقتما ألم الفُر
قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أنّ نحساً
سوفَ يلقاكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي
بفراقِ الأحبابِ والخلّانِ

اسحاق الموصلي

صبُّ يحثُّ مطاياهُ بذكركمُ
وليسَ ينساكمُ إن حلَّ أو سارا
لو يستطيعُ طوى الأيامَ نحوكمُ
حتى يبيعَ بعمرِ القُربِ أعمارا
يرجو النجاة من البلوى بقربكمُ
والقربُ يُلهبُ في أحشائهِ نارا
طَربتَ إلى الأُصيبية الصغار
وهاجكَ منهم قربُ المزار
وأبرحُ ما يكونُ الشّوقُ يوماً
إذا دنتِ الديارُ من الديار
ما كنتُ أعرفُ ما في البينِ من حُزنِ
حتى تنادوا بأن قد جىء بالسُّفنِ
قامت تُودّعني والعينُ تغلبها
فجمجمت بعض ما قالت ولم تُبنِ
مالت عليَّ تفدّيني وترشفني
كما يميلُ نسيمُ الريحِ بالغصنِ
وأعرضت ثم قالت وهي باكيةٌ
ياليتَ معرفتي إياكَ لم تكُنِ
لمّا افترقنا على كرهٍ لفرقتها
أيقنتُ أني رهينُ الهمِّ والحَزنِ

تَقّضتْ لباناتٌ وجدَّ رحيلُ
ولم يُشفَ من أهلِ الصفاءِ غليلُ
ومُدّتْ أكفٌّ للوداعِ فصافحت
وفاضتْ عيونٌ للفراقِ تسيلُ
ولابدّ للآلافِ من فيضِ عبرةٍ
إذا ما خليلٌ بانَ عنهُ خليلُ
غداةَ جعلتُ الصبرَ شيئاً نسيتهُ
وأعولتُ لو أجدى عليَّ عويلُ
ولم أنسَ منها نظرةً هاجَ لي بها
هوى منهُ بادٍ ظاهرٌ ودخيلُ
ولمّا رأينَ البينَ قد جدّ جِدّهُ
ولم يبقَ إلا أن تبينَ الركائبُ
دنونا فسلّمنا سلاماً مُخالساً
فردّت علينا أعينٌ وحواجبُ
تصدُّ بلا بُغضٍ ونخلسُ لمحةً
إذا غفلت عنا العيونُ الرواقبُ

أبو الشِّيص

أشاقكَ والليلُ مُلقي الجِرانِ
غرابٌ ينوحُ على غصنِ بانِ
أحمُّ الجناحِ شديد الصياحِ
يُبكي بعينينِ لا تهملانِ
وفي نعباتِ الغراب اغترابٌ
وفي البان بَينٌ بعيدُ التدانِ
لَعمري لئن فزعت مقلتاك
إلى دمعة قَطرُها غيرُ وانِ
فَحقَّ لعينيك ألا تجفَّ
دموعهما وهما تطرفان
ومن كانَ في الحيِّ بالامسِ منك
قريبَ المكانِ بعيدُ المكانِ
فهل لك ياعيشُ من رَجعةٍ
بأيّامكَ المؤنقاتِ الحسان
فيا عيشنا،والهوى مورِقٌ
لهُ غصنٌ أخضر العود دانِ

الخليل بن أحمد الفراهيدي

يقولونَ لي :دارُ الأحبّةِ قد دنتْ
وأنتَ كئيبٌ،إنّ ذا لعجيبُ
فقلت:وما تُغني الديارُ وقربُها
إذا لم يكن بين القلوب قريب؟
إذا ضاقَ بابُ الرزقِ عنك ببلدةٍ
فثمّ بلادٌ رزقها غير ضيّق
وإياكَ والسكنى بدارِ مذلّةٍ
فتسقى بكأسِ الذلّةِ المتدفقِ
فما ضاقت الدنيا عليك برحبها
ولا باب رزق الله عنك بأضيق

خالد الكاتب

شيّعتهمْ فاسترابوني فقلتُ لهم:
إنّي بُعثتُ مع الأجمالِ أحدوها
قالوا:فلم تتنفس هكذا صُعُدا
وما لعينيك ما ترقأ مآقيها؟
قلت:التنفسُ من إدمانِ سيركمُ
والعينُ تسفحُ دمعاً من قذىً فيها

الكيواني(شاعر دمشقي)

كفى حَزناً طولَ اغترابٍ ووحشةٍ
وقلّةُ أعوانٍ وإخفاقُ آمالِ

أمية بن الأسكر

لمن شيخان قد نشدا كلاباً
كتاب الله إن ذكر الكتابا
أناديه ويعرض لي حنينٌ
فلا وأبي كلابٌ ما أصابا
تركت أباك مرعشةً يداه
وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإن أباك حين تركت شيخٌ
يطارد أينقاً شرباً جذابا
إذا رُتعن إرقالاً سراعاً
أثرنَ بكلّ رابيةٍ ترابا
طويلاً شوقه يبكيك فرداً
على حزنٍ ولا يرجو الإيابا
إذا غنت حمامة بطن وجّ
على بيضاتها ذكرا كلابا

عبد الله بن رواحة

عصيتمْ رسولَ الله،أفٍّ لدينكم
وأمركمُ لبسىء الذي كان غاويا
فإنّي وإن عنّفتموني لقائلٌ:
فِدىً لرسولِ الله أهلي وماليا
أطعناهُ لم نعدلهُ فينا بغيرهِ
شهاباً لنا في ظلمة الليلِ هاديا

حبيب بن خدره الهلالي

ألا حبذا عصرُ اللّوى وزمانهُ
إذ الدهرُ سَلْمٌ والجميعُ حلولُ
وإذ للصِّبا حوضٌ من اللهو مُترعٌ
لنا علَلٌ من وردهِ ونهولُ
وإذ نحنُ لم يَعرِض لألفهِ بيننا
تناءً ولا ملَّ الوصالَ ملولُ

وجيه الدولة ابن حمدان

وقد كانَ شكّي للفراقِ يروعني
فكيفَ يكون اليوم وهو يقينُ

الخطيب الحصكفي

ساروا وأكبادنا جرحى وأعيننا
قرحى،وأنفسنا سكرى من القلق
تشكو بواطننا من بعدهم حُرقاً
لكنْ ظواهرنا تشكو من الغَرقِ
يا موحشي الدار مذ بانوا كما أنستْ
بقربهم لا خلتْ من صبيبٍ غَدقِ
إن غبتمْ لم تغيبوا عن ضمائرنا
وإن حضرتم حملناكم على الحدقِ

ابن الطفيل

يا باكياً فرقةَ الأحبابِ عن شَحَطٍ
هلا بكيت فراقَ الروحِ للبدن

شمس الدين الكوفي

عندي لأجلِ فراقكم آلام
فإلام أُعذل فيكم وأُلام

الكمال التنوخي

كم ليلةٍ قد بتها أرعى السّها
جزعاً لفرقتهم بمقلةِ أرمدِ
قضيتها مابينَ نومٍ نافرٍ
وزفير مهجورٍ وقلبٍ مُكمدِ

عبد المهيمن الحضرمي

نفسي الفداءُ لأنسٍ كنتُ أعهدهُ
وطيبِ عيشٍ تقّضى كلّهُ كرمُ
وجيرةٍ كانَ لي إلفٌ بوصلهمُ
والأنسُ أفضلُ ما بالوصل نعتهم
بالشآمِ خلّفتهم ثم انصرفتُ إلى
سواهمُ فاعتراني بعدهم ألمُ
كانوا نعيمَ فؤادي والحياة لهُ
والآنَ كلّ وجودٍ بعدهم عدمُ

مالك بن الريب

فإن تنصفونا يا آل مروانَ نقترب
إليكم وإلا فأذنوا ببِعادِ
فإنَ لنا منكم مراحاً ومزحلاً
بعيسٍ إلى ريح الفلاةِ صوادي
وفي الأرضِ عن دارِ المذلة مذهبٌ
وكلّ بلادٍ أوطنت كبلادي

مجد الملك جعفر بن محمد شمس الخلافة

يا زمانَ الهوى عليكَ السّلامُ
وعليَّ السلوُّ عنكَ حرامُ
أيُّ عيشٍ قطعتهُ فيك لو دا
مَ وهل يُرتجى لظلِّ دوامُ
كنت حِلماً والعيشُ فيكَ خيالاً
وسريعاً ما تنقضي الأحلامُ
لهفَ نفسي على ليالٍ تقّضتْ
سلبتني بُرودها الأيامُ
فطمتني الأقدارُ عنها وليداً
وشديدٌ على الوليدِ الفطامُ
لا تلمني على البكاء عليها
من بكى شجوهُ فليسَ يُلامُ

ابن أبي الإصبع

أكثرتَ عذلي كأنّي كنتُ أوّلَ من
بكى على مسكنٍ أو حنَّ للسكنِ
لا تَلْحَ إنَّ من الإيمانِ عند ذوي
الإيمانِ منا حنينَ النفسِ للوطنِ

ابن الوردي

حبُّكَ الأوطان عجز ظاهر
فاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بدلْ
فبمكثُ الماء يبقى آسناً
وسرى البدر به البدرُ اكتمل
ودّعتني يومَ الفراقِ وقالت
وهي تبكي من لوعة الإفتراق:
ماذا أنتَ صانعٌ بعد بُعدي
قلت قولي هذا لمن هو باقي
رعى الله عيشاً بالمعرة لي مضى
حكاه ابتسام البرق إذ هو أومضا
فما المنحنى ،ما البان،مالسفح، ما النقا
وما رامة عند المعرة ،ما الغضا
فوالله لا فضلّتُ في الأرضِ بقعة
عليها سوى ما فضلّ الله وارتضى
منازلُ كانت مرتعي زمن الصِّبا
فأبعدني المقدور عنها وأنهضا
مراتع آرام،مراتع جيرة
مراتع غزلان معاهد تُرتضى
فلله هاتيك الرُّبى وسفوحها
ولله عمرٌ في سواها ليَ انقضى
وما عن رضىً كانت سواها بديلةً
لها غيرأنّ الدهر مازال مدحضا

أبو الطمحان القيني

أقولُ لقمقام بن زيدٍ ألا ترى
إلى البرقِ يبدو للعيونِ النواظرِ
فإن تبكي للبرقِ الذي هيّجَ البكا
أعنكَ وإن تصبر فلستُ بصابرِ
ألا حنت المرقال واشتاق ربّها
تذكر أرماماً وأذكر معشري

إياس بن القائف

إذا جئتُ أرضاً بعد طولِ اجتنابها
فقدتُ صديقي والبلادُ كما هيا

أبو طاهر الخطيب الموصلي

حَيّ نجداً عنّي ومن حلَّ نجدا
أربُعاً هِجنَ لي غراماً ووجدا
آه والهفتي على طيبِ عيشٍ
كنتُ قطعتهُ وصالاً وودّا
حيثُ عودُ الشّبابِ غضٌّ نضيرٌ
ويدُ المكرماتِ بالجودِ تندى
والخليلُ الودودُ يُنعم إسعافاً
وصَرفُ الزمانِ يزدادُ بُعدا
والليالي مُساعداتٌ على الوصلِ
وعينُ الرقيبِ إذ ذاكَ رمدا

العجاج

واستعجلَ الدهرُ وفيهِ كافِ
لفرقةِ الأحبابِ والآلافِ

أبو دلف العجلي

ولمّا دنتْ عيسُهم للنوى
وظلّتْ بأحداجها ترتِكُ
وكادتْ دموعي يفضحنني
وخِلت دمي عندها يُسفَكُ
ضحكتُ من البينِ مُستعجباً
وشرُّ الشدائدِ ما يُضحِكُ
ومقامُ العزيزِ في بلد الهو
نِ إذا أمكنَ الرحيلُ محال

معقل أخو أبي دلف

لَعمري لئنْ قرّتْ بقربك أعينٌ
لقد سخنت بالبينِ عنك عيونُ
فَسرْ أو أقِمْ وقفٌ عليك مودّتي
مكانك من قلبي عليك مصونُ

أبو بكر الزبيدي

ويحك يا سلم لا تراعي
لابدّ للبينِ من زماعِ
لا تحسبيني صبرت إلا
كصبرِ ميتٍ على النزاعِ
ما خلقَ الله من عذابٍ
أشدّ من وقفةِ الوداعِ

الموفق الإربلي البحراني

رُبَّ دارٍ بالغضى طالَ بلاها
عكف الرّكبُ عليها فبكاها
درستْ إلا بقايا أسطر
سمح الدهر بها ثمّ محاها
كان لي فيها زمانٌ وانقضى
فسقى الله زماني وسقاها
وقفتْ فيها الغوادي وقفة
ألصقتْ حرَّ حياها بثراها
وبكت أطلالها نائبة
عن جفوني أحسنَ الله جزاها
قل لجيران مواثيقهم
كلما أحكمنها رثت قواها
كنتُ مشغوفاً بكم إذ كنتم
لا تبيتُ الليلَ إلا حولها

شجراً لا تبلغُ الطيرُ ذراها
حرسٌ ترشحُ بالموتِ ظباها
وإذا مُدّت إلى أغصانها
كفُّ جانٍ قُطعت دون جناها
فتراخى الامرُ حتى أصبحت
هملاً يطمعُ فيها من يراها
تُخصبُ الارضُ فلا أطرقها
رائداً إلا إذا عزَّ حِماها

ابن مقبل

أأليومَ بانَ الحيُّ أم واعدوا غدا؟
وقد كان حادي البينِ بالبينِ أوعدا

علي بن مقرب

وما غربةٌ عن دارِ ذلٍ بغربةٍ
لو أنّ الفتى أكدى وغثّتْ مآكله
وللموتُ أحلى من حياةٍ ببلدةٍ
يرى الحرُّ فيها الغبنَ ممّنْ يُشاكله

محيى الدين بن عربي

قِفْ بالطلولِ الدارسات بلعلع
واندبْ أحبّتنا بذاك البلقع
قِفْ بالديارِ وناجها متعجباً
منها بحسنِ تلطف وتفجعِ
عهدي بمثلك عند بانك قاطعاً
ثمر الخدود وورد روض أينع

الشريف بركات

هذي المنازلُ أنِخْ يا سائقَ الإبلِ
وانزل بعيسكَ بين البانِ والاسلِ
وانشدْ فؤاداً غدا صبّاً بكاظمةٍ
بينَ الظبا صرعتهُ أسهمُ المُقلِ
ناشدتُكَ الله يا من لحّ في عذلي
وقادني حبّهُ طوعاً إلى أجلي
لا ترحلنَّ فما أبقيتَ من جَلدي
ما أستطيعُ بهِ توديعَ مُرتحلِ
ولا من النوم ما ألقى الخيالُ بهِ
ولا من الدمعِ ما أبكي على طللِ
أقسمتُ بالبيتِ والأركانِ قاطبةً
والمشعرينِ ومن لبّى على الجبلِ
لأنتَ عندي ولو ساءت ظنونكَ بي
أحلى من الأمنِ عند الخائفِ الوجلِ

أبو زرعة الدمشقي

رحلوا فعاجَ على الربوعِ
يبكي إلى وقتِ الرجوعِ
ما ودّعوا بل أودعوا
ناراً توّقدُ في الضلوعِ
هجروا فغادَ بِمُقلةٍ
ممنوعةٍ طيبَ الهجوعِ
والعينُ تنظرُ لحظها
بينَ التلفتِ والدموعِ

أبو عامر بن الحمارة

أركبانَ أنضاءِ السِّفارِ ألا قفوا
رسومَ المطايا في رسومِ المنازلِ
نُسائلُ متى عهدَ الديارِ سكنها
وإن كُنَّ خرساً ما يبنَّ لسائلِ
ألا ليتَ شعري هل تعود كعهدنا
ليالٍ طويناهُنَّ طيَّ المراحلِ
إذا ذكرتها النفسُ كادت من الاسى
تسرّبُ في أولى الدموع الهوامل

أبو الفرج بن هندو

قَوِّضْ خيامكَ عن دارٍ ظُلمتَ بها
وجانبِ الذلَّ،إنّ الذلَّ يُجتنبُ
وارحلْ إذا كانت الأوطانُ منقصةٌ
فالمندلُ الرّطبُ في أوطانهِ حطبُ

الشاهيني القبرسي الدمشقي

رحلتُ عنهم ولي في كلِّ جارحةٍ
مني لسانٌ عليهم يشتكي وفمُ

أبو الغول(شاعر عباسي)

إذا الريحُ من نحوِ الحبيبِ تَنّسمتْ
بُعيدَ صلاةِ العصرِ طابَ نسيمها
وهَبّتْ بأحزانٍ لنا،وتذكرتْ
بها النفسُ أشجاناً توالى همومها
وظلَّ يدقُّ القلبُ أن نسمت لهُ
وفاضَ لها عينٌ طويلٌ سُجومها
وحنّتْ بناتُ القلب مني وأقبلتْ
عليّ حديثاتُ الهوى وقديمها

العباس الناشىء

بكت للفراقِ فقد راعني
بكاءُ لبحبيبِ لِبعدِ الديار

مكلف بن نميلة المزني

تذكرَ ليلى أمَّ بكرٍ وذِكرها
جوىً بينَ أطلاحِ الضلوعِ وداءُ
وما ذِكرُ ليلى أمِّ بكرٍ إذا نأتْ
بها الدارُ إلا حسرةٌ وعناءُ

سيف الدولة الحمداني

رُبّ هجرٍ يكونُ من خوفِ هجرٍ
وفراقٍ يكونُ خوفَ فراقِ
وعرفتُ أيامَ السرورِ فلم أجدْ
كرجوعِ مشتاقٍ إلى مشتاق

هبة الله بن عزم

لا عزَّ للمرءِ إلا في مواطنهِ
والذلُّ أجمعُ يلقاهُ من اغتربا

ابن عبد ربه

إنّ يومَ الفراقِ أفظع يوم
ليتني متُّ قبلَ يومِ الفراقِ

ابن الهبارية

قالوا أقمتَ وما رُزقتَ وإنّما
بالسيرِ يكتسبُ اللبيبُ ويرزقُ
فأجبتهم ما كلّ سيرٍ نافعاً
الحظُّ ينفعُ لا الرحيلُ المعلقُ
كم سفرةٍ تعقب وأخرى مثلها
ضرّت ويكتسبُ الحريصُ ويخفقُ

سابق البربري

لا ألفينكَ ثاوياً في غربةٍ
إنّ الغريبَ بكل سهمٍ يُرشقُ

علي عبد العزيز الفقيه الشافعي

يا نفسُ موتي بعدهم
فكذا يكونُ الاشتياق

علي بن مهدي الكسروي

ومودِّعٍ يومَ الفراقِ بلحظهِ
شَرِقٍ من العبراتِ ما يتكلمُ

مروان بن أبي الجنوب

سقى الله نجداً والسلامُ على نجد
ويا حبذا نجدٌ على القُربِ والبُعدِ

يحيى بن طالب الحنفي

إذا ارتحلت نحوَ اليمامةِ رفقةٌ
دعاك الهوى واهتاجَ قلبُكَ للذكرِ
كأنّ فؤادي كلّما مرَّ راكبٌ
جناحُ غرابٍ رامَ نهضاً إلى وكرِ
أقولُ لموسى والدموع كأنّها
جداولُ ماءٍ في مساربها تجري
ألا هل لشيخٍ وابنِ ستين حِجّةً
بكى طرباً نحو اليمامة من عذرِ؟
تعزَّيتُ عنها كارهاً فتركتها
وكان فراقيها أمرَّ من الصّبرِ

أبو سليمان الخطابي

وما غربة الإنسان في شقة النوى
ولكنها والله في عدمِ الشَكلِ
وإنّي غريب بين بست وأهلها
وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

ابن بسام البغدادي

وإن نبا منزلٌ بِحرٍ
فمن مكانٍ إلى مكانِ
لا يثبتُ الحرُّ في مكانٍ
يُنسبُ فيه إلى الهوان

عبد الوهاب البغدادي المالكي

سلامٌ على بغداد في كلّ موطنٍ
وحقّ لها مني سلامٌ مضاعفُ
فوالله ما فارقتها عن قِلىً لها
وإنّي بشطّي جانبيها لعارِفُ
ولكنّها ضاقتْ عليَّ بأسرها
ولم تكن الأرزاقُ فيها تساعفُ
وكانتْ كَخِلٍ كنت أهوى دنوهُ
وأخلاقهُ تنأى به وتخالفُ

أبو المطاع بن حمدان

وقد كانَ شكّي في الفراقِ يروعني
فكيفَ أكون اليوم وهو يقينُ؟
فوالله ما فارقتكم قالياً لكم
ولكن مايُقضى فسوف يكونُ

نجم الدين الحرّاني

وأشتاقكم يا أهلَ ودّي وبيننا
كما زعم البينُ المُشتُّ فراسخ
فأمّا الكرى عن ناظري فَمُشرّد
وأما هواكمْ في فؤادي فراسخ

ولادة بنت المستكفي

تمرُّ الليالي ولا أرى البينَ ينقضي
ولا الصّبرَ من رِقِّ التشوقِ مُعتقي
سقى الله أرضاً قد غدتْ لك منزلاً
بكلِّ سكوبٍ هاطلِ الوبلِ مُعذقِ

تميم بن المعز الفاطمي

قالت وقد نالها للبينِ أوجعه
والبينُ صعبٌ على الاحبابِ موقعه
اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت
قواهُ عن حملِ مافيهِ وأضلعه
كأنني يوم ولّت ـ حسرةً وأسفاً ـ
غريقُ بحرٍ يُرى الشاطىء ويُمنعه

محمد بن بشير الخارجي

ماذا تُعاتبُ من زمانكَ إذ
ظعنَ الحبيبُ وحلَّ بي كمده

عبد الله الإدكاوي

عقيقُ دمعي غدا في الجزع كالديمِ
مذ بانَ سكانُ بانِ الحيِّ والعَلمِ
وانهلّ منسجماً من نار مضطرم
ملآن وجداً إلى خِشفٍ بذي سَلَمِ

الحسن بن شاور

قلدّتُ يومَ البينِ جيدَ مودّعي
دُرراً نظمتُ عقودها من أدمعي
وحدا بهم حادي المطيِّ فلم أجدْ
قلبي ولا جَلَدي ولا صبري معي
يا نفسُ قد فارقتِ يومَ فراقهم
طيبَ الحياةِ ففي البقا لا تطمعي
هيهاتَ يرجعُ شملنا بالاجرعِ
ويعود أحبابي الألى كانوا معي
فلقد عدمتُ الصبر يوم فراقكم
وتضرَمتُ نار الأسى في أضلعي
يا نازحينَ فهل لكم من عودةٍ
نزحَ التفرّقُ ما بقي من مدمعي
لو لم تعودوا للديارِ وترجعوا
لهلكتُ من شوقي وفرط توجعي

عبد الله الجعدي

فإن تجف عني أو تزرني إهانة
أجد عنكَ في الأرض العريضة مذهب

عبد العزيز الماجشون

لله باكٍ على أحبابهِ جزعا
قد كنت أحذر هذا قبل أن يقعا
ما كانَ والله شؤم الدهر يتركني
حتى يُجرّعني من بعدهم جرعا
إن الزمان رأى إلف السرور لنا
فدبَّ بالبينِ فيما بيننا وسعى
فليصنع الدهر بي ماشاءَ مجتهداً
فلا زيادة شىء فوق ما صنعا

عمر بن أحمد

أتى الرحيلُ فحين جد ترحلّت
مهجُ النفوسِ له عن الأجسادِ
من لم يبت والبين يصدّع قلبه
لم يدرِ كيفَ تفتت الأكباد

عبد اللطيف البغدادي (من فلاسفة الإسلام وله كتاب قوانين البلاغة)

قالت وقد نالها للبين أوجعه
والبينُ صعب على الأحباب موقعه
اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت
قواه عن حملِ مافيهِ وأضلعه
واعطف على المطايا ساعة فعسى
من شتت شمل الهوى بالبين يجمعه
كأنني يوم ولّت حسرةً وأسىً
غريق بحر يرى الشاطىء ويُمنعه

ابن البديري

قفا حاديى ليلى فإني وامق
ولا تعجلا يوماً على من يفارق
وزُما مطاياها قبيل مسيرها
ليلتذ منها بالتزود عاشق
ولاتزجروا بالسوق أظعان عيسها
فإن حبيبي للظعائن سائق
ولما التقينا والغرام يذيبنا
ونحن كلانا في التفكر غارق
وقفنا ودمع العين يحجب بيننا
تسارقني في نظرةٍ وأسارق
فلا تسألا ما حلّ بالبينِ بيننا
ولا تعجبا أنّا مشوق وشائق
ولم أستطع يوم النوى ردّ عبرة
فؤادي أسى من حرّها يتقطّع
فقالخليلي إذ رأى الدمع دائماً
يفيضُ دماً من مقلتي ليس يُدفع
لئن كان هذا الدمعُ يجري صبابة
على غير ليلى فهو دمع مضيّع

ابن جبير الشاطبي

لاتغترب عن وطنٍ
واذكر تصاريفَ النوى
أما ترى الغصنَ إذا
ما فارقَ الاصلَ ذوى

الجويرية العبدي

سلّمنَ نحوي مُودّعينَ بمقلةٍ
فكأنما نظرت…
وقرأن نحوي مودعين تحيةً
كادت تُكلمنا وإن لم تعربِ

المُهوّل

وكلُّ مصيبلت الزمان وجدتها
سوى فرقةِ الأحباب هينةُ الخطبِ

المأموني الشاعر

يا ربع لو كنت دمعاً فيك منسكباً
قضيت نحبي،ولم أقض الذي وجبا
لا ينكرون ربعك البالي بِلى جسدي
فقد شربت بكأس الحب ما شربا
ولو أفضت دموعي حسب واجبها
أفضت من كلّ عضو مدمعاً سربا
عهدي بعهدك للذات مرتبعاً
فقد غدا لفؤادي السحب منتحبا

خليل شيبوب

هواك بصدري حادث وقديم
وعهدك عهدي راحل ومقيم
وأنت كما شاء الجمال حبيبه
وأمّ كما شاء الحنان رؤوم
فلو نطقت فيك الحجارة حدّثت
عن المجد مرفوع اللواء عظيم

الأرقط بن دعبل

نهنه دموعك من سحّ وتسجام
البين أكثر من شوقي وأسقامي
وما أظن دموع العين راضية
حتى تسحّ دماً هطلاً بتسجام

عبد الغني النابلسي

هذي حماةُ التي ما مثلها بلدٌ
لِكُلِّ دانٍ من الأهلينَ أو قاصي
ترقُّ قلباً لأحوال الغريب بها
حتى نواعيرها تبكي على العاصي

عبد الله بن نمير

تعزَّ بصبر لا وجدِّك لن ترى
عراص الحمى إحدى الليالي الغوابر
كأنَّ فؤادي من تذكره الحمى
وأهل الحمى يهفو به ريش طائر

عمارة بن عقيل

لَعمرُكَ ما النائي البعيد بنازحٍ
إذا قَرُبتْ ألطافهُ ونوافلهْ
ولكنّما النائي البعيد مُحَجبٌ
قريبٌ ولا تُهدى إلينا رسائله
وما ضرّنا أنّ السِّماكَ مُحلّقٌ
بعيدٌ إذا جادت علينا هواطله

أحدهم

سأرحلُ عن دارِ الهوانِ مُشمراً
إلى حيثُ لا ذلاً أخافُ ولا ظلما
ولما تبدّت للرحيلِ جمالنا
وجَدَّ بنا سير وفاضت مدامع
تبدّتْ لنا مذعورة من خبائها
وناظرها باللؤلؤ الرطب دامع
أشارتْ بأطرافِ البنان وودّعت
وأومت بعينيها متى أنت راجع
فقلت لها والله ما من مسافر
يسير ويدري ما به الله صانع
فشالت نقاب الحسن من فوق وجهها
فسالت من الطرف الكحيل مدامع
وقالت إلهي كن عليه خليفة
فيا ربّ ما خابت لديك الودائع
لئن بكيتُ دماً والعزمُ من شيمي
على الخليطِ فقد يبكي الحسام دما
يا زمانَ الخَيفِ هل من عودةٍ
يسمح الدهر بها من بعد ضَنِّ
أرَضينا بِثنيات اللوى
عن زرود؟يالها من صفقة غبن!
سلْ أراكَ الجزع هل جادت به
مزنةٌ روّت ثراها مثل جفني
وأحاديث الغضى هل علمت
أنها تملك قلبي قبل أذني
لستُ أرتاعُ لخطبٍ نازلٍ
إنما الخوفُ لقلب مطمئن
مددتُ إلى التوديعِ كفاً ضعيفة
وأخرى على الرمضاءِ فوق فؤادي
فلا كان هذا آخر العهد منكمُ
ولا كان ذا التوديع آخر زادي
إذا دنت المنازل زاد شوقي
ولا سيما إذا بدت الخيام
فلمح العين دون الحيِّ شهرٌ
ورجع الطرف دون السير عام
وقفتُ يزمَ النوى منهم على بعد
ولم أودّعهم وجداً وإشفاقاً
إني خشيتُ على الأظعانِ من نفسي
ومن دموعي إحراقاً وإغراقا
أذكرْ مجالسَ من بني أسدٍ
بعدوا فحنَّ إليهمُ القلبُ
الشّرقُ منزلهم ومنزلنا
غربٌ وآنّى الشرق والغربُ
وقالت نساءُ الحيِّ أينَ ابن أختنا
ألا خبرونا عنهُ حُييتم وفدا
رعاه ضمان الله هل في بلادكم
أخو كرم يرعى لذي حسب عهدا
فإن الذي خلفتموه بأرضكم
فتى ملأ الأحشاء هجرانه وجدا
أبغداد كم تنسيه أروند مربعاً
ألا خابَ من يشري ببغداد أروندا
فدتهن نفسي لو سمعن بما أرى
رمى كل جيدٍ من تنهده عقدا
ودّعتهم من حيثُ لم يعلموا
ورُحتُ والقلبُ بهم مُغرمُ
سألتهم تسليمة منهمُ
عليَّ إذا راحوا…فما سلّموا
واستحسنوا ظلمي فمن أجلهم
أحبَّ قلبي كلَّ من يظلمُ
ألا خلّني أمضي لشأني ولا أكنْ
على الأهلِ كَلاً إن ذا لشديد
تهينني ريب المنون ولم أكن
لأهرب عما ليس منه محيد
فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي
وقيل إذا أخطأت أنت رشيد
فدعني أجول الأرض عمري لعلّه
يسرُّ صديق أو يُغاظ حسود
جفني لطيبِ الكرى يا صاح قد هجرا
ودمعُ عيني دماً يومَ الفراقِ جرى
ومقلتي من جفا الأحبابِ باكيةً
ترعى النجومَ وباتت ليلها سهرا
وإذا الديارُ تنكرّتْ عن أهلها
فدعِ الديارَ وبادر التحويلا
ليسَ المُقامُ عليكَ فرضاً واجباً
في منزلٍ يدعُ العزيزَ ذليلا
وإذا المسافرُ آب مثلي مفلساً
صفر اليدين من الذي رجّاهُ
وخلا من الشىء الذي يهديه
للأخوان عند لقائهم إياه
لم يفرحوا بقدومه وتثّقاوا
بوروده وتكرّهوا لقياه
وإذا أتاهم قادماً بهدية
كان السرور بقدر ما أهداه
بأبي امرؤٌ،والشامُ بيني وبينهُ
أتتني ببشرى،بردهُ ورسائله
ألا بلّغَ الله الحمى من يُريدهُ
وبلّغَ أكنافَ الحِمى من يُريدها
ودارُ هوانٍ أنفتُ المُقامَ
بها فحللتُ محلاً كريماً
تَغرّبَ يبغي اليُسرَ،ليسَ لنفسهِ
خصوصاً،ولكن لإبنِ عمٍ وصاحبِ
رأى العجزَ في طولِ الثواءِ بلا غنىً
فأعملَ فيهِ يَعملاتِ الركائبِ
يا ديارَ السّرورِ لازالَ يبكي
فيكِ إذ تضحكُ الرياضُ غمام
رُبَّ عيشٍ صَحبتهُ فيكِ غضٍّ
وعيونُ الفراقِ عنّا نيامُ
في ليالٍ كأنهنَّ أمانٍ
في زمانٍ كأنّهُأحلامُ
وكأنّ الأوقاتَ فيكِ كؤوسٌ
دائراتٌ وأنسهنَّ مُدامُ
زمنٌ مُسعدٌ وإلفٌ وَصولٌ
ومنىً تستلذها الأوهام
فهل من مُعيرٍ طرفَ عينٍ جَليّةٍ
فإنسانُ طرفِ العامريّ سقيمُ
رمى قلبهُ البرقُ المُلالي رميّةً
بذكرِ الحِمى وهناً فباتَ يهيمُ
فلم تنأ دارٌ من مُرجىً إيابهُ
وتنأى بمن رُصَتْ عليهِ الصفائحُ
يَسُبُّ غرابَ البينِ ظلماً معاشرٌ
وهم آثروا بُعدَ الحبيبِ على القُربِ
سنرجعُ إن عشنا ونقضي أذمّةً
فكم من فراق كانَ داعيةَ الوصلِ
سلوا مِضجعي هلْ قَرَّ من بعدِ بُعدكم
وهلْ عرفت طعمَ الرّقادِ جفوني
سهرنا بنعمانٍ ونمتم ببابلٍ
فيا لعيونٍ،ما وفتْ لعيونِ
فإن يكُنِ الفراقُ عدا علينا
ففاقمَ شَعبنا بعدَ اتفاقِ
فكلُّ هوىً يصيرُ إلى انقضاءٍ
كما صارَ الهلالُ إلى محاقِ
فإن تكُ قد نأتْ ونأيتُ عنها
وفرّقَ بيننا حدثُ الشّقاقِ
فكلُّ قرينة وقرينِ إلفٍ
مصيرُهما إلى آمدِ الفراقِ
ولما برزنا لتوديعهم
بكوا لؤلؤاً وبكينا عقيقاً
أداروا علينا كؤوسَ الفراقِ
وهيهاتَ من سكرها أن نفيقا
تولّوا فأتبعتهم أدمعي
فصاحوا الغريق وصحتُ الحريقا
لئن عادَ جمعُ الشّملِ في ذلكَ الحمى
غفرتُ لدهري كلّ ذنبٍ تقدّما
وإن لم يعدْ منيّتُ نفسي بعودةٍ
وماذا عسى تُجدي الأماني وقلّما
يحقُّ لقلبي أن يذوبَ صبابةً
وللعينِ أن تجري مدامعها دماً
على زمنٍ ماضٍ بهم قد قطعتهُ
لبستُ بهِ ثوبَ المسرّة مُعلما
كتمتُ شأنَ الهوى يومَ النوى فوشى
بِسرّهِ من جفوني أيّ نمامِ
كانت لياليَّ بيضاً في دنوهمُ
فلا تسلْ بعدهم عن حالِ أيامي
ضنيتُ وجداً بهم والناسُ تحسبُ بي
سُقماً فأُبهمَ حالي عند لُوّامي
وليسَ أصلُ ضنى جسمي النحيل سوى
فرط اشتياقي لأهل الغربِ والشام
وقفنا فسلّمنا سلامَ مُودعٍ
فردّتْ علينا أعينٌ وحواجبُ
لم أنسَ أياماً مضتْ ولياليا
سلفتْ وعيشاً بالصريم تصرّما
إذ نحنُ لا نخشى الرقيبَ ولم نحف
صرفَ الزمانِ ولا نُطيعُ اللّوما
والعيشُ غضٌّ والحواسدُ نُوّمٌ
عنا وعينُ البينِ قد كُحلت عمى
صبا الربقُ نجدياً فهاجَ صبابتي
كأنّي لنجديِّ البروقِ نسيبُ
إذا هاجَ برقُ الغَورِ غورِ تهامةٍ
تهيّجَ من شوقي عليَّ ضروبُ
سلامٌ على أهلِ الودادِ وعهدهم
إذا الأنسُ روضٌ والسرورُ فتونُ
رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرَبوا
ففاضت لروعاتِ الفراقِ عيونُ
سأبعدُ ضارباً في الأرضِ حتى
أفوتَ الفقر،أو يفنى الطريقُ



ولا ألفى على الإخوانِ كَلاً
يُلُّهمُ غُدويِّ والطروقُ
تذكرتُ قومي خالياً فبكيتهم
بشجوٍ،ومثلي بالبكاءِ جديرُ
فعزّيتُ نفسي وهي إذا جرى
لها ذكرُ قومي آنةٌ وزفيرُ
لا تكترثْ بِفراقِ أوطانِ الصِّبا
فعسى تنالُ بغيرهنَّ سُعودا
فالدرُّ يُنظمُ عند فقدِ بحارهِ
بجميلِ أجيادِ الحسانِ عقودا
وإن بلدة أعيا عليّ طلابها
صرفتُ لأخرى رحلتي وركابي
بلادي التي أهلي بها وأحبّتي
وقلبي وروحي والمنى والخواطرُ
تُذكرّني أنجادُها ووهادُها
عهوداً مضتْ لي وهيَ خضرٌ نواضرُ
إذا العيشُ صافٍ والزمانُ مساعدٌ
فلا العيشُ مملولٌ،ولا الدهرُ جائرُ
بحيثُ ليالينا كَغضِّ شبابنا
وأيامنا سلكٌ ونحنُ جواهرُ
ليالي كانت للشبيبة دولةٌ
بها مَلِكُ اللذاتِ ناهٍ وآمرُ
سلامٌ على تلكَ العهودِ فإنها
موارِدُ أفراحٍ تلتها مصادرُ
همّ يشوقني إلى طلبِ المنى
وهوى يشوقني إلى الأوطانِ
تُذَكِّرُ صيفاً قد مضى بعدَ مربعٍ
مضى قبلَهُ سُقياً لتلكَ المرابعِ
فلا تذهبنَّ النّفسُ وجداً وحسرةً
على عُصُرٍ ليست لنا برواجعِ
ألا قاتلَ الله النّوى كيفَ أصبحت
ألحَّ عليها يا بُثينَ صريرُها
حنينٌ وتلكَ الدارُ نُصبَ عيونِنا
فكيفَ إذا سرنا مع صحبنا شهرا؟
أأحبابنا بِنتم عن الدارِ فاشتكتْ
لِبُعدكم آصالها وضحاها
وفارقتُم الدارَ الانيسة فاستوتْ
رسومُ مبانيها وفاحَ كلاها
كأنّكم يومَ الفراقِ رحلتم
بنومي فعيني لا تُصيبُ كراها
وكنتُ شحيحاً من دموعي بقطرة
فقد صرتُ سمحاً بعدكم بِدماها
يراني بسّاماً خليلي يظن بي
سروراً وأحشاي السقام ملاها
وكم ضحكة في القلب منها حرارة
يشبّ لظاها لو كشفتُ غطاها
رعى الله أياماً بطيبِ حديثكم
نقضت وحياها الحيا وسقاها
فما قلت إيها بعدها لمسامر
من الناسِ إلا قال قلبي آها
وما جزعاً من خشيّةِ البينِ أخضلت
دموعي،ولكن الغريب غريب
إذا نبا بي منزلٌ جُزتهُ
واعتضتُ منهُ منزلاً أسهلا
وإن سئمتُ المكثَ في بلدةٍ
قوّضتُ عن ساحتها الارحلا
قلْ لحادي المطيِّ رفقاً قليلاً
يجعلُ العيسَ سيرهنَّ ذَميلا
لا تسقها على السبيلِ ودعها
يهدها شوقُ من عليها السبيلا
بلادٌ بها حلَّ الشّبابُ تمائمي
وأول أرض مسَّ جلدي ترابها
ومُشتت العزماتِ لا يأوي إلى
سَكنٍ ولا أهلٍ ولا جيرانِ
ألِفَ النوى حتى كا،َّ رحيلَهُ
للبينِ رحلتهُ إلى الأوطانِ
رُحتُ يومَ الفراقِ أضحكُ حُزناً
ولفيضِ السرورِ يبكي المُروعُ
وكذا في اللقاءِ أبكي هناءً
ولفرطِ السرورِ تهمى الدموعُ
ولقد ندمتُ على تفرّقِ شملنا
دهراً وفاضَ الدمعُ من أجفاني
ونذرتُ إن عاد الزمانُ يلمنا
لا عدت أذكر فرقة بلساني
هجمَ السرورُ عليَّ حتى أنّهُ
من فرطِ ما قد سرّني أبكاني
يا عينُ صارَ الدمعُ منك سجيّة
تبكينا من فرحٍ ومن أحزانِ
يا ربعُ مالكَ لا تُجيبُ مُتيّماً
قد عاجَ نحوكَ زائراً ومُسلّما
جادتكَ كلُّ سحابةٍ هطّالةٍ
حتى ترى عن زهرهِ مُتبسما
لو كنت تدري من دعاكَ أجبتهُ
وبكيت من حُرقٍ عليهِ إذاً دما
يا نسيماً هبَّ من وادي قبا
خبرينيكيف حال الغربا
كم سألتُ الدهرَ أن يجمعنا
مثل ما كنا عليه فأبى
لا تُعِدْ قصةَ الفراقِ كثيراً
وتسلَّ عنها تجد فؤادكَ سالي
رُوِّعتُ بالبينِ حتى ما أُراعَ لهُ
وبالمصائبِ في أهلي وجيراني
لم يترك الدهرُ عِلقاً أضنُّ بهِ
إلا اصطفاني بنأيٍ أو بهجرانِ
رُوِّعتُ حتى ما أُراعُ من النوى
وإن بانَ جيرانٌ عليَّ كرامُ
فقد جعلتْ نفسي على النأي تنطوي
وعيني على فقدِ الحبيبِ تنامُ
لَعمرُكَ ما الهجرانُ أن تبعدَ النوى
بإلفينِ دهراً ثمَّ يلتقيان
ولكنّما الهجرانُ أن تجمعَ النوى
ويُمنعُ مني من أرى ويراني
وما زلت مذ شطّت بك الدارُ باكياً
أُؤمل منك العطف حين تؤوبُ
فأضعفت ما بي حين أُبتَ وزدتني
عذاباً وإعراضاً وأنتَ قريبُ
ومن ينأى عن دارِ الهوى يُكثر البكا
وقولَ لعليَّ أو عسى سيكونُ
وما اخترتُ نأيّ الداترِ عنك لسلوةٍ
ولكن مقاديرٌ لهنَّ شؤونُ
ليسَ ارتحالُكَ ترتادُ الغنى سفراً
بل المُقام على خَسفٍ هو السفر
لمّا أناخوا قُبيلَ الصُبحِ عيسهمُ
وحملّوها وسارتْ بالهوى الإبلُ
وقلّبتْ من خلالِ السّجفِ ناظرها
ترنو إليَّ ودمعُ العينِ منهملُ
وودّعتْ ببنانٍ عَقدهُ عَنَمٌ
ناديتُ لا حملتْ رجلاكَ يا جملُ
ويلي من البينِ ماذا حلَّ بي وبها
يا نازحَ الدار حلَّ البينُ وارتحلوا
يا راحلَ العيسِ عرّجْ كي أوّدعهم
يا راحلَ العيسِ في ترحالكِ الأجلُ
إنّي على العهدِ لم أنقض موّدتهم
يا ليتَ شعري بطولِ العهدِ ما فعلوا
غريبُ الدارِ ليسَ لهُ صديقٌ
جميعُ سؤالهِ:كيفَ الطريق؟
تعلّق بالسؤالِ بكلِّ شىءٍ
كما يتعلقُ الرجلُ الغريقُ
أزِفَ الفِراقُ فأعلني جزعاً
ودعي العتابَ فإننا سَفرُ
إنّ المُحبَّ يصدُّ مقترباً
فإذا تباعدَ شفّهُ الذِكرُ
مامنْ غريبٍ وإن أبدى تجلّدهُ
إلا تذكرَ عند الغربةِ الوطنا
إذا ما قفلنا نحو نجدٍ وأهلِهِ
فَحسبي من الدنيا قفولي إلى نجدِ
وباكيةٍ للبينِ قلتُ لها اصبري
فللموت خيرٌ من حياةٍ على عُسرِ
سأكسبُ مالاً أو أموت ببلدةٍ
يقلّ بها فيض الدموعِ على قبري
كأن لم يكنْ بينَ الحجونِ إلى الصّفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامرُ
بل نحن كنّا أهلها فأبادنا
صروفُ الليالي والجدودُ العواثر
فصرنا أحاديثاً وكنّا بغبطةٍ
كذلكَ عضّتنا السنونُ الغوابرُ
لولا الدموعُ وفيضهنَّ لأحرقتْ
أرض الوداعِ حرارةُ الأكباد
يُسرُ الفتى وطنٌ لهُ
والفقرُ في الأوطانِ غربة
إنّ الغريبَ إذا ينادي موجعاً
عند الشدائدِ كانَ غير مُجابِ
فغذا نظرتَ إلى الغريبِ فَكنْ لهُ
متراحماً لتباعدِ الأحبابِ
ودواءُ مالا تشتهيه
النفسُ تعجيلُ الفراق
إنّ الغريبَ ولو يكون ببلدةٍ
يُجبى إليه خراجها لغريبُ
وأقلّ ما يلقى الغريبُ من الاذى
أن يستذلّ وقولهُ مكذوبُ
أزِفَ الرحيلُ فحينَ جدَّ ترحلّتْ
مهجُ النفوسِ لهُ عن الأجسادِ
من لم يبتْ والبينُ يصدعُ قلبهُ
لم يدرِ كيفَ تفتتُ الأكبادِ
مددتُ إلى التوديعِ كفّاً ضعيفةً
وأخرى على الرّمضاءِ فوق فؤادي
فلا كانَ هذا آخرُ العهدِ منكمُ
ولا كانَ ذا التوديع آخر زادي
بلادي وإن جارتْ عليَّ عزيزةٌ
وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كرامُ
أما الخيامُ فإنّها كخيامهم
وأرى نساءَ الحيِّ غير نسائها
ذكرتُ بلادي فاستهلّت مدامعي
بشوقي إلى عهد الصّبا المتقادمِ
حننتُ إلى أرضٍ بها اخضر شاربي
وقطع عني قبل عقد التمائمِ
شخوص الفتى عن منزل الضيم واجب
وإن كان فيه أهلهُ والأقارب
وللحرِّ أهل إن نأى عنه أهله
وجانب عزّ إن نأى عنه جانب
ومن يرض دار الضيم داراً لنفسه
فذلك في دعوى التوكل كاذب
كفى حزناً أني مقيمٌ ببلدةٍ
أخلايَّ عنها نازح فبعيد
أُقلّبُ طرفي في الديارِ فلا أرى
وجوه أحبائي الذين أريد
قريشي منكمُ وهوايَ معكم
وإن كانت زيارتكم لِماما
ألا يانخلة من ذاتِ عِرقٍ
بَرودِ الظلِّ شاعكم السلام
تذكرَ نجداً والحديث شجون
فَجُنّ اشتياقاً والجنونُ فنونُ
وما الدهرُ إلا هكذا فاصطبر له
رزيئة مالٍ أو فراقُ حبيبِ
والقَطرُ منهملٌ يسّحُ كأنّهُ
دمعُ المودّع إثرَ إلفٍ سائرِ
فيا وجدَ قلبي يوم أتبعتُ ناظري
سليمى وجادتْ بعدها عبراتي
أُلامُ على فيضِ الدموعِ وإنني
بفيضِ الدموعِ الجاريات جديرُ
أيبكي حَمامُ الأيكِ من فقدِ إلفهِ
وأصبرُ عنها إنني لصبورُ
وما زلتُ أقطع عَرضَ الفلاة
من المشرقين إلى المغربين
وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً
وأستمطرُ الجَديَ والفرقدين
وأطوي وأنشرُ ثوبَ الهموم
إلى أن رجعتُ بِخُفيِّ حنين
فقيراً وقيراً أخا عُسرةٍ
بعيداً من الخيرِ صفرَ اليدين
كئيبَ الصديق بهيجَ العدو
طويل الشّقاءِ زاني الوالدين
ولو قضى الله للمنونِ بحتفٍ
صيّرَ البينَ للمنونِ مَنونا
بلدٌ طابَ لي بهِ الأنسُ حيناً
وصفا العَودُ فيهِ والإبداءُ
فسقت عهده العهادُ وروّت
منهُ تلكَ النوادي الأنداء
ولنا بهاتيك الديارِ مواسمٌ
كانت تُقامُ لطيبها الأسواقُ
فأباننا عنها الزمانُ بسرعةٍ
وغدتْ تُعللنا بالأشواقِ
ناداهما بفراق بينهما الزمان فأسرعا
وكذاك لم يزل الزمانت مفرقاً ما جمعا
أحِنُ إذا خلوتُ إلى زمانٍ
تقضّى لي بأفنية الربوع
وأذكرُ طيبَ أيامٍ تولّت
لنا فتفيضُ من أسفٍ دموعي
لم أنسَ يومَ الوداعِ موقفها
وطرفها من دموعها غرق
وقولها والركاب سائرة
تتركنا هنا وتنطلق
نأت دار ليلى وشطّ المزار
فعيناك ما تطمعان الكرى
ذراني من نجدٍ فإنَّ سِنينهُ
لعبنَ بنا شِيباً وشيّبنا مُردا

من شوارد الشواهد ـ شعراء الشام في العصر الحديث

من شوارد الشواهد

الجزء الثاني والعشرين

شعراء الشام في العصر الحديث

بدوي الجبل

بدوي الجبل يرثي إبراهيم هنانو:

أغفى أبو طارقبعد السُّهادِ به
وخلّفَ الهمَّ والبلوى لمن سهدوا
ضاوٍ من السُّقمِ ضجّتْ في شمائله
عواصفُ الحقّ والأمواجُ والزبدُ
إذا أُثيرَ نضا عنه مواجعه
كما تفلّتَ من أشراكه الاسدُ
يروع في مقلتيهِ بارق عجب
وعالم عبقري السحر منفردُ
يُغالب البشر أسقاماً نزلن به
أبى له الكبرُ أن يأسى لها أحدُ
داءٌ ملحّ ونفسٌ لا تذلُّ له
حرب تكافأ فيها اليأس والعدد
تلك البشاشة أبلى الداءُ نضرتها
فراحَ يلمحُ في نعمائها الكمدُ
لا يبعد الله أحباباً فُجعت بهم
وما علالة قلبي بعدما بعدوا
أذكىأبو طارقفي الشرق جمرتها
حمراء تلتهم الجُلّى وتزدردُ
إذا ونتْ وهتفنا باسمه جمعت
تعيدُ سيرتها الأولى وتطرّدُ
فذكره الأملُ الهادي إذا انتبهوا
وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا

بدوي الجبل:
حيِّ عنّي سعدا وقبّل مُحيّا
وأبا أسعد سقته دموعي

كالضحى باهر السنى مرموقا
وسليمان”والنديم” الصدوقا
واسق(قدري) و(عادلا) و(جميلا)
من حنيني طيبَ الهوى والرحيقا
واشكُ حزني(لمظهر) و(نجيب)
راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبورِ الغوالي
ويوفّى قبر الكريم الحقوقا

في الثرى من أحبّتي ولِداتي
ظفر أبلج وفتح جليل
نزلت بالقبور أسمى اللبانات
وطاف الرجاء والتأميل
شامةُ الفتح نام(فارسك) النجد
وحقّ الوفاءُ أن يستفيقا
سبقتهُ أحبابه للمنايا
فرحمت المُجلّى المسبوقا
ونعم عدت(للعقيق)
ولكن فارق الأهل واللدات(العقيقا)

وفاؤُكَ،لا عُسر الحياة ولا اليُسرُ
وهمُّكَ لا الداءُ الملّح ولا العمرُ
تأبى الشماتةَ في الضعيفِ شمائلي
وأنا الذي وسع الهموم حنانه

وتعفُ عن شِلوِ الجراحِ صفاحي
وبكى لكلِّ معذب ملتاح
أشقى لمن حملوا الشقاء كأنّما
أتراحُ كل أخي هوى أتراحي

في غربة أنا والإباءُ المرّ والأدبُ اللباب
طود أشمّ فكيف ترشقني السهام ولا أصاب
يخفى البُغاثُ فلا تلم به ولا يخفى العقاب
الكبرُ عندي للعظيم إذا تكبرَ لا العتاب
لا تشك من قصر الحياة فربما
أغنت إشارتها عن الإيضاح
سفر الحياة إذا اكتفيت بمتنه
أغناك موجزه عن الشراح
وأخر لنفسك ميتة مرموقة
بين النجوم على الأديم الصاحي

زهوةُ الفتحِ والشّبابِ النجيدِ
من سقى الفجرَ من دماءِ الشهيدِ
كبريائي فوق النجوم،ولولاها
طبعي الحب والحنان فما أعرف

لما كنت بالنجوم خليقا
للمجد غير حبّي طريقا
يُعذرُ الحر حين لا يُخطىء العزم
وإن كان أخطأ التوفيقا

يا لَنسرٍ تقحّمَ الشمس حتى
ملَّ عِزَّ الشموسِ والتحليقا
يطوي الزمان النابغين فينطوي
لذهابهم أمم ويهلك جيل
والناسُ أسياف،فمنها مُغمد
صدىء،ومنها الصارم المسلول
لا تنكروا حقّ الحياةِ لأمّة
فيها النبوغُ على الحياةِ دليلُ
ما قلّ فينا النابغون وإنّما
عدد الأولى قدروا النبوغ قليل

وما أكبرت نفسي سوى الحقِّ قوة
وإن كان في الدنيا له النهي والأمرُ
أيُّها الكافرونَ هذي دموعي
من رسالات وحيها الإيمان
أيها المذنبون هذا فؤادي
من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في
دنيا أساه ويهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على
البعث ومنها المدّله السهران

من همومي ما يغمر الكون بالعطر
ومنها مزاهر وقيان
وهمومي معطرّات عليها
من شبابي الطموح والريعان
كالغواني،لكلِّ عذراء لون
من جمال ونفحة وافتنان
يا صاحب النصر في الهيجاء كيف غدا
نصر المعارك عند السّلم خذلانا
ترى السياسة لوناً واحداً ويرى
لها حليفُك أشكالاً وألوانا
لا تسأل القوم إيماناً مزوّقةً
فقد عيينا بهم عهداً وأيمانا
أكرمت مجدك عن عتب همت به
لو شئته أوسعتهُ جهراً وتبيانا

تطوفُ عينُكَ في الزوراءِ سائلةً
عن الحبيبِ الذي ولّى وتفتقِدُ
رب!نعماك أن تنضّر قلبي رب!
قلبي زيّنتهُ لحميّاك

بِمحيّاكَ فهو صاد محيل
فمُر تنسكب بقلبي الشمول
هيئت في سريرتي لك ربي
سدرة المنتهى وطابَ النزولُ
جوهرُ القلب وهو إبداع كفّيك
على ما بهِ كريم أصيل
وبقلبي رضوان يهفو لمرآك
وندى سريرتي جبريلُ

بدوي الجبل:
إذا تبلّجَ فجرُ النصرِ بعدَ دجى
وقرَّ بعض الضراب الصارم الفرد
طوى الشجاعُ على صمت بطولته
وجرجرت ناقة واستأسدت نقد
سكبتُ في الكأسِ أشجاني فتلكَ يدي
من عبءِ ما حملتهُ الكأسُ ترتعدُ
أين الذوائب من قومي وما اقتحموا
من الفتوحِ وما حلّوا وما عقدوا

هواجسي فيك إيمان وغالية
وأنجم وفراش تعبّد اللهبا
وسالفات رؤى حين اشتهيت لنا
في …

السمراء والكثبا
ما شكتْ جرحها على البُعد إلا
رفَّ قلبي على الجراحِ يسيلُ
ولثمتُ الجراحَ فهي ثغور
يشتهي عطورها التقبيل
هادرات بخطبة المجد بتراء
ويؤذي البلاغة التطويلُ
حلف القيد أنّهُ من نضار
كلُّ قيد على الرقابِ ثقيلُ

بدوي الجبل:
فوارحمتاه للنائمينَ على الطوى
تهدّهم الصحراءُ هدّاً وللردى

وأتخم من قتلاهم الذئب والنسر
سلاحان في البيد:الهواجرُ والقرُّ
ولا ماء إلا ما يزوّره بها
سراب نديّ اللمحِ منبسط غمرُ
إذا سقطوا صرعى الجراحِ تحاملوا
على أنفسهم واستؤنف الكرُّ والفرُّ
ولو آثروا الدنيا لقد كان جاهها
تليداً لديهم والقسامة والوفرُ

بدوي الجبل:
غرّبتنا العلى قبوراً وأحياء
واغتراب القبور من حيل الموتِ

وعاثت بشملنا تفريقا
ليخفى كنوزه والعلوقا
تسمع الرّيح حين تُصغي حنيناً
من فؤادي على الثرى وشهيقا
ما لقومي غالَ الحِمامُ فريقاً
منهم والعقوق غالَ فريقا
ظلم الكنز أهله فتمنّى
أن يكون المُبدّد المسروقا

لا ترقبوا مني تناسي عهدكم
إنَّ الوفاءَ المحضّ من أخلاقي
أنا كالحُسام إذا جلاهُ صاقل
يزدادُ إشراقاً على إشراقِ
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة
إنَّ الندامى على عهد الحبيب بهم

للشاربين وهذا الشاعر الغرِد
لا جانبوا النشوة الكبرى ولا زهدوا
لا أوحش الله قلبي من مواجعه
ولا شفى الله جرحاً في سريرته

ولا تحوّل عن نعمائها الحسدُ
نديان ينطف منه الخمرُ والشّهدُ
فجرّت قلبي رثاء ما وفين به
حقّ للزعيم قواف كالضحى شردُ
الناقلات إلى الأجيالِ ما ظلموا
من الأباة وما راعوا وما اضطهدوا

سرُّ السعادةِ في الدنيا وإن خَفيتْ
تجلوهُ منكَ على الأكوانِ عينانِ
حوّطتُ بالله العقيدة من أذىً
خرقاء فاجرة اليمين وقاحِ
سكرت على كرم النديِّ وعربدت
فاليوم لا خمري ولا أقداحي
لهو العيون ولا أقول قذاتها
وكل تكلّف زهوة المجتاحِ
مترنّح العطفين من خيلائه
ماذا تركت لغارة وكفاحِ

رُبَّ فتح ترويه للدهرِ
أشلاءُ فتاة وصارم مغلول
ويا رب عند القبر قبر محمد
بجمرِ هوى عند الحجيج لمكّة

دعاءُ قريح المقلتينِ سليب
ونبع على طهر المقام سكوب
بشوق على نغماه ضمّ جوانح
ووجد على ريّاه زرّ جيوب
ترفّقْ بقومي واحمهم من ملّمة
وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى

لقد نشبت أو آذنت بنشوب
فقد ترجع الأحلام بعد عزوب
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند
من الحبّ فوّاح الظلال عشيب

ولقد يُرّجى السيفُ وهو ملثّم
ولقد يُهابُ الليث وهو مُصفّد
ألمّت بي الأيام حمراً نيوبها
فما شابَ لي قلب ولا شابَ لي شعر
دروبُ العلى للسالكين عديدة
وأقربها للغاية الموحش الوعر
فلا تقنطوا من غاية المجد لا يرى
لها العقل إمكاناً فقد ينبع الصخر

لا تغرّنكَ ضحكة من حزين
ضحكات البروق سرّ الرعود
مقلتي يستحمُّ في دمعها الطيف
وتحنو فلا يموت غريقا
ينزلُ الجرح من فؤادي على الحُبِّ
ويلقى التدليل والتشويقا

وأُسِرُّ الشكوى حياءً وكبراً
رُبَّ شكوى إسرارُها إعلانُ
الله يعلمُ ما أردت شماتة
بمصرعين من العياء وطلاح
تأبى الشماتة في الضعيفِ شمائلي
وتعف عن شلوِ الجريحِ صفاحي

خيرُ العقائد في هواي عقيدة
شمّاء ذات توثّب وجماح
حملته هفهافة العطر نشوان
إلى جنّة الخيال البعيد
همدت ثورة الشهيد وقرّتْ
يا دوياً مجلجلاً في الهمود

تبني الحياة على هدى إيمانها
والعقلُ مثبت غيرها والماحي
ما للمنيةِ أدعوها وتبتعدُ
أمرُّ من كلّ حتف بعضُ ما أجدُ
ظمآن أشهدُ وِردَ الموتِ عن كثبٍ
والواردون أحبائي ولا أرِدُ
عللّتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسى
بالجمرِ من نفحاتِ الجمرِ يبتردُ

كبريائي فوق النجوم ولولاها
لما كنتُ بالنجومِ خليقا
إن سيفاً أرداكَ غدراً
لم يذد في الوغى عدواً ولم

لهو بين الظُبى دعيّ دخيل
يهززه في الروعِ ساعد مفتول
مغمد في معارك الحق ناب
وعلى الحقِّ مصلت مصقول
شاهت العرب تحت كل سماء
حين أغضت وشلوك المأكول

قد كان لي أرب طاح الزمان به
فيا شقاء فتى يحيا بلا أرب
وكان لي مقول كالسيفِ مُنصلتا
فحطمَ الظلم حدّ المقول الذرب
لا ترقبوا مني تناسي عهدكم
إنَّ الوفاء المحضّ من أخلاقي
أنا لست أخلف بالنوى ميثاقكم
أو تخلفون على النوى ميثاقي
ويريق أدمعي الصدود وإن يكن
دمعي لهول الموت غير مُراقِ
أنا كالحسام إذا جلاه صاقل
يزداد إشراقاً على إشراقِ

جمرة الحقد في السرائر لولا
ذل أصحابها لشبّتْ حريقا
قد أرقدنا دمائنا فسلوه
أي دمع من مقلتيه أريقا
يقولون:جَدُّ اليعربيين نائم!
لقد وهموا،فالسعيُ لا الجدُّ نائمُ
وما الناسُ إلا اثنان مهما تخالفوا
ميولاً:فمهزومٌ ضعيفٌ وهازِمُ
وما الحقُّ إلا للقويُّ،ولا العلى
لغيرِ الذي يغشى الوغى وهو يُصادمُ
فقلْ لضعيفٍ راح يسأل رحمة:
رويدكَ،ما للضعيفِ في الناسِ راحِمُ

شَفّعتُ عندكَ حُبّي في مواجعهِ
وما تمزّق من قلبي وما سلبا
أخفيت ظلمكَ عن نفسي لأرحمها
ثم ابتدعتُ له الأعذار والسيبا
عندي الوسيم من الغفران أسكبه
عطراً على كل مت آذوا ومن حقدوا
أكبرتُ عن أدمعي من كان مضطهداً
ورحتُ أبكي لمن يطغى ويضطهد
الحاصدون من الدنيا شماتتها
لولا الذي زرعوا بالأمسِ ما حصدوا

يروعني العيدُ ديّاناً لأمتهِ
من أغضبَ العيدَ حتى صارَ ديّانا
تغرّبَ العيد في قومي وأنكرهم
على الميادين أحراراً وعبدانا
يشكى إليك وأنت رهن منيّة
وتزارُ في عنتِ الخطوبِ وتُقصدُ
ولقد يُرّجى السيفُ وهو مُلثمٌ
ولقد يُهابُ الليثِ وهو مُصفّدُ
فاذهب كما ذهبَ الربيعُ على الربى
منهُ يد وعلى القلوبِ له يدُ

وما لمحتُ سياطَ الظلم دامية
إلا عرفت عليها لحم أسرانا
ولا نموت على حدّ الظبى أنفاً
حتى لقد خجلت منا منايانا
لا تسلها،فلن تُجيب الطلولُ
المغاويرُ مثخنٌ أو قتيلُ
موحشاتٌ يطوفُ في صمتها الدهرُ
فللدهرِ وحشةٌ وذهولُ
غابَ عند الثرى أحبّاءُ قلبي
فالثرى وحدهُ الحبيبُ الخليلُ

وما رضيت جزاء مودتكم
لا يعدم الحرّ أقواتاً وأكفانا
طفْ بقلبي تجد به ألف دنيا
لا يُلاقي الشقيقُ فيها الشقيقا
سكنتهُ الشموس من كلِّ أفق
وتحدى أشتاتها أن يضيقا
حفي الفكر في عوالمها الفيح
ولم يبلغ المكان السحيقا
كل أفق تضيق فيه أسيراً
سعة الأفق أن تكون طليقا

ننضّر البؤس عند البائسين منى
والعقلُ عاطفة والثكل إيمانا
وكلُّ ذنبٍ سوى الطغيان ننزله
على جوانحنا حُبّاً وغفرانا
وهَمُّ كلُّ عفاةِ الأرض نحملهُ
كأننا أهلهُ هماً وحرمانا
نشاركُ الناس بلواهم وإن بعدوا
ولا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّتْ محبتنا الأشتاتَ واتسعتْ
تحنو على الكونِ أجناساً وأديانا

لوعةُ الحرّ حين أفرده الدّهر
فمن يتقيه حين يصول
وما رضيت بغير الله معتصماً
ولا رأيت لغير الله سلطانا
ولا عكفتُ بقرباني على صنم
أكرمت شعري لنور الله قربانا
قلب شكا للخيال السمح وحشته
فراح يغمره نعمى وأشجانا

شامةُ الفتح نام فارسك النجد
وحقّ الوفاء أن يستفيقا
سبقتهُ أحبابهُ للمنايا
فرحمت المجلّى المسبوقا
غاب عند الثرى أحبّاءُ قلبي
فالثرى وحده الحبيب الخليل
وسقوني على الفراق دموعي
كيف يروى من الجحيم الغليل
خيّمتْ وحشةُ الفراغ على ال
أحياء فالقبرُ وحده المأهول
إن ّ موت العظيم محنة تاريخ
ودنيا تفنى وكون يزول

صلى الإله على قبر يطوف بهِ
كبيتِ بكة من حجّوا ومن قصدوا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين
فالأصيلُ العتيق يأنفُ شوطاً

سمّواً بحقّنا ووثوقا
لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقاً
ذل شوط يكون بين البراذين
فلا سابقاً ولا مسبوقا
لم تُحمحم تختال بالحسن والقوة
بل حمحمت تريد العليقا
ما نزلنا عن السروج عياء
ولنا السبق فامسحوا غرر

لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا
الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا

ومن الهونِ أن يُقيم كريم
في مكانٍ هانتْ به الكرماء
يا صاحب التاج دنيا الله ما عرفت
لم يقبل الله إلا في محبتكم

إلا عمائمكم في الشرقِ تيجانا
يا آل فاطمة إسلاماً وإيمانا
غنيّتُ جدّكَ أشعاري ونُحتُ بها
في مصرعِ الشّمسِ إعوالاً وإرنانا
أصفيتُ آل رسول الله عاطفتي
وكنتُ شاعركم نعمى وأحزانا
وما رضيتُ جزاءَ مودّتكم
لا يعدمُ الحرُّ أقواتاً وأكفانا

إذا الحرُّ لم تخلطهُ بالحُرِّ شيمة
فخيرٌ من الدنيا وسكانها القبرُ
نغماتُ عُودي لا تُملُّ لأنها
نغماتُ عودي لا تُملُّ لأنها

شعرٌ يفيضُ عواطفاً وشعوراً
لغةُ الملائك إذ تُناجي الحورا
همست بها الأرواحُ في ملكوتها
شدّواً أرقّ من الصبا وزفيرا

بدوي الجبل:
يا لِدات الشّباب لو ينفع الد
مع جزتكم مدامعي والعويل
وكهولاً أبلت شبابهم الجلّى
فهم في الصبا الوسيم كهولُ
روّعت سربنا المنايا وأمّ
المجدِ في الغوطتينِ أمّ ثكولُ
راعَ قلبي الرحيل حتى تولّيتم
فأشهى المنى إليَّ الرحيلُ
لوعتي ـ والثرى يهال عليكم ـ
كوفائي،مقيمة لا تحولُ
لوعةُ الحرّ حينَ أفردهُ الدهرُ
فمن يتقيه حينَ يصولُ
وأناجي قبوركم أعذب النجوى
وأشكو معاتباً وأطيلُ
وكأنّ القبور تسمع شكواي
وتدري حصباؤها ما أقول

بدوي الجبل:
لا يبعد الله أحباباً فُجعت بهم
وما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة
تقيّلوا الرمل في الصحراءِ واتسدّوا
تلكَ الجسوم التي حزّ الحرير بها
حريرها في العراء الموحش الزرد
صادين للموت إيماناً وموجدة
فكلّما لاحَ منه منهل وردوا
على الصحاصح هامات معطرّة
وفي الرمالِ بنان أفردت ويدُ
في كلِّ منزلة قبر تلمّ بهِ
هوج الرياح وينأى الأهلُ والولدُ
مشتتين فمن أجسادهم مِزق
على الا>يمِ ومن مُرّانهم قصدُ
مصارع بعطور الحقّ زاكية
كأنّما سكبوا فيها ما اعتقدوا
حنا السرابُ عليها وهي ظامئة
حرّى الجوانحِ لا غمر ولا ثمدُ
بِموحش من رمالِ البيدِ مُنبسط
يضلّ في شاطئيهِ الصبر والجلدُ
مسحت دمعي من ذكراهم بيدٍ
وأمسكتُ كبدي ألا تذوب يدِ




يُعذَرُ الحُرُّ حينَ لا يُخطىءُ العَزمَ
وإن كانَ أخطأ التوفيقا
لم يُرْدِهِ ألفُ جُرحٍ من فواجعهِ
إن نحملُ الحزنَ لا شكوى ولا مَللٌ

حتى أُصيبَ بسهمٍ منكِ أرداهُ
غدرُ الأحبّةِ حُزنٌ ما احتملناهُ
ليتَ الذينَ وهبناهمْ سرائرَنا
في زحمةِ الخَطبِ أغلوا ما وهبناهُ
حسبُ الأحبّةِ ذُلاً عارُ غَدرِهِمُ
وحسبنُا عِزّةً أنا غفرناهُ
صحا الفؤادُ الذي قَطّعتهُ مِزقاً
حرَّى الجِراحِ ولَملمنا بقاياهُ

ولا فوقَ نعماءِ المحبّةِ جَنّةٌ
ولا فوقَ أحقادِ النفوسِ جحيمُ
هوَ الحُبُّ حتى يُكرِمَ العُدْمَ موسرٌ
ويأسى الأحزانِ الغنيّ عديمُ
وهيهاتِ ما لومُ الكريمِ سَجيّتي
ولا بُغضهُ عندَ الجَفاءِ نصيبي
نقلتُ إلى قلبي حياءً وعِفّةً
أساريرَ وجهي من أسىً وقُطوبِ
وعَرَّتني الأيامُ ممّنْ أُحبّهمْ
كأيكٍ ـ تحاماهُ الربيعُ ـ سليبِ

عَلَّلتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسىً
بالجمرِ من نفحاتَ الجمرِ يبترِدُ
وللمجدِ أعباءٌ ولكنّها مُنىً
وللمكرُماتِ الغالياتِ هُمومُ
وخاصمني من كنتُ أرجو وفاءَهُ
وللشمسِ بَينَ النيِّراتِ خصومُ

ورُبَّ بعيدٍ عنكَ أحلى من المنى
ورُبَّ قريبِ الدارِ غيرُ قريبِ
يُلاقي العظيمُ الحقدَ في كلِّ أُمّةٍ
فلمْ ينجُ من حِقدِ الطَّغامِ عظيمُ
ويقذى بِنورِ العبقرية حاسدٌ
ويخزى بمجدِ العبقريّ لئيمُ

لَعَمرُكَ للِضعفِ الخفاءُ وكيدُهُ
وللقوّةِ الكبرى الصراحةُ والجهرُ
إنّي لأرحمُ خصمي حينَ يشتمني
وكنتُ أُكبرهُ لو عَفَّ منتقدا
قرّتْ عيونُ العدى والأصفياء معاً
فلستُ أملِكُ إلا العِطرَ والشّهدا

أرُدُّ رشقَ الظُبى عن مهجتي بيدٍ
وتَمسحُ الدّمعَ من نَزْفِ الجراحِ يدُ
سبحان من أبدع الدنيا فكانَ لنا
أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا
ولا نعيما ولا حورا وولدانا
يفنى الجميع ويبقى الله منفرداً
فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له
وسوف يشكو الخلود المرّ أبقانا

سكبتُ في الكأسِ أشجاني فتلكَ يدي
من عبءِ ما حملتهُ الكأسُ ترتعِدُ
أكُلّما أنَّ أخو لوعة
أكُلّما ناحَ محبّ أسى

كلّفتني الحزن وطول الأنين
حشرتني في زمرة النائحين
أكُلّما مرّتْ على خاطري
أشقى مع الأيتام مستعبرا

صورة بؤس رحتُ في البائسين
وأسهر الليل مع العاشقين
كتبت آيات العذاب الأليم
غضون همّ فوق هذا الجبين
تتُلى ولا يُخطئها قارىء
فيا لآيات الأسى

والخيرُ في الكونِ لو عَرَّيتَ جوهرهُ
رأيتهُ أدمُعاً حرّى وأحزانا
عندي كنوزُ حنانٍ لا نفاذ لها
أنهبتها كُلَّ مظلومٍ ومقهورِ
أعطي بذلّة مقهور فوالهفي
لسائلٍ يغدق النعماء منهور

والحزنُ في النفسِ نبعٌ لا يَمرُّ بهِ
صادٍ من النفسِ إلا عادَ رَيّانا
أرخصتُ للدمعِ جفني ثم باكرَهُ
في هدأةِ الفجرِ طيفٌ منكِ أغلاهُ
وأسكرتني دموعي بعدَ زَورتهِ
أطيفُ ثغرِكِ ساقاها حُميَّاهُ
طيفٌ لشقراءِ كأسٍ من متارفهِ



لو لم أصنُهُ طغى وجدي فَعرَّاهُ

يشهدُ الله ما بقلبيَ حقدٌ
شَفَّ قلبي كما يشفُّ الغديرُ
غَمَرتِ قلبي بأسرارٍ مُعطرةٍ
وما امتحنتُ خفاياهُ لأجلوها

والحبُّ أملَكهُ للرُّوحِ أخفاهُ
ولا تمنيتُ أن تُجلى خفاياهُ
الخافقانِ ـ وفوقَ العقلِ ـ سِرُّهما
كلاهما للغيوبِ:الحبُّ واللهُ
كلاهما انسكبتْ فيهِ سرائرُنا
وما شهدناهُ لكنّا عبدناهُ


لقد ساءني غاد عليه ورائحُ
فمن كبدي فوق الثرى قطع همر
ولو قدرت صانته عيني كرامة
كما صين في أغلى خزائنه الدرّ
ضلَّ الذي زعم الأنام عن القديم تقدّموا
الناسُ في كلِّ العصورِ كما علمت همُ همُ
يشقى الضعيفُ ويستبدُّ به الكميُّ المعلم
وتحلّل الأطماع ما تختارهُ وتُحرِّمُ
دولٌ تدولُ وغيرها تُبنى على أنقاضها
وممالك مرضت فحارَ الطبُّ في أمراضها
قُصّت قوادمها فمن يحنو على منهاضها
ترمي الليالي الخطوب ونحن من أغراضها

سيذكرني بعد الفِراقِ أحبّتي
ويبقى من المرءِ الأحاديثُ والذِكرُ
ورودُ الرُّبى بعدَ الربيعِ بعيدةٌ
ويُدنيكَ منها في قواريرهِ العِطرُ
طاحَ الزمانُ بإخواني وأوردهم
على الحتوفِ فلا عينٌ ولا أثر
أصبحتُ بعدهم حيران منفرداً
والريح معولة والليل معتكر
أحنو على كلِّ قبر من قبورهم
أبكيه حتى بكى من لوعتي الحجر

بدوي الجبل:
عدنان عندك في النعمى ولي كبد
أحبابنا في جنان الله قد نعموا

عليه بالجمر والأحزان يتقدّ
لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا
هشّوا إلى ابن أخيهم وهو بينهم
بحاليات صباه كوكب يقد
يا للنجوم قديمات السّنى نزلت
على قراها نجوم طلّع جدد

وأقعدني عنكَ الضنى فبعثتها
شوارد شعر لم ترع بضريب
وترشدها أطياب قبرك في الدُّجى
فتعصمها من حيرة ونكوبِ
وعند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناءِ كسوب
أدعو قبور أحبائي لتسمعني
قبر بضاحية الشهباء طاف به

وهل تُجيبُ دعاءَ الثاكل الحفر؟
فلملم الطيب من حصبائه السحر
واستودعت حمص قبراً لو مررت به
لَهشَّ لي منه حب مترف عطر
ولي قبور على الفيحاء غافية
زوارها الطيرُ والأشواقُ والقمرُ

لا تسلها فلن تُجيب الطلول
ألمغاوير مثخن أو قتيل
موحشات يطوف في صمتها
الدهر،فللدهرِ وحشة وذهول
غاب عند الثرى أحبّاء قلبي
فالثرى وحدهُ الحبيبُ الخليل
ما نزلنا عن السروج عياء
لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا
ولنا السّبقُ فامسحوا غرر
الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا
أيها الزاعمون أنّا فرقنا
صائد الليث لا يكون فروقا
كيف يرمى بالخوف من زحم
الأسد وأعيا أنيابها والحلوقا

الليلُ بعد الراحلينَ طويلُ
أو ما لصبغكَ يا ظلامُ نصولُ
يطوي الزمانُ النابغينَ فتنطوي
لذهابهم أمم ويهلك جيلُ
ولَرُبَّ نعش غابَ في طياته
فتحٌ أغرّ وموطنٌ وقبيل
شَببنا على محضِ الوفاءِ وصفوه
وحب رمته في اللهيب لصهره

كذلكَ آبائي وآباؤكم شبّوا
صروف الليالي والقطيعة والذنب
وكأس تساقينا ثلاثين حجّة
عذوبتها طبعٌ وتقطيبها كسبُ
أشمُّ عبيراً من ترابك عاطراً
أمنك استعار العطر والنضرة التراب
قحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا
وجادته بالسّقيا يمينك لا السّحبُ

تَقسَّمَ الناسُ دُنياهُمْ وفتنتَها
وقد تَفرّدَ من يهوى بِدنياهُ
ما فارقَ الرِيُّ قلباً أنتَ جذوتهُ
ولا النعيمُ مُحبّاً أنتِ بلواهُ
يا فتنة الدنيا يذُمّك معشرٌ
والحقُّ كلّ الحقِّ في أن يحمدوا
ألهب نبوغك في الحياة وحبّها
وأنا الضمينُ بأنّهُ لا يخمدُ
الكنز بين يديك فانثر درّه
إني أراه يزيدُ حين يبدّدُ

إنَّ موتَ العظيمِ محنةُ تاريخٍ
ودنيا تفنى وكونٌ يزولُ
تأنَّقَ الدوحُ يُرضي بُلبلاً غَرِداً
يطيرُ ما انسجما حتى إذا اختلفا

من جَنَّةِ الله قلبانا جناحاهُ
هوى،ولم تُغْنِ عن يُسراهُ يُمناهُ
الخافقانِ معاً فالنجمُ أيكُهما
وسِدرةُ المنتهى والحبُّ: أشباهُ
أسمى العبادة ربٌ لي يُعذبني
بلا رجاءٍ وأرضاهُ وأهواهُ
وأينَ من ذلّةِ الشكوى ونشوتها
عندَ المُحبينَ عزُّ المُلكِ والجاهُ

أبا طارق هذي سراياك أقبلت
يرفُّ على أعلامها العزّ والنصر
أأكرم حبّنا أصفى وأسمى
على عتت الخطوب من العتاب
وما عزّيت حين ألمَّ خطب
مصابكَ في جلاته مصابي
وأنت إذا تحدتك الرزايا
ضياء الشمس يسخر بالسحاب

يا بني أمّ والحياة زحام
ذلَّ والله من يخاف الزحاما
يا نديمي إلى متى الإغفاء
بسم الكون حين حيّت ذكاء
لا تمل بي إلى الرجاء فقد
أودى بنفسي طموحها والرجاء
ودعِ اليأس ينتحيني ففي اليأسِ
لداءِ النفسِ الطموح دواء
فقد رضيتُ الأكواخَ وهي نعيم
وهجرتُ القصورَ وهي شقاء

تهاووا تِباعاً واحداً بعد واحد
عليه انفراطُ العقد وهو نظيم
تساقوا مناياهم ضحى العمر وانطوى
شبابهم الرّيان وهو تميم
هواي سَجيّة وشباب قلب
وجلَّ صبا القلوبِ عن التصابي
خضبت بلون سمرتك المصفّى
حياتي والمحبّب من رغابي
ولامك عندنا قوم وعابوا
يجلّ النور عن لوم وعابِ
وأنت النور في عيني وقلبي
على حاليك من شهد وصابِ
سريرتُكَ الضياء بلا غروب
وقفتُ ببابِ جاهك مطمئناً

وعيناك الغيوب بلا حجابِ
كأنَّ الدهر والدنيا ببابي

وأسرِفُ في الذكرى لأنزح نبعها
ولكنَّ نبع الذكرياتِ جموم
إذا قلتُ غاضتْ بعد لأيٍّ تدّفقتْ
وللموجِ فيها كرّةٌ وهجومُ
اليوم معركة الحياة فما الذي
أعددت من عُدّد ليوم صدامها
من ليسَ يمنعُ حقّهُ في حربها
هيهاتَ يمنعُ حقّهُ بسلامها
للأقوياءِ شريعةٌ مكتوبةٌ
بالسّيفِ شيب حلالها بحرامها

فيا لكنز شكت منه جواهرهُ
وضاعَ عن نفسهِ لمّا أضعناهُ
صحا الفؤادُ الذي قطّعتهُ مِزقاً
حرّى الجراح ولملمنا بقاياهُ
ما للِمنيّةِ أدعوها وتبتعِدُ
أمَرُّ منْ كُلِّ حُتْفٍ بعضُ ما أجِدُ
ظمآنُ أشهدُ وِرْدَ الموتِ عن كَثَبٍ
عَلَّلتُ بالصّبرِ أحزاني فيا لأسىً

والوارِدونَ أحبائي ولا أرِدُ
بالجمرِ من نفحاتِ الجمرِ يبترِدُ
دعوتُ خِدنيَّ منْ دمعٍ ومن جَلَدٍ
فأسعفَ الدّمعُ لكن خانني الجَلَدُ
أصبحتُ أعزلَ والهيجاءُ دائرةٌ
لا السيفُ ردَّ الأذى عني ولا الزّردُ

إنّ عنفَ العتابِ يؤذي أحبا
ي وأحلاهُ ما يكونُ رقيقاً
أشامِتٌ عندَ جُلّانا وما نزلتْ
إلا على الحُبِّ والإيثارِ جُلّاهُ
هانٍ ومحنتي العصماءُ داميةٌ
راوٍ ومن لوعتي الشّماءِ سُقياهُ
ما ضجَّ في قلبهِ جُرْحٌ فكابدهُ
ولا ألمَّ به وجدٌ فعاناهُ
تَضنُّ باللهفةِ الحرّى جوانِحهُ
والقلبُ أخصبَهُ بالنورِ أسخاهُ

إنَّ نعمى الكريم دين على
الحُرِّ وتجزى من اللئيم عقوقا
فما ترشَّفتُ إيماناً بمعبدهِ
ولا شممتُ طيوباً في مُصلّاهُ
ناءٍ عن النارِ لو طافَ اللهيبُ بهِ
لوهَجّتْ هذه الدنيا شظاياهُ
قد هانَ حتى سَمتْ عنهُ ضغينتُنا
فما حقدنا عليهِ بل رحمناهُ
يُرضيهِ أن يتشّفى من مدامعنا
لم نبكِ منهُ ولكنّا بكيناهُ

لا يُهينُ الشّعوبَ إلا رِضاها
رضيَ الناسُ بالهوانِ فهانوا
من راحَ يحمل في جوانحهِ الضحى
هانت عليهِ أشعةُ المصباحِ
البغي عند الأقوياء سجيّة
والمكرُ في الزهادِ والصلاحِ
هوّن عليكَ ففي النفوس بقيّة
من رجمة ومروءة وسماح
خلف الهجيرِ وعنفه ولهيبه
ما شئت من ظلّ وطيبِ نفاحِ

أأكرم ما تضوّعت الغوالي
بأعطر منك مأثرة وعرفا
صهرت من الخطوب فزدت قدرا
وتلك سجيّة الذهب المُصّفى
وخاصمني من كنتُ أرجو وفاءه
وللشمسِ بين النيّراتِ خصومُ
يُلاقي العظيم الحقد في كلِّ أمّة
فلم ينج من حقد الطغام عظيمُ
ويفدى بنور العبقرية حاسد
ويخزى بمجد العبقري لئيمُ
وتشقى على الحقد النفوس كما انطوت
قلوب على جمر الغضا وحلومُ

أأكرم حبّنا أصفى وأسمى
على عتت الخطوب من العتابِ
وما عزّيت حين ألمَّ خطب
مصابك في جلاته مصابي
وأنت إذا تحدتك الرزايا
ضياء الشمس يسخر بالسحاب
ولم يدر نعماء الكرى جفن حاقد
وهل قرَّ عيناً بالرّقادِ سليم
ويزعم أن الحقد يبدع نعمة
وهيهات من نعمى البنين عقيم
وما بنيت إلا على الحبِّ أمة
ولا عزَّ إلا بالحنان زعيم
ولا فوق نعماء المحبّة جنّة
ولا فوق أحقاد النفوس جحيمُ

هو الحبُّ حتى يكرم العدم موسر
ويأسى لأحزانِ الغني عديمُ
وحتى يريح الذنب من حمل وزره
حنان بغفران الذنوب زعيم
ويا ربِّ قلبي ما علمت محبّة
وعطر ووهج من سناك صميمُ
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها
حمراء تلتهم الجلّى وتزدرد
إذا ونتْ وهتفنا باسمهِ جمحت
تعيد سيرتها الأولى وتطرّد
فذكرهُ الأملُ الهادي إذا انتبهوا
وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا
زعامةُ الحقّ لا شوهاء يرفعها
على الرّمالِ الهوى والزور والفند

قُلْ لِمنْ يَحسُدُ العظيمَ تَرّفقْ
إنَّ خلفَ الأمجادِ هَمّاً وسُهدا
يَجمعُ الحقَّ والبيانَ على الخَصمِ
فلما تملّكَ الأمرَ شدّا
يطعنُ الطعنةَ العفيفة لا
تدمي ولكنّهُ أبادَ وأردى
يا عُصبةَ الصِّيدِ الغطاريفِ الألى
حفظوا الجدود وخلّدوا آثارها
هذي سيوف الفاتحينَ من البِلى
قد صُنتم أجفانها وشِفارها
جدّدتم عهد الحفاظِ لأمّةٍ
الله طهّرَ خيمها ونجارها
أرجعتُم صور العروبةِ غضّة
فكأنّكم أرجعتُم إعصارها

طفل فإن نال ضيم من كرامته
ما البحرُ يزأر،ما البركان ينفجر
ذنوبه خفرات من براءته
أحلى الغواية ما يندى به الخفر
“أبا طارق” هذي سراياك أقبلت
لقد قُدتها حيّاً وميتاً فما ثنى

يرفُّ على أعلامها العزُّ والنصرُ
شكيمتها عنف ولا هدّها ذُعرُ
فَمُرْ تُسمع الدنيا هواك وينطلق
إلى الفتحِ بعد الفتحِ عسكرك المَجرُ
ومُرْ يتمزّق كلُّ قيد أبيتَهُ
ويسرف في طغيانه الحطمُ والكسرُ
تبرأتَ في دُنياكَ من كلِّ واهن
ذليل،فلا عرف لديه ولا نُكرُ

هوَ من أريحيّة الله ما شئنا
رحيقاً صفواً ومِسكاً فتيتا
منْ كَسعد وللشباب هواهُ
قدرة تتعب الخيال وزهدا
يا صفيَّ الأحزان تسقي البرايا
كأسها مرّة وتسقيك شهدا
رضيت نفسك الهموم رفيقاً
بوركَ الهمّ عبقرياً جواداً

أريّحياً على الشدائدِ جَلدا
لا كَهم أعطى قليلاً وأكدى
قلْ لمن يحسد العظيمَ ترّفقْ
إنَّ خلف الأمجادِ همّاً وسهدا

بدوي الجبل:
سقتهم كفّ إبراهيم صافية
ففي الدماء سعير من سلافتها

من خمرة الحقِّ تروي كلّ من يَرِد
عجلان يهدأ أحياناً ويتئد
بين الجوانحِ إلا أنّهُ أنف أذكى
أبو طارق في الشرقِ جمرتها

وفي الشمائلِ إلا أنّهُ صيد
حمراء تلتهم الجُلّى وتزدرد
إذا ونتْ وهتفنا باسمهِ جمحت
فذكرهُ الأملُ الهادي إذا انتبهوا

تعيدُ سيرتها الأولى وتطرّد
وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا
زعامةُ الحقِّ لا شوهاء يرفعها
على الرمالِ الهوى والزور والفند

بدوي الجبل:
أبا طارق أبقيتَ للحقِّ سنّة
بنيت عليها كتلة وطنية

هي العزة القعساء والفتكة البكر
من الصيدِ ما خانوا هواكَ ولا فرّوا
لقد حملوا عنكَ الجهاد وما ونى
فإن أقسموا أن يفتدوا بنفوسهم

وحقّك ناب للخطوب ولا ظفر
أمانتكَ الكبرى لديهم فقد برّوا
نماك وسيف الدولة الدار والهوى
وأقسم بالبيتِ المحرّم ما احتمتْ

وغناكما أندى ملاحمه الشعر
بأمنعَ من كفّيكما البيضُ والسّمرُ
فإن تفخر الشهباء فالكون منصت
وحقّ بسيفي دولتيهما لها الفخر

بدوي الجبل:
منْ كَسعدٍ وللنّدى احتدامُ
جرة الحرب عنفواناً ووقدا
حِممٌ كالجحيمِ مستعرات
ردّها حلمهُ سلاماً وبردا
ما حملت الجراح داءً ملّحاً
بل حملتَ الجراحَ غدراً وصَدّا
حزَّ في قلبكَ الوفيّ صديق
صارَ في الندوةِ الخصيم الألدّا

بدوي الجبل:
تذكرّت الشام أخاك سعداً
ومن ذكرَ الحبيب فلا جناحا
أرق الناس عاطفةً وطبعاً
وأعنفهم على الطاغي جماحا
ينافح،لا تروعه المنايا
إذا بكت الشام أخاك سعداً

فإن شتم اللئيم فلا نفاحا
فقد بكت المروءة والسماحا
زحمنا النجم منه على جناح
وفيأنا مروءته وهوى صراحا

سألَ الصبحُ عن أخيه المُفدّى
أيها الصبحُ لن تشاهد سعدا
غيّبَ الدهرُ من سيوفِ معدّ
مشرفياً حمى وزانَ معدّا
كلّما عارضوا الصوارم فيه
كان أمضى شبا وأصفى فرندا
رموكَ غدراً ولو صالوا مجابهة
سلاحُكَ النور والإسلام وحدهما

لمزّقَ الصائدين الضيغم الحرد
ومنهما العون عند الفتح والمدد
رسالة من أبي الزهراء خالدة
عديدك الفاتح المنصور والعدد
حتى إذا انهزمت شتّى فلولهم
ومرّغَ الجبن زهو الحقّ والصيد
أشرفت والدم شمس راح يحجبها
بكفّهِ ويواري وجهها الرمد

أمّاه،دمعُك تبكي من مواجعه
شُمّ البواذخ والأفلاكُ ترتعد
أمّاه لم يبقَ لي روح فأغدقه
على أساكِ ولا دمع ولا كبد
تطوفُ عيناكِ في الزوارِ سائلة
عن الحبيبِ الذي ولّى وتفتقد
في غربةٍ أنا والإباءُ المُرُّ والأدبُ اللُبابُ كالسيفِ حَلّتهُ الفتوحُ ورُبما بَليَ القِرابُ
طَودٌ أشَمٌ فكيفَ ترشقُني السهامُ ولا أصابُ يخفى البُغاثُ فلا تُلمُّ به ولا يخفى العقابُ
الكبرُ عندي للعظيم إذا تكبّر لا العتابُ عندي له زُهدٌ يُدلُّ على الكواكب واجتنابُ
أغلى المروءة شيمةٌ طُبعت وأرخصها اكتساب

بدوي الجبل في الطفولة الرائعة:
فيا للصِّبي الهاني! شجاني أنّهُ
حزين،ومن طبعِ الصِّبي اللهو واللعبُ
فيا ربِّ !لا راع الطفولة رائع
ويا ربِّ !لا ألوى بنعمائها كربُ
ويا ربِّ للأطيار والفجر والندى
إذا شئتَ، لا للعاصفِ الغصنُ الرطبُ
إذا عبراتُ الطفل مرت بِمجدب
من النفسِ روّته ففارقهُ الجدبُ

دموعٌ كعفوِ الله لو مرَّ بَردُها
على الرّملة الحرّى لنضرّها العشبُ
ويا ربِّ مُرْ تصبح نسيماً مُعطراً
على كلِّ محزونٍ زعازعها النكبُ
ويا ربِّ عندي من كنوزك حفنةٌ
من الحبِّ،أذريها ولكنها تربو
أريد حياة الناس خيراً ونعمة
وتأبى السيوف المشرفية والقضب
أرى الفرد لا يبقى وإن طال حكمه
ويبقى بقاء الحق والزمن الشعبُ
وأشهد أن الظلم يردي فلو طغى
على السفحِ هضب شامخ زلزل الهضب
شكت جبروت الكثب حبات رملها
إلى الله،فانهارت مع العاصف الكثب

نعيتم فلم يخلص إلى القلبِ نعيكم
ولم تتقبلهُ البصيرةُ واللبّ
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي
أساريرَ بشر عليهنَّ أم رعبُ
لعل الذي ينعاكم كان كاذباً
فيا نعمة قد كان يحملها الكذبُ

بدوي الجبل يرثي فارس الخوري:

أترعي الكأسَ أدمعاً ورحيقا
حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا
يا شآمي:يا قبلة الله في الدنيا
ويا راحها المصفى العتيقا
ما أدرتُ الكؤوس إلا لتروي
كبدي من هواك لا لتذوقا
كبريائي فوق النجوم،ولولاها
لما كنتُ بالنجومِ خليقا
وأخا لي سقيته الودّ صرفاً
فسقاني من ودّه الممزوقا

بدوي الجبل:
لي قبور كنزت فيها شبابي
وصبوحي على المنى والغبوقا
يا قبور اللِدات:كلّ شقيق
حاضن في الثرى أخاهُ الشقيقا
وسعت هذه القبورُ فؤادي
كيفَ تشكو وهي في السماوات ضيقا
كيفَ لا تنبت الرياحين والشوق
وقلبي على ثراها أريقا

سَلي الجمرَ هل غالى وجنّ وعذّبا
كفرت به حتى يشوق ويعذبا
ولا تحرميني جذوة بعد جذوةٍ
فما اخضلَّ هذا القلب حتى تلهّبا

بدوي الجبل:

أبا أحمد هل يرفع الستر مرة
عن الملأ الأعلى وتنكشف الحجب
طيوف من النور المحجب لمحت
تقريها عين،ويندى لها قلب
وكشف للأخرى صفاء معطر
حبيب إلى قلبي ولكنه صعب
فلحت لنا في عالم الحق بدعة
من النور يخبو كل حسن،ولا يخبو
فرحنا نحيى من نحب تحية
تنازعها الشوق المبرح والعتب
أتنأى؟فهلا وقفة يشتفي بها
خليل ويقضي حق لوعته صبّ
أتنأى؟وما ودعت أهلاً ولا حِمىً
فأين الحنانُ السمح والخلق الرحب؟
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت
يضيقُ بها شرق المنازل والغرب
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد
فللعين من نعمى طلاقته شرب
فتاك الذي علمته البأس والندى
ففله عضب راح يخلفه عضب
أبا أحمد في ذمة الله صارم
من الحقّ لا يشكو الضراب ولا ينبو
يمان محلى فهو في السلم زينة
وتكشف عنف الموت في حده الحرب
سقى الله بالذكرى على غير حاجة
ولا حاد عن أطيابها الغدق السكب
عهوداً لنا كالنور أما نعيمها
فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب
لبسن الصبى بردا فلا خز فارس
يدل،ولا الديباج والوشي والعصب
عهوداً نحيبات الأصايل والضحى
وإن قل في الإنسان والزمن النجب
ولله ما أحلى مرابع لهونا
ينادم ترباً في خمائلها ترب
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم
وتصهل في أفيائها الضمر القب
أحن إذا فارقتني بعض ساعة
وتحمد في الحي اللجاجة لا الغب
شببنا على محض الوفاء وصفوه
كذلك آبائي وآباؤكم شبوا
ويجمعنا نجر قريب سمت به
لغسان أقيال غطارفة نجب
وحب رمته في اللهيب لصهره
صروف الليالي والقطيعة والذنب
وكأس تساقينا ثلاثين حجة
عذوبتها طبع،وتقطيبها كسب
أشم عبيراً من ترابك عاطراً
أمنك استعار العطر والنضرة الترب

فحيت ثراك المزن كفك لا الحيا
وجادتهُ بالسقيا يمينك لا السحب
عاد الغريب ولم تظمأ سريرته
فقد حملت بها في غربتي بردى
من روع البلبل الهاني وأجفله
عن أبكيه وسقاه الحتف لو وردا
جلاني الظلم أشلاء ممزّقة
واحتزّ أكرمهنّ:القلب والولدا

أنا أبكي لليلِ أوحشهُ البدر
وللقلبِ هدّهُ الحرمان
أنا أبكي للهَمِّ يأوي إلى القلبِ
فيقسو على الغريبِ المكان
ويا ربّ في ضيقِ الزمان وعسره
أرى الصّبرَ آفاقاً أعز وأرحبا
صليبٌ على غمز الخطوبِ وعسفها
ولولا زغاليل القطا كنت أصلبا

الشرعُ ما سنَّ القويُّ بسيفهِ
فلسيفهِ التحريم والتحليلُ
لإن قال صدّقه الزمان فقوله
وحي وزور حديثه تنزيلُ
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا
يرفُّ عليهِ النور والظلُّ والخِصبُ
أراكم على بُعدِ المزارِ فيا لهُ
حنيناً تلاقى عندهُ البعدُ والقربُ

تُبنى الشعوبُ على قُربى ومرحمة
وما بنى الحقدُ لا شعباً ولا رَغدا
على طيفكم أغمضتُ عيني والتقى
صياناً له في مقلتي الهدب والهدب
جلوتُ القذى عنها وفاءً لطيفكم
فأحلامها نعمى ومدمعها عذبُ

أحبّايَ لو غير الردى حال بيننا
دنا البرّ في عينيَّ وانكشف البحر
بأسماعكم وقر وقد رحتُ شاكياً
وحاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر
أُعيذُ من اليأس المرير نفوسكم
تلاقى على إعاناتها الظلمُ والقهرُ
إذا ركدت بعد الهبوبِ فإنها
لكالبحرِ من أخلاقهِ المدّ والجزرُ

فيمَ التنكر للآلام قاسية
إذا تباعد في ميدانها الأمد
لا يُبعد الله أحباباً فُجعتُ بهم
وما علالة قلبي بعدما بعدوا
الناشئون علة نعماء مترفة
تقيّلوا الرمل في الصحراءِ واتسدّوا

لم ألن للدّهرِ لكن زعمت
عادياتُ الدّهرِ أنّي سألين
وإذا الحزينُ بكى ولم يك شاعراً
فالشعرُ ما نطقت به عبراته

ونفسي لو أنَّ الجمر مسَّ إباءها
على بشرها الرّيان لأحترق الجمرُ
ألِفتُ حَرَّكِ لا شكوى ولا سهد
يا جمرة في حنايا الصّدرِ تتقِدّ
مُرَّي على كبدي حمراء دامية
يبقى الحنين إذا تسلم الكبد

فتحتُ عيني على حبٍّ صفا وزكا
فصنتهُ لضياءِ العين إنسانا
وفاؤُكَ لا عسرُ الحياة ولا اليسر
وهَمُّكَ لا الدّاءُ الملّحُ ولا العمر
إذا المرءُ لم يملك وثوباً على الأذى
فمن بعض أسماء الرّدى الحقّ والصبر

وياربِّ
:
صن بالحبِّ قومي مؤلفاً
شتات قلوب لا شتات دروب
ويا ربّ
:
لا تقبل صفاءَ بشاشة
إذا لم يصاحبهُ صفاء قلوب
تداووا من الجُلّى بِجلّى

وخلّفوا
وراءهم الإسلام خيرَ طبيب

بدوي الجبل في رثاء سعد الله الجابري:

سألَ الصبحُ عن أخيهِ المُفدّى
أيها الصبحُ لن تشاهد سعدا
طلعةً تُفرحُ العيون وتسبيها
وتغزو القلوب كِبراً ومجدا
وحديثٌ كأنّهُ قِطعُ الروض
تنوعنَ أُقحواناً ووردا
بدعةُ الظرفِ والأناقةِ يُرضيك
دُعاباً عفّا ويُرضيكَ جدّا
تنهلُ العين من بشاشة سعدٍ
ريّها والعيونُ تروى وتصدى
رضيتْ نفسُكَ الهمومَ رفيقاً
أريّحياً على الشدائدِ جَلدا
قُلْ لمن يحسد العظيمَ ترّفقْ
إنَّ خلفَ الأمجادِ همّاً وسُهدا
ما حملتَ الجراحَ داءً مُلّحاً
بل حملتَ الجراحَ غدراً وصدّا
حزَّ في قلبكَ الوفيّ صديقُ
صارَ في الندوةِ الخصيمَ الألدا
يجمعُ الحقَّ والبيانَ على الخصم
فلما تملّكَ الأمرَ شدّا
ما لسعدٍ في الموتِ يزدادُ قرباً
من فؤادي ما ازداد هجراً وبُعدا
أنتَ في خاطري وعيني وقلبي
وعلى الهجر لا أرى منك بُدّا
ما وفيناكَ بعضَ حقّكَ فاعذرْ
إنّ عُذرَ الكريمِ أسمى وأجدى

فصلُ الخطابِ دنا فأيّد أمّة
لم تبغِ إلا حقّها بقيامها
واسمح لنصركَ أن يُرفرف فوقها
ويُطاول الجوزاء في أعلامها
إنّي لأرحم خصمي حينَ يشتمني
وكنتُ أُكبرهُ لو عفَّ مُنتقدّا
عانيت جهد محبّ في الوفاءِ له
والغدرُ بي كلَّ ما عانى وما جهدا
قرّت عيون العدى والأصفياءِ معاً
فلستُ أملكُ إلا العطرَ والشّهدا

وأُسِرُّ الشكوى حياءً وكبراً
رُبَّ شكوى إسرارها إعلان
نقلتُ إلى قلبي حياءً وعفّةً
أسارير وجهي من أسى وقطوب
وعرّتني الأيام ممّن أحبهم
كأيك ـ تحاماه الربيع ـ سليب
ورُبَّ بعيد عنك أحلى من المنى
ورُبَّ قريبِ الدّارِ غير قريب

أيها المذنبون هذا فؤادي
من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في
دنيا أساهُ ويهنأ الوجدان
من غوالي دموعنا الخمر والعطر
ونعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى
نبت الضرب في الربى والطعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت
ويشقى سرج ويشكو عنان
ليس خلف البرود إلا هباء
فاحكم الناس أيها الطيلسان

بدوي الجبل:
وعلّمت المروءة فهي عطر
من الفردوس يسكرنا نفاحا
وعلّمت العروبة فهي عرض
لربّك لن يهان ولن يُباحا
أساح المجد حسبك لن تكوني
لغير شبابك المأمول ساحا
خذي ما شئت واقترحي علينا
كرائم هذه الدنيا اقتراحا

بدوي الجبل:
لا تعذلوني حين أبكي أسى
سبّب لي هذا الشعورُ الأسى

العدلُ كلّ العدل أن أُعذر
مصيبة الإنسان أن يشعرا
من يشتريه منكم خاسراً
أولّى بشاري الدمع أن يخسرا
قضى عليَّ الدّهر وا شقوتي
بالدّهر أن أبكي وأن أسهرا
من يشتري منّي عقود النظيم
من يشتري الشّعر وألحانه

ببسمة تُسلّمني للكرى
ببسمة واحدة في الحيا

بدوي الجبل:
أطلّ على الدنيا عزيزاً:أضمنّي
إليهِ ظلامُ السجنِ أم ضمنّي القصرُ
وما حاجتي للنورِ والنورُ كامن
بنفسي لا ظلَّ عليهِ ولا سترُ
وما حاجتي للأفق ضحيان مشرقاً
ونفسي الضحى والأفق والشّمسُ والبدرُ
وما حاجتي للكائناتِ بأسرها
وفي نفسي الدنيا وفي نفسي الدّهرُ

بدوي الجبل:
لامنا اللائمون في حبّ حسناء
ملول وكلّ نعمى ملول
لا تحاسب أخا هوى في هواه
كلّ ثغر على الهوى معسول
أيّ بدع في ثورة من محبّ
قد يثورُ المقيّد المكبول
لك مني الهوى كما رنّح الفجر
نسيم في غوطتيك عليل

بدوي الجبل:
لم أضِقْ بالهموم قلباً وهلْ
ضاقَ بشتّى عطورهِ البستان
والهموم الحسان تفعل في الأنفسِ
ما تفعلُ الغواني الحسان
وأنا الوالدُ الرحيم وأبنائي
هموم الحياة والأشجان
وأعيرُ الحزين سحر بياني
فيعزيّهِ لو يُعار البيان

عقنّي الأقربون من غمرة الخطب
وعقّ اللّات والإخوان
سوف يملي التاريخ عني ما يُملي
فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقري دهر فَسيّان
وفى أصفياؤه أم خانوا
فيا لك من عمى وسلمت عيناً
ويا لك حيرة عرضت لموسى

لو اختارت لما تركت عماها
فضلّ سبيل غايتها وتاها
أراد جلاءها نفر كريم
فجلّلها الغموض وما جلاها
فتحت سريرتي صفحات نور
وزحزحت الحجاب عن الخفايا

وقد خبر الصحيفة من تلاها
وقلنا شقوة بلغت مداها

بدوي الجبل:
أنا أبكي لليلِ أوحشهُ البدر
وللقلبِ هدّهُ الحرمان
أنا أبكي للهمِّ يأوي إلى القلب
فيقسو على الغريبِ المكان
أنا أبكي لكلِّ طاغٍ فما يستر
إلا الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن
وللحسن فاته الإحسان

أنا أرثي للمترفين فما يُبدع
إلا الشّقاء والأحزان
وأنا المترف الأنيق ولكن
ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فابكي
لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السماء أنجمها
الزهر وفي البحر درّه والجمان

بدوي الجبل:
الليل بعد الراحلين طويلُ
يطوي الزمانُ النابغينَ فتنطوي

أو ما لصبغك يا ظلامُ نصولُ
لذهابهم أممٌ ويهلك جيلُ
ولَرُبَّ نعشٍ غابَ في طيّاتهِ
فتحٌ أغرّ وموطن وقبيلُ
والناسُ أسياف فمنها مُغمد
صدىء ومنها الصارمُ المسلولُ
والخطبُ خطبُ النابغينَ فحقّهُ
بالمشرقينِ تفجّعٌ وعويلُ

يُشكى إليك وأنت رهن منيّة
وتُزارُ في عنت الخطوبِ وتُقصدُ
ولقد يُرّجى السيفُ وهو مُثّلم
ولقد يُهابُ الليثِ وهو مُصّفدُ
فاذهب كما ذهبَ الربيع على الربى
منه يد وعلى القلوبِ له يدُ
ويا رب:في قلبي ندوب جديدة
تريد القرى من سالفات ندوبِ
يريد حسابي ظالم بعد ظالم
وما غيرُ جبّار السماءِ حسيبي
ويارب:صنْ بالحبِّ قومي مؤلفاً
شتات قلوب لا شتات دروبِ
ويا رب:لا تقبل صفاء بشاشة
إذا لم يصاحبه صفاء قلوبِ

بدوي الجبل:
يحبُّ قلبي خباياه ويعبدها
طفولة الروح أغلى ما أدِلُّ بهِ

إذا تبرأ قلب من خباياه
والحبُّ أعنفهُ عندي وأوفاهُ
قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته
غرّ وأرفع ما فيه غرارته

أحلى من النور نعماه وبؤساه
وأنذل الحب ـ جلّ الحبّ ـ أدهاه
ما الحسن إلا لبنات منمقة
لكن يؤلهه أنّا عشقناهُ
لم يرده ألف جرح من فواجعه
حتى أصيب بسهم منك أرداه

بدوي الجبل:
أي لوم على الكهول وخاضوا
ما لأبنائنا تجنّوا علينا

غمرات العلى شبولاً وأسدا
وغفرنا ما كان سهواً وعمدا
حاسبونا على هَنات المعالي
نحن روادكم طلعنا الثنايا

ثم غابوا بها حساباً وعدّا
وزحمنا الصعاب غوراً ونجدا
وبنينا لكم ونعلم أنّا
لن نملّى به بقاءً وخلدا
أيها النازلُ المقيم تعهد
بالرضى والحنان ركباً مُجدّا

بدوي الجبل:
وتنكرّي للنائمين على الطوى
ما كان جودك للسعادة ضامناً

الله قد خلق المنى لتديلا
صدقاً وبخلك بالشقاء كفيلا
هذي الحياة عنت لبأسك رهبة
فتسمعي لجباً بها وصهيلا
وزماجراً قامت على غمائها
من حكمك العاتي القوي دليلا
ملكت يداك هواءها وبحارها
والكون أجمع عرضه والطولا

تضيعُ في نفسي الجُلّى وقد نزلت
من كبريائي آفاقاً وأكوانا
وما رضيت بغير الله معتصماً
ولا رأيت لغير الله سلطانا
ولا عكفتُ بقرباني على صنم
أكرمتُ شعري لنورِ الله قربانا
أدموعاً تريدها أم رحيقا
لا ونعماك ما عرفت العقوقا
تتجلّى عند المغيبِ لعيني
ضياء عذب الحنان رقيقا
وجلاك الشروق حتى تبيّنت
وتزور البروق تخبرني عنك

محياك فاحتضنت الشروقا
ولولاكَ ما استزرت البروقا

ما للسفينة لم ترفع مراسيها؟
ألم تهىء لها الأقدارُ ربّانا؟
ضُمي الأعاريب من بدو ومن حضر
إني لألمحُ خلف الغيم طوفانا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين
سمّوا بحقنا ووثوقا
فالأصيل العتيق يأنف شوطاً
لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقا
ذلّ شوط يكون بين البراذين
فلا سابقاً ولا مسبوقا
لم تحمحم تختال بالحسن والقوة
بل حمحمت تريد العليقا

الخافقان وفوق العقل سرّهما
كلاهما للغيوب
:
الحبّ والله
كلاهما انسكبت فيه سرائرنا
وما شهدناه لكنّا عبدناه
إن الذي خلق الحقيقة علقما
تتصارعان ولا ترى إحداهما

خلق المنى للواردين شمولا
ظفراً لتبسط حكمها وتطولا
تدعو المنى زمر القلوب وأختها
والكون بين الضرّتين مقسّم

تدعو بصائر في الوغى وعقولا
فاشهد قبيلاً يستبيح قبيلا
واعذر على البغي القلوب فطالما
قيدت وذلّل صعبها تذييلا
أما الدجى والفجرُ من أعدائه
فاقد بصرت به يخرّ جديلا

إنَّ شرَّ الأمورِ ظلم الجماهير
وأهون بالظلمِ إن كان فردا
برئت إلى الحقيقة من غواة
تفرُّ من الصباح إلى دجاها
تريد رضاك تقييداً وأسراً
وأين رضاك ربي من رضاها
وأنكر قدرة الخلاق روح
رأى صور الجمال ومن اشتهاها
لمن جليت بزينتها عروساً
وفيم أحبها ولمن براها

جمرة الحقدِ في السرائر لولا
قد أرقنا دماؤنا فسلوه
ذلّ أصحابها لشبّت حريقا
أي دمع من مقلتيه أريقا
حمّلوهُ ما لا يطيق وكانت
بدعة تخجل العلى أن تطيقا
دعكَ من زحمة العواصف واترك
للعقاب السماء والتحليقا
خلق الله للعظائم والمجد
فريقاً وللصَغارِ فريقا
تقسّمَ الناسُ دنياهم وفتنتها
وقد تفرّدَ من يهوى بدنياه
ما فارقَ الريّ قلباً أنت جذوتهُ
ولا النعيمُ مُحباً أنتَ بلواهُ
غمرت قلبي بأسرار معطرّة
والحبُّ أملكه للروح أخفاهُ
وما امتحنت خفاياه لأجلوها
ولا تمنيت أن تجلى خفاياه

ألِفتُ حَرَّكِ لا شكوى ولا سُهدِ
يا جمرةً في حنايا الصدرِ تتقدّ
نطل من أفق الدنيا على غدرها
فنتجلّى الراسيات الشمّ كثبانا
وما دهتنا من الجبار عادية
إلا جزينا على الطغيان طغيانا
أديم حصبائنا در وغالية
ما أفقر الناس للنعمى وأغنانا
وأيّ نعمى نرّجيها لدى البشر
والله قرّبنا منهُ وأدنانا

ليت الذين وهبناهم سرائرنا
في زحمةِ الخطبِ أغلوا ما وهبناهُ
ولا وفاء لقلب حين نؤثره
حتى تكون رزايانا رزاياه
يا صفي الأحزان تسقي البرايا
كأسها مُرة،وتسقيك شهدا
رضيت نفسكَ الهموم رفيقاً
أريحياً على الشدائد جلدا
غابَ سعد عن العيون وما
غابَ ضياء يهدي القلوب فتهدى

وكل ذنب سوى الطغيان ننزله
على جوانحنا حبّاً وغفرانا
طبعي الحبُّ والحنانُ فما أعرف
للمجدِ غير حُبّي طريقا
لم يضِقْ بالعدوِّ حلمي وغُفراني
وأفدي بمقلتي الصديقا
لا أريدُ الإنسان إلا رحيماً
بإختلافِ الهوى وإلا شفيقا

مسلمٌ كلّما سجدتُ لربي
فاحَ من سجدتي الهدى والعبيرا
وسِعتْ هذي القبورُ فؤادي
كيفَ تشكو وهي السماوات ضيقا
كيف لا تُنبتُ الرياحينَ والشّوق
وقلبي على ثراها أريقا
مُقلتي يستجّمُ في دمعها الطيفُ
وتحنو فلا يموتُ غريقا

أدعو قبورَ أحبائي لتسمعني
وهل تُجيبُ دعاءَ الثاكل
أحنو على قبرٍ من قبورهمُ
أبكيه حتى بكى من لوعتي الحفرُ
لي قبور كنزت فيها شبابي
يا قبور اللدات:كل شقيق

وصبوحي على المنى والغبوقا
حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي
كيف تشكو وهي في السماوات ضِيقا
كيف لا تنبت الرياحين والشوق
وقلبي على ثراها أريقا

تلك القبورُ فلو أني أُلِمُّ بها
لم تعدُ عينايَ أحباباً وإخوانا
أنا أبكي للعينِ لا تُدركُ الحسنَ
وللحُسنِ فاتهُ الإحسان

تنكّروا لقديمِ المجدِ وهو ضحىً
يؤذي العيونَ ولا يؤذي الضحى الرمدُ
رمقتكَ العيونُ حُباً ووجداً
وفتحنا قلوبنا لك مهدا

رنتِ العيونُ إلى جلالكِ خُشعاً
والبدرُ يُلثمُ في العيون ويُرمقُ
كلّما عارضوا الصوارم فيه
كان أمضى شباً وأصفى فرندا
ما على العبد أن يسوّد عار
بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا

أبا جميل
..
وقربى بيننا اتصلّت
إلى الجنان
..
فدان وهو مبتعد
وأناجي قبوركم أعذب النجوى
وأشكو معاتباً وأُطيل
وكأنَّ القبور تسمعُ شكواي
وتدري حصباؤها ما أقول

يتمت بعدك القوافي وضجَتْ
باكياتٍ بيومك المشهود
غَيّبَ القبر منك شمّاء مجد
وعرة تزحم النجوم سحوقا
يتلقاك(هاشم) في ربى عدن
ويستقبل المشوق المشوقا

وللأهلِ أبصارٌ روانٍ تعلّقت
بعينيه إيجابٌ هنالك أم سلب
لي قبور كنزت فيها شبابي
يا قبور اللدات:كل شقيق

وصبوحي على المنى والغبوقا
حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي
كيف تشكو وهي في السماوات ضِيقا
كيف لا تنبت الرياحين والشوق
وقلبي على ثراها أريقا

وفزنا من النورِ المصونِ بلمحةٍ
تُقرّيها عينٌ ويندى بها قلبُ
نغماتُ عودي لا تُملّ لأنها
لغةُ الملائكِ إذ تُناجي الحورا
يُدني إليَّ من الخيالِ شوارداً
ويهزُّ أعطافي هوىً وسرورا
في ظلمةِ الأحزان من نغماته
نفسي الحزينة تستعيرُ النورا

من رأى روعة الحنانِ أطلّتْ
من عيونٍ ولألات في خدودِ
إذا الزعيمُ تولّى عن شبولتها
حمى الشبولة إخوان له نجد
أما الشبابُ فما خانوا رسالته
عند الكفاحِ ولا حادوا ولا جحدوا
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة
سقّ الدُّجى كوكب من ذكره يقدُ

نمْ بعيني إذا اصطفيتَ رؤاها
همّ عيني أن تُصطفى وتروقا
فلو درت الضلوع صنيع قلبي
لما غفرت جريرته الضلوع
يطيعُ أحبّة جاروا عليه
ويأمره الزمان فلا تطيع
تشفّع في ذنوبهم وفائي
ففاز الحبّ وانتصر الشفيع

تنهل العين من بشاشةِ سعدٍ
ريّها والعيونُ تروى وتصدى
أعيذ من اليأس المرير نفوسكم
إذا ركدت بعد الهبوب فإنّها

تلاقى على إعاناتها الظلم والقهرُ
لكالبحر من أخلاقه المدّ والجزرُ
أرى العفو والنسيان من خلق الصّبا
ولم ينس عند الشيبِ حقد ولا ثأر
وما أكرم النسيان والعفو منكم
إذا لم يضع حق ولم يحتسب وترُ
وأنتم على دلّ الشبابِ وزهوه
وأهوائهِ ركن القضية والذخرُ

غابَ سعدٌ عن العيونِ وما
غابَ ضياءً يهدي القلوب فتُهدى
أفدي القبورَ التي طافَ الرجاءُ بها
طوتْ جفونُ الردى بيضاً غطارفةً

يا للقبورِ غدتْ تُرجى وتُفتقدُ
لو أنهم ماجدوا شمسَ الضحى مجدوا
أحبّتي الصيدُ شلَّ الموتُ سرحهم
وقد حننتُ إلى الوِردِ الذي وردوا
لم أعرف الحقدَ إلا في مصارعهم
ولم أُجزْ قبلها أعذارَ من حقدوا
ترفّقي يا خطوبَ الدهرِ واتئدي
لا تجعلي النومَ في أجفان من سهدوا

وإن حجبوا عن عينه الكونَ ضاحكاً
أضاءَ لهُ كونٌ بعيدٌ هو الفكرُ
أحبّاي لو غير الردى حال بيننا
دنا البرّ في عينيَّ وانكشف البحر
بأسماعكم وقر وقد رحتُ شاكياً
وحاشا ففي سمع الثرى وحده الوقرُ
وأوحشتم الدنيا كأنّ لم تدس بكم
على الهام في الرّوعِ المحجّلة الشقرُ
وحتى كأنَّ الرمل لم يروهِ دم
كريمُ المُصفّى لا أجاج ولانزر


لم يكن موته فراقاً ولكن
هذه آوبة الخيال البعيد
أصفيتُكَ الحبّ لا منّاً ولا كدرا
ومن هناتِ المحبّ المنّ والكدر
وما اصطفيتُك عن خوف وعن ملق
ولا لأني إلى نعماك أفتقر
لكن وفاء لنعمى منك سابقة
وأنك الكنز للأوطان يدّخرُ

كيف تسمو القلوب لولا المروءات
وتغفو على المنى الأجفان
والعبقريّ وإن جلّت مواهبهُ
طفلُ السريرة لا حقد ولا حذرُ
طفل فإن نال ضيم من كرامته
ما البحرُ يزأر،ما البركان ينفجرُ
ذنوبهُ خفرات من براءته
أحلى الغواية ما يندى به الخفرُ

وبلبل النوح يرضيه بأيكته
سرّ الجمال،ويرضي غيره الثمر
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها
فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا

يقولون
:
جدَّ اليعربيين نائم
!
لقد وهموا،فالسعيُ لا الجدَّ نائم
وما الناسُ إلا اثنان مهما تخالفوا
ميولاً
:
فمهزومٌ ضعيف،وهازمُ
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم
لغو من الناس لا ذمّوا ولا حمدوا
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا
حزن المحبين في البلوى ولا وجدوا
الظامئون وظنوا أنهم ثملوا
والغائبون وظنوا أنهم شهدوا

فيا شقاء فتى آماله رجعت
لأمسه وانطوى يوم ومات غد
ويا سامر الأحباب طيف ولا كرى
وسكر ولا راح وريّا ولا زهر
كلانا على ما كلف النفس من رضى
أضرّ به نأي الأحبّة والهجر

فاعذر إذا لم أوفِ مجدك حقّهُ
لجج الخضّمِ طغت على السّباح
والخيرُ في الكون لو عَرَّيت جوهرهُ
رأيتهُ أدمعاً حرّى وأحزانا

بدوي الجبل:
في رثاء الألوسي والمنفلوطي:
الليل بعد الراحلين طويل
أو ما لصبغك يا ظلام نصولُ
يطوي الزمان النابغين فينطوي
لذهابهم أمم ويهلك جيلُ
ولُربّ نعش غاب في طياتهِ
فتح أغرّ وموطنُ وقبيلُ
والناسُ أسياف فمنها مُغمد
صدىءٌ ومنها الصارمُ المسلولُ
في كل يوم للجزيرة كوكب
يهوي وسيف يعتريه فلولُ
قبر بعاصمة الرشيد وأخر
في مصر حقّ ستوره التقبيلُ
بدران قد بكر الأفول عليهما
ولكلّ بدر طلعة وأفولُ
ومشيعان إلى القبور بموكب
يرتد عنه الطرف وهو كليلُ

بدوي الجبل:
في رثاء الألوسي والمنفلوطي:
فيه رعيل من ملائكة العلا
ومن الجدود الأكرمين رعيلُ
عيسى وأحمد والكليم عصابة
فيها الأمين المنتقى جبريلُ
ما للجزيرة أين نور نبوغها
الزيت جفّ وأُطفىء القنديلُ
بغداد شاكية ومصر حزينة
والشام حاسرة القناع ثكولُ
تلك الأقانيم الثلاثة واحد
بردى وشاطىء دجلة والنيلُ
لا تنكروا حقّ الحياة لأمة
فيها النبوغ على الحياة دليلُ
لم تخب أنوار النبوغ وإنما
مرعى النوابغ في البلاد وبيلُ
ما قلّ فينا النابغون وإنما
عدد الألى قدروا النبوغ قليلُ

رُزىء الشعر فيك عبد الحميد
عبقريّ القديم عذب الجديد
غزل يسكر النفوس ويُدني
ما نأى من خيالها المنشود
هواك عندي مقيم في مواطنه
فإن تحوّلَ عن نعمائها اغتربا
أحبك الحبّ تأليها خلعت به
على تدلّهي الإجلالَ والرهبا
سكبت في دربك الأطياب والهة
وجلّ كأسك عن عطري الذي انسكبا
لعله والخطى السمراء تسلكه
يعلّها من حنيني بعض ما شربا

بدوي الجبل:
أغليت نعمى الهوى عندي ومحنته
فحبّ ما مرّ منه حبّ ما عذبا
مدامعي فيك لو أكرمت جوهرها
أكرمتُ فيها الهوى والشعر والعربا
أجلّ بابك عن طول الوقوف به
فقر الكريم تجلّى صمته طلبا

بدوي الجبل:


أدعو قبور أحبائي لتسمعني
قبر بضاحية الشهباء طاف به

وهل تجيبُ دعاءَ الثكل الحفر
فلملم الطيب من حصبائه السحر
واستودعت حمص قبراً لو مررت به
ولي قبور على الفيحاء غافية

لهشَّ لي منه حبّ مترف عطر
زوارها الطير والأشواق والقمر
ظمأى ويندى ثراها لوعة وهوى
إذا ألمَّ بها من غربتي خبر
تلك المصارع ردَّ الموت نجدتها
عني فكاد الأديم السمح يعتذر

بدوي الجبل:
أعيذ مؤنس روحي بعد وحشتها
أن يستردَّ من النعماء ما وهبا
يا ضيعة النغم الأسمى ولوعته
إذا محى الخالق الفنان ما كتبا
شفعت عندك حبي في مواجعهِ
وما تمزّق من قلبي وما سلبا
أخفيت ظلمك عن نفسي لأرحمها
ثم ابتدعت له الأعذار والسببا

بدوي الجبل:
طاح الزمان بإخواني وأوردهم
أصبحت بعدهم حيران منفرداً

على الحتوف فلا عين ولا أثر
والريح معولة والليل معتكر
أحنو على كلّ قبر من قبورهم
قد عقّني الصحب حتى لا أضيق به

أبكيه..حتى بكى من لوعتي الحجر
إن عقّني الأقربان السمع والبصر
ألوّن الخطب أضواء وغالية
وأبدع الفقر غراً حين أفتقر
وما وفى لي ممن كنت أؤثرهم
إلا القبور وإلا الأيك والنهر

ثناني عن لقائك يا أميري
عثار الجدّ والقدم الوجيع
فخفَّ من الجموعِ إليك قلبي
يرافقها وما درت الجموع
ومزّقه الحنين فكل جرح
هوى يشكو وغالية تضوع
أميري هذه شكوى ألحّت
فضاق بجمرها الصدر الوسيع
وعندك مثلها ولدى كلينا
لأسرار العلى حرم منيع
وأهلاً بالأمير فكل قلب
على لقياك خفّاق نزوع
نزلت مع الربيع على ربانا
فقال الناس:أيّكما الربيع

بدوي الجبل:
ما للمنيّة أدعوها وتبتعد
ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب

أمرّ من كل حتف بعض ما أجد
والوارد ون أحبائي ولا أرِد
عللّتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسى
دعوتُ خدنيّ من دمع ومن جلد

بالجمرِ من نفحات الجمرِ يبترد
فأسعف الدمعُ لكن خانني الجلد
أصبحت أعزل والهيجاء دائرة
لا السيف ردّ الاذى عني ولا الزرد
أرد رشق الظبى عن مهجتي بيد
وتمسح الدمع من نزف الجراح يد

بدوي الجبل:
الضحى والشجاع حلفا كفاح
وما احتمى بالظلام إلا جبان
حرنوا والشعوب في موكب السّبق
ومن شيمةِ الهجين الحران
يعثر الدهر والشعوب تشقى
قبروا في المهود ما سلّ سيف

بالمناكير أمة وزمان
في رداهم لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنية ظلما
ولدوا قبل أن يحين الأوان

بعض الخطوب ظلام لا صباح له
وبعضها الفجر فيه النور والرشد
هتف الهاتفون:أينَ رياض
وبكت أمّة وأجهش تاريخ

فانتخى في الثرى حسام صقيل
وناحَ القرآن والإنجيل
يا لستينَ في الكفاحِ طوال
حاليات وكلّ جلّى تطولُ
من رآهُ يخرّ في فجأة الغدر
رأى الراسيات كيفَ تميلُ
إنّ موتَ العظيم محنة التاريخ
وجنيا تفنى وكونٌ يزول

وهيهات ما لوم الكريم سجيتي
ولا بغضه عند الجفاء نصيبي
طوت جفونُ الرّدى بيضاً غطارفةً
لو أنهم ماجدوا شمس الضحى مجدوا
مصارع الصيد ؤمن قومي فكل ثرى
بدر وكل أديم موحش أُحدُ
أحبّتي الصّيد شلّ الموت سرحهم
وقد حننتُ إلى الوردِ الذي وردوا
يصونهم من حتوف الناس مجدهم
كأنهم من جلالِ المجدِ ما فُقدوا

لا يعذب الوصل إلا أن يخامره
خوف المحبين من نأي وهجران
ولا هناء بنعمى لا تخاف لها
فقداً ولا تبتلى منها بحرمان
حال بيني وبين دنياي أنّي
وأراكم حتى لأسأل نفسي

بكم في سريرتي مشغول
أيقين رؤاي أم تخييل
بوركت نعمة الخيال ويرضيني
خداع الخيال والتعليل
أجهدتنا الضحى على زحمة الرّوع
فهل يسعد الطلاح الأصيل
أين أين الرعيل من أهل بدر
طوي الفتح واستبيح الرعيل

تلفت لا شملي جميع ولا الهوى
قريب ولا فرع الصبى عبق نضر
ويا سامر الأحباب مالك موحشاً
معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذكر
وإذا النصر كان عاراً فأرضى
للمروءاتِ أنكَ المخذول
لقطاف الوغى شمائل كالناس
فنصر وغد ونصر نبيل

يا مانح النور من تاهت دروبهم
ومانح الحبِّ والغفران من حقدوا
يفنى المزّور من مجد ومن خدعت
به الشعوب وتبقى أنت والأبد
لا الأمس يسلبك الخلود ولا الغد
هيهات أنت على الزمان مُخلّد
تتجدد الدنيا وقلبك وحده
دنيا تعيد شبابها وتجدد

وآمنتُ أنَّ الحُبَّ خيرٌ ونعمة
ولا خير عندي في وغى وحروب

بدوي الجبل يرثي سعد الله الجابري:

أدُموعاً تُريدَها أم رحيقا
لا ونَعماكَ ما عرفتُ العقوقا
نَمْ بقلبي ولو قدرتُ منعتُ
القلبَ حتى تقرَّ فيهِ الخفوقا
نمْ بقلبي وحُرمةٌ لك لن
تسمع مني تأوُّهاً وشهيقا
نمْ بعيني فقد فرشتُ لكَ الأحلامَ
مُخضّلة الورودِ طريقا
كيفَ تغفو ألم ترَ الشامَ في
النزعِ وتشهد لواءها المخنوقا
مزِّقِ القبرَ فالشامُ تُناديكَ
وتبكي مكانكَ المرموقا

بدوي الجبل يرثي فارس الخوري:
أترِعي الكأسَ أدمعاً ورحيقاً
حقُّ بعضِ الهمومِ أن لا نفيقا
سَلِمَ الجمرُ لي وعاشَ بقلبي
أرِيَحيَّ اللهيبِ عذباً أنيقا
يا شآمي يا قبلةَ الله للدنيا
ويا راحتها المُصّفى العتيقا
أُترِعُ الكأسَ من هواكِ لِتروى
كبدي من هواكِ لا لتذوقا
لملمَ الفجرُ ذكرياتي دماً سكباً
ومجداً غَمراً وعهداً وثيقا

لم ينلْ من عزمكَ اليأسُ ولا
عنتُ الدهرِ ولا الداءُ العَياء
رضي الله عن أخٍ لكَ كالسيفِ
المُحلّى يروعُ نصلاً وغمدا
أين سعد؟ولا ألوم الليالي
وهب الدّهرُ غالياً واستردّا
أي بِدع إذا بكيت لسعد
إن بكى السيفُ حدّه ما تعدّى
لو رأى هذه الدموعُ الغوالي
لَبكى رحمة وحيّا وفدّى
غابَ سعد عن العيون وما
غابَ ضياء يهدي القلوب فتهدى
ثورة في الحياة والموت جلّت
ثورةُ الحقّ أن تقرَّ وتهدأ

يا لسنين في الكفاح طوال
حاليات وكل جلّى تطول
من رآهُ يخرُّ فجأة الغدر
رأى الراسيات كيف تميل

بدوي الجبل في المجمع العلمي الدمشقي:

يا “مجمع” الصيد الغطاريف الأولى
هذي سيوف الفاتحين من البلى
أرجعتم صور الحضارة غضّة
حفظوا الجدود وخلدوا آثارها
قد صنتم أجفانها وشفارها
فكأنكم أرجعتم أعصارها
وبعثتم أمم الجزيرة بعد ما أنطقتم
الصور الجماد فخبرت

طويت وحلل فذكم أطوارها
عن شأنها ورويتم أخبارها
وسللتم صمصامها من غمده
متألقاً وجلوتم دينارها
ورفعتم ركن القضية عالياً
بجهادكم وكشفتم أسرارها

بدوي الجبل في رثاء رياض الصلح:
غابَ عندَ الثرى أحبّاءُ قلبي
فالثرى وحدَهُ الحبيبُ الخليلُ
وسقوني على الفراقِ دموعي
كيفَ يَروى من الجحيمِ الغليلُ
هتفَ الهاتفون:أينَ رياضٌ
فانتخى في الثرى حسامٌ صقيلُ
وبكتْ أمةٌ وأجهشَ تاريخٌ
وناحَ القرآنُ والإنجيلُ

بدوي الجبل:
يا رفاقي بكيتُ فيكم شبابي
من تملّى بقلبهِ الضاحك الهاني

كلّ عيشٍ بعدَ الشّبابِ فضولُ
فقلبي المُمزّق المتبولُ
أين سعد وعادل ورياض؟
ونجيب وأينَ مني نجيب؟

ما لركبِ الردى المجدّ قفولُ
غالَ قومي من المنيّة غولُ
كيفَ أغفى أبو رياض وحقي
في الشام المضيّع المخذول
وتلاقيتم على البعدِ في قلبي
فلا روعِ اللداتِ رحيلُ

بدوي الجبل:
لن يعدم القبر لا ريّا ولا عبقا
فلي جفون ندّيات ولي كبد
أحنو على دمك المطلول ألثمهُ
أزكى من الوردِ ما جادت به الورد
دماءُ قلبك إيمان وغاليه
فليسَ ينكرها بدر ولا أحد
دماءُ قلبك ما من قطرة نزفت
إلا تمنت سناها نجمة تقدُ

بدوي الجبل:
حمّلتُ عدنان أطيابَ الحنين فهل
أدى أمانة ما أشكو وما أجد
لم أرثهِ وهو روحي فارقت جسدي
وكيفَ يبكي ويرثي روحه الجسد
ألمّ بالقبرِ أغليه وألثمهُ
وحولي الساخران:الغيبُ والأبد
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم
هتفتُ:لا تبتعدوا عني وقد بعدوا

بدوي الجبل:
يا رفاقي بكيت فيكم شبابي
كلّ عيش بعد الشّبابِ فضول
من تملّى بقلبهِ الضاحك الهاني
فقلبي المُمزّق المتبول
أين سعد وعادل ورياض
ما لركبِ الردى المجدّ قفول
ونجيب وأين مني نجيبُ
وكيفَ أغفى أبو رياض وحقي

غالَ قومي من المنيّة غولُ
في الشام المضيّع المخذول
وتلاقيتم على البعدِ في قلبي
فلا روّع اللدات رحيلُ

بدوي الجبل:
غيّبَ القبر منكَ شمّاء مجد
يتلقاك(هاشم) في ربى عدن

وعرة تزحم النجوم سحوقا
ويستقبل المشوق المشوقا
حيِّ عنّي سعداً وقبّلْ محيّا
وأبا أسعد سقته دموعي

كالضحى باهر السنى مرموقا
وسليمان و(النديم) الصدوقا
واسق(قدري)و(عادلا)و(جميلا)
من حنيني طيب الهوى والرحيقا
واشكُ حزني(المظهر) و(نجيب)
راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبورِ الغوالي
ويوّفى قبر الكريم الحقوقا

بدوي الجبل:
ما لسعد في الموتِ يزداد قرباً
من فؤادي ما ازداد هجراً وبعدا
وإذا رفّ طيفهُ في خيالي
رفّ ريحانة من الله تهدى
أنتَ في خاطري وعيني وقلبي
وعلى الهجرِ لا أرى منك بداً
صور لو ينال من حسنها النور
لكانت بنور عيني تُفدى
وأصون الطيوف بين جفوني
لو تطيق الجفون للطيفِ ردّا

بدوي الجبل:
أبا طارق هذي سراياك أقبلت
يرفّ على أعلامها العزّ والنصرُ
لقد قدتها حيّاً وميتاً فما ثنى
شكيمتها عنفٌ ولا هدّها ذعرُ
فمر تسمع الدنيا هواك وينطلق
إلى الفتح بعد الفتح عسكرك المجر
ومُرْ يتمزق كلّ قيد أبيته
ويسرف على طغيانه الحطم والكسرُ

أبا أحمد في ذمّة الله صارم
من الحقِّ لا يشكو الضرابَ ولا ينبو
يمان مجلّى فهو في السلم زينة
وتكشف عنف الموت في حدّة الحرب
لِدات طفولتي ذهبوا تباعاً
وعاقتني الخطوب عن الذهابِ
أُسائلُ عنهم فأرى وجوماً
فأُغضي،وقد عثرت على الجوابِ
وأسمعُ للقبورِ صدى وجيعاً
حنين الغائبين إلى الإياب
سقى تلك القبور دمي ودمعي
وجلّ القبر عن سقيا السحاب
ومن فوق التراب فدى بدور
خبا لالأؤها تحت التراب

فتحت عيني على حبٍّ صفا وزكا
فصنته لضياء العين إنسانا
في الثرى من أحبتي ولِداتي
ظفر أبلج وفتح جليل
نزلت بالقبور أسمى اللّبانات
وطافَ الرجاءُ والتأميلُ
وتهبّ القبول تحمل أشواقي
فهل رشّت الطيوب القبول

يشهد الله ما بقلبي حقدٌ
شفّ قلبي كما يشفُّ الغدير
فما عرفت إلا قبور أحبّتي
وإلا لِداتي في دجى الموت غُيّبا
وما لمتُ في سكبِ الدموعِ فلم تكن
خلقت دموعُ العينِ إلا لتُسكبا
ولكن لي في صون دمعي مذهبا
فمن شاء عاناه ومن شاء نكّبا

وآمنتُ أنّ الحبّ والنور واحدٌ
ويكفر بالألاء كلّ مريب
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى
وغابَ تحت منهم شموس هدى
لداتي الصيد،شلّ الموت سرحهم
ليت النجوم وروحي لِلدات فدى
الراقدونَ وجفني من طيوفهم
في سامر ضجَّ في جفني فما رقدا

طبعيَ الحبُّ والحنانُ فما أعرف
للمجد غيرَ حبي طريقا
لا أريدُ الإنسانَ إلا رحيماً
باختلافِ الهوى وإلا شفيقا
وما بُنيت إلا على الحبِّ أمةٌ
وما عزَّ إلا بالحنان زعيمُ
ولا فوق نعماء المحبة جنةٌ
ولا فوق أحقادِ النفوسِ جحيمُ
ويا ربّ قلبي ما علمتَ محبةٌ
وعطرٌ ووهجٌ من سناك صميمُ

الكون في أسراره وكنوزه
للفكر لا لوغىً ولا لسلاحِ
وأنا الذي وسِعَ الهمومَ حنانُهُ
وبكى لكلّ معذّب ملتاح
أشقى لمن حمل الشقاء كأنما
أتراحُ كلّ أخي هوىً أتراحي
ووددت حين هوى جناحُ حمامةٍ
لو حلّقت من خافقي بجناحِ
حبٌ قد انتظم الوجودَ بأسره
أسد الشّرى وحمامةَ الأدواح

والظلمُ من طبعِ الجبانِ
وكلُّ طاغيةٍ جبانُ
إذا ملكوا الدنيا على الحرِّ عنوةً
ففي نفسهِ دنيا هي العزُّ والكبرُ
وإن حجبوا عن عينه الكون ضاحكاً
أضاءَ له كونٌ بعيدٌ هو الفكرُ

أرى الفرد لا يبقى وإن طال حكمه
ويبقى بقاءَ الحق والزمن الشعبُ
عروبة الشام يا لبنان صافية
سمحاءُ كالنورِ لا مكرٌ ولا عقدُ
تنزّه الحب عن مَنٍّ وعن نكدٍ
وقد يُنّغِص حسن النعمة النكدُ
نحن المحبين نهواكم ونؤثركم
هل كان من دلّلوا القربى كمن وأدوا
نحن الظماءَ ونسقي الحب أرزكم
الحبُّ في الشام لا نزرٌ ولا ثَمَدُ

ليس بين العراق والشام حدٌّ
هدم الله ما بنوا من حدود
تَحِنُّ لكَ الربوعُ ولستُ أدري
لمنْ تشكو مُصيبتها الربوعُ
تَنّمرَ كلُّ خوّانٍ لئيمٍ
وتاهَ النذلُ واختالَ الوضيعُ
نزلتَ مع الربيعِ على رُبانا
فقال الناسُ:أيّكما الربيعُ

تطوّحني الأسفار شرقاً ومغرباً
ولكنّ قلبي بالشآم مقيمُ
لقد زعموا أني بِجلّق هائمٌ
أجل،والهوى إني بجلّق هائمُ

بدوي الجبل يرثي كامل مروة صاحب جريدة الحياة:
أبا جميلٍ سلامُ الله لا كُتبٌ
إليكَ تحملُ أشواقي ولا بُرُدُ
لقيتَ في الحقِّ ما لاقى بهِ نفرٌ
من الهداةِ وما عانوا وما جَهَدوا
والعبقريّ غريبٌ في مواطنهِ
يدورُ حيثُ يدورُ الحقدُ والحَسدُ
يا مُبدع السحرِ إلا أنه كَلِمٌ
وساقي الرأي إلا أنهُ شهَدُ
يا مانِحَ النورِ من تاهت دروبهمُ
ومانِحَ الحُبِّ والغفرانِ من حقدوا

بدوي الجبل:
يا قبور في الشام رُبّ قبور
أنزلتها النوى مكاناً سحيقاً
موحشات:إلا غريفاً نت الجنِّ
يرجّ الدّجى وإلا نعيقا
هائمات كالنور طارت صبابا
تي إليها فما استطعنَ اللحوقا
غرّبتنا العلى قبوراً وأحياء
وعاثت بشملنا تفريقا
واغتراب القبور من حيل الموت
ليخفى كنوزه والعلوقا
تسمع الريح حين تصغي حنينا
من فؤادي على الثرى وشهيقا

حسدوه على المزايا فكان ال
موت بين الأهواءِ والحقِّ حَدّا
إنّ من ينكرونهُ وهو حيٌّ
ربما ألّهوهُ رمزاً ولحدا
أفدي القبور التي طاف الرجاء بها
يا للقبور غدت ترجى وتُفتقد
ولي قبور على الصحراء موحشة
فلا تُزار ولا يدري بها أحد
تلك القبور وقلبي لا يضيق بها
ضاقت بزحمتها الأغوارُ والنجدُ
مصارعُ الصيدِ من قومي فكلّ ثرى
بدر وكلّ أديم موحش أحد

وأنت أمّ جميل أيّ نازلة
لم تُبق رفداً لحزن جاء يرتفد
ما قبل يومك يوم رحت أشهدهُ
له لواء على الأحزان مُنعقد
أبا جميل أناجي فيك حالية
تحوّلت أفقاً غير الذي عرفوا

من الشمائل أغليها وأفتقد
وأنجماً في الدّجى غير التي رصدوا
فسّلم الفلك الأسمى على فلك
فيه الكواكب والأس والرأد

أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم
وقد حننتُ إلى الوِردِ الذي وردوا
السالكون من العلياء أخشنها
والقاحمون وغير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة وهوى
وللأماني طريق هيّن جدد
ستنامين ملءَ صدري وتصحين
على لحن خفقة المرتاحِ
ويعود الزمان طيباً ونحسو
من كؤوس الحياة أعذب راحِ
فتعالي،نسل رحيقاً على الوردِ
وعطراً على شفاهِ الأقاحي
بين ظل ساج،وماء فرات،
ونسيم،وبلبل صداح
وبجفني سأمسح الترب أن يعلق
بأطرافِ برك الفياح
فتعالي،نمر ضياء من البدر
ونغمر ذوائب الأدواحِ
ونغن الشروق ملحمة الحب
فيشذى بنشرها الفواح
وتلون وجه العيشة باللهو
ونكحل جفن الضحى بالمراحِ
ونعل الصبا سلاف تناجينا
ونرم النجوم بالأقداحِ
ونحر الشفاه بالقبل الهوج
ونكثر منها بغير جناحِ
حلم في دمي يلون إحنائي
ويغزو يدي بكلّ سلاحِ
حلم يعقد الجناح من السحر
فيعنو له عتو الجناح
حلم لم تلده أخيلة العصر
برغم المسود الجحجاح
ما لجفني تحنو عليه الخيالات
وتحدوه روعة الأشباح
ويحه لم يزل بإحنائه الدمع
وشيكاً لمستحث البراح
كيف يسمو على يد الأفق شدوي
وعلى الأفق رعدة من نواحي؟!
وتقولين:لا أراك أمخشي هوانا
ونحن أهل السماح
أم تداويت عن هوانا ـ حنانيك
أيمحو الهوى من القلبِ ماحي؟
لا ومن سلسل الشعاع ونقاه
واسقي به حدود الملاح
ما أهلت عيني،وما طرفت شوقاً
إلى غير وجهك الوضاح
بلغ اليأس بي مداه وفاتت
غاية الوهم في الهوى أتراحي
أنا فجع مجرح في لهى البيد
وثكل مشلع في البطاح
أنا آه حيران في حدد الأرض
وتيه يزجيه لهب الجماح
أنا دمع منثر في الصحارى
وأنين مفتت في الرياح
أنا رجع محطم واحتضار
في ضلوعِ الأمساء والأصباح
أنا ميت أجر جثة نفسي
بين عطفِ ألحاني ولحن اللاحي
آه ما للسماء تدجو وتنهار
وصدري ينهدُّ تحت وشاحي؟




بدوي الجبل يرثي أحدهم(
القيثارة بتاريخ الأول من كانون الثاني عام 1947
م):
لهيب من الذكرى،وحقّك لا يخبو
متى يتلاقى بعد نأيهم الصحبُ؟
أحبّة قلبي إن بعدتم فما نأى
عن القلب لا الوجدُ الملّحُ ولا الحبُّ
على طيفكم أغمضت جفني وانطوى
صياناً لهُ في مقلتي الهدب والهدبُ
جلوتُ القذى عنها وفاء لطيفكم
فأحلامها نعمى،ومدمعها عذبُ
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلاً
يرفُّ عليه النور والظلُّ والخصبُ
أراكم على بعدِ المزارِ فيا له
حنيناً تلاقى عنده البعدُ والقربُ
ويُدنيكم مني خيال مجنح
أراقت عليهِ نورها الأنجمُ الشّهبُ
خيال يجوز الكون والدهر والمنى
ويطوي الغيوب النائيات ولا يكبو
فيا بعدها من غاية لم ترح بها
مطي،ولا حطّ الرحال بها ركبُ
ولله ما أوفى الخيال،فبيننا
وبينكم منه الرسائلُ والكتبُ
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي

يولم تتقبله البصيرة واللبُّ
أساريره،بشر عليهن أم رعب؟
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذباً
يجسّ الطبيبُ النبضَ حيرانَ ذاهلاً

فيا نعمة قد كان يحملها الكذب!
وهيهاتَ لا يغني الطبيبُ ولا الطبُّ
ويرجو على اليأسِ المرير،وأنّه
خداعُ الأماني والتعلّة والحبُّ

عمر أبو ريشة للأخطل الصغير:
عفواً،بشارة،بعض البوح ضقت به
فسالَ فوق فمي،حرّان يستعر
خنقت بالدمعة الخرساء أكثرهُ
وأقتلُ الدمع من لا يلمح البصرُ

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:

عمر أبو ريشة في شهيد حماة سعيد العاص الذي أستشهد في فلسطين:

نامَ في غيهبِ الزمانِ الماحي
جبلُ المجدِ والنّدى والسماحِ
أسكرتهُ أجيالُ نعمته البكرِ
بفيضِ الأعراسِ والأفراحِ
حين أنفاسهُ تموجُ على الكونِ
بِعبقِ النبوة الفوّاحِ
وترفّ الحياة فيه على آثار
عيسى من غدوة ورواحِ
تحفظُ البيد ذكريات لياليه
وتهفو لعهده النّزاحِ
وتحنُ الغياض في الشام شوقاً
لتثنيّه مثقلاً بالسلاح

عمر أبو ريشة:
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا
ولا غاضبا إن غاب مسراي عائب
فكم جبل يغفو على النجمِ خدّه
وأذياله للسائماتِ ملاعب
نظرت إلى الدنيا فلم ألف عندها
كبيراً أداري أو صغيراً أعاتب
وما هانَ لي في موقف العزِّ موقف
ولا لانَ لي في جانبِ الحقّ جانبِ
فيا غربة الأحرار ما أطول السّرى
وملءُ غيابات الدروبِ غياهب

عمر أبو ريشة:
أترقصُ الطير في أشراكِ صائدها
حلمٌ تناثرَ أطيافاً منضرة

ويحرسُ الذئبُ في أعطانها الغنما
ما كانَ أكرمهُ لو لم يكن حلماً
وما المواثيق إن فاهَ القوي بها
ونصّب الختلَ في أقداسها حكما؟
ما كانَ أغناهُ عن تزوير غايتهِ
من يحمل السيفَ لا يبري به قلما

عمر أبو ريشة:
إنّهُ الدّهرُ كم يُريكَ عزيزاً
جَدَعتْ أنفَهُ الصروفُ القواهِرْ
ما حملنا ذُلَّ الحياةِ وفي القو
سِ نِبالٌ،أو في الأكفِّ بواترْ
يصفعُ الذئبُ جبهةَ الليثِ صفعاً
إن تلاشتْ أنيابهُ والأظافرْ

عمر أبو ريشة:(
الرسالة العدد191)
حثثتُ خطاي الحمر عن هيكل القدس
وفي حمأةِ الأرجاسِ كفرّتُ عن رجسي
وما استعذبت نفسي الشقاء وإنّما
وجدتُ عزاءَ النفسِ أقتل للنفسِ
دعوني أعبّث السّمَ من أكؤس الملا
واقضي على تلك البقية من حسّي

عمر أبو ريشة:(
الرسالة العدد191)
كفاني نفضت الكفَّ من يانعِ المنى
وبعت صبايَ الغضّ بالثمنِ البخسِ
يؤرقني الماضي فأنشر طرسه
وألسنةُ الآلامِ تقرأ في الطرسِ
وأهجسُ والأشباحُ تعتامُ ناظري
فيرتدُ إشفاقاً فأقصر من هجسِ

عمر أبو ريشة:
والحبُّ قرّبناهُ منه وعلّمنا
رمى بنا القفرُ وافتضَّ السرابَ به

ما قدَّسَ الله لا ما دَنَّسَ البشرُ
فأين ـ لا أين ـ منه الوِردُ والصَّدرُ
خصاصةُ العيشِ ما مدَّت لنا يدها
إلا وأقدامنا من سعينا حُمُرُ
فكم عثرنا ولم تعثر إباءتُنا
وكم نهضنا ولم يشمتْ بنا خَوَرُ
وكم لدى صَلَفِ الحرمانِ من غُصص
نُمنا عليها ولم تكشف لنا سُتُرُ

عمر أبو ريشة:
ونحن من حولها أنضاءُ غُربتنا
وأنتَ عنا وراءَ الغيبِ مستترُ
نُبدي لها غير ما نُخفي ولوعتُنا
تكادُ في صمتها للشوقِ تعتذِرُ
فلا تَلمها إذا لم تخبُ بسمتُها
ولم يعكّر صدى ألحانها كدرُ
لم يبلغِ الخبرُ الناعي مسامعَها
عن مثلِ هذي اليتامى يُكتمُ الخَبرُ

عمر أبو ريشة:
تتساءلين علامَ يحيا هؤلاء الأشقياء؟
المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء
الواجمونَ الذاهلون أمام نعش الكبرياء
الصابرون على الجراحِ المطرقون على الحياء
أنستهُم الأيام ما ضحك الحياة وما البكاء
أزرت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء
تتساءلين وكيف أدري ما يرون على البقاء؟
امضي لشأنكِ، اسكتي، أنا واحد من هؤلاء

عمر أبو ريشة:
ربِّ ضاقت ملاعبي
أنا عمر مخضب

في الدروب المقيدة
وأمانٍ مشردة
ونشيد خنقت في
ربِّ ما زلت ضارباً

كبريائي تنهده
من زماني تمرده
صغر اليأس لن يرى
بين عيني مقصده
بسماتي سخية
وجراحي مضمدة

عمر أبو ريشة:
قفي قدمي! إنّ هذا المكان
يغيبُ به المرءُ عن حسّهِ
رمالٌ وأنقاضُ صرح هوت
أعاليهِ تبحثُ عن أُسهِ
أقلبُ طرفي بهِ ذاهلاً
وأسألُ يومي عن أمسهِ
أكانت تسيل عليه الحياة
وتغفو الجفون عن أُنسهِ
وتشدو البلابلُ في سعده
وتجري المقاديرُ في نحسهِ
أأستنطقُ الصخر عن ناحيته
وأستنهضُ الميت في رمسه؟
حوافرُ خيل الزمان المُشّت
تكادُ تُحدّثُ عن بؤسهِ

فما يرضع الشوكُ من صدرهِ
ولا يغيبُ البومُ في رأسه
وتلك العناكبُ مذعورةٌ
تريدُ التفلت من حبسهِ
لقد تعبت منه كفّ الدماء
وباتت تخاف أذى لمسهِ
هنا ينفضُ الوهمُ أشباحهُ
وينتحرُ الموت في يأسهِ

عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
أصبح السفحُ ملعباً للنسور
فاغضبي يا ذرى الجبالِ وثوري
إنَّ للِجرحِ صيحةً فابعثيها
في سماعِ الدّنى فحيحَ سعير
واطرحي الكبرياءَ شِلواً مُدّمىً
تحت أقدامِ دهركِ السِكير
لملمي يا ذرى الجبالِ بقايا الن
سرْ،وارمي بها صدورَ العصور

عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
إنه لم يعد يكحِّل جفنَ الن
جمْ تيهاً بريشهِ المنثور
هجرَ الوكرَ ذاهلاً وعلى عي
نهِ شيءٌ من الوداعِ الأخير
تاركاً خلفهُ مواكبَ سُحبٍ
تتهاوى من أفقها المسحور
كم أكبت عليه وهي تندّي
فوقه قبلة الضحى المخمور

عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
هبط السفحَ طاوياً من جناحي
هِ على كل مطمح مقبور
فتبارت عصائبُ الطير ما بي
ن شَرودٍ من الأذى ونفور
لا تطيري جوّابة السفح فالنس
رُ،إذا ما ضرته لم تطيري

عمر أبو ريشة:
يا لذكرى تلفت المجدُ ما بين
يوم هزّ البدوي معوله الصلد

يديها إلى ربيع زمانهْ
وأهوى على أوثانه
والمروءات وهج جبهته السم
راء والأمنياتُ فيضُ بنانهْ
فإذا الشرقُ للعروبة طود
تتشّظى النجوم فوق رعانه
ما انتهى ارثنا الرفيع ولا سكت
طيوف النبي عن قرآنهْ

عمر أبو ريشة:
فَولّتْ أمانيَّ العِذاب تلاشياً
كما يتلاشى الثلجُ في قبلة الشمسِ
وضاقتْ بي الدنيا فهمتُ طريدةً
أفتشُ عن سعدي فيلطمني نحسي
فما لاحَ لي إلا دمٌ متلاطِمٌ
ففي لُجّهِ أغدو وفي لُجّهِ أمسي
أرى عندَهُ للثأرِ من فتكةِ الورى
مناهلُ تنسي ما أجرعُ من بؤسي

عمر أبو ريشة:
فَرُبَّ فتىً ما دنسَّ الخِزيُ قلبه
تمطّيتُ لاستغوائهِ فتثاءبتْ

نصبتُ له سهمَ الإساءة في القوسِ
بعينيَّ أفواهُ الدعارةِ والرّجسِ
إذا أنَّ هزّتْ رعشةُ الأنس أضلعي
وأفرحني أن لاح في صفرةِ الورسِ
فصرتُ إذا ما اشتدَّ دائي تركتهُ
لِيُعدي وإن أبصرتُ من خلفهِ رمسِ
كما النحلةُ الغضبى لدى وخز خصمها
تموتُ،ولكن وهي مرتاحةُ النفسِ

عمر أبو ريشة:
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا
فكم جبل يغفو على النجمِ خدّه

ولا غاضباً إن عابَ مسراي عاتب
وأذيالهُ للسائمات ملاعب
نظرتُ إلى الدنيا فلم ألف عندها
كبيراً أداري أو صغيراً أعاتبُ
وما هانَ لي في موقف العز موقفٌ
ولا لانَ لي في جانبِ الحقّ جانبُ
فيا غربة الأحرارِ ما أطول السرى
وملءُ غيابات الدروب غياهب

عمر أبو ريشة:
رفيقتي لا تخبري إخوتي
كيف الردى ،كيف عليّ اعتدى
إن يسألوا عني وقد راعهم
أن أبصروا هيكلي الموصدا
لا تقلقي لا تطرقي خشعة
لا تسمحي للحزن أن يولدا
قولي لهم سافر قولي لهم
إن له في كوكب موعدا

عمر أبو ريشة:
هي والدنيا وما بينهما
غُصصي الحرّى وأهوائي العنيدة
رحلة للشوق لم أبلغ بها
ما أرتني من فراديس بعيدة
طال دربي وانتهى زادي له
ومضى عمري على ظهر قصيدة

عمر أبو ريشة:
عشت حراً بلغت جنة دنياي
وجفني بنورها اكتحلا
إنها نعمة أقطع فيها
العمر مستغفراً ومبتهلا
أعفُ عني يا ربّ بذل همومي
فلقد عشت مرّة رجلا

عمر أبو ريشة:
في رثاء إبراهيم هنانو:
هنانو أيّ صاعقة أقضّتْ
على صرحِ من العليا مشيد
ألا انظر صحبكَ الغرّ الدواهي
يشدون الأكفّ على الكبود
يعزّ عليك مرآهم جميعاً
وقد أجروا الدموع على الخدودِ
صريع الموت هل أبقيت سهماً
ولم تقذفه بالعزمِ السديد
وفيكَ بطولة الأجيال تدوي
مناضلة عن المجد التليد
فنمْ في راحة واعذر بياناً
كباقي زحمة الألم الشديد
لئن خذل القصيد لسان حزني
فإنّ بدمعتي بيت القصيد

عمر أبو ريشة:
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها
مالي على جنباتها أتعثر
شبَّ الحصى فيها ودون زحامه
وملاعبي ومجر أذيالي بها

درب يغيبُ وآخر يتكّسر
بعدت فما ترقى إليها الأنسر
وأرى الشتاء تطاولت أيامه
كم زارني وكشفت عن صدري له

وازداد عسفاً قلبهُ المتحجر
فأقام لا يزهو ولا يتكبر
ما زلت أذكر كيف كان لهاثه
من دفء أضلاعي يذوب ويقطر
وأتيتُ مرآتي وعطري في يدي
فبصرتُ مالا كنت فيها أبصر
فخفضتُ طرفي ذاهلاً متوجعاً
ونفرتُ منها غاضباً أستنكر
خانت عهود مودّتي فتغيّرت
ما كنتُ أحسبُ أنها تتغيّر

عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
حثثت خطاي الحمر عن هيكل القدس
وفي حمأة الأرجاس كفرت عن رجسي
وما استعذبت نفسي الشقاء وإنما
وجدتُ عزاء النفس أقتل للنفس
دعوني أعبّ السمّ من أكؤس الملا
وأقضي على تلك البقية من حسي
كفاني نفضت الكفَّ من يانع المنى
وبعت صباي الغضّ بالثمن البخس!!
وما من ضحايا النار،حسناء كاعب
عليها جلال الحسن في العري واللبس
تمشت ونفحات المحاجر حولها
ومن خلفها الكهان خافتة الجرس
ولما ذكت في المذبح النار تمتمت
مصليّة والضرس يقرع بالضرس
وزجّت بها عريانة فتفجرت
جراح وقطرات الدما صبغة النفي
وفي كل جرح فوهة من جهنم
تولول كالريح المؤججة البأس
بأهلك مني عند فض مآزري
على المذبح الشهوات للمصبح الممسي!
يؤرقني الماضي فأنشر طرسه
وألسنة الآلام تقرأ في الطرس
وأهجس والأشباح تعتام ناظري
فيرتد إشفاقاً فأقصر من هجسي
وأزجر دمعي أن يثور وزفرتي
فلا دمعتي تسلي،ولا زفرتي تُنسي
تغرُّ ابتساماتي عيون أخي الهوى
وخلف ابتساماتي جراح من البؤسِ
طلعت على الأيام والطهر حارسي
يحيك على عطفيَّ جلبابه الفدسي
تشيعني الأبصار أين توجهت
خطاي فأمشي مشية الرجل النكسِ
وضج بأعطافي الغرور فلم ألن
لصرخة ولهان تَمخضُ باليأسِ
كنرجسة في الحقل تلثم ساقها
ثغور من الأزهار طيبة الغرس
ولكنهاوالكبرياء تهزها
أبت أن ترى في غيرها رفعة الجنس
حنت رأسها كيما تقبل ظلها
غروراً فماتت وهي محنيّة الرأسِ
ولما رأيت الفقر أزبد فكه
وكشر عن أنياب طلس
صحوت فلم أبصر حواليَّ راحما
يخفف من بؤسي ويطرد من تعسي
وألقتني الأقدار في كفّ أرعن
كما قبضت كفّ البخيل على الفلسِ

عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
يبثُّ لي النجوى فيطربني بها
فأبني من الآمالِ أساً على أسِ
فكنت كشاة ألفت العيش زاهراً
تروحُ على أنس وتغدو على أنسِ
يهشّ لها الراعي فترقص حوله
فيلقمها الأعشاب بالأنمل الخمس
يسمنها..للذبح وهي تظنه
رحيماً يقيها صكة الناب والضرسِ
فولّت أمانيَّ العذابُ تلاشياً
كما يتلاشى الثلج من قُبلة الشمس
وضاقت بي الدنيا فهمتُ طريدة
أفتشُ عن سعدي فيلطمني نحسي
فما لاح لي إلا دم متلاطم
ففي لجّه أغدو وفي لجّه أُمسي
أرى عنده للانتقام من الورى
مناهل تُنسي ما أجرّعُ من بؤسِ
فرُبّ فتى ما دنّس الخزي قلبه
نصبتُ له سهم الإساءة في القوسِ
تمطيت لاستغوائه فتثاءبت
بعينيّ أفواه الدعارة والرجس!

عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
وما خفَّ للذات حتى تركته
يصارع داءً قد تحفّز للغرسِ
إذا أنَّ هزت رعشة الأنس أضلعي
وأفرحني إن لاح في صفرة الورسِ
فصرت إذا ما اشتدَّ دائي تركته
ليعدي وإن أبصرت من خلفه رمسي
كما النحلة الغضبى لدى وخز خصمها
تموت..ولكن وهي مرتاحة النفس!!

عمر أبو ريشة في رثاء عبد الرحمن الشهبندر:
هل بمغناك بعد طول السفار
بنت قاسيون أيّ جرح أواسي

أثر من قوافل الأحرار
في هواكِ وأيّ جرح أداري
بنت قاسيونأنت أنت
ستبقين على الدهرِ قبلة الأنظار
ضمّدي ضمّدي الجراحَ وسيري
سيرَ لا خائفٍ ولا خوّارِ
لن تموتي فكاهل الأرض لا
يقوى على حملِ نعشكِ الجبّارِ

قد ترفُّ الحياة بعد ذبول
ويلينُ الزمان بعد جفاء
أتلقاك وطرفي مُطرقٌ
خجلاً من أمسك المُنصرمِ
ويكادُ الدمعُ يهمي عابثاً
ببقايا كبرياء الألم

هانت الخيلُ على فرسانه
وانطوت تلك السيوف القُطّعُ
ما أحزن الورد لم يعرف له عبق
وأضيع الغصن لم يقطف له ثمر
لا تسأليني ما ترجوه أغنيتي
بعض الطيورِ تغني وهي تحتضر

هؤلاء الصِّيد قومي فانتسبْ
إن تجد أكرمَ من قومي رجالا
حَثثتُ خُطايَ الحمر عن هيكلِ القدسِ
وفي حمأةِ الأرجاسِ كفّرتُ عن رِجسي
وما استعذبتْ نفسي الشقاءَ وإنما
وجدتُ عزاءَ النفسِ أقتلَ للنفسِ

ما أرخصَ المجد

إذا زارني
ولم يكن لي معه موعد
عفواً،بشارةُ،بعضُ البوحِ ضقتُ به
فسالَ فوقَ فمي،حرَّانَ يستعِرُ
خنقتُ بالدمعة الخرساءِ أكثرَهُ
وأقتلُ الدمعِ ما لا يلمحُ البصرُ

إنَّ عيناً ترى الصواَبَ وتُغضي
لَهيَ عينٌ مطروفةٌ عمياء
تعال نسرحْ إلى أدنى ملاعبها
فقد تحنُّ إلى مرآتها الصُّورُ
وما عليكَ إذا ما الزورةُ اختُصرت
بعضُ الربيعِ ببعضِ العطرِ يُختصَرُ

وأنتَ تكتمُ عنهم ما تُكابده
تموتُ وهي أقدامها الشجرُ
وما المواثيقُ إن فاهَ القويُّ بها
ونصَّبَ الختْلَ في أقداسها حَكَما
ما كانَ أغناهُ عن تزويرِ غايتهِ
من يحملُ السيفَ لا يبري به قلما

شَرَفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلا
غَلبَ الواثبُ أم لمْ يَغلبِ
شهد الله ما انتقدتك إلا
طمعاً أن أراكَ فوق انتقادي
وكفى المرء رفعة أن يُعادى
في ميادين مجده ويُعادي

الفجاءات كم تزلزل عزماً
وتردُّ الرشيدَ غير رشيد
إنها النفسُ لا تبدل طبعاً
ألفتهُ فكيفَ نفس الحقود
ومن الصعبِ أن يُشاهد أعمى
قبسَ الحقِّ في الليالي السود

قد ترفُّ الحياة بعد ذبولٍ
ويلينُ الزمان بعد جفاءِ
حلم ولّى ولم يُجرح به
شرف المسعى ونبُ المطلبِ

يا صديقي ،هذى خطاك على دربي
وهذا صداك في آذاني
غبت عني إلا خيالاً حبيباً
للتأسي وليس للسلوانِ

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:

أيُّ قبرٍ وقفتُ أرنو إليهِ
والأسى مالِكٌ عليَّ قيادي
لم يزلْ تُربُهُ يرِفُّ ندياً
بينَ شتّى كمائمِ الأورادِ
إنَّ سعداً هنا،فيا مقلة العزِّ
أفيقي على صلاةِ الحدادِ
وانظري عِليةَ الرجالِ يشُدُّونَ
بأيديهم على الأكبادِ
ما تبقّى من أمسهِ غيرُ طيفٍ
رائحٍ في رؤى الحياةِ وغادِ
وغداً تهدأ الشجونُ ويخبو
لاعجُ الشّوقِ في الضلوعِ الصوادي
وتمُرُّ الأجيالُ سائلةً من كانَ
سعدٌ ومالَهُ من أيادي
من تُراهُ بينَ الملوكِ وبينَ
الفاتحينَ الغُزاةِ والقُوّادِ
أيها السائلونَ كم زُيِّفَ الدرُّ
وأمسى قلائدَ الأجيادِ
كم قبورٍ تنفَّسَ الطِيبُ منها
ما حدا باسمها على الدهرِ حادي
رُبَّ ثاوٍ وراءَها كان في
قافلةِ الحقِّ خيرَ ساعٍ وفادِ
حملَ الجرحَ صامتاً مُطمئناً
وأتى ربَّهُ على ميعادِ
ودمُ المؤمنينَ ما ضاعَ عند الله أجراً
إن ضاعَ عند العبادِ
هكذا افتضَّ آية العُمرِ سعدٌ
وطواها مع الأماني البِدادِ
تلكَ أيامهُ الخضيبة بالأرزاء
كانت عرائسُ الأعيادِ

عمر أبو ريشة في إبراهيم هنانو:
هنانو،أيّ صاعقة أقضّتْ
على صرح من العلياء مُشيّد؟
هنانو، أيّ سيف أغمدته
يدُ الأقدار في غمدِ الخلودِ
ألا انظر صحبك الغرّ الدواهي
يشدون الأكفّ على الكبود

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
قارعَ البغيَ وهو أعزلُ إلا
من سلاحينِ:نخوةٍ واعتدادِ
سعدُ يا سعدُ إنّهُ لنداءٌ
من حنينٍ فهل عرفت المُنادي؟
رُبّما غابَ عن خيالكَ طيفي
بعد طولِ الجفا وطولِ البعادِ
أذهلتني عنكَ انتفاضةُ روحي
في سماءٍ علويّةِ الأمدادِ
فترنّحتُ أحسبُ السُّحبَ تهوي
تحتَ مهدي والنّجمَ فوقَ وسادي
أنا يا سعدُ ما طويتُ على اللؤمِ جنا
حي ولا جرحتُ اعتقادي
شهِدَ اللهُ ما انتقدتُكَ إلا
طمعاً أن أراكَ فوقَ انتقادي
وكفى المرءُ رفعةً أن يُعادى
في ميادينِ مجدهِ ويُعادي

عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
هيكلَ الخُلدِ لا عدتكَ العوادي
أنتَ إرثُ الأمجادِ للأمجادِ
بورِكتْ في هواكَ كلُّ صلاةٍ
صعدّتها حناجرُ العُبّادِ
منكَ هبّتْ سُمرُ الرجالِ وأدمتْ
حاجبَ الشّمسِ بالقنا الميّادِ
والمروءاتُ كلَّ ما حملتها البيدُ
في طولِ سيرها من زادِ
هتفتْ بالجهادِ حتى تشظّى
كلُّ تاجٍ على صخورِ الجهادِ
وإليكَ انتهى مطافُ عُلاها
دافقَ الخيرِ مُشرقَ الإسعادِ
فتلمسْ إرجاءَكَ الزُّهرُ تلمحْ
كلَّ قبرٍ بها،منارَ المَعادِ
هيكلَ الخلدِ جئتُ أسكبُ نجواكَ
رؤىً في محاجرِ الآبادِ
في محاريبكَ الوضيئةِ تغفو
كبرياءُ الآباءِ والأجدادِ

يا صديقي ،هذى خطاك على دربي
وهذا صداك في آذاني
غبت عني إلا خيالاً حبيباً
للتأسي وليس للسلوانِ


عمر أبو ريشة بعد مجزرة حماة:
العاجز المقهور أقتلُ حيلةً
وأذلّ منطلقاً،وأنذلُ مقصدا
نشرَ الخسيسُ من السلاح أمامه
واختارَ منهُ أخسهُ،وتقلّدا
وحبا إلى حرم الرجال،ولم يذُق
من قدسِ خمرتهم ولكن عربدا
وافتنَّ في تزييف ما هتفوا به
وارتدَّ بالقيمِ الغوالي منشدا

عمر أبو ريشة بعد مجزرة حماة:
البغيُّ أروع ما يكون مظفراً
إن سُلَّ باسمِ المكرماتِ مهنّدا
لا يخدعنّك دمعهُ وانظر إلى
ما سالَ فوق أكفّه، وتجمّدا
لم تشربِ الحُمّى دماءَ صريعها
إلا وتكسو وجنتيهِ توردا
وأزاحت الأيامُ عنهُ نقابهُ
فأطلّ مسخاً بالضلالِ مُزودا
تركَ الحصونَ إلى العِدى متعثراً
بفراره،وأتى الحِمى مستأسدا
سكينهُ في شدقه ولعابُهُ
يجري على ذكر الفريسة مُزبدا
ما كان هولاكو ولا أشباههُ
بأضلَّ أفئدةً وأقسى كبدا
هذي حماة عروسة الوادي على
كِبر الحداد،تُجيل طرفاً أرمدا
هذا صلاح الدين يُخفي جرحهُ
عنها،ويسأل:كيفَ جُرح أبي الفدا؟
سروات دنيا الفتح هانت عندهُ
وأصابَ منها ما أقامَ وأقعدا
ما عفَّ عن قذف المعابد باللظى
فتناثرت رمماً،وأجّت موقدا


خير الدين الزركلي في رثاء سليم الجندي ومحمد البزم:
لِمّن خلّفتما الميدان
فقيديْ لغة القرآنْ
لمن خلفتما الميدا
نَ،والميدانُ للفرسان
يحَوِّمُ بعد يومكما
حَميُّ الأنفِ في الأقران
ويدعو الندَّ من قيس
يباريه ومن غسان
وتفتقد النهى من كا
ن للحجة والبرهان
لواؤكما على الفصحى
وحكمكما هو الميزان
توارت أيكة الوادي
وغارت نبعة البستان
وضلّ سبيلَه الحادي
وأسلم للدجى الركبان
وناحَ وأعولَ الشادي
وحطم كأسه النشوان
ودالت دولة النادي
فلا عرش ولا سلطان
هل الجنديوالبزمانط
وى علماهما الصنوان؟
أبالسهمين تُرمى مه
جة،ويصيبها السهمان؟
وهل يلتئم الجرحا
ن والجرحان قتالان!
صريعا حومة الأقدا
ر شبّا للأسى نيران
رثيتُسليمهاومحمداً
وانهلّت العينان
مضى أدبالمبرّدوانقض
ىنحوأبي حيان
بكيت أبا العلاء بأو
لٍ،والشنفرى في الثانِ
وأخلاقاً صفت، كالتب
رِ واللؤلؤ والمرجان
ووروداً كان عذب الور
د للمرتشف الظمآن
ذكرتُ دمشق،والأيا
مُ ضاف ظلها فينان
وأرديةُ الصبا جدد
وأحلام الهوى ألوان
ليالي الأنس بالأخدا
نِقبل تفرّق الأخدان
على بردى وربوته
وحول تلاطم الغدران

خير الدين الزركلي في رثاء سليم الجندي ومحمد البزم:
وبين خمائل النسر
ين والزنبق والريحان
وأنديةُ البيان الحرّ
قائمة على أركان
منابرها مزاجرها
لمن يطغى ،عن الطغيان
هوى بمعلّمي جيلٍ
هوى الأرزاء والحِدثان
وطاحَ بتاجي الإبدا
عِ في الإفصاحِ والتبيان
نعى قيصراً الناعي
وثنى بأنوشروان
عمادا أدبٍ ضخم
رفيع راسخ البنيان
شهابا فلك غابا
معاً،في حلك الأزمان
صراعٌ منذ كان النا
سُ،بينَ الفقدِ والوجدان
يعلله بنو الإنسا
نِ،ما أغبى بني الإنسان

خير الدين الزركلي:
إرادة تستذل العصم ماضية
وعزمة تصدع الأطواد توهينا
وللعظائم ما ترضى فإن وهنت
خابت وإن تمض آبت في المجلينا
كلُّ امرىء طامح للمجدِ يطلبهُ
لولا العظائم ما خاب المرجونا

لا يستنيمُ على الضغينة معشرٌ
حبلُ الخصومةِ بينهم موصولُ
نذروا دمي حنقاً علي وفاتهم
أنَّ الشقيّ بما لقيتُ سعيدُ
اللهُ شاءَ لي الحياة وحاولوا
ما لم يشأ ولحكمه التأييدُ

وما الموتُ إلا سبات عميق
ففيم البكاء على الهاجع
من كانَ يؤمن إيماناً بدعوته
أجابه الفلك الدوار آمينا
ومن إذا خلصت للمجد هِمّتهُ
أصاب نجماً على الأيام مضمونا

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
أرى سنة تمضي وعاماً بنا يجري
يضيقُ من آجالنا فسحة العمرِ
ودنا على هذا الوجود أجنةٌ
تسير بنا الأيامُ في السهل والوعرِ
فيوم على صفو نؤمل عودَهُ
وآخرُ في البأساءِ عدَّ من الدّهرِ
لنا أملق في كلِّ عام مجدد
ترجي به صفو الحياة وما ندري

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
ولولا أملُ الفتى ورجاؤه
لأيقنَ أن العيشَ ضرب من الأسر
مضى عامنا الأدنى بذنب فعله
يجىء الذي يتلو المغادر بالغدر
سلكنا به ظلماء حالكة الدُّجى
فلما انقضى حانت لنا رقبة الفجر
ألا أيها العام الذي كنا منه
على الكون شؤبوباً من الدم لا القطر

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
تحجب فيه الغيث حتى إذا انجلى
لنا الامر كان الغيث من دمنا يجري
أفاضَ علينا في النعيم ابتداؤه
وجادت بني الغبراء عقباه بالشرِّ
لقد هاجني من جانبِ الشرق صائح
ينوح وباك حيث مستتر البدر
وكنا نرجي السّلم لولا مطامع
من بعض أدوات للضغينة و….

خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
كوامن أحقاد أثيرت فهيّجت
نفوساً لطلاب القديم من الثأر
فغودرت الأقطار بعد ازدهارها
خرائب والبلدان أوحش من قفر
فيا أيها الحول الذي هلَّ شهره
يُعلّل منا النفس بالصفو والبشر
لعلك حول الحول والقوة التي
تطأ من كبر العتاة ذمي الكبر

تفرز مهضوماً وتجلي غضاضة
وتمحو عن الأقدام سطراً من الضرِّ
يحيى بك العلم الملم بأهله
وأسفاره خوف المذلة والفقر
ينالُ بك العلياء من يستحقها
وتشرق شمس السلم باسمة الثغر
سيسكن جأش الكون بعد اضطرابه
ويرفل بالنعماء حيناً من الدهرِ
دموعُ من،تلك التي تذرف؟
وقلب من هذا؟الذي يُوجفُ
إن كان إنساناً فهلّا صغى
إليه من يرحم أو يرأفُ
أم ليس في الناسِ لمستنصفِ
من ناصرٍ يعطفُ أو يُنصفُ

في الغابرين لمن يتلوهم عبرٌ
وربما سبق الخالين تالونا
وإن تأبوا فإنَّ السيف يُنصفنا
والسيفُ يبلغُ ما لا يبلغُ القلم
إن لم يكن في حياة المرءِ من شرف
فإنها بالردى قد تشرف الرمم
من حاول الأمر لم يسبر عواقبه
أصابَ من لطخات العارِ ما يصم

واشحذ غرارَك لا يعلق به صدأ
فإن يَجُرْ حكم فالصارمُ الحكمْ
تأبى الجماعةُ أن تهونَ لغاصب
والفردُ موقوفٌ على الاٌقدارِ
وإذا العرى انفصمت تولّى أهلها
ضيم المغير بخطبه الكبار

ما تنفعُ الحججَ الضعيفَ وإنّما
حقُّ القوي مُعزز معضود
من خالَ أن المجد يدرك هيّناً
فلينتظر بعد الهوان هوانا
ما شاد ملكاً أو أعزَّ قبيلة
من آثرَ الإخلاد والإذعانا

وإذا الظلامُ عتا تبلج فجرهُ
ظُلمُ الحوادثِ مطلعُ الأنوار

خير الدين الزركلي:(الرسالة العدد925)

ابنِ مجداً ولو بحدِّ المواضي
ما أرى الدّهرَ عن مهين براضِ
وأخو العزم من بيت وكلتا
مقلتيه لم تكتحل باغتماضِ
أفلح الخائض الغمار بعيد الغور
رأيا وأخفق المتغاضي

ليس بالندبِ من إذا مسّهُ
الضيمُ تولّى أو لاذَ بالأرباضِ
إنّما ابن العلاء من ليسَ بالمُحجمِ
عن خصمهِ ولا الركاض
من إذا استلَّ باليمين حساماً
شغل البرق عن سنا الإيماضِ
ما منالُ الحياةِ بالمطلبِ السّهلِ
ولكنني أرى النهجَ وعرا
كلُّ عزّ فباطل غير عزّ
شيّدتهُ الظُباةُ وخزاً وهبرا
واللبيبُ اللبيبُ من يؤثر المو
ت على ان يعيش في الذل دهرا

خليل مردم بك:
ويل للضعيفِ وأُفٍ للقوي إذا
لم يبق للعدلِ إيراد وإصدارُ
إذا الممالك لم ترفع قواعدها
على الأسنّة فالبنيان منهارُ


مُشرد النوم ما قرّت مضاجعه
وهل تقرّ بموتور وسائده


أعانكَ الله هذا الحلفُ والجار
عليك،لا لك أعوان وأنصارُ


إذا لم تكن أولى الخطا مستقيمةً
فويلٌ لأقدام تضلُّ وتزلقُ
ومن ينزُ في أرض تسوخ فإنّهُ
على قدرِ ما ينزو يغوصُ ويغرقُ

خليل مردم بك:

يا غيرة الله اغضبي لكتابهِ
إنَّ قومهُ لم يبذلوا الأرواحا


الذكريات من التاريخ قد درست
وطارف المجد مؤود وتالده
يا آسي الجرح بادر ضمد سائله
إذا تريثت لم تنجح ضمائده

خليل مردم بك في قصيدة “
أبو الطيب المتنبي”:

خليل مردم بك:

هم حكّموا فإذا التحكيم عندهم
تَحكُّم،وإذا التخيير إجبار
لا يستقيم قياس في تناقضها
ولا يصحُّ على ما تمَّ معيارُ
إذا المحامي أعان الخصم في تِرة
فليت شعري ممن يُدرك الثأر

خليل مردم بك:
في رثاء يوسف العظمة بعد ميسلون
اعكفْ على جَدثٍ في عَدوةِ الوادي
بِميسلونَ سقاهُ الرائحُ الغادي
وطاطىء الرأسَ إجلالاً لِمرقدِ من
قضى لهُ الله تخليداً بأمجادِ
هوى وحُلّتهُ حمراءُ من دمهِ
كالشّمسِ حين هوتْ في ثوبها الجادي
في فتيةٍ نفروا للموتِ حين بدا
جماعةَ من زرافاتٍ وآحادِ

صلى الإله عليهم من مُجندلةٍ
أشلاؤهم بينَ أغوارٍ وأنجادِ
ويا رُبَّ ظمآنٍ رأى في مفازةٍ
على البُعدِ ورداً ماؤهُ يترقرقُ
فهبَّ إليه والهواجرُ تلتظي
يجدُّ على الإعياءِ صبراً ويعنقُ
فلما دنا ألفى سراباً بقيعةٍ
فكادَ من الإخفاقِ واليأس يَصعقُ
ألا أيها الساري على غير منهجٍ
إذا لم تكن أولى الخطا مستقيمةً

قعودك إن لم تسلك النهجَ أوفقُ
فويلٌ لأقدامٍ تضلُّ وتزلقُ

يا لابسَ الثوبِ مزّهواً بجدته
انظر فقد علقت في ذيله النار
عساك تزعم أنّ الأمر بتَّ بهِ
من دونِ علمكَ،هلي في ذاك إعذار

خليل مدم بك في رثاء يوسف العظمة:

أيوسفُ والضحايا اليوم كُثُرْ
ليهنكَ كنت أول من بناها
زكا نبتُ البلادِ وليسَ بدعاً
فديتُكَ قائداً حيّاً وميتاً

زكيات الدما كانت جناها
رفعتَ لكلِّ مكرمة صواها
غضبت لأمة منها معدّ
فأرضيت العروبة والإلها
فيالكَ راقداً نبهّت شعباً
وأيقظتَ النواظرَ من كراها

ولم أر كالدنيا ولا مثل شأنها
على كلّ حال دار همّ وأحزان
فجعت بنفسي أن تراءت منيّتي
وإن مدَّ بعمري فجعتُ بخلاني

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:

أنا لست أدري كيف أرثي واحدا
أمسى برغم الموتِ حياً خالدا
أبقى من الأهرام في آثاره
وأجلّ مأثرة وأبلغ شاهدا
دبّ الفناء له فعاد بخيبة
خزيان ينظر مستشيطاً حاقدا
ما نالَ منه ولو علاه سكونه
فالبحرُ بحر زاخراً أو راكدا
شوقي وهل أرثيه يوم خلوده
فالسيفُ يبغى شاهراً لا غامدا
دعني أُشِدْ بالعبقرية إنها
كالشمس إن غربت أرتك فراقدا
العبقرية نفحة قدسية
تُحيى الرميم وتستثير الخامدا
او شعلة لمعت فجلّت غيهباً
وهدت أخا جور وردّت حائدا
تتمخض الأجيال إعصاراً بها
حتى يتيح الغيب منها وافدا
كالبحر يندر أن يجود بدّره
وتراهُ بالأصداف يقذف جائدا
فإذا أراد الله نهضة أمة
أهدى إليها العبقرية قائدا
شوقي وأنت رسالة علوية
مرت على مسمع الزمان نشائدا
روح من الله الكريم ورحمة
أحيا بها ميتاً وأيقظ هاجدا
رضت القريض على اختلاف فنونه
في كل واد همت كنت الراشدا
أما القديم ففزت منه بروعة
وجلوت من آي الجديد مشاهدا
فرفعت للفصحى بمصر دولة
كانت تطالع فيك نجماً صاعدا
توجت مصر وشدت عرش فخارها
وعقدت في جيد الشآم قلائدا
للعرب والإسلام في آلامهم
كنت اللسان مترجماً والساعدا
أضحى بيانك جامعاً أهواءَهم
ومن الخمول إلى النباهة رائدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
ما أقلق الإسلام خطب فادح
إلا نهضت مواسياً أو ذائدا
ودعوت للخلق الكريم،وشرُّ ما
أودى بنا قد كان خلقاً فاسدا
ما زال فينا من يكيد لقومه
كم ذا نطيق مداجياً أو كائدا؟
كم موقف لك في دمشق وأهلها
قد هزَّ يقظاناً ونبّه راقدا
غنيتها لحناً يفيض صبابة
فتمايلت فيها الغصون تواجدا
وشركتها في بؤسها ونعيمها
يا من رأى ولداً يشاطر والدا
في الجامع الأموي قمت مُكبراً
وذكرت مجد بني أمية ساجدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
خلفت في الزهراء دمعك جارياً
وتركت في الفيحاء قلبك واجدا
واسيت جلّق في عظيم مصابها
ونضحت عنها بالبيان مجاهدا
صعدت أنفاساً وجُدت بأدمعٍ
في يوم محنتها فكنَّ قصائدا
أشجاك أن تمسي الجنان بها لظى
وتبيت دارات النعيم مراقدا
جعلوا منيفات القصور ومن بها
للنار في غلس الظلام حصائدا
وأشد من هذا الزبانية الألى
كادوا لها يلقون عيشاً راغدا
من كل عبد للطغاة وحزبهم
وتراه شيطاناً علينا ماردا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
كم متعة في عيشها لو أنهم
ما كدروه مصادراً ومواردا
هيهات لا تنسى صنيعك إنها
جعلت بلابلها لساناً حامدا
والآن دع جفني يبح بشؤونه
فالدمع أثقله كميناً جامدا
وذرْ الحزين يبث بعض شكاته
فالصدرُ يحرج بالهموم حواشدا
لكن أخاف عليك تبريح الأسى
يوري على جنبيك جمراً واقدا
فاربط على قلب وطأمن لوعة
واشدد على كبد وصابر جاهدا
يا ناشداً بالأمسِ نوماً شاردا
هلّا نشدت اليوم صبراً نافدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
خطبان قلب العرب قاسى منهما
جرحاً يسيل دماً وسهماً قاصدا
ما جفّ دمعهم لمصرع حافظ
حتى استهلّ بيوم شوقي واردا
لم أنس مؤتمر النساء وقد نعي
شوقي فظلّ من التفجع مائدا
ريع العقائل،والأوانس أعولت
ونثرن من عبراتهن فرائدا
أوجعن لي قلبي وهجن مدامعي
وتركن جفني للفجيعة ساهدا
سر الحياة يدقّ عن فهم الورى
حار اللبيب فأطرق سامدا
لولا رياض الشعر في صحرائها
كانت حياتك محنة وشدائدا

خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
تدنو بأسباب الحياة إلى الردى
أنّى اتجهت رأيت منه راصدا
والمرءُ في دنياه طير ما نجا
من صائد إلا ليلقى صائدا
دع عنك تمحيص الحقيقة إنها
تدع الفتى في كلّ شىءٍ زاهدا
وانصت إلى وحي الخيال فإنّه
لولاه كان العيش معنى باردا
وإذا بكيت على امرىء فابك الذي
ملك البيان طريفه والتالدا
يفنى الزمان وذكره يتجددُ
آمنتُ أن (ابن الحسين) مخلدُ
لم تألف الأيام صحبة غيره
أمس البعيد ويومنا ذا والغدُ
الشعر والنفس الأبية والحِجى
جمعت له فعلامَ لا يتفردُ؟
أما الطموح فخل عنك حدوده
من دونه يدنو السهى والفرقدُ
وسع الورى ببيانه أفلم يجد
كل امرىء في شعره ما ينشدُ
فكأنه فلك تلوح نجومه
للمبصرين وكل بيت مرصدُ
أنظر تجد في كل بيت قبة
كالنور في مشكاته يتوقدُ

خليل مردم بك في قصيدة “
أبو الطيب المتنبي”:
سقياً لبادية الشآم فقد نضت
سيفاً وشبت شعلة لا تخمدُ
مدّت له أملاً كرحب فضائها
وورت زمامَ عزيمةٍ لا تصلد
طبعته مرآةً يُريكَ صفاؤها
صور النفوسِ عوارياً تتبعد
وحي البداوة صادق ما شابه
زور الكلام ولا عراه تزيد
بالشيح والقيصوم يعبق شعره
والعنجهية فيهما تتمرد
محض(ابن حمدان) هواه لأنه
سيف بوجه المعتدين مجرد
يا مالىء الدنيا وشاغل ناسها
الدهر رواية لشعرك منشد
ضمن الزمان بقاءه فكأنه
أنفاسه في صدره تترددُ
آياته لا تنقضي وعظاته
كالبحر زاخر موجه لا ينفد
لله رأيك في السياسة أنه
سهم إلى كبد الصواب مُسدد
العرب ما صلحت على يد أعجم
حكم الأعاجم للعروبة مفسدُ
أخذوا عليك قساوة ولو أنهم
خبروا النفوس كما خبرت لأيدوا
شكواك ما زلنا نعاني مثلها
كفّ مضرجة ووجه أسود
ساموه خطة عاجز فأبت له
نفس مشيعة وعزم أبد
عرضوا حمايتهم عليه بجزية
أمران ذا نكد وذلك أنكدُ
أترى الفتى العربي يعطي جزية
أم كيف يرضى بالحماية سيد
يأبى له أنف أشمّ وصفحة
تزورّ من صعر وعنق أصيدُ
شرف حماه بنفسه ووحيده
لما هوى وتلا خطاه(محسد)
ما ضمه قبر وكيف يضمه
أرأيت حياً في الضرائح يلحد
لو نال ما يبغي لكانت دولة
أهدى إلى سبل الصواب وأرشد
ولسنّ فيها للأنام سياسة
ما للخديعة والرياء بها يدُ
الحق فيها لا يُغالب إنه
بظبى السيوف إذا استبيح مؤيد
تأبى التسلط والخنوع فما بها
مستعبد عاتٍ ولامُستعبدُ
فالماكرون أذل من أن يمكروا
والمعتدون أقل من أن يعتدوا
يا جامعاً شمل العروبة بعد ما
أمسى بأيدي الحادثات يبدّد
فأخو العراق بسحره متدمشق
وأخو الشآم بآبه متبغددُ
الشعر في كف الزمان دراهم
يرمى ببهرجه ويبقى الجيدُ
ذهب(ابن أوس)و(الوليد) بسحره
لكن بمعجزة تفرد(أحمد)

خليل مردم بك
لعمرو أبيك الخير ما ازددتُ خبرةً
بدهري إلا ازددتُ شؤماً على شؤمي
يُخيّرني أمرين لا خير فيهما
تظلّمُ غيري أو قراراً على الظلمِ
شقيتُ وكم تشقي الحقيقة أهلها
فمن لي بأن أقضي حياتي بالوهم


شفيق جبري في قصيدة في ظلال كرمة ابن هانىء:


يا كرمة ذويت فيها أمانينا
لا الظل ضاف ولا الأفنان تندينا
يا نائح الكرمة الولهى ظلائلها
سقت غصونك أجفان الشجيينا
كانت لياليك بيضاً في دجنتها
يرف فيها الهوى ريان مجنونا
ما ضاع عمرك إلا في مضاحكه
ولا تمليت إلا الخفض واللينا
لاهٍ عن الدهرِ مشغول بناعمة
من الشبيبة في أفياء لاهينا
يا عيشة في حمى اللذات فيأها
سكر الهوى والغواني والخليينا
ملأت جانبها لعباً وتسلية
خير الليالي التي باتت تسلينا
وما الحياة إذا طالت مسافتها
وأنت تدرجها ولهان مشجونا
فما أبالي وعين الموت ساهرة
أعشت عشرين أم عشت الثمانينا
قم ناج كرمته واسأل منابتها
أما على مصر غريد يُغنينا
قد كنت بلبلها في عز نهضتها
وفيتها الحق في رأس المُوفينا
جعلت تمثالها شعراً تميس به
أبقى على الدهر من آثار (آمونا)
دم الجهاد على عطفيه منسجم
يريك في ثورة النيل الميادينا
يخلد النهضة الميمون طالعها
في ظل قوم على الجلّى ميامينا
غنيت بالنيل في شجو يباكرنا
على الكنانة أو عيد يُغادينا
صغت القوافي له في كل نازلة
محبوكة الوشي من وشي اليمانينا
لما نفوك عن الأهرام رقّ لها
واف يناجي ذرى الأهرام محزونا
فما سلوت ظلال النيل في بلد
أرخى ظلالته يسرى أمانينا
يا ناظم الشرق في شعر يطاف به
على حمى الشرق روحاً أو رياحينا
قد كنت تعزية الإسلام في ألم
يشتد حيناً وتطويه الأسا حينا
كم نوحة لك في خطب أصيب به
يخف في نغمها جرح المصابينا
ما زلت تدفع عنه كل عادية
حتى تمزق لا دنيا ولا دينا
مستعبد في ربوع كان سيدها
ومستضام بأيدي الأجنبيينا
في كل ناحية عسف يهدمها
تكاد تطفح بالشكوى نواحينا
أين الخلافة في الإسلام مشرقة
تلقي على هامة الدنيا التحاسينا
مشت لها الأرض وانقادت لطوعتها
فما ترى فوقها إلا مذاعينا
يا صرخة في شتات الترك صادقة
تكاد تسمع في الترب السلاطينا
بكيتهم في مصاب هدّ جانبهم
على أدرنة يضنيهم ويُضنينا
تلك المناكر ما زالت فظاعتها
ملء الخواطر والأنظار تدمينا
وصفت آثارها في أخت أندلس
وصفاً يهجن أهل الغرب تهجينا
بينا نراهم على سلم ملائكة
نلقى الرجال على حرب شياطينا
أضحت حضارتهم غشاً ومكذبة
فعل الذئاب وأقوال النبيينا
ما زلت أحسن ظناً بالذي زعموا
حتى أسات بدعواهم أظانينا
هذي الظواهر لم تصدق بواطنها
أمست على الدهر سراً في عوادينا
يا ويح قلبك لم تهدأ جوانبه
عن عبد شمس ولم تهدأ جوانينا
أملت عليك بقاياهم بأندلس
مخلدات القوافي في أمالينا
بنوا وهدمت الأيام بنيتهم
وكم بناة لهدم ما يبنونا
ملك شتيت وتيجان مبعثرة
لم يبق من عزها إلا تأذينا
شفتك منهم قصور فنها عجب
يكدن بعد انحدار الملك يهوينا
كانت لنا في خوالي الدهر تهنئة
فأصبحت في بواقيه تعازينا
لمست فيها عظات الدهر دارجة
على بقايا رسوم من أمانينا
مشت عليها الليالي في شدائدها
فبدلت عزها الوضاح تهوينا
فلا القصور قصور إن نزلت بها
ولا الملوك إذا ناديت واعونا
حلم مرحنا به حيناً وتمنية
ظلت على زحمة الأحقاب تشجينا
يا وقفة في ظلال الطلح تسألها
نشجى لواديك أم نأسى لوادينا



لا تزدردِ الليثَ الحبيسَ فرُبما
عادت وقد شهد الوغى وثباته



شفيق جبري
ناجيت نائحها نجوى هززت بها
تلك الرياحين حتى كدن يبكينا
فأين في الطلح تيجان تظلله
وأين فيه سلاطين يحامونا
بعثت فينا هوى الماضي وروعته
والنفس تهتز من روعات ماضينا
تكاد تلمس جنبيه أناملنا
إذا وصفت فتدنيه وتدنينا
على نشيدك من تخليده صور
زهت حضارتنا فيها أفانينا
في كل ناطقة فن يفرحنا
وكل هامة سحر يبكيا
صحائف خلدوا فيها مناقبهم
فهل ترى بعدها إلا عناوينا
كنا معاني في الأحقاب لامعة
مضت وما بقيت إلا أسامينا
يا دمعة لك في الفيحاء هيجها
ملك لمروان مغصوب يناجينا
غنيت بالملك والتيجان هاوية
حتى لمسنا مهاوينا بأيدينا
فأين مسجدك المحزون تسأله
هل قام مروان في حشد المصلينا
وأين من عبد شمس سادة درجوا
عالين كالشمس لا عاباً ولا هونا
هجت العروبة في أفياء غوطتنا
حتى حنونا عليها عبشميينا
بعثتها في الحمى من بعد هدأتها
حيناً من الدهر نطويه ويطوينا
نامت خواطرنا عنها فأيقظها
سحر القوافي فجاشت في أغانينا
من بعد ما ذهبت عنا خيالتها
حنت إلينا خيالات تناغينا
ذكرى أمية لم تبرح حواضرنا
لما بكيت ولم توحش بوادينا
ناجيت جلق في وحي تردده
على اعتلاج الأذى فيها مغانينا
على بيانك وشي من خمائلنا
وفي قوافيك طيب من روابينا
لم تنس نكبتها والله حارسها
لما صبغنا ثراها من أضاحينا
هبت تحيتك الريا تموج بها
صبا الأصائل في ريان نادينا
فضج كل أبي من شكائمنا
وثار كل كريم من تغاضينا
غمزتها غمزة هزت جوانبها
فانصاع في غفية الأجفان غافينا
قصائد بدم الأحرار مائجة
من وحي جلق نعليها وتعلينا
مغموسة من الثورة الحمراء أمثلة
تمثلت في مجاليها معالينا
تلكم أمية كرمنا منازلها
فلن ترانا عليها مستذلينا
يا بنت فرعون والأشجان مائجة
هلا صبرت وبعض الصبر يسلينا
لو كان يشفي رثاء في ملمتنا
صغنا الجوانح شعراً في مراثينا
يكفي النعي خلود في قلائده
هذا الرثاء الذي أعيا قوافينا
فنم على الدهر شوقي في هواجسنا
مورف الظل لا نامت ليالينا
العبقريات في الدنيا مخلدة
ومن يسد سبيل العبقريينا
ما كان خطبك إلا أمة درجت
وقد يعادل شعر أمة فينا
هذي أمية لم تهدأ وساوسنا
على دمشق ولم تنشف مآقينا
شفيق جبري في قصيدة “فارس العرب”

لو يسكر الدهر من ذكراكِ يا حلبُ
لكان للدهر منكِ الخمرُ والعنبُ
هذا دويُّكِ والدنيا تردّده
تكاد تهتزُّ من أهوالهِ الحِقبُ
ما كانَ أمسكِ إلا أمس ملحمةٍ
غنّى بها السيفُ والأقلامُ والكتبُ
لولا الليالي التي كابدتِ ظلمتها
ما كان للعرب بين الروم مضطربُ
فلو سألت دروب الروم عن بلدٍ
ذلّت به الروم قالت

:
حسبكم حلبُ
!
أعدتِ ذكرى بني حمدان وارقة
ذكراهم الجودُ والعلياءُ والأدبُ
كانوا الملوك وتاجُ الملك فوقهمُ
تُزهى به الارضُ والأفلاكُ والشهبُ
حصنُ العروبة لم يهدم عروبتهم
نومٌ على الضيم والداراتُ تُغتصبُ
ما كانَ إلا سروج الخيل مركبهم
ردّوا البطاريقَ عن أظلالِ مملكةٍ
لنصرةِ العربِ ما جرّوا وما ركبوا
يفنى على ظلّها فتيانها النُجبُ
تروى من الاحمر القاني منابتها
وينضرُ العودُ بالأشلاءِ والعشبُ

إذا نسبتَ فتى الفتيان فارسَهم
أبا فراس حسبتَ المجدَ ينتسبُ
زينُ الشبابِ ولم تملأ شبيبتهُ
إلا المعالي وإلا الخيلُ والخببُ
ضربُ السيوفِ ورايات يُليح بها
في ملك قيصر
:
هذا الهمُّ والأربُ
لم يروَ من عمرٍ هدّت نضارتهُ
مضاربُ السيف والنيران واللهبُ
فلم يمتّع من الأيام متعتهُ
ولا تملّى شباباً كلّهُ تعبُ
ما منزلُ اللهوِ واللذات منزلهُ
وإنّما لهوهُ الهيجاءُ والجَلبُ
فأين منه ظهور الخيل سابحةٌ
وأين منه ضجيج الحربِ والصخبُ
إن راح يوم ولم ترسب صوارمه
في أرؤس الروم ضاع اليوم والرَسبُ

يا فارسَ العرب كم غادرتَ من أثرٍ
على مدارجهِ الفرسانُ تنسحبُ
زحفتَ بالجيشِ والرايات خافقة
لم يحمِ قيصرَ منها جيشهُ اللجبُ
فضجّ منك كِفافُ الأفق واختلجت
غياهب الليل حتى مادتِ الرّحبُ
لو كنت للموتِ هيّاباً لما ظفرت
بك السيوف ونالت وجهك الشُّطبُ
هذي الجراحُ على الخدّين شاهدةٌ
أنّ الرجالَ إذا ما استغضبوا غضبوا
ما في الجراحِ على الهيجاءِ من عجبٍ
نجاة فرسانها منها هيَ العجبُ
لم تخلق الحربُ إلا للسيوف فما
يليقُ بالحربِ إلا الفارسُ الدربُ

يابن الملوك
!
وكم أذللتَ من ملكٍ
لم يحمهِ في الفيافي معقل أشِبُ
نزعتَ عنهُ وشاح الملك فانخسفتْ
به القفارُ وماجَ اليمُّ والعَببُ
إن دلّ لون على خوفٍ تكنّفه
دلّ الشحوبُ فبان الخوف والرَهبُ
ألقت عليك شيوخُ العرب طاعتها
لمّا ألحَّ على أشياخها الرُعبُ
فما نزا شاغب منهم على جبلٍ
إلا بطشتَ بهِ حتى انقضى الشَغبُ
إذا تولّى فذلُّ الخوفِ لاحقه
وإن تدلى ثناه الشكُ والريبُ
خلِّ المفاخرَ والألقابَ ناحيةً
فما يحيط بما أعليته لقب

يوماً أميرٌ ويوماً في سلاسله
يطوي الليالي والاشجان تطرب

يصيح في كلّ يومٍ فوق مضجعهِ
ألا فؤاد على أقيادنا حَدِبُ
أما ترقّ قلوب كنتُ حارسها
والملك معتلج الآفاق مُنتهبُ
ألأا فداء وسيف الدولة امتلأت
منه الخزائن والأعلاق والذهبُ
لقد تملّت قلوبُ الناس عطفتهُ
وعطفه دون هذا القلب محتجب
إذا عتبتُ فلم أعتب لمبخلةٍ
وإنما العتب للعهد الذي قلبوا
إني أضنُّ بتاجٍ أن أزاحمه
على سناه فما في التاج مرتغبُ
لكن طربتُ إلى نارٍ أسعّرها
في وجهِ قيصر حتى شفّني الطرب
فكل همٍّ على الاحشاءِ منبسط
وكلّ نومٍ من الأجفانِ مستلبُ
تلقى العيون على الأعياد فرحتها
أفراحه الحزن في الأعياد والكُربُ

يمرُ بالعيدِ والأغلالُ حلّتهُ
وكان تُزهى به أثوابه القشبُ
فالعين خلف خضمّ الروم موحشة
لا أعين الروم سلّتها ولا الهُدبُ

أين الديار وأين الشام لذّته
نأت به الدارُ والبطحاءُ والكثبُ
خياله في ربوع الشام منسرح
وطرفهُ في ديارِ الروم منقلبُ
فما ثنته قصورُ الروم عن وطنٍ
على مشارفه الأهلون والصَحبُ
إذا سجا الليلُ لم يحلم بغيرهمُ
وفي الضُحيّا هم الأحلام والرَغبُ
فكم إلى حلبٍ حنّت خواطره
وكم إلى منبج أسرى بهِ الحَدبُ
فإن تذكر بين الروم ذلتهُ
نفى المذلّة عزُّ الملك والحسبُ
فهزّ رأساً على الجوزاء قمّتهُ
وكاد يأكل من أضلاعه الغضبُ
لولا العجوز ولولا صبية سرحوا
مثل الفراخ على أطرافها الزَغَبُ
لما تطامن من عليائهِ كنف
ولا تقطّع من أسبابه سببُ
سحابُ صيفٍ وبعد الاسرِ معتركٌ
تشقى به الروم أو يروى به التُربُ

يا حسرةً من وراءِ اليمِّ تحملها
يظلُّ قلبك من لأوائها يجبُ
لو يفصح الشعر عن دمع تكتمه
لكان من شعرك الرّيان مُنتحَبُ
عليلةٌ في ظلالِ الشام والهةٌ
هذا معلّلها في القيدِ منتشبُ
يضني جوانحها جرحٌ يؤجّجه
شوقٌ إليك على جنحِ الدّجى يثبُ
فجرحها في بياضِ الصبحِ ملتهب
ودمعها في سواد الليل منسكبُ
إذا اطمأنت إلى الأحداثِ مهجتها
ثارت بها ذِكرٌ كالموجِ تصطخبُ
تهفو إلى الركبِ إن عجّت مواكبهم
وتسأل الركب ما جاؤا وما ذهبوا
هل الأمير ربيب الملك مائجة
به الشجون فلا لهو ولا لعبُ
وهل أليف العوالي في سلاسله
مشتّت الفكر من أغلاله كئب
والله ما هدأت عيني ولا انقطعت
دموعها وحبيبُ القلبِ مغتربُ

ما أقسى قلبك في الهيجاء ترسله
خلف العدوّ فما ينجو به الهرب
وما أرقّ فؤاداً إن ذكرت له
أماً على صدرها الأشجان تلتهبُ
تظلّ صورتها في الاسرِ ماثلةٌ
لقلبك الغضّ تدنيها فتقتربُ
فيها الصفاء،صفاء الدين مؤتلق
فلا هوادة في التقوى ولا كذبُ
لو تجمع الارض في الدنيا وزينتها
لفاقت الأرض أمٌّ في الورى وأبُ

ويح البطولة ما كانت عواقبها
هل العواقبُ إلا القتلُ والعطبُ
لمّا رأى جنبات الملك خاليةً
حلا له التاجُ والراياتُ والغَلبُ
ما كاد يطلبها والعين طامحة
حتى تفلّت منه الملك والطلبُ
مشت إليه سيوف الترك غادرةً
لله ما صرعوا منه وما شطبوا
نجا من الروم والأسياف تضربه
وما نجا من سيوف الترك ماضربوا
لم ينكبوا من بني حمدان فارسهم
وإنما العرب في آثاره نُكبوا
كانت سيوف بني حمدان تحجبهم
واليوم لا حاجبٌ يحمي ولا حجبُ
وهكذا درجتْ في الشام دولتهم
من بعد أن ملأوا الدنيا بما غلبوا
لو يعرف الدمع عن مأساة فارسهم
لفاضت الأرض ممّا سحّت السحبُ

سلِ الديار،ديار العرب كم نكبت
في كلّ يوم شقاقات ومُنتكبُ
إن تنطق الأرض عن قتلى شبيبتهم
أبكاك من درجوا فيها ومن سَربوا
لم تُسقَ منهم سيوف الروم ما سُقيت
منهم أسنتهم والبيضُ والقضبُ
شقاقهم في ضحى التاريخ مثلبة
وعهدهم في دجى تأريخهم ثَلبُ
فما تألّف بعد الفتح شملهمُ

حتى تبعثرت الأهواء فانشعبوا
بينا يُغذُّ بنو حمدان سَيرهم
للروم إذ نجد الأعراب تنقلبُ
أمامهم وثبات الروم تشغلهم
وخلفهم وثبات البدو والسَلبُ
لولا شباب بسيف الدولة اعتصموا
لراع قلبك حوض في الحمى خَربُ
فللماللك ما سلوا صوارمهم
وللمكارم وما أعطوا وما وهبوا
فهل تعيد لنا الأيام دولتهم
والشرقُ مبتهج والغرب مكتئب
أبا فراسٍ
!
وما قلتُ الذي اختمرت
به القوافي وبعض القول مقتضبُ
تظلّ ذكراك بين العرب خالدةً
مادارَ دهرٌ وما دارت به العرب






شفيق جبري يرثي فوزي الغزي:
إنّ الذي ملأ المرابعَ شعلة
ملأت فجيعتهُ الربوع خُمودا
هدأت فتوته النضيرة وانطوى
ذاك الشّبابُ مُبرّحاً مكدودا
هلاّ عطفت أبا دلالعطفة
ما ضرّ لو تلوي إلينا الجيدا
لم تشهد الفيحاء في آلامها
يوماً كيومكَ حافلاً مشهودا
زحفت وراء النعشِ مائجة الأسى
يتلو وفود في الزحام وفودا
من كلِّ ناحية وفود زحزحت
في ظلّ معبود القلوبِ حشودا


شفيق جبري يرثي هاشم الأتاسي:
الربعُ ربعي والبطاحُ بِطاحي
فإذا بكيتُ فقد بكيتُ جراحي
خَلَتِ الديارُ فلستَ تُبصرُ هاشماً
فوق الديارِ بخلقهِ اللّماحِ
يُزجي المواكبَ تحتَ ظلِّ لوائهِ
فتموجُ ريّا من دمٍ وأضاحِ
حمل الكفاحَ على الحمى ومشى بهِ
مشيَ الأمينِ أمام كلّ كفاحِ
ووراءهُ ماض يرفّ ضياؤهُ
ملءَ العيونِ ولا رفيف أقاحِ
وكأنهُ جبل تحوط ظلاله
تاريخ قوم في الجهادِ سماحُ
لم يشترِ الدنيا ببيعِ ضميرهِ
إن باعهُ في الناسِ كلّ شحاحِ
فيهِ انطوى تاريخنا وتدفقت
بين السطور بلاغة الإفصاحِ
في كلّ ظلٍّ من ظلالِ بقاعنا
وذكرى دماء من فتى مسماحِ
لو ترتوي الأدواح من رشفاتها
روّى الرشيف مغارس الأدواحِ
أتظنُ حمص أنّ جِلّق دونها
دمعاً يفيض من الاسى الملحاحِ
ليسَ المصاب مصاب حمصٍ وحدها
كل الربوعِ تعجُّ بالأتراحِ

شفيق جبري يرثي سعد زغلول:
نمْ في ظلالِ الخالدين
جبّار مصر على السنين
في اللبّ من حرم القلوبِ
وفي الصميمِ من العيونِ
العبقرية من شمالك
والخلود على اليمين
يا سعد كلُّ في الكنانة
باسمكَ الأعلى يدين
عقدوا القلوب على هواك
مُدلهين مُولّهين
قتل الحنين نفوسهم
والنفسُ يقتلها الحنين

شفيق جبري يرثي حافظ إبراهيم:
غنت قوافيك بالأحزان مائجة
تكاد تنطقُ من بؤس أغانيها
لو لحنوا البؤس في شعر نردده
لكان بؤسك ألحاناً نغنيها

أمي ولستُ أرى في الأرض قاطبة
أعزّ منكِ على الأسماعِ والبصر
ناديتُك اليوم لا حسّ ولا خبر
فأين منك دوي الحسّ والخبر

شفيق جبري:

يمشي الزمانُ فلا يُرى متلّفتاً
متحفِزٌ في سيرهِ فكأنّهُ

في مَشيهِ عن يَمنةٍ وشِمالِ
سَيلٌ تدفّقَ من مكانٍ عالِ
يمضي فلا تُلويهِ عن منهاجهِ
في الخافقينِ قوارِعُ الأهوالِ
لا يستقِرُّ بهِ القرارُ إذا مضى
فيطوفُ من جيلٍ إلى أجيالِ
غضُّ الشّبابِ فلا يشيبُ
قَذالهً وتشيبُ منهُ ذوائبُ الأطفالِ

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
شرد البيان فما أطيق بيانا
فاكتمْ جراحكَ وادفنِ الأشجانا
ما للقوافي إن دعوت شرودها
شمختْ وما ألقتْ إليَّ عنانا
هل راعها شيب يُجلّل مفرقي
أفما أمتّع بالشّبابِ جَنانا
هوِّن عليك فما تمرّد خاطري
إلا أتاني طائعاً مِذعانا
أفلا تحرّكني شدائد أمةٍ
هانتْ فسلّها هل تُحسّ هوانا
هل كنت أبخَل بالدموع على الحِمى
أفلم يقرّح دمعي الأجفانا
أفلم يجدني في المسرّة والأسى
زمناً أسرّ وأزمناً أسوانا
لو كنت دون الله أعبد جنّة
لعبدت منه مفاوزاً وجِنانا
قلبي وروحي والهوى ولهيبه
فاضت عليه محبّة وحنانا
وطني ولم أؤمن بغير ترابه
وأرى الترابَ يزيدني إيمانا!
كم عبقريّ في ظلام قبوره
نفضَ القبورَ ومزّقَ الأكفانا
فكأنّهُ عين تضاحك أعيناً
وكأنّهُ أُذنٌ شجت آذانا
دانٍ يدور مع الليالي حسنه
يزداد في دورانها إحسانا
هذا فتى الفتيان زينة طيىءٍ
غنّى فهزَّ غناؤهُ الفتيانا
أعلى الممالك ما بناهُ سحرُه
سحرُ البيان يمرِّد البنيانا
رسم الطعانَ على السطورِ خيالهُ
أفلا نرى بين السطور طعانا
فكأننا والحرب تذكو نارها
نصلى وقد حميَ الوغى النيرانا
لولا أبو تمّامَ والشعر الذي
روّى القلوب ونضّرَ الأذهانا
ما كان هزمُ الروم نصب عيوننا
حيّاً يقصّ من الردى أفنانا
فانعمْ بما خلقت لنا آياته
خلقتْ لسلطان الحمى سلطانا
لله درُّ عصابة من طيىء
أعطت فكان عطاؤها تهتانا
أعطت ديار العرب من إلهامها
غرراً تدور مع السنين حسانا
أفما سقاك البحتري خموره
أفما تظلّ بخمره نشوانا
دخلَ القصورَ على الملوك منادماً
فجلا لأعيننا بها الأزيانا
فإذا لقيتَ رُخامها وكأنّهُ
حبُكُ الغمامِ فقد لقيتَ عيانا
فترى القوافي من رفيفِ سقوفها
درّاً يضىء ولؤلؤاً وجُمانا
من كلّ أسود كالليالي حالكٍ
أو كلّ أبيض يخطف الأعيانا
وترى الزُجاج على السقوف كأنّه
لججٌ تموجُ فتفرق الحيطانا
كست الحضارة شعره ألوانها
فتكاد تلمح عيننا الألوانا

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
أرأيت قومك فاغترفْ من بحرهم
درجوا وكانوا للهدى عنوانا
ناجِ الذي ملأ الأنامَ دويله
يمسي ويصبح مائجاً غضبانا
عشق الحروب فهل ترى في شعره
إلا حساماً صارماً وسنانا
فكأنّ من حمر الدماء مدادَه
وكأنّه أملى بها الديوانا
تجري الدماء على عنيف بيانه
بحراً يجرّ وراءه كثبانا
قتلى وجرحى والسيوف تنوشهم
لم تبقِ من أركانهم أركانا
نظم القريض لآل حمدان العُلى
فكأنّهُ أحيا لهم حمدانا
لولا بنو حمدان والسيف الذي
أعلى العروبة في الربوع وصانا
لمحت جيوش الروم سحر لسانها
وتخرّمت أعلاجهم عدنانا
فافخر بشاعرهم ورتّل شعره
أفلا تراه للعلى معوانا!
زحف الزمانُ ولم تزل أوطاننا
نهبّ العدوِّ يبعثر الأوطانا
تلك الضغائنُ لا يزال سعيرها
طيَّ الحشا،من يطفىء الأضغانا
قالوا:السلام،فهل رأيت سلامهم
هدموا البيوت وشتّتوا النسوانا

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
إن لفّت الأمّ الرؤوم وليها
في الحضن ليلاً زلزلوا الأحضانا
أو رامت الأطفال نوماً هادئاً
حُرموا الكرى وتخيّلوا الشيطانا
لم تسلم الأديان من أيديهم
نقموا فمسّوا بالأذى الأديانا
في كلّ يومٍ صيحة من جرمهم
تعلو السماء فتخرق الأعنانا
لا القدس آمنة ولا حرم الهدى
أين الأمان،فهل تحسّ أمانا؟
عجباً لقومٍ كالنعامة في الوغى
واليوم أضحوا في الوغى فرسانا!
ضربتْ عليهم في البرية ذِلّة
ما بال ذِلّتهم غدتْ طغيانا
ويل الضعيف إذا تملّى قوّة
ألفيتهُ في ضعفه ثعبانا
فانهض صلاح الدين وانظر عصبةً
حرنوا وزادهم الغرور حِرانا
كنت الوحيد ضمان أمّة يعرب
ضاعت ديارك من يكون ضمانا
لولا الفداءوعاصفات رياحه
فوق الحصون تهدّم الأحصانا
لولا دمٌ تندى فلسطين به
وترى التراب بدفقه ريّانا
لم يرتفع للعرب رأس في الورى
يوماً ولا اختلج العدوّ وهانا
الجعجعات وقد يدوّي صوتها
هيهاتَ دفعُ دويّه العدوانا
يا ساقياً والخمرُ ملء كؤوسه
اطرح كؤوسك واسقني الألحانا
قد عشتُ في ظلِّ القوافي حقبةً
أجد الشّبابَ بظلّها فينانا
ما هاجني إلا صدى إيقاعها
أمسي وأصبح بالصدى سكرانا
خمسون عاماً في مراس زمامها
حتى استكان لي الزمام ولانا
جرّبت من مضض الهوى لذّاته
وبلوت منه نواعماً وخِشانا
ما راقني إلا البيان وسحره
فاملأ كؤوسك إن سقيت بيانا
وأدرْ عليَّ الشعر إن غنيّته
حتى أسلَّ بوقعه الأحزانا
فيه العزاء وفيه كلّ مسرّة
تُروى بعذب معينها الظمآنا
أكرِم بقوم أورثوا تاريخهم
لغةً تظلُّ على العلى برهانا
لغة تفيض نعومة وصلابة
تحكي النسيمَ وتشبه الرّانا
حيناً ترقّ كأنّها نسيم الصِّبا
فوق الخمائل ينشر الريحانا
ويموج حيناً كالخضمّ عبابها
فيكاد يجرف موجه الشطآنا
لغة الأسنّة والصوارم والقنا
كانت لنار جحيمها ميدانا
مرّت بها الأزمانُ وهي منيعة
لا ترهب الأحداث والأزمانا
كم نازعت لغة الغزاة بيانها
طار الغزاة مع الهواء دخانا

شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
وتطاولت في الخافقين غصونها
ترعى مواكب يعربَ الأغصانا
قد صبّها الرحمان في قرآنه
أفلا ترى من سحرها القرآنا
فاحمل لمجمعها التحية إنه
لم يأل فيها حيطة وصيانا
لغة الورى علوان رفعة شأنهم
فاكتب لرفعة شأنك العلوانا
لو جُردَ الإنسانُ من نعمائها
أفكان دون نعيمها إنسانا
صقل الزمان لن حسان وجوهها
أفما نعمنا بالحسان زمانا
فالهج بنصرتها وخذ بلوائها
حتى تحلّ من السماء مكانا

إن لم تظل سيوفنا أعلامنا
طمحتْ إلى استذلالنا الأبصار
ذريني وتأديبَ التجاربِ إنّما
تُضىءُ ظلامَ العقلِ مني تجاربهْ
فلولا الليالي ما عرفنا حليفنا
أصادِقُ ودّ القلبِ أم هو كاذبه

سألت جهينة أمها عما بي
هاكِ الجواب،إذا شفاك جوابي
هاج نسيم الحرية لي أمرها
بالله يا ريح ابعثي لي ذكرها
نجوت من ظلم ومن ظالم
يا دهر إن يسرّت لي عسرها

إن تُحرجوا الآساد في غابها
هيهات ما تكفيكم شرّها
إنَّ الحياةَ كما بلوت وجوهها
حلم يُخادِع أهله ويُحابي
قد تكذبُ الأحلام بعض زمانها
وتجىء في زمن بغير كِذابِ

ما قيمة الدنيا إذا فرشت لنا
من بعد زينتها فراش تراب
يا أرض هل صدقت عن أهلك الكتب
ضجَّ العراء ومارت في الدّجى الشهب
هل اليقين استثار اليوم عزمهم
أم العزائم فيها الشكُ والريب

خَلِّ النِقابَ فلا تحاول كشفه
هل يستطيعُ العقل كشف نقابِ
حُجُبُ السّماء كثيفةٌ أسرارُها
هيهاتَ تُدرك سرَّ كلِّ حجابِ
يا بنَ النبي وما الآذان سامعةٌ
فهل تُلبي زحوفاً أنتَ داعيها

لا تزدردِ الليثَ الحبيسَ فرُبما
عادت وقد شهد الوغى وثباته
أودى المنون بواحدِ الآحادِ
وعدت على ربعِ الكرامِ عوادِ
والدهرُ يعثرُ بالكرام وقلّما
شُلّت يدُ الأحداثِ كيفَ تخرّمتْ



عثرت صروف الدهر بالأوغادِ
شرخَ الشّبابِ ونضرة الأعوادِ

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:

ستون عاماً على كره تعانيها
هدأت عنها ولم تهدأ لياليها
ما زلت منها على يأس تغالبه
حتى طواك على الأشجان طاويها
فاطرح شدائدها عن كاهل هدمت
من جانبيه ولم تهدم عواديها
يا وقفة لك في أفيائها انحدرت
عنك العواطف مضنيها ومُشجيها
ناجيت فيها صباً ولت نواعمه
بدلت شيخوخة منه تناجيها
فتوة ملئت بؤساً نضارتها
وكبرة أفعمت سقماً حواشيها
أهبت بالموت من سقم ومن شجن
كأنما الموت آمال تناغيها
فنم هنيئاً فلا جسم تراوحه
تلك الشجون ولا نفس تفاديها
غنت قوافيك بالأحزان مائجة
تكاد تنطق عن بؤس أغانيها
على قريضك من أناتها أثر
أراه يفصح عن أقصى مراميها
ما في أغاريدها إن ناح نائحها
إلا تهاويل من شكوى تُزجيها
تجهمتك الليالي في تصرفها
ففاض شعرك في الآفاق تأويها
فما تمليت في يوم مضاحكها
ولا تمهلت إلا في مباكيها
أمعنت في طلب الدنيا فما ابتسمت
لك الحياة ولا هشت أمانيها
سعت بك القدم المشؤم طالعها
فلم تؤد إلى نجح مساعيها
على نعالك من تبريحها دفع
من قانىء الدم لم تنشف جواريها
حتى وددت لو أن النفس عاد بها
من قبل أن تسأم الأشجان باريها
أو كان في مسبح الحيتان مطرحها
أو في مسارح من هلك مآويها
لله شعرك كم هاجت هوائجه
بضيقة في حواشي النفس تضنيها
قذفت منه على السودان طائفة
صورت بلواك تصويراً يجليها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
لو لحنوا البؤس في شعر نردده
لكان بؤسك ألحاناً نغنيها
ودعت دنياك توديعاً ترقرقه
شكوى يذوب على الآلام شاكيها
فما لعينيك في لألائها أنس
وإنما الأنس في أدجى دياجيها
كأنما قبرك المأنوس متسع
لعيشك المر من جلّى تقاسيها
العبقرية ما زالت معذبة
في الشرق ما جمدت يوماً مآقيها
لكن نفسك لم تصرع جوانبها
ظلماء من خيبة الآمال تبريها
هزأت بالعمر لم تعبأ بغمته
وعشتها عيشة طلقاً نواحيها
داويت بالكأس آلام الحياة وهل
بغير إشراقها قلب يداويها
لقبتها ضرة الأحزان زاكية
غراسها مستطابات مجانيها
الكأس والطاس والصهباء ماثلة
في شعرك الطلق تزهى في مزاهيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
شتت شمل الليالي في تناولها
على رخيم من الأنغام تحييها
لئن نظرت إلى الدنيا وبهجتها
بمقلة ما رأت إلا مساويها
لقد خلعت على الأحزان مشرقة
من الحبور طوت من شجو شاجيها
وما الحياة إذا اسودت جوانبها
وما الليالي إذا لم يصف صافيها
خير من العمر ممدوداً سرادقه
على الأسى لحظة تجلو ثوانيها
لله مجلسك المحشوك كم طربت
فيه القلوب وكم بشت بواكيها
فقد تكون حزين البال متعبه
وقد نراك ضحوك العين ساجيها
تلك الأحاديث قد ذقنا حلاوتها
في كل نادرة سحر يحليها
تزداد حسناً إذا ازدادت روايتها
رقيقة سكبت من روح راويها
لكن روحك إن جدت وإن هزلت
لم تنس مصر ولم تهمل مغانيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
غنت بوادي الحمى في فجر نهضته
وخاضت النهضة المحمر واديها
وقد كنت بلبلها الغريد هيجه
غول على مصر محتل روابيها
أحببت مصر وسارت في محبتها
قصائد من عباب النيل ترويها
يجول فيها هوى الفسطاط مزدحماً
على فؤاد عناه خطب أهليها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
أيقظت منها غفاة في مضاجعهم
والشعر يوقظ في الأقوام غافيها
كم أمة رسفت في القيد أطلقها
من القيود فلم تملك نواصيها
أمضك الجرح في أحشاء عثرتها
فكنت في شعرك الريان آسيها
أردتها حرة لا النير يثقلها
إذا تهادت ولا الأصفاد تُوهيها
فما تخوفت إلا لعب لاعبها
ولا تخشيت إلا لهو لاهيها
فكم بكيت على مصر وحاضرها
وكم حنوت على مصر وباقيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
جادت لها عينك الريا محاجرها
باللؤلؤ الرطب من حال تعانيها
إذا سكت فلم تأمن هوادتها
وإن نطقت فلم تأمن منافيها
آسيتها يوم دنشواي وروعته
يا يوم دنشواي ما أبقى الأذى فيها
جلد وشنق وفي الأمرين مهزلة
تلك الجنايات باسم العدل جانيها
كشفت عنها غطاء كان يسترها
حتى تمثل للعينين قاسيها
ضحوا بشعب بديلاً من قتيلهم
تلك الجراحات لم تضمد دواميها
ويح الحضارة كم راقت ظواهرها
هذي العيون وكم ساءت خوافيها
في طيها الموت خفاق سبائبه
مكشوفة عن ضحاياه محاييها
ذئب تلفف في جلد الشياة وهل
يخفي الذئاب طلاء في مغاطيها
خير من العلم جهل لا يشنعه
عسف الشعوب وهزء من أضاحيها

شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
ما كان شعرك إلا وحي عاطفة
ظل الجزيرة والأهرام موحيها
عليه من مضر الحمراء منزعة
محبوكة الوشي مرصوص مبانيها
لئن جفت مصر أرض الشام واطرحت
هوى العروبة كم أنبت جافيها
صافحت جلق لم تنقض مواثقها
على البعاد ولم تنكث أواخيها
فإن بكتك على جرح تعالجه
فقد رأتك على الأهرام تبكيها

شفيق جبري في قصيدةالحرية:
هاج نسيم الريح لي أمرها
بالله يا ريح ابعثي ذكرها
تجهز الدهر لا قلاقها
ما حمدت في ليلة دهرها
إن تمسك الأقدار عن نصرها
فما أنا مطرح نصرها
أو تعبس الظلماء في خدرها
فأنت يا برق أنر خدرها
دب مضيض الحبّ في أضلعي
لا تحسبني طاوياً سرها
صبرت عنها مهجتي ساعة
فلم تطق من بعدها صبرها
بلوت في ظل الصبا حلوها
فهل تراني بالياً مرها
عشقتها والله أدرى بنا
ما مسّ صدري في الهوى صدرها
ظلل أكناف الحمى طيفها
هنيهة ثم ابتغى هجرها

شفيق جبري في قصيدةالحرية:
لا تخفضن يا دهر من قدرها
كل كريم رافع قدرها
دحرتها والنفس في إثرها
خارجة ما احتملت دحرها
كم حائر طاحت به ضلة
ثم اهتدى لما رأى بدرها
وصاغر ألوت به ذلة
فعز في إعلائه أمرها
ومستبد راعه خطبها
يجهد في تهتيكه سترها
لئن طوى استبداده ليلها
فما طوى عن مقلتي فجرها
حصرت يا دهر نفوس الورى
وهل أطاقت مهجة حصرها
نجوت من ظلم ومن ظالم
يا دهر إن يسرت لي عسرها
إن تحرجوا الآساد في غابها
هيهات أن تكفيكم شرها

شفيق جبري:
أطوي الدجى فتضىء الليل عيناك
هل لمحة البرق إلا من ثناياك
وهبّة الريح إن لانت ملامسها
فإنما أورثتها اللين كفاك
وهذه الليلة الليلاء حائرة
كأنما تيم الظلماء مرآك
حلّيت بالخلق المصقول جانبه
سبحان من برقيقِ الخلق حلّاك
نهضت للطفل واللأواء مائجة
في ظله وفؤاد الطفل مضناك
فما تركت به هماً يعالجه
في طلعة الفجر أو في جنح ممساك
تغدو الرجال لأكباد تجرّحها
وإنما لضماد الجرح مغداك
يبكي الفتى ودموع العين ترمضه
فتمسحين دموع الواجف الباكي
تبكين للمرء إن ألوى البلاء به
وإن بليت فما يبكي لمبكاك

شفيق جبري في قصيدة “
شاعر العرب”:

ما الذي هيّج الحمى والعربا
أنسيم من شاعر العرب هبّا
فمشوا في مواكبِ الفنِّ زهوا
وتهادوا على المواكبِ عجبا
أخذت فيهم الأغاريد واللحن
فراحوا منها نشاوى شربا
سائل العرب يوم كان دويّ الشعر
يزجي إلى المعالي العربا
كتبوا المجد بالسيوف وبالشعر فكان
القريض أخلد كتبا
لغة القلب طالما خاطب القلب
فهزّ الشعور جنباً جنبا
يبسط السلم إن أردت سلاما

ويشبُّ الحروبَ إن شئت حربا
قد تحول الصحراء في روعة الشعر
فتغدو منه حدائق غلبا
كرّم الله دولة كرّمته
فنما في ظلالها واستتبا

إيه شوقي
!
لو كان للشعر ربّ
جعلتك الاذواق للشعرِ ربّا
يا غذاء القلوب إن تجدب الأر
ض فلسنا نظنّ فيك الجدبا
شاعر العرب كان شعرك حيناً
كنسيم الصبا وحيناً عضبا
كلما طال عهده وتراخى
رفّ في مسمع الزمان وشبّا

كم هززت الرجال في ثورة الشام
فثاروا ولم يبالوا الخطبا
نفخت فيهم القلائد روحاً

جعلت في الشدائد الموت عذبا
فاستطاروا مثل الرياح إلى الموت
فكانوا فيه رياحاً نكبا
فنفضنا عن المرابع ضيماً
سال فيه النجيع مزناً وسحبا
غصبوا الشام واستباحوا حماه
ثم طاحوا وما تملّوا غصبا
كيف ننسى في غوطة الشام يوماً
كنت فيه نوراً وكنت اللهبا
جلت بالشعر جولة فحسبنا
طيف مروان في النواظر دبّا
وكأنّا نرى الخلافة تختال
وملكاً مع الخلافة صلبا
هكذا الشعر ثورة كلّما هاجت
شعوب أوحى إليهم غلبا

ضحكَ الشعر في بيانك وابيضّت
حواشيه ما نشاهد كربا
فغدا مسرح الظباء إذا ما
ندّ سرب فتنتت منها سربا
غزل ينفذ القلوب فتلقي
بهواها فيصبح القلب صبّا
فتظلّ العيون تغمز غمزاً
وتظلّ الشفاه ترضب رضبا
ويكاد النسيب ينطق سحراً
ويكاد الهوى يشقّ الحجبا

وترى قبلة الثغور على الخدّ
وتلقى مزاحها والدعبا

يتلاقى العناق والضمّ والشمّ
وهدب يلزّ فيها هدبا
لا تلمّ الشباك من كل درب
لم تغادر في غمرة الحب دربا
لو يسيل الهوى خلال القوافي
سلسبيلاً غمرت منه الهضبا
قد ملأت الشباب حباً وفاضت
جارة الوادي في فؤادك حباً
فإذا جفّ في الشيوخ هواهم
هجت فيهم هوى الشيوخ فأبّا
فتنادوا إلى الكؤوس وصاحوا
هاتها يا نديم صرفاً وصبا
أنت لا تدري ما تكنّ الليالي
إن توالت وما تكون العقبى

أدموع بأرض أندلس جدت
بها،روّت روضها والتربا
فكأن العيون تلمح شجواً

وكأن الآذان تسمع ندبا
أم غناء كالعندليب طوى الأر
ض فخلنا بعد المنازل قربا
فكأن السنين لمّا ترامت
وثبت نصب أعين القوم وثبا
فرأينا القصور تلمع في الليل
فتهدي فوق البطاح الركبا
وقطعنا الرياض بين رفيف
الدوح نجتاز سروه والدلبا
ولمسنا النعيم في جنة الأرض
يروّي الشعاب شعباً شعبا
فبكينا ملكاً تقاذفته الليالي
غرسوا فوقه القنا والقضبا
ركبوا الموج والعباب وطاروا
يقطعون العباب كثباً كثبا
رفعوا الملك والحضارة والفنّ
وكانوا الرحى لها والقطبا

فهوى الملك والدموع تروّيه
وساءت تلك الأوائل غبّا
وكذاك الأيام تعصف بالناس
ويبقى ما أودعوه الكتبا
صور تقطر البلاغة حتى
تحسب الصدق في البلاغة كذبا
كلما رثّ أو تقادم عهد
جدّد الشعر وشيه والعصبا

كذب الدمع ما وفى حقك الدمع
وإن ماج كالخضم وأربى
قد حبوت التاريخ ما ليس يبلى
لؤلؤاً من لالىء الشعر رطبا
فشهدنا فرعون قد نفض القبر

وهزّ الأحقاب حقباً حقبا
وأتوه بالأكل والشرب حتى
رأت العين أكله والشربا
لبست مصر من بيانك برداً
لم تزده الأيام إلا رحبا
هدرت كالعباب تحطم قيداً
أنقض الظهر حمله والصلبا
فتغنيت بالهدير فهاجت
لم يفل الحديد منها غربا
وقفت كالاهرام في ثورة الضيم
وطالت سماءها والشهبا
وانثنى الضيم عن حماها ونالت
من رقاب العدو طعناً وضربا
ثورة في الديار غنّى بها الشعر
وألقى غراسها والحبا

فزكا غرسها وطاب ثراها
وسقاها الإيمان هطلاً وسكبا
أكلتك الذئاب إن لم تكن في
ثورة العرب والعروبة ذئبا
إيه شوقي
!
أسامع صيحة العرب

وقد دوّى الصوت شرقاً وغربا
ما دعونا إلهامك السمح إلا
حشد السحر والبيان ولبّى
ليتك اليوم في الجماهير والشعب
تغني جمهورنا والشعبا
فإذا ما سجا فؤاد ولبّ
هجت منا فؤادنا واللُبا
إرمِ عنك الأكفان واطرح ثرى
القبر وشاهد ملكاً على النيل رحبا
تلتقي الشام فيه ترباً لمصر
كلّ ترب يشدّ في الملك تربا
وغداً تزحف الديار ديار العرب
تحت الدرفس روحاً وقلبا
إنما العرب وحدة فإذا صال عدو
كانوا عليه إلبا

درجوا حقبة وأوطانهم أيدي سبأ
والخيرات في الأرض نهبى
وعليهم سلاسل من حديد
تمنع الأسد صولة ومهبا
فكأن التاريخ لم يملأوه روعة
أو لم يملأوا الدهر رعبا
لا تعد السيوف غير فتوح لهم

في مناكب الأرض ذنبا
صحبوا اليمّ والبطاح وهمّوا
أن تكون الجوزاء يوماً صحبا
سيّد الشعر
!
هل ترى ربعك اليوم
يشقّ الحديد إرباً إربا
بعثوا من مدافن العزّ تاريخاً نما
عزّه غناء وخصبا
فكأنا نرى ابن حمدان يثني الروم
جراً عن الحمى أو سحبا
هكذا المجد هبّة سلك العرب إليها
درباً على النار صعبا

نمْ هنيئاً يا مرسل الشعر نوراً
شبع القلب من سناه وعبّا
أرأيت البيان والسحر منه
أيّ مجد بنى وجيل ربّى




شفيق جبري:
يهفو الرجال ومن يحصي نقائصهم
وإن هفوت أقام الدهر مهفاك
لو علموك أضاء الله ظلمتهم
لبات في هضبة العلياء مغناك
أُسرت في قفص ماجت غياهبه
فمن يفك من الأقفاص أسراك
أقول والناس قد جاشت بلابلهم
لولاك ما احتملوا الأشجان لولاك
إن ينصروك فما أعلى منازلهم
أو يخذلوك فعين اله ترعاك
ضمنت أن يسترد الشرق بهجته
لا يسلم الشرق من خطب أطاف به

إن كان في الشرق من يسعى لمحياك
إلا إذا هذبت فيه سجاياك

شفيق جبري يرثي أمه:
أُمي! ولستُ أرى في الأرضِ قاطبةً
أعزّ منكِ على الأسماعِ والبصرِ
ناديتُكِ اليوم،لا حسٌّ ولا خبرٌ
فأينَ منكِ دويُّ الحسِّ والخبرِ
غادرتِ في القلبِ جُرحاً كلّما هدأت
آلامهُ اتقدّت في القلبِ كالشرر
لو تسمحينَ جعلتُ الصدرَ مُتكئاً
لرأسكِ الطُّهرِ في الظلماءِ والحفر

شفيق جبري في رثاء صبري العسلي:
أغريبٌ في رَبعهِ ما بالهُ
كلما جال ضاق عنه مجاله
فتراهُ يُحدّثُ النفسَ في السرِّ
ومنهُ جوابهُ وسؤاله
لا تلمه إذا استبدَّ بهِ اليأسُ
ولم تبتسم لهُ آماله
أحرام على الجفون هدوء الج
فن حل بما يمضي اكتحاله
أتناجيأبا شجاعوقد غابَ
فهذي العيون كيف تناله؟
ذكرتنا أيامهُ زمناً ولّى
تولّت قصاره وطواله
قم وحدّث،وأنت عذب الأحاديث
ما أمسنا وما أبطاله
أفما كنت من بقايا نضال
ملأت تاريخ الحِمى أعماله

شفيق جبري:
بدمي وروحي الناهضين إلى الحِمى
الطالعينَ على العرين أسودا
الزاحفينَ إلى القيود وملؤهم
عزم يحلّ سلاسلاً وقيودا
أبتْ المكارِمُ أن تُذَلَّ رقابهم
وأبتْ أميّة أن تكون عبيدا

شفيق جبري:
قد سقانا الزمانُ من مائهِ المُرّ
وبلونا ما كانَ عُسراً ويُسراً

ومن مائهِ النّمير الزُّلالِ
في زمانِ الإدبارِ والإقبالِ
نعرفُ اليومَ ما يكونُ وندري
ما جرى قبلُ في القرونِ الخوالي
ذَلّلَ المرءُ مُعضلاتٍ جساماً
بذكاءٍ في عقلهِ وصِقالِ
راحةُ المرءِ أن يقولَ دعِ
الأقدارَ تجري فإنّني لا أُبالي

شفيق جبري يهجو الحلفاء بعد الثورة العربية:
فلولا الليالي ما عرفنا حليفنا
غدونا له مستنجزين وعوده

أصادقُ ودّ القلب أم هو كاذبهْ
فمرّت بإخلاف الوعودِ سحائبهْ
ودبر في جنح الدياجير كيده
فلما انجلى الإصباح دبت عقاربه
غضبنا له والنصرُ لم يبد نجمه
ولم ندر أن الغرب سودٌ رغائبه
فكافأنا بالسوءِ بعد صنيعنا
وأقحمنا في الذلّ وهو يجانبه

شفيق جبري:
تُذكرني نفسي وهيهاتَ ما أنسى
ويؤنسني هجرُ الديارِ وأهلها

جراحاً أمضّتْ جانبيَّ فما تُؤسى
فلستُ أرى في الناسِ قاطبةً أُنسا
وما يئست نفسي من الدّهرِ إنّما
تنكرّتِ الأخلاقُ فاختارتِ اليأسا
تجافتْ عن الدّهماء لم تحتفل بهم
ترى عبسهم بشراً،وبشرهم عبسا
فما ألفتْ في الليلِ بارقة الدّجى
ولا هيَ ناغت في رفيفِ الضحى الشمسا

شفيق جبري:
أودى المنون بواد الآحاد
وعدت على ربع الكرام عواد
والدهرُ يعثر بالكرام وقلّما
عثرت صروف الدهرِ بالأوغاد
شُلّت يدُ الأحداث كيفَ تخرّمتْ
شرخَ الشّبابِ ونضرةَ الأعواد

شفيق جبري في المعري:
لم يضره فقد النواظر فالقل
بُ بصير تفتّحت أجنانه
قد يرى المرء بالفطانة ما لي
س تراه على النوى أعيانه
كم بصيرٍ أعمى الجنانِ إذا
أمَّ سبيلاً ضلَّ للسبيل

شفيق جبري:
ماجَ الخِضمُّ وزُلزلَ الصّدرُ
مالي ومالكَ أيها البحرُ
للعاصفاتِ على شواطئهِ
حنقٌ على الأيام مُحْمرُّ
فكأنّما هاجتْ بوادره
أُممٌ يُهدِّمُ حوضها الدهرُ

شفيق جبري:
شتّان ما قلبي وقلبك ياحمام الزيزفون
ومن السحاب إلى الهضابِ إلى الجبال إلى الدكون
وأنا المبرح بالسلاسل مثل تبريح السجون
وحصونك الجو المديد فمن يدل على حصوني
وتقيك أطراف الجبال أذى النبالِ فمن يقيني؟
تطوي السماء فترتوي من كل واطفة هتون

وأنا إذا انقطع السحابةُ سقيت قلبي من شؤوني

شفيق جبري”بطولات العرب”

يا دامي الجرح، لا جرح ولا ألم
الجرحُ بعد انتفاض العرب ملتئم

امسح دموعك إن ماجت موائجها
فكلّ ثغرٍ على الأيام مبتسمُ
أتحسب الشمس من أبراجها هبطت
فجنّت الشمس والأبراج والنجمُ
ما صيحة في سواد الليل راعبة
كأنما الليل من أصدائها وجمُ
الله أكبر هذا الصوت من مضر
دوّى فزلزلت الأطوادُ والأجمُ
في كلّ غابٍ ضجيج من مواكبهم
وكلّ طود على هاماته شممُ
كأنّهم والأعادي نصب أعينهم
سيل يفيض على أعدائهم عرمُ
هل العيون خلال الليل في يقظ
أم العيون على أجفانها حلمُ
كلا وربّك ما في العين من حلم
وإنما العرب ثارت فيهم الهمم
شتان ما حاضر نزهى بغرّته
وغابرٍ فاض فيه الدمع والألمُ

أتت ليال وعين العرب ساهية
كأنّهم في ذرا ذؤبانهم غنم
على بصائرهم إن أرشدوا حجبٌ
وفي مسامعهم إن خوطبوا صممُ

تكاد تحسبهم في دارهم رمماً
وهل تثور على أكفانها الرممُ
تبجح العجم في أوطانهم زمناً
لله ما اعتسفوا فيه وما اجترموا
فما اللسان لسان العرب إن نطقوا
ولا الثغور ثغور العرب إن بسموا
أيصبح العرب في أوطانهم هملاً
ويزحم البوم هذا الأفق والرخم
هوّن عليك،فللأيام دولتها
فما تدوم على حالاتها الأزمُ
أما ترى العرب من إغفائهم نهضوا
من كلّ فجّ لهم زحف ومقتحمُ
كأنما بعثوا التاريخ من أمم
فاليوم مجدهم من عيننا أممُ
كانوا العماليق والدنيا تساندهم
هيهات ما يستوي العملاق والقزم

هذا ابن حمدان والآثار ناطقة
فما يعفّي على آثاره القدم
حمى الديار ديار العرب فانطلقت
له الأناشيد والأوتار والنغم
سيوفه من دماء الروم قد رويت
وكاد يشرق منها السيف والقلم
ملّ البطاريق من غاراته وبدا
على البطاريق من أهوالها السأم
اضرب بعينك في آيات شاعره
تظلّ تنطق في آياته الكلمُ
تكاد تسمع صوت الروم إن صرخوا
وتلمس الخوف إن خافوا وإن وجموا
إمّا قتيل تواري الأرض أضلعه
أو سالم من سيوف العرب منهزم
لو كان يعبد دون الله من صنم
ما كان لي غير سيف الدولة الصنم
لولا جهاد بني حمدان في حلب
ما كان للعرب تاريخ ولا علمُ

تلك البطولات كالأهرام راسخة
فأين ما طمسوا منها وما هدموا
انهض ورتّل صلاح الدين آيتها
الأذن مصغية والعين تلتهم
جاءوا إليك بجيش يعصمون به
قبر المسيح فما صانوا ولا عصموا
لو كان همهم قبر المسيح لما
تهودت منهم ذرية ظلموا
أيمنحون بني صهيون تربته
ويزعمزن التقى، هيهات ما زعموا
الحقد يأكل أكلاً من جوانبهم
والحقد نار على الأكباد تضطرم
عيسى بن مريم في الإسلام حرمته
في كل قلب له من أهله حرم
ما في شريعته إلا السلام فهل
صمّوا عن الشرع إنكاراً له وعموا
أين السلام وقد هدّوا قواعده
وإنما السلم في أفيائنا عدم
محوتهم وبطون الأرض تكتمهم
في كل رابية عظم لهم ودم

حطين قد غذيت منهم منابتها
فاخضوضر الشيح والقيصوم والسلم
أين الحصون وأين النازلون بها
لم يفتهم عن جماح العرب معتصم
ودّ العباب الذي خاضوا غواربه
لو كاد يبلعهم من بعد ان هزموا
ليغسل العار عن شنعاء هزمتهم
وكيف يغسل هذا العار بعدهم
يا أمة من تراث الدهر خالدة
مضت ولم تستبح آثارك الأمم
ظنوا اجتياحك مأموناً عواقبه
وما دروا أنهم في ظنهم وهموا
كم غارة لهم في الشام عاصفة
فلم يصبك على غاراتهم هرم
في كلّ غور من الأغوار معترك
وكل نجد من الأنجاد مصطدم
مضوا وخلوا هشيماً من شبابهم
نما به العود والغيطان والأكمُ
حلوا بأرضك حيناً ثم مالبثوا
أن غادروا الأرض لم تثبت لهم قدمُ

لمّا رأوك وقد أعيت جحافلهم
ولّوا وقد أورثوا الغيظ الذي كظموا
كأنّ أنسالهم من بعدهم حلفوا

أن يبعثوا الحقد نيراناً وينتقموا
فأقحموا في ديار العرب شرذمة
من آل صهيون لا عهد ولا ذمم
هذي حضارتهم والشرُّ يملؤها
ماتت على صرحها الأخلاق والشيمُ
يشردون شيوخاً من ديارهم
كأنهم في صحارى تيههم بهمُ
قوم يموتون من بؤس يشتتهم
وآخرون على أظلالهم نعم
خير من العلم جهل تستقرّ به
حرية الخلق والنفاس والنسم
هل يبعث الله نوحاً في سفينته
حتى يعمّ الورى الطوفان والديمُ
كأنما الروض من آثامهم يبست
فما ينضرها ورد ولا عنمُ
مهلاً فلا تيأسن اليوم إن عبست
لك الليالي وإن ماجت بك الظلمُ

ما ضرَّ موكبك الجرار إن طرحوا
صخراً على دربه فالصخر ينحطمُ
فما يعوق ضياء الشمس إن سطعت

غيم على جنبات الشمس يزدحمُ
ألهى بني يعرب عن نصر أخوتهم
شمل على غمرة الاحداث منفصم
على الفراتين من آثاره ثلم
فسل عبابهما هل سدّت الثلم
كأن دجلة قد ثارت أباطحه
أما ترى هذه الأمواج تلتطمُ
تخاله معرباً عن نار غضبته
وللخضم لسان معرب وفمُ
بيني وبينك يا بغداد واشجة
من الأواصر ما تنفك تلتحمُ
أتصرمين حبالاً حاكها نسب
من العروبة يا ويح الذي صرموا
ماذا تقولين للمنصور إن لمحت
عيناه في حلمه الملك الذي قسموا
كانت قصور بني العباس آمنة
واليوم ألوت بها الأحقاد والنقم

دم يسيل على أطرافها دفعاً
وأربعٌ ملء عين الناس تنهدمُ
فما تنام عيون تحتها وسن
ولا تبين شفاه فوقها لجمُ
في الليل إن جنحت ظلماؤه ظِنن
وفي الصباح على إشراقه تهم
كأنما الثورة الحمراء ديدنها
ملك على ظله الأرواح تخترم
فهل يثوب رجال بعدما جهلوا
أم هل يثوب رجال بعد ما علموا
متى أرى حمرة الرايات صائرة
إلى البياض عليها السلم منتظم

سيندم العرب إن طال الشقاق بهم
وليس ينفع عضّ الكف والندم
لم نبنِ ملكاً ولم نلهج بثورته
ليهدم العرب ما نبني ويختصموا
إن الدماء التي روّت جوانبه

يكاد منها يشيب الرأس واللمم
أيذهب اليوم ما ضحوا به هدراً
أما لنا من هدى إيماننا حكمُ
أخبث بها نزوة أملى وساوسها
إبليس حتى يرى منا الذي يصمُ
هذا فؤادي وقد هاجت هوائجه
فكان مثل لهيب النار يحتدمُ
ليست قوافي ما غنيتُ سامعها
وإنما عبرات القلب تنسجمُ
فهل أرى العرب أغصاناً يلفهم
على الديارِ بيان العرب والرحم
حتى يعيدوا ضحى التاريخ خافقة
أعلامه فيرف العز والكرمُ

أنور العطار:في ياسن الهاشمي

لمّا نُعيتَ إلى أرضِ العراقِ ضُحى
ضجّ الفضاءُ وضجَّ السهل والجَلدُ
وروّعتْ فئةٌ للبغي جاحدة
حاقَ الشقاءُ بها والنحس والنكدُ
خافوكَ ميتاً وما بالميتِ من فَرَقٍ
لمّا نُعيتَ تهاووا ثمة افتقدوا
كأنّهم في سوادِ الليلِ أخيلة
لولا الخيالاتُ في دُنيكَ ما وُجدوا
لم يلبثوا أن تواروا في معايبهم
وجُرّعوا الموتَ لم يفطن لهم خَلدُ
مشتدمشقوراءَ النعشِ جازعةً
يكادُ يُصعقُها الأحزانُ والكمدُ
تبكي ابنها البرَّ قد أودى الحِمامُ بهِ
فضاعَ في موتهِ التبيانُ والرّشدُ

أنور العطار:
في ياسن الهاشمي
عمَّ الذهولُ رباعَ الشامِ من أسفٍ
كأنّها مقلة دمعاءُ أو كبِدُ
قد فجّرَ الألمُ الجبارُ أدمُعها
كما تفجرَ يومَ العارِضِ البَردُ
لا الأنسُ يضحكُ في أرجائها ألفاً
ولا النعيمُ على جنباتها يفِدُ
إلا الكآباتِ تعلو الأفق غامرة
وللكآباتِ صوتٌ صارِخٌ فرِدُ
لهفي عليها ولهفُ العُربِ قاطبةً
ماتَ الحبيبُ وماتَ القائدُ النّجدُ

أنور العطار في قصيدة جيش أسامة(
الرسالة العدد 291):
ضجَّ مهد الصحراءِ بالتغريد
وسرى النور في رمال البيدِ
هو ذا في غيابة البعد خطٌّ
ينجلي من سرابها المعقود
سال ذوبُ النضار في مصحف الأف
قِ فزان الدنيا بحلم رغيدِ
نهرٌ من هداية يتلوى
في فضاء رحب المطاف مديد
ضمّ في شاطئيه صَيّابة العُر
بِ وبأس الممرّسين الصِّيدِ
والأميرُ الفتى يدّرعُ البي
د بجيش من الكماة عديد
رفرفت راية النبي عليه
ورعتهُ بالنصر والتأييدِ
من هو القائدُ الفتي وما ين
شدُ في قصده الطروح البعيد
يا صحابي هذا(أسامة) يختا
لُ بِبُرد من الشّبابِ نضيد
رأسُ الأكرمين وهو ابنُ عشري
ن بعزم ماض ورأي سديد
حدث النفس وهو يحلم جذلا
ن بنصر داني القطوف عتيد
إيه يا نفس لا ترُعك المنايا
فالمنايا أمنيّة الصنديد
اطلبي المطمح القصيَّ مداه
ودعي الضعف للجبان الرّقودِ
واذكري نائماً(بمؤتة) باع الن
فس زُلفى ربّ البرايا الحميد
وانهضي للجهاد في نصرة الح
قّ وبُثّي رسالة التوحيد
ودعي اسم النبيّ تعبقْ به الدن
يا وترتع في عالم من سعود
وتلاقى الجمعان فارتجت الأر
ض وغابت في العاصف المشهود
وتعالت في القفر تكبيرة الله
فدّوى الوجود بالتحميد
وأسودُ الصحراء قد غنموا النصر
وفازوا بالمأمل المنشود
يا جنود الحق المبين سلام
أنتم للعلاء خير جنود
بكم عزّت الحنيفة في الكو
ن ومالت شأو المرام البعيد
غيرهم يفتحون للذل والعار
وهم للعلاء والتشييد
ثم دال الزمان من ناسه الغر
فقرت سيوفهم في الغمود
واستكانت إلى الكرى فعليها
صدأ الدهر من طويل الهمود

أنور العطار:
أنا قيثارةٌ تنوحُ على الدهرِ
ودمعٌ على المدى يترقرقْ
أنا لحنٌ مُضرّجٌ بالمآسي
كادت النفسُ من تشّكيهِ تزهقْ
هو في الصدر لاعجٌ يتنزى
وهو في الفكرِ جدولٌ يتدفقْ

أنور العطار يمدح ياسين الهاشمي(
الرسالة العدد 24):
(ياسينُ) نورٌ من الإخلاص مؤتلقٌ
من نفحةِ الله لم يُخصص بهِ أحدُ
من معدن الحزمِ والتصميمِ جوهرُهُ
يكونُ حيثُ يكونُ الرأيُ والسدُدُ
ضمنتَ للوطنِ المجروحِ عزّتهُ
فأنتَ آمالهُ الكبرى وأنتَ غدُ
أما تذكرُ أياماً لهُ غبرتْ
وملءُ أحشائها الترويعُ والسَّهدُ
تفتّحت حفرَ الأجدادِ صارخة
وهبَّ من رقدةِ الآبادِ مُلتحِدُ
شببتها ثورة حمراء لاهبة
تكادُ من هولها الأطوادُ ترتعدُ
لسانها في الفضاءِ الرحبِ مندلعٌ
ووهجُها في فمِّ الجوزاءِ منعقدُ
وأنتَ في غمراتِ الموتِ تقحمها
تظلُّ نفسكَ روحٌ للعلى ويدُ
في فتيةٍ حلبوا الأيامَ أشطرَها
وصافحوا الموتَ لم يفترْ لهم جَلدُ
عاشوا جمالَ الدُّنا حتى إذا أنزلت
بهم مناياهمُ بين الورى خلدوا
كأنّما يبدءون العمرَ ثانية
فإن هم لفظوا أنفاسهم ولدوا
كأنّهم في فضاءِ الله ألويةٌ
دمُ الجهادِ على أطرافها يقِدُ
والمخلصونَ جلالُ الكون ما طلعوا
والمخلصونَ سنا الأيام ما همدوا
في العبقريّة أحقابُ لهم قشبٌ
وفي البطولةِ آبادٌ لهم جُددُ
حلّقتَ كالنّسرِ في الجوزاءِ مرتقياً
وخلفكَ الناسُ في أثوابهم جمدوا
يرونَ فيكَ مضاءً لا كفاءَ لهُ
وعزمة تخلقُ الأبطالَ أوتلدُ
فَخفصّوا الهامَ إعجاباً وتكرمة
والناسُ إن بهرتهمُ خلّة حمدوا
ياسينُ!لا تحتفل كيداً رموكَ بهِ
ولا يهولنك ما حاكوا وما سردوا
فأنتَ كالشّمسِ إن تَسمُ العيونُ لها
ترتدُّ عنها وفي أجفانها رمدُ
لم يلبث الحقُّ أن لاحت مخايلُهُ
وغابَ في طِيّهِ البهتانُ والفَندُ
إن أرجفوا فضلالُ ما نعوجُ بهِ
كم يضحكُ اليمُّ إن أرغى بهِ الزّبدُ
دعِ المُفنِّدَ يمعن في غوايتهِ
فليسَ يرفعُ إلا الواحدُ الصّمدُ
إن يكتبِ اللهُ للإنسانِ مكرُمةً
لا يمحُها الخلقُ بل لا يطوها الأمدُ
خُذِ الخلودَ نقياً ما بهِ دَخَلُ
وخَلِّ هذا الورى يذهب بهِ الحسدُ
يا بانيَ المجدِ لم تضعف دعائمهُ
كلٌّ على ما بنيتَ اليومَ مُعتمدُ
سِرْ في لواءِ الهدى جذلانَ مغتبطاً
فالقومُ قومكَ ما حادوا ولا رقدوا
قد صفّفت لُبواتُ العُربِ شِكتها
وحَدَّدَ النابَ في عرنينهِ الأسدُ
أنور العطار(الرسالة العدد53):

ألهمتني الشعرَ وأنغامهُ
وحسرةَ الذكرى وشجو الهوى
وحيرة صاحبها ذاهلٌ
مُرَوّعٌ يُضنيهِ فرط الأسى
نادتكِ روحي في دجى صمتها
ممرورةً غلغلَ فيها الجوى
واسمُكِ حوّامٌ يُناغي فمي
قلبي طواهُ ولساني روى
آمنتُ بالحلمِ فكم مأملٍ
مُستبعدٍ أدنتْ خُطاهُ الرُّوى
وعالمٍ ضلّلني لغزُهُ
مدَّ عليهِ جُنحهُ فانجلى
يُطمعني في عزلتي أنني
أرى بِسترِ الغيبِ ما لا يُرى
أعي حديثاً حافلاً بالرِّضا
يُهدهدُ القلبَ إذا ما وعى
وتسكنُ النفسُ إلى نغمةٍ
هابطةٍ من سدرة المنتهى
كم صُغتُ أشعاري من وحيها
وكم تغنيّتُ بها في الدجى
قلتُ لنفسي في سُجُوِّ الرؤى
لم آتِ دنيايَ لعمري سُدى
لئن شجاني أنني ميّتٌ
لقد نفى شجوي أني صدى
كتبتُ روحي قصة لذة
وصُغتُ قلبي نغماً يُشتهى
ليسَ ينالُ التُربُ من مهجتي
ولا يُذيبُ اللحنَ منها البِلى
طوفت الأفلاك في سبحها
كأنها ما حفلت بالردى
أترعتِ الدنيا شذاً باقياً
وغلغلت طيَّ الرحاب العلى
أغاضني من فرحتي حسرة
من بَدَّلَ الضحكَ بِمرِّ البكا
مررتُ في دنيايَ مستعجلاً
كأنني في الغُمضِ طيفٌ سرى
تُزينُ الأحزانُ لي عيشتي
وترسمُ الشّكَ وتمحو الهدى
يئستُ من صحوي ومن غفلتي
كلاهما بعضُ خيال الكرى
أسلو، وما سَلوايَ إلا البكا
أحيا،وما عيشي إلا الشّجا
ضاعت أماني ولم يبقى لي
في عمري من أملٍ يُرتجى
ولم يَعُدْ لي مطمحٌ مُشرقٌ
إلا انتحاهُ الموتُ نضر الصِّبا
أمس صِبايَ الغضُّ ودّعتهُ
وغابَ عني في سحيقِ الهُوى
وذا شبابي اليوم مُسترجعٌ
يمشي إلى الموتِ حثيثَ الخطى
وقلبي الموجوعُ ما يأتلي
يُمعنُ في النّوحِ إذا ما اشتكى
حنتْ إلى الماضي جراحاتهُ
وجرحهُ قدِّسَ لما مضى
آهاً على نعمى تخيلّتها
ما جزِعتْ أن هدّمتني ضنى
تعتادني الأشجانُ في وحدةٍ
لا فرحُ يُسعدها أو سنا
داجيةٍ نكراء طفّاحةٍ
بالسُّهدِ والبلوى وبرحِ الاذى
العدمُ الرّاعبُ فيها لقىً
تحسرُ عن أسرارهِ ما اختفى
والوهمُ ملموسٌ بها بيّنٌ
والغيبُ فيها ماثلٌ يُجتلى

أنور العطار في رثاء سليم الجندي:
سليميا حُجّة الفصحى وموئلها
يا وِردها العذبُ مأموناً به الصدرُ
ويا كتاباً قبسنا من صحائفهِ
بدائع الناس ما صاغوا وما سطروا
ويا ربيعاً تندّى رقةً وشذىً
على خمائله الأطيار صادحةٌ

فطيّبَ الأرض منه النافح والعطرُ
وفي مسايله الأغراس والعُذُرُ
ما زلت ليلك تطويه على سهرٍ
حتى تسمّرَ في أجفانك السمرُ
مُنقباً عن أصولِ القول مجتهداً
ما هدَّ جنبك لا أينٌ ولا ضجرُ
وما نظرت بلبٍ ناقدٍ نهِم
إلا استقام لك النُّقادُ والنظرُ
عزيمة ملؤها الإخلاص صادقةً
ما شابَ لإيمانها ضعفٌ ولا خَورُ

أنور العطار:
الرسالة العدد 26
ذوبتُ في روعهِ الإمساء أتراحي
وصُغتها نغمات ذاتِ أفراحِ
أعيد أشعاري الضحّاك مبسمها
من كلِّ مُسترسل الأعوال نوّاحِ
ما قيمةُ العيشِ نمضيه مُرَوّعة
أحلامنا بخيالات وأشباحِ
يسمو بكَ الكونُ إمّا زدتهُ مرحاً
والكونُ ملكُ لعوبِ الحلمِ مِمراحِ
إغفاءةٌ تعدلُ الدنيا بما نهلتْ
أفياؤها من نعيمٍ غيرِ منجاحِ
فغطّ في حُلمكَ الفضيِّ مُطرحاً
إسارَ عيش طويل الهمِّ ملحاحِ
فِفي غَيابتهِ تغفى مواجعنا
كأنما قد محا آثارها ماحِ
يا غيبُ!مهد لروحي فيكَ معتكفاً
رحبَ الأعاليل خصباً جدَّ منّاحِ
مُجنح الحلم مبثوثَ الأطار رؤىً
كالفجرِ ما بينَ تعتيمٍ وإصباحِ
يُعله النورُ أو تعرى مَحِفته
كأنها زهرةٌ في كفّ سباحِ

أنور العطار:
الرسالة العدد 26
تغيم بالزّبد الواهي غلالتها
فتنجلي عن جبين مُشرق ضاحِ
وإن تضع في مطاف جاهد عسرٍ
تظفرُ بفىءٍ وأمواهٍ وأرواحِ
هذي سماؤك فانظم في روائعها
يعيرك الشفق الرّجراج قافية
ففي الغيوم أناشيد وأخيلةٌ

شعرَ الخلودِ بتبيان وإفصاحِ
من كل مؤتلق الألوان لماحِ
صبيغةٌ بسنا كالفجرِ وضّاحِ
يا زورق الشعر جُزْ يمَّ الدنى فرحاً
رُبانكِ الحب،لا تثنيه غاشية

لأنتَ في غُنيةٍ عن كلِّ ملاحِ
عن السرى في سماء ذات ألواحِ

لا تَرعْ فالحياة يومٌ ويمضي
ليس يُرجى لطيفهِ أن يؤوبا
يسأمُ العيشُ من يبيتُ خلياً
والشجي العميد ينسى الكروبا
إن الحياة إذا يسّرتها يسرت
كأنّ إمرارها في الطعم إحلاء
وإن أردتَ بها شؤماً ومعسرةً
فإنّما هي أثقال وأعباء
كل له ما يرى فليتعظ فطن
فعسرها اليسر والبأساءُ سرّاء

عفاءٌ على الدنيا فما هي لذّةٌ
إذا كنتَ في شطرٍ وقلبك في شطر
ويا بؤس محيانا ويا طولَ غمنا
ويا شدّة ما نلقاهُ في الدهرِ من قسر
علّمتني الحياةُ أنّ التأنّي
شدّ ما كان غايةَ المُتمنّي
فتزّودتُ أيَّ زادٍ من الصبرِ
وقرّبتُ حكمة الدّهرِ منّي
لستُ أختارُ أن أكونَ عجولاً
أدَعُ الغيبَ بين رجمٍ وظنِّ
قِسمي لن تكون يوماً لغيري
فلأعوّد نفسي نعيم التأنّي

أنور العطار:
علّمتني أن الوجودَ صراعُ
لا يجيدُ الصراعَ إلا شجاعُ
فتقحّمتُ غايتي غير هيّابٍ
وللنفسِ كرَّةٌ واندفاعُ
إنّما يحذرُ الكفاحَ جبانٌ
ملءُ جنبيهِ رهبةٌ وارتياعُ
والشجاعُ من دأبه الحزمُ
ومنْ همُّهُ السُّرى والزماعُ

أنور العطار:
علّمتني أنَّ الطفولةَ ألوانٌ
وأنَّ الهوى على الدهر طفلُ
إن كتمتُ الهوى كتمتُ التباريحَ
وإن بُحتَّ فالفضيحةُ شغلُ
أو أطعتَ الهوى أطعتَ الأضاليلَ
ودربُ الهوى هوانٌ وذلُّ
حارَ في كُنههِ الأساةُ فما ينجي
حذارٌ وليسَ يردعُ عدلُ

أنور العطار:
يومنا المرتجى!تباركتَ يوماً
أنتَ في علمِ ربّنا الخلاقِ
تتلاقى الأحبابُ في أفقكَ الرّح
بُ،وتشفى من حُرقةِ الأشواقِ
هي في غمرة البقاءِ شحاري
رُ،تَغنّتْ بذكرياتٍ رِقاقِ
قد رَقتْ في فضاءِ ربّي هَيمى
وهي لمّا تزلْ تُحبُّ المراقي
قد نزعنا ثوبَ الحياةِ قشيباً
وجرعنا الردى بكأس دهاقِ
وأفقنا وللصباحِ عبوسٌ
والدُّجى الوَجف قاتم الأعماقِ
ملّتِ النفسُ صحوها وكراها
واصطباحي من هَمّها واغتباقي
فمتى أستريحُ من عبئها القا
سي وأنجو من سحرها البراقِ
يا مغيبَ الحياة أنسيتني النّو
رَ،وأقصيتني عن الإشراقِ
ومحوتَ الوجودَ إلا رسوماً
أوثقتها يدُ البلى في وثاقِ

أنور العطار(
الرسالة العدد993):
ليس يدري غير التسامح دينا
صاغهُ الله من حنان ورفق

فهو روحُ السّخاءِ رمزُ الفداء
ودموع وصبوة ووفاء
يُشرقُ البِشرُ في محياه نضرا
ويرفُّ المعنى النبيل على اللف

ومن البِشر أنفس الشعراء
رفيف السنا على الأنداء
يا صدى الأنفس اللهيفة يا حا
ملَ عبء الهمومِ والأدواء
تنقل البرء للألى نشدوا البر
ء وفي القلب عالم من رثاء
هكذا الأنفس الكبيرة تُحي
لسواها في فرحة واحتفاء
فإذا رمت أن تكون سعيداً
فتعهد مصائب الأشقياء
بسمات الحنان أفعل في الأ
نفسِ من أي نائل وعطاء

أنور العطار:
إنما الأم ومضة من سنا
الله وقيثارة همت أنغاما
صاغها الله من سماحٍ ورفقٍ
ودموعٍ على الليالي تهامى
رحمة هنيت على القلبِ حتى
ملأتهُ هوىً يثور احتداما
طبعتهُ على البشاشة والبشرِ
وزانتهُ بالوفاءِ اعتصاما
خلق كالندى إذا توّج الزهر
وعطفٌ مُخَلّد لا يُسامى
وحنان يرفّ كالزنبق الطهر
وكالروح جائساً حوّاما

أنور العطار:
أنا في عزلتي يطيفُ بي الرعبُ فأبكي
من طولِ سجوي وأفرقْ
تعتريني الهمومُ فالطرفُ حيرانُ
مُندىً من الدموع مُؤرقْ
لي عذاب اثنتين:نفسي التي
تشقى ونفسي التي أحبّ وأعشقْ
ضاعَ عمري كما تضيع الينابيعُ
وتخفى أمواهُها وتُغلقْ
وانطوى مثلما تمرّ الضباباتُ
ويفنى خيالها ويُمزّقْ

عمر بهاء الدين الأميري في قصيدة”
في وحدتي”:
في وحدتي،والليل داج
والسكونُ له امتداد
والذكرياتُ تلوح كسلى
بينَ أجفان السهاد
أصداء ماض ما تزال
تئن في خفق الفؤاد
وتبينت عيناي فوق
الرادفي قلق فراشة
وإذا العُبوسُ يزول عن
نفسي،وتلتمع البشاشة
في وحدتي،أبصرتها
تلقي إلىالرادالشفاهْ
وكأنها في نوره الواني
ترى درب النجاه
أو أنّها ظمأى تعبُ
خلاله راح الحياه
في وحدتي،لاحظتها
تصغي إلى اللحن الخفيف
تحبو على بلورةالراد
المضيئة في رفيف
تعلو وتهبط وهي ترسل
ثم حِسّاً كالحفيف
في وحدتي،شاهدتها
بين ارتداد وانبعاث
واللأي يرهق صدرها
فتظل تمعن في اللُهاث
فسألتها في خاطري
ما تقصدين أياخُناث
في وحدتي،وكأنها
فهمت تساؤل خاطري
فرنتْ إليّ وأقبلت
لترفّ قرب محاجري
ولهى تناجيني وأفهمها
بوحي الشاعرِ
في وحدتي،عاينتها
وعلى جناحيها غبار
في ضوءراديقد أشعّ
كأنما هو من نضار
تركت على خدي نُثاراً
منه،يا لطفَ النثار
في وحدتي،من يُبصرُ
الجسم الممدد في السرير
والصدر يلهث دون لأي
في الشهيق وفي الزفير
تعب الهموم أشد من
تهب الجسوم على الضمير
في وحدتي،في غرفتي
في وحشةٍ حرى كئيبه
أرنو إلى المستقبل
المجهول،أستجلي غيوبه
وعلى الجدار ترن دقة
ساعة تمشي رتيبه
في وحدتي،وأناملي
بالرادتعبث دون غايه
تحبو بإبرته رويدا
في مداه إلى النهايه
فتُشيح نفسي،وهي غيرى
من مهاترة الدعايه
في وحدتي وأنا أحاول
صيد لحن أشتهيه
متنقلاً بين البلاد
أطيرُ من تيهٍ اتيه
سَدر الشعور،فما يعيه
كأنّهُ ما لايعيه
في وحدتي،وأنا غريق
في اللحون وفي الشجون
غاضت حدودي عندما
أسلمت للحلم العيون
وكأنني في اللانهاية
لستُ أفقه ما أكون
في وحدتي،وأنا على
عتبات نوم شبه هادىء
لا أستبين حقيقتي
أنا هانىء أم غير هانىء
رعشت على خدي تدغدغه
ملامسُ من مفاجىء
في وحدتي ،ثار الحنين
يلوب في أعماق قلبي
يرجو له سكناً يلائم
مشربي وينير دربي
ويكون رائد همتي
ويبثني حباً بحُب
في وحدتي،حتى الفراشة
خلفت خدي وطارت

عمر بهاء الدين الأميري في قصيدة”
في وحدتي”:
ورمت بهيكلها على
ففتحتها حتى تطير



بلور نافذتي وطارت
ولست أدري أين صارت
في وحدتي،آمنتُ أنَّ
النفسَ بالحرمان تصفو
فطويتُ أحناءَ الضلوع
على جواي ورحتُ أغفو
والحلم يرقى بي معارج
كلها ذوق ولطفُ

فأنا للحقِّ كالبركانِ لا يترك زوراً
وعلى الباطلِ كالبركانِ ويلاً وثبورا
اغمض العينين رَهوا
وتنفّس صعداءَكْ
املأ زِدْ،واستعدْ
لا خيّبَ الله رجاءك
سِرْ..ولُذْ بالله فإلّا
مدادُ من ربّك جاءك
لا تقُلْ:جاوزت سبعيني
واستكملْ عطاءَك
وامض بالله قوياً
سدّد الله مضاءَك

عمر بهاء الدين الأميري:
الهولُ في دربي وفي هدفي
وأظلُّ أمضي غيرَ مضطربِ
ما كنت من نفسي على خور
أو كنت من ربّي على ريبِ
ما في المنايا ما أحاذره
اللهُ ملء القصدِ والإربِ

عمر بهاء الدين الأميري:
لا تُضِعْ لمحة من العمرِ هدراً
وتقدّس بحملِ همِّ البرايا

وارتفعْ عن كثافةِ الأرض قدرا
واسأل الله فوق صبركَ صبرا
وتفاهم والدهر فهو حكيمٌ
لا تقُلْ:جار! إنّهُ بكَ أدرى
رُبَّ عُسرٍ شكوتَ منهُ مُلحاً
يُضمرُ الدهرُ في خفاياهُ يُسرا
فتشبّثْ مُسلماً لقضاء
الله وادأبْ في السعي ـ يا عبدُ ـ حراً

عمر بهاء الدين الأميري:
أيها الصحب إنّها دورة الدهرِ
كفانا في تيهنا دورانا
نخرالهيروينإنسان غرب
العصرنخراً فلم يعد إنساناً
هو طوراًتقنيةتنطح النجمَ
وطوراً يجاوز الحيوانا
والدنى اليومَ في رحىً من شقاءٍ
ضلَّ إنسانها وشذَ وهانا

أين روح الإله فيه؟أما
استخلف حتى يُسيّر الأكوانا؟
بسدادٍ وحكمةٍ وجهادٍ
ضاع،ويلاهُ
!
ضيّعَ الإيمانا
وتعالى على الإله تعالى
في غرورٍ وكابرَ الدَّيانا
أمضي ولا أنثني،والله يَحفِزُني
ولا أبالي بآمالي وآلامي
الأمرُ أكبرُ من عمري وأصغر من
طموح نفسي وإيماني وإسلامي
ومن توثب روحي في مشارفها
إلى الجهاد..وهذا سرُّ إقدامي

أيا وليدي،يا حفيدي،وأحمدي
أيا طفل هذا اليوم،يا رجل الغدِ
أمدُّ إليك القلبَ في خفقاته
يضمُكَ رغمَ البونِ،والحبُّ مُسعدي
ولوكان في وسعي سعيتُ مقبلاً
ومحتضناً ـ ولكن يدي ـ قصُرت يدي
هو الدهر

بين الشرقِ والغربِ دارُنا
موزعةٌ والبعدُ ليسَ بِمُبعدي
عن المنبت الغالي،عن الأهل حيثما
أقاموا،ولو فوق السماء بفرقدِ
يضمك قلبي يا وليدي ضارعاً
ومستنجداً بالله أكرم منجدِ
يصونك محفوفاً بآلاءِ جودهِ
لتنشأ جندياً لدينِ
(
محمد
)



عمر بهاء الأميري:

أماهُ يا روحاً منيراً
وعلى الثرى،مَلكاً طهوراً

في رحى جسمٍ أهلّا
في ثيابِ “الأمِّ “حلا
وعلى جناني،من جنان
قد كان كالإشراقِ

الخلد،كالنعمى أطلّا
يغمرني جَداهُ ،إذا تجلّى
بركاتُ عمري من رضاه
وتستمرُ،وقد تولّى

الهولُ في دربي وفي هدفي
ما كنتُ من نفسي على خوَرِ
ما في المنايا ما أُحاذرهُ

وأظلُ أمضي غير مضطربِ
أو كنتُ من ربّي على ريبٍ
الله ملءُ القصدِ والأرَبِ
نزعُ السلاح..وما الذي تجدي
له الخطب الجميلة
في ظلمنتظمالتهاتر مادام إنسان الحضارة
والمتاهات الطويلة لا سلام ولا فضيلة
فالأمن في تزع الشرور
من الصدور ولا وسيلة
إلا الرجوع إلا هدىً
سَمَ الإله لنا سبيله

قالوا العروبة قلنا إنها رحم
وموطن ومروءات ووجدان
أما العقيدة والهدي المنير لنا
درب الحياة فإسلامٌ وقرآن
وشرعةٌ قد تآخت في سماحتها
وعدلها الفذ أجناسٌ وألوانُ
البائساتُ المائساتُ
كآلة من غير روح
الناشرات شذى،ومن
أعماقهن أذى يفوح
الضاحكاتُ، وقد طوين
قلوبهن على جروح
آلامها الحرّى،مع الزفرات
في لهث تنوحُ
ولقد يُقال:ألِفنَ ما يحيين
فيه من الجنوحْ
ونجينَ من رهق العقول من
الغموض من الوضوح
وسعدنَ بالأيام تمضي
بالغبوق وبالصبوح
فنقول:بل خدرنها
وغداً يكون لها جموح
ولعلَّ ذا قلب يرى
مأساتهن كما تلوح
وسلوا الشقاء،وإنه بئس
المصير،فقد يبوح
ما للحياة،حياة دنيا الغرب
ملأى بالقروح
الرقُّ فنّ،والسابق في
الضلال هو الطموح
والجاهليةهكذا تمضي
وإن لبست مُسوح
يا رِدّة البشر
عن هدي سَبوح
الطائرُ المكدودُ في الأوداء
كَلَّ عن السفوح
سيغيب في وهداته
فكأنّهُ آلٌ سنوح
حتى ولو راد الفضاء
وشاد في النجم الصروح
ما قيمةُ التحليق في الأجواء
نلتمس الفتوح
والشرُّ في أرض الخلافة
من مفاسدنا رَموح
يا أمّةَ الإيمان نهداً
قد كفى طيّ الكشوح
مستخلفون على الحياة
أما نشدُّ أما نروح؟!
أينَ الأبوّة والهدى؟
أينَ المبادرة الطموح؟
الكلكل الغربي والدنيا
رزوحٌ في رزوح
لابدَّ للظلمات والظلم
المركب من نزوح
يهتزُّ ميزان الدنى
والحقُّ أصمدُ للرجوح
والدّهر قسطاس وإن أغضى
فما هو بالصفوح
الآلة الصماء،والشهوات
والطبعُ الجموح
من ذاتها بأذاتها،
سيهدها قرنٌ نطوح



عمر بهاء الدين الأميري:

حنانيكِ يا أيامُ لا تُوهني صبري
ورقي على صدري وما ضمّهُ صدري
لقد ذابَ قلبي رقةً وتولها
فخلتُ بني الآلام يسعون في إثري
فمن كلِّ ذي بؤس لنفسي حصّةٌ
أشاطرهُ الآهات من حيث لا يدري
تبنيتُ إصلاحَ البلادِ وأهلها
فأصبحَ أمرُ الناسِ كلّهم أمري
وحملّتُ نفسي فوق طاقة همّتي
فشُختُ،ولم أبلغ ثلاثين من عمري
وقال يرثي الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله:

تمرد قلبي والجنانُ تردّدا
فقلتُ استبينوا الأمرَ! قالوا:تأكدا
فحشرجت الآهاتُ والدمعُ خانق
بحنجرتي أوّاهُ من فجأة الردى
ونادى أذان الموت :واروه تربه
غداً،فإذا ما عدتمُ ارتقبوا غدا
غداً سيسيرُ الناس خلف نعوشكم
فيا حظّ من سوّى الطريق ومهّدا
تلمستُ نفسي أستبينُ وجودها
وقد بُزَّ منها مصطفاها وأُلحدا
أما ثلموا بين الحنايا حشاشتي
أما غيّبوا مني،وعنّي، بهِ يدا
أما تيّموا،في الروعِ رأي وقد مضوا
بمن مدّ رأي بالصوابِ وأيّدا
أما أوجلوا عزمي الجليد وكان في
تداعمنا أقوى وأمضى وأجلدا؟
أيا مصطفى نفسي،أتُصعدُ في السما
وتتركني في وهدةِ الأرضِ مفردا
وأنتَ عليم أنني من أذى الدُني
وأهل الدُّنى أحيا غريباً منكدا
عمر بهاء الدين الأميري في قصيدةهم العالمين“:

لا لم أنمْ،بل قد أرقتُ
وللصداعِ رحىً تدورْ
وبمحجريّ من الهموم لظىً
وفي رأسي نُدور
والغربة الليلاء
في عمري أوامٌ لا يحور
عقمتجنيففلا أنيسَ
ولا حبيسَ ولا سرور
وحدي أعدُّ دقائقي
وأضيعُ في تيهِ الدّهور
بينَ التألم والتأمل
في التباسات الأمور
حيرانُ افتقدُ المعالمَ
لا حجابَ ولا سفور
سكرانُ أبتدرُ الصلاةَ
وحمرتي صبرٌ طهور
أسهو وأصحو والدُّجى
ساجٍ وفي نفسي فتور
وأظلُّ في شبهِ الكرى
مُتقلباً حتى أخور
فأغيبُ عن دنيا شعوري
في ضبابِ اللاشعور
ماذا؟أأنباءُ الغيوب غداً
وسكانُ القبور
من كلِّ فجٍّ ينسلون
كأنّهُ يومُ النشور
يتدافعون بِقضهم وقضيضهم
عبرَ العصور
كلٌّ يُسارعُ في مُناهُ
وإنها لَمنى غَرور
وأنا أحسُّ بكاهلي
الأعباءَ قاصمةَ الظهور
أعباءَ كلِّ الخلقِ!
ويلي كِدتُ إعياءٌ أمور
وكأنما اجتمعت على
صدري مُلّمات الصدور
فالأرضُ تحملني على مضض
وتوشكُ أن تغور
وفتحتُ عيني يقظةٍ غرثى
وفي حلقي حَرور
وشرعتُ أصحو مُثقلَ الأنفاسِ
مبهورَ الشّعور
وفمي الأجَفُّ كأنّ في
جنباتهِ نبتتْ يثور
أغمضتُ عيني مرةً أخرى
ومزّقتُ الستور
ومضيتُ أرنو في كتاب الغيبِ
ما بينَ السّطور
فرأيتُ أهوالاً:وكان الحقُّ
من غيظٍ يفور:
بحرٌ من الظُّلماتِ والظلم
المؤجج والشرور
والكونُ بالغُربان عجّ
فلا صقورَ ولا نسور
وألّمْ بي،أو كاد يأسٌ
فالدُّنى ختلٌ وزور
ونظرتُ والأحلاكُ،تدفع نظرتي
خلفَ الجسور
فلمحتُ في بونِ الدُّجى
المسحوبِ مُنبلجَ البكور
ورأيتُ صرحَ المجدِ ينتظرُ
لبجسورَ ولا جَسور
ووجدتُ همَّ العالمينَ
بقلبِ إيماني يسور
وكأنَّ إنقاذَ الوجودِ
على محورهِ يدور
ورأيتني،وأنا..أنا المسكينُ
كالأسدِ الهصور
وحدي،تسلّقتُ الرياحَ الهَوجَ
سُوراً إثرَ سور
ومن الذرى أبصرتُ دربَ
الخلدِ رشتّهُ العطور
وتلامعتْ في منتهاهُ
طيوفُ جناتٍ وحور
وسمعتُ ثمَّ هواتفَ الأقدارِ:
حيَّ على العبور
فقذفتُ نفسي!غيرَ أنّي
شِمتُ أجنحة الطيور
بُسطتْ لِتحملني،وحطّت بي
على جَددِ المرور
فتحتُ عيني،والخلافةُ في
رؤى أملي الغيور
والروحُ يقظى،والأمانةُ في
دمي نارٌ ونور
والعهدُ في عُنقي،وأمرُ الله
في عزمي يثور

قد كابروا الله واستغلوا،على سفهٍ
مُنىً كواذبَ،ودعوى غير مُعتنقِ
وأعلنوها،وما خاضوا معامعها

ولا أعدوا لها إعداد ذي حذقِ
فكان من أمرنا ما كان من فشلٍ
هذه جحافلهم مهزومة المِزقِ
بهم هُزمنا،وما زلنا،وما اتعظت
عُميُ النفوس
!!
ألا إنّ الشقيَّ شقي
فيا فجيعة شعبٍ،مدَّ كاهله
ليصعدوا منه،في أبنائهِ العُققِ
ويا حبائلهم لفّي الشِباكَ على
أعناقهم،واخنقي الطغيان واختنقي
جرحٌ،وأعمقُ من صبرٍ ومن جَلدٍ
خرقٌ،وأكبر من عمرٍ ومن رتقِ
لقد نُكبنا،وما خَضنا،ولا هُزمَ
الأبطالُ في السجن،والأقطابُ في الشنق
بلى

..
نُكبنا،بما قد نابَ أمتنا
والخطبُ من قلبنا في أعمقِ العُمُقِ
لا يأس،فالحربُ أقدارٌ ودائرةٌ
وإنه طبقٌ يأتي على طبقِ
مُكبلون
..
ولكن في غدٍ نبأ
يا نجمُ مزّق ظلامَ الليلِ وائتلقِ
لسنا نبالي،وللقرآن في دمنا
جُذىً من العزمِ تطوي شقة اللحقِ
غداً سيشرقُ بالإسلامِ طالعنا
رغمَ الصعاب،وتجلو غرّة الفلقِ
والنصرُ بالصبرِ والإيمانِ معقده
والمجدُ بالعزمِ والإعدادِ والسّبقِ
ورُبَّ قائلةٍ

:
أفرطتَ في أملٍ
أما ترى السدَّ سداً غيرَ مُخترَقِ
فقلتُ
:
من عزمِكَ اللهم عزمتنا
ولستُ غيرك في الجُلى بممُتشقِ
وطالبُ الحقِّ لا يخشى غوائلهُ
في الله،كم طالبٍ للحقِّ فيه لقي
هي الطريقُ،طريقُ الله،واحدةٌ
وأشقياء غرورِ العقلِ في طُرقِ
يبلى الجديدان،والقرآن جدّتهُ
تنمو هدايتها،كالدِّيمةِ الطبقِ
تحبو الوجودَ حياةً لا زيوفَ بها
خيرٌ يعمُ البرايا خالدَ العَبقِ


محمد البزم:
في رثاء شكيب أرسلان
وفللتَ من غربِ العِدا بسكينة
وشققتَ للصخرِ الأصمِّ مسامعاً

تركتْ مُثارَ النقعِ غير مُثارِ
ورميتَ سمع الخصمِ بالأوقارِ
بيراعةٍ كالشمس من أثارها
قلم كما ترضى الفتوةُ ناهضٌ

مُتعُ الصباحِ ورونق الأبدارِ
بمآربِ الأمجادِ والأخطارِ
قامتْ على الزهراءِ منه روائع
مجلّوة كالصارمِ البّتارِ
تبكي عليه جماهر الأسفارِ
موشيةً بطرائفٍ وطِرارِ

ومن العناء على الوفاءِ وأهله
كفر الرياض صنائع الأمطار
والدهرُ أكرم ما يكون إذا وفت
أبناؤه الأخيار للأخيارِ
نسفتُ ذرى الآمالِ باليأسِ راضياً
ولم يبق لي شيءٌ سوى العلم سلوة

فخدّي،بحمد الله واليأس،أصعر
وغيرُ نبيل الشعرِ ألهو وأسمرُ ر
أصولُ على ذي البغي صولة مُجهز
يُشيّعني رأيٌّ وقلبٌ مبصرُ
خُلِقتُ عثورَ الجدِّ،ما شِمتُ بارقاً
من الخير إلا عاد بالشرِّ يُنذرُ
وأعجبُ شيءٍ يؤلمُ اللبَّ وقعُهُ
جسومٌ هي الأرماسُ في الناسِ تخطرُ

وتسعى خطوب لا مرد لوقعها
فيلهو بنا في ذمّة الدهر عائبه
نعاتبه في السرِّ جهلاً وإن أتت
لياليه بالنعماء لسنا نعاتبه
لكَ الخيرُ ما خطبي على الخصمِ هينٌ
ولا صعدتي عند الثقاف تضّورُ
ولا عرفت مني الليالي ضراعةً
لذي إمرةٍ،يُبدي العداءَ ويُضمرُ
ولي عن مُقامِ الحيفِ والهونِ نبوة
ترفعُ بي حيثُ المجرّة تنهرُ
وعزّةُ نفس لا ترام ،كأنّني
إذا سرتُ يقفوني من الجنّ عسكرُ
شهرتُ على الأيام حربي وآذنت
بحرب،فكلّ أشوس الطرف أزورُ
تنكرّتُ مريداً لها،وتنكرّت
فكلُّ أخي حُسن بعينيَّ مًنكِرُ
وعندي لهذا الدّهر فضلُ قناعةٍ
تكفكفُ من صوب المنى حين تهمرُ
وما أنا من حبَّ السلامة مرتدٍ
ثياب الونى،فالعجزُ يقلى ويهجرُ
وما الموتُ لولا روعة عند وردهِ
سوى الراحةُ الكبرى تودُّ وتُؤثرُ

إذا كان من أسدى لك الشر هيناً
فقل لي ـ أبيت اللعن ـ من أين تثأرُ؟
إلا إنَّ عصراً يرفعُ الجهلُ أهلهُ
ستلعنه في مُقبلِ الدهرِ أعصرُ
ولكنّها الأيام إن طابَ للفتى
زمانٌ أتى بالمعجزاتِ سفيرُها
إذا كانَ ما سرَّ الفتى غير دائم
فما خير نعمى لا يدومُ سرورها
يشطُّ الفتى عن دارهِ قالياً لها
إذا راعهُ بالموبقاتِ نذيرُها
وتغدو القصور الجارحات نوازحاً
إذا لم تلائمها الغداة وكورُها

فيا دهر ما أقسى جنانكَ فاتكاً
ويا موتُ ما أقسى نباتك عاديا
وما ابتدعت كفاك في الناسِ فتكةً
فمخلبُكَ المشؤومُ ما زال داميا
دعِ الدّهر تنمو بالرزايا مصائبه
وتُمطرُ أصناف البلايا سحائبه
فما الدّهرُ إلا مرّ يوم وليلة
تروح بسعد أو بنحس كواكبه
تطاردنا خيل الزمان بلا ونى
ويعدو علينا صرفه فنوائبه
تقارعنا الأيام حتى كأننا
بقايا خميس أسلمته كتائبه
وتحبو إلينا الحادثات كأنها
مواخر يمّ طاميات غواربه
ففخرك بالأهوالِ أوردكَ الردى
وقد يصرعُ الإنسان ما هو قائله

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
دمشق يا فخر الحواضر في العلى
وربيبة الإجلال والإسعادِ
إن تفقدي خير الرجال فطالما
عوّضتِ بالأبناءِ والأحفادِ
شدّي العزائم فالأصالة عالم
ما ضنَّ بالأقران والأنداد
حسب الشعوب مهانة فإلى متى
تقع الشعوب فريسة الأحقاد؟

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:

لمن الديار توّشحتْ بسوادِ
وتلفعت بفواجع وعوادي
دنيا المفاخرة ما عهدتك عاقراً
من ذا ادّخرتِ لغضبة وجِلادِ
حاشى ثغورك أن تلين لفاتح
أو تستكين لغاصب أو عادِ
ذوت المباهج والمفاتن صوّحت
وعلت مناحات بخير وادي
ولطالما حفل الزمان بأنسها
وشدا بكل خميلة أو وادِ
يا دار يا دارات وجدي لا انطوت
فيك البشاشة،والشعاع الهادي
أجّجت في صدري المروءة والهوى
وأرقت في شعري حنين الشادي
ماذا أحدث والفجائع ما تني
جمراتها تذكو بكلّ فؤادِ

سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
يا ابنَ الأهلّة من دمشق طوالعاً
وسليل هدي ماجد جوّادِ
أفنيتَ عمرك في حياكةِ بُردها
في غمرةِ النكباتِ والاقيادِ
لم تغرُّكَ الدنيا بخالبِ لهوها
أو تجتذبك المغريات بنادِ
آثرت عيش بساطة ومجادة
فحفلت بين روائح وغوادي
أوليتَ كلّ الناسِ حسن مودّة
فغنيت بالأصحابِ والأوداد
أرضيتَ نفسكَ بالقناعةِ جاهداً
من غيرِ منقصةٍ ولا إجهادِ

عدنان مردم بك في ذكرى يوسف العظمة:
أقدمتَ حين تخاذل الأنصار
وبذلتَ ما لا يبذلُ الأخيار
أرخصتَ روحكَ كي تُصان كرامة
وتعزُّ أوطان ويُكرمُ جار
وأقمتَ للمجدِ الأثيلِ دعائماً
لمّا تزلزل ركنهُ المنهار
لم تُثنِكَ الأهوالُ عمّا تبتغي
هِممُ الكرامِ على الزمانِ كِبار
لولا المشّقة لم تجد لِمُبرزٍ
فضلاً ولم تتفاوت الأحرار
يستسهل الأحرار بذل نفوسهم
هل بعد بذل نفوسهم إكثار؟
في صفحاتِ التاريخ من مهجاتهم
خُطّتْ لكلِّ جليلة أسطار

عدنان مردم بك
يتراجع الليث الهصورُ تَحفزاً
للوثبِ حتى يُحسن التنكيلا
والماءُ في الأحواضِ يأسن واقفاً
وتراهُ يعذبُ حين طاف سيولا

أمجد الطرابلسي(
الرسالة العدد73):
واعجباً للمرءِ في جهلهِ
يُمعنُ في غفلتهِ حالماً

وهو أخو اللُّبِ شقيقُ النُّهى
ويحسِبُ الضِّلةَ كلَّ الهدى
يطوي شقاءَ العمرِ في سكرةٍ
نشوانَ يُغريهِ رفيفُ الرُّؤى
وهمانُ كلَّ العمرِ ما إن يعي
سرَّ الدُّنى،يا بؤسَهُ لو وعى!
شيَّعتُ بالأمسِ رُفاتِ الصِّبا
في لوعةِ الثُكل ومُرِّ الجوى

أمجد الطرابلسي(
الرسالة العدد73
):
يقولُ لي صحبي في فرحةٍ
هَوِّن على نفسكَ بعضَ الأسى
لله قلبُ المرءِ من غامض
يُحيّرُ اللبَّ ويُعيِّ الحِجى
يبكي لما يُضحِكُ حيناً وقد
يُضحكهُ ما يستفزُّ البُكا
تراهُ كالدّمعِ همى رقةً
طوراً وكوراً كَحرون الصّفا

أمجد الطرابلسي:
وإني لأهوى الليث يستعذبُ الطوى
ويأنفُ أن يُدني إلى جيفةٍ يدا
يسيرُ أشَمَّ الأنفِ مستكبرَ الخطا
فترتجفُ البيداءُ إن راحَ أو غدا
أحبُّ الفتى يفري الفلاةَ مُهجَّرا
فلا يشتكي أيناً ولا يتظلّمُ
إذا لذعتهُ الشمسُ سدَّدَ وجههُ
إليها حديدَ الطرفِ لا يتبرّمُ

أمجد الطرابلسي:
ويمشي على الرّمضاءِ مُتئِدَ الخُطا
جليداً ونيرانُ الرمالِ تضرَّمُ
أحبُّ الفتى والغُلُّ يُثقِلُ عنقُهُ
وسيفُ الأعادي بين عينيهِ مُشهَرُ
يصيحُ بأعلى صوته يُنكرُ الأذى
ويضحكُ من بطشِ الطغاةِ ويسخرُ
ويشمخُ بالأغلال رأساً وإن غدتْ
تحز ومن أنيابها الدمُ يقطرُ

وأحتقرُ الأحرارَ يحنون رأسهم
وليسَ عليهم سيّدٌ أو مُسيِّطرُ
إذا كان قلبُ المرءِ عبداً ورأيهُ
فقل لي ـ هديت الخير ـ ماذا تُحرِّرُ

أمجد الطرابلسي:(الرسالة العدد180):

أتظلُّ تخفق في الأضالع واهياً
يا قلب حسبك! لن تراني شاكيا
يا ذلّة الباكي! إذا أعداؤهُ
شمتوا به،والخِلُ أصبحَ راثيا
يا ذلّة الباكي! لجرحي لاهباً
أرضى لنفسي يا خفوق وناريا
أكتم لهيبك ما تقسمك الأسى
لا يرخصن بكاك جرحاً غاليا
واشمخ بأنفكَ في الخطوبِ ولا يكن
غلف القلوب أشد منك تعاليل
ولتكرم الألم المخلّد،ولتكن
بلظى تكتمه الضلوع مباهيا
فالكون تضحكه الدموع إذا جرت!
أتظل تضحك ذا الزمان اللاهيا؟
والمجد للألم الدفين على المدى
لا للذي يؤذي المسامع باكيا
والوجد أنبلهُ كمينٌ صامت
وأجله ما كان جُرحاً خافيا
كنز من الإلهام لا تلقى له
بين الكنوز مشابهاً ومساويا
يهب الجلال لمن يطيق صيانه
والعبقرية والثناء الباقيا
يا أصدقائي النائحين تجملوا!
لا تصبحوا بين الأنان ألاهيا
تبّاً لقلب لم يذق مجد الأسى
وبِلىً لقلب لا يملّ تشاكيا
أغلوا الجراح فلن تروا مثل الجوى
للعبقرية مُنضجاً ومواتيا
إن القريض أعز مجداً من فتى
يُمسي ويصبحُ ضارعاً متباكيا
لا يستحق الخلد شِعر ناحب
تتقاطر العبرات منه جواريا
يا أيها الشاكي!إلى من تشتكي
أفأنت مُلفٍ في الأنامِ مواسيا؟
وإذا لقيت فإن في إشفاقه
ورثائه ذلاً لنفسك كافيا
أم الطبيعة ما تبثّ وأُذنها
موقورة ما إن تجيب مناديا
تشكو فتعتنق الطيور على الرُّبى
بين الغصون ضواحكاً ولواهيا
وتنوح الأزهار وتضحك خلسة
والجدول المِطرب يسخر جاريا
هل أسكنت يوماً لشاكي علة
طيراً على عرش الأزاهرِ شاديا
أو حطمت أغصانها لفجيعة
أو مزقت حُللاً ترفّ زواهيا
أو لم تجىء هذي الطبيعة مرة
ولهان تفتقد الحبيب النائيا
كم جئتماها قبل كنف الهوى
وقضيتما فيها ضحى وأماسيا
الزهرُ حولكما يرفُّ مهنئاً
والطيرُ فوقكما تحوم شواديا
والغصن مخمور يصفق ناثراً
قُبلاً على عطفيكما ولآليا
أودعتماها الذكريات حبيبة
تحكي أزاهرها اللطافُ غواليا
وكتبتما فوق الجذوع مواثقاً
ونقشتما فوق الصخور أساميا
واليوم..تأتيها وحيداً شارداً
ترجو بمغناها لجرحك آسيا
فانظر إليها!هل رعت ذمم الهوى
أو خلدت ذكراً حلون خواليا
سائل!فلست ترى لعهدك ذاكراً
وابحث فلست ترى لحبّك راعيا
واجزع!فلن تلقى لخطبك جازعاً
واندب! فلن يلقى بكاك مباليا
ما بالها تلهو وأنت مكلم
تتلمس الذكرى وعهداً خاليا
إن الطبيعة غادة فتانة
لا تعرف القلب الوفي الحانيا
أحبيبي الغالي،وأنت مخاطبي
هيا استشفّ من القصائد ما بيّا
هذا القريض يشفّ عمّا تحته
أتظن قلبي بعد ذلك ساليا
ألهو وأضحك ليس يبصر ناظري
ماذا تكنُّ أضالعي وفؤاديا
أتقول:لا يذكي الهيامُ قصائدي!
لولا لحاظك ما زكتْ أشعاريا
أقصائد يحملن آلام الهوى؟!
يا هونهن!ولو يكنّ دراريا
وأنا قصيدتك البديعة صُغتها
من فيض سحرك أبحراً وقوافيا
وبخافقي ما لو تقسمه الورى
وسع القلوب على الزمان خواليا
لكنني أغلى فؤادي أن يرى
بين الأنام ـ وأنت فيه ـ داميا

محمد علي الحريري في رثاء الشيخ حسن حبنكة رحمه الله:
أيُّ المطالع تصلح استهلالا
شردَ البيانُ فما أُطيق مقالا
جاهدتَ طوراً باللسان وطالما
قد كنتَ تتقن بالسّنانِ قتالا
وبقيتَ رمز العنفوانِ لأمّةٍ
ضربت بعزّة نفسكَ الأمثالا

جورج صيدح يرثي أخته:
أمضي وقلبي في دمشق رهينة
لغفرتُ للأم الجراح لو أنها

أودعها صدر الثرى والجندل
شفقت بأختي من قضاءِ منزلِ
في جيرةِ الشهداءِ حلّت منزلاً
وكأنها أخذت تهىء منزلِ

جورج صيدح:

مصطفى السباعي:

أهاجكَ الوجدُ أم شاقتكَ أثارُ
وما لعينك تبكي حُرقةً وأسىً

كانت مغاني نعمَ الأهل والدار
وما لقلبكَ قد ضجَتْ به النارُ
على الأحبّة تبكي أم على طللٍ
لم يبق فيه أحباء وسمّارُ
وهل من الدهر تشكو سوء عشرته
لم يوف عهداً ولم يهدأ له ثار
هيهات يا صاحبي آسى على زمن
ساد العبيد به واقتيد أحرارُ

مصطفى السباعي:
أو أذرف الدمع في حب يفاركني
أو في اللذائذ والآمال تنهارُ
فما سبتني قبل اليوم غانية
ولا دعاني إلى الفحشاء فجّارُ
أمتُّ في الله نفساً لا تطاوعني
في المكرمات لها في الشرِّ إصرارُ
وبعت في الله دنيا لا يسود بها
حق ولا قادها في الحكم أبرارُ

مصطفى السباعي في رثاء شكيب أرسلان:
سلامُ عليك أبا غالب
أميرُ الجهدِ أميرُ القلم
هتكتَ برأيكَ حُجبَ الظلامِ
وثرتَ إباء إذا الخطبُ عمّ
وطوّفتَ في الأرضِ تبغي السلام
لقومكَ والحق ممن ظلم
فَخضتَ الغمارَ وصُنتَ الذمار
وكنتَ الإمام وكنتَ العلم
وما زلتَ تفضح كيد الألى
بغوا في البلادِ وخانوا الذمم
وترشد قومكَ للواضحاتِ
تنيرُ العقولَ وتُذكي الهِمم
إلى أن أصاخَ لكَ المسلمون
ولبى نداكَ أسود الأجم
فآنَ لجسمكَ أن يستريح
وتهجر روحك دنيا الألم
أصبتَ بِدُنياك مجد الخلود
وعندَ الإله الثواب العمم

مصطفى السباعي:
دعيني وشأني ليسَ عذري بشافع
لديكِ ولا حالي يعنُّ ببالكِ
وهل يلتقي طيران:هذا مُحلِّقٌ
تروم جناحاهُ سماءَ ملائكِ
وذاكَ مُسِفٌ حائمٌ فوق جيفةٍ
على الارَضِ تُدنيهِ لوطءِ سنابكِ
وكم بين من يمشي بصيراً بدربهِ
تُضىءُ له الأقدارُ وعرَ المسالكِ

مصطفى السباعي:
وبينَ عَمٍ لا يهتدي لطريقهِ
يُحاطُ بِحُجب مظلماتٍ حوالكِ
وشتان ما بين الخلي من الهوى
وبينَ مُحبٍّ مدنف الجسمِ ناهكِ
وآنّى يُداني عاقلاً ذا حصافة
جهولٌ سفيهٌ هالك وابنُ هالكِ
دعيني ففي دنياي هَمٌّ ومحنةٌ
وقطعُ طريق في المفاوز شائكِ

مصطفى السباعي:
وحلٍ وترحال وحرب وهدنة
وتعليم أستاذ وعزلة ناسك
ودنياكِ ما دنياكِ؟وهمٌ وخدعةٌ
وسعيٌّ حثيث نحو شتى المهالكِ
وفي يسرها ضنكٌ وفي عزّها ضنى
تُثيرُ لأدنى الشيء أقسى المعارك
إذا كنتِ في دنياكِ ترضين أنني
سعيد بدنيا الخير لستُ بفاركِ

مصطفى السباعي:
فإن تسخري مني فلستُ بساخرٍ
وإن تضحكي مني فلستُ بضاحكِ
هُمُ الناسُ بين اثنين:صيد تشوقهم
معارك في ساحِ الهدى وصعالك
دعيني أعيشُ العمر في غُربة الهوى
ففي الحقِّ محرابي وفيهِ مناسكي
وفي النصحِ لذّاتي وفي الخيرِ ثروتي
وفي العلم محراثي وفيه سبائكي



عصام العطار:
قلبي هو الحبُّ أزكاهُ وأطيبُهُ
كأنّهُ من أريجِ الحُبِّ نيسانُ
قلبي التسامُحُ لا غلٌّ يُكدرُّهُ
وإنما هو غفرانٌ وإحسانُ
بالله عزَّ فكانَ العفوُ شيمتَهُ
لا يعرفُ العفوَ قومٌ إن همُ هانوا
قلبي هو المزنُ لا حقدٌ يُلوِّثُه
بذلتُهُ للورى طُرَّاً فمنهلُهُ

وهو الربيعُ بأزهارٍ وأنداء
عذبٌ سخيٌّ لأحبابي وأعدائي
وعشتُ للحبِّ أُغليهِ وأُكرمُهُ
فوقَ الصغائرِ من حقدٍ وأهواء

الحرُّ حرٌ ولو ناءَ الحديدُ بهِ
هيهاتَ يخضعنا قيدٌ وسجانُ
ذلَّ الحديدُ وما ذلّت عزائمنا
أقوى من القيدِ والطاغوت إيمانُ
الصَّبرُ صَبرٌ على الدنيا وزينتها
والصّبرُ صبرٌ على طُولِ الطريقِ إذا

والصّبرُ صبرٌ على الأرزاءِ والمِحنِ
عَزَّ الرفيقُ وماجَ الدربُ بالفتنِ
والصّبرُ صَبرٌ على العَليا ومطلبها
والصّبرُ صخرٌ عجيبٌ لا فناءَ له

وعزمةٌ كمضاءِ السيفِ لن تَهنِ
تفنى الخطوبُ وصَلدُ الصّبرِ لم يلنِ
والصّبرُ بشرى من الرّحمنِ صادقةٌ
ورحمةٌ في رِحابِ الله ذي المِنَنِ
يا ربِّ إني لعونٍ منكَ مفتقرٌ
لولاكَ لولاك لم أصبرْ ولم أُعَنِ

عصام العطار:
العِلمُ نورٌ،والجهالةُ ظُلمةٌ
والعَزمُ جُنْحٌ إن سموتَ لغايةٍ

والعقلُ رشدٌ،والتدبُّرُ أحزَمُ
والبذلُ فرضٌ،والتردّدُ مأثَمُ
والعجزُ عارٌ،والنكوصُ مهانةٌ
شرفُ الحياةِ ،شجاعةٌ وتَقدُّمُ
إعمَلْ وجاهدْ دائباً يا مُسلمُ
الحرُّ لا يعنو ولا يستسلمُ
وإذا المذّلةُ والحياةُ تلازما
فالموتُ أحلى عند ذاكَ وأكرمُ

عجبتُ من مؤمنٍ يرضى الهوانَ وما
يرضاهُ إلا الأُلى بالله قد كفروا
تراهُ يحتجُّ بالأقدارِ مُعتذراً
والمؤمنُ الحقُّ لو يدري هُوَ القَدرُ
وعبدُ النفسِ ـ مهما عاشَ ـ عبدٌ
ويأبى العبدُ يوماً أن يسودا
يُحبُّ القيدَ يُدمي مِعصميهِ
ويكرهُ أن تَفُكَّ لهُ القيودا
فإن حطّمتها قهراً وقسراً
يظلُّ كأنَّ في يدهِ الحديدا

ليسَ الحياةُ بأيامٍ تطولُ بنا
إذا تطاولَ أعمارٌ وأيّامُ
يا رُبَّ لحظةِ صِدْقٍ لا يُنافسها
من سائرِ العُمرِ أعوامٌ وأعوامُ
قد زورّوا الحقّ والتاريخَ واختلقوا
من الأكاذيبِ ما يندى لهُ الخجلُ
والناسُ جهلٌ وأهواءٌ ومصلحةٌ
تُطوى الحقيقةُ والتزويرُ ينتقلُ
توزّعتهم على إغرائها سُبُلٌ
وليس لله ما تفضي لهُ السّبُلُ

الروحُ في الأفقِ آمالٌ مُجَنحةٌ
والجسمُ في القيدِ لم يُسعِدْ جناحاهُ
كمْ ذا جَزيتُ على الكُفرانِ عِرفانا
وكمْ جزيتُ على ما ساءَ إحسانا
وكمْ أسوت جِراحاتِ الأولى ثَملوا
منْ نَزفِ جُرحي أقداحاً ونُدمانا
لله قلبي نَميرٌ كُلُّهُ وسنىً
أحالهُ الحُبُّ والإيمانُ غفرانا
سَما بي الحُبُّ في علياءِ جنّتهِ
فكِدتُ أُخطىءُ وجهَ الأرضِ أحيانا

رُوحي يرومُ من الغاياتِ أبعدَها
ولا يُساعِدُ روحي مُدنفَ البدنِ
قد ذَلَّ من عبدَ الدُّنيا وزينتها
وعَزَّ من عبدَ الرحمنَ إيمانا
فالمؤمنُ الحقُّ حرٌّ ليس يملكهُ
سِحرُ الدُّنى وفتونُ العيشِ ألوانا
والمؤمنُ الحقُّ لا يعنو لطاغيةٍ
ولو تَفجّرَ هذا الكونُ طُغيانا
خفضوا الجباهَ لغاصبٍ ومُقاتلٍ
لِعدوهمْ لينُ الجوانبِ منهمُ

وتَنمرّوا للأهلِ والأوطانِ
ولأهلهمْ قلبٌ من الصّنوانِ

عصام العطار:
أشواقُ روحي لا أرضٌ تُحَدِّدها
ولا سَماءٌ ولا شمسٌ ولا قمرُ
أشواقُ روحي تطوي الدّهرَ سابحةً
فلا يُحَدِّدها عَصرٌ ولا عُصُرُ
أشواقُ روحي وجهُ الله وُجهتها
يقودُها الحبُّ إن لم يُسعفِ النَّظرُ

عصام العطار”
المسلمون المنتظرون”:
قومٌ يُطِلُّونَ والدُّنيا بها ظمأٌ
أقوالُهُمْ شُعَلٌ،أفعالُهُم غُرَرٌ

والدّربُ مُلتبِسٌ والليلُ مُعتكِرُ
أخلاقهم مَثَلٌ،أخبارهم سَمَرُ
بهم يُقوَّمُ ما في الأرضِ من عِوَجٍ
والحقُّ والعدلُ والإحسانُ ينتصِرُ
ويهتدي كلُّ من ضلَّ السبيلَ بهم
والليلُ والخوفُ بعد المدِّ ينحسِرُ
وترتوي الأرضُ كلُّ الأرضِ من ظمأٍ
ويسعدُ الخلقُ والأحياءُ والبشرُ

ليسَ الحياةُ بأيامٍ تطولُ بنا
إذا تطاولَ أعمارٌ وأيامُ
يا رُبَّ لحظةِ صِدْقٍ لا يُنافسها
من سائرِ العُمرِ أعوامٌ وأعوامُ
حَنَيْنَ ظهري الليالي في تَتابُعها
وما انحنى لأعاصيرٍ وأنواءِ
أعيشُ حُرّاً فلا الطاغوتُ ذَلّلني
ولا ذَللتُ لأطماعٍ وأهواءِ
ربي لكَ الحمدُ كم أسبغتَ من نِعَمٍ
جلّتْ عطاياكَ عن عدٍّ وإحصاءِ

تفنى الحياةُ ويبقى من كرامتنا
ما ليسَ يُفنيهِ أسقامٌ وأعمارُ
كُنّا مع الفجرِ أحراراً،وقد غَرَبتْ
شمسُ الشّباب،ونحنُ اليومَ أحرارُ
إذا أدمتكَ أنيابُ الليالي
وراعكَ من زمانكَ ما يَروعُ
فلا تيأس ولا تخنعْ وتخضعْ
فَشرُّ الشرِّ يأسٌ أو خنوعُ
وجاهدْ في سبيل الله واصبرْ
فَرَبُّكَ شاهدٌ وهو السميعُ
وإن ضاعتْ جُهودَكَ في حياةٍ
فَعِندَ الله جُهدكَ لا يضيعُ

يُريكَ وجهَ

أبي بكر

بظاهرهِ
وفي جوانحهِ يغفو

أبو لهب
كُنّا وكُنّاوما يُجدي تذكرُّنا
إذا قعدنا ولم نلحق أوالينا
صِرنا غُثاءً فسيلُ الدّهرِ يحملنا
ذلاً وعجزاً..وسيلُ الدّهرِ يطوينا

سيّان عنديَ إن أثنوا وإن كفروا
اللهُ قصديَ لا الدنيا ولا البشرُ
اليأسُ موتٌ،وشرُّ الموتِ موتُ فتىً
واليأسُ كُفرٌ بِرَوحِ الله ويلَ فتىً

يَدِبُّ في الأرضِ لا عَزْمٌ ولا عَملُ
قد فاتَهُ في دُناهُ النورُ والأملُ
إمتدَّ يا ليلُ وازددْ رهبةً ودُجىً النورُ
يُشرِقُ هَدياً في جوانحِنا

فلن يُخالِطنَا يأسٌ ولا وَجَلُ
ومن جوانِحنا للكونِ ينتقلُ
لن يملِكَ الظلمُ والظلماءُ عالَمنا
فالدّهرُ في جَريهِ أيامُهُ دُوَلُ
والحقُّ والعدلُ نصرُ الله نصرُهُما
والظُّلمُ ـ لا بُدَّ ـ مهزومٌ ومُنخذِلُ

أبكي عليكم وهذا مُنتهى عَجبي
والقلبُ من ذكركمْ في نشوةِ الطربِ
يامَنْ أصابكَ ما تدمى القلوبُ لهُ
وفَلَّ عَزمكَ ما جاءتْ بهِ الغِيَرُ
ومن قعدتَ عن الجُّلى ومطلبَها
وشَلّكَ الوهنُ،لا تأتي ولا تَذرُ
ومن يَئستَ من الدنيا فلا أملٌ
ورُحتَ عن يأسِكَ القتَّالِ تعتذرُ
حاوِلْ ولا تعتذِرْ يأساً ومَعَجزِةً
فأنتَ بالله ـ إن أخلصت ـ مُقتدِرُ

وآثر القلب ورد الموت في كرم
على حياة بلا صدق ولا كرم
من كانَ يملِكُ إيماناً ومعرِفةً
والفِكرَ والعَزمَ والإقدامَ ينتصِرُ
وإن عَثرتَ فلا ترضَ العِثارَ وقُمْ
فتبَّ من ركنوا للأرضِ إذ عثروا
انهضْ تقدَّمْ تألَّقْ رِفعةً وسنىً
فالمجدُ يدعوكَ والأيامُ تنتظِرُ
ما قيمةُ العُمرِ لولا مَطلبٌ جَلَلٌ
إن طالَ أو قَصُرِتْ أيامهُ العُمُرُ

عصام العطار:
لا تَقعُدنَّ عن السُّموِّ لغايةٍ
فالنيراتُ إذا عَزَمتَ قريبةٌ

عَظُمتْ ولو عنَّتْ لكَ الجوزاءُ
والشاهقاتُ إذا عَزمتَ وِطاءُ
والمُستحيلُ إذا عَزمتَ مُذَلَّلٌ
ولكَ الزمانُ مَطِيّةٌ وفضاءُ
ما دُمتَ للِحقِّ المُبينِ مُعانقاً
فالنصرُ وعدٌ،والجنانُ جَزاءُ
وإذا قضيتَ على الطريقِ مُجاهداً
فالفوزُ ما فازت بهِ الشهداءُ

عصام العطار في قصيدة المسلم الحق:
إن أظلمَ الليلُ كانَ النجمَ مؤتلقاً
أو أخلفَ العزمُ لم تُخلِفْ عزائِمُهُ

أو خَيّمَ اليأسُ كان الرَوْحُ والأملا
أو كَلَّ ذو الجدِّ كانَ الجِدَّ والعملا
أو أرهبَ الموتُ لم يَرْهَبْ نوازِلَهُ
وإن تَزيّنتِ الدُّنيا لفتنتهِ

وتابعَ الدَربَ لا يُثنيهِ ما نزلا
خابتْ،فما آثرَ الدنيا ولا شُغِلا
إيمانهُ حصنهُ ،والوحي مرشدُهُ
واللهُ غايتَهُ إن قالَ أو فَعلا
وقلبُهُ رحمةٌ للخلقِ شاملةٌ
ونبعُ حُبٍّ وإخلاصٍ لمن نَهَلا

عصام العطار في قصيدة المسلم الحق:
ومشعَلُ الحقِّ إن غابتْ مشاعلُهُ
وموئِلُ العدلِ في الدنيا إذا خُذلا
والعلمُ والفِكرُ رُكنٌ من عقيدتهِ
قد ضلَّ عن منهجِ الإسلام من جَهِلا
وكيفَ يحمِلُ دينَ الله عن ثقةٍ
من فاتَهُ دينُهُ عِلماً وما عقلا
لا تتركوا الدينَ للِجُهالِ تُفسِدهُ
فالجهلُ يُفسِدُ منهُ كُلَّ ما جَملا

عصام العطار:
القولُ فِعْلٌ ـ إذا قُلنا ـ بلا مَهَلٍ
فالفِعلُ لا القولُ ما يُدني من الأملِ
والقولُ والفِعلُ نورُ الوحي يُرشدهُ
والعِلمُ والفِكرُ من جَهلٍ ومن زلَلِ
يرى الفؤادُ بعينٍ غيرِ كاذبةٍ
ما ليسُ يُدرِكُ بالآذان والمُقَلُ

عصام العطار:
تَهَدَّمَ جسمي دونَ إدراكِ غايتي
وقصدي بعيدٌ والسَّفينُ تَحطّما
وكيفُ يُطيقُ الجسمُ آمادَ غايتي
ولو كانَ كالفولاذِ بأساً..تَهدّما
ولكنّني أمضي بروحي مُحلِقّاً
وجسمي أسيرُ الأرضِ،في افقِ السّما
وأُؤثرُ عيشَ الحُرَّ صاباً وعلقماً
على أن أعيشَ الدّهرَ عبداً مُنعّماً

أُصِبتُ فلم تَثنِ المصائبُ عزمتي
إذا ما امرؤٌ خوفَ المصائبِ أحجما
وعاهدتُ ربّي أن أعيشَ مُجاهداً
وحسبي أن يرضى جهادي تَكرُّما
وما أُبالي إذا التاريخُ أنصفني
أو جارَ في حُكمهِ أو خانَ أو كذبا
وما أُبالي لسان الدّهرِ توّجني
بالحمدِ أم أعملَ الأنيابَ والقُضبا
الظالمونَ على شتى مذاهبهمْ
قد مزّقوني ـ وما باليتهم ـ إربا
الله قصدي وهذا الكونُ أجمعَهُ
لم يستثِرْ رَغِباً في النفسِ أو رهبا

عصام العطار(
نحن المسلمين):
نحنُ شمسُ الحقِّ تجتاحُ الظلاما
نحنُ حُلمُ الأرضِ عدلاً وسلاما
نحنُ بالإسلامِ حَرّرنا الأناما
ورسمنا للورى دربَ الكمال
نحنُ لا نخضعْ إلا للإله
نحنُ لانخفضُ للبغي الجباهْ
نحنُ صوتُ الحقِّ في وجهِ الطغاه
إن عتا الباطلُ أو ذَلَّ الرجال
نحنُ غرسُ الله ربّانا محمدْ
نحنُ رُشدُ الأمسِ والحاضرِ والغدْ
نحنُ روحُ البعثِ والعزمُ المُجدّدْ
وهواةُ الرّكبِ في ليلِ الضلال
نحنُ إيمانٌ وعلمٌ وعملْ
نحنُ فكرٌ وجهادٌ وأملْ

نحنُ لا نجزعْ،إن خطبٌ نزلْ
لم يجدْ وهناً وكنّا كالجبالْ
نحنُ حبٌّ وإخاءٌ وعطاءْ
نحنُ غرسٌ وبناءٌ
..
وفداء
نحنُ في الأرضِ سياجُ الضعفاء
وجنودُ الحقِّ في كلِّ مجالْ
لا نقبلُ الظُلمَ مهما كانَ مَنبتهُ
فَدينُنا كلُّهُ عدلٌ وإحسانُ
يدي يدُ الخصمِ إن جارَ الوليُّ فلا
يُضامُ في ديننا حقٌّ وإنسانُ
ما أجملَ العدل والإحسان في خُلُقٍ
والقبحُ أقبحهُ بغيٌّ وطغيانُ

قد جفَّ دمعي وما جفَّ الأسى أبداً
في كلِّ يوم جراحاتٌ وأحزانُ
نتابعُ الدربَ لا نعنوا لطاغية
أقوى من الموتِ والطاغوتِ إيمانُ
دعوا التفرّقَ يا قومي ويا وطني
فإنَّ فرقتكم وهنٌ وخسرانُ
تابع طريقكَ يا أُخيَّ مُثابراً
مهما تكن في دربكَ العقباتُ
تابع طريقكَ يا أُخيَّ ولا تَهِنْ
فالنصرُ عزمٌ صارمٌ وثباتُ
تابع طريقكَ يا أُخيَّ ولا تهبْ
فالموتُ في دربِ الجهادِ حياةُ
تابع طريقكَ فالنكوصُ مذلّةٌ
والذلُّ من أجلِ البقاءِ مماتُ

العزمُ يُدني من الغاياتِ أبعدها
ويجعلُ الصعبَ سهلاً حيثما وجدا
فانهض بعزمكَ للِجلّى بلا مَهَلٍ
قد خابَ من خارَ منهُ العزمَ أو قعدا
إنّي لاكبِرُ من يمضي لغايتهِ
سِيّان إن قرُبَ المطلوبُ أو بَعُدا
إيه بلادي سوفَ نمحو ما مضى
ونعفُّ عن سفحِ الدموعِ تجلّدا
خابَ النوادبُ ليسَ يُدرِكُ قصدَهُ
في الأرضِ إلا من أعدَّ وجنّدا
دنيا الوحوش فمن تغافلَ ساعةً
حُرِمَ البقاءُ ظُلامةً أو عُبّدا
إنا حلفنا صادقين ولم نكن أبداً
لِنخُلِفَ ما حيينا موعدا
أنا سنبني للكرامة والجِدا
ركناً منيعاًموصدا
نطوي الصدور على الجراحِ
ونثني للمجدِ نبني ما نشاء مخلّدا

وأبسمُ والليالي حالكاتٌ
وفي قلبي المواجعُ والدموعُ
وأمضي في طريقي لا أُبالي
وإن حفلَ الطريقُ بما يروعُ
رفيقي الله في ظلم الليالي
فكيفَ أخافُ فيها أو أضيعُ
الحبُّ نبعٌ إذا ما غاضَ كوثرهُ
فلا حياةٌ ولا خيرٌ ولا أملُ
ولا حنانٌ ولا عفوٌ ولا كرمٌ
ولا سُموٌ إلى الجُلّى ولا عملُ
ولا جمالٌ ولا فنٌ ولا أدبٌ
ولا توهُّجُ روحٍ وهو يبتهِلُ
ولا سعادةُ نفسٍ في سماحتها
والأرضُ من حولها بالحقدِ تشتعلُ
قلبي هوى الحبِّ لا يجفو خمائلَهُ
يُغرِّدُ الحبُّ في قلبي فيطربني

هيهاتَ عنهُ هزارُ الحُبِّ يرتحِلُ
من مهجتي شجوُهُ والشدوُّ والنَّهَلُ
حبٌّ تجاوزَ أحبابي فوارِفهُ
ظِلُّ العدوِّ إذا طلحت بهِ السّبُلُ
أقيهِ بالجَفنِ من حَرٍّ ومن خطرٍ
وفي ضلوعي من أحقادهِ أسَلُ

عصام العطار:
وليسَ في هذه الدنيا وإن رحُبتْ
ما في فؤادي من رَحبٍ وآفاقِ
ونورُ قلبي يُضىءُ الكونَ إن غرقتْ
هذي الدُّنا ببهيمِ الليلِ غسّاقِ
ما شئتَ من أملٍ فيهِ وإشراقِ
ومن عزيمةِ ماضي العزمِ سبّاقِ
هيهاتَ تسحقني الدنيا بشدّتها
هيهاتَ تفتنّي عن بعضِ أخلاقي

عصام العطار:
هيهاتَ تسلبني نوراً هُديتُ بهِ
النورُ ينبعُ من قلبي وأعماقي
وتذهبُ الأرضُ والدنيا بما حفلتْ
ولا تزولُ رؤى روحي وإشراقي
إني مع الله في قلبي وفي عملي
ما حِدتُ عنهُ بأهوائي وأحداقي
إنّي مع الله حبلُ الحُبّ مُتصلٌ
والخلدُ بعضُ عطاءِ الواحدِ الباقي

عصام العطار في مصطفى السباعي رحمه الله:
ولم ترَ وجهي عند نعشكَ مصطفى
وذلكَ جرحٌ لا يغورُ بخافقي
مكانُكَ في قلبي الوفيِّ موّطدٌ
فأنتَ على طولِ الزمانِ مُرافقي

عصام العطار:
يا كُربةَ النفسِ للإسلامِ ما صنعتْ
بكلِّ أرضٍ بهِ أيدي المعادينا
ومحنةُ العالم المنكوبِ تنشرُنا
على فواجعها يوماً وتطوينا
الأرضُ قد مُلئت شراً وزلزلها
جَورُ الطغاةِ ولؤمُ المُستغلينا
في الشّرقِ والغربِ آلامٌ مؤرقةٌ
تبدو أحايينَ أو تخفى أحايينا

مروان حديد:“
ياراحلين”
هل تسمعون توجُّعي وتنهد الدنيا معي
يا راحلينَ عن الحياةِ وساكنينَ بأضلعي
يا شاغلينَ خواطري في ثورتي وتضرّعي
أنتم حديثُ جوانحي في خلوتي أو مجمعي
أنا من غدوتُ بحبّكم ملكاً ولست بِمُدّع
فإذا سلوتُ هواكم ألفيتُ مثل البلقعِ
يا طائرينَ إلى جنان الخلد أجمل موضع
أتُراكم أسرعتمُ أم أنني لم أُسرعِ

أنور العطار:
في ياسن الهاشمي


مروان حديد:“
ياراحلين”
ما ضرّكم لو ضَمّني معكم لقاء مُودّع
فيقال لي:هيا إلى أرضِ الخلود أو ارجعِ
إن لم أكنْ أهل الشهادةِ والمقامِ الأرفعِ
أفستُ أهلاً للوداعِ! فيال لخطبي المفجعِ
كم قلت صبراً للفؤادِ على المصاب المفجعِ
لكن صبري نافِذٌ ومدامعي لم تنفعِ
سأظلُ أبكي بعدكم كالعاشقِ المتلوعِ
وأحبكم حتى وأنتم ترقصون لمصرعي

يا راحلين وساكنين بقلبي المتصدّعِ

أنور العطار في قصيدة جيش أسامة(
الرسالة العدد 291):

ضجَّ مهد الصحراءِ بالتغريد
وسرى النور في رمال البيدِ
هو ذا في غيابة البعد خطٌّ
ينجلي من سرابها المعقود
سال ذوبُ النضار في مصحف الأف
قِ فزان الدنيا بحلم رغيدِ
نهرٌ من هداية يتلوى
في فضاء رحب المطاف مديد
ضمّ في شاطئيه صَيّابة العُر
بِ وبأس الممرّسين الصِّيدِ
والأميرُ الفتى يدّرعُ البي
د بجيش من الكماة عديد
رفرفت راية النبي عليه
ورعتهُ بالنصر والتأييدِ
من هو القائدُ الفتي وما ين
شدُ في قصده الطروح البعيد
يا صحابي هذا
(
أسامة
)
يختا
لُ بِبُرد من الشّبابِ نضيد
رأسُ الأكرمين وهو ابنُ عشري
ن بعزم ماض ورأي سديد
حدث النفس وهو يحلم جذلا
ن بنصر داني القطوف عتيد
إيه يا نفس لا ترُعك المنايا
فالمنايا أمنيّة الصنديد
اطلبي المطمح القصيَّ مداه
ودعي الضعف للجبان الرّقودِ
واذكري نائماً
(
بمؤتة
)
باع الن
فس زُلفى ربّ البرايا الحميد
وانهضي للجهاد في نصرة الح
قّ وبُثّي رسالة التوحيد
ودعي اسم النبيّ تعبقْ به الدن
يا وترتع في عالم من سعود
وتلاقى الجمعان فارتجت الأر
ض وغابت في العاصف المشهود
وتعالت في القفر تكبيرة الله
فدّوى الوجود بالتحميد
وأسودُ الصحراء قد غنموا النصر
وفازوا بالمأمل المنشود
يا جنود الحق المبين سلام
أنتم للعلاء خير جنود
بكم عزّت الحنيفة في الكو
ن ومالت شأو المرام البعيد
غيرهم يفتحون للذل والعار
وهم للعلاء والتشييد
ثم دال الزمان من ناسه الغر
فقرت سيوفهم في الغمود
واستكانت إلى الكرى فعليها
صدأ الدهر من طويل الهمود


من شوارد الشواهد ـ أمير الشعراء أحمد شوقي

من شوار الشواهد

الجزء الثاني

أحمد شوقي

شوقي يرثي والدته:

لكِ اللهُ من مطعونةٍ بقنا النّوى
شهيدةِ حربٍ لم تُعارِفْ لها إنما
مُدَلّهةٍ أزكى من النارِ زفرةً
وأنزهِ من دمعِ الحيا عبرة سَحما
أستْ جُرحها الأنباءُ غير رفيقةٍ
وكم نازعٍ سهماً فكان هو السهما
فيا حسرتا ألا تراهم أهلّةً
إذا أقصرَ البدرُ التمامُ مضوا قدما

مماتٌ في المواكب،أم حياةُ
ونعشٌ في المناكب،أم عظاتُ؟
يَجلُّ الخطبُ في رجلٍ جليل
وتكبرُ في الكبيرِ النائبات
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليهِ النائحاتُ
بنو الدنيا على سَفرٍ عظيمٍ
وأسفارُ النوابغِ مُرجعاتُ
أرى الأمواتَ يجمعهم نشورٌ
وكم بُعثَ النوابغُ يوم ماتوا
لي فيك مدحٌ ليس فيهِ تكلفٌ
أملاهُ حبٌّ ليسَ فيه تملقُ

فقبّلتُ كفّاً كان بالسيفِ ضارباً
وقبلّتُ سيفاً كان بالكفِّ يضربُ
المُلكُ بين يديكَ في إقبالهِ
عوّذتُ مُلككَ بالنبي وآلهِ
حرٌّ وأنتَ الحرُّ في تاريخهِ
سَمحٌ وأنتَ السّمحُ في إقبالهِ

هل البأسُ إلا بأسُهُمْ وثباتهمْ
أو العزمُ إلا عزمهُمْ والتلبُّبُ
أو الدينُ إلا ما رأتْ من جهادهم
أو المُلكُ إلا ما أعزّوا وهيبّوا
ذو هِمّةٍ كفؤادِ الدّهرِ لو نظرت
إلى بعيد دنا،أو جامح لانا
باني المآثر يعجزن الملوك بنى
بكلِّ أرض لكسرى العلم إيوانا
مدَّ الكنانة أطرافاً ووسّعها
ملكاً وأترعها خيلاً وفرسانا
وفجرَّ الماءَ في جنباتها فسقى
ما كانَ بين عيون النيل ظمآنا
ونص في ثبجِ الصحراء رايتها
كالنجمِ يهدي بأقصى الليل حيرانا

رحالةَ الشّرقِ إن البيدَ قد علمتْ
بأنّكَ الليثُ لم يُخلق لهُ الفزعُ
وهلْ مررت بأقوامٍ كفطرتهم
من عهدِ آدمَ لا خبثٌ ولا طَبعُ
جزتكَ مصرُ ثناءً أنتَ موضعهُ
فلا تذب من حياءٍ حينَ تستمعُ
ملائكةٌ إذا حَفوكَ يوماً
أحَبَّكَ كلُّ من تلقى وهابا
وإن حملتكَ أيديهم بُحورا
بلغتَ على أكفّهمُ السحابا
تَلّقوني بِكلِّ أغرّ زاهٍ
كأنَّ على أسِرّتهِ شهابا
ترى الإيمانُ مؤتلقاً عليهِ
ونورَ العلمِ والكرمِ اللبابا
وتلمحُ من وضاءةِ صفحتيهِ
مُحيّا مصرَ رائعة كعابا

يجلّ الخطب في رجلٍ جليلٍ
وتكبرُ في الكبير النائباتُ
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليه النائحاتُ

أكبرتُ من حسنين هِمّة طمحتْ
ترومُ ما لا يرومُ الفتية القُنعُ
بيضُ الوجوهِ ووجهُ الدّهرِ ذو حَلكٍ
شمُّ الأنوفِ وأنفُ الحادثاتِ حمي

الصابرينَ ونفسُ الأرض واجفةٌ
الضاحكينَ إلى الأخطارِ والقُحمِ
سل العصر،والأيام،والناس:هل نبا
نبأ لرأيك فيهم أو لسيفك مَضرِبُ

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فليرثِ من هذا الورى من شاءَ
فجعَ المكارمَ فاجعٌ في ربّها
والمجدَ في بانيهِ والعلياء
ونعى النعاةُ إلى المروءة كنزها
وإلى الفضائلِ نجمها الوّضاء
واستبكِ هذا الناسَ دمعاً أو دماً
فاليومُ يومُ مدامع ودماء

شوقي يرثي حافظ إبراهيم:

قد كنتُ أؤثر أن تقولَ رثائي
يا مُنصفَ الموتى من الأحياءِ
لكن سيقتَ،وكلُّ طولِ سلامةٍ
قدرٌ،وكلُّ منيّة بقضاءِ

الرافعونَ إلى الضحى آباءَهم
فالشمسُ أصلهم الوضىء المُعرِقُ
وكأنّما بين البِلى وقبورهم
عهدٌ على أن لا مِساسَ وموثِقُ
قسماً بمذهبكَ الجميل وقديم عهد لا ضئي
ووجه صُحبتك القسيم ل في الوداد ولا ذميم
ما كنت يوماً للكنا لما تلاحى الناس لم
نةِ بالعدوِّ ولا الخصيم تنزل إلى المرعى الوخيم
كم شاتمٍ قابلته
بترفعِ الأسد الشتيم
وشغلتَ نفسك بالخصيب
من الجهودِ عن العقيم
فخدمتَ بالعلم البلا
د ولم تزل أوفى خديم

أيها اليائس مُتْ قبلَ الممات
أو إذا شئتَ حياةً فالرّجا
لا يضيقُ ذرعُكَ عند الأزمات
إن هيَ اشتدّتْ فأملْ فَرجا
كأنَّ يراعي في مديحكَ ساجِدٌ
مدامعهُ من خشيّةِ الله تذرِفُ
كأنّكَ والآمالُ حولكَ حُوَّمٌ نميرُ
على عطفيهِ طيرٌ تُرفرِفُ
وأزهرَ في طِرسي يراعي وأنملي
ولفظي فباتَ الطِرسُ يجنى ويقطفُ
وجمّعَ من أنوارِ مدحكَ طاقةً
يُطالعها طرفُ الربيع فيطّرفُ
تهادى بها الأرواحُ في كلِّ سَحرةٍ
وتمشي على وجهِ الرياضِ فتعرفُ

ليسَ اليتيمُ من انتهى أبواه
من هَمِّ الحياةِ وخلّفاهُ ذليلا
إنَّ اليتيمَ من تجد لهُ أمّاً
تخلّتْ وأباً مشغولا
فرِضى البعضِ فيهِ للبعضِ سُخط
ورضى الكُلِّ مطلبٌ لا يُنال

والمالُ لا تجني ثمار رؤوسه
حتى يصيب من الرؤوسِ مدبراً
والملكُ بالأموالِ أمنعُ جانباً
وأعزّ سلطاناً وأصدق مظهراً

هل ترى كالتُرابِ أحسن عدلاً
وقياماً على حقوقِ العبادِ
نزلَ الأقوياءُ فيهِ على الضعفى
وحلَّ الملوكُ بالزّهادِ
إنَّ البنات ذخائرٌ من رحمةٍ
وكنوزُ حبّ صادق ووفاء
والساهراتُ لعلّةٍ أو كبرةٍ
والصابراتُ لِشدّةٍ وبلاء

والمرءُ ليسَ بصادقٍ في قولهِ
حتى يؤيدَ قولهُ بِفعاله
المالُ حَلّلَ كلَّ غيرِ مُحَلّلٍ
حتى زواجَ الشّيبِ بالأبكارِ
ما زُوجّتْ تلكَ الفتاةُ وإنّما
بيعَ الصِّبا والحسنُ بالدينارِ
فتشتُ لم أرَ في الزواجِ كفاءةً
ككفاءةِ الأزواجِ في الأعمارِ

إذا لم يكن للمرءِ عن عيشةٍ غنىً
فلا بُدّ من يُسر ولا بدّ من عُسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو،والحلوَ في المرِّ
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ
فَمنْ لجليلِ الأمرِ أو مُعضلِ الحال؟
ولولا معانٍ في الفدى لم تعانهِ
نفوسُ الحواريين أو مهجُ الآلِ
فغنوا بهاتيك المصارع بينكم
ترنُّمَ أبطالٍ بأيامِ أبطالِ
ألستم بني القوم الذين تكبروا
على الضربات السبع في الأبدِ الخالي؟
رُددتمُ إلى فرعونَ جَدّاً، ورُبّما
رجعتم لعمٍّ في القبائلِ أو خالِ

هل سألنا أبا العلاء وإن قَلّبَ
عيناً في عالمِ الكونِ وسَنى
كيف يهزأ بخالقِ الطير من لم
يعلم الطير،هل بكى أو تغنّى؟
بانَ الأحبّةُ يومَ بينِكِ كُلّهمُ
وذهبتِ بالماضي وبالمُتوّقعِ

آذنتها بِنوى فقالت ليت لم
تصلِ الحبالَ وليتها لم تقطعِ
ورداءُ جُثمانٍ لبستِ مُرّقمٍ
بيد الشّبابِ على المشيبِ مُرّقعِ
والمؤمنُ المعصومُ في أخلاقهِ أبداً يراهُ الله في غَلَسِ الدُّجى
من كلِّ شانئةٍ،وفي آدابهِ من صحن مسجدهِ وحول كتابهِ
ويرى اليتامى لائذينَ بظلّهِ
ويرى الأراملَ يعتصمنَ ببابهِ
ويراهُ قد أدّى الحقوق جميعها
لم ينسَ منها غير حقِّ شبابهِ
أدّى من المعروفِ حصةَ أهلهِ
وقضى من الأحسابِ حقّ صحابهِ

هذا زمان لا توسط عنده
يبغي المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه،أو ابق بمعزل
ليسَ التوسط للنبوغِ سبيلا
وعِصابةٍ بالخيرِ أُلِفَّ شَملُهم
والخيرُ أفضلُ عُصبةً ورِفاقا
جعلوا التعاونَ والبنايةَ هَمّهم
واستنهضوا الآدابَ والأخلاقا

فأشرِقْ على تلك النفوس لعلّها
ترقُّ غذا أشرقت فيها وتلطفُ
فأنتَ بهم كالشّمس بالبحر إنّها
تَرُدُّ الأجاجَ المِلحَ عذباً فيرشَفُ
كثيرُ الأيادي حاضرَ الصّفحِ مُنصفٌ
كثيرُ الأعادي غائبُ الحقدِ مُشعفُ
لهُ كل يوم في رضى الله موقفٌ
وفي ساحةِ الإحسانِ والبرِّ موقفُ
تجلّى جمال الدين في نور وجههِ
وأشرقَ في أثناءِ بُرديهِ أحنفُ

حمد شوقي في عبد الخالق ثروت الذي مات في فرنسا:

يموتُ في الغابِ أو في غيرهِ الأسدُ
كلُّ البلادِ وسادٌ حينَ تُتسَّدُ
قد غيّبَ المغربُ شمساً لا سَقامَ بها
كانت على جنباتِ الشّرقِ تتقّدُ
حدا بها الأجلُ المحتومُ فاغتربتْ
إنّ النفوسَ إلى آجالها تَفِدُ
كلُّ اغترابٍ متاعٌ في الحياةِ سوى
يومٍ يُفارِقُ فيهِ المُهجةَ الجسدُ
نعى الغمامَ إلى الوادي وساكنهِ
برقٌ تمايلَ منهُ السهلُ والجَلدُ
برقُ الفجيعةِ لما ثارَ ثائرهُ
كادت كأمسٍ لهُ الأحزابُ تتحِدُ
قام الرجالُ حيارى مُنصتينَ لهُ
حتى إذا هدَّ من آمالهم قعدوا
علا الصعيدَ نهارٌ كلّهُ شجنٌ
وجلّلَ الريفَ ليلٌ كلّهُ سُهدُ
لم يُبقِ للضاحكينَ الموتُ ما وجدوا
ولم يَرُدَّ على الباكينَ ما فقدوا
وراءَ رَيبِ الليالي أو فُجاءتها
دمعٌ لُكلِّ شماتٍ ضاحكٍ رصَدُ
مشتْ على جانبيهِ مصرُ تنشدُهُ
كما تدلّهتْ الثكلى،وتفتقِدُ
وقد يموتُ كثيرٌ لا تُحسّهمُ
كأنّهم من هوانِ الخطبِ ما وُجدوا
لكلِّ يومٍ غدٌ يمضي بروعتهِ
وما ليومكَ يا خيرَ اللِّداتِ غدُ

يا أيُّها الدّمعُ الوفيُّ،بدارِ
نقضي حقوقَ الرفقة الأخيارِ
أنا إن أهنتك في ثراهم فالهوى
والعهدُ أن يُبكوا بدمعٍ جاري
هانوا وكانوا الأكرمينَ،وغُودروا
بالقفرِ بعد منازلٍ وديارِ
لهفي عليهم،أُسكنوا دورَ الثرى
من بعدِ سُكنى السّمعِ والأبصارِ
عطفاً عليهم بالبكاءِ وبالأسى
فتعهدُ الموتى من الإيثارِ
يا غائبينَ وفي الجوانحِ طيفهم
أبكيكمُ من غيّبٍ حُضّارِ
بيني وبينكم وإن طالَ المدى
سفرٌ سأزمعهُ من الأسفارِ
إني أكادُ أرى محليَ بينكم
هذا قراركم،وذاكَ قراري

خفضتُ لِعزّةِ الموتِ اليراعا
وجدَّ جلالُ منطقهِ،فراعا
كفى بالموتِ للنُّذرِ ارتجالاً
وللعبراتِ والعِبرِ اختراعا

شوقي في إسماعيل صبري:

نَمْ ملءَ جفنِكَ فالغدّوّ غوافلٌ
عمّا يروُعكَ،والعشيُّ غوافي
في مضجع يكفيكَ من حسناته
أن ليسَ جنبُكَ عنهُ بالمُتجافي
واضحك من الأقدارِ غير معَجّز
فاليوم لست لها من الأهداف
والموتُ كنتَ تخافهُ بكَ ظافراً
حتى ظفرت به،فدعهُ كفاف
قُلْ لي بسابقةِ الودادِ:أقاتلٌ
هو حينَ ينزلُ بالفتى،أم شافي؟
غلبَ الحياة فتىً يسدُّ مكانها
بالذكرِ،فهو لها بديلٌ وافي

مُقيلَ الصديقِ إذا ما هفا
مُقيلَ الكريمِ إذا ما عثرْ
حييتَ فكُنتَ فخارَ الحياةِ
ومُتّ فكنتَ فخارَ السيّر

أحمد شوقي في ذكرى وفاة محمد فريد:

نُجَدِّدُ ذكرى عهدكم ونُعيدُ
ونُدني خيالَ الأمسِ وهو بعيدُ
وللناسِ في الماضي بصائرُ يهتدي
عليهنَّ غاوٍ،أو يسيرُ رشيدُ
إذا الميتُ لم يَكرُمْ بأرضٍ ثناؤُهُ
تحيّرَ فيها الحيُّ كيفَ يسودُ

ونحنُ قضاةُ الحقِّ،نرعى قديمَهُ
وإن لم يَفُتنا في الحقوقِ جديدُ
ونعلمُ أنّا في البناءِ دعائمٌ
وأنتم أساسٌ في البناءِ وطيدُ
فريدُ ضحايانا كثيرٌ،وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريدُ
فما خلفُ ما كابدتَ في الحقِّ غايةٌ
ولا فوقَ ما قاسيتَ فيهِ مزيدُ
تغرّبتَ عشراً أنتَ فيهنَّ بائسٌ
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريدُ

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فَليرثِ من هذا الورى من شاءَ
فجع المكارمَ فاجعٌ في ربّها
والمجدُ في بانيه والعلياء
ونعى النُعاةُ إلى المروءةِ كنزها
وإلى الفضائلِ نجمها الوّضاء
ولقد عهدتُكَ لا تُضيِّعُ راجياً
واليومَ ضاعَ الكلُّ فيك رجاء
وذكرتُ سعيكَ لي مريضاً فانياً
فجعلتُ سعيَ بالرثاءِ جزاءَ
والمرءُ يُذكرُ بالجمائلِ بعده
فارفع لذكركَ بالجميلِ بناءَ
واعلمْ بأنّكَ سوفَ تُذكر مرةً
فيقُالُ:أحسنَ،أو يقال: أساءَ

يقولون
:
يرثي كلَّ خِلٍّ وصاحبٍ
أجلْ،إنّما أقضي حقوقَ صِحابي
جزيتهمُ دمعي،فلما جرى المدى
جعلتُ عيونَ الشّعرِ حُسنَ ثوابي
مُصابُ بني الدنيا عظيمٌ (بأدهم)
وأعظمُ منه حَيرةُ الشّعر في فمي
أأنطقُ والأنباءُ تترى بِطيّبٍ
وأسكتُ والأنباءُ تترى بمؤلم؟
أتيتُ بغالٍ في الثناء مُنَضَّدٍ
فمنْ لي بغالٍ في الرثاءِ مُنَظَّمِ؟

أرحتَ بالكَ من دنيا بلا خُلقٍ
أليس في الموتِ أقصى راحةِ البال؟

شوقي يرثي والدته:

إلى الله أشكو من عوادي النّوى سهماً
أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمى
من الهاتكات القلبَ أوّلَ وهلةٍ
وما دخلتْ لحماً،ولا لامست عظما
تواردَ والناعي،فأوجستُ رنّةً
كلاماً على سمعي،وفي كبدي كَلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوى
فيا ويحَ جنبي كم يسلُ؟ وكم يدمى؟

قبرَ الزير تحيةً وسلاما
الحلمُ والمعروفُ فيكَ أقاما
ومحاسنُ الأخلاقِ فيك تغيّبتْ
عاماً،وسوف تغيّب الأعواما

شوقي في رثاء عبد العزيز جاويش:

أصابَ المُجاهدُ عُقبى الشهيد
وألقى عصاهُ المضافُ الشّريد
وأمسى جماداً عدوُّ الجمودِ
وباتَ على القيدِ خصمُ القيودِ
فيا لكَ قبراً أكنَّ الكنوزَ
وساجَ الحقوقَ،وحاطَ العهود
لقد غيّبوا فيك أمضى السيوفِ
فهل أنت يا قبرُ أوفى الغمود؟

وبعضُ المنايا تُنزلُ الشّهدَ في الثرى
ويحططنَ في التُربِ الجبالَ الرواسيا
عزاءً جميلاً إمامَ الحِمى
وهَوِّنْ جليلَ الرزايا يَهُنْ
وأنتَ المُعانُ بإيمانهِ
وظنُّكَ في الله ظنٌّ حسْ
ولكن متى رقَّ قلبُ القضاء؟
ومن أينَ للموتِ عقلٌ يَزن؟

عجيبٌ رداكَ،وأعجبُ منهُ
حياتُكَ في طولها والقِصر
فما قبلها سمعَ العالمون
ولا علموا مُصحفاً يُختصر
دفنّا التجاربَ في حفرةٍ
إليها انتهى بك طول السفر
جاذبتني جنبي عشيّةَ نعيهِ
وخفقت خفقةَ مُوجعٍ أوّاه
ولو أنّ قلباً ذابَ إثر حبيبهِ
لهوى بك الركنُ الضعيف الواهي
فعليكَ من حُسنِ المروءةِ ’مرٌ
وعليكَ من حُسنِ التجلّدِ ناه

ولقد يُداوونَ الجراحَ ببِرِّهم
ويقاتلونَ البؤسَ والإملاقا
قُمْ ترَ الدنيا كما غادرتها
منزلَ الغدرِ وماءَ الخادعين
وترَ الحقَّ عزيزاً في القنا
هَيّناً في العُزْل المستضعفين
وترَ الأمرَ يداً فوقَ يدٍ
وترَ الناسَ ذئاباً وضئين
وترَ العزَّ لسيفٍ نَزِقٍ
في بناءِ الملكِ،أو رأيٍ رزين
سُنَنٌ كانت،ونَظمٌ لم يزل
وفسادٌ فوق باعِ المصلحين

البِرُّ من شُعبِ الإيمانِ أفضلهُا
لا يقبل الله دونَ البرِّ إيمانا
فمن يغترُّ بالدنيا فإنّيلبستُ فيها فأبليتُ الثيابا
جنيتُ بروضها ورداً وشوكاًوذقتُ بكأسها شهداً وصابا

يا طالباً لمعالي الملك مجتهداً
خُذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلمِ والمالِ يبني الناسُ مُلكهمُ
لم يُبنَ ملكٌ على جهلٍ وإقلالِ
إنّما يَقدُرُ الكرامَ كريمٌ
ويُقيمُ الرجالُ وزن الرجال
وإذا عَظّمَ البلادَ بَنوها
أنزلتهم منازلَ الإجلالِ

إذا الأحلامُ في قومٍ تولّتْ
أتى الكبراءُ أفعالَ الطّغامِ
ولم يتكلف قومكَ الأسد أهبةً
ولكن خلقاً في السباعِ التأهبِ
كذا الناس:بالأخلاق يبقى صلاحهم
ويذهبُ عنهم أمرهم حين يذهب

خلقَ الناسُ للقويِّ المزايا
وتجنّوا على الضعيفِ الذنوبا
وقد يموتُ كثيرٌ لا تُحِسُّهم
كأنّهم من هوانِ الخطبِ ما وُجدوا

ولا المصائب إذ يرمى الرجال بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصبِ
ما أصعبَ الفضلَ لمن رامهُ
وأسهل القول على من أراد

والجهلُ موت فإن أوتيتَ معجزة
فابعث الجهل أو فابعث من الرجم
أنا من بدَّلَ بالكُتبِ الصِّحابا
لم أجدْ لي وافياً إلا الكتابا

كمْ ساهرٍ خائفٍ والدّهرُ في سِنةٍ
وراقدٍ آمنٍ والدّهرُ في سهر
فلا تبيتنَّ مُحتالاً ولا ضَجراً
إنّ التدابيرَ لا تُغني من القدر
اليوم يوم السابقين،فكن فتى
لم يبغِ من قصبِ الرهانِ بديلا
وإذا جريت مع السوابقِ فاقتحمْ
غرراً تسيلُ إلى المدى وحجولا
حتى يراك الجمع أول طالع
ويروا على أعرافك المنديلا

إن ملكتَ النفوسَ فابغِ رِضاها
فلها ثورةٌ،وفيها مَضاءُ
يسكنُ الوحشُ للوثوبِ من الأس
رِ فكيفَ الخلائقُ العقلاءُ
قُلْ للِمُدِل بمالهِ وبجاههِ
وبما يُحِلُّ الناسُ من أنسابهِ
هذا الأديمُ يصدُّ عن حُضَّارهِ
وينامُ ملءَ الجفنِ عن غُيّابهِ
والفردُ يؤَمنُ شرُّهُ في قبرهِ
كالسيفِ نامَ الشرُّ خلفَ قِرابهِ

عظيمُ النّاسِ من يبكي العظاما
ويندبهم ولو كانوا عِظاما
وأكرم من غمام عند مَحْل
فتىً يحيى بمدحته الكراما
المجدُ والشرفُ الرفيعُ صحيفةٌ
جُعِلتْ لها الأخلاقُ كالعنوانِ

وإذا أرادَ الله أمراً لم تجدْ
لقضائهِ ردّاً ولا تحويلا
ورُبَّ مُعاتب كالعيش يشكي
وملءُ النفسِ منه هوى وعتبى

إن ملكتَ النفوسَ فابغِ رضاها
فلها ثورةٌ وفيها مَضاءُ
يسكنُ الوحشُ للوثوبِ من الأس
رِ فكيفَ الخلائقُ العقلاء
وكلُّ بُنيانُ قومٍ لا يقومُ على
دعائم العصرِ من ركنيهِ منصدِعُ
شريفُ مكة حرٌّ في ممالكهِ
فهل ترى القومُ بالحريّةِ انتفعوا
كم في الحياةِ من الصحراءِ من شَبَهٍ
كلتاهما في مفاجأة الغنى شَرَعُ

ينالُ باللين الفتى بعض ما
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
في الصبر للدّهرِ وفي عتبهْ
وفي احتشامِ الأُسدِ دون القذى
إذا هي اضطرت إلى شربهْ
الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ
يشقى له الرّحماءُ وهو الهاني
ومُنَعّمٌ لم يلقَ إلا لذّةً
في طَيّها شَجنٌ من الأشجانِ
فاصبِرْ على نُعمى الحياةِ وبؤسها
نُعمى الحياةِ وبؤُسها سِيّانِ

قد تقومُ النفوسُ في الضّيم حتى
لترى الضّيمَ أنها لا تُضام
فَصفحاً للزمانِ لِصُبح يومٍ
بهِ أضحى الزمانُ إليَّ ثابا
وحيّا الله فتياناً سِماحاً
كَسوا عطفي من فخرٍ ثيابا

لو كانَ يفدى هالكٌ لفداكم
في الجو نسرٌ بالحياةِ بخيل
فيا لكَ ضيغماً سهر الليالي
وناضلَ دون غايتهِ ولاحى
ولا حطمتْ لك الأيامُ ناباً
ولا غضَت لك الدنيا صياحا

فما بالها نكرتها الأمورُ
وطول المدى ،وانتقال الجدود؟
لقد نسيَ القوم أمس القريب
فهل لأحاديثه من معيد؟
ومن كانَ يعزو بالتعلاتِ فقره
فإني وجدتُ الكدَّ اقتلَ للفقرِ
ومن يستعن في أمره غير نفسه
يخنهُ الرفيقُ العون في المسلك الوعر
ومن لم يقم ستراً على عيبِ غيره
يعشْ مستباحَ العرضِ،منهتكَ السترِ
ومن لم يُجمّل بالتواضعِ فضله
بين فضلهُ عنهُ،ويَعطلْ من الفخرِ

ولولا البِلى في زوايا القبور
لما ظهرتْ جدّةٌ للمهودِ
ومن طلبَ الخُلقَ من كنزه
فإنَّ العقيدةَ كنزٌ عتيد
تعلمَ بالصبرِ أو بالثبات
جليدُ الرجال وغيرُ الجليد
هذا زمانٌ لا توسط عنده
يبغي المغامرُ عالياً وجليلاً
كن سابقاً فيه أو ابقَ بمعزلٍ
ليسَ التوسطُ للنبوغِ سبيلا

شرفاً محمدُ،هكذا تُبنى العلا
:
بالصّبرِ آونةً وبالإقدام
هِممُ الرجالِ غذا مضتْ لم يُثنها
خدعُ الثناءِ ولا عوادي الذّام
وتمام فضلك أن يعيبُك حسدٌ
يجدون نقصاً عند كلِّ تمام
البلبل الغرد الذي هزَّ الربى
وشجى الغصون،وحرّكَ الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
فسقى بعذب نسيبه العشاقا
في القيد ممتنع الخُطى وخيالهُ
يطوي البلاد وينشر الآفاقا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق فكيف إذا استرد الساقا؟
لو يطعم الطبّ الصناع بيانه
أو لم يسيغ لما يقول مذاقا
غالي بقيمته فلم يصنع له
إلا الجناح محلقاً خفاقا

إذا الفتنة اضطرمت في البلاد
ورُمت النجاة فكُن إمعة
لم تبقَ منا ـ يافؤاد ـ بقيّةٌ
لِفتوةٍ أو فَضلةٌ لِعراكِ

قد فتح الله أبواباً لعلّ لنا
وراءها فسح الآمال والرحبا
لا تعدم الهِمّة الكبرى جوائزها
سِيّانِ من غلب الأيام أو غُلبا
وكل سعي سيجزي الله ساعيه
هيهاتَ يذهبُ سعي المحسنين هبا

أحمد شوقي في رثاء مصطفى كامل:

المشرقانِ عليكَ ينتحبانِ
قاصيهما في مأتمٍ والداني
يا خادمَ الإسلامِ أجرُ مجاهدٍ
في الله،من خلد ومن رضوان
الله يشهدُ أن موتكَ بالحِجا
والجد،والإقدام والعرفان
إن كانَ للأخلاقِ ركن قائم
في هذه الدنيا،فأنتَ الباني
بالله فتش عن فؤادك في الثرى
هل فيهٍِ آمال وفيه أماني؟
وجدانكَ الحيّ المُقيم على المدى
ولّرُبّ حيّ ميت الوجدان
الناسُ ب جارٍ في الحياةِ لغايةٍ
ومضللٌ يجري بغير عنانِ

من شوه الدنيا إليك فلم تجد
في الملك غير مُعذبين جياع
يا أخي ـ والذخرُ في الدنيا أخٌ ـ
حاضرُ الخيرِ على الخيرِ أعانا
لك عند ابنيَ ـ أو عندي ـ يدٌ
لستُ آلوها ادكاراً وصيانا
حَسُنتْ مني ومنهُ موقعاً هل ترى أنت؟فإني لم أجد
فجعلنا حرزها الشكر الحُسانا كجميل الصنعِ بالشكر اقترانا
وإذا الدنيا خلتْ من خيرٍ
وخلت من شاكر هانت هوانا

رَبِّ إن شئتَ فالفضاءُ مضيقٌ
وإذا شئتَ فالمضيقُ فضاءُ
أنتَ أُنسٌ لنا إذا بَعُدَ الإنسُ
وأنتَ الحياةُ والإحياءُ
فاعذرْ الحاسدينَ فيها إذا لا
موا فصعبٌ على الحسودِ الثناءُ
إذا لم يكن للمرءِ عن عيشة غنى
فلا بدَّ من يُسر ولا بُدَّ من عُسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلو في المُرِّ
ومن كان يغزو بالتعلات فقره
فإني وجدت الكدَّ أقتل للفقر
ومن يستعن في أمره غير نفسهِ
يخنه الرفيق العون في المسلك الوعرِ

ما ضَرّني أن ليس أفقُكَ مطلعي
وعلى كواكبهِ تعلمتُ السُّرى
شرُّ الحكومةِ أن يُساسَ بواحدٍ
في المُلكِ أقوامٌ عِدادُ رمالِ
لا تسمعوا للِمرجفينَ وجهلهم
فمصيبةُ الإسلامِ من جُهّاله
والمرءُ ليسَ بصادقٍ في قولهِ
حتى يؤيد قوله بفعالهِ
والشعبُ إن رامَ الحياةَ كبيرةً
خاضَ الغمارَ دماً إلى آمالهِ

يرون رأياً وأرى خِلافه
الكأس لا تقوم السلافة
وكونوا حائطاً لا صدعَ فيه
وصفّاً لا يُرَّقعُ بالكُسالى

رفعوا على السيفِ البناء فلم يدم
ما للبناءِ على السيوف دوامُ
خلطوا صليبكَ والخناجرَ والمُدى
كلُّ أداةٌ للأذى وحِمام

قد تفسد المرعى على أخواتها
شاة تندُّ من القطيعِ وتمرقُ
لا الصعبُ عندهم بالصعبِ مركبهُ
ولا المُحال بمستعصٍ على الطلبِ
ولا المصائبُ إذ يُرمى الرجالُ بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصَبِ

إنّ الحياةَ نهارٌ أو سحابتَهُ

فَعِشْ نهاركَ من دنياكَ إنسانا
أرى الكريمَ بوجدانٍ وعاطفةٍ
ولا أرى لبخيلِ القومِ وجدانا
والناسُ مَبكيٌّ وباكٍ إثرهُ
وبكا الشعوبِ إذا النوابغُ طاحوا
لما بلغنا بالأحبّةِ والمنى
بابَ السرورِ تغيّبَ المفتاحُ

إنّما الهِمّةُ البعيدةُ غَرْسٌ
مُتانّى الجَنى،بطيء الكمائم
رُبّما غابَ عن يدٍ غرستهُ
وحوتهُ على المدى يدُ قادم

المنايا نوازلُ الشّعرِ الأبيضِ
جاراتُ كلِّ أسودَ فاحمِ
ما الليالي إلا قصارٌ،ولا الدّنيا
سوى ما رأيتَ أحلام نائمِ
انحسارُ الشِّفاهِ عن سنِّ جَذلا
نَ وراء الكرى إلى سنِّ نادمِ
سنةٌ أفرَحتْ،وأخرى أساءتْ
لم يَدُمْ في النعيمِ والكربِ حالمِ
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ زَجَرْتُ تصاريفَ الزمان،فما يقعْ
ولا المتُ إلا الرُّوحُ فارقتِ الجسما لي اليومَ منها كان بالأمسِ لي وهما
شربتُ الأسى مصروفةً لو تعرضتْ
بأنفاسها بالفمِّ لم يستفِقْ غمّا
فأترِعْ وناوِلْ يا زمانُ،فإنّما
نديمُكَ(سُقراطُ) الذي ابتدعَ السُّما
قتلتُكَ،حتى ما أبالي،أدرتَ لي وكنتُ على نهج من الرأي واضحٍ
بكأسكَ نجماً،أم أدرتَ بها رجما؟ أرى الناسَ صنفين:الذئابَ أو البهما
وما الحكمُ إلا أولى البأسِ دولةً
ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحُكما

وكُنْ في الطريقِ عفيفَ الخُطا
شريفَ السَّماعِ،كريمَ النظرْ
يزيدُ الشّيبُ نفسكَ من حياةٍ وتملؤكَ السِّنونَ قوىً وعزماً
إذا نقصتْ مع الشّيبِ الحياة إذا قيل:السّنون مثبطات
إذا الثقةُ اضمحلّت بين قومٍ
تمزّقتْ الروابطُ والصّلاتُ
فَثِقْ،فعسى الذين ارتبت فيهم
على الأيام إخوانٌ ثقاتُ
ورُبَّ مُحَبّبٍ لا صبرَ عنه
بدتْ لكَ في محبّتهِ بَداةُ
ومكروهٍ على أخذاتِ ظنٍّ
تُحَبّبهُ إليك التجرباتُ

ولا تَخْلُ من عملٍ فوقه
تعشْ غيرَ عبدٍ،ولا مُحتقرْ
وكن رجلاً إن أتوا بعده
يقولون
:
مرَّ وهذا الاثرْ
يا شباباً حنفاءً ضَمّهم
منزلٌ ليسَ بمذمومِ النزيلْ
يَصرِفُ الشّبان عن وِردِ القذى
ويُنحيهمْ عن المرعى الوبيلْ
اذهبوا فيه وجيئوا إخوةً
بعضكم خِدْنٌ لبعضٍ وخليلْ
لا يَضُرِّنكموا قلّتهِ
كلُّ مولودٍ وإن جلَّ ضئيلْ
أرجفتْ في أمركم طائفةٌ
تُبَّعُ الظنِّ عن الإنصافِ مِيلْ


اجعلوا الصبرَ لهم حيلتكم
قَلَّتِ الحيلةُ في قالَ وقيل
أيريدونَ بكم أن تجمعوا
رِقّةَ الدينِ إلى الخُلقِ الهزيلْ؟
لا تكونوا السَّيلَ جَهماً خشناً
كُلّما عَبَّ،وكونوا السلسبيلْ
أيها الأجوادُ لا نجزيكمو
لذّةُ الخيرِ من الخيرِ بديلْ

قضاءٌ،ومقدارٌ،وآجالُ أنفُسٍ
إذا هي حانت لم تؤخرْ ثوانيا
نبيدُ كما بادتْ قبائلُ قبلنا
ويبقى الأنامُ اثنين
:
ميتاً،وناعياً
أقدِمْ،فليسَ على الإقدامِ مُمتنع للناسِ في كلِ يومٍ من عجائبه
واصنع به المجدَ،فهو البارعُ الصَّنعُ ما لم يكن لإمرىءٍ في خاطر يقعُ
هل تنهضون عساكم وتلحقون به؟
فليس يلحق أهل السيرِ مُضطجعُ
لا يُعجبّنكمُ ساعٍ بتفرقةٍ
إنَّ المقصّ خفيفٌ حين يقتطعُ
وأجملوا الصبرَ في جدٍّ وفي عمل
فالصبرُ ينفعُ ما لا ينفعُ الجزعُ
وما الحياةُ إذا أظمت،وإن خدعتْ
إلا سرابٌ على صحراء يلتمعُ



شوقي في رثاء سعد زغلول:

شيّعوا الشمس ومالوا بضحاها
وانحنى الشّرقُ عليها فبكاها
ليتني في الركب لما أفلت
جلّلَ الصبحَ سواداً يومُها
انظروا تلقوا عليها شفقاً
وتروا بين يديها عبرةً
آذن الحقُّ ضحاياها بها
يوشعٌ ،همَّت، فنادى، فثناها
فكأنَّ الأرض لم تخلع دُجاها
من جراحاتِ الضحايا ودماها
من شهيدٍ يقطرُ الورد شذاها
ويحه
!!
حتى إلى الموتى نعاها
كفّنوها حُرّة عُلوية
ً
كستِ الموتَ جلالاً، وكساها
ليسَ في أكفانها إلا الهدى
لحمة الأكفانِ حقٌّ وسداها
خطر النعشُ على الأرض بها
يحسرُ الأبصار في النعش سناها
جاءها الحقّ، ومن عادتها
تؤثر الحقّ سبيلاً واتجاها
ما درتْ مصر
:
بدفن صُبِحت؟
أم على البعثِ أفاقت من كراها؟
صرخت تحسبها بنت الشّرى
وكأن الناس لما نَسلوا
طلبت من مِخلب الموتِ أباها
شُعبُ السيلِ طغتْ في ملتقاها
وضعوا الراح على النعش كما
خفضوا في يوم سعد هامهم
يلمسون الركن، فارتدّت نزاها
وبسعدٍ رفعوا أمس الجباها
سائلوا زحلة عن أعراسها
هل مشى الناعي عليها فمحاها؟
عطّلَ المصطاف من سمّارهِ
وجلا عن ضفة الوادي دماها
فتحَ الأبوابَ ليلاً ديرها
وإلى الناقوسِ قامت بيعتاها
صدعَ البرقُ الدُّجى،تنشرهُ
أرضُ سوريا،وتطويه سماها
يحملُ الأنباء تسري موهناً
كعوادي الثكل في حرِّ سراها
عرضَ الشكُّ لها فاضطربت
تطأُ الآذان همساً والشفاها
قلتُ:يا قوم اجمعوا أحلامكم
كلُّ نفسٍ في وريديها رداها

يا عدوَّ القيد لم يلمح له
شبحاً في خطةٍ إلا أباها
لا يضق ذرعك بالقيد الذي
حزَّ في سوق الأوالي وبراها
وقع الرسلُ عليه،والتوت
أرجلُ الأحرار فيه فعفاها
يا رُفاتاً مثلَ ريحانِ الضحى
كلّلت عدنٌ بها هامَ رباها
وبقايا هيكل من كرمٍ
وحياة أترعَ الأرض حياها
ودّعَ العدلُ بها أعلامه
وبكت أنظمة الشورى صواها
حضنتْ نعشك،والتفّتْ به
راية كنت من الذلّ فداها
ضمّتْ الصدرَ الذي قد ضمّه
وتلقّى الهمَّ عنها فوقاها
عجبي منها ومن قائدها
!
كيفَ يحمي الأعزلُ الشيخُ حِماها؟
مِنبرُ الوادي ذوتْ أعوادُهُ
من أواسيها وجفّتْ من ذُراها
من رمى الفارس عن صهوتها
ودعا الفصحى بما ألجمَ فاها؟
قدرٌ بالمدن ألوى والقرى
ودها الأجبالَ منه ما دهاها
غال بسطورا وأردى عصبةً
لمست جرثومة الموت يداها
طافت الكأسُ بساقي أمّةٍ
من رحيقِ الوطنيات سقاها
عطلتْ آذانها من وترٍ
ساحرٍ رنَّ مليّاً فشجاها
أرغنٌ هامَ به وجدانها
وأذانٌ عشقتهُ أذناها
كلَّ يومٍ خطبةٌ روحيةٌ
كالمزامير وأنغامٍ لغاها
دلّهت مصراً ولو أنَّ بها
فلواتٍ دلّهت وحش فلاها
ذائدُ الحقِّ وحامي حوضه
أنفذتْ فيهِ المقاديرُ مُناها
أخذتْ سعداً من البيتِ يدٌ
تأخذُ الآسادَ من أصل شراها
لو أصابت غيرَ ذي روحٍ لما
سلمت منها الثريا وسهاها
تتحدى الطبَّ في قفازها
علّة الدهرِ التي أعيا دواها
من وراءِ الإذن نالت ضيغماً
لم ينل أقرانه إلا وجاها
لم تصارح أصرحَ الناس يداً
ولساناً،ورُقاداً،وانتباها
هذه الأعوادُ من آدمَ لم
يهدَ خفّاها،ولم يعز مطاها
نقلت خوفو ومالت بِمنا
لم يفت حياً نصيبٌ من خطاها
تخلِطُ العمرين:شيباً،وصِباً
والحياتين:شقاءً،ورفاها
زورقٌ في الدمعِ يطفو أبداً
عزفَ الضّفةَ إلا ما تلاها
تهلع الثكلى على آثاره
فإذا خفّ بها يوماً شفاها
تسكبُ الدمعَ على سعدٍ دما
أمةٌ من صخرةِ الحقِّ بناها
من ليانٍ هو في ينبوعها
وإباءٍ هو في صمِّ صفاها
لُقِّنَ الحق عليه كهلها
واستقى الإيمانَ بالحقِّ فتاها
بذلت مالاً،وأمناً،ودما
وعلى قائدها ألقتْ رجاها
حمّلتهُ ذمّةً أوفى بها
وابتلتهُ بحقوقٍ فقضاها
ابن سبعينَ تلقّى دونها
غربةَ الأسرِ،ووعثاءَ نواها
سفرٌ من عدن الأرض،إلى
منزلٍ أقربُ منه قُطباها
قاهرٌ ألقى به في صخرةٍ
دفعَ النسرَ إليها فأواها
كرهتْ منزلها في تاجه
ذرة في البحرِ والبر نفاها
اسألوها،واسألوا شانئها
لِمَ لمْ ينفِ من الدّرِّ سواها؟
ولدَ الثورة سعدٌ حرّةً
بحياتي ماجد حرٍّ نماها
ما تمنّى غيرها نسلاً،ومنْ
يلدِ الزهراءَ يزهد في سواها
سالت الغابةُ من أشبالها
بين عينيه وماجت بلباها
بارك الله لها في فرعها
وقضى الخيرَ لمصرٍ في جناها
أو لم يكتب لها دستورها
بالدمِ الحرِّ،ويرفع منتداها؟
قد كتبانها،فكانت صورةً
صدرها حقٌّ وحقٌّ منهاها
رقد الثائرُ إلا ثورةً
في سبيلِ الحقِّ لم تخمد جذاها
قد تولاها صبياً فكوتْ
راحتيه،وفتيّا فرعاها
جالَ فيهما قلماً مستنهضاً
ولساناً كلّما أعيتْ حَداها
ورمى بالنفسِ في بركانها
فتلقّى أولَ الناسِ لظاها
أعلمتم بعد موسى من يدٍ
قذفت في وجهِ فرعونَ عصاها؟

وطئتْ نادبةً صارخةً
شاهَ وجهُ الرِّقِّ ـ يا قوم ـ وشاها
ظفرت بالكبرِ من مستكبرٍ
وسيوفُ الهندِ لم تصحُ ظباها
أينَ من عينيَّ نفسٌ حرّةٌ
كنتُ بالأمسِ بعينيَّ أراها؟
كلما أقبلت هزّت نفسها
وتواصى بشرها بي ونداها
وجرى الماضي،فماذا ادّكرتْ
وادّكارُ النفسِ شىءٌ من وفاها؟
ألمحُ الأيامَ فيها،وأرى
من وراءِ السنِّ تمثالَ صباها

لستُ أدري حينَ تندى نضرةً
علَتِ الشّيبُ،أم الشّيبُ علاها؟
حلّت السبعون في هيكلها
فتداعى وهي موفورٌ بناها
روعةُ النادي إذا جدّتْ، فإن
مزحت لم يذهب المزحُ بهاها
يظفرُ العذرُ بأقصى سُخطها
وينالُ الودُّ غايات رضاها
ولها صبرٌ على حُسّادها
يشبهُ الصفح،وحلمٌ عن عداها
لستُ أنسى صفحةً ضاحكةً
تأخذُ النفسَ وتجري في هواها
وحديثاً كرواياتِ الهوى
جدّ للصبِّ حنينٌ فرواها
وقناةً صعدةً لو وهبت
للسَّماكِ الأعزل اختالَ وتاها

أين مني قلمٌ كنتُ إذا
سمته أن يرثي الشمس رثاها؟
خانني في يوم سعدٍ،وجرى
في المراثي فكبا دون مداها
في نعيم الله نفسٌ أوتيت
أنعمَ الدنيا فلم تنسَ تقاها
لا الحِجى لمّا تناهى غرّها
بالمقادير،ولا العلمُ زهاها
ذهبت أوّابةً مؤمنةً
خالصاً من حيرة الشك هداها
آنست خلقاً ضعيفاً ورأتْ
من وراء العالم الفاني إلها
ما دعاها الحقُّ إلا سارعت
ليته يوموصيفما دعاها

حين ضاق البر والبحر بهم
أسرجو الجو وساموه اللجاما
أملاكُ مصرَ القاهرون على الورى
المنزلون منازلَ الأقمارِ
هتكَ الزمانُ حجابَهم وأزالهم
بعد الصِّيانِ إزالةَ الأسرارِ
هيهاتَ!لم يلمسْ جلالهمو البِلى
إلا بأيدٍ في الرَّغامِ قصارِ
كانوا وطَرْفُ الدهر لا يسمو لهم
ما بالهم عُرضوا على النُّظارِ؟
لو أمهلوا حتى النشورِ بِدُورِهم
قاموا لخالقهم بغيرِ غُبارِ

أبكيكَ إسماعيلَ مصرَ وفي البُكا
بعد التذكرِ راحةُ المستعبرِ
أيها النفس،تجدّين سُدىً
هل رأيت العيشَ إلا لَعبا
جَرّبي الدنيا تَهُنْ عندكِ ،ما
أهونَ الدنيا على من جرّبا

نلتِ فيما نلتِ من مظهرها
ومُنحتِ الخلدَ ذكراً ونبا
وجدتُ الحياة طريقَ الزُّمَرْ
إلى بعثةٍ وشئون أخر
وما باطلاً ينزلُ النازلون
ولا عبثاً يُزمعون السفر
فلا تحتقرْ عالماً أنتَ فيه
ولا تجحدْ الآخرَ المُنتظرْ
وخُذْ لكَ زادين:من سيرةٍ
ومن عملٍ صالحٍ يُدّخرْ
وإذا أتونا بالصفوفِ كثيرة
جئنا بصف واحد لن يكسرا

بالله يا نسماتِ النيل في السّحرِ
هل عندكنَّ عن الأحبابِ من خبر؟
عرفتُكنَّ بِعَرْفٍ لا أُكَتِّفهُ
لا في الغوالي،ولا في النّورِ والزهرِ
من بعض ما مسح الحسنُ الوجوهَ به
بين الجبين،وبينَ الفَرْقِ والشّعرِ
كلُّ حَيٍّ على المنيّة غادي
تتوالى الركابُ والموتُ حادي
ذهبَ الأولون قرناً فَقرناً
لم يَدُمْ حاضرٌ،ولم يبقَ بادي
هل ترى منهمُ وتسمعُ عنهم
غير باقي مآثرٍ وأيادي
هل رَجعتُنَّ في الحياةِ لفهمٍ؟
إن فهمَ الأمورِ نصفُ السّدادِ
سَقَمٌ من سلامةٍ، وعزاءٌ
من هناءِ،وفرقةٌ من ودادِ

سُدِلَ الستارُ،وهل شهدِتَ روايةً
لم يعترضها في الفصولِ ستارُ؟
وجَرتْ فما استولت على الأمد المنى
وعَدتْ فما حوتْ المدى الأوطارُ
سكن الزمانُ،ولانت الأقدارُ أرخى الأعنّةَ للخطوبِ وردّها
ولِكُلِّ أمرٍ غايةٌ وقرارُ فلَكٌ بكلِّ فُجاءة دوّارُ
يجري بأمرٍ أو يدور بضدِّهِ
لا النقصُ يُعجزهُ،ولا الإمرارُ
هل آذنتنا الحادثاتُ بهدنة؟
وهل استجابَ،فسالمَ المقدارُ؟

وقف الزمانُ بكم كموقف

طارق

اليأسُ خلفٌ،والرجاءُ أمامُ
الصبرُ والإقدامُ فيه إذا هما
قُتلا فأقتلُ منهما الإحجامُ
والملكُ يؤخذ،أو يُرَدُّ،ولم يزل
يرثُ الحسامَ على البلادِ حسامُ
تعبتْ بأمتك الخطوبُ فأقصرتْ لبثتْ تنوشهمُ الحوادثُ حقبةً
والدهرُ يُقصر والخطوبُ تنامُ وتصدُّها الأخلاقُ والأحلامُ
ولقد يُداسُ الذئبُ في فلواتهِ أعلمتَ ما أهدى إليكَ عصابةُ
ويهابُ بين قيوده الضرغامُ غرُّ المآثرِ من نبيك كرامُ
نشروا حديثكَ في البرية بعدما
همّتْ بِطيِّ حديثكَ الأيامُ
ما ماتَ من نبل الرجالِ وفضلهم
يحيا لدى التاريخ وهو عظامُ
يمضي ويُنسى العالمون ،وإنّما
تبقى السيوفُ،وتَخلدُ الأقلامُ

يؤلِّفُ إيلامُ الحوادثِ بيننا
ويجمعنا في الله دينٌ ومذهبُ
نما الوُدُّ حتى مَهّدَ السبلَ للهوى
فما في سبيلِ الوصلِ ما يتُصّعبُ
أسأتم وكان السوءُ منكم إليكم
إلى خيرِ جارٍ عندهُ الخيرُ يُطلَبُ
إلى ذي انتقامٍ،لا ينامُ غريمهُ
ولو أنه شخصُ المنام المحجّبُ

إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما
أصابَ سُويداءَ الفؤادِ وما أصمى
من الهاتكاتِ القلبَ أوّلَ وهلةٍ
وما دخلت لحماً ولا لامست عظما
تواردَ والناعي فأوجستُ رنّةً
كلاماً على سمعي وفي كبدي كَلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوى
فيا ويحَ جنبي كم يسيلُ وكم يدمى
طوى الشرقَ نحو الغربِ والماءَ للثرى
إليَّ ولم يركب بساطاً ولا يّما
أبانَ ولم ينبسْ وأدّى ولم يَفُه
وأدمى وما داوى وأوهى وما رمّا
إذا طُويت بالشُهبِ والدُهمِ شَقَّةٌ
طوى الشهبَ أو جابَ الغُدافيَّةَ الدُهما
ولم أرَ كالأحداثِ سهماً إذا جرت
ولا كالليالي رامياً يُبعدُ المرمى
ولم أرَ حُكماً كالمقاديرِ نافِذاً
ولا كلقاءِ الموتِ من بينها حتما
إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى
سبيلٌ يدينُ العالمونَ بها قِدما
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ
ولا الموتُ إلا الروحُ فارقتِ الجسما
ولا خُلدَ حتى تملأَ الدهرَ حكمةً
على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما
زجرتُ تصاريفَ الزمانِ فما يقع
ليَ اليومَ منها كانَ بالأمسِ لي وهما
وقدّرتُ للنعمانِ يوماً وضِدَّهُ
فما اغترّتِ البؤسى ولبا غرَّتِ النعمى
شربتُ الأسى مصروفةً لو تعرّضت
بأنفاسها بالفمِّ لم يستفِق غمّا
فأترع وناوِل يا زمانُ فإنّما
نديمُكَ سُقراطُ الذي ابتدعَ السُمّا
قتلتُكَ حتى ما أُبالي أدرتَ لي
بكأسِكَ نجماً أم أدرتَ بها رَجما
لكِ اللهُ من مطعونةٍ بِقنا النوى
شهيدةَ حربٍ لم تُقارفْ لها إثما
مُدَلَّهةٍ أزكى من النارِ زفرةً
وأنزهِ من دمعِ الحيا عبرةَ سَحما
سقاها بشيري وهي تبكي صبابةً
فلم يقوَ مغناها على صوبهِ رسما
أسَتْ جُرحها الأنباءُ غيرَ رفيقةٍ
وكم نازعٍ سهماً فكانَ هوَ السهما
تغارُ الحُمّى الفضائلُ والعلا
لِما قبّلت منها وما ضَمّتِ الحُمى
أكانتْ تمنّاها وتهوى لقاءها
إذا هي سمّها بذي الأرضِ من سمّى
ألمّت عليها واتّقت ثمراتها
فلما وُقوا الأسواءَ لم ترها ذَمّا
فيا حسرتا ألا تراهم أهلّةً
إذا أقصرَ البدرُ التمامُ مضوا قُدما
وألا يطوفوا خُشعاً حولَ نعشها
ولا يُشبعوا الرُكنَ استلاماً ولا لثما

حلفتُ بما أسلفتِ في المهدِ من يدٍ
وأوليتِ جُثماني من المِنّة العظمى
وقبرٍ منوطٍ بالجلالِ مُقلّدٍ
تليدَ الخِلالِ الكُثرَ والطارفِ الجمّا
وبالغادياتِ الساقياتِ نزيلَهُ
من الصلواتِ الخمس والآي والأسما
لما كانَ لي في الحربِ رأيٌ ولا هوىً
ولا رُمتُ هذا الثُكلَ للناسِ واليُتما
ولم يكُ ظلمُ الطيرِ بالرِقِّ لي رِضاً
فكيفَ رِضائي أن يرى البَشرُ الظلما
ولم آلُ شبانَ البريّةِ رِقّةً
كأنَّ ثمارَ القلبِ من ولدي ثمّا
وكنتُ على نهجٍ من الرأي واضحٍ
أرى الناسَ صنفينِ الذئابَ أو البَهما
وما الحكمُ إلا أولي البأسِ دولةً
ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحُكما
نزلتُ رُبى الدنيا وجنّاتِ عدنِها
فما وجدت نفسي لأنهارِها طَعما
أَريحُ أريجَ المسكِ في عرصاتها
وإن لم أُرِحْ مروانَ فيها ولا لَخما
إذا ضحكت زهواً إليَّ سماوها
بكيتُ الندى في الأرضِ والبأسَ والحزما
أُطيفُ برسمٍ أو أُلِمُّ بِدمنةٍ
أخالُ القصورَ الزُهرَ والغُرفَ الشُمّا
فما برحت من خاطري مصرُ ساعةً
ولا أنتِ في ذى الدارِ زايلتِ لي همّا
إذا جَنّني الليلُ اهتززتُ إليكما
فجنحا إلى سُعدى وجنحا إلى سلمى
فلما بدا للناسِ صبحٌ من المنى
وأبصرَ فيه ذو البصيرةِ والأعمى
وقرّت سيوفُ الهندِ وارتكز القنا
وأقلعتِ البلوى وأقشعتِ الغُمّى
وحنّت نواقيسٌ ورنّت مآذنٌ
ورفّتْ وجوهُ الأرضِ تستقبلُ السُلمى
أتى الدهرُ من دونِ الهناءِ ولم يزلْ
وَلوعاً ببنيانِ الرجاءِ إذا تمّا
إذا جالَ في الأعياد حلَّ نظامها
أو العُرسِ أبلى في معالمهِ هدما
لئن فاتَ ما أمّلتهِ من مواكبٍ
فدونكِ هذا الحشدَ والموكبَ الضخما
رَئيتُ بهِ ذات لبتقى ونظمتُهُ
لعنصرهِ الأزكى وجوهرهِ الأسمى
نمتكِ مناجيبُ العلا ونَميتِها
فلم تُلحقي بنتاً ولم تُسبقي أمّا
وكنتِ إذا هذي السماءُ تخايلت
تواضعتِ ولكن بعد ما فُتها نجما
أتيتِ بهِ لم يَنظمِ الشعرَ مثلَهُ
وجئتِ لأخلاق الكرامِ بهِ نظما
ولو نهضت عنهُ السماءُ ومخّضت
به الأرضُ كانَ المُزنَ والتِبرَ والكرما
فما زلتُ بالأهوالِ حتى اقتحمتها
وقد تُركبُ الحاجاتُ ما ليسَ يُرْكَبُ
رؤى إن تكنْ حقاً يكنْ من ورائها
ملائكةُ الله الذي ليس يُغلَبُ

من كان منسوباً إلى دولةِ القنا
فليسَ إلى شيءٍ سوى العزِّ يُنسَبُ
كُنَّ الرجاءَ،وكُنَّ اليأسَ ثم محا
نورُ اليقينِ ظلامَ الشكِّ والريبِ
كَربٌ تغشاهم من رأي ساستهم
وأشأمُ الرأي ما ألقاكَ في الكُرَبِ

جَدَثٌ حوى ما ضاقَ غُمدانٌ بهِ
من هالةِ المُلكِ الجسيمِ وغابه
بنيانُ عمران وصرحُ حضارة
في القبر يلتقيان في أطنابه
إذا خانَ عبدُ السوءِ مولاهُ معْتقاً
فما يفعلُ المولى الكريمُ المهذّبُ

وكيفَ تلقى نجاحاً أُمّةٌ ذهبتْ
حزبينِ ضدينِ عند الحادثِ الحزبِ
لا خيرَ في منبر حتى يكون له
عودٌ من السُّمْرِ،أو عودٌ من القُضُبِ
وما السلاحُ لقوم كلُّ عُدّتهم
حتى يكونوا من الأخلاق في أُهُبِ
لو كانَ في النابِ دون الخُلقِ مَنبهةٌ
تساوتْ الأسدُ والذؤبانُ في الرُّتبِ

الصابرينَ إذا حلَّ البلاءُ بهم
كالليثِ عضَّ على نابيهِ في النُوّبِ
لا الصعبُ عندهمُ بالصعبِ مركبهُ
ولا المحالُ بِمستعصٍ على الطلّبِ
ولا المصائبُ إذ يرمى الرجالُ بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصَبِ
وما أثنيتُ إلا بعد علمٍ
وكم من جاهلٍ أثنى فعابا
وليسَ بعامرٍ بُنيانُ قومٍ
إذا أخلاقهُم كانت خرابا
جرى كدراً لهم صفو الليالي
وغايةُ كلِّ صفو أن يُشابا

ينال باللين الفتى بعضَ ما
يعجزُ بالشدّة عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
في الصبر للدهر،وفي عتبه
وفي احتشامِ الأُسدِ دون القذى
إذا هي اضطرت إلى شُربه
واليأسُ لا يجملُ من مؤمن
ما دام هذا الغيبُ في حُجبه
في الأمر ما فيه من جِد،فلا تقفوا
من واقع جزعاً،أو طائر طربا
لا تثبتُ العينُ شيئاً، أو تحققه
إذا تحيّر فيها الدمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلمُ في عينيك ناصعُهُ
إذا سدلتَ عليكَ الشكّ والريبا
إذا طلبتَ عظيماً فاصبرنَّ له
إو فاحشدنَّ رماحَ الخطِّ والقُضُبا

ولا تعدَّ صغيراتِ الأمورِ له
إنَّ الصغائرَ ليست للِعلا أُهبا
ولن ترى صُحبةً تُرضى عواقبها
كالحقِّ والصبر في أمر إذا اصطحبا
إنَّ الرجالَ إذا ما أُلجئوا لجئوا
إلى التعاون فيما جَلَّ أو حَزبا
لا ريبَ أن خُطا الآمالِ واسعةٌ
وأنَ ليلَ سُراها صُبحه اقتربا

قد فتح اللهُ أبواباً،لعل لنا
وراءَها فُسحَ الآمالِ والرحبا
لولا يدُ الله لم ندفع مناكبها
ولم نعالج على مصراعيها الأربا
لا تعدمُ الهمّةُ الكبرى جوائزها
سِيّانِ من غلبَ الأيام أو غلبا
أيُّها الساكنُ في ظلِّ المنى يَذرُ المرءُ ويأتي ما اشتهى
نَمْ طويلاً،قد توسّدتَ الزّهر وقضاءُ الله يأتي ويَذرْ
كلُّ محمولٍ على النعشِ أخٌ إن تكن سِلْماً له لم ينتفع
لك صافٍ ودُّهُ بعد الكدرْ أو تكنْ حرباً فقد فاتَ الضرر
وإذا الموتُ إلى النفسِ مشى
وركبتَ النجمَ بالموتِ عثر
رُبَّ ثاوٍ في الظُبى مُمتنعٍ
سلّهُ المقدارُ من جفنِ الحَذر

وبعضُ المنايا تنزلُ الشّهدَ في الثرى
ويخططن في التُربِ الجبالَ الرواسيا

أحمد شوقي في رثاء مصطفى كامل:

والخلقُ حولك خاشعون كعهدهم يتساءلون بأيِّ قلب ترتُقى
إذ يُنصتون لخطبة وبيانِ بعدُ المنابرِ أم بأيِّ لسانِ
لو أنّ أوطاناً تُصوّرُ هيكلاً
دفنوكَ بين جوانحِ الأوطانِ
أو كان يُحملُ في الجوارحِ ميّتٌ
حملوكَ في الأسماعِ والأجفانِ
أو صيغ من غُرِّ الفضائل والعلا
كفنٌ لبستَ أحاسنَ الأكفانِ
عُوفيتَ من حَرَبِ الحياةِ وحِربها
فهل استرحت أم استراح الشاني
يا صَبَّ مصرَ ويا شهيدَ غرامها
هذا ثرى مصرٍ فنمْ بأمانِ
إخلعْ على مصرٍ شبابكَ عالياً
والبسْ شباب الحور والولدان
أقسمت أنك في الترابِ طهارةٌ
مَلكٌ يهابُ سؤالهُ الملكانِ

وإذا فاتكَ التفات إلى الما
ضي فقد غابَ عنكَ وجهُ التأسي
فريدُ!ضحايانا كثيرٌ وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريد
فما خلف ما كابدتَ في الحقِّ غايةٌ
ولا فوقَ ما قاسيتَ فيه مزيد
تغرّبتَ عشراً أنتَ فيهنَّ بائس
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريد
تجوعُ ببلدانٍ وتعرى بغيرها
وترزح تحت الداءِ وهو عتيد
ألا في سبيلِ الله والحقِّ طارفٌ
من المالِ لم تبخل به وتليد
وجودُكَ بعد المالِ بالنفسِ صابراً
إذا جزعَ المحضور وهو يجودُ
فلا زلتَ تمثالاً من الحقِّ خالصاً
على سرِّهِ نبني العلا ونُشيد
يعلم نشءُ الحيِّ كيفَ هوى الحِمى
وكيفَ يُحامي دونهُ ويذودُ

يا فؤادي،لِكُلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعد لَبسِ
رُبَّ بانٍ لهادمٍ ،وجَموعٍ
لِمشتٍ،ومُحسن لِمُخسِ
إمرةُ الناس هِمّةٌ،لا تأنى
لجبانٍ،ولا تسنى لِجبسِ
رُبَّ حُرٍّ صنعتُ فيه ثناءً
عجزَ الناحتونَ عن تمثاله

وكم من شُجاعٍ في العِداةِ مُكرَّمٍ
وكم من جبانٍ في اللِّداتِ مُذَمّمِ
فمنْ سرقَ الخليفةَ وهو حيّ
يَعِفُّ عن المُلوكِ مُكفنينا؟

إن الذي خلقَ الحياةَ وضدَّها
جعل البقاءَ لوجههِ إكراما
ولم أرَ كالأحداثِ سهماً إذا جَرتْ
ولا كالليالي رامياً يُبعدُ المرمى
ولم أرض حُكماً كالمقاديرِ نافذاً
ولا كلقاءِ الموت من بينها صَما
إلى حيثُ آباء الفتى يذهبُ الفتى
سبيلٌ يدينُ العالمون بها قِدما

ورُبَّ حديثِ خيرٍ هاجَ خيراً
وذكرِ شجاعةٍ بعث الشجاعا
ذهبَ الكِرامُ الجامعونَ لأمرهم
وبقيتُ في خَلَفٍ بغيرِ خَلاقِ

لكَ نُصحي وما عليكَ جِدالي
آفةُ النصحِ أن يكون جدالا
آفةُ النصحِ ان يكون جدالا
وأذى النصحِ أن يكون جهارا

كلُّ حَيٍّ ـ وإن تراختْ منايا
هُ ـ قضاءٌ عن الحياةِ انقطاعه
والذي تحرصُ النفوسُ عليه
عالمٌ باطلٌ قليلٌ متاعه
والنفسُ عاكفةٌ على شهواتها
تأوي إلى أحقادها وتثورُ
والعيشُ آمالٌ تجدُّ وتنقضي
والموتُ أصدقُ،والحياةُ غرورُ

قليلَ المساوي في زمانٍ يرى العلا
ذنوباً ونايٍ يخلقون المساويا
عليكم لواءَ العلم،فالفوزُ تحتَهُ
وليسَ إذا الأعلام خانت بِخذّالِ
ولا يصلحُ الفتيانُ لا علمَ عندَهم
ولا يجمعون الأمرَ أنصافَ جُهّالِ
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ
فَمنْ لجليلِ الأمرِ أو مُعضلِ الحالِ؟

من ضاقَ بالدُّنيا فليسَ حكيمها
إنَّ الحكيمَ بها رحيبُ الباعِ
ولَرُبَّ بؤسٍ في الحياةِ مُقِنّعٍ
أربى على بؤسٍ بغير قناعِ
والجهدُ موت في الحياةِ ثِمارَهُ
والجهدُ بعدَ الموتِ غيرُ مُضاعِ
خُلِقنا للحياةِ وللماتِ ومن يولدْ يَعشْ ويَمُتْ كأن لم

ومن هذينِ كلُّ الحادثاتِ يمرُ خيالهُ بالكائناتِ
ومهدُ المرءِ في أيدي الرواقي
كنعشِ المرءِ بين النائحاتِ
وما سَلِمَ الوليدُ من اشتكاء
فهل يخلو المُعمَّرُ من أذاة
هي الدنيا قتالٌ نحن فيه
مقاصِدُ للحسامِ وللقناة

نعيشُ ونمضي في عذابٍ كلذّةٍ
من العيشِ،أو في لذّةٍ كعذابِ
ذهبنا من الأحلام في كُلِّ مذهبٍ
فلما انتهينا فُسِّرتْ بذهابِ
وكلُّ أخي عيشٍ وإن طالَ عيشهُ
ترابٌ لعمرُ الموتِ وابنُ ترابِ
والناسُ صنفان:موتى في حياتِهُمُ
وآخرونَ ببطنِ الأرضِ أحياءُ
تأبى المواهبُ،فالأحياءُ بينهمُ
لا يستوونَ،ولا الأمواتُ أكفاءُ

إن من يحملُ الخطوبَ كباراً
لا يُبالي بحملهنَّ صغارا
لولا نفوسٌ زُلْنَ ي سُبُلِ العلا
لم يَهْدِ فيها السلكينَ دليلُ
والناسُ باذلٌ روحهِ،أو مالهِ
أو علمهِ،والآخرونَ فضولُ
ومن العجائبِ في زمانك أن يفي
لكَ في الحياةِ وفي المماتِ خليلُ

بيتٌ على أرض الهدى وسمائهِ
الحقُّ حائطهُ وأُسُّ بنائهِ
الفتحُ من أعلامه،والطُّهرُ من
أوصافهِ،والقُدْسُ من أسمائهِ
سماؤكِ يا دنيا خِداعُ سرابِ وما أنتِ إلا جيفةٌ طالَ حولها
وأرضُكِ عُمرانٌ وشيكُ خرابِ قيامُ ضِباعٍ،أو قعودُ ذئابِ
وكم ألجأ الجوعُ الأسودَ فأقبلتْ
عليك بظفرٍ لم يقِفْ ونابِ
قعدتِ من الأظعانِ في مقطعِ السُّرى
ومروراً ركاباً في غُبا ركابِ
أقاموا،فلم يؤانسكِ حاضرُ صحبةٍ
وما لوا فلم تستوحش لغيابِ

إنَّ الجواهرَ أسناها وأكرمها
ما يقذِفُ المهدُ،لا ما يقذِفُ الزَّبَدٌ
نقموا عليه رأيَهُ وصَنيعَهُ
والحكمُ للتاريخِ في الأراءِ
والرأيُ إن أخلصتَ فيه سريرةٌ
مثلُ العقيدةِ فوقَ كلِّ مِراءِ
وإذا الرجالُ على الأمورِ تعاقبوا
كشفَ الزمانُ مواقفَ النظراءِ

والشعرُ دمعٌ،ووجدانٌ،وعاطفةٌ
يا ليتَ شعري هل قلتُ الذي أجِدُ
ذي هِمّة دونها في شأوها الهِممُ
لم تتخذلاولم تكذب لهانعمُ
بلغتني أملاً ما كنتُ بالغَهُ
لولا وفاؤكَ ت يا مظلومُ ـ والكرمُ
وِدادُكَ العزُّ والنعمى لخاطبهِ
وودُّ غيركَ ضحكُ السِّنِّ والكَلمُ
تُجِلُّ في قلم الأوطانِ حاملهُ
فكيفَ يصبرُ عن إجلالكَ القلمُ؟

قَدّمتُ بين يديَّ نفساً أذنبتْ
وأتيتُ بينَ الخوفِ والإقرارِ
وجعلتُ أسترُ عن سواك ذنوبها
حتى عَييتُ ،فمن لي بستارِ
لا تجعلي حُبَّ القديمِ وذكرَهُ
حسراتٍ مضياعٍ،ودفعَ مُبدّدِ
إنَّ القديمَ ذخيرةٌ من صالحٍ
تبنى المُقَصِّرَ،أو تحثُّ المقتدي

وما علمتُ رفيقاً غير مؤتمنٍ
كالموتِ للمرءِ في حِلٍّ وترحالِ
إذا لم يكن للمرءِ عن عيشةٍ غنىً ومن يَخبر الدنيا ويشرب بكأسها
فلا بُدَّ من يُسر،ولا بدّ من عُسرِ يجد مُرّها في الحلو والحلوَ في المُرِّ
ومن كان يغزو بالتَّعلاتِ فقره ومن يستعن في أمرهِ غيرَ نفسهِ
فإني وجدتُ الكَدَّ أقتلَ للفقرِ يَخنهُ الرفيقُ العون في المسلكِ الوعرِ
ومن لم يُقم ستراً على عيبِ غيره
يعش مُستباح العِرضِ مُنهتكَ السّترِ
ومن لم يُجَمِّل بالتواضع فضله
يَبِنْ فضلهُ عنهُ ،ويَعطل من الفخرِ

لعلّكَ تُخفي الوجدَ،أو تكتمُ الجوى
فقد تُمسِكُ العينانِ والقلبُ يدمعُ
إذا كانَ في الآجالِ طولٌ وفسحةٌ
فما البينُ إلا حادثٌ مُتَوّقعُ
وما الأهلُ والأحبابُ إلا لالىء
تفرقها الأيام،والسِّمطُ يجمعُ
لقيتِ عليماً بالغواني،وإنّما
هو القلبُ،كالإنسانِ يُغرى ويُخدعُ
وأعلمُ أن الغدرَ في الناسِ شائعٌ
وأن خليلَ الغانياتِ مُضيّعُ
وأن نزاعَ الرُّشدِ والغيِّ حالةٌ
تجىء بأحلامِ الرجال وترجعُ
وأنَّ أمانيَّ النفوسِ قواتلٌ
وكثرتُها من كثرةِ الزهرِ أصرعُ
وأن دُعاةَ الخيرِ والحقِّ حربهم
زمانٌ بهم من عهدِ سُقراطَ مُولعُ

لم يَمُتْ من لهُ أثَرْ
وحياةٌ منَ السيّرْ
إنّما الميتُ من مشى
ميتَ الخيرِ والخَبر
من إذا عاشَ لم يُفِدْ
وإذا مات لم يَضِرْ
ليس في الجاه والغنى
منه ظلٌّ ولا ثمرْ
كم هِمّةٍ دفعت جيلاً ذُرا شرفٍ
ونومةٍ هدمتْ بنيانَ أجيالِ
والعلمُ في فضله،أو في مفاخرهِ
ركنُ الممالك،صدرُ الدولة الحالي
إذا مشتْ أمّةٌ في العالمينَ بهِ
أبى لها اللهُ أن تمشي بأغلالِ
يَقِلُّ للعلم عندَ العارفينَ به
ما تقدرُ النفسُ من حُبٍّ وإجلالِ

فَقِفْ على أهلهِ واطلبْ جواهره
كناقدٍ مُمعنٍ في كفِّ لآلِ
فالعلمُ يفعل في الأرواح فاسدُه
ما ليس يفعل فيها طِبُّ دجّالِ
ورُبَّ صاحبِ درسٍ لو وقفتَ بهِ
رأيتَ شِبه عليم بين جُهّالِ
يا شبابَ الغدِ،وأبناء الفِدى
لكُمُ،أكرِمْ وأعزِزْ بالفداء
هل يمدُّ الله لي العيشَ،عسى
أن أراكمْ في الفريقِ السّعداء؟
هل علمتمْ أمّةً في جهلها
ظهرتْ في المجدِ حسناءَ الرداء؟
باطنُ الأمةِ في ظاهرها
إنّما السائلُ من لونِ الإناءِ

أجَلٌ وإن طالَ الزمانُ مُوافي
أخلى يديكَ من الخليلِ الوافي
داعٍ إلى حقٍّ أهابَ بخاشعٍ
لبس النذيرَ على هُدىً وعفافِ
ذهبَ الشبابُ فلم يكن رزئي به
دونَ المصابِ بصفوةِ الألآفِ
جَلَلٌ من الأرزاءِ في أمثالهِ
هِمَمُ العزاءِ قليلةُ الإسعافِ
خَفّتْ له العبراتُ،وهي آبيّةٌ
في حادثاتِ الدهر،غير خفاف
ما أنتِ يا دُنيا؟أرؤيا نائمٍ
أم ليلُ عُرْسٍ،أم بساطُ سُلافِ؟
نعماؤكِ الرّيحانُ،إلا أنّهُ
مسّتْ حواشيه نقيعَ زُعافِ
ما زلتُ أصبحتُ فيكِ خُلْقاً ثابتاً
حتى ظفرتُ بخُلقكِ المتنافي

ولِكُلِّ نفسٍ ساعةٌ،منْ لم يَمُتْ
فيها عزيزاً مات وهو ذليلُ
أإلى الحياةِ سكنتَ وهي مَصارِعٌ
وإلى الأماني يسكنُ المسلول؟
لا تَجفلنَّ ببؤسها ونعيمها
نُعمى الحياةِ وبؤسها تضليلُ
ما بينَ نضرتها وبينَ ذُبولها
عمرُ الورودِ،وإنهُ لقليلُ
إذا الشعوبُ بنوا حقيقة مُلكهم
جعلوا المآتمَ حائطَ الأفراحِ
التامتِ الأحزابُ بعد تصدُّع
وتصافتِ الأقلامُ بعد تلاحي
سُحِبتْ على الأحقادِ أذيالُ الهوى
ومشى على الضّغنِ الودادُ الماحي
وجرت أحاديثُ العِتابِ كأنّها
سَمَرٌ على الأوتارِ والأقداحِ

هذا الزمانُ تناديكم حوادثهُ
يا دولةَ السيف كوني دولة القلمِ
فالسيفُ يهدمُ فجراً ما بنى سَحَراً
وكلُّ بنيانِ علم غيرُ مُنهدمِ
قد ماتَ في السِّلم من لا رأي يعصمهُ
وسوّتْ الحرب بين البَهمِ والبُهمِ
وأصبحَ العلمُ ركنَ الآخذين به
من لا يُقِمْ ركنهُ العرفانُ لم يَقُمِ
كم واثقٍ بالنفسِ،نهاضٍ بها
ساد البرية فيه وهو عصام

وبنينا فلم نُخَلِّ لبانٍ
وعلونا فلم يَجُرنا علاءُ
أمرتُكَ الخير لكنْ ما ائتمرتُ به
وما استقمت فما قولي لك استقمْ

إذا كان الرّماةُ رماةَ سوءٍ
أحلّوا غيرَ مرماها السهاما
ومن يَعدلْ بحبِّ الله شيئاً
كَحُبِّ المال،ضلَّ هوىً وخابا

سِرْ مع العمرِ حيث شئت تَئُوبن
وافقد العمر لا تؤب من رقاد
ذلكَ الحقُّ لا الذي زعموه
في قديم من الحديث معاد
كلُّ حيٍّ على المنيّة غادِ
تتوالى الركاب والموتُ حادِ
ذهبَ الأولون قرناً فَقرناً
لم يدم حاضر ولم يبق بادِ
هل ترى منهم وتسمع عنهم
غير باقي مآثر وأيادي

كلُّ قبر من جانب القفر يبدو
علم الحق أو منار المعادِ
إن جلّ ذنبي عن الغفران لي أمل
في الله يجعلني في خير معتصم
والمرءُ يُذكرُ بالجمائل بعده
فارفع لذكرك بالجميلِ بناء
واعلم بأنكَ سوف تُذكرُ مرة
فيقالُ أحسن أو يقال أساء

بصرتُ بأخلاقِ الرجال فلم أجد
وإن جلّت الأخلاقُ للعزم ثانيا
كذا الناسُ بالأخلاق يبقى صلاحهم
ويذهبُ عنهم أمرهم حين تذهب

تسامح النفس معنىً من مروءتها
بل المروءة في أسمى معانيها
تخلّق الصفح تسعد في الحياة به
فالنفسُ يُسعدها خُلقٌ ويشقيها
وإنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وإذا أُصيبَ القوم في أخلاقهم
فَأَقِمْ عليهم مأتماً وعويلا
رضعَ الأخلاقُ من ألبانها
إنّ للأخلاقِ وقعاً في الصّغرْ

سيطرَ الحبُّ على دنياكمُ
كل شيء ما خلا الحبَّ عبث
أصمُّ يسمع سرّ الكائدين له
ولا يضيقُ بجهر المحنق الصخب

وكم في طريقِ الشرِّ خيرٌ ونعمةٌ
وكم في طريقِ الطيباتِ شرورُ
يا سوء سنتهم وقبح غلّوهم
إنّ العقائدَ بالغلّوِ تُضارُ

ولا أزيدُكَ بالإسلامِ معرفةً
كلُّ المروءةِ في الإسلامِ والحَسَبِ
من شكَّ فيه فنظرةٌ في صنعهِ
تمحو أثيمَ الشّكِ والإنكارِ

جعلوا الهوى لك والوقارَ عبادةً
لإنَّ العبادةَ خشيةٌ وتعلُّقُ
الدين لله من شاء الإله هدى
لِكلِّ نفس هوى في الدين داعيها
ما كان مختلف الأديان داعية
إلى اختلاف البرايا أو تعاديها

كمْ في الحياةِ من الصحراءِ من شَبهٍ
كلتاهما في مفاجأة الفتى شرعُ
وراءَ كل سبيل فيهما قدَرٌ
لا تعلم النفس ما يأتي وما يدعُ
ولستَ تأمنْ عند الصحو فاجئة
من العواصفِ فيها الخوفُ والهلعُ
ولستَ تدري وأن قدرت مجتهداً
متى تحطُّ رحالاً أو متى تضعُ
ولستَ تملكُ من أمرِ الدليلِ سوى
أن الدليل وإن أرداك متبعُ

أليسَ الحقَّ أنّ العيش فان
وأنَّ الحيّ غايتهُ الممات
إنّما الدنيا شجونٌ تلتقي
وحزينٌ يتأسى بحزين

ضَحِكُ الدنيا احتشاد للبكا
وأغانيها معدات الأنين
كلُّ تعليمٍ نراهُ ناقصاً
سُلّمٌ رَثٌّ إذا استعمل خانا
دَرَكٌ مُستحدثٌ من دَرَجٍ
ومن الرَّفعةِ ما حطَّ الدخانا

ابتغوا ناصيةَ الشمسِ مكانا
وخذوا القمّة علماً وبيانا
واطلبوا بالعبقريات المدى
ليس كلُّ الخيلِ يشهدون الرّهانا
ابعثوها سابقاتٍ نُجُباً
تملأ المضمارَ معنىً وعيانا
إنّ الشجاع هو الجبانُ عن الاذى
وأرى الجرىء على الشرور جبانا

وأشهد ما آذيتُ نفساً ولم أضر
ولم أبلغ في جهري وفي خطراتي
ولا بتُّ إلا كإبن مريم مُشفقاً
على حُسّدي مُستغفراً لِعداتي
إن ملكت النفوس فاتّبع رضاها
فلها ثورة،وفيها مضاء
يسكن الوحش للوثوبِ من الأسر
فكيف الخلائق العقلاء؟

لم تبعِ دُنيا طالما أغضى لها
حُمسُ الرّعاة وطأطئوا العِرنينا
نراوَح بالحوادثِ أو نُغادى
وننكرها ونعطيها القيادا
ونحمدها وما رعت الضحايا
ولا جزتْ المواقف والجهادا
لحاها الله! باعتنا خيالاً
من الأحلام واشترت اتحادا

والمال،مذ كان تمثال يطاف به
والناس مُذْ خلقوا عُبّادَ تمثال
إذا جفا الدور فانعِ النازلين بها
أو الممالك فاندبها كأطلالِ
يا طالباً لمعالي المُلك مجتهداً
خذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ

وإباء الرجال أمضى من السي
فِ على كفِّ فارسٍ مسلولا
ربَّ قلبٍ أصاره الخلقُ ضرغا
ماً وصدرٍ أصاره الحقُّ غيلا
ذكريات من الأحبة تُمحى
بيدٍ للزمان تمحو الطُلولا
كلُّ رسمٍ من منزلٍ أو حبيبٍ
سوف يمشي البِلى عليه مُحيلا
رُبَّ ثُكلٍ أساكَ من قرحةِ الثك
لِ ورزءٍ مسّاك رزءاً جليلا

هِمَمُ الرجالِ إذا مضتْ لم يثنها
خدعُ الثناءِ ولا عَوادي الذّامِ
وتمامُ فضلِكَ
!
أن يَعيبُكَ حُسَدٌ
يجدون نقصاً عند كلِّ تمامِ
تأكلُ الهِرّةُ الصغارَ إذا جا
عت،ولا تأكلُ اللباة الشبولا
قيلَ:غالٍ في الرأي قلت:هَبوه
قد يكون الغُلّو رأياً أصيلا
وقديماً بنى الغلو نفوساً
وقديماً بنى الغلو عقولا
وكم استنهضَ الشيوخَ وأذكى
في الشبابِ الطّماح والتأميلا

ومن الرأي ما يكونُ نفاقاً
أو يكونُ اتجاههُ التضليلا
ومن النقدِ والجدالِ كلامٌ
يُشبهُ البغيَ،والخنا والفضولا
وأرى الصدق ديدناً لسليل ال
رافعييّنَ والعفافَ سبيلا
كل يوم آية دلت على
أن للعلم القوى والغَلبا
لو بنوا فوق السّها مملكةً
لوجدت العلم فيها الطنبا
سلم الناس إلى المجد إذا
طلبوا سلمه والسببا

نظمَ اللهُ مُلكهُ بعبادٍ
عبقريين أورثوا المُلكَ حُسنا
شغلتهم عن الحسود المعالي
إنما يحُسدُ العظيمُ ويُشنا
من ذكيِّ الفؤادِ يُورِثُ علماً
أو بديعِ الخيالِ يخلقُ فنا

رُتبُ الشجاعةِ في الرّجالِ جلائلُ
وأجلهُنَّ شجاعةُ الآراءِ
وغداً سيذكرُكَ الزمانُ،ولم يزلْ
للدهرِ إنصافٌ وحسنُ جزاءِ
وإذا بُناةُ المجدِ راموا خطة
جعلوا الزمان مُحققاً ومنيلا
وإذا أراد الله أمراً لم تجدْ
لقضائهِ ردّاً ولا تبديلا

رُبَّ بانٍ لهادمٍ وجَموعٍ
لِمُشتٍ ومُحسنٍ لِمُخسِ
إمرةُ الناسِ هِمّةٌ لا تأتي
وإذا ما أصابَ بنيان قومٍ
لجبانٍ ولا تَسنّى لِجبسِ
وهيُ خُلق فإنّهُ وهيُ أُسِ
هم بنو مصر
:
لا الجميلُ لديهم
بِمُضاعٍ ولا الصنيعُ بِمنسي
وإذا فاتكَ التفاتٌ إلى الما
ضي فقد غابَ عنكَ وجهُ التأسي
يا ناشرَ العلم بهذي البلاد
وُفّقتَ،نشرُ العلم مثلُ الجهادِ
بانيَ صرحِ المجدِ،أنتَ الذي
تبني بيوت العلمِ في كل نادِ
بالعلم سادَ الناسُ في عصرهم
واخترقوا السبعَ الطباقَ الشِداد
أيطلبُ المجدَ ويبغي العلا
قومٌ لسوقِ العلم فيهم كساد؟

يا أهل مصر كِلوا الأمور لربّكم
فاللهُ خيرٌ موئلاً وكفيلا
جرت الأمور مع القضاء لغايةٍ
وأقرها من يملك التحويلا
أخذت عِناناً منه غير عِنانها
سبحانه متصرِّقاً ومُديلا
نقّاد أعمالكَ مُغلٍ لها
إذا غلا الدُّرُّ غلا الانتقاد
ما أصعبَ الفعلَ لمن رامَه
وأسهلَ القولَ على من أراد
سمعاً لشكواي،فإن لم تجد
منكَ قبولاً،فالشكوى تعاد
عدلاً على ما كان من فضلكم
فالفضلُ إن وُزِّعَ بالعدل زاد

فتية الوادي عرفنا صوتكم
مرحباً بالطائرِ الشادي الغرد
هو صوتُ الحقّ لم يبغ ولم
يحمل الحقد ولم يُخفِ الحسد
وخلا من شهوةٍ ما خالطت
صالحاً من عمل إلا فسد
صَدفتُ عن الأهواءِ والحرُّ يصدِفُ
وأنصفتُ من نفسي وذو اللبِّ ينصِفُ
فرحتُ وفي نفسي من اليأسِ صارمٌ
وعُدتُ وفي صدري من الحلم مُصحفُ
كأنّ فؤادي إبرةٌ قد تمغطست
بِحُبّكَ أنّى حُرِفّت عنكَ تَعطفُ
كأن يراعي في مديحكَ ساجدٌ
مدامعهُ من خشية الله تذرِفُ

والعدلُ يرفعُ للممالك حائطاً
لا الجيشُ يرفعه ولا الأسطولُ
لا تَحذ حذو عصابة مفتونة
يجدون كلّ قديم أمرٍ منكرا!
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من مات من آبائهم أو عُمّرا
من كلِّ ساع في القديم وهدمه
وإذا تقدّم للبناية قصّرا

خلت القرونُ كليلةٍ،وتصرّمتْ
دولُ الفتوحِ كأنّها أحلام
والدهرُ لا يألو الممالكَ مُنذراً
فإذا غفلنَ فما عليهِ ملام
صورُ العمى شتّى،وأقبحُها إذا
نظرتْ بغيرِ عيونهنَّ الهامُ
ولقد يُقامُ من السيوفِ،وليس من
عثراتِ أخلاقِ الشعوب قيام

ونبئهم عبثَ الهوى بتراثهم
من كل مُلقٍ للهوى بقيادِ
ونُبينُ كيف تفرّقَ الإخوانُ في
وقتِ البلاءِ تَفرُّقَ الأضدادِ
إن المغالِطَ في الحقيقةِ نفسَهُ
باغٍ على النفسِ الضعيفةِ عادِ
فَدعِ الأقدار تجري واستعد
فلك بالسعد والنحس يدور
لا تعارض أبداً مجرى الأمور
قُلْ إذا شئت:صروف وغير!
وإذا شئت :قضاء وقدر

واعمل الخير،فإن عشت لقى من يمت عن منّة عند يتيم
طيب الحمد،وإن مت بقى فرحيم سوف يحزن من رحيم
كن كريماً إن رأى جرحاً أسا
وتعهد وتولَّ البؤسا

وكلُّ سَعيٍّ سيجزي اللهُ ساعيَهُ
هيهاتَ يذهبُ سعيُ المُحسنينَ هَبا
لم يُبرَمِ الأمرُ حتى يستبينَ لكم
أساءَ عاقبةً،أم سَرَّ مُنقلبا
ما أصعبَ الفِعلَ لمن رامهُ
وأسهلَ القولَ على من أراد
سمعاً لشكوايَ،فإن لم تجد
منك قبولاً،فالشكاوى تُعاد

وبعضُ المنايا تنزلُ الشُّهدَ في الثرى
ويخططن في التُّرب الجبال الرواسيا
إذا أنتَ لم ترعَ العهودَ لهالكٍ
فلستَ لحيٍّ حافظ العهد راعيا
ومن يُعطَ من جاهِ الملوكِ وسيلةً
فلا يصنعُ الخيرات لم يُعطَ غاليا
لا يُبطِرَّنكَ من حريرٍ موطىءٌ
فَلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تعثّرا
وإذا الزمانُ تنكّرتْ أحداثُهُ
لأخيكَ،فاذكرهُ عسى أن تُذْكرا

هِمَمُ الرِّجالِ إذا مضَتْ لم يَثنِها
خُدَعُ الثناءِ ولا عواديَ الذّمِ
وتمامُ فضلكَ أن يعيبُكَ حُسَّدٌ
يجدونَ نقصاً عندَ كلِّ تمامِ
ولم يَبعدُ على نَفسٍ مرامٌ
إذا ركبتْ له الهِممَ البعادا
ولم أرَ بعد قدرته تعالى
كمقدرةِ ابنِ آدمَ إن أرادا

لا يُقيمَنَّ على الضَيمِ الأسدْ
نزعَ الشّبلُ من الغابِ الوتدْ
كبرَ الشّبلُ وشبّتْ نابهُ
وتغطّى مَنكباهُ باللِّبدْ
اتركوهُ يمشي في آجامهِ
ودعوهُ عن حِمى الغابِ يَذُدْ
واعرضوا الدنيا على أظفارهِ
وابعثوه في صحاراها يَصدْ
يا فؤادي لِكُلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعد لَبْسِ
فلكٌ يكسِفُ الشموسَ نهاراً
ويسوم البدور ليلة وكسِ
ومواقيتُ للأمورِ إذا ما
بلغتها الأمور صارت لعكسِ

ولست تأمن عند الصحة فاجئة
من العواصف فيها الخوف والهلع
ولست تدري وإن قدرت مجتهداً
متى تحطُّ رحالاً أو متى تَضَعْ
ولست تملك من أمر الدليل سوى
أن الدليل وإن أرداك متبعْ
وما الحياةُ إذا أظمت وإن خدعت
إلا سرابٌ على صحراء يلتمعْ
من خانهُ الدّهرُ خانته صنائعه
وعاد ذنباً له ما كانَ إحسانا
ولا ترى الناس إلا حرب مضطهد
وجالبين على المخذول خذلانا
والحظ يبني لك الدنيا بلا عمد
ويهدم الدِّعمَ الطولى إذا خانا

والمجدُ عندَ الغانياتِ رغيبةٌ
يُبقى كما يُبغى الجمالُ ويعشقُ
لا يقرب اليأسُ في البأساء أنفسهم
والنفسُ إن قنطتْ فاليأسُ مُرديها
قومٌ على الحبِّ والإخلاصِ قد ملكوا
وحسبُ نفسكَ إخلاصٌ يُزكيها
وإنّما هي شورى الله،جاء بها
كتابهُ الحقّ،يُعليها ويُغليها
حقنتَ عند مناداة الجيوشِ بها
دمّ البريّةِ إرضاءً لباريها
ولو منعتَ أريقت للعبادِ دماً
وطاحَ من مُهجِ الأجنادِ غاليها
أتى ثلاثون حولاً لم تذُقْ سنةً
ولا استخفّكَ للذّاتِ داعيها
مُسَهّد الجفنِ،مكدودَ الفؤادِ بما
تُضني القلوبَ،شجيّ النفسِ عانيها
تكادُ من صحبةِ الدنيا وخبرتها
تُسىءُ ظنّكَ بالدنيا وما فيها

تَخلّق الصفحَ تسعدْ في الحياة به
فالنفسُ يسعدها خلق ويشقيها
كيفَ تشقى يِحبِّ حلمي بلادٌ
نحنُ أسيافُها وأنت المَضاءُ؟

إذا لم يكنْ للمرءِ من عيشه غنى
فلابدّ من يسر ولابدّ من عسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلو في المُرِّ
هل كلام الأنام في الشمس إلا
أنها الشمس،ليس فيها كلام

يا ساريَ البرقِ يرمي عن جوانحنا
بعد الهدوء،ويرمي عن مآقينا
ترقرقَ الماءُ في دمع السماءِ دماً
غاضَ الأسى فخضبنا الأرض باكينا
ولو أن انتقامه لهوى النفس
لدامت قطيعة وجفاء

لا يَلُمْ بعضكم على الخطب بعضاً
إيها القوم،كلكم أبرياء
صوتُ الشعوبِ من الزئيرِ مجّمعاً
فإذا تفرّقَ كان بعضَ نباحِ

لا يعجبنّكم ساعٍ بتفرقةٍ
إنَّ المِقصَّ خفيفٌ حينَ يقتطِعُ
هل علمتم أمّةً في جهلها باطنُ الأمّة من ظاهرها
ظهرتْ في المجدِ حسناءَ الرداء إنّما السائلُ من لون الإناء
فخذوا العلم على أعلامه
واطلبوا الحكمة عند الحكماء
واحكموا الدنيا بسلطان فما
خُلِقت نضرتها للضعفاء
واقرأوا تاريخكم واحتفظوا
بفيحٍ جاءكم من فصحاء

الناسُ ذو فقرٍ يروم الغنى
وآخرٌ للناسِ ما يقتني
ويستوي هذا وهذا غداً
يا وارثَ العالم أنت الغني
إن أسأنا لكم أو لم نسىء
نحن هلكى فلكم طولُ البقاء
هل يمدُّ الله لي العيش،عسى
أن أراكم في الفريق السعداء

الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ
يشقى له الرُّحماءُ وهو الهاني
في الأمرِ ما فيه من جِدٍّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أو طائرٍ طربا
ضُموا الجهودَ وخلّوها منكْرةً
لا تملأوا الشدقَ من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورَحى الهيجاءِ دائرةٌ
تُحصونَ من ماتَ أو تُحصونَ ما سُلبا

ومنْ لم يُقم ستراً على عَيبِ غيرهِ
يَعشْ مستباحَ العرِضِ مُنتهك السِّترِ
ومن تضحكِ الدنيا إليه فيغتررْ
يمتْ كقتيلِ الغيدِ بالبسماتِ
فَقُلْ ربِّ وفقّ للعظائمِ أمتي
وزيّن لها الأفعالَ والعزماتِ

ومن العقولِ جداولٌ وجلامدٌ
ومن النفوسِ حرائر وإماءُ
رُبَّ ثاوٍ في الظُبى ممتنعٍ
سلّهُ المقدارُ من جفن القَدَرْ

تدولُ أحاديث الرجال وتنقضي
ويبقى حديث الفضل والحسنات
دائر الدولاب بالناس على
جانبيهِ المرتقى والمُنحدر

وإنّ للمجدِ آفاتٍ إذا جُمعتْ
وجدتهُنَّ اثنتين
:
الحِقدَ والغضبا
سعتْ لك صورتي وأتاكَ شخصي
وسارَ الظلُّ نحوكَ والجهاتُ
لأن الروح عندكَ وهي أصل
وحيثُ الأصل تسعى الملحقات

أيها الساكِنُ في ظلِّ المنى
نَمْ طويلاً قد توسدّت الزَهرِ
شجرٌ نامٍ ،وظلٌ سابِغٍ
بيدَ أنَّ الصلَّ في أصل الشجر
ومنْ لم يجمل بالتواضعِ فضله
يَبِنْ فضله عنه ويعطل من الفخر

وصابرٍ تَلهجُ الدّنيا بنكبتهِ
تَخالهُ من جميلِ الصّبرِ ما نُكبا
وما أثنيتُ إلا بعد عِلْمٍ
وكمْ من جاهلٍ أثنى فَعابا

كم صَعَّبَ اليومُ من سَهلٍ همتَ بهِ
وسَهَّلَ الغدُ في الأشياءِ ما صَعُبا
يُنبيكَ مصرعهُ وكلُّ زائلُ
أنَّ الحياةَ كَغدوةٍ ورواحِ

هي الدّنيا قتالٌ نحن فيه
مقاصِدُ للحُسامِ وللقناةِ
وكلُّ الناسِ مدفوعٌ إليه
ما دُفِعَ الجبانُ إلى الثباتِ
وإنّ المجدَ في الدّنيا رحيقٌ
إذا طالَ الزمانُ عليه طابا

وأحمِلُ نوائبَ قومٍ أنتَ سيدهُم
وسيّدُ القومِ أقضاهم لما وجبا
لقد بدأتَ فاتمِمْ غيرَ مُدّخر
جهداً ولا هِمّةً لا تعرفُ التعبا
إذا رأيتَ الهوى في أمّة حكما
فاحكم هنالك أنّ العقل قد ذهبا

وإذا جَلّت الذنوبُ وهالتْ
فمن العدلِ أن يهولَ الجزاءُ
عالمٌ قُلَّبٌ وأحلامُ خلقٍ
تتبارى غباوة وفطانة

وما أدبي لما أسدوهُ أهلٌ
ولكن من أحبَّ الشيء حابى
لا تَعدمُ الهِمّةُ الكبرى جوائزها
سِيّان من غلبَ الأيام أو غُلبا

وكُنْ رجلاً إن أتوا بعدَهُ
يقولونَ مَرَّ وهذا الأثر
وللناسِ في الماضي بصائر يهتدي
عليهنَّ غادٍ أو يسير رشيد
إذا الميتُ لم يكرم بأرضٍ ثناؤهُ
تحيّرَ فيها الحيُّ كيف يسود

لا ريب أن خُطى الآمالِ واسعةٌ
وأنَّ ليل سُراها صُبحهُ اقتربا
قد فَتَّحَ الله أبواباً لعلَّ لنا
وراءها فُسحُ الآمالِ والرُّحبا
لولا يدُ الله لم ندفعْ مناكبها
ولم نعالج على مصراعها الأربا
خُلقتُ كأنني (عيسى) حرام
على قلبي الضغينة والشمات
ولا بِتُّ إلا كابن مريم مشفقاً
على حُسّدي ،مستغفراً لِعداتي

في الأمرِ ما فيه من جدّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أز طائرٍ طَرِبا
ضُموا الجهودَ وخلوها منكرة
لا تملأوا الشّدق من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرة
تحصون من مات أو تحصون ما سُلبا
أقدِمْ فليسَ على الإقدامِ مُمتنِعُ
واصنع به المجدَ فهو البارعُ الصَنَعُ
للناسِ في كلِّ يومٍ من عجائبهِ
ما لم يكن لامرىءٍ في خاطرٍ يقعُ

بعضُ الزواجِ مُذَمَّمٌ ما بالزنا
والرِقِّ إن قِيسا به من عارِ
فتشتُ لم أرَ في الزواجِ كفاءةً
ككفاءةِ الأزواجِ في الأعمارِ
أسفي على تلك المحاسنِ كُلّما
نقلت من البالي إلى الدّوارِ
أُناسٌ كما تدري ودنيا بحالها
ودهرٌ رَخيٌّ تارةً وعسيرُ
وأحوال خلقٍ غابرٍ مُتَجدِّدٍ
تشابهَ فيها أوَّلٌ وأخيرُ
تَمرُ تباعاً في الحياةِ كأنّها
ملاعبُ لا تُرخى لهنَّ ستورُ
وحِرصٌ على الدُّنيا وميلٌ مع الهوى
وغِشٌ وإفكٌ في الحياةِ وزورُ

الناسُ جارٍ في الحياةِ لغايةٍ
ومُضَلَّلٍ يسعى بغيرِ عنانِ
والخُلدُ في الدّنيا ـ وليسَ بهيّنٍ ـ
عُليا المراتب لم تُتحْ لجبانِ
للمرءِ في الدّنيا وجَمِّ شؤونها
ما شاءَ من ربحٍ ومن خسرانِ
فهي الفضاءُ لراعبٍ مُتطّلعٍ
وهي المضيق لمؤثرِ السُّلوانِ

ما آبَ جبّارُ القرونِ، وإنّما
يومُ الحسابِ يكونُ يومَ إيابهْ
المُستبدُّ يُطاقُ في ناووسهِ
لا تحتَ تاجيهِ وفوقَ وثابه
والفردُ يؤمنُ شرُّه في قبره
كالسيفِ نامَ الشرُّ خلفَ قِرابه
فظلت عيونُ الحرب حيرى لما ترى
نواظرَ ما تأتي الليوثُ وتُغربُ
تبالغ بالرامي،وتزهو بما رمى
وتعجب القواد،والجندُ أعجبُ

كم في الحياةِ من الصحراءِ من شبه
كلتاهما في مناجاةِ الفتى شرعُ
ربّوا على الإنصافِ فتيان الحِمى فهو الذي يبني العقول قويمة
تجدوهم كهفَ الحقوقِ كهولا وهو الذي يبني النفوس عدولا
ويُقيمُ منطق كلِّ أعوج منطق
ويريه رأياً في الأمورِ أصيلا
وإذا المعلم لم يكن عدلاً مشى
روحُ العدالةِ في الشّباب ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يده البصائرُ حولا
وإذا أتى الإرشادُ من سبب الهوى
ومن الغرورِ فسِّمهِ التضليلا

وتراهُ في صخبِ الحوادثِ صامتاً
كالصخرِ في عَصفِ الرياحِ النوكِ
خرزاتُهُ دم أمّةٍ مهضومةٍ
وجهودُ شعبٍ مُجهدٍ منهوكِ
بالواجبِ التمسَ الحقوقَ وخابَ من
طلبَ الحقوق بواجبٍ متروكِ
وراء كل سبيل فيهما قدر
لا تعلم النفس ما يأتي وما يدعُ

نالت منابر وادي النيل حصتها
مني،ومن قبل نال اللهو والطرب
يا ويلتاهُ لنفسي راعها وَدَها
مُسوَّدةُ الصُحفِ في مُبيضّةِ اللممِ
ركضتُها في مَربعِ المعصياتِ وما
أخذتُ من حِمية الطاعاتِ للتُخمِ
هامتْ على إثرِ اللذّاتِ تطلبُها
والنفسُ إن يَدعُها داعي الصِّبا تَهِمِ

في الموتِ ما أعيا وفي أسبابهِ
كل امرىءٍ رهنٌ بطيِّ كتابهِ
كم صَعَّبَ اليومُ من سهل هممتَ به ضموا الجهودَ،وخلوها منكرّةً
وسهّل الغدُّ في الأشياءِ ما صَعُبا لا تمائوا الشدق من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرةٌ
تُحصونَ من ماتَ أو تُحصون ما سُلبا؟
إذا رأيتَ الهوى في أمّةٍ حكماً
فاحكمْ هنالك أن العقلَ قد ذهبا

إن أسأنا لكم أو لم نُسىء
نحن هلكى فلكم طول البقاء
هل يَمدُّ الله لي العيش،عسى
أن أراكم في الفريق السعداء
يا نفسُ دُنياكِ تُخفي كُلَّ مُبكيةٍ
وإن بدا لكِ منها حُسنُ مُبتَسَمِ
فُضّي بتقواكِ فاهاً كُلّما ضحكتْ
كما يفضُّ أذى الرقشاءِ بالثَرمِ
مخطوبةٌ منذُ كانَ الناسُ خاطبةٌ
من أوّلِ الدّهرِ لم تُرمِل ولم تَئِمِ

يفنى الزمانُ ويبقى من إساءتها
جُرْحٌ بآدمَ يبكي منهُ في الأدَمِ
لا تَحفلي بِجناها أو جنايتها
الموتُ بالزهرِ مثلُ الموتِ بالفَحمِ
كم نائمٍ لا يراها وهي ساهرةٌ
لولا الأمانيُّ والأحلامُ لم يَنمِ
طَوراً يَمُدُّكِ في نُعمى وعافيةٍ
وتارةً في قرارِ البؤسِ والوَصَمِ
كم ضَلّلتكَ ومن تُحجب بصيرتَهُ
إن يلقَ صاباً يرد أو علقماً يَسُمِ

تبرأ عيسى منهمُ وصحابهِ
أأتباعُ عيسى ذي الحنان جُفاةُ
يُعادونَ ديناً لا يُعادونَ دولة
لقد كذبت دعوى لهم وشكاةُ
ولا خيرَ في الدنيا ولا في حقوقها
إذا قيلَ طلابُ الحقوقِ بُغاةُ
أمَنْ أكلَ اليتيمَ لهُ عقابٌ
ومن أكلَ الفقيرَ فلا عقابا
أُصيبَ من التجار بكلِّ ضارٍ
أشدَّ من الزمانِ عليهِ نابا
يكادُ إذا غَذاهُ أو كساهُ
يُنازعهُ الحَشاشةَ والإهابا
وتسمعُ رحمةً في كلِّ نادٍ
ولستَ تُحِسُّ للِبرِّ انتدابا

في الشموس الزُّهر بالشام انتمى
ونمى الأقمار بالأندلس
قعد الشرق عليهم مأتماً
وانتشى الغربُ بهم في عُرس
يا شباب الشرق عنوانَ الشّبابِ
ثمراتِ الحَسبِ الزاكي النميرْ
حسبكمُ في الكرم المحض اللباب
سيرة تبقى بقاءَ ابنى سمير
في كتاب الفخر للداخل باب
لم يلجهُ من بني الملكِ أمير

صحب الداخلُ من إخوتهِ
حدثاً خاضَ الغمارَ ابنَ ثمان
وإذا بالشطِّ من شقوتهِ
صائحاً صاح به
:
نلتَ الأمان
والمجدُ عند الغانياتِ رَغيبةٌ
يُبغى كما يُبغى الجمالُ ويُعشقُ
إن زوجوكَ بهنَّ فهي عقيدةٌ
ومن العقائدِ ما يَلبُّ ويحمقُ
ما أجملَ الإيمان! لولا ضَلّةٌ
في كلِّ دينٍ بالهدايةُ تُلصقُ

إنَّ الشمائلَ إن رقت يكادُ بها
يُغزى الجمادُ ويُغزى كلُّ ذي نَسَمِ
رُزِقتَ أسمحَ ما في الناسِ من خُلُقٍ
إذا رُزقتَ التماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
لقد أنلتُكَ أُذناً غيرَ واعيةٍ
ورُبَّ مُنتصتٍ والقلبُ في صَممِ

رَضيّةٌ نفسُهُ لا تشتكي سأماً
وما معَ الحُبِّ إن أخلصتَ من سأمِ
مديحهُ فيك حُبٌّ خالِصٌ وهوىً
وصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلمِ

الله يشهدُ أني لا أُعارِضهُ
وإنّما أنا بعضُ الغابطينَ ومن
من ذا يُعارِضُ صوتَ العارِضِ العَرمِ
يغبط ولَيّكَ لا يُذمم ولا يُلَمِ

أحمد شوقي مخاطباً نابوليون:

يا كثيرَ الصَيدِ للصيدِ العلا قُمْ ترَ الدنيا كما غادرتها
قُمْ تأمل كيفَ صادتكَ المنونْ منزل الغدرِ وماءُ الخادعين
وترَ الحقَّ عزيزاُ في القنا وترَ الأمرَ يداً فوقَ يدٍ
هيناً في العُزْلِ المستضعفينْ وترَ الناسَ ذئاباً وضئين
وترَ العزَّ لسيفٍ نزق
في بناءِ الملك أو رأي رزين
سننٌ كانت ونظمٌ لم تزلْ
وفسادٌ فوقَ باع المضحكين

ويجلسونَ إلى علمٍ ومعرفةٍ
فلا يُدانونَ في عقلٍ ولا فَهمِ
يُطاطىءُ العلماءُ الهامَ إن نَبسوا
من هيبةِ العلمِ لا من هيبةِ الحُكُمِ
صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعهُ
فَقوِّمِ النفسَ بالأخلاقِ تستقمِ
والنفسُ من خَيرها في خيرِ عافيةٍ
والنفسُ من شرِّها في مرتعٍ وخمِ
تطغى إذا مُكّنتْ من لذةٍ وهوىً
طغيَ الجيادِ إذا عضَّتْ على الشُّكُمِ
إن جلَّ ذنبي عن الغفران لي أملٌ
في الله يجعلُني في خيرِ مُعتصمِ

خلعت عليكَ حياءَها وحياتها
أأعزُّ من هذين شيءٌ يُنفقُ؟
وإذا تناهى الحبُّ واتفق الفِدى
فالروحُ في بابِ الضحيةِ أليَقُ
نَعُدُّ بها على الأممِ الليالي
وما تدري السّنينَ ولا الحسابا

وإن تقدّمَ ذو تقوى بصالحةٍ
قدّمتُ بين يديهِ عبرةَ الندَمِ
لا تحذو حذو عصابة مفتونة
يجدون كلّ قديم أمراً منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من ماتَ من آبائهم أو عمّرا
من كلِّ ساعٍ في القديمِ وهدمه
وإذا تقدّم للنيابة قصّرا

ما أنتِ يا دنيا أرؤيا نائمٍ؟
أم ليلُ عُرس؟أم بساطُ سلافِ
نعماؤكِ الرّيحانُ إلا أنهُ
مستْ حواشيهِ نقيعُ زُعافِ
يا بنتَ مخضوبِ الصوارمِ والقنا
برئت بنانكِ من سلاحِ أبيكِ
فخضاب تلك من العيون وقاية
وخضابُ ذاك من الدمِ المسفوكِ

يا عصامياً حوى المجد سوى
فضلةٍ قد قسّمت في المعرقين
أمُّكَ النفسُ قديماً أكرمت
وأبوكَ الفضل خير المنجبين
لا تلوموها،أليست حرّة
وهوى الأوطان للأحرارِ دينُ

قسماً لو قدروا ما احتشموا
لا يعفُّ الناسُ إلا عاجزين
وإذا الخُلْقُ كان عِقْدَ ودادٍ وأرى العلمَ كالعبادةِ في أبعد
لم ينلْ منهُ منْ وَشى وتَجنّى غاياتهِ :إلى الله أدنى
انظر الناس،هل ترى لحياةٍ


عُطلّتْ من نباهةِ الذكرِ معنى؟

لا الغنى في الرجالِ ناب عن الفضلِ
وسلطانهِ،ولا الجاهُ أغنى
رُبَّ عاثٍ في الأرضِ لم تجعل الأر
ضُ له إن أقامَ أو سارَ وزنا
عاش لم ترمِهِ بعينٍ وأودى
هَمَلاً لم تهب لناعيهِ اذنا

قِفْ ناجِ أهرامَ الجلالِ ونادِ
هل من بُناتكَ مجلسٌ أو نادِ
نشكو ونفزعُ فبهِ بينَ عُيونهم
إنَّ الأبوَّةَ مفزِعُ الأولادِ
ونبئهم عبثَ الهوى بتراثهم
من كُلِّ مُلقٍ للهوى بقيادِ
ونبينُ كيف تفرَّقَ الإخوانُ في
وقت البلاء تفرُّقَ الأضداد
بيتٌ على أرض الهدى وسمائهِ
الحقُّ حائطه وأُسُّ بنائه
الفتحُ من أعلامه،والطهرُ من
أوصافه،والقدس من أسمائه
تحنو مناكبهُ على شعب الهدى
وتطل سدتهُ على سينائه
من ذا ينازعنا مقالد بابه
وجلال سدته وطهر فنائه

قُلْ للشّبابِ اليوم بُوركَ غرسكُمْ
دنتِ القطوفُ وذُلّلتْ تذليلا
حَيّوا من الشهداءِ كُلَّ مُغيّبٍ
وضعوا على أحجارهِ إكليلا
ليكونَ حظَّ الحيِّ من شُكرانِكُم
جَمّاً وحظُّ الميتِ منهُ جزيلا
ناشدتُكم تلك الدماء زكيةً
لا تبعثوا للبرلمان جهولا
فليسألن عن الأرائك سائلٌ
أحملنَ فضلاً أم حملنَ فُضولا
إن أنتَ أطعت المُمثلَ ناقصاً
لم تلقَ عند كمالهِ التمثيلا

فادعوا لها أهل الأمانة واجعلوا
لأولى البصائر منهم التفضيلا
إنَّ المُقَصِّرَ قد يحولُ ولن ترى
لجهالةِ الطبعِ الغبي مُحيلا
فلَرُبَّ قولٍ في الرجالِ سمعتُم
ثم انقضى فكأنّهُ ما قيلا
ولكم نصرتُم بالكرامةِ والهوى
من كان عندكمُ هو المخذولا
كرمٌ وصَفحٌ في الشّبابِ وطالما
كَرُمَ الشّبابُ شمائلاً ومُيولا

كبير السابقين من الكرام
برغمي أن أنالكَ بالملام
مَقامُكَ فوق ما زعموا،ولكن
رأيتُ الحقَّ فوقكَ والمقام
أُمّةٌ ينتهي البيانُ إليها
وتؤول العلومُ والعلماءُ
جازتِ النجمَ واطمأنت بأفقٍ
مطمئن بهِ السَنا والسناء
وعلا الحقُّ بينهم وسما الفض
لُ ونالت حقوقها الضعفاء
تحملُ النجمَ والوسيلة والمي
زانَ من دينها إلى من تشاءُ

وتُنيلُ الوجودَ منهُ نظاماً
هوَ طِبُّ الوجودِ وهو الدواءُ
هكذا المُسلمونَ والعرب الخا
لدون لا مالا يقوله الأعداءُ
فَبهم في الزمانِ نلنا الليالي
وبهم في الورى لنا أنباء
ليسَ للِذلِّ حيلةٌ في نفوس
يستوي الموتُ عندها والبقاءُ

شوقي في رثاء حافظ إبراهيم:

ووددتُ لو أني فداك من الردى الناطقونَ عن الضغينة ِ والهوى
والكاذبونَ المرجفون فدائي الموغروا الموتى على الأحياءِ
من كلِّ هدّامٍ ويبني مجدهُ ما حطّموكَ وإنّما بك حُطموا
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاءِ من ذا يُحطمُ رفرفَ الجوزاء

من كلِّ هدّامٍ ويبني مجدهُ
ما حطّموكَ وإنّما بك حُطموا
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاءِ
من ذا يُحطمُ رفرفَ الجوزاء
انظر فأنتَ كأمس شأنك باذخٌ
في الشرقِّ واسمُكَ أرفعُ الأسماء
بالأمسِ قد حلّيتني بقصيدة
غيظ الحسود لها وقمتُ بشكرها
غرّاء تُحفظُ كاليدِ البيضاء
وكما علمتَ مودّتي ووفائي
لا يُقيمنَّ على الضَيمِ الأسدْ
نزعَ الشبلُ من الغابِ الوتدْ
كبرَ الشّبلُ،وشبَّتْ نابهُ
وتغطّى مَنكباهُ باللّبدْ
اتركوهُ يمشي في آجامهِ
ودعوهُ عن حِمى الغابِ يذُدْ
واعرضوا الدنيا على أظفارهِ
وابعثوه في صحراها يصدْ

غَدوا يبنون ما يبقى،وراحوا
وراءَ الآبداتِ مخلدينا
إذا عَمدوا لمأثرةٍ أعدّوا
لها الإتقانَ والخلقَ المتينا
وليسَ الخلدُ مرتبةٌ تلقّى
وتؤخذُ من شفاهِ الجاهلينا
ولكن منتهى هِمم كبارٍ
إذا ذهبتْ مصادرها بقينا
وآثار الرجال إذا تناهت
إلى التاريخِ خير الحاكمينا
وأخذُكَ من فم الدنيا ثناء
وتركُكَ في مسامعها طنينا
فإنا لم نُوقَ النقصَ حتى
نُطالبَ بالكمالِ الأوّلينا
وجدتَ مذاقَ كل تليد مجدٍ
فكيفَ وجحدتَ مجدَ الكاسبينا

جلالُ الملكِ أيام وتمضي
ولا يمضي جلال الخالدينا
يُحبُّ المرءُ نبشَ أخيهِ حيّاً
وينبشهُ ولو كان في الهالكينا
ولو يعصموكَ لكان خيراً
كفى بالموتِ مُعتصماً حصينا
يُضَرُّ أخو الحياة،وليس شيء
بضائرهِ غذا صحبَ المنونا

نحنو عليكم،ولا ننسى لنا وطناً
ولا سريراً،ولا تاجاً،ولا علما
هذي كرائمُ أشياء الشعوب،فإن
ماتت فكلُّ وجود يُشبهُ العدما
أبا الهولِ،طالَ عليكَ العُصُرْ
وبُلِّغتَ في الأرضِ أقصى العُمُرْ
فيا لِدةَ الدّهر،لا الدّهرُ شَبَّ
ولا أنتَ جاوزتَ حدَّ الصِّغرْ
إلامَ رُكوبكَ متنَ الزما
نِ لِطيِّ الأصيلِ وجَوْبِ السحرْ؟
تُسافِرُ منتقلاً في القرو
نِ،فأيّانَ تُلقى غُبارَ السفرْ؟
أبينكَ عهدٌ وبينَ الجبال
لِ،تزولان في الموعدِ المنتظرْ؟
أبا الهول،ماذا وراءَ البقا
ء إذا ما تطاولَ غيرُ الضجرْ؟
عجبتُ للِقمانَ في حِرصهِ
على لُبدَ والنسور الأُخرْ
وشكوى لبيدٍ لطولِ الحيا
ةِ،ولو لم تَطُلْ لتشكّى القصرْ
ولو وُجدتْ فيكَ يابنَ الصَّفا
ةِ لحقتَ بصانعِكَ المقتدرْ
فإنَّ الحياةَ تَفُلُّ الحدي
دَ إذا لبستهُ،وتُبلى الحجرْ
أبا الهول،ما أنت في المُعضلا
تِ؟لقد ضلّتْ السُبلَ فيك الفِكر؟
تَحيّرتِ البدوُ ماذا تكو
نُ،وضلّت بوادي الظنونِ الحضرْ
فكنتَ لهم صورةَ العنفوا
ن،وكنت مِثالَ الحِجى والبصرْ
وسِرُّكَ في حُجبه كلّما
أطلّت عليه الظنونُ استتر
وما راعهم غيرُ رأس الرجا
لِ على هيكلٍ من ذواتِ الظُّفرْ
ولو صُوِّروا من نواحي الطِّبا
ع توالوا عليك سِباع الصُوّرْ
فيا رُبَّ وجهٍ كصافي النميرِ
تشابهَ حامِلهُ والنّمرْ
أبا الهول،ويحكَ لا يُستق
لُ مع الدّهرِ شيءٌ ولا يُحتقرْ
تهزأتَ دهراً بديكِ الصبا
حِ فنقَّرَ عينَ فيما نقرْ
أسال البياضَ وسلَّ السّوادَ
وأوغلَ منقارُهُ في الحَفرْ
فَعُدتَ كأنّكَ ذو المحبسينِ
قطيعَ القيام،سليبَ البصرْ
كأن الرمالَ على جانبي
كَ وبينَ يديكَ ذنوبُ البشرْ

أبا الهول،أنتَ نديمُ الزما
نِ،نجيُّ الأوانِ،سميرُ العُصُرْ
بسطتَ ذراعيكَ من آدمٍ
وولّيتَ وجهكَ شطرَ الزُّمرْ
تُطلُّ على عالمٍ يسته
لُ وتُوفي على عالم مُحتَضرْ
فعينٌ إلى من بدا للوجو
دِ وأخرى مُشيّعةٌ من عبرْ
فَحَدِّثْ،فقد يُهتدى بالحدي
ثِ،وخَبِّرْ فقد يؤتى بالخبرْ
فَدعْ كلَّ طاغيةٍ للزما
نِ،فإنَّ الزمانَ يُقيمُ الصَّعرْ
فهل من يُبلّغ عنا الأصو
لَ بأنَّ الفروعَ اقتدت بالسيرْ؟
وأنا خطبنا حِسانَ العلا
وسقنا لها الغاليَ المدخرْ
وأنا ركبنا غمارَ الامو
ر،وأنا نزلنا إلى المؤتمر
بُكلِّ مبينٍ شديد اللدا
د،وكلَّ أريبٍ بعيد النظر
تطالب بالحقِّ في أمّة
جرى دَمها دونهُ وانتشرْ
ولم تفتخر بأساطيلها
ولكن بدستورها تفتخرْ
فلم يبقَ غيرُكَ من لم يحفِ
ولم يبقَ غيرُكَ من لم يطرْ
تحرّك أبا الهول،هذا الزما
نُ تحرّك ما فيهِ،حتى الحجر

أأقولُ من أحيا الجماعةَ مُلحِدٌ
وأقولُ من ردَّ الحقوقَ إباحي؟
أدُّوا إلى الغازي النصيحةَ ينتصِحْ
إنَّ الجوادَ يثوبُ بعدَ جِماحِ
إنَّ الغرورَ سقى الرئيسَ براحهِ
كيفَ احتيالُكَ في صريعِ الراحِ؟
عاد الزمانُ،فأعطى بعدما حَرما
وتابَ في أُذُنِ المحزونِ،فابتسما
والناسُ باني بناءٍ،أو مُتمِّمهُ