لا يهاب الموت فيما يعتزم مبهم التعبير كالدهرِ الأصم
إسماعيل صبري
أينَ قومٌ شادوا البلادَ وسادوها
وكانت تهواهم العلياء
ملكوا الأرضَ حِقبةً ثم أمسوا
وهمُ في بطونها نزلاء
يا ناظرَ التُركِ قد فارت مراجلهمْ
بينَ الدروبِ وفي عَرضِ الميادينِ
قالوا:لقد خرَّ من صرحِ العلا وهوى
ذو السلطتينِ وربُّ الكافوالنونِ
قل للبراكينِ كُفّي نحنُ في شُغُلٍ
ذا اليوم عنكِ ببُركان البراكينِ
أهوِلْ بها صيحةً في الكونِ قاصفةً
تزلزلُ الأرضَ من حينٍ إلى حينِ
تالله إن صدقوا في قولهم كذبتْ
ألقابُ ذي المُلكِ من عزٍّ وتمكينِ
يا نائماً والقنا غابٌ تحفُّ بهِ
أفِقْ فرُبَّ أمانٍ غير مأمونِ
وانظر حواليكَ من خوفٍ ومن حذرٍ
فالغابُ مذ خُلقت مأوى السراحين
لم تأمن الشمسُ ـ وهي الشمس ـ ما خبأت
لها المقاديرُ في طَيِّ الأحايين
إن يرجحِ الخيرُ ـ نعمَ الخيرُ من عملٍـ
دخلت في زمرة الغُرِّ الميامين
أو يغلبِ الشرُّ ـ لا كانت عصابته ـ
عُددتَ في صرحهِ أقوى الأساطين
لا يثرهقنّك حكمُ الناس فهو غداً
مستأنفٌ عند سلطان السلاطين
ولي الدين يكن
أسجنُ مراد لو تكلّم منزلٌ
لأخبرتنا عمّا جرى لمراد
ثلاثونَ عاماً قد توالتهُ عانيا
بربعكَ في بثّ وطول سهاد
يطالعُ من خلفِ الستائرِ ملكه
يُخاطبهُ شوقاً له وينادي
بلادي، بلادي، إن يحل بيننا النوى
فعندك روحي دائماً وفؤادي
لقد ماتَ مجنياً عليه وما جنى
لكن لأحرارِ الملوكِ أعادِ
إنّ الثلاثينَ التي
مرّتْ بنا مرَّ العصورِ
وهبتكَ تجربة الأمور
فعشت في جهل الامور
من كان يدعوكَ الخبير
فلستَ عندي بالخبيرِ
عزاء أيها النافي الرعايا
ولا تجزعْ فخالقهم نفاكا
حرمت كراك أعواماً طوالاً
وليتكَ بعد ذا تلقى كراكا
تفارقكَ السعادة لا لعود
وقد عاشت خطاها في خطاكا
فدعْ صرحاً أقمتَ بهِ زماناً
وقل يا قصر لست لمن بناكا
نعم عبد الحميد ما ندب زماناً
تولّى ليس يحمده سواكا
تولّى بين أبكار حسان
تعلق في غدائرها نهاكا
جعلت فدائها الدنيا جميعاً
ولو ملكتها جعلت فداكا
وطالَ سرلكَ في ليلِ التصابي
وقد أصبحت لم تحمد سراكا
ستحيا في “سلانيك” زماناً
ستحسد فيه عن بعد أخاكا
وتعلم أن ملكاً ترتضيه
ولعت به،ولكن ما ارتضاكا
فإن زار الكرى عينيك ليلاً
وعادك تحت طيبه أساكا
تمثل في المنام لديك ناس
تخبر عن دمائهمو يداكا
رماهم بالأفول دجاك لما
تبدو كالكواكب في دجاكا
هاجتك خالية القصور
وشجتك آفلة البدور
وذكرت سكان الحِمى
ونسيت سكان القبور
وبكيت بالدمع الغز
ير لياعث الدمع الغزير
ولواهب المال الكثير
وناهب المال الكثير
إن كان أخلى يلدزا
مخلى الخورنق والسدير
سيتأهلن من بعدها
آلاف أطلال ودور
بعض النجوم ثواقب
والبعض دائمة المسير
ضاءت عقود الملك
مابين الترائب والنحور
والشيخ بات فؤاده
في أسرِ ولدان وحور
مازال معتصر الخدود
هوى ومهتصر الخصور
وإذا انقضت ليلاته
وصلت بليلات الشعور
أهدى الفتورُ لقلبه
ما باللواحظ من فتور
واستنفرته عن الرعا
يا كل آنسة نفور
تختال من حلل الصبابة
في الدمقس وفي الحرير
إن الزمان يغرّ ثمَّ
يذيق عاقبة الغرور
وعظتك واعظة القتير
ورأيت منقلب الدهور
وربيت في مجد الأمير
ولم تمت موتة الأمير
لما سُلبت الحكم قلت
الحكم لله القدير
ورآك جندك ضارعاً
لهمو ضراعات الأسير
لقد استجرت بمعشرٍ
ما كنت فيهم بالمجير
هيَ غارةٌ لكنها
دارت على رأسِ المُغير
من ذا استشرت لها ولم
تكُ في الحياة بمُستشير
لقد استطرت بشرِّ
يومك كلّ شرٍّ مستطير
من عاش يستحلي الشرور
يموت من تلك الشرور
أحمد نسيم
إنّ الملوكَ إذا استبدوا أصبحتْ
أيامُهم رهنَ الحوادثِ سودا
ورأوا قلوبَ العاملينَ حقيبةً
مُلئتْ ضغائنَ نحوهم وحقودا
حتى إذا شهرَ المَضيمُ حسامهُ
كانت لهُ مهجُ الجفاةِ غمودا
قُمتَ بوادي النيلِ حتى سقيته
مرارةَ صبرٍ لا يُطاقُ وصابِ
وغادرتهُ يشكو إلى الله مابهِ
وينزو بقلبٍ من أذاكَ مذابِ
دعا ربّهُ حتى أجابَ دعاءهُ
وقد كان قبلاً فيك غير مُجابِ
فسيّان سخط في كتابك أو رضى
إذا كانَ ترحالٌ بغيرِ إيابِ
حسبناكَ نسراً قد هممنا بزجرهِ
إذا بك يوم البينِ شرُّ غرابِ
خرجت على رغم وكان تشفياً
دعاءُ الورى ربِّ ارمهِ بشهابِ
ولونُكَ مُصفرٌ ورأسُكَ مطرقٌ
وطرفُكَ محسورٌ ووجهُكَ طاب
وعينُكَ تبكي عرش ملك نُزعتهُ
وترنو لنيلٍ مترعٍ وهضابِ
نأى النيل حتى صرت أشوق مولع
إلى رشفاتٍ من لماه عذاب
وساءكَ نأي القصر وهو مشيد
على هضباتٍ غضّةٍ وروابي
ثويتَ به تختالُ بين خمائلٍ
وبينَ عراصٍ شسع ورحابِ
فصار كَحلم أو كآل حسبته
من الجهل ماءً أو كلمعِ سراب
ومرّت ليالٍ لا تعود كأنها
سنوح شبابٍ أو مرور سحاب
أحمد فتحي
حلمٌ لاحَ لعينِ الساهرِ
وتهادى في خيالٍ عابرِ
وهفا بينَ سكون الخاطرِ
يصلُ الماضي بيُمنِ الحاضرِ
طاف بالدنيا شعاعٌ من خيالي
حائرٌ يسألُ عن سرِّ الليالي
يالهُ من سرّها الباقي ويا لي
لوعةُ الشعرِ ووهمُ الشاعرِ
حينَ ألقى الليلُ للنورِ وشاحه
وشكا الطلُّ إلى الرملِ جراحه
يا تُرى هل سمعَ الفجرُ نواحه
بينَ أنغامِ النسيمِ العاطرِ
صحت الدنيا على صُبحٍ رطيبِ
وهفاالمعبدُ للحنِ الغريب
مرهفاً ينساب من نبع الغيوب
ويناجيهِ بفنِ الساحرِ
ها هنا الوادي وكم من ملكٍ
صارعَ الدهرَ بظلِّ الكرنكِ
وادعاً يرقبُ مسرى الفلكِ
وهو يستحي جلالَ الغابرِ
أينَ يا أطلالُ جندُ الغالبِ
أيتَ آمونُ وصوتُ الراهبِ
وصلاةُ الشمس وهمي طار بي
نشوة تزري بكرمِ العاصرِ
أنا هيمانٌ ويا طولَ هُيامي
صورُ الماضي ورائي وأمامي
هي دمعي وغنائي ومدامي
وهي في حلمي جناح الطائر
ذلكَ الطائرُ مخضوب الجناحِ
يُسعدُ الليلَ بآياتِ الصباحِ
ويغني في غدوٍّ ورواحِ
بين أغصانٍ وورد ناضرِ
في رياضٍ نضّرَ الله ثراها
وسقى من كرم النيلِ رُباها
ومشى الفجرُ إليها فطواها
بينَ أفراحِ الضياءِ الغامرِ
هاشم رفاعي
أبى الله إلا أن تُذلَّ وتخضعا
وشاءَ لركنِ البغي أن يتصدّعا
ويا طولَ ما أوجعتَ في مصر آمناً
فبتَ مثلَ من قد باتَ بالأمسِ موجعا
وفارقتَ دستَ الحكمِ والأنفُ راغمٌ
فَمُتْ بالأسى أو عشْ ذليلاً مُضيّعا
هو الكأسُ قد ذقناهُ فاشربهُ علقماً
وعُدْ بمريرِ الخزي،منا مُشيّعا
هوى غيرَ مأسوفٍ عليه فلم يدعْ
بأيِّ فؤادٍ للترحمِ موضعا
وكانَ سقوطُ الفردِ مصدرَ فرحةٍ
فكيفَ يكونُ الأمرُ لو سقطوا معاً؟
تخذتمْ من الجُندِ الكثيفِ حصونكم
وكانت قلوبُ الشعبِ أقوى وأمنعا
وشاركتَ في نشرِ الظلامِ فَنبنّي
أما كان حكمُ النورِ أجدى وأنفعا
وثبتُمْ..فقلنا وثبةُ الحقِّ والهدى
فكنتمْ وبالاً ما أشدَّ وأفظعا
وجُرتمْ علينا مرةً بعد مرةٍ
وجرعتمونا الكأسَ بالهونِ مُترعا
أدرتُمْ جهازَ الحكمِ وفقَ هواكمُ
ولم ترتضوا منّا سواكم مُشرّعا
ومالتْ بكمْ فُلك السياسةِ بينما
أشارَ أخو رأيٍ فلم يلقَ مسمعا
تقاضيتموا منا جزاءَ وثوقنا
بكم يومَ أن جئتم دماءً وأدمعا
وأشعلتموا ناراً رأينا لهيبها
رعى من بني مصر العزيزةِ ما رعى
وقد فرغت منا..فأنتم وقودها
ولابدّ أن يلقى أخو البغي مصرعا
نزار قباني
يعمرُ الحاكمُ في بلادنا
ألف سنة
وعندما يذهبُ مضطراً
إلى ضريحهِ
يُهنىءُ المشيعون بعضهم
وترقصُ الأزهارُ خلف نعشه والأحصنة
بدوي الجبل
يفتكُ الظلمُ بالضعيفِ ويُردي
بعدَ حينٍ بشؤمهِ الظُّلاما
يفنى المُزوِّرُ من مجدٍ ومن خُدعتْ
بهِ الشعوبُ وتبقى أنتَ والأبدُ
عشرينَ عاماً شربنا الكأسَ مُترعة
من الاذى فتملّى صروفها الآنا
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا
على الأرائكِ خُدّاماً وعُبدانا
الله أكبر هذا الكونُ أجمعهُ
لله، لا لكَ تدبيراً وسلطانا
ضغينة تتنزى في جوانحنا
ما كانَ أغناكم عنها وأغنانا
كلّ طاغٍ ـ مهما استبدَ ـ ضعيف
كلّ شعبٍ ـ مهما استكان ـ قدير
كلّ ظلم له ـ وإن طالت الأيا
مُ ـ يومان:أوّلٌ وأخيرُ
يغضبُ القاهرُ المسلح بالنار
إذا أنَّ أو شكا المقهورُ
فاتقوا ساعةَ الحسابِ إذا دقّتْ
فيوم الحسابِ يومٌ عسيرُ
أرى الفردَ لا يبقى وإن طالَ حكمهُ
ويبقى بقاءُ الحقِّ والزمنُ الشعب
وأشهد أن الظلمَ يردى فلو طغى
على السفحِ هضب شامخ زلزل الهضب
شكتْ جبروتَ الكثب حبات رملها
إلى الله فانهارت مع العاصف الكثبُ
إنّي لأشمتُ بالجبّارِ يصرعهُ
طاغٍ ويُرهقهُ ظلماً وطغيانا
لعلّهُ تبعثُ الأحزانُ رحمتَهُ
فيُصبحُ الوحشُ في بُرديهِ إنسانا
والحزنُ في النفسِ نبعٌ لا يمرُّ بهِ
صادٍ من النفسِ إلا عادَ ريّانا
عبرةٌ للطغاةِ مصرعُ طاغٍ
وانتقامٌ من عادلٍ لا يجورُ
والذي عذَّبَ الأباةَ رأى التعذيبَ
حتى استجارَ من لا يُجير
قدماهُ لم تحملاهُ إلى الموتِ
فزحفَ على الثرى لا مسيرُ
وخزتهُ الحِرابُ وهو مسوقٌ
لِرداهُ،مُحطّمٌ مجرورُ
وكيفَ أرضى بقومٍ ألّهوا صنماً
وكفّروهُ وذَمّوا بعد أن حمدوا
حتى إذا راعَ قصفُ الرعد من سمعوا
وراعَ برقُ الدجى أحلام من شهدوا
تكّشفَ النقعُ عن أشلاءِ طاغيةٍ
وراحَ يخطرُ في غاباتهِ الاسدُ
ولَرُبَّ مختال تناساهُ الردى
ووددتُ لو بكرتْ عليَّ نعاته
صلى لتفريقِ الشعوبِ فبغضّتْ
عندي الديانة والتُقى صلواته
خير الدين زركلي
صبر العظيم على العظيم
جبار زمزم والحطيم
إن الفضاء إذا تسلط
ضاع فيه حجى الحكيم
والنفس جامحة فخذ
ما اسطعت منها بالشكيم
انهض فقد طلع الصبا
ح ولاح محمر الأديم
الق السلام على الطلو
لِ وحي شاخصة الرسوم
ودع قصور(أبي نمي)
لست فيها بالمقيم
راعتك رائعة الملوك
ويؤت بالخطب الجسيم
سهم رماك الأقربو
ن به فغلغل في الصميم
لم يجدك الحذر الطوي
ل من الموالي والخصيم
أيام كنت تسىء ظنك
بالرضيع وبالفطيم
ما كنت تحفل بالنص
حِ وكنت أحفى بالنموم
للنعميات يد الوشا
ةِ وللأباة لظى الجحيم
ريع الكرام بقصرك ال
عالي فذقْ روع الكريم
اسمع أنين (القبو) ويح
(القبو) من حنق كظيم
أعددت للأحرار فيه
عقاب منتقم ظلوم
أكلت حياة(القبو) من
أرواحهم ومن الجسوم
طال انقيادك للخصوم
وأنت أدرى بالخصوم
الإنكليز وما أرا
ك بأمرهم غير العليم
ما في جموعهم وإن
حدبوا عليك سوى غريم
ذؤبان واديك الفسيح
وآفة الملك العقيم
قد يستنيم أذاهم
حيناً وليس بمستنيم
كالنار تذكيها الريا
ح فكيف تطفأ بالنسيم
عجباً لمن طلب الخلا
فة والخلافة في النجوم
أين الخلافة لا خلا
فة في الحديث ولا القديم
أو لست أعجب للزعيم
يفوته سهر الزعيم
الجامع المتناقضات
من الغرائز والفهوم
الغافل اليقظ،الحريص
الباذل،العاتي الرحيم
يا ناظم العقد النثير
وناثر العقد النظيم
لم ألف قبلك هادماً
ما كان يبنى من أطوم
كانت تخومك لا تنال
فهل حميت حمى التخوم
العرب قومك يا حسين
وأنت منهم في الصميم
كم علموك وما علمت
وحاولوا بك من مروم
هلا اقتديت وأنت تش
هد بالفتى عبد الكريم
المستعز بقومه
والمستبد على الغشوم
والمسترد علا حماه
بحدِّ مرهفة الصروم
والمشهد الأقوام أن
الحقّ محمي الحريم
والمبلغ الأسماع أن
الضيم ينهض بالمضيم
رفع العقيرة في الجموع
وأنت لاه بالنعيم
ونفى الهموم عن الربوع
وأنت تبعث بالهموم
وشفى الصدور من الكلوم
وأنت كنت من الكلوم
ماذا ادخرت لمثل يو
مك والنذير نذير شؤم
يا عبرة لأولي البصا
ئرِ في الحميد وفي الذميم
قل للذين سيخلفو
نك من عدو أو حميم
شرُّ الممالك ما يسا
سُ سياسة البغي الوخيم
ما في العروش على الجها
لة والغباء بمستقيم
ما كان والله(الحسين)
الشيخ بالشيخ النؤوم
لكن من خالف الهز
يم رمته صاعقة الهزيم
من حاد عن شرك الغمو
م اصطاده شرك الغموم
طلب السلامة بالونى
فإذا به غير السليم
وإذا الظلامُ عتا تبلّجَ فجره
ظُلمُ الحوادثِ مطلعُ الأنوار
عصام العطار
لا بدَّ لليلِ أن ينزاحَ غيهبهُ
ويشرقُ الفجر بعد الظلمِ والظُّلمِ
الله أكبرُ والأقدارُ ماضية
أين الطواغيتِ من عادٍ ومن إرمِ
سنصدعُ الليلَ مهما اشتدَ غيهبهُ
ونحملُ الفجرَ للإنسانِ والأممِ
فجرٌ من العدلِ والإسلام مؤتلقٌ
نهدي سناهُ لأهلِ الأرضِ كلّهم
عمر بهاء الدين الأميري
حِكمةُ الله تُمهلُ الظلمَ حيناً
فتنةً منه للظلومِ الجحودِ
فإذا أمرهُ صدقَ الوعدُ
ويا هولَ أخذهُ بالوعيدِ
سُنّةُ الله قد خلتْ في الطواغيتِ
قديماً من قبلِ خلقِ ثمودِ
وستبقى مادامَ في الكونِ بغيٌ
فترّقبْ يا شعبُ! صدقَ الوعودِ
سيؤوبُ المظلومُ وهو سعيدٌ
ومصيرُ الظلومِ غير سعيد
فارس الخوري
خليفة الله قد خالفت ما أمرت
بهِ الشريعة والتنزيلُ والكلم
ركبتَ مركب جَورٍ ليس يقبلهُ
ممن يخلفه في قومه الصنم
تأبى الشريعة أن تُبقيكَ حافظها
وأنتَ بالغدرِ والإغواءِ متّهم
فاليوم تعلم عقبى من يخونُ ومن
يطغى وتندم إذ لا ينفعُ الندم
الله أكبر والظُّلامُ قد علموا
لأيِّ مُنقلبٍ يُفضي الألى ظلموا
لقد هوى اليومَ صرحُ الظلمِ وانتفضتْ وحصحصَ الحقّ في عزٍّ وفي ظفرٍ ثارت لهُ عصبةٌ كانت مشردةً من كلِّ أروعَ في حيزومهِ حنقٌ
أركانهُ وتولّتْ أهلهُ النقمُ يحفّهُ خادماهُ:السيفُ والقلمُ وقد تهددها الإرهاقُ والعَدمُ في نفسهِ عِزّةٌ في أنفهِ شممُ
غادرتَ أمتكَ المنكودُ طالعُها أطلقتَ فيها سيوفَ الغادرينَ وقد
تغضُّ مقلتها إن عُدّتِ الأمَمُ كانت بحبلك بعد الله تعتصمُ
حمّلتنا ما تنوءُ الراسياتُ به الله الله يا راعي القطيع فقد
كيفَ الصنيعُ وأنتَ الخصمُ والحكمُ لاقت مصارعها في رعيك الغنم
فكم شكونا ولم تسمع شكايتنا شادوا لك العزة القعساء من قدم كانت لهم دولة بالسيفِ ناهضة وليَّ نعمتنا قل لي أما بطلت فلو رفقتَ أميرَ المؤمنينَ بنا أينَ الغطاريفُ أربابُ العزائم من كانت لهم دولةٌ بالسيفِ ناهضةٌ
وكم دعونا وحظُّ الدعوةِ الصممُ فجئت تهدم ماشادوا وما رسموا وفي زمانك لا سيفٌ ولا قلم تلك الولايةُ لما ضاعتِ النِعمُ ما كانَ أنفثّ مصدورٌ وسالَ دمُ أسلافكَ الصيد من بالحزمِ قد عظموا وفي زمانكَ لا سيفٌ ولا قلمُ
والمُستغرّ بما لديهِ الأحمقُ والشيبُ أوقر والشبيبة أنزقُ
أينَ الذي الهرمانِ من بنيانهِ
ما قومهُ؟ما يومهُ؟ ما المصرعُ
تتخلّفُ الآثارُ عن أصحابها
حيناً،ويُدركها الفناءُ فتبعُ
يا منْ يُبدّل كلَّ يومٍ حُلّةً
آنّى رضيتَ بِحلُّةٍ لا تُنزعُ
ما زلتَ تدفعُ كلَّ أمرٍ فادحٍ
حتى أتى الأمرَ الذي لا يُدفعُ
وما طلبتْ زُرقُ الاسنّةِ غيرَهُ
ولكنَّ قسطنطينَ كانَ لهُ الفِدا
فأصبحَ يجتابُ المسوحَ مخافةً
وقد كان يجتابُ الدلاصَ المُسردا
ويمشي بهِ العُكازُ في الديرِ تائباً
وما كانَ يرضى مشيَ أشقرَ أجردا
وما تايَ حتى غادرَ الكرُّ وجههُ
جريحاً وخلّى جفنَهُ النقعُ أرمدا
أبو تمام
فولّى وما أبقى الرّدى من حُماتهِ
لهُ غيرَ أسارِ الرماحِ الذوابلِ
أما وأبيهِ وهو من لا أباً لهُ
يُفد لقد أمسى مضىءَ المقاتلِ
ما طالَ بغيٌّ قطُّ إلا غادرتْ
غلواؤُهُ الأعمارَ غيرَ طوالِ
البحتري
والدهرُ ذو دُولٍ تَنّقلُ في الورى
أيامُهنَّ تنقلَ الأوفياء
من كانَ يدري أنَّ آخرَ أمرهِ
يبقى أسيراً في يدِ الحُراسِ
وقد كنتُ ذا نابٍ وظفرٍ على العدى
فأصبحتُ لا يخشونَ نابي ولا ظُفري
أكانَ وليُّ العهدِ أضمرَ غدرَهُ
فمن عَجبٍ أن وُليَّ العهدَ غادره
فلا وُليَّ الباقي تراث الذي مضى (بعد أن قتل المنتصر والده المتوكل)
ولا حملتْ ذاك الدعاءَ منابره
مازلتَ تقرعُ بابَ بابكَ بالقنا
وتزورهُ في غارةٍ شعواء
حتى أخذتَ بنصلِ سيفكَ عنوةً
منهُ الذي أعيا على الأمراءِ
أخليتَ منهُ البذَّ وهي قرارهُ
ونصبتهُ علماً بسامراءِ
لم يُبقِ فيهِ خوفُ بأسكَ مطعماً
للطيرِ في عَودٍ ولا إبداءِ
فتراهُ مُطرداً على أعوادهِ
مثلَ إطرادِ كواكبِ الجوزاء
مُستشرقاً للشمسِ منتصباً لها (في مقتل وصلب بابك الخرمي على يد المعتصم)
في أخرياتِ الجذعِ كالحرباء
لإبن الخصيبِ الويل!كيفَ انبرى
بإفكهِ المُردي وإبطالهِ؟
كادَ أمينَ الله في نفسهِ
وفي مواليهِ وفي مالهِ
ورامَ في المُلكِ الذي رامهُ
بِغشّهِ فيهِ وإدغالهِ
فأنزلَ الله بهِ نقمةً وساقهُ البغيُ إلى صرعةٍ دِينَ بما دانَ،وعادت لهُ وأمّلَ المكروهَ في غيرهِ قد أسخطَ الله بإعزازهِ الد ففرحةُ الناسِ بإدبارهِ تشوّفوا أمس إلى قتله
غيّرتْ النعمة من حالهِ للحَينِ لم تخطر على بالهِ في نفسهِ أسوادُ أعماله فنالهُ مكروهُ آمالهِ نيا،وأرضاها بإذلاله كغيظهم كان بإقبالهِ وأملّوا سرعةَ إعجاله
فهو حلالُ الدمِ والمالِ إن
نظرتَ في باطنِ أحوالهِ
رامَ الذي رامَ وسَدآ الذي
سَدّاهُ من مُوبقِ أفعالهِ
والرأيُّ كلّ الرأي في قتلهِ (ابن الخصيب وزير الخليفة المستعين بالله)
بالسيفِ واستصفاءِ أموالهِ
تغيّرَ حُسنُ”الجعفريُّ” وأُنسهُ
وقُوِّضَ بادي”الجعفريّ” وحاضرُهْ
تحمّلَ عنهُ ساكنوهُ فُجاءةً
فعادتْ سواءً دورُهُ ومقابرهْ
إذا نحنُ زُرناهُ أجدَّ لنا الأسى
وقد كانَ قبلَ اليومِ يبهجُ زائرهْ
ولم أنسَ وحشَ القصرِ إذ ريعَ سِربهُ
وإذ ذُعرتْ أطلاؤهُ وجآذرهْ
وإذ صيحَ فيهِ بالرحيلِ فَهُتّكتْ
على عجلٍ أستارهُ وستائرهْ
ووحشتهُ حتى كأن لم يُقمْ بهِ
أنيسٌ،ولم تحسُنْ لعينٍ مناظرهْ
كأن لم تبتْ فيهِ الخلافةُ طلعةً
بشاشتها،والمُلكُ يُشرقُ زاهرهْ
ولم تجمعِ الدنيا إليهِ بهاءَها
وبهجتها والعيشُ غضٌّ مكاسرهْ
فأينَ الحجابُ الصّعبُ،حيثُ تمنّعتْ
بهيبتها أبوابهُ ومقاصرهْ
وأينَ عميدُ الناسِ في كلِّ نوبةٍ
تنوبُ،وناهي الدهر فيهم وآمره؟
تَخفّى لهُ مُغتالهُ تحتَ غِرّةٍ
وأولّى لمن يغتالهُ لو يُجاهرهْ
فما قاتلتْ عنهُ المنونَ جنودَهُ
ولا دافعتْ أملاكهُ وذخائرهْ
ولا نصرَ المُعتزَّمن كانَ يُرتجى لهُ
وعزيزُ القومِ من عَزَّ ناصرهْ
ولو عاشَ ميتٌ،أو تقرّبَ نازحٌ
لدارتْ من المكروهِ ثمَّ دوائرهْ
حُلومٌ أضلتها الأماني،ومُدّةٌ
تناهتْ،وحتفٌ أوشكتهُ مقادرهْ
ومُغْتَصبٌ للقتلِ لم يُخشى رهطهُ
ولم يُحتشمْ أسبابهُ وأواصرهْ
صريعٌ تقاضاهُ السيوفُ حُشاشةً
يجودُ بها والموتُ حمرٌ أظافرهْ
أُدافعُ عنه باليدينِ ولم يكنْ
ليثني الأعادي أعزلُ الليلِ حاسرهْ
ولو كان سيفي ساعةَ القتلِ في يدي
درى القاتلُ العجلانُ كيفَ أساوره
حرامٌ عليَّ الراحُ بعدكَ أو أرى
دماً بدمٍ يجري على الارضِ مائرهْ
وهل أرتجي أن يطلبَ الدمَ واترٌ
يدَ الدهرِ،والموتورُ بالدمِ واترهْ
أكانَ وليُّ العهدِ أضمرَ غدرةً؟
فمن عجبٍ أن وُلي العهدَ غادرهْ
فلا مُليَّ الباقي تراث الذي مضى
ولا حملتْ ذاكَ الدعاءَ منابرهْ
ولا وألَ المشكوكُ فيه،ولا نجا
من السيفِ ماضي السيفِ غدراً وشاهره
كأنّكمْ لم تعلموا من وليه
وناعيهِ تحت المرهفاتِ وثائره
وإني لأرجو أن تُردَّ أموركم
إلى خَلَفٍ من شخصهِ لا يغادره
مُقَلِّب آراءٍ تُخافُ أناتهُ (رثاء المتوكل الذي قتله ابنه المنتصر في قصره الجعفري)
إذا الأخرقُ العجلان خيفت بوادره
أصابَ الدهرُ دولةَ آلِ وهبٍ
ونالَ الليلُ منهم والنهارُ
أعارَهمُ رداءَ العزِّ حتى
تقاضاهم فردّوا ما استعاروا
حُلُمٌ مُطبقٌ على الشكِ عيني
أم أمانٍ غيّرنَ ظنّي وحَدسي؟
ليسَ يُدرى أصُنْعُ إنسٍ لِجنِّ
سكنوهُ أم صُنعُ جنٍّ لإنسِ
عُمرّتْ للسرورِ دهراً فصارتْ (يصف إيوان كسرى)
للتعزّي رباعهم والتأسي
أبو فراس الحمداني
يا منْ أتتهُ المنايا،غيرَ حافلة
أينَ العبيدُ وأينَ الخيلُ والخَولُ
أينَ الليوثُ التي حواليكَ رابضةٌ؟
أينَ الصنائعُ،أينَ الأهلُ ما فعلوا
أينَ السيوفُ التي يحميكَ أقطعها؟
أينَ السوابقُ؟ أينَ البيضُ والأسلُ
يا ويحَ خالكَ بل يا ويحَ كلّ فتىً
أكلُّ هذا تخطّى نحوكَ الأجلُ
يا عصبة شقيتْ، من بعد ما سعدت
ومعشراً هلكوا من بعدما سلموا
لبئس ما لقيت منهم وإن بليت
بجانب الطعن تلك الأعظم الرمم
ابن الرومي
ومنْ تحصّنَ محبوساً إلى أجلٍ
فإنّما حِصنهُ سجنٌ لمسجونِ
أما رأيتَ ابنَ اسحاقَ ومصرَعهُ
ودونَهُ رُكنُ عزٍّ غيرُ موهونِ
بأسُ الأميرِ وأبطالٌ مُدججةٌ
وكلُّ أجردَ ملحوفٍ وملبونِ
خاضتْ إليهِ غمارَ العزِّ ميتتهُ
فربعهُ منهُ قفرٌ غيرُ مسكونِ
ما دافعت عنهُ أبوابٌ مُحجّبةٌ
كلا ولا حُجُرٌ مغشيّةُ الخون
مملوءةً ذهباً عيناً تجيشُ بهِ
جناتُ نخلٍ وأعنابٍ وزيتونِ
كذاكَ انتقامُ الله من كلِّ ظالمٍ
ظلمت صديقاً فابتليت بمنتقمِ
ألا كمْ أذلَّ الدهرُ من مُتعزّزٍ
وكمْ زمَّ من أنف حَميٍّ وكم خطمْ
وكم صالَ بالأملاكِ وسطَ جنودِها
وأخنى على أهلِ النبواتِ والحكم
وكم نعمةٍ أذوى،وكم غبطةٍ طوى
وكم سندٍ أهوى،وكم عروةٍ فصم
إنّ المنيّةَ لا تُبقي على أحدِ
ولا تهابُ أخا عزٍّ ولا حشدِ
هذا الأميرُ أتتهُ وهو في كَنفٍ
كالليلِ من عُددٍ ماشئتَ أو عددِ
حتى أتاهُ رسولُ الموتِ يؤذنهُ
أنّ البقاءَ لوجهِ الواحدِ الصّمدِ
علوتَ علواً لم تكنْ قطُّ أهلَهُ
وأنتَ جديرٌ بعدهُ بِسفالِ
ولقد رأيتُكَ والياً مُستعلياً
ولقد رأيتُكَ في الحديدِ مُقيّدا
إذ لم تزدكَ ولايةٌ في سؤددٍ
كلا،ولا الأخرى محت لك سؤددا
فطلعتَ كالسيفِ الحسامِ مُجرداً
للحقِّ أو مثل الهلالِ مجددا
لا أقذع السلطان في أيامه
خوفاً لسطوتهِ ومرّ عقابه
وإذا الزمانُ أصابه بصروفه
حاذرت رجعته ووشك مثابه
وأعدّ لؤماً أن أهم بعضّه
إذا فلّت الأيام من أنيابه
أحوجهُ الله إلى مثلهِ
يوماً لكي يُجزى بأفعالهِ
لا زالَ يومُكَ عبرةً لغدك
وبكتْ بشجوٍ عين ذي حسدك
فلئن نُكبتَ لطالما نُكبتْ
بكَ هِمّةٌ لجأتْ إلى سَندك
لو تسجد الأيام ما سجدت
إلا ليومٍ فتَّ في عضدِك
يا نعمةً،ولّت غضارتها
ما كانَ أقبحَ حسنها بيدك
فلقد غدتْ برداً على كبدي
لما غدتْ حرّاً على كبدك
ورأيتُ نعمى الله زائدةً
لما استبانَ النقصُ في عددك
لم يبقَ لي مابرى حسدي
إلا بقاءُ الروحَ في جسدك
أقبلتْ دولةٌ هي الإقبالُ
فأقامتْ وزالَ عنها الزوالُ
دولةٌ ليسَ يُعدَمُ الدهرُ فيها
باطلٌ مزهقٌ وحقٌّ كُدالُ
طالعت للعيونِ فيها مصا
بيحَ أضاءتْ لضوئها الآمالُ
بشار بن برد
أبا مُسلمٍ ما طولُ عيشٍ بدائمٍ (رواية:أبا جعفرٍ)
ولا سالمٌ عما قليلٍ بسالمِ
على الملكِ الجبارِ يقتحمُ الردى
ويصرعُهُ في المأزقِ المُتلاحمِ
كأنّكَ لم تسمعْ بقتلِ مُتَوّجٍ
عظيمٍ ولم تسمع بفتكِ الأعاجمِ
تقسّمَ كسرى رهطُهُ بسيوفهم
وأمسى أبو العباسِ أحلامَ نائمِ
وقد كانَ لا يَخشى انقلابَ مكيدةٍ
عليهِ، ولا جريَ النحوسِ الأشائمِ
مُقيماً على اللذَّاتِ حتى بدتْ لهُ
وجوهُ المنايا حاسراتِ العمائم
ومروانُ قد دارتْ على رأسهِ الرَّحى
وكانَ لما أجرمتَ نزرَ الجرائمِ
فأصبحت تجري سادراً في طريقهم
ولا تتقّي أشباهَ تلكَ النقائمِ
تجرّدتَ للإسلامِ تعفو سبيلَهُ
وتُعري مَطاهُ لليوثِ الضراغم
فما زلتَ حتى استنصرَ الدِّينُ أهلَهُ فَرُمْ وَزراً يُنجيكَ يا بنَ سلامةٍ
عليكَ فعاذوا بالسيوفِ الصوارمِ فلستَ بناجٍ من مضيمٍ وضائم
فَرُمْ وَزراً يُنجيكَ يا ابنَ وشيكةٍ
فلستَ بناجٍ من مُضيمٍ وضائمِ
لحى الله قوماً رأسوكَ عليهمُ
وما زلتَ مرؤوساً خبيثَ المطاعمِ
أقولُ لبسلمٍ عليهِ جَلالةٌ
غدا أريّحياً عاشقاً للمكارمِ
من الهاشميينَ الدعاةَ إلى الهدى
جِهاراً ومن يَهديكَ مثلُ ابنِ هاشمِ
سراجُ لعينِ المُستضىء وتارةً
يكونُ ظلاماً للعدوِ المُزاحمِ
جرير
لا يأمننَّ قويٌّ نقضَ مِرّتهِ
إنّي أرى الدهر ذا نقضٍ وإمراء
الفرزدق
كيفَ ترى بطشةَ الله التي بطشتْ
بابنِ المُهلّب،إنّ الله ذو نِقمِ
قُلْ لنصرٍ والمرءُ في دولةِ السل
طانِ أعمى مادامَ يُدعى أميرا
فإذا زالت الولايةُ عنهُ
واستوى بالرجالِ عادَ بصيرا
أقولُ لهُ لما أتاني نعيّهُ
بهِ لا بظبي بالصريمةِ أعفرا
الأخطل
عشنا بذلكَ حقبةً من عيشنا
وثرىً،من الشهواتِ والاموالِ
رُبَّ جبّارٍ معشرٍ قد قتلنا
كان في يومهِ شديدَ النكيرِ
المعري:
تعالى الله كم ملكٍ مَهيبٍ أقرَّ بأن لي رباً قديراً
تبدّلَ بعد قصرٍ ضِيقَ لحدِ ولا ألقى بدائعه بجحدِ
وأرى الملوكَ ذوي المراتبِ غالبوا
أيامهم،فانظر بعيشك من غَلبْ
لم يعلموا أنَّ أقداراً ستنزلهمْ
بالعُنفِ من فوقِ أفدانٍ وأبراجِ
وما يحميكَ هِزٌّ أن تُسبى
ولو أنّ الظلامَ عليك سِبُّ
تُدالُ كراسيُّ الملوكِ،وطالما
غدتْ وهي تُحمى بالعوالي مروجها
وكم نزلَ القَيلُ عن منبرٍ
فعادَ إلى عنصرٍ في الثرى
وأُخرجَ عن ملكهِ عارياً
وخَلَّفَ مملكةً بالعَرا
أرى ملِكاً تحفُّ بهِ موالٍ
لهُ نظر إلى الدنيا جديدُ
ضفا برد الشّبابِ عليه ،حتى
مضتْ حقبٍ وملبسهُ جديد
يزول القيظُ في صيف ومشتى
ويسترُ شخصهُ ظلٌّ مديد
وفت عدد لديه،فمن دروع
وأسيافٍ ينوءُ بها عديدُ
وكانَ السعدُ صاحبهُ زماناً
ولكن طالما شقى السعيدُ
بدا شخص المنونِ لناظريهِ
وقيل له:ابتدىء أم تعيدُ
تصعد في المرابت غير وان
وأحرزه على الرغم الصعيد
تفرّقت الجنود فما حمته
وأبطلت المواعدُ والوعيد
أبو العتاهية
وكمْ من عزيزٍ هانَ من بعدِ عِزّةٍ
ألا قد يعزُّ المرءُ ثم يهونُ
المنايا تجوسُ كلَّ البلادِ
والمنايا تُفني جميعَ العباد
لتنالنَّ من قرونٍ أراها
مثلَ ما نِلنَ من ثمودٍ وعادِ
أينَ أينَ داود،أينَ سليما
نُ المنيعُ الأعراض والأجنادِ؟
راكبُ الريحِ قاهرَ الجنِّ والإن
سِ بسلطانهِ مُذلُّ الأعادي
أينَ نمرود وابنه؟أين قارو
نُ وهامانُ ذو الأوتادِ؟
إن في ذكرنا لهم لاعتباراً
ودليلاً على سبيلِ الرشادِ
وردوا كلّهم حياضَ المنا
يا ثمّ لم يصدروا عن الإيرادِ
ألمْ ترَ الملكَ الأمسيَّ حينَ مضى
هل نالَ حيٌّ من الدنيا كما نالا
أفناهُ من لم يزلْ يُفني الملوكَ فقد
أمسى وأصبحَ عنهُ الملكَ قد زالا
كم من ملوكٍ مضى ريبُ الزمانِ بهم
قد أصبحوا عبراً فينا وأمثالا
سلِ الأيامَ عن أممٍ تقضّتْ
ستنبيكَ المعالمُ والرسومُ
كم من عظيمِ الشأنِ في نفسهِ
أصبحَ مُعتزاً،فأمسى ذليلُ
وكمْ من ذليلٍ عزَّ من بعدِ ذِلّةٍ
وكم من رفيعٍ صارَ في الأرضِ أسفلا
ولقد عجبتُ لهالكٍ ونجاتُهُ
موجودةٌ ولقد عجبتُ لمن نجا
وعجبتُ إذ نسيَ الحِمامَ وليسَ من
دونِ الحِمامِ ولو تأخر منتهى
يا ساكنَ الدنيا أمِنتَ زوالها
ولقد ترى الأيام دائرة الرّحى
ولكم أبادَ الدهرُ من مُتحصنٍ
في رأسِ أرعنَ شاهقٍ صعبِ الذرى
أينَ الأُلى شادوا الحصونَ وجنّدوا
فيها الجنودَ تعزُّزاً أينَ الألى
أينَ الحماةُ الصابرونَ حَميّةً
يومَ الهياجِ لِحرّ مُجتلبِ القنا
وذوو المنابرِ والعساكرِ والدسا
كرِ والحضائرِ والمدائن والقرى
وذوو المواكبِ والكتائبِ والنجا
ئبِ والمراتبِ والمناصبِ في العلى
أفناهُمُ مَلِكُ الملوكِ فأصبحوا
ما منهمُ أحدٌ يَحِسُّ ولا يرى
أضحتْ قبورُهمُ من بعدِ عزّتهمْ
تسفي عليها الصَّبا والحرجفُ الشّملُ
لا يدفعونَ هواماً عن وجوههم
كأنهم خُشُبٌ بالقاعِ منجدلُ
إلى ديّانِ يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم
تموتُ غداً وأنتَ قريرُ عينٍ
من الغفلاتِ في لُججٍ تقومُ
تنامُ ولم تنمْ عنكَ المنايا
تنبّه للمنيّةِ يا نؤومُ
ترومُ الخلدَ في دارِ المنايا لهوتَ عن الفناءِ وأنتَ تفنى
وكم قد رامَ غيرُكَ ما ترومُ فما شىء من الدنيا يدومُ