داء الطاعون _الموت الاسود _

بسم الله الرحمن الرحيم

داء الطاعون (الموت الأسود)

من الناحية الطبِّية :

إنتان حاد أو مزمن عند الحيوانات ،يُصيب الإنسان بشكله الحاد،ويمتاز بالبدء المفاجئ والحُمّى المرتفعة،والضخامات العقدية اللمفية وتجرثم الدم . العامل المسبب الباستوريللا الطاعونية ،وهي عُصّيات سلبية الغرام هوائية غير متحركة .وتسمى عصيات يرسين نسبة إلى العالم الفرنسي السويسري الذي اكتشفها وهو الكسندر يرسين.

توجد جراثيم المرض في القوارض وخاصة الجرذان وينقلها للانسان القمل والقراد والبراغيث، حيث يتم نقلها للإنسان من جراء لدغ الإنسان،ومن ثم تنتقل جراثيم المرض الى العُقد اللمفّية وتُسبب الدُّبل (أي ضخامة العقد اللمفية ).

من الناحية السريرية : البدء مفاجئ مع حُمّى مُرتفعة وتسرع القلب والآم في الأطراف والظهر .

وللطاعون شكلان :

الأول الطاعون الدَّبلي: فترة الحضانة يوم حتى اسبوع ،وتحدث الوفاة خلال أيام قليلة ، ويمتاز بضخامة العقد اللمفية وخاصة المغبنية والفخذية ثم الإبطّية والرقبية،وتكون العقد المصابة مؤلمة ومتضخمة.

الثاني الطاعون الرئوي :وينجم عن إصابة الانسان بالعدوى من إنسان أخر مصاب، وهو كاسح يقضي على المريض خلال ثلاثة أيام ،ويمتاز بالحُمّى المرتفعة وتسرع القلب والتنفس، ويُصاب المريض بذات الرئة مع نفث الدم والصداع والآلام العضلية.

من الناحية التاريخية:

شبّه الأوربيون الطاعون البوبوني بالدخان القاتل المُنصّب من السماء أو البخار المُنبعث من الشُّهب الساقطة . أما نظرية العدوى القائلة أن سبب الطاعون هو الجراثيم فلم تعرفه اوروبا حتى عام 1893م حيث أثبت عالم ياباني  اسمه شيبا  سابورو كتياستو أن سبب الإصابة بالطاعون هي بكتريا تحملها براغيث الفئران(مجلة العربي العدد 380 تموز 1990)

إن لفظ كورنتينا هو لفظ ايطالي ويعني اربعين، وقد شاع استعماله بمعنى الحجر الصحي في اواخر القرن الرابع عشر للميلاد وذلك أيام انتشار مرض الطاعون البوبوني الفتّاك ، وتحديدهم مدة الحجر بأربعين يوماً استناداً إلى الإنجيل وقوله بأنَّ المُدّة التي ضمنت انحسار الطوفان لكفيلة أيضاً بانحسار مرض الطاعون أو الموت الأسود(نفس المرجع).

إن أول انتشار للطاعون كوباء كان عام 541 للميلاد حيث انتقل من البحر الأحمر الى بلدان حوض البحر الابيض المتوسط وقضى على نصف السكان تقريبا،وحتى عام 760 سُجّلت حوالي أربعة عشرة حالة وباء في اوروبا (اي مابين 541-760م). وقد قضى على الآلاف من السكان ،وعلى سبيل المثال كان عدد سكان منطقة الترير في المانيا 200 الف نسمة ولم يبق منهم إلا ألف فقط على قيد الحياة .واختفت كثير من العواصم الاوروبية بسبب هذه الأوبئة . وكان الطاعون هو الهاجس الاكبر الذي كان يسيطر على السكان في اوروبا في العصور الوسطى .

وفي عام 1347م ومع حدوث وباء شديد اجتاح اوروبا واصلاً إليها من آسيا والتيبت تم ولأول مرة ربط الوباء ولدغ البراغيث .

وفي عام 1345م قال علماء الفلك بأنَ الوباء له علاقة مع تاثير بعض الكواكب مثل زحل ومارس . وظهرت نظرية أخرى بأن حرق أطنان من الجثث البشرية والحيوانية وما يخلفه من دخان الجثث المتفسخة قد يساعد في نشر الوباء وهذا ماأدى إلى ارتداء الملابس الواقية وبحيث لايظهر من الانسان إلا عينيه (المجلة الطبية الالمانية تموز 1987)

وفي عام 1849م اكتشف العالم يرسين جُرثومة الطاعون ولذا تُسمى عُصّية يرسين

أكثر الأماكن في الإصابات حاليا بالطاعون في أسيا وخاصة دولة ميانمار وفيتنام وكذلك الصين ومنغوليا،وأما في افريقيا فيشاهد في زائير ومدغشقر ،وفي أمريكا الجنوبية في البرازيل والبيرو .

من الناحية الدينية :

جاء في الحديث الشريف :” إذا سمعتم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخلوها ،وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها “[أخرجه البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنه]

يقول عباس محمود العقاد (عبقرية محمد ص69):

“هذا الإلهام النافذ السّديد في تدبير المصالح العامة ،وعلاج شئون الجماعات،هو الذي أوحى الى الرسول الأميّ صلى الله عليه وسلم قبل كشف الجراثيم ،وقبل تأسيس الحِجر الصحي بين الدول ،وقبل العصر الحديث بعشرات القرون أ ن يقضي في مسائل الصّحة واتقاء نشر الأوبئة بفصل الخطاب ،الذي لم يأت العلم بعده بمزيد  فتلكم وصية من ينظر في تدبيره إلى العالم الإنساني بأسره لا الى سلامة مدنية واحدة ،أو سلامة فرد واحد .. إذ ليس أصون للعالم من حصر الوباء في مكانه، وليس من حقّ مدينة أن تنشد السلامة لنفسها أو لأحد من سكانها بتعريض المدن كلها لعدواها” .

وجاء في الحديث الشريف عن كعب رضي الله عنه:” يُوشكُ أن يُرفعَ عنكم الطاعون ويفيضَ فيكم شنآنُ الشتاء. قيل : ماشنآن الشتاء ؟ قال : برده(استعار الشنآن للبرد لأنه يفيضُ في الشتاء ، وقيل أراد بالبرد سهولة الأمر والراحة ، لأن العرب تكني بالبرد عن الراحة . والمعنى : يرفع عنكم الطاعون والشدّة ، ويكثر فيكم التباغض والراحة والدعة ) لسان العرب ج1 ص103

الاية الكريمة:{فأرسلنا عليهم الطوفان والجرادَ والقُمّلَ والضفادعَ والدمَ آياتٍ مفصلاتٍ فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين} [الأعراف133 ].

يقول ابن الجوزي في تفسيره: في الطوفان وردت عدة أقوال منها أنه الماء (المطر نزل عليهم ليلا نهارا) والثاني :انه الموت، والثالث : انه الطاعون قاله مجاهد.

جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

“إن المدينة مشتبكة بالملائكة على كل نقبٍ منها ملكان يحرسانها لا يدخلها الطاعون ولا الدّجال فمن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء “[ رواه أحمد في مسنده عن سعد بن مالك وأبو هريرة رضي الله عنهما وقال المحدث أحمد شاكر:إسناده صحيح] . وجاء معنى الحديث ومعظم لفظه في صحيحي البخاري و مسلم في  عن أبي هريرة رضي الله عنه “على أنقاب المدينة ملائكة ،لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال”.

عن عبد الله بن رافع قال: لما أُصيب أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل ،واشتدّ الوجع فقال الناس لمعاذ بن جبل ادعُ الله أن يرفع عنا هذا الرجز ،فقال : إنه ليس برجز ،ولكنه دعوة نبيكم ،وموت الصالحين قبلكم ،وشهادة يختصُّ الله بها من يشاء من عباده منكم . أيها الناس ، أربع خلالٍ من استطاع منكم أن لايدركه شئٌ منها فلا يدركه شئ منها ، قالوا : وما هنّ ؟ قال: يأتي زمن يظهر فيه الباطل ويصبح الرجل على دين ويمسي على أخر ،ويقول الرجل والله لا أدري علام أنا ؟ لا يعيش على بصيرة ولا يموت على بصيرة ،ويعطي الرجل من المال مال الله على أن يتكلم بكلام الزور الذي يسخط الله . اللهم آت آل معاذ نصيبهم الأوفى من هذه الرحمة . فطَعن ابناه (اصيبوا بالطاعون ) فقال : كيف تجدانكما ؟ قالا: يا أبانا  {الحقُّ من ربك فلا تُكوننَّ من المُمترين}[البقرة 147]  قال : وأنا ستجداني إن شاء الله من الصابرين . ثمَّ طعنت امرأتاه فهلكتا ،وطعن هو في إبهامه فجعل يمسها بِفيهِ ويقول :اللَّهُمَّ إنها صغيرة فبارك فيها ،فإنكَ تبارك في الصغيرة ، حتى هَلك .( وعمواس في الأردن من الشام ).

أصيب معاذ بن جبل بالطاعون، فلما حضرته الوفاة ،استقبل القبلة ،وجعل يردد: مرحباً بالموت مرحباً، زائرٌ جاء بعد غياب، وحبيبٌ وفَد على شوق. ثم جعل ينظر الى السماء ويقول: الَّلهُمَّ ،إنكَ كنُتَ تعلم أنّي لم أكن أحبُّ الدنيا وطول البقاء فيها لغرسِ الأشجارِ، وجري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، ومُكابدةِ الساعات، ومُزاحمة العلماء بالرُّكَب عند حلقِ الذكر. اللهم فتقَّبل منّي بخيرِ ما تتقَّبل بهِ نفساً مؤمنة. ثم فاضت روحهُ الطاهرة ،بعيداً عن الأهل والعشيرة داعياً الى الله مهاجراً في سبيله ، ومات في فلسطين رضي الله عنه .وكان ذلك في سنة 18 هجري ، وكان عمره 33 أو 38 سنة .

ومن الصحابة الذين ماتوا بطاعون عَمواس عام 18 للهجرة (قرية تقع بين القدس ويافا) : أبو عبيدة بن الجراح، وبلال بن رباح ودفن بباب الصغير في دمشق ،والفضل بن العباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .ومعاذ بن جبل وضرار بن الأزور وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان ودفنوا جميعاً في غور الأردن، ولا تزال قبورهم ماثلة للعيان.

جاء في فيض الخاطر لأحمد امين (ج10 ص91 ):

” أُصيب أبو عبيدة بن الجراح بطاعون عمواس سنة ثماني عشرة من الهجرة ،وكان أبو عبيدة قائد الجند ،ومات من جُنده ِكثير ، فاستدعاه عمر بن الخطاب أن يذهب الى المدينة خوفاً عليه من الإصابة ،فابى أبو عبيدة وكتب إليه “إنّي في جند من المسلمين ،لن أرغب بنفسي عنهم ،فإذا أتاك كتابي هذا فحلِّلني من عزمتك ،وائذنْ لي في الجلوس، وبقي في الجند يتعذَّبُ عذابهم ويتحَّمل العناء حتى أصابهُ الطاعون فمات عظيماً كما عاش عظيماً”.

ومن الصحابة الذين ماتوا بالطاعون نذكر أيضاً :شراحبيل بن حَسنة حيث مات بطاعون عمواس رضي الله عنه ، ويزيد بن أبي سفيان مات ايضاً بطاعون عمواس عام 18 هجري .وسهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري،وهو الذي تولى أمر الصلح بالحديبية نيابةً عن قريش .

ومن الذين ماتوا بالطاعون النحوي أبو الأسود الدؤلي الذي مات بطاعون الجارف عام 69 هجري .

ومن الذين ماتوا بالطاعون ابن الوردي في طاعون حلب عام 749 هجري وهو عالم وجغرافي وأديب وقاضي ونحوي صاحب مخطوط خريدة العجائب ،وهو من مواليد معرة النعمان في سوريا.

ومن الذين ماتوا بالطاعون أيضاً :تاج الدين السُبكي (727_771هجري)، وكان قاضي القضاة ، ومؤرخ وباحث . ولد في القاهرة وتوفي بدمشق بالطاعون ،ومن تصانيفه طبقات الشافعية الكبرى في ستة أجزاء .

ومن الذين ماتوا ايضا بالطاعون العالم محمد الزبيدي صاحب مؤلف تاج العروس في شرح القاموس وذلك في سنة 1205 هجري .

جاء في البيان والتبيين للجاحظ (ج2 ص162):”اسحق بن أيوب قال : هرب الوليد بن عبد الملك من الطاعون ،فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ،إن الله يقول :{قل لن ينفعكم الفِرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لاتمتعون إلا قليلا}[الأحزاب 16]. قال : ذلك القليل نريد

وجاء في نفس المرجع :”هرب رجل من الطاعون إلى النجف ، أيام شريح القاضي ، فكتب إليه شريح :” أما بعد فإن الفرار لن يبعد أجلاً، ولن يكثر رزقاً ،وإن المقام لن يقرب أجلاً ، ولن يقلل رزقاً ، وإن من بالنجف من ذي قدرة لقريب.

وجاء في وحي الرسالة لأحمد حسن الزيات (ج4 ص332):

“وقد ذكر صاحب التذكرة أن الطاعون فشا سنةً بدمشق ،فهمّ عبد الملك ابن مروان بالفرار منها .فدخل عليه بعض الفضلاء وقال: بلغني يا أمير المؤمنين أن ثعلباً صادق أسداً على أن يُجيره من السّباع ،فكان أبداً بين يديه . فظهر في يوم من الأيام عُقاب في الجو فخافه الثعلب ووثب على ظهر الأسد ، فانقض عليه العقاب واختطفه . فصاح الثعلب : يا أبا الحارث! العهد، العهد! فقال الأسد: إنما عاهدتك على أن أحفظك من أهل الأرض . أما أهل السماء فلا قبل لي بهم . فلما سمع عبد الملك هذا المثل قال: والله لقد وعظتني . ثم أبى أن يفارق المدينة .

وهناك مقال رائع في مجلة حضارة الإسلام للدكتور محمود ناظم نسيمي العدد تموز – آب عام 1971وبعنوان “توافق الأحاديث النبوية الشريفة والطب فيما يتعلق بالطاعون أنقله بنصه لقيمته الدينية والطّبية الرائعة :

توافق الأحاديث النبوية الشريفة والطب فيما يتعلق بداء الطاعون(د. محمود ناظم نسيمي-حضارة الإسلام –تموز-آب 1971م)

1- توافق الوصف الطبي

2- التوافق في إيجاب الحجر الصحي والتأكيد على أن المُتوفى بالطاعون شهيد إذا التزم واجبات الحجر

3- المعنى المجازي في قوله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون:وخز أعدائكم من الجن إشارة الى سببه.

4- الطاعون رجز لمن كان قبلنا وشهادة لنا.

التوافق في الوصف الطبي :

إن للطاعون ثلاثة أشكال سريرية تشاهد في وبائه هي كما يلي بإيجاز :

اولاً: الطاعون الدّبلي ويسمى ايضاً الدّملي والغدّي : يتصف بضخامة العقد اللمفية في المغابن(الناحية الإربية والإبط) او في الرقبة ويترافق مع التوعك والحمى.

ثانياً : الطاعون الإنتاني الدموي : يكون ثانوياً وتالياً للسابق أو مستقلاً بدون دّبل.

ثالثاً : الطاعون الرئوي: وهو شكل وخيم جداً لأنه يصيب الرئتين وينتهي بالوفاة خلال فترة قصيرة .

أما الوصف النبوي: فلقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم علامات الطاعون بشكل معجز، مع أنه صلى الله عليه وسلن نَبيٌّ أميّ ،لم يشهد وباء طاعون، ولم يتلق شيئاً من علوم زمانه طبية كانت أم غير طبية ،وصدق الله العظيم :{وما ينطق عن الهوى*إن هو إلا وحي يوحى}[النجم3 ـ 4].

من الأحاديث الشريفة النبوية في وصف مرض الطاعون:

  • حديث عائشة رضي الله عنها قالت:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفنى أمتي إلا بالطَعن والطاعون. قلت يارسول الله هذا الطعن قد عرفناه،فما الطاعون؟قال: غُدّة كغدّةِ البعير،المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف.” [رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط . قال في مجمع الزوائد: ورجال أحمد ثقات ، وبقية الأسانيد حسان ]. وقد ساق صاحب فتح الباري احدى الروايات عن عائشة رضي الله عنها برواية أحمد وابن خزيمة وفيها : غدّة كغدّةِ الإبل ، وقال سنده جيد .
  • وفي رواية عن عاشة رضي الله عنها عند البَزار قلت يارسول الله هذا الطعن قد عرفناه ،فما الطاعون ؟ قال: يُشبه الدّمل يخرج في  الآباط والمراق ،وفيه تزكية أعمالهم ، وهو لكل مسلم شهادة .
  • (المراق:ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي يرق جلودها ، واحدها مرق).
  • هذا وقد وصف الطاعون من قبل عدد من الفقهاء والأطباء المسلمين نذكر منهم :وصف القاضي عياض(محدث وفقيه مالكي توفي سنة 544هجري)الطاعون بأنه قروح خارجة في الجسم، وقال الإمام النووي (المحدث والفقيه الشافعي توفي سنة 676هجري)ووصف الشكل الوخيم من الطاعون المترافق بتقيّح العُقَد وانبثاق بعضها فقال في تهذيبه:هو بثر وورم مؤلم جداً يخرج مع لهب ويسّود ما حواليه أو يحمّر حمرة شديدة بنفسجية كدرة ، ويحصل معه خفقان وقئ ويخرج غالباً في المراق والآباط .ويقول أبو علي ابن سينا في الطاعون :الطاعون مادة سمية تحدث ورماً يحدث في المواضع الرّخوة والمغابن من البدن وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف الأذن .

التوافق في إيجاب الحجر الصحي :

يقصد بالحجر الصحي تحديد حرية الانتقال لكلِ حي ،حيوان أو إنسان ،تعرضَ للعدوى ، بمرض سار ،وحجره مدة من الزمن تعادل أطول حد لحضانة ذلك المرض. فإذا ثبت سلامته رفع عنه الحجر ،وإلا عزل لإصابته .وقد يكون الحجر برياً، أو بحرياً ،والغاية منه على كلِ حال دفع خطر العدوى ،بمنع دخول عوامل المرض الساري ،والحدّ من انتشارها  على الأقل في البلاد المتعرضة لذلك بالوسائل التي لاتعرقل التجارة والسياحة .

ومن الأحاديث النبوية الواردة في الحجر مايلي:

-عن عبد الله بن عامر أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الشام فلما كان  بِسَرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام ،فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ،وإذا وقع بأرض  وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه .[ أخرجه البخاري] وفي رواية أخرى عن ابراهيم بن سعد قال : سمعت أسامة بن زيد يحدث سعداً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها . فقلت أنت سمعته يحدث سعداً ولا ينكره قال : نعم . [أخرجه البخاري]

(ابراهيم هو : ابراهيم بن سعد بن أبي وقاص).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بِسَرْغٍ لقيه أمراء الأجناد-أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه- فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بالشام .قال ابن عباس: فقال لي عمر: ادعُ لي المهاجرين الأولين،فدعوتهم،فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام،فاختلفوا، فقال بعضهم: خرجتَ لأمرٍ، ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم : معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا نرى أن تُقدِمهم على هذا الوباء.فقال : ارتفعوا عني،ثم قال : ادع لي الانصار،فدعوتهم ، فاستشارهم ،فسلكوا سبيل المهاجرين،واختلفوا كاختلافهم ، فقال: ارتفعوا عني .ثم قال: ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح،فدعوتهم،فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا:نرى أن ترجع بالناس ولا تُقدمهم على هذا الوباء . فنادى عمر رضي الله عنه في الناس:إني مُصبحٌ على ظهرٍ،فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: افراراً من قدر الله؟فقال عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة!(وكان عمر يكره خِلافه)نعم نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبلٌ فهبطتْ وادياً له عُدوتان إحداهما خَصبةٌ والأخرى جَدبةٌ،أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ،وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ؟ قال :فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وكان مُتغيباً في بعض حاجته، فقال:إنّ عندي من هذا علماً،سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:”إذا سمعتم به بأرضٍ فلا تَقدموا عليه ،وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه” فحمد الله تعالى عمر رضي الله عنه وانصرف . [متفق عليه ].

إن هذين الحديثين الشريفين وأمثالهما وضع بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أساس الحجر الصحي في مكافحة الأوبئة بما يتلائم مع حقائق الطب وفن الصحة ومع المكانات العملية في زمانه وفي كل زمان ،وإذا استعرضنا نتائج أوبئة الطاعون وما ترتب عنها في بلاد المسلمين وفي بلاد أوروبا نجد كيف أثرت هذه التعاليم الصحية بشكل يدعو للإعجاز ، وهذه هي المقارنة:

قال أبو الحسن المدائني كما نقل النووي في شرح مسلم : كانت الطواعين العظام المشهورة في الإسلام خمسة :

اولاً: طاعون شيروية: بالمدائن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سنة السادسة من الهجرة.

ثانياً:طاعون عمواس:بالشام في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومات فيه خمسة وعشرون ألفاً ، وكان سنة 18 من الهجرة.

ثالثاً: طاعون الجارف: حدث في زمن ابن الزبير  في شوال سنة تسع وستين من الهجرة ، هلك في ثلاثة ايام ، كل يوم سبعون ألفاً. ومات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابناً.وسُمي الجارف لأنه كان يجرف من يتعرض له ولا يهرب منه.

رابعاً: طاعون الفتيات: لأنه بدأ بالعذارى، في شوال سنة سبع وثمانين من الهجرة في البصرة وواسط والشام والكوفة .

خامساً :طاعون في رجب سنى 131 هجري واشتدّ في رمضان ، فكان يحصى في سكة المربد في كل يوم ألف جنازة على عدة أيام ثم خفَ في شوال .

هذا في بلاد المسلمين ،أما في اوروبا فكانت أول جائحات الطاعون الكبرى عام 542م وكان سببها السفن المحملة بالقمح المصري وقضت على ثلثي سكان مدينة بايزانز ، وأكبر الجائحات كانت في القرن الرابع عشر واستمرت حوالي خمسون سنة واستطاع الداء الأسود اي الطاعون مابين أعوام 1348وعام 1352 ان يقضي على مالايقل عن 25 مليون نسمة أي ربع سكان اوروبا في ذلك الحين . وحوالي 200 ألف قرية اصيبت بالانقراض وكثير من المدن خسرت اكثر من نصف سكانها .

التوافق في الأسباب:

ان سبب الطاعون ظل سراً دفيناً إلى أواخر القرن التاسع عشر حيث تمكن العالم السويسري يرسين عام 1894م من اكتشاف الجرثوم المسبب للطاعون في هونغ كونغ أثناء حدوث الجائحة التي بدأت في الهند الصينية والصين . والطاعون في الاصل مرض حيواني وخيم يصيب الجرذان والفأر الوحشية والأهلية، تنتقل الإصابات بينها بواسطة البراغيث. وعند اصابة الجرذ بالطاعون تتركه براغيثه بسبب مايكون فيه من حمى أو بسبب موته وتنتقل إلى غيره من الحيوانات السليمة ،فإن لم تجد حيوانها المعتاد أو صادفت إنساناً علقته ولقحته بدائها فتبدأ الجائحة البشرية عندئذ .

يقول الحديث الشريف عن الطاعون “وخز أعدائكم من الجِنّ “.

_قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الطاعون شهادة لأمتي ،ووخز أعدائكم من الجِنّ، من  مات فيه مات شهيداً، ومن قام فيه كان كالمرابط في سبيل الله ، ومن فرَّ منه كان كالفارّ من الزحف “[ رواه الطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم في فوائد أبي بكر بن خلاد عن عائشة رضي الله عنها . قال الهيثمي  اسناده حسن] .

_قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ فناء أمتي بالطّعن والطاعون . قيل يا رسول الله هذا الطعن قد عرفناه  فما الطاعون؟ قال وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة .[أخرجه أحمد  . قال في مجمع الزوائد : رواة أحمد باسانيد رجال بعضها رجال الصحيح ].

والجِنّ عند العرب تنصرف ايضاً في تعريفها إلى ذات المخلوقات غير المرئية ،ذات القدرة  والاستطاعة  اللتين تفوقا ما عند اللإنسان بنفسه ،فالعرف الشرعي واللغوي في كلمة الجِنّ واحد ،وإن المعنى الحقيقي للكلام هو الأصل ولا يحاد عنه إلى المعنى المجازي إلا لصارف عقلي أو شرعي أو واقعي ،وبما أن المعنى المجازي في قوله صلى الله عليه وسلم وخز أعدائكم من الجن محتمل ومقبول لغة فهو المتعين .

وهناك من تعقيب على رأي الدكتور الفاضل محمود ناظم نسيمي:

“إن المعنى المجازي كما يقول الدكتور نسيمى فهو الأرجح عنده وهو حاصل من وجود تشبيه بليغ حذفت من التشبيه الأدلة ووجه الشبه فالمعنى وخز اعدائكم أمثال الجن في الخفاءة عن الأنظار ،أي هناك  مخلوقات تدّق عن أبصاركم عدوة لكم تسبب لمن تخزه وتؤذيه إلى الطاعون وهناك ملاحظة : لقد رد الحافظ ابن حجر العسقلاني رواية “وخز  اخوانكم”،حيث قال في فتح الباري:”يقع في الألسنة وهو في النهاية لابن الأثير لفظ “وخز اخوانكم” ولم أره بلفظ اخوانكم بعد التتبع الطويل البالغ في طرق الحديث المسندة ،لا في الكتب المشهورة ولا في الأجزاء المنثورة ،وقد عزاه بعضهم لمسند أحمد والطبراني أو كتاب الطواعين لابن أبي الدنيا ، ولا وجود لذلك في واحد منهم والله أعلم .

ويقول الدكتور حسن هويدي رحمه الله :

” محتمل أن يكون الجِنّ المذكورون في نص الحديث غير شياطين الجن ،لأن الجن لغة من الاجتنان ،فكل ماخفي عن البصر “جن” ولعل الحديث الشريف يشير إلى أن سبب الاصابة بالطاعون اجسام خفية تدّق عن الرؤية (ولا سبيل الى التفصيل فيها حينذاك) وإن هي إلا الجراثيم والعصيات المعروفة اليوم ،وإن وصف إيذائها بالوخز يستلفت النظر .

وهنا أحب أن أذكر أن الامام العالم الطبيب الفقيه ابن القيم في كتابه الطب النبوي يلمح إلى أسباب الطاعون فيقول:”والطواعين خراجات وقروح وأورام رديئة حادثة في المواضع المتقدم ذكرها (المراق، الإبط، العنق) وهي آثار الطاعون وليست نفسه ،ولكن الأطباء لما لم تدرك منه إلا الأثر الظاهر جعلوه نفس الطاعون .

ويتابع الكتور النسيمي :وطالما أن الحجر على البشر يؤدي فائدته – وهذا هو الواقع- في داء الطاعون ،وطالما أن الجن طليقون يستطيعون التنقل حيث شاؤوا ،فلماذا الحجر . وفي حديث توقف سيدنا عمر رضي الله عنه عن دخول الشام في طاعون عمواس ،قبل أن يبلغه حديث الحجر على أنه ومن معه من المسلمين لم يكونوا يعتقدون أن سبب الطاعون جن حقيقيون ،ولو كانوا يعتقدون ذلك لاختار من الصحابة خواصهم ليدخلوا معه الشام، ويتفقد أحوال المسلمين فيها يقيناً منهم بأن الجن والشياطين لا تستطيع إيصال الأذى إليهم وهم صفوة العباد {إنه ليس له سلطان على الذين أمنوا وعلى ربهم يتوكلون} [النحل 99 ]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيدنا عمر ” والذي نفسي بيده ،ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك. [متفق عليه].

الطاعون رجز من كان قبلنا:

مرض الطاعون يعتبر من الأوبئة القديمة التي عرفها الإنسان القديم . وأول وصف للطاعون معروف الى الآن هو الذي سجّله قدماء المصريين على أوراق البردي . وقد حدث طاعون مريع عام 542م واكتسح شمال افريقيا واوروبا وآسيا أي العالم القديم بأكمله واستمر ينتشر من بلد إلى أخر لمدة خمسين عاماً ،وقد أصيب بذلك الوباء مائة مليون شخص تقريباً (أي أكثر من نصف سكان العالم أنذاك) وهو بهذه الصورة المروعّة رجز وعذاب تصديق للحديث الشريف”إن هذا الطاعون رجز على من كان قبلكم  أو على بني اسرائيل، فإذا كان  بأرض فلا تخرجوا منها فراراً منه ، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها “ [رواه الشيخان عن أسامة بن زيد] .

وهناك آيات كثيرة في القران تدل على ذلك منها :

{فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}[البقرة 59 قال سعيد بن جبير : هو الطاعون للحديث الشريف ” الطاعون رجز عذاب عُذبّ به من كان قبلكم “[ رواه النسائي  وأصله في الصحيحين ].

وقال تعالى:{ألم تر إلى الذين خرجوا وهم ألوف حذر الموت} “[البقرة 144] . جاء في التفسير : هم قوم من بني اسرائيل وقع الطاعون ببلادهم ففروا .

ولقد استمر الطاعون بالظهور من حين لآخر وكان كما ذكرنا حدث بشكل وباء عالمي في القرن الرابع عشر الميلادي حيث قضى في اوروبا على اكثر من 25 مليونا وهم ربع سكان اوروبا أنذاك  بحيث أطلق عليه اسم الموت الاسود  لانه قلما ينجو منه أحد ،ولان القروح التي كانت تظهر على الجلد كانت سوداء وما حولها أحمر داكن .

ولعل المدينة الوحيدة التي لم يصبها الطاعون خلال القرون والأحقاب البعيدة هي المدينة المنورة وجاء في الحديث الشريف”أن الطاعون لايدخل المدينة “ [رواه البخاري] .

أما بالنسبة للمسلمين فإن الاصابة بالطاعون والموت فيه يعتبر شهادة ،وهذا تكريم من الله عز وجل للإنسان المسلم ،عن عائشة رضي الله عنها قالت : يارسول الله فما الطاعون ؟ قال : غدّة كغدّة الإبل  المقيم فيها  كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف . [أخرجه أحمد ]. وفي الحديث الشريف ” المطعون شهيد والمبطون شهيد ” [أخرجه البخاري] .انتهى كلام الدكتور نسيمي .

وجاء أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء ،فجعله الله تعالى رحمةً للمؤمنين ،فليس من عبدٍ يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً ،يعلمُ أنه لا يصيبهُ إلا ما كتب الله له إلا كان له مثلُ أجر الشهيد [رواه البخاري] .

وجاء في صحيح مسلم  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:”ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله ،من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال : من قُتل في سبيل الله فهو شهيد ،ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن مات في البطن فهو شهيد ، والغريق شهيد”. ومنها : الموت بسبب الهدم ، لما رواه البخاري ومسلم عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”الشهداء خمسة:المطعون،والمبطون ، والغرق ، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله”

من الناحية التاريخية:

في عهد بيركليس الذي حكم أثينا بين عامي 462-429 ق.م، كان عهدا ديمقراطيا ولكن شاع الانحلال الخلقي وفوضى العلاقات الجنسية ،وأصبحت أموراً معترفاً بها تمارس بلا حياء ولاوازع، ففسدت الأخلاق،وسلط الله عليهم الطاعون سنة 429 ق.م فهلك به ما لايقل عن ربع السكان ،وكان أولاد بيركليس أول من هلك بذلك الطاعون ،ثم هلك هو نفسه به في السنة التالية .

في احد مقالات أنيس منصور:

في سنة 1348 عندما انتشر الطاعون الاسود في الهند وقتل منهم الملايين ، أيقن أهل الهند أنه غضب السماء عليهم لأنهم لا يؤمنون بالمسيحية ,فقرر ملوك الهند أن يذهبوا للقاء البابا في مدينة افنيون .. وان يعتنقوا المسيحية. ولكنهم في الطريق علموا ان الطاعون قد أهلك المسيحيين أيضا .. أهلك 25 مليونا هم بالضبط ربع سكان أوروبا . فعاد الملك والامراء والنبلاء إلى بلادهم . لأن الغضب عام قد شمل البوذي والمسيحي..وعندما انتقل الطاعون الى انجلترا شعر الاسكتلنديون بالسعادة فالطاعون عقاب يستحقه الانجليز  وفكروا في غزو انجلترا ولكن الطاعون أصابهم أيضاً . وفكر الانجليز في غزو اسكتلندا .وفي ذلك الوقت أصدر البابا مرسوما بأن يذهب الناس الى الكنائس ليعترفوا قبل أن يموتوا . فإذا اعترفوا فالبابا قد غفر لهم ماتقدم من ذنبهم وما تأخر.. فاذا ماتوا فالجنة مثواهم . فقد منحهم البابا صك الغفران .

طاعون الجارف:سمي بالجارف : لانه يجترف الناس ويذهب بهم ،مات فيه أبو الأسود الدؤلي سنة 76هجري(_معجم الادباء ياقوت الحموي ج3 ص436)

جاء في ثمار القلوب للثعالبي ص547 تحت عنوان طواعين الشام :

ذكر أبو الحسن المدائني عن أشياخه ،عن الحجاج أنه كان يقول : لما نزلت الأشياء منازلها قالت الطاعة : أنا أنزل الشام، فقال الطاعون: وأنا معك ، وقال الخصب : أنا أنزل العراق، فقال النفاق: وأنا معك ، وقالت الصحة: أنا أنزل البادية ، فقال الشقاق: وأنا معك . ولم تزل الشام كثيرة الطواعين حتى صارت تواريخ . وكانت تظهر بالشام ثم تمتد الى العراق، وأول طاعون وقع في الشام في الاسلام طاعون عَمَواس: وذلك في زمن عمر بن الخطاب ، وفيه مات معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما ، ثم طاعون الجارف، ثم طاعون العذارى ، ثم طاعون الأشراف، ولم يقع بالمدينة ولا مكة قط . ولما ولى بنو العباس انقطع الطاعون الى أيام المقتدر . وقال بعض بني المغيرة فيمن مات منهم في طواعين الشام أيام ذلك :

من ينزلِ الشامَ ويُعْرِسْ به                      فالشام إن لم يُفننا كاربُ

أفنى بني رَيْطَةَ فرسانهمْ                       عشرين لم يُقصصْ لهم شاربُ

ومن بني أعمامهم مثلَهم                         لمثلِ هذا يَعجب العاجبُ

طعنُ وطاعونٌ مناياهم                          ذلكَ ما خَطَّ لنا الكاتبُ

ولما قدم عبد الله بن حسن على عمر بن عبد العزيز كره مكانه بالشام وعرف سنّه وسَمته وعقله ولسانه وفضله فلم يكن شئ أحب إليه من ان لا يراه أحدٌ من أهل الشام ، فقال: إني أخاف عليك طواعين الشام ، وإنك لم تُغنِمْ أهلك خيراً منك فالحق بهم فان حوائجك ستتبعك . فكان ظاهر كلامه حَسَناً مذكوراً وباطنه أجود التدبير في تسريحه تسريحا جميلا

طاعون عمواس: في العام الثامن عشر من الهجرة رُوِعَ الشام بوباء مهلك عرف بطاعون عمواس أفنى أعداداً هائلة من المسلمين ، ومكث عدة أشهر ، ومات فيه نحو خمسة وعشرين ألفاً من المسلمين . وقد بدأ الوباء من عمواس ثم انتشر حتى عمَّ الشام كلها .

يقول الأستاذ أحمد أمين رحمه الله(مجلة الثقافة ـ العدد 459 عام 1947م):

“عمواس بلدة تقع مابين القدس والرملة،وكان أول بلادة ظهر فيها الطاعون ،ولا يبعد أن يكون قد وفد على البلاد من الهند ،لأنها مصدر الطاعون من قديم،وكانت التجارة بين بلاد العرب والهند متصلة من عهد بعيد.

وكان هذا الطاعون جارفاً،حصد بلاد الشام حصداً،وفزع الناس منه فزعاً شديداً،ولم يكن عُرف سبب المرض،حتى ولا عرف اسم “المكروب”وبالضرورة لم تعرف طرق الوقاية منه،فكان المرض يرعى الناس ولا عمل لهم إلا انتظار ما يأتي به القدر،ومكث أشهراً لا يدري الناس ماذا يصنعون،وكان في كثير من الحالات خطيراًنلا يلبث الرجل أن يشعر به حتى يخرّ صريعاً،وعبروا إذ ذاك تعبيراً أدبياً قوياً فقالوا:”قد اشتعل الوجع”،وهو تعبير يدل على أنهم تصوروه كالنار ترعى الهشيم،ومات به خمسة وعشرون ألفاً أو ثلاثون،ولم يفرق بين الخاصة والعامة،فمات به أبو عبيدة ابن الجراح،ومعاذ بن جبل،ويزيد بن أبي سفيان،والحارث بن هشام،وكلهم من سادة الناس.

وتسرب الطاعون إلى العراق،فأفنى في البصرة ما لا يحصى.

وحار الناس في أمره،وزاد في حيرتهم أنهم لا يعرفون سببه معرفتنا اليوم به،ولا يعرفون دواءه كما نعلم اليوم،وشغل الأمر عقول المسئولين.ما العلاج؟فاهتدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعالجه بإخراج الناس حيث الهواء الطلق والجو الفسيح.ولا شك أن هذا بعض العلاج الصحيح،فتزاحم الناس في جو فاسد أسرع إلى الفتك،وأكثر في إحداث العدوى.فكتب عمر الفاروق إلى أبي عبيدة بن الجراح:”إنك أنزلت الناس في أرض عميقة،فارفعهم إلى أرض مرتفعة نزهة”،وقريب من هذا ما فكر فيه عكرو بن العاص رضي الله عنه لما تولى إمارة الجيش بعد أن أصيب بالطاعون أبو عبيدة ومعاذ بن جبل فقد خطب الناس فقال:”أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعا اشتعال النار فتحيلوا منه في الجبال”.

وظهرت مشكلة لا تزال في الناس إلى اليوم:إن كل شىء بقضاء وقدر كما يقول الدين،فمن مات مات بأجله،ومن عاش عاش بأجله،فما موقف الإنسان المتدين إزاء الطاعون ونحوه من سائر الأمراض؟

فأما الخاصة ومن فقهوا فقه الدين،فقد رأوا أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يمنع من الإيمان أيضاً بالسبب والمسبب،فمن يزرع لا بد أن يبذر ولا بد أن يسقى،وإلا ماكان زرع،وكذك من جاع أكل،ومن عطش شرب،ومن أراد الحرب فلا بد أن يعد عدتها{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}وقد اعترف الرسول صلى الله عليه وسلم بالعدوى وأوجب التوقي منها.

طاعون الفتيات:

ذكر عبد الله ابن مسلم ابن قتيبة في كتاب المعارف (تحقيق د. ثروت عكاشة دار المعارف بالقاهرة 1981 ص601 ):” جملة من الاوبئة التي فتكت بالناس في عدة حواضر عربية ومنها وباء سماه بطاعون الفتيات وكان يقال له ايضا طاعون الاشراف ، وقد بدأ هذا الوباء كما قال ابن قتيبة في العذارى والجواري بالبصرة وبواسط وبالشام والكوفة في ولاية عبد الملك بن مروان ، ومما يلفت النظر كما يقول الاستاذ محمد العربي الخطابي_(جريدة الشرق الاوسط في 22 حزيران عام 1987_) انه لم يكن من صنف الطاعون المعروف لكونه اول مايضرب الفقراء وسكان الاحياء الشعبية التي تقل فيها التغذية وتقل وسائط النظافة وتكثر الازبال فتجد الفئران الناقلة للجرثوم مرتعا خصبا ، حيث انتشر الطاعون هنا بين العذارى والجواري واول مافتك بسراة القوم واغنيائهم

وجاء في ثمار القلوب للثعالبي ص68:”

العرب تسمي الطاعون “رماح الجن” وجاء في الحديث الشريف :”إنه وخز أعدائكم من الجن”. ولما كان طاعون عَمواس  قام عمرو بن العاص  في الناس خطيباً فقال : يا أيها الناس ، إن هذا الطاعون قد ظهر ، وإنما هو وخز من الشياطين ، ففروا منه في الشعاب ، وبلغ ذلك معاذ بن جبل ، فأنكر عليه هذا القول ، ثم لم يلبث أن مات فيه .

قال الجاحظ :وقد كانت الطواعين تقع كثيراً فتصير تواريخ ، كطاعون عَمواس ، وطاعون العذارى ، وطاعون الأشراف  وغيرها ، ولما ملك بنو العباس رفع الله ببركتهم الطواعين  والموتان(موت يقع في الماشية)الجارف عن بني آدم ، فانها كانت تحصد فيهم حصداً ، وفي ذلك يقول العُماني للرشيد:

قد أذهب الله رماح الجنِّ                                 وأذهبَ التعليق والتجني

وقال المنصور يوماً لأبي بكر بن عياش: من بركتنا أن رفع عنكم الطاعون . فقال : لم يكن الله ليجمعكم علينا والطاعون . قال الصولي: لما كانت سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقع طاعون عظيم في بغداد وما جاورها

يذكر ابن إياس انه في زمن المماليك حدثت الطواعين في السنوات التالية وسببت المجاعات 0نقلا عن كتاب مطالعات في الشعر المملوكي العثماني-بكري شيخ أمين-ص46:

671ه(1272م)،749(1348م)، 791/1388م، 807/1404م،813/1410م،819/1416،821/1418م، 823/1420م،841/1437م،849/1445م،853/1449م،864/1459م،873/1468م،881/1476م،797/1491م،902/1496م،909/1503م،912/1506م،919/1512/ .

ويقول أن أشهرها التي حدثت سنة 695هجري والموافق 1295 م  حين شح ماء النيل  ونقص نقصاً كبيرا ، فجفت الابار ، وحدثت المجاعة ، ثم اشتدت الازمة  فأكل الناس الميتة من الكلاب والمواشي وبني أدم ، واكلت النساء اولادهن الموتى ، وكان الناس يبيعون اولادهم لشراء القوت ، وانتشر الوباء فكثر عدد الموتى وازداد بشكل مروع لم يسبق له مثيل ، حتى كان على ما ذكره المقريزي يخرج من كل باب من أبواب القاهرة في كل يوم ما يزيد على سبعمائمة ميت ، وظهرت مجاعة أخرى عام 749هجري /1348م ورافقها الطاعون ، فبلغ عدد الموتى في القاهرة في شهرين تسعمائة ألف

من الناحية الأدبية :

جاء في كتاب تراث الانسانية( ج4 ص514):

“وفي كتاب المقريزي المسمى إغاثة الأمة بكشف الغمّة، يتناول فيه الكاتب تاريخ المجاعات التي نزلت بمصر منذ أقدم العصور الى زمنه، وأدى به البحث _كما يقول الدكتور محمد مصطفى زيادة _ الى أن من أسباب ما ينزل بالناس من مجاعات وطواعين وأغلية ، إنما هو سوء تدبير الملوك والحكام وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد ، لا نقص النيل او قلة المطر ، ولا غضب الله على أهل مصر خاصة ، وهو تخريج اقتصادي سليم لم يسبق اليه أحد من المؤلفين في الشرق الاسلامي او الغرب المسيحي قبل المقريزي .

وجاء في كتاب الأمثال للعسكري (ج1 ص102) :

” يقولون : أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ البعير وموتٌ في بيتِ سَلُولية ؟ يضرب مثلاًلاجتماع نوعين من الشر . والمثل لعامر بن الطفيل . وقد وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أرْبَد أخو لبيد ، فقال : أُسْلِمُ على أن يكون  لك المَدر ولي الوَبر ، وأن تجعل لي الأمرَ بعدك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ، ولا وَبَرَه . فخرج وقال : لأملانها عليك خَيلاً جُرْداً ، ورجالاً مُرْداً. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ، فأخذت أربد صاعقةُ فمات ، وضربت عامراً الغُدّة _(وهي طاعون الإبل)_فمال إلى بيت سلولية ، وجعل يقول: أَغُدّة كغدة البعير وموت في بيت سلولية . وسلال من أَّذّلِ العرب ، والمعنى أنه جمع له ضربان من الذّلة . وقال الشاعر يذكر ذِلّة سَلول :

إلى الله أشكو أنني بِتُّ طاهراً            فجاء سَلولي فبالَ على رِجلي

فقلتُ اقطعوها باركَ الله فيكمُ             فإني كريمٌ غيرُ مُدْخلها رحلي

جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة (_كتاب الطبائع_ص75):

” والعرب تعرف البعير المُغّدِ(اصيب بالغدة وهي طاعون الإبل) بسقوط الذباب عليه ، ويقولون : بعيرمذبوب، اذا عرضَ له داء يدعو الذباب الى السقوط عليه .

وجاء في عيون الاخبار كتاب الحرب باب الأمصار :

” والناس يقولون : حمى خيبر وطحال البحرين ، ودماميل الجزيرة، وطواعين الشام . قال ابن عياش لأبي بكر الهَذَلي يوم فاخره عند أبي العباس: إنما مثل الكوفة مثل اللّهاة من البدن ، يأتيها الماء ببرده وعذوبته ، والبصرة بمنزلة المثانة يأتيها الماء بعد تغيره وفساده .

وجاء في المنتخب لابن حجر( نقلا عن نوادر الشوارد ص278 ):

“الطاعون : هو قروح تخرج في الجسد ,فيكون في المرافق والآباط والأيدي والأصابع  وسائر البدن ، ويكون معه ورم وألم شديد ، وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسّود ما حواليه أو يحمَّر حمرة بنفسجية كدرة ، ويحصل معه خفقان القلب والقئ . واما الوباء فالصحيح الذي قاله المحققون أنه مرض الكثيرين من الناس في جهة من الأرض دون سائر الجهات ، ويكون مخالفاً للمعتاد من أمراض في الكثرة وغبرها ، ويكون مرضهم نوعاً واحداً بخلاف سائر الىفات . قالوا : وكل طاعون وباء ، وليس كل وباء طاعون .

قال المدائني _نقلا عن البصائر والذخائر (ج2 ص174 مقطع 557_):

“وقع الطاعون بالكوفة ، فخرج الناس وتفرقوا في النَّجف ، وكان لشريح القاضي صديقٌ خرج فيمن خرج، فكتب اليه شريح : أما بعد ، فانك بالمكان الذي انت فيه بعين من لا يحجزه هرب ولا يفوته طلب ، وإنّ المكان الذي خلّفته لا يُعجلُ أحداً الى حِمامه ، ولا يظلمه شيئاً من أيامه ، وانا وإياكم لعلى بساطٍ واحد، وإن النجف من ذي قدرةٍ لقريب .

جاء في العقد الفريد (ج3 ص127):

“لما وقع الطاعون الجارف أطاف الناس بالحسين ، فقال : ما أحسن ما صنع بكم ربكم : أقلعَ مذنب وأنفق ممسك ”

العتبي يرثي ابناؤه الستة الذين ماتوا بالطاعون الذي اجتاح البصرة:

وكنتُ أبا سِتةٍ كالبدورِ                           قد فقئوا أعينَ الحاسدينا

فَمرُّوا على حادثات الزمانِ                      كَمرِّ الدراهمِ بالناقدينا

وحَسبُكَ من حادثٍ بامرئٍ                       يرى حاسديهِ لهُ راحمينا

جاء في اختيارات الأغاني (ج4 ص79):

“قال المدائني : وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان ، فخرج هارباً منه فنزل بقرية من الصعيد يقال لها (سُكَر) ، فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك ، فقال له عبد العزيز : ما اسمك . فقال : طالب بن مُدرِك. فقال : أوه ، ما أراني راجعاًالى الفسطاط أبداً . ومات في تلك القرية  فقال نصيب الشاعر الأموي:

أصبتُ يومَ الصّعيد من سُكَرٍ                           مصيبةٌ ليس لي بها قِبَلُ

تاللهِ أنسى مصيبتي أبداً                                ما أسمعتني حَنينها الإبلُ

ولا التبكيِّ عليه أُعوِلهُ                                 كُلُّ المصيباتِ بعدهُ جَلَلُ

(اعول : رفع صوته بالبكاء)

لم يعلم النعّشُ ما عليه من                           العُرفِ ولا الحاملون ما حملوا

حتى أجنُّوه في ضريحهُمُ                            حين انتهى من خليلك الأملُ  (اجنوه: واروه)

جاء في اختيارات الأغاني : أبو ذؤيب الهذلي يرثي ابناءه الخمسة الذين هلكوا بالطاعون في عام واحد

ولقد حرصتُ بأن أدافع عنهمُ                       فإذا المنيّة أقبلت لا تُدفع

جاء في البصائر والذخائر ج2 ص201 مقطع 730:”هرب الربيع بن العلاء التيمي من الطاعون ، وهو أبو اثني عشر ولداً فماتوا جميعاً فقال يرثيهم :

دفنتُ الدافعينَ الضَّيمَ عني                          برابيةٍ مُجاورةٍ سناما (اسم جبل)

أقولُ إذا ذكرتهُهُمُ جميعاً                            بنفسي تلك أصداءً وهاما

فلم أرَ مثلهم هلكوا جميعاً                          ولم أر مثلَ هذا العامِ عاما

وجاء في العقد الفريد (ج3 ص191 ): خرج أعرابي هارباً من الطاعون ، فبينما هو سائر إذ لدغته أفعى فمات ، فقال أبوه يرثيه:

طافَ يبغي نجوةً                                    من هلاكٍ فهلكْ

ليتَ شعري ضَلَّةً                                    أي شئٍ قتلكْ

أجحافَ سائلٌ                                        من جبالٍ حَملك

والمنايا رَصَدٌ                                       للفتى حيث سلك

كلُّ شئٍ قاتلٌ                                       حين تلقى أجلكْ

شبل بن معبد البجلي:

متى العهدُ بالأهلِ الذين تركتُهم                لهم في فؤادي بالعراقِ نصيبُ

فما تركَ الطاعونُ من ذي قرابة              إليه إذا حانَ الإيابُ نؤوبُ

فقد أصبحوا لا دارُهُم منك غربة              بعيدٌ ، ولا هم في الحياةِ قريبُ

وكنت تُرَّجي أن تئوبَ إليهمُ                  فعالتُهُمُ من دون ذاك شَعوبُ

مقاديرُ لا يُغفِلْنَ من حانَ يومهُ              وفي الحيّ من أنفاسهنَّ ذنوبُ

وإنَّا وإياَّهم كواردٍ منهلٍ                    على حوضهِ بالبالياتِ نهيبُ

ابن الرومي يهجو ثقيلا:

رجل وجهه كضرع المِردِّ                   حاش لله،  أو كسَحْر المُغِدِّ

(ضرع الناقة اذا تورّم ، المغد :داء الغددالخنازيري)

ابن الرومي:

حتى إذا ما رُزِئنا صاح صائِحهُ               ليس الخلود لذي نفسٍ بمضمونِ

هذا وإن عفَّ فالأدواءُ مُعرِضةٌ              من بين حُمّى وبلسامِ وطاعونِ

(البلسام: البرسام:التهاب في الحجاب بين الكبد والقلب)

الأخطل :

فإن تكُ  زِقَّ  زامِلةٍ فإني                   أنا الطاعون ليس له دواء

(زق:وعاء جلد يحمل فيه الماء، زاملة : دابة)

عصام العطار:

يا للطغاةِ وما أشقى الأنام بهم             عاثوا قوارين أو عاثوا فراعينا

أين الطواعينُ منهم في إبادتهم           لِلخَلْقِ قد ظلمَ الناسُ الطواعينا

أحدهم:

يا أيها الطاعون حُلَّ بنا                    وبمثلِ وجهكَ تكشفُ الغَممُ

أحدهم:

لَعمرُكَ ما خشيتُ على عَديٍّ              سيوفَ بني مقيّدةِ الحمارِ

ولكنّي خشيتُ على عديٍّ                 رماحَ الجنِّ أو إيّاكَ جارِ

(أمالي ابن الشجري ـ ج2 ص303ـ رماح الجن:الطاعون).

وجاء في أحد أعداد مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عن وصف صلاح الدين الصفدي للطاعون الذي أصاب دمشق،حيث قال في مجموعته الجزء السابع والعشرين:

“لقد عمَّ الداء سنة تسع وأربعين وسبعمائة وكان منتشراً وخاصة في غزة:

قد قلت للطاعون وهو بغزة               قد جال من قطيا إلى بيروت

أخليت أرض الشام من سكانها         وحكمت يا طاعون بالطاغوت

وقد أفرط الطاعون بدمشق وقتل خلقاً كثيراً بالحبّة التي اشتهر أمرها:

أسفي على أكنافِ جِلّق إذ غدا ال      طاعون فيها ذا زنادٍ وارِ

الموت أرخص ما يكون بحبةٍ              والظلم زاد فصار بالقنطار

وقلت أيضاً:

رعى الرحمن عصراً قد تولى             يجازي بالسلامة كل شرطِ

وكان الناس في غفلات أمرٍ              فجا طاعونهم من تحت إبطِ

وقلت وقد كان يقتل بطلوع بثرة خلف الأذن:

تعجبت من طاعون جِلّق إذ غدا        وما فاتت الآذان وقعة طعنه

فكم مؤمن تلقاهُ أذعن طائعاً          على أنه قد مات من خلف أذنه

وقلت وقد كان يقتل بطلوع خيارة في الإربية:

ثلّ هذا الطاعون عرش دمشق         بقضاءٍ من ربنا سبحانه

فلكم مات بالخيارة شخص               كان يبدو كأنه ريحانه

وقلت وقد كان يقتل بأن يبصق الإنسان دماً:

يا رحمتا لدمشق من طاعونها          فالكل مغتبق به أو مصطبح

كم هالكٍ نفث الدما من حلقه             أو ما تراه بغير سكين ذبح