الغربة والحنين إلى الوطن ـ الجزء الرابع ـ

الغربة والحنين إلى الوطن

الجزء الرابع

ابن زيدون

يا ناسياً لي على عرفانهِ تلفي
ذكرُكَ مني بالأنفاسِ موصولُ
وقاطعاً صلتي من غيرِ ما سببٍ
تالله إنّكَ على روحي لمسؤولُ
ما شئتَ فاصنَعهُ كلٌّ منكَ مُحتمَلٌ
والذنبُ مُغتفرٌ والعذرُ مقبولُ
لو كنتَ حظّي لم أطلب بهِ بدلاً
أو نلتُ منكَ الرضا لم يبقَ مأمولُ
ما للأحبّة دانوا بالنوى ورأوا
تعريضَ عهد اللقا بالبعدِ حينَ نأوا
رعاهمُ الله كانوا للعهودِ رَعوا
فغيّرتهم وشاةٌ بالفسادِ سعوا
ستبلغها عنّا الشّمالُ تحيةً
نوافحُ أنفاسِ الجنوبِ لها ردُّ
فما نُسيَ الإلفُ الذي كانَ بيننا
لطولِ تنائينا ولا ضُيّعَ العهدُ
لا يأسَ رُبَّ دُنو دار جامعٍ
للشّملِ قد أدى إليهِ بعادُ
إن أغتربْ فمواقعَ الكرم الذي
في الغربِ شِمتُ بروقهُ أرباد
المجدُ عذرٌ في الفراقِ لمن نأى
ليرى المصانعَ منهُ كيفَ تُشادُ
بِنتمْ وبِنّا فما ابتلّتْ جوانحنا
شوقاً إليكم ولا جفّتْ مآقينا
نكادُ حينَ تُناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الاسى لولا تأسينا
حالتْ لفقدكمْ أيامنا فغدتْ
سوداً وكانت بكم بيضاً ليالينا
لا تحسبوا نأيكم عنّا يُغيّرنا
أن طالما غيّرَ النأيُ المحبينا
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ واسقِ بهِ
من كان صرفَ الهوى والودِّ يسقينا
واسأل هنالك: هل عَنّى تذكرنا
إلفاً،تذكرهُ أمسى يُغنينا
ويا نسيمَ الصَّبا بلّغْ تحيتنا
من لو على البعدِ حيّا كانَ يُحيينا
ألا وقد حانَ صُبحُ البينِ ،صَبّحنا
حَينٌ،فقامَ بنا للحَينِ ناعينا
من مُبلغُ الملبسينا بانتزاحهمُ
إنّ الزمانَ الذي قد كان يُضحكنا

حُزناً مع الدهرِ لا يبلى ويُبلينا
أنساُ بقربهم قد عاد يُبكينا
وقد نكونُ،وما يُخشى تفرّقنا
فاليومَ نحنُ،وما يُرجى تلاقينا
إنّا قرأنا الأسى يوم النّوى سوراً
مكتوبة وأخذنا الصبرَ تلقينا
إنا قرأنا الأسى،يوم النوى،سوراً
مكتوبةً،وأخذنا الصبرَ يكفينا
معاهدُ لذّاتٍ،وأوطانُ صبوةٍ
أجلت المعلى في الأماني بها قدحا
ألا هل إلى الزهراء أوبةُ نازحٍ
تقّضى تنائيها مدامعهُ نَزحا
محلُّ ارتياحٍ يذكرُ الخلدَ طيبهُ
إذا عزَّ أن يصدى الفتى فيه أو يضحى
أجل! إنّ ليلي ،فوقَ شاطىء نيطةٍ
لاقصرُ من ليلي بآنة فالبطحا
ويا فؤادي!آنَ أن تذوبا
قد ملأَ الشوقُ الحشا ندوبا
في الغربِ إذ رحتُ بهِ غريبا

غريبٌ بأقصى الشّرقِ يشكرُ للصَّبا
تحملّها منهُ السلامَ إلى الغربِ
وما ضرَّ أنفاس الصَّبا في احتمالها
سلامَ هوىً،يُهديه جسمٌ إلى قلبِ
ومنازل بالسفحِ غُيّر رسمها
بمدامعِ العشّاقِ والأنواءِ
لم يبقَ لي غيرَ انتشاقِ نسيمها
يا طولَ خيبةِ قانعٍ بهواءِ
يا نازحاً وضميرُ القلبِ مثواهُ
أنستكَ دُنياكَ عبداً أنتَ مولاهُ
ألهتكَ عنهُ فكاهاتٌ تلذُّ بها
فليسَ يجري ببالٍ منكَ ذكراهُ
علّ الليالي تبقيني إلى أملٍ
الدهرُ يعلمُ والايامُ معناهُ
هوايَ وإن تناءت عنكِ داري
كمثلِ هوايَ في حالِ الجوارِ
مُقيمٌ لا تغيره عوادٍ
تُباعدُ بينَ أحيانِ المزارِ
رأيتُكَ قلتَ إنَّ الهجرَ بدرٌ
متى خلتَ البدورُ من السرارِ
ورابكَ أنني جَلدٌ صبورٌ
وكم صبرٍ يكونُ عن اصطبارِ
ولم أهجر لعتبٍ غير أنّي
أضرّتْ بي مُعاقرةُ العقارِ
وهل أنسى لديك نعيم عيشٍ
كَوشي الخدِّ طُرّزَ بالعِذارِ
وكنتَ على البعادِ أجلَّ شىء
لدي فكيفَ إذ أصبحت جاري
لحى الله يوماً لستُ فيهِ بملتقي
مُحيّاكِ من أجلِ النوى والتفرّقِ
وهلْ كبدٌ حَرّى لبينكِ تُنقعُ
وهل للياليكِ الحميدةِ مرجِعُ

لسان الدين الخطيب

سقى الله من غرناطة متبوىء
الألى لهم حقّ عليّ كريم
ضمنت لها حفظ العهود وإنما
ضمنت لها أن لا أزال أهيمُ
ربوعُ أحبائي ومنشأ صبوتي
ومعهد أنسي إن ذا لعظيمُ
أحبّ الحِمى من أجلِ من سكنَ الحمى
حديثُ حديث في الهوى وقديم
بلادٌ عهدنا في قرارتها الصبا
يقلُّ لذاكَ العهدِ أن يألفَ العهدا
إذا ما النسيمُ اعتلَّ في عَرصاتها
تناولَ فيها البانَ والشيحَ والرندا
إذا استشعرتها النفسُ عاهدتِ الجوى
إذا التمحتها العينُ عاقدتِ السهدا
ومن عاشقٍ حرٍّ إذا ما استمالهُ
حديثُ الهوى العُذريّ صيّرهُ عبدا
سقى الله نجداًرما نضحتُ بذكرها
على كبدي إلا وجدتُ لها بردا
وآنسَ قلبي فهو للعهدِ حافظ
وقلَّ على الأيام من يحفظُ العهدا
صبورٌ وإن لم يبقَ إلا ذبالةٌ
إذا استقبلتها مسرى الصبا اشتعلت وقدا
وقد كنتُ جَلداً قبل أن يُذهبَ النوى
ذَمائي وأن يستأصلَ العظمَ والجلدا
لي الله كم أهذي بنجدٍ وحاجرٍ
وأكنّي بدعدٍ في غرامي أو سُعدى
وما هو إلا الشوقُ ثارَ كمينهُ
فاذهلَ نفساً لم تُبن عنده قصدا
ناديتُ دمعي إذ جدَّ الرحيلُ بهم
والقلبُ من فَرَقِ التوديعِ قد وجبا
سقطتَ يا دمعُ من عيني غداة نأى
عني الحبيبُ ولم تقضِ الذي وجبا
حينَ ساروا عني وقد خنقتني
عبراتٌ قد أعربت عن ولوعي
صحتُ من ينصرُ الغريبَ فلما
لم أجدنا أحداً بلعتُ دموعي
إذا فاتني ظلُّ الحمى ونعيمُهُ
فحسبُ فؤادي أن يَهُبَّ نسيمُهُ
ويُقنعني أنّي بهِ متكّنفٌ
فزمزمهُ دمعي،وجسمي حطيمهُ
يعود فؤادي ذكرُ من سكنَ الغضا
فيُقعدهُ فوقَ الغضا ويُقيمهُ
ولم أرَ شيئاً كالنسيمِ إذا سرى
شفى سقمَ القلبِ المشوقِ سقيمهُ
نُعلّلُ بالتذكارِ نفساً مشوقةً
نُديرُ عليها كأسَهُ ونديمُهُ
كمْ ليومِ الفراقِ من غُصّهْ
في فؤادِ العميدْ
نرفعُ الامرَ فيهِ والقصهْ
للولي الحميدْ
رحل الرّكبُ يقطعُ البيدا
بسفينِ النياق
كلُّ وجناء تُتلعُ الجيدا
وتبذُّ الرفاق
حسبتْ ليلة اللقا عيدا
فهي ذاتُ اشتياقْ
تذكرتُ العقيقَ فسال دمعي
عقيقاً من تذكرّه فذابا
أقولُ لنسمةٍ مرّتْ صباحاً
يُعطّرُ عَرْفها القفرَ اليبابا
ألا يا هذهِ كوني رسولي
وكوني إن رجعتِ ليّ الجوابا
نشدُتكِ بَلّغي صحبي سلامي
إذا جئتِ المعاهدَ والقبابا
يلومني العواذلُ في اشتياقي
إذا ما القلبُ من وجدي تصابى
وكم بينَ الأباطحِ من مهاةٍ
تروعُ بلحظها الأسدَ الغضابا
رمتني ثم قالت وهي تُزري
ولم تحذر بفتكتها العقابا

ابن دراج القسطلي

فيا حبذا تلكَ الرسوم وحبذا
نوافحٌ تهديها إلى صباها
دعوت لها سقيا الحيا ودعا الهوى
وبرح الهوى دمعي لها فسقاها
قالت وقد مزجَ الفراقُ مدامعاً
بمدامعٍ،وترائباً بترائبِ
أتفرقٌ،حتى بمنزل غربةٍ
أم نحن للأيامِ نُهبةَ ناهبِ
ولئن جنيتُ عليكِ نزحةَ راحلٍ
فأنا الزعيمُ لها بفرحةِ آيبِ
هل أبصرتْ عيناكِ بدراً طالعاً
في الأفقِ إلامن هلالٍ غاربِ
نجومُ الصِّبا،أينَ تلكَ النجوم؟
نسيم الصَّبا،أينَ ذاكَ النسيم؟
أمّا في التخيّل منها ضياءٌ
أمّا في التَنشُّقِ منها شميم؟
لقد شطَّ روضلإ إليه أحنُّ
وغادتْ مياهٌ إليها أهيم
ليالي إذ لا حبيبٌ يصدُّ
وعهدي إذ لا عذولُ يلوم
ولمّا تدانتْ للوداعِ،وقد هفا
بصبري منها أنّةٌ وزفيرُ
تُناشدُني عهدَ المودّةِ والهوى
وفي المهدِ مبغومُ النداءِ صغيرُ
عَيٌّ بمرجوعِ الخطاب،ولفظهُ
بموقعِ أهواء النفوسِ خبيرُ
عصيتُ شفيعَ النفسِ فيهِ وقادني
وطار جناحُ البينِ بي وهفت بها

رواحٌ لتدآبِ السرى وبكورُ
جوانح من ذعر الفراق تطيرُ
لئن ودّعتْ مني غيوراً فإنّني
ولو شهدتني والهواجرُ تلتظي
أسلط حرّ الهاجرات إذا سطا
وأستنشق النكباء وهي بوارح
وللموت في عين الجبان تلون

على عزمتي من شجوها لغيورُ
علي ورقراق السراب يمور
على حرِّ وجهي والأصيلُ هجير
وأستوطىء الرمضاء وهي تفور
وللذعر في سمع الجرىء صفير
أبُنيَّ لا تذهب بنفسك حسرة
عن غولِ رحلي منجداً أو مُغورا
فلئن تركتُ الليل فوقي داجياً
فلقد لقيتُ الصبحَ بعدكَ أزهرا
وحللتُ أرضاً بُدّلت حصباؤها
ذهباً يرفُّ لنا ظريَّ وجواهرا
وطارَ جناحُ البينِ وهفت بها
جوانحُ من ذُعرِ الفراقِ تطيرُ

ابن شهيد الأندلسي

فراق وشجون واشتياق وذلة
وجبار حفاظ علي عتيد
خليليَّ ما انفكَّ الأسى منذُ بينهمْ
حبيبي حتى حلَّ بالقلبِ فاختطّا
أريدُ دنواً من خليليَّ وقد نأى
وأهوى اقتراباً من مرارٍ وقد شطّا
وإنّي لتعروني الهموم لذكرهم
هُدواً فلا أسطيعُ قبضاً ولا بسطا

ابن حزم الأندلسي

كأنْ لم يكنْ بَينٌ إذا كانَ بعدَهُ
تلاقٍ ولكن لا إخالُ تلاقيا

ابن خفاجة الأندلسي

يا أهلَ أندلُسٍ لله دركمُ
ماءٌ وظلٌ وأنهارٌ وأشجارُ
ما جنّةُ الخلدِ إلا في دياركمُ
ولو تخيّرتُ هذى كنت أختارُ
لا تخشوا بعد ذا أن تدخلوا سَقراً
فليسَ تُدخل بعد الجنة النارُ
فيا عَرْفِ ريحٍ عاجَ عن بطنِ لعلعٍ
يجرُّ على الأنداءِ فضلَ زِمامِ
تلذّذْ بدارِ القصْفِ عني ساعةً
وأبلغْ نداماها أعمَّ سلامِ

ابن هانىء لأندلسي

قفا بي فلا مسرىً سرينا ولا نسري
وإلا نرى مشيَ القطا الوارد الكُدرِ
قفا نتبين أينَ ذا البرقُ منهمُ
ومن أينَ تأتي الريحُ طيبةَ النشرِ
لعلّ ترى الوادي الذي كنتَ مرةً
أزورهم فيهِ تضوّعَ للسّفرِ
وهل عجبوا أني أُسائلُ عنهمُ
وهم بين أحناءِ الجوانحِ والصدرِ
وهل علموا أنّي أُيمُ أرضهم
ومالي بها غيرُ التعفِ من خُبرِ
ولي سَكنٌ تأتي الحوادثُ دونهُ
فيبعدُ عن عيني ويقربُ من فكري
إذا ذكرتهُ النفسُ جاشتْ بذكرهِ
كما عثرَ لساني بجامٍ من الخمرِ
يا حُرقةَ البينِ كويتِ الحشا
حتى أذبتِ القلبَ في أضلعهْ
أذكيتِ فيهِ النارَ حتى غدا
ينسابُ ذاك الذّوبُ من مدمعه
يا سُؤلَ هذا القلبِ حتى متى
يؤسى برشفِ الرِّيقِ من منبعه
فإنّ في الشهدِ شفاءَ الورى
ولا سيما إن مُصَّ من مكرعه
والله يُدني منكمُ عاجلاً
ويُبلغُ القلبَ إلى مطمعه

المعتمد ابن عباد

اقنعْ بحظِّكَ في دنياكَ ما كانا
وعَزِّ نفسكَ إن فارقتَ أوطانا
في الله من كلِّ مفقودٍ عِوضٌ
فأشعرِ القلبَ سلواناً وإيمانا
أكلمّا سنحتْ ذكرى طربتَ لها
مَجّتْ دموعُكَ في خدّيكَ طوفانا
أمّا سمعتَ بسلطانٍ شبيهُكَ قد
بزّتهُ سودُ خطوبِ الدهرِ سلطانا
وَطِّنْ على الكره وارقبْ إثره فرجاً
واستغفِ الله تغنمْ منهُ غفرانا

أبو العباس أحمد المقري التلمساني

فنلتقي ،وعوادي الدهر غافلة
عما نروم،وعقد البينِ محلول
والدارُ آسنة والشمل مجتمع
والطير صادحة والروض مطلول
شربت حميا البينِ صرفا وطالما
جلوت محيا الوصل وهو وسيم
فميعادُ دمعي أن تنوحَ حمامة
وميقاتُ شوقي أن يهبَّ نسيمُ
ذكرتني الورقاء أيام أنس
سالفات فبتّ أذرى الدموعا
ووصلت السهاد شوقاً لحبّي
وغراماً،وقد هجرت الهجوعا
كيف يخلو قلبي من الذكر يوماً
وعلى حبّهم حنيتُ الضلوعا؟
كلما أولعَ العذول بعتبي
في هواهم ،يزداد قلبي ولوعا

ابن سهل الأندلسي

ودّعتها فجنيتُ من مُرِّ النّوى
حُلوَ الوداعِ مُنّعماً ومُعذّبا
شملٌ تجمعَ حينَ حانَ شتاتهُ
ويزيدُ إشراقُ السّراجِ إذا خبا

محمد بن عمار الأندلسي

كساها الحيا بُردَ الشّبابِ فإنّها
بلادٌ بها عَقَّ الشّبابُ تمائمي
ذكرتُ بها عهدَ الصِّبا فكأنّما
قدحتُ بنارِ الشّوقِ بينَ الحيازمِ
لياليَ لا ألوي على رُشدِ ناصحٍ
عناني ولا أثنيهِ عن غَيِّ لائمِ
أنالُ سُهادي من عيونٍ نواعسٍ
وأجني مرادي من غصونِ نواعمِ
وبتنا ولا واشٍ نخافُ كأنّما
حللنا مكانَ السرِّ من صدرِ كاتمِ

ابن اللبانة الأندلسي

حانَ الوداع فضّجتْ كلّ صارخة
وصارخٍ من مُفداه ومن فادي
سارتْ سفائنهم والنوحُ يتبعها
كأنها إبلٌ يحدو بها الحادي
كم سالَ في الاءِ من دمعٍ وكم حملت
تلكَ القطائع من قطعات أكباد

أبو بكر بن زهر الأندلسي

كلّما فكر بالبينِ بكى
ويحهُ يبكي لما لم يقع
ولي واحدٌ مثلُ فَرخِ القطاة
صغيرٌ تخلّفَ قلبي لديه
وأُفرِدتُ عنهُ،فيا وحشتي
لذاك الشُخيص وذاكَ الوُجيه
تشوّقني وتشوّقته
فيبكي عليَّ وأبكي عليه
وقد تعبَ الشوقُ ما بيننا
فمنهُ إليَّ ومني إليه

ابن حمديس الصقلي

فارقتكم وفراقكم صعبُ
لا الجسمُ يحملهُ ولا القلبُ
قُتِلَ البعادُ فما أشيرَ بهِ
حتى تمزّقَ بيننا القُربُ
يا يومَ مرجعهم إلى أوطانهم
أرجعتَ أرواحاً إلى أبدان
نزلت بك الأفراح في عرصاتهم
وبها يكون ترّحل الأحزان
فلذا القلوب إلى القلوب تراجعت
في ملتقى الآباءِ بالولدان
والأمهات على البنات عواطف
والمشفقات على اللدات حوان
سُرَّ القرابة بالقرابة منهم
وتأنّسَ الجيرانُ بالجيران
وتزاور الأحبابُ بعد قطيعة
دخلت بذكر الودِّ في النسيان
في كلّ بيت نغمة ومسرة
شربوا سلافتها بلا كيسان
ودعاؤهم لك في السماء محلق
حتى لضاق بعرضه الأفقان
كحجيج مكة في ارتفاع عجيجهم
وطوافهم بالبيت ذي الأركان
صيرت في الدنيا حديثك فيهم
فخر يقيم إلى القيامة ذكره

مثلاً يمر بأهل كل زمان
مثل الشنوف تناط بالأذان

ابن بشري الصقلي

بدا البرق من نحو الحجاز مذكراً
بسلمى وسعدى والتذكر ينصب
يلوح على لون الدجى فكأنه
سيوف على زرق الثياب تقلب
فلله برق عذب القلب لمعه
أكل محب بالبروق معذب؟

ابن خاتمة الأنصاري الأندلسي

أيامنا بالحمى ما كانَ أحلاكِ
كمْ بتُّ أرعاهُ إجلالاً وأرعاكِ
لا تُنكري وقفتي ذلاً بمغناكِ
يا دارُ لولا أحبائي ولولاكِ
لما وقفتُ وقوفَ
الهائم الباكي
يا بدرُ تِمٍّ تناءت عنهُ أربعنا
ولم تزلْ تحتويه الدهر أضلعنا
ما للنوى بضروبِ البينِ تُوجعنا
إذا تذكرتُ دهراً كانَ يجمعنا
تقطرت كبدي
شوقاً لمرآكِ

ابن قلاقس

أرى الدهرَ أشجاني ببعدِ وسرّني
بقرب فأخطأ مرة وأصابا
فإن أرتشف شهد الدنو فإنني
تجرّعتُ للبينِ المشتت صابا

ابن زمرك

يا أهلَ نجد سقى الوسميّ ربعكم
غيثاً يُنيلُ غليل الترب ما اقترحا
ما للفؤاد إذا هبّت يمانية
تهديهِ أنفاسها الأشجان والبرحا
يا حبذا نسمة من أرضكم نفحت
وحبذا ربرب من جوّكم سنحا
خليليَّ إني يومَ طارقةِ النوى
شقيتُ بمن لو شاء أنعمَ باليا
أجيرتنا بالرملِ والرملُ منزلٌ
مضى العيشُ فيهِ بالشبيبةِ حاليا
ولم أرَ ربعاً منهُ أقضى لُبانةً
وأشجى حماماتٍ ،وأحلى مجانيا
أبثكم أني على النأي حافظٌ
ذمامَ الهوى لو تحفظونَ ذماميا
أناشدكم والحرُّ أوفى بعهدهِ
ولن يعدمَ الإحسانُ والخيرُ جازيا
هل الودُّ إلا ماتحاماهُ كاشِحٌ
وأخفقَ في مسعاهُ من جاءَ واشيا
لولا تألقُّ بارقِ التذكارِ
ما صابَ واكفُ دمعي المدرارِ
لكنّهُ مهما تعرّضَ خافقاً
قدحتْ يدُ الاشواقِ زندَ أُواري
وعلى المشوقِ إذا تذكرَ معهداً
أن يُغري الأجفانَ باستعبارِ
أمُذكري غرناطةً حلّت بها
أيدي السحابِ أزرّةَ النّوارِ
فلكم أقمتُ غداةَ زُمتْ عيسهم
أبغي القرارَ ولاتَ حينَ قرارِ
وطفقتُ أستقري المنازل بعدهم
يمحو البكاءُ مواقعَ الآثار
إنا بني الآمالِ تخدعنا المنى
فنخادعُ الآمالَ بالتسيارِ
نتشجمُ الأهوالَ في طلبِ العلا
ونروعُ سربَ النومِ بالافكارِ
لا يحرزُ المجدَ الخطيرَ سوى امرىءٍ
يُمطي العزائمَ صهوةَ الأخطارِ
مُستبصرٌ مرمى العواقبِ واصلٌ
في حملهِ الإيرادَ بالإصدارِ
أسائلُ عن نجدٍ ومرمى صبابتي
ملاعبُ غزلانِ الصريم بِنعمان
وأُبدي إذا ريحُ الشّمالِ تنّفستْ
شمائلَ مرتاحِ المعاطفِ نشوانِ
عرفتُ بهذا الحبّ لم أدرِ سلوةً
وإنّي لمسلوبِ الفؤادِ بِسلوانِ
ومّما شجاني أن سرى الركبُ مَوهناً
تقادُ به هوجُ الرياحِ بأرسان
على كلِّ نضوٍ مثله فكأنما
رمى منهما صدرَ المفازةِ سهمانِ
نشاوى غرامٍ يستميلُ رؤوسهم
من النومِ والشوق المُبرّح سُكران
أجابوا نداءَ البينِ طوعَ غرامهم
وقد تبلغُ الأوطار فرقة أوطان

ابن الزقاق البلنسي

هات حديثاً عن مغاني اللّوى
فعهدكَ اليومَ بها أقربُ
إيهٍ وإن عذّبني ذِكرُها
فمن عذابِ النفسِ ما يَعذُبُ
غفرتُ للأيام ذنب الفراق
أن فزتُ في توديعهم بالعناق
ما أنسَ لا أنسَ لهم وقفةً
كالشهدِ والعلقم عند المذاق
كم ليلة لي بعقيق الحمى
قصرتها باللثمِ والإعتناق
ما ادرع الليل بظلمائه
حتى كساه الصبح منه رواق
فانخفرت أنجمهُ يشتكي
للبعض منها البعضُ وشك الفراق
وانتبه الصبح بُعيدَ الكرى
كذي هوىً من غشيّة قد أفاق
في روضةٍ علّم أغصانها
أهل الهوى العذريّ كيف العناق
هبّت بها ريحُ الصَّبا سُحرةً
فالتفّتِ الأغصانُ ساقاً بساق

ابن زريق البغدادي

لا تعذليهِ فإنّ العذلَ يؤلمهُ
قد قلتِ حقاً، ولكن ليسَ يسمعهُ
جاوزتِ في لومهِ حدّاً أضرَّ بهِ
من حيثُ قدّرتِ أنَّ اللومَ ينفعهُ
فاستعملي الرفقَ في تأنيبهِ، بدلاً
يكفيه من لوعةِ التشتيتِ أنّ له
ما آبَ من سَفرٍ إلا وأزعجهُ
كأنّما هو في حلٍّ ومرتحلٍ

من عُنفهِ فهو مُضنى القلبِ مُوجعهُ
من النّوى، كلّ يومٍ مايروِّعه
عزمٌ إلى سَفرٍ،بالرغمِ يُزمعهُ
مُوِّكلٌ بفضاءِ الله يذرعهُ
والله قسّمَ بينَ الخلق رزقهمُ
لم يخلق الله مخلوقاً يُضيّعهُ
أستودع الله في بغدادَ لي قمراً
ودّعتهُ وبودِّي لو يُودّعني

بالكرخِ من فلكِ الازرارِ مطلعهُ
صفو الحياةِ وأنّي لا أودّعهُ
وكم تشّفعَ أنّي لا أفارقهُ
وكمْ تشبّثَ بي يوم الرحيلِ ضحىً
إنّي أُوسِّعُ عذري في جنايتهِ

وللضروراتِ حالٌ لا تُشفّعهُ
وأدمعي مستهلاتٌ وأدمعهُ
بالبينِ عنه،وقلبي لا يُوسِّعه
أعطيت مُلكاً فلم أحسن سياستهُ
كذاك من لايسوس الملك يخلعهُ
ومن غدا لابساً ثوبَ النعيمِ بلا
كم قائلٍ لي ذنبُ البينِ قلتُ له
وكنتُ من ريبِ دهري جازعاً فَرِقاً

شكرِ الإله فعنهُ الله ينزعهُ
الذنب والله ذنبي لستُ أدفعهُ
فلم أُوقَ الذي كنتُ أجزعه
ما كنتُ أحِسبُ أن الدهرَ يُفجعني
علماً بأنّ اصطباري مُعقبٌ فرجاً

به ولا أن بي الأيام تُفجعهُ
فأضيقُ الامر إن فكرّتَ أوسعه
ومن يُصدعُ قلبي ذكرهُ وإذا
علَّ الليالي التي أضنت بفرقتنا
إن تنلْ أحداً منا منيّتهُ
وإن يدم أبداً هذا الفراقُ لنا

جرى على قلبهِ ذكري يُصدعهُ
جسمي ستجمعني يوماً وتجمعهُ
لابدّ في غدهِ الثاني سيتبعه
فما الذي بقضاء الله يصنعهُ

ابن القيسراني

مررنا بجو فهاج الجوى
على مهجة شرقت بالنوى
وأذهلني الوجد عنها فما
ذكرت سوى عهدكم في سوى
وفي الرِكبِ صَبّ إذا اشتاقكم
لوى جيدهُ نحوكم فالتوى
يجودُ بعين لو أن الركاب
تغمر في دمعها لارتوى
مررنا في ديارِ بني عدي
يُجاذبُ لوعتي شرق وغرب
يتيمني بأرضِ الشام حبّ
ويعطفني على بغداد حبّ

عبد الرحمن الداخل

تبدّتْ لنا وسطَ الرّصافة نخلةٌ
تناءت بأرضِ الغربِ عن بلد النخل
فقلتُ: شبيهي في التغرُّبِ والنّوى
وطولِ التنائي عن بنيّ وأهلي
نشأتِ بأرضٍ أنتِ فيها غريبةٌ
فمثلُكِ في الإقصاءِ والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المُزنِ في المنتأى الذي
يسعُّ ويستمري السّماكينِ بالوبلِ
أيّها الراكبُ المُيّممُ أرضي
أقرَ مني بعض السلامِ لبعضي
إنّ جسمي كما علمتَ بأرضٍ
وفؤادي ومالكيهِ بأرضِ
قُدّر البينُ بيننا فافترقنا
وطوى البينُ عن جفوني غمضي
قد قضى الله بالفراقِ علينا
فعسى باجتماعنا سوفَ يقضي

السيد البطليوسي

هُمْ سلبوني حُسنَ صبري إذ بانوا
بأقمارِ أطواقِ مطالعها بانُ
لئن غادروني باللّوى،إنَّ مهجتي
مُسايرةٌ أظعانهم حيثما كانوا
سقى عهدهم بالخَيفِ عهد غمائم
ينازعها مُزنٌ من الدمعِ هتّانُ
أأحبابنا،هل ذلك العهدُ راجعٌ
وهلْ لي عندكم آخرَ الدهرِ سُلوانُ
ولي مقلةٌ عبرى وبينَ جوانحي
فؤادٌ إلى لقياكم الدهرَ حنّانُ
تنّكرتِ الدنيا لنا بعدَ بُعدكمْ
وحلّتْ بنا من مُعضلِ الخطب ألوانُ

ابن بسام الأندلسي

وضاعف ما بالقلب يوم رحيلهم
على ما به منهم حنين الأباعر
وأصبر عن أحباب قلب ترّحلوا
ألا إنّ قلبي سائر غير صابر

ابن عبدون

أذهبنَ من فَرَقِ الفراقِ نفوساً
ونثرنَ من درِّ الدموعِ نفيسا
فتبعتها نظرَ الشجيِّ فحدّقتْ
رقباؤها نحوي عيوناً شوسا
وحللنَ عَقدَ الصبرِ إذ ودّعنني
فحللنَ أفلاكَ الخدورِ شموسا

الشمس ابن جابر

عَرِّجْ على بانِ العُذيب ونادي
وانشد فديتُك أينَ حلَّ فؤادي
وإذا مررتَ على المنازلِ بالحمى
فاشرحْ هنالك لوعتي وسهادي
إيهٍ فديتُكِ يانُسيمةَ خبرّي
كيفَ الأحبةُ والحمى والوادي

أبو عبد الله محمد بن خميس

تلمسانُ جادتكِ السحابُ الروائحُ
وأرستْ بواديكِ الرياحُ اللواقحُ
يطيرُ فؤادي كلّما لاحَ لامعٌ
وينهلُّ دمعي كلما ناحَ صادحُ
ففي كلّ شفرٍ من جفوني مائحٌ
وفي كلِّ شطرٍ من فؤادي قادحُ
فما الماءُ إلا ما تسحُّ مدامعي
ولا النارُ إلا ما تُجنُّ الجوانحُ
خليليَّ لا طيفٌ لعلوةَ طارقٌ
بليلٍ ولا وجهٌ لصبحيَ لائحُ
نظرتُ فلا ضوءٌ من الصبحِ ظاهرٌ
لعيني ولا نجمٌ إلى الغربِ جانحُ
بحقّكما كُفا الملامَ وسامحا
فما الخلُّ كلُّ الخلٍّ إلا المُسامحُ

ابن فضيلة المعافري المرّي

سرتْ ريحُ نجدٍ من رُبى أرضِ بابلِ
فهاجتْ إلى مسرى سُراها بلابلي
وذكرّني عَرفُ النسيمِ الذي سرى
معاهدَ أحبابٍ سراةٍ أفاضلِ
فأصبحتُ شغوفاً بذكرِ منازلٍ
ألفتُ، فواشوقي لتلك المنازلِ
فيا ريحُ هُبّي بالبطاحِ وبالرُبى
ومُرّي على أغصان زهرِ الخمائلِ
وسيري بجسمي للتي الروحُ عندها
فَروحي لديها من أجلِّ الوسائلِ
وقولي لها عنّي مُعنّاكِ بالنوى
لهُ شوقُ معمودٍ وعبرةُ ثاكلِ

ابن الصائغ

ضربوا القبابَ على أقاحي روضةٍ
خطرَ النسيمُ بها ففاحَ عبيرا
وتركتُ قلبي سارَ بين حُمولهم
دامي الكلومِ يسوقُ تلك العيرا
هلّا سألتَ أميرهم هل عندهم
عانٍ يُفَكُّ ولو سألت غيورا
لا والذي جعلَ الغصونَ معاطفاً
لهم وصاغَ الأقحوان ثغورا
ما مرَّ بي ريحُ الصَّبا من بعدهم
إلا شهقتُ لهُ فعاد سعيرا

ابن خلدون:

أسرفنَ في هجري وفي تعذيبي
وأطلنَ موقفَؤ عبرتي ونحيبي
وابينَ يومَ البينِ وقفة ساعةٍ
لودعِ مشغوفِ الفؤادِ كئيبِ
لله عهدُ الظاعنينَ وغادروا
قلبي رهينَ صبابةٍ ووجيبِ
غَربت ركائبهم ودمعي سافحٌ
فشرقتُ بعدهمُ بماءِ غروبي
يا ناقعاً بالعَتبِ غُلّةَ شوقهم
رُحماكَ في عَذلي وفي تأنيبي
يستعذبُ الصبُّ الملامَ وإنني
ماءُ الملامِ لديَّ غير شريبِ
ما هاجني طربٌ ولا اعتاد الجوى
لولا تذكرُ منزلٍ وحبيبِ
إيهٍ على الصبرِ الجميلِ فإنهُ
ألوى بدينِ فؤادي المنهوبِ
حَيِّ المعاهدَ كانت قبلُ تُحييني
بواكفِ الدمعِ يُرويها ويُظميني
إن الألى نزحتْ داري ودارُهم
تحملوا القلبَ في آثارهم دوني
وقفتُ أنشدُ صبراً ضاعَ بعدهمُ
فيهم وأسألُ رسماً لا يُناجيني
أُمثّلُ الرّبعَ من شوقٍ وألثمهُ
وكيفَ والفكرُ يُدنيهِ ويقصيني
وينهبُ الوجدُ مني كلّ لؤلؤةٍ
مازالَ جفني عليها غيرَ مأمونِ
سقت جفوني مغاني الرّبعِ بعدهمُ
فالدمعُ وقفٌ على أطلالهِ الجونِ
قد كان للقلبِ عن داعي الهوى شغلٌ
لو أنّ قلبي إلى السلوان يدعوني
أحبابنا هل لعهدِ الوصلِ مذكَرٌ
منكم وهل نسمةٌ منكم تُحييني
مالي وللطيفِ لا يعتادُ زائرهُ
وللنسيمِ عليلاً لا يُداويني
يا نازحاً والمنى تُدنيهِ من خَلدي
حتى لأحسبهُ قرباً يناجيني
أسلى هواك فؤادي عن سواك وما
سواك يوماً بحالٍ عنكَ يُسليني
من مُبلغٌ عني الصحبَ الألى جهلوا
ودّي وضاع حماهم إذ أضاعوني
إني أويتُ من العليا إلى حَرمٍ
كادت مغانيهِ بالبشرى تُحييني
وأنني ظاعناً لم ألقَ بعدهمُ
دهراً أشاكي ولا خصماً يشاكيني
لا كالتي أخفرت عهدي لياليَ إذ
أقلبُ الطرفَ بين الخوفِ والهونِ
سقياً ورَعياً لأيامي التي ظفرت
يدايَ منها بحظٍّ غير مغبونِ
أرتادُ منها مليّاً لا يماطلني
وعداً وأرجو كريماً لا يُعَنّيني

أبو عبد الله ابن الأبار

أقلّوا ملامي أو فقولوا وأكثروا
مَلومكم عمّا بهِ ليسَ يُقصرُ
وهل غيرُ صبٍّ ماتني عبراته
إذا صعدت أنفاسهُ تتحدرُ
يحنُّ وما يُجدي عليهِ حنينُهُ
إلى أربُعٍ معروفها متنكرُ
تغيرَ ذاكَ العهدُ بعدي وأهله
ومن ذا على الايامِ لا يتغيّرُ
أقولُ لساري البرقِ في جنح ليلة
كلانا بها قد يبات يبكي ويسهرُ
أتأوي لقلبٍ مثل قلبك خافقٍ
ودمع سفوح مثل قطرك يقطرُ
وتحملُ أنفاساً كومضكَ نارها
إذا رُفعت تبدو لمن يتنوّرُ
يقرُّ بعيني أن أُعاين من نأى
لما أبصرته منكَ عينايَ تبصرُ
وأن يتراءى الخليطُ الذين هم
بقلبي وإن غابوا عن العينِ حُضّرُ
وأنّ كلينا مشوقٍ وشائقٍ
بنارِ اغتراب في حشاهُ تسعرُ

ابن المعتز

مازلتُ أدعو بضوءِ الصبحِ مُغترباً
يفري دجى الليل منهُ شخصُ حرّان
أزالهُ الدهرُ عن أهلٍ وأبدلهُ
أهلاً بأهلٍ وجيراناً بجيران
لا مثل منزلة الدويرة منزلٌ
يا دار جادك وابلٌ وسقاكِ
بؤساً لدهر غيّرتك صروفه
لم يمحُ من قلبي الهوى ومحاكِ
لم يحلُ للعينينِ بعدك منظرٌ
ذُمَّ المنازل كلهنَّ سواكِ
أيّ المعاهد منك أندب طيبهُ
ممساك بالآصالِ أم مغداك
أم برد ظلّك ذي الغصون وذي الجنى
أم أرضك الميثاء أم ريّاكِ
لاحَ لهُ بارِقٌ فأرّقهُ
فباتَ يرعى النجومَ مكتئبا
يُطيعه الطرفُ عند دمعته
حتى إذا حاول الرقاد أبى
إنّا على البعادِ والتفرُّقِ
لنلتقي بالذكرِ إن لم نلتقِ

إبراهيم بن العباس الصولي

باتت تُشوّقني برجعِ حنينها
وأزيدها شوقاً برجعِ حنيني
نِضوان مُغتربانِ عند تهامة
طويا الضلوع على جوى مكنون

ابن الخياط

بَكيتُكَ للبينِ قبلَ الحِمامِ
وأينَ من الثكل حرُّ الغرام
وما كانَ ذاكَ الفراقُ المُ
شتُ إلا دخاناً لهذا الضرام
فَعُوّضتُ بعد الحنينِ الأنينَ
وبُدّلتُ بعد الجوى بالسقام
إذا قتلَ البعدُ أهلَ الهوى
فأقتلُ لي منهُ موتُ الكرام
ولولا الرّدى ما كان بالعيش وصمةٌ
ولولا النّوى ما كان بالحبِّ من باسِ
تُحرّقني بناركَ مؤذناً لي
بما أنا فيكَ يوم البينِ لاقِ
ونيرانُ الصّبابة بالغاتٌ
مُرادكَ فيَّ من قبلِ الفراقِ
فيا ليتني أبقى ليَّ الهجرُ عبرةً
فأقضي بها حقَّ النّوى وأُريقها
هيَ الديارُ فَعُجْ في رسمها العاري
إن يخلُ طرفكَ من سُكانها فيها

إن كانَ يُغنيك تعريجٌ على دارِ
ما يملأ القلب من شوقٍ وتذكارِ
سقوهُ كأسَ فرقتهم دِهاقا
وأسكرهُ الوداعُ فما أفاقا
خذا من صَبا نجدٍ أماناً لقلبهِ
وإياكما ذاكَ النسيم فإنّهُ
إذا خطرتْ من جانبِ الرملِ نفحةٌ
خليليَّ لو أجبتُما لعلمتا
تذكر:والذكرى تشوقُ،وذو الهوى
غرامٌ على يأسِ الهوى ورجائهِ

فقد كادَ ريّاها يطيرُ بلبّهِ
متى هبَّ كانَ الوجدُ أيسر خطبهِ
تضَّمنَ منها داؤُهُ دون صحبهِ
محلَّ الهوى من مُغرمِ القلبِ صَبّه
يتوقُ،ومن يعلقْ بهِ الحبّ يُصبه
وشوقٌ على بُعدِ المزارِ وقربه
ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً
يُرَّوحني بالغوطتينِ نسيمُ
وقفتُ أداري الوجد خوفَ مدامع
تُبيحُ من السرِّ المُمنّعِ ما أحمي
أغالبُ بالشكِ اليقينَ صبابة
وأدفعُ من صدرِ الحقيقة بالوهمِ
فلما أبى إلا البكاء ليَ الاسى
بكيتُ فما أبقيتُ للرسمِ من رسمِ
كأنّي بأجزاعِ النقيبة مُسلمٌ
إلى ثائر لا يعرف الصفح عن جُرمِ
لقد وجدت وجدي الديار بأهلها
ولو لم تجد وجدي لما سقمت سقمي
عليهنَّ وسمٌ للفراقِ وإنما
عليَّ له ماليسَ للنارِ من وسمِ
وكم قسّمَ البين الضنى بين منزل
وبيني ولكن الهوى جائر القسم
يا نسيمً الصَّبا الولوعَ بوجدي
حبذا أنت لو مررتَ بنجدِ
أجِرْ ذكري نعمتَ وأنعتْ غرامي
بالحمى ولتكن يداً لك عندي
لئن عداني زمانُ عن لقائكمُ
لما عداني عن تذكارِ ما سلفا
وفي الرّكبِ مطوي الضلوع على جوى
متى يدعه داعي الغرام يُلبّه
إذا خطرتْ من جانبِ الرملِ نفحة
تناول منها داءه دون صحبه
ومحتجب بين الأسنّة معرض
وفي القلب من إعراضه مثل حجبه
أغارُ إذا آنست في الحيّ أنّه
حذاراً عليه أن تكون لحبه
ما وَجدُ من فارقَ القومَ الألى ظعنوا
كَوجدِ من فارقَ العلياءِ والشّرفا
لأعزينَّ بذمِّ البينِ بعدكمُ
وكيفَ تحمدُ نفسُ التالفِ التلفا
وبالجزعِ حيٌّ كلّما عَنَّ ذكرهمْ
أماتَ الهوى مني فؤاداً وأحياهُ
تمنيّتهم بالرقمتين ودارُهم
بوادي الغضا يا بُعدَ ما أتمناهُ

صالح بن عبد القدوس

وإذا رأيتَ الرزقَ عَزَّ ببلدةٍ
وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ
فارحلْ فأرضُ الله واسعةُ الفضا
طولاً وعرضاً شرقها والمغربُ
فلقد نصحتُكَ إن قبلتَ نصيحتي
فالنصُحُ أغلى مما يُباعُ ويُوهبُ
لا ألفينّكَ ثاوياً في غربةٍ
إنّ الغريبَ بكلِّ سهمٍ يُرشَقُ

أبو حيّة النميري

قلْ لحادي المطيّ خفِّضْ قليلاً
نجعل العيسَ سيرهنَّ ذَميلا
لا تقفها على السبيلِ ودعها
يهدها شوقُ من عليها السبيلا

ابن حيوس الدمشقي

ونبا بيَ الوطنُ القديمِ وإنني
في البُعدِ عمّنْ حَلَّهُ لسعيد
هل للخليط المستقل إيابُ
أم هل لأيامٍ مضتْ أعقابُ
فراقٌ قضى ألا تأسيَّ بعد أن
مضى منجداً صبري وأوغلت متهما
وفجعةُ بينٍ مثل صرعة مالك
ويقبح بي أن لا أكون متمما
خليليَّ إن لم تسعداني على الأسى
فما أنتما مني ولا أنا منكما
وحَسنتما لي سلوةً وتناسياً
ولم تذكرا كيفَ السبيلُ إليهما
لقد رُفعنا إلى حالينِ لستُ أرى
ما بينَ ذاكَ وهذا حظُّ مختارِ
إمّا المُقامُ على خوفٍ ومسبغةٍ
أو الرحيل عن الاوطانِ والدارِ
والموتُ أيسرُ من هذا وذاكَ وما
كربُ المماتِ ولا في الموتِ من عارِ
سأتركُ ذي البلادَ بلا اختيارٍ
وأهجرُ أهلها لا عن تقالِ
بحالٍ لو تأملها عدوي
لساهمني الرزيّة أو رثى لي

ابن عنين

هجرتُ الأكابرَ في جِلّقٍ
ورعتُ الوضيعَ بسبِّ الرفيع
وأُخرجتُ منها ولكنني
رجعتُ على رغمِ أنفِ الجميع
ولو أني خُيّرتُ في هذه الدن
يا لما اخترتُ غير أهلي وداري

ابن حجة الحموي

لي في ابتدا مدحكمْ يا عُربَ ذي سَلَمِ
براعةٌ تستهلُّ الدمعَ في العَلَمِ
بالله سِرْ بي فَسِرْبي أطلقوا وطني
وركّبوا في ضلوعي مُطلقَ السّقمِ
شَدتْ بكمُ العُشاقُ لمّا ترّنموا
فغنّوا وقد طابَ المقامُ وزمزمُ
وضاعَ شذاكمُ بينَ سَلعٍ وحاجرٍ
فكانَ دليلَ الظاعنينَ إليكمُ
ولمّا روى أخبارَ نشرِ ثُغوركمْ
أراكُ الحمى جاءَ الهوى يتنسّمُ

ابن النبيه المصري

يا ساكني السفحِ كم عينٍ بكم سفحت
نزحتم فهي بعد البعد قد نزحت
يا بارقاً أذكرَ الحشا شَجنهْ
منزلنا بالعقيقِ منْ سكنه
بلّغْ حديثَ الحمى وساكنه
لِمغرمٍ أنحلَ الهوى بدنه
أشقى المحبين عادمٌ وطراً
فكيفَ إن كانَ عادماً وطنه
سُقياً لأيامنا التي سلفتْ
كانتْ بطيبِ الوصالِ مقترنه
لو بيعَ يومٌ منها وكيف به
كنتُ بعمري مسترخصاً ثمنه

الشافعي

إذا ضاقَ صدرُكَ من بلادٍ
ترّحل طالباً أرضاً سواها
عجبتُ لمن يقيمُ بدارِ ذُلٍ
وأرضُ الله واسعةً فضاها
فذاكَ من الرجالِ قليل
عقل بليد ليس يعلم من بناها
فنفسُكَ فُز بها إن خفتَ ضيماً
وخلِّ الدارَ ومن بناها
فإنّكَ واجدُ أرضاً بأرضٍ
ونفسُكَ لم تجد نفساً سواها
ومن كانت منيّتهُ بأرضٍ
فليسَ يموتُ في أرضٍ سواها
أُخيَّ أرى نفسي تتوقُ إلى مصرِ
ومن دونها أرضُ المهامةِ والقفرِ
فوالله ما أدري أللفوزِ والغنى
أُساقُ إليها أم أُساقُ إلى قبري
تَغرّبْ عن الأوطانِ في طلبِ العلا
وسافرْ ففي الأسفارِ خمسُ فوائد
تفريجُ همٍّ واكتسابُ معيشةٍ
وعلم وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ
سافرْ تجدْ عوضاً عمّنْ تفارقه
وانصبْ فإن لذيذَ العيشِ في النَصَبِ
ما في المقام لذي لُبٍ وذي أدبٍ
معزةٌ فاترك الأوطانَ واغتربِ
إني رأيتُ وقوفِ الماءِ يُفسده
والتبر كالترب ملقى في أماكنه
الأسد لولا فراق الغاب ما افترست

إن ساحَ طابَ وإن لم يجرِ لم يطبِ
والعودُ في أرضه نوع من الحطبِ
والسهمُ لولا فراق القوس لم يُصب
سأصبرُ للحِمامِ وقد أتاني
وإلا فهو آتٍ بعد حين
وإن أسلمْ يمتُ قبلي حبيبٌ
وموتُ أحبّتي قبلي يسؤني
ارحلْ بنفسكَ عن أرض تُضامُ بها
من ذلَّ بين أهاليه ببلدته

ولا تكنْ من فراقِ الأهلِ في حُرقِ
فالاغترابُ له من أحسن الخلق
فالعنبرُ الخام روث في مواطنه
وفي التغرُّبِ محمولٌ على العنقِ
والكحلُ نوعٌ من الاحجارِ تنظرهُ
في أرضهِ وهو مرميٌّ على الطرقِ
لمّا تغرّبَ حازَ الفضلَ أجمعهُ
فصارَ يحمل بين الجفنِ والحدقِ
وأنزلني طولُ النوى دارَ غربةٍ
إذا شئتُ لاقيتُ امرأً لا أشاكله
فحامقتهُ حتى يُقالَ سجيّةٌ
ولو كانَ ذا عقلٍ لكنتُ أعاقله
إذا قيلَ في الأسفارِ ذلّ ومحنة
وقطعُ الفيافي واقتحامُ الشدائدِ
فموتُ الفتى خيرٌ لهُ من حياتهِ
بدارِ هوانٍ بينَ واشٍ وحاسدِ
إنّ الغريبَ لهُ مخافةُ سارقٍ
وخضوعُ مديونٍ وذلة موثقِ
فإذا تذكرَ أهلهُ وبلادهُ
ففؤادُهُ كجناحِ طيرٍ خافقِ

ابن الفارض

وبما جرا في موقفِ التوديعِ من
ألم النوى شاهدت هول الموقفِ
فلا تُنكروا إن مسّني ضرُّ بينكم
عليَّ سؤالي كشفَ ذاكَ ورحمتي
واقرَ السلامَ عُريبَ ذيّاكَ اللّوى
من مُغرمٍ دنفٍ كئيبٍ ناءِ
صَبٍّ متى قفلَ الحجيجُ تصاعدتْ
زفراتهُ بتنفُّسِ الصُّعداءِ
كَلَمَ السُّهادُ جفونَهُ فتبادرتْ
عبراتهُ ممزوجةٌ بدماءِ
وأبعدني عن أربعي بعدُ أربعٍ:
شبابي وعقلي وارتياحي وصحتي
فلي بعد أوطاني سكونٌ إلى الفلا
وبالوحشِ أُنسي إذ من الانسِ وحشتي
نَعمْ بالصَّبا قلبي صَبا لأحبّتي
فيا حبذا ذاكَ الشّذا حينَ هبّتِ
سَرتْ فأسرّتْ للفؤادِ غُدَيّةً
أحاديثَ جيرانِ العُذيبِ فسرّتِ
تذكرني العهدَ القديمَ لأنّها
حديثةُ عهدٍ من أُهيلُ مودّتي
رعى الله أياماً بظلِّ جنابها
سرقتُ بها في غفلةِ البينِ لذّتي
وما دارَ هجرُ البعدِ عنها بخاطري
لديها بوصلِ القربِ في دار هجرتي
يا أهل وُدّي هل لراجي وصلِكمْ
طمعٌ فينعمْ بالهُ استرواحا
مُذْ غبتمُ عن ناظري لي أنّةٌ
ملأت نواحي أرضِ مصرَ نُواحا
وإذا ذكرتكم أميلُ كأنّني
من طيبِ ذكركمُ سُقيتُ الرّاحا
وإذا دُعيتُ إلى تناسي عهدكمْ
ألفيتُ أحشائي بذاك شِحاحا
حيّا الحيا تلكَ المنازلَ والرُّبى
وسقى الوليُّ مواطنَ الألاءِ
وسقى المشاعرَ والمُحصبَ من منىً
سَحّاً وجادَ مواقفَ الأنضاءِ
ورعى ليالي الخَيفِ ماكانت سوى
حلمٌ مضى مع يقظةِ الإغفاءِ
تناءتْ فكانتْ لذةُ العيشِ وانقضتْ
بعمري فأيدي البينِ مُدّتْ لِمُدّتي
وبانتْ فأما حسنُ صبري فخانني
وأما جفوني بالبكاءِ فوّفتِ
فلم يرَ طرفي بعدها ما يسرّني
فنومي كصبحي حيثُ كانت مسرّتي
يا ساكني البطحاءِ هلْ من عودة
أحيا بها يا ساكني البطحاءِ
إن ينقضي صبري فليسَ بِمُنقضٍ
وجدي القديم بكم ولا بُرحائي
واحسرتي ضاعَ الزمانُ ولم أفزْ
منكم أُهيل مودّتي بلقاءِ
أرجُ النسيم سرى من الزوراءِ
سَحَراً فأحيا ميتَ الأحياءِ
أهدى لنا أرواحَ نجدٍ عَرْفُهُ
فالجوُّ منهُ مُعنبرُ الأرجاءِ
وروى أحاديثَ الأحبّةِ مُسنداً
عن إذخرٍ بأذاخرٍ وسخاءِ
فسكرتُ من رَيّا حواشي بُردهِ
وسرتْ حُمَيّا البُرءِ في أدوائي
نأيتُم،فغير الدمع لم أر وافيا
سوى زفرةٍ من حرِّ الجوى تغلو
فسهدي حي،في جفوني مخلّد
ونومي بها ميت ودمعي له غسلُ
يا راحلاً وجميل الصبرِ يتبعه
هل من سبيل إلى لقياك يتفق
ما أنصفتك جفوني وهي دامية
ولا وفّى لك قلبي وهو يحترق
سائق الأظعان يطوي البيد طيّ
منعماً عرّجْ على كثبان طي

صفي الدين الحلي

ويومَ وقفنا للوداع وقد بدا
بوجه يحاكي البدرَ عندَ تمامهِ
شكوتُ الذي ألقى فظلَّ مقابلاً
بُكايَ وشكوى حالتي بابتسامه
بدمعٍ يُحاكي لفظهُ في انتثارهِ
وعتبٍ يُحاكي ثغرهُ في انتظامه
فما رقّ من شكوايَ غير خدودهِ
ولا لانَ من نجوايَ غير قوامه
أبعدتُ عن أرضِ العراقِ ركائبي
علماً بأنّ الحزمَ نعم المُقتنى
لا أخشى من ذلةٍ أو قلّةٍ
عزّي لساني والقناعةُ لي غنى
جبتُ البلادَ ولستُ متخذاً بها
سكناً ولم أرضَ الثريا مسكنا
حتى أنختُ بماردينَ مطيتي
فهناك قال لي الزمانُ :لكَ الهنا
تنّقلْ فلذّاتُ الهوى في التنقلِ
ورِدْ كلّ صافٍ لا تقف عنه منهل
ففي الأرض أحبابٌ وفيها منازل
فلا تبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزل
فإذا رُميتَ بحادثٍ في بلدةٍ
جرّدْ حسامكَ صائلاً أو فارحلِ
إن جئتَ سلعاً فسلْ عن جيرةِ العلم
واقرَ السلام على عرب بذي سَلم
بالله لا تقطعوا عنا رسائلكم
فإنّ فيها شفاء القلبِ والبصرِ
وآنسونا بها إن عزَّ قربكم
فالأنسُ بالسّمعِ مثل الأنسُ بالنظر
قد كنتُ أصبرُر والديارُ بعيدةٌ
فاليومَ قد قربت وصبري قاني
ماذاك من عكسِ القياسِ وإنّما
لتضاعف الحسراتِ بالحرمان
رعى الله من فارقت يومَ فراقهم
حُشاشةَ نفسٍ ودّعت يومَ ودّعوا
ومن ظعنت روحي وقد سارَ ظعنهم
فلمأدرِ أيّ الظاعنينَ أُشيّعُ
تُعيّرني الأعداءُ بالبينِ عنهمُ
وما كانَ حكمُ الدهرِ بالبينِ إذني

عبد الصمد بن المعذل

تُرّجي قفولي لها بالغنى
لعلّ المنيّة دونَ القفولِ
رأتْ عَدمي فاسترثت رحيلي
سبيلك إنّ سواها سبيلي

بكر بن النطاح

تطاولَ ليلي بالحجاز ولم أزلْ
وليلي قصيرٌ من الغدواتِ
فيا حبذا برُّ العراقِ وبحرها
وما يجتنى فيه من الثمرات

سعيد بن حميد الكاتب

عَذُبَ الفراقُ لنا غداةَ وداعنا
ثمّ اجترعناهُ كَسُمٍ ناقعِ
فكأنما أثرُ الدموعِ بخدّها
طَلٌّ سقيطٌ فوقَ وردٍ يافعِ
كظاعنةٍ ضَنَتْ بها غربةُ النّوى
علينا ولكن قد يُلمُّ خيالها
تُقرّبها الآمالُ ثمّ تعوقها
مماطلةُ الدنيا بها واعتلالها
ولكنها أمنيّةٌ فلعلّها
يجودُ بها صَرفُ النّوى وانتقالُها

أبو المظفر الأبيوردي

أقولُ لسعدٍ وهو خلّيّ بطانة
وأيّ عظيم لم أنبه له سعدا
إذا نكبت نجداً مطاياك لم أبل
بعيش وإن صادفته خضلاً رغدا
فإنك إن أعرقت والقلب منجد
ندمتَ ولم تشمم عراراً ولا رندا
ولم تردِ الماء الذي زادك النوى
وقد ذقتَ ماء الرافدين به وجدا
وترمي بنا أرضُ الأعاجم ضلّة
فتزداد عمن نشتهي قربه بُعدا
وها أنا أخشى والحوادثُ جمّة
إذا زرتها أن لانرى بعدها نجدا
تقولُ ابنة السعدي وهي تلومني
أما لك عن الدار الهوان رحيل؟
فإن عناءَ المُستنيم إلى الاذى
بحيث يذل الأكرمون طويل
فثِبْ وثبة فيها المنايا أو المنى
فكلّ مُحب للحياةِ ذليلُ
بِمنشط الشيحِ من نجد لنا وطنٌ
لم تجر ذكراه إلا حنَّ مغترب
إذا رأى الأفق بالظلماءِ مختمراً
أمسى وناظرهُ بالدمعِ منتقب
ونشقةٌ من عرار هزَّ لمته
رويحة في سراها كسّها لغبُ
تشفي غليلاً بصدري لا يزحزحه
دمع تهيبُ به الأشواق منسكبُ
والنارُ بالماءِ نُطفاً والهموم لها
في القلب نارٌ بماء الدمع تلتهبُ
أعائدةٌ تلكَ الليالي بذي الغضى
ألا لا وهل يُثنى من الدهرِ ما مضى
إذا ذكرتها باتت كأنّها
على حدِّ سيفٍ بين جنبيَ يُنتضى
فَحِنْ رويداً أيها القلبُ واصطبرْ
فلا يدفعُ الأقدارَ سُخطٌ ولا رضى
تولّى الصِّبا والمالكيةُ أعرضت
وزالَ التصابي والشّبابُ قد انقضى

ابن جزي

وما أنسى الأحبّةَ حينَ بانوا
تخوضُ مطيّهمُ بحرَ الدموعِ
وقالوا: اليومَ منزلنا الحنايا
فقلتُ:نعم،ولكن من ضلوعي

ذو الوزارتين ابن الحكم

ذكرَ اللّوى شوقاً إلى أقمارهِ
فقضى أسىً أو كادَ من تذكارهِ
وعلا زفيرُ حريقِ نارِ ضلوعهِ
فرمى على وجناتهِ بشرارهِ

الخطيب ابن مرزوق

أُودّعكم وأُثني ثمّ أُثني
على ملكٍ تطاولَ بالجميلِ
وأسألُ رغبةً منكم لربّي
بتيسيرِ المقاصدِ والسبيلِ
سلامُ الله يشملنا جميعاً
فقد عزمَ الغريبُ على الرحيل

ابن نباتة المصري

ومنازل بالسفحِ غُيّر رسمها
بمدامعِ العشّاقِ والأنواءِ
لم يبقَ لي غيرَ انتشاقِ نسيمها
يا طولَ خيبةِ قانعٍ بهواءِ
وهل إلى أرضِ مصر زَورةٌ لِشَجٍ
بسائلٍ من دموعِ الشّوقِ مِلحاحِ
وهل أُباكرُ بحرَ النيلِ مُنشرحاً
فأشربُ الحُلوَ من أكوابِ ملّاحِ
وأشتكي النأيَ في بابِ العلاءِ إلى
نِعمَ الملّي بإنجائي وإنجاحي
أمّا زمانُ على مع شذا كِلمي
فقد تجانسَ نَفاعٌ بنّفاحِ
قسماً ما حلتُ عن عهدِ الوفاءِ
بعدَ مصلارَ لا ولا نيلَ بكائي
حبّها تحتي وفوقي ويميني
وشمالي وأمامي وورائي
فهي ستي من جهاتي ولديها
سيدي من حيث ودّي وولائي
يا جفن لست أراك تعرف ما الكرى
فعلام تشكو منه مرّ جفاء
كانت ليالي لذّةٍ فتقلصت
بيدِ الفراقِ تقلص الأفياء
فأبكي حسرةً حيثُ التنائي
وأبكي فرحةً حيثُ اللقاءِ
كأنَّ بكايَ لي عبدٌ مُجيبٌ
فما فرجي إذاً إلا البكاء
أعدْ لي يا رجاءُ زمانَ قرب
بروضتهِ أعد لي يا رجاء
ولثم حصىً لتربتهِ ذكيٌّ
كأنَّ شذاهُ في نفسي كباء
وشكوى كربة فرجت وكانت
من اللاتي يمدّ بها العناءِ
ونفس ذنبها كالنيل مداً
وما لوعود توبتها وفاء
مشوقةٌ متى وعدت بخير
ثقل سينٌ وواوٌ ثم فاء
ولكن حبّها وشهادتاها
من النيرانِ نعمَ الأكفياء

ابن نباتة السعدي

ولّما وقفنا للوداعِ عشيّةً
ولم يبقَ إلا شامتٌ وغيورُ
وقفنا فمنْ باكٍ يكفكفُ دمعهُ
وملتزمٍ قلباً يكادُ يطيرُ
يا حبذا زمنُ الجرعاءِ من زمنٍ
كلّ الليالي فيه ليلةُ العُرسِ

القاضي الجرجاني

لِلمحبينَ من حذارِ الفراقِ
عبراتٌ تجولُ بينَ المآقي
فإذا ما استقلّتْ العيسُ للبَينِ
وسارتْ حُداتُها بالرفاقِ
استهلّتْ على الخدودِ انحداراً
كانحدارِ الجُمان في الاتساق
كمْ مُحبٍ يرى التجلّدَ ديناً
فهو يثخفي من الهوى ما يُلاقي
ازدهاهُ النّوى فأعربَ بالوجدِ
لسانٌ عن دمعهِ المهراق
مالي ومالك يافراق
أبداً رحيل وانطلاق
وانحدارُ الدموعِ في موقفِ البينِ
على الخدِّ آيةُ العُشّاقِ
هَوّن الخطبَ لستَ أوّل صَبٍّ
فضحتهُ الدموعُ يومَ الفراقِ

القاضي الفاضل

ومن عجبٍ أنّي أحنُّ إليهم
وأسألُ شوقاً عنهم وهم معي
وتبكيهم عيني وهم في سوادها
ويشكو النوى قلبي وهم بينَ أضلعي

الشريف المرتضى

ولا تقمْ على الاذى في وطنٍ
فحيث يعدوك الاذى هو الوطن

المهذب بن الزبير

ومالي إلى ماءٍ سوى النيلِ غُلّةٌ
ولو أنّهُ أ أستغفر الله ـ زمزمُ
ولما وقفنا للوداعِ وترجمت
لعينيَ عمّا في الضمائرِ عيناها



يا ربعُ أين ترى الأحبّة يمّموا
هل أنجدوا من بعدنا أو أتهموا
نزلوا من العين السوادَ،وإن نأوا
ومن الفؤادِ مكانَ ما أنا أكتمُ
رحلوا وفي القلب المُعَنّى بعدهم
وجدٌ على مَرِّ الزمانِ مُخيِّمُ
وتعوّضتُ بالأنسِ روحي وحشةٌ
لا أوحشَ الله المنازلَ منهمُ

مطيع بن إياس

أسعِداني، يا نخلتي حُلوانِ
وابكيا لي من ريبِ هذا الزمان
واعلما أن رَيبهُ لم يزل يف
رُق بين الأُلافِ والجيرانِ
ولعمري ،لو ذقتما ألم الفُر
قة أبكاكما الذي أبكاني
أسعداني وأيقنا أنّ نحساً
سوفَ يلقاكما فتفترقان
كم رمتني صروف هذي الليالي
بفراقِ الأحبابِ والخلّانِ

اسحاق الموصلي

صبُّ يحثُّ مطاياهُ بذكركمُ
وليسَ ينساكمُ إن حلَّ أو سارا
لو يستطيعُ طوى الأيامَ نحوكمُ
حتى يبيعَ بعمرِ القُربِ أعمارا
يرجو النجاة من البلوى بقربكمُ
والقربُ يُلهبُ في أحشائهِ نارا
طَربتَ إلى الأُصيبية الصغار
وهاجكَ منهم قربُ المزار
وأبرحُ ما يكونُ الشّوقُ يوماً
إذا دنتِ الديارُ من الديار
ما كنتُ أعرفُ ما في البينِ من حُزنِ
حتى تنادوا بأن قد جىء بالسُّفنِ
قامت تُودّعني والعينُ تغلبها
فجمجمت بعض ما قالت ولم تُبنِ
مالت عليَّ تفدّيني وترشفني
كما يميلُ نسيمُ الريحِ بالغصنِ
وأعرضت ثم قالت وهي باكيةٌ
ياليتَ معرفتي إياكَ لم تكُنِ
لمّا افترقنا على كرهٍ لفرقتها
أيقنتُ أني رهينُ الهمِّ والحَزنِ

تَقّضتْ لباناتٌ وجدَّ رحيلُ
ولم يُشفَ من أهلِ الصفاءِ غليلُ
ومُدّتْ أكفٌّ للوداعِ فصافحت
وفاضتْ عيونٌ للفراقِ تسيلُ
ولابدّ للآلافِ من فيضِ عبرةٍ
إذا ما خليلٌ بانَ عنهُ خليلُ
غداةَ جعلتُ الصبرَ شيئاً نسيتهُ
وأعولتُ لو أجدى عليَّ عويلُ
ولم أنسَ منها نظرةً هاجَ لي بها
هوى منهُ بادٍ ظاهرٌ ودخيلُ
ولمّا رأينَ البينَ قد جدّ جِدّهُ
ولم يبقَ إلا أن تبينَ الركائبُ
دنونا فسلّمنا سلاماً مُخالساً
فردّت علينا أعينٌ وحواجبُ
تصدُّ بلا بُغضٍ ونخلسُ لمحةً
إذا غفلت عنا العيونُ الرواقبُ

أبو الشِّيص

أشاقكَ والليلُ مُلقي الجِرانِ
غرابٌ ينوحُ على غصنِ بانِ
أحمُّ الجناحِ شديد الصياحِ
يُبكي بعينينِ لا تهملانِ
وفي نعباتِ الغراب اغترابٌ
وفي البان بَينٌ بعيدُ التدانِ
لَعمري لئن فزعت مقلتاك
إلى دمعة قَطرُها غيرُ وانِ
فَحقَّ لعينيك ألا تجفَّ
دموعهما وهما تطرفان
ومن كانَ في الحيِّ بالامسِ منك
قريبَ المكانِ بعيدُ المكانِ
فهل لك ياعيشُ من رَجعةٍ
بأيّامكَ المؤنقاتِ الحسان
فيا عيشنا،والهوى مورِقٌ
لهُ غصنٌ أخضر العود دانِ

الخليل بن أحمد الفراهيدي

يقولونَ لي :دارُ الأحبّةِ قد دنتْ
وأنتَ كئيبٌ،إنّ ذا لعجيبُ
فقلت:وما تُغني الديارُ وقربُها
إذا لم يكن بين القلوب قريب؟
إذا ضاقَ بابُ الرزقِ عنك ببلدةٍ
فثمّ بلادٌ رزقها غير ضيّق
وإياكَ والسكنى بدارِ مذلّةٍ
فتسقى بكأسِ الذلّةِ المتدفقِ
فما ضاقت الدنيا عليك برحبها
ولا باب رزق الله عنك بأضيق

خالد الكاتب

شيّعتهمْ فاسترابوني فقلتُ لهم:
إنّي بُعثتُ مع الأجمالِ أحدوها
قالوا:فلم تتنفس هكذا صُعُدا
وما لعينيك ما ترقأ مآقيها؟
قلت:التنفسُ من إدمانِ سيركمُ
والعينُ تسفحُ دمعاً من قذىً فيها

الكيواني(شاعر دمشقي)

كفى حَزناً طولَ اغترابٍ ووحشةٍ
وقلّةُ أعوانٍ وإخفاقُ آمالِ

أمية بن الأسكر

لمن شيخان قد نشدا كلاباً
كتاب الله إن ذكر الكتابا
أناديه ويعرض لي حنينٌ
فلا وأبي كلابٌ ما أصابا
تركت أباك مرعشةً يداه
وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإن أباك حين تركت شيخٌ
يطارد أينقاً شرباً جذابا
إذا رُتعن إرقالاً سراعاً
أثرنَ بكلّ رابيةٍ ترابا
طويلاً شوقه يبكيك فرداً
على حزنٍ ولا يرجو الإيابا
إذا غنت حمامة بطن وجّ
على بيضاتها ذكرا كلابا

عبد الله بن رواحة

عصيتمْ رسولَ الله،أفٍّ لدينكم
وأمركمُ لبسىء الذي كان غاويا
فإنّي وإن عنّفتموني لقائلٌ:
فِدىً لرسولِ الله أهلي وماليا
أطعناهُ لم نعدلهُ فينا بغيرهِ
شهاباً لنا في ظلمة الليلِ هاديا

حبيب بن خدره الهلالي

ألا حبذا عصرُ اللّوى وزمانهُ
إذ الدهرُ سَلْمٌ والجميعُ حلولُ
وإذ للصِّبا حوضٌ من اللهو مُترعٌ
لنا علَلٌ من وردهِ ونهولُ
وإذ نحنُ لم يَعرِض لألفهِ بيننا
تناءً ولا ملَّ الوصالَ ملولُ

وجيه الدولة ابن حمدان

وقد كانَ شكّي للفراقِ يروعني
فكيفَ يكون اليوم وهو يقينُ

الخطيب الحصكفي

ساروا وأكبادنا جرحى وأعيننا
قرحى،وأنفسنا سكرى من القلق
تشكو بواطننا من بعدهم حُرقاً
لكنْ ظواهرنا تشكو من الغَرقِ
يا موحشي الدار مذ بانوا كما أنستْ
بقربهم لا خلتْ من صبيبٍ غَدقِ
إن غبتمْ لم تغيبوا عن ضمائرنا
وإن حضرتم حملناكم على الحدقِ

ابن الطفيل

يا باكياً فرقةَ الأحبابِ عن شَحَطٍ
هلا بكيت فراقَ الروحِ للبدن

شمس الدين الكوفي

عندي لأجلِ فراقكم آلام
فإلام أُعذل فيكم وأُلام

الكمال التنوخي

كم ليلةٍ قد بتها أرعى السّها
جزعاً لفرقتهم بمقلةِ أرمدِ
قضيتها مابينَ نومٍ نافرٍ
وزفير مهجورٍ وقلبٍ مُكمدِ

عبد المهيمن الحضرمي

نفسي الفداءُ لأنسٍ كنتُ أعهدهُ
وطيبِ عيشٍ تقّضى كلّهُ كرمُ
وجيرةٍ كانَ لي إلفٌ بوصلهمُ
والأنسُ أفضلُ ما بالوصل نعتهم
بالشآمِ خلّفتهم ثم انصرفتُ إلى
سواهمُ فاعتراني بعدهم ألمُ
كانوا نعيمَ فؤادي والحياة لهُ
والآنَ كلّ وجودٍ بعدهم عدمُ

مالك بن الريب

فإن تنصفونا يا آل مروانَ نقترب
إليكم وإلا فأذنوا ببِعادِ
فإنَ لنا منكم مراحاً ومزحلاً
بعيسٍ إلى ريح الفلاةِ صوادي
وفي الأرضِ عن دارِ المذلة مذهبٌ
وكلّ بلادٍ أوطنت كبلادي

مجد الملك جعفر بن محمد شمس الخلافة

يا زمانَ الهوى عليكَ السّلامُ
وعليَّ السلوُّ عنكَ حرامُ
أيُّ عيشٍ قطعتهُ فيك لو دا
مَ وهل يُرتجى لظلِّ دوامُ
كنت حِلماً والعيشُ فيكَ خيالاً
وسريعاً ما تنقضي الأحلامُ
لهفَ نفسي على ليالٍ تقّضتْ
سلبتني بُرودها الأيامُ
فطمتني الأقدارُ عنها وليداً
وشديدٌ على الوليدِ الفطامُ
لا تلمني على البكاء عليها
من بكى شجوهُ فليسَ يُلامُ

ابن أبي الإصبع

أكثرتَ عذلي كأنّي كنتُ أوّلَ من
بكى على مسكنٍ أو حنَّ للسكنِ
لا تَلْحَ إنَّ من الإيمانِ عند ذوي
الإيمانِ منا حنينَ النفسِ للوطنِ

ابن الوردي

حبُّكَ الأوطان عجز ظاهر
فاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بدلْ
فبمكثُ الماء يبقى آسناً
وسرى البدر به البدرُ اكتمل
ودّعتني يومَ الفراقِ وقالت
وهي تبكي من لوعة الإفتراق:
ماذا أنتَ صانعٌ بعد بُعدي
قلت قولي هذا لمن هو باقي
رعى الله عيشاً بالمعرة لي مضى
حكاه ابتسام البرق إذ هو أومضا
فما المنحنى ،ما البان،مالسفح، ما النقا
وما رامة عند المعرة ،ما الغضا
فوالله لا فضلّتُ في الأرضِ بقعة
عليها سوى ما فضلّ الله وارتضى
منازلُ كانت مرتعي زمن الصِّبا
فأبعدني المقدور عنها وأنهضا
مراتع آرام،مراتع جيرة
مراتع غزلان معاهد تُرتضى
فلله هاتيك الرُّبى وسفوحها
ولله عمرٌ في سواها ليَ انقضى
وما عن رضىً كانت سواها بديلةً
لها غيرأنّ الدهر مازال مدحضا

أبو الطمحان القيني

أقولُ لقمقام بن زيدٍ ألا ترى
إلى البرقِ يبدو للعيونِ النواظرِ
فإن تبكي للبرقِ الذي هيّجَ البكا
أعنكَ وإن تصبر فلستُ بصابرِ
ألا حنت المرقال واشتاق ربّها
تذكر أرماماً وأذكر معشري

إياس بن القائف

إذا جئتُ أرضاً بعد طولِ اجتنابها
فقدتُ صديقي والبلادُ كما هيا

أبو طاهر الخطيب الموصلي

حَيّ نجداً عنّي ومن حلَّ نجدا
أربُعاً هِجنَ لي غراماً ووجدا
آه والهفتي على طيبِ عيشٍ
كنتُ قطعتهُ وصالاً وودّا
حيثُ عودُ الشّبابِ غضٌّ نضيرٌ
ويدُ المكرماتِ بالجودِ تندى
والخليلُ الودودُ يُنعم إسعافاً
وصَرفُ الزمانِ يزدادُ بُعدا
والليالي مُساعداتٌ على الوصلِ
وعينُ الرقيبِ إذ ذاكَ رمدا

العجاج

واستعجلَ الدهرُ وفيهِ كافِ
لفرقةِ الأحبابِ والآلافِ

أبو دلف العجلي

ولمّا دنتْ عيسُهم للنوى
وظلّتْ بأحداجها ترتِكُ
وكادتْ دموعي يفضحنني
وخِلت دمي عندها يُسفَكُ
ضحكتُ من البينِ مُستعجباً
وشرُّ الشدائدِ ما يُضحِكُ
ومقامُ العزيزِ في بلد الهو
نِ إذا أمكنَ الرحيلُ محال

معقل أخو أبي دلف

لَعمري لئنْ قرّتْ بقربك أعينٌ
لقد سخنت بالبينِ عنك عيونُ
فَسرْ أو أقِمْ وقفٌ عليك مودّتي
مكانك من قلبي عليك مصونُ

أبو بكر الزبيدي

ويحك يا سلم لا تراعي
لابدّ للبينِ من زماعِ
لا تحسبيني صبرت إلا
كصبرِ ميتٍ على النزاعِ
ما خلقَ الله من عذابٍ
أشدّ من وقفةِ الوداعِ

الموفق الإربلي البحراني

رُبَّ دارٍ بالغضى طالَ بلاها
عكف الرّكبُ عليها فبكاها
درستْ إلا بقايا أسطر
سمح الدهر بها ثمّ محاها
كان لي فيها زمانٌ وانقضى
فسقى الله زماني وسقاها
وقفتْ فيها الغوادي وقفة
ألصقتْ حرَّ حياها بثراها
وبكت أطلالها نائبة
عن جفوني أحسنَ الله جزاها
قل لجيران مواثيقهم
كلما أحكمنها رثت قواها
كنتُ مشغوفاً بكم إذ كنتم
لا تبيتُ الليلَ إلا حولها

شجراً لا تبلغُ الطيرُ ذراها
حرسٌ ترشحُ بالموتِ ظباها
وإذا مُدّت إلى أغصانها
كفُّ جانٍ قُطعت دون جناها
فتراخى الامرُ حتى أصبحت
هملاً يطمعُ فيها من يراها
تُخصبُ الارضُ فلا أطرقها
رائداً إلا إذا عزَّ حِماها

ابن مقبل

أأليومَ بانَ الحيُّ أم واعدوا غدا؟
وقد كان حادي البينِ بالبينِ أوعدا

علي بن مقرب

وما غربةٌ عن دارِ ذلٍ بغربةٍ
لو أنّ الفتى أكدى وغثّتْ مآكله
وللموتُ أحلى من حياةٍ ببلدةٍ
يرى الحرُّ فيها الغبنَ ممّنْ يُشاكله

محيى الدين بن عربي

قِفْ بالطلولِ الدارسات بلعلع
واندبْ أحبّتنا بذاك البلقع
قِفْ بالديارِ وناجها متعجباً
منها بحسنِ تلطف وتفجعِ
عهدي بمثلك عند بانك قاطعاً
ثمر الخدود وورد روض أينع

الشريف بركات

هذي المنازلُ أنِخْ يا سائقَ الإبلِ
وانزل بعيسكَ بين البانِ والاسلِ
وانشدْ فؤاداً غدا صبّاً بكاظمةٍ
بينَ الظبا صرعتهُ أسهمُ المُقلِ
ناشدتُكَ الله يا من لحّ في عذلي
وقادني حبّهُ طوعاً إلى أجلي
لا ترحلنَّ فما أبقيتَ من جَلدي
ما أستطيعُ بهِ توديعَ مُرتحلِ
ولا من النوم ما ألقى الخيالُ بهِ
ولا من الدمعِ ما أبكي على طللِ
أقسمتُ بالبيتِ والأركانِ قاطبةً
والمشعرينِ ومن لبّى على الجبلِ
لأنتَ عندي ولو ساءت ظنونكَ بي
أحلى من الأمنِ عند الخائفِ الوجلِ

أبو زرعة الدمشقي

رحلوا فعاجَ على الربوعِ
يبكي إلى وقتِ الرجوعِ
ما ودّعوا بل أودعوا
ناراً توّقدُ في الضلوعِ
هجروا فغادَ بِمُقلةٍ
ممنوعةٍ طيبَ الهجوعِ
والعينُ تنظرُ لحظها
بينَ التلفتِ والدموعِ

أبو عامر بن الحمارة

أركبانَ أنضاءِ السِّفارِ ألا قفوا
رسومَ المطايا في رسومِ المنازلِ
نُسائلُ متى عهدَ الديارِ سكنها
وإن كُنَّ خرساً ما يبنَّ لسائلِ
ألا ليتَ شعري هل تعود كعهدنا
ليالٍ طويناهُنَّ طيَّ المراحلِ
إذا ذكرتها النفسُ كادت من الاسى
تسرّبُ في أولى الدموع الهوامل

أبو الفرج بن هندو

قَوِّضْ خيامكَ عن دارٍ ظُلمتَ بها
وجانبِ الذلَّ،إنّ الذلَّ يُجتنبُ
وارحلْ إذا كانت الأوطانُ منقصةٌ
فالمندلُ الرّطبُ في أوطانهِ حطبُ

الشاهيني القبرسي الدمشقي

رحلتُ عنهم ولي في كلِّ جارحةٍ
مني لسانٌ عليهم يشتكي وفمُ

أبو الغول(شاعر عباسي)

إذا الريحُ من نحوِ الحبيبِ تَنّسمتْ
بُعيدَ صلاةِ العصرِ طابَ نسيمها
وهَبّتْ بأحزانٍ لنا،وتذكرتْ
بها النفسُ أشجاناً توالى همومها
وظلَّ يدقُّ القلبُ أن نسمت لهُ
وفاضَ لها عينٌ طويلٌ سُجومها
وحنّتْ بناتُ القلب مني وأقبلتْ
عليّ حديثاتُ الهوى وقديمها

العباس الناشىء

بكت للفراقِ فقد راعني
بكاءُ لبحبيبِ لِبعدِ الديار

مكلف بن نميلة المزني

تذكرَ ليلى أمَّ بكرٍ وذِكرها
جوىً بينَ أطلاحِ الضلوعِ وداءُ
وما ذِكرُ ليلى أمِّ بكرٍ إذا نأتْ
بها الدارُ إلا حسرةٌ وعناءُ

سيف الدولة الحمداني

رُبّ هجرٍ يكونُ من خوفِ هجرٍ
وفراقٍ يكونُ خوفَ فراقِ
وعرفتُ أيامَ السرورِ فلم أجدْ
كرجوعِ مشتاقٍ إلى مشتاق

هبة الله بن عزم

لا عزَّ للمرءِ إلا في مواطنهِ
والذلُّ أجمعُ يلقاهُ من اغتربا

ابن عبد ربه

إنّ يومَ الفراقِ أفظع يوم
ليتني متُّ قبلَ يومِ الفراقِ

ابن الهبارية

قالوا أقمتَ وما رُزقتَ وإنّما
بالسيرِ يكتسبُ اللبيبُ ويرزقُ
فأجبتهم ما كلّ سيرٍ نافعاً
الحظُّ ينفعُ لا الرحيلُ المعلقُ
كم سفرةٍ تعقب وأخرى مثلها
ضرّت ويكتسبُ الحريصُ ويخفقُ

سابق البربري

لا ألفينكَ ثاوياً في غربةٍ
إنّ الغريبَ بكل سهمٍ يُرشقُ

علي عبد العزيز الفقيه الشافعي

يا نفسُ موتي بعدهم
فكذا يكونُ الاشتياق

علي بن مهدي الكسروي

ومودِّعٍ يومَ الفراقِ بلحظهِ
شَرِقٍ من العبراتِ ما يتكلمُ

مروان بن أبي الجنوب

سقى الله نجداً والسلامُ على نجد
ويا حبذا نجدٌ على القُربِ والبُعدِ

يحيى بن طالب الحنفي

إذا ارتحلت نحوَ اليمامةِ رفقةٌ
دعاك الهوى واهتاجَ قلبُكَ للذكرِ
كأنّ فؤادي كلّما مرَّ راكبٌ
جناحُ غرابٍ رامَ نهضاً إلى وكرِ
أقولُ لموسى والدموع كأنّها
جداولُ ماءٍ في مساربها تجري
ألا هل لشيخٍ وابنِ ستين حِجّةً
بكى طرباً نحو اليمامة من عذرِ؟
تعزَّيتُ عنها كارهاً فتركتها
وكان فراقيها أمرَّ من الصّبرِ

أبو سليمان الخطابي

وما غربة الإنسان في شقة النوى
ولكنها والله في عدمِ الشَكلِ
وإنّي غريب بين بست وأهلها
وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

ابن بسام البغدادي

وإن نبا منزلٌ بِحرٍ
فمن مكانٍ إلى مكانِ
لا يثبتُ الحرُّ في مكانٍ
يُنسبُ فيه إلى الهوان

عبد الوهاب البغدادي المالكي

سلامٌ على بغداد في كلّ موطنٍ
وحقّ لها مني سلامٌ مضاعفُ
فوالله ما فارقتها عن قِلىً لها
وإنّي بشطّي جانبيها لعارِفُ
ولكنّها ضاقتْ عليَّ بأسرها
ولم تكن الأرزاقُ فيها تساعفُ
وكانتْ كَخِلٍ كنت أهوى دنوهُ
وأخلاقهُ تنأى به وتخالفُ

أبو المطاع بن حمدان

وقد كانَ شكّي في الفراقِ يروعني
فكيفَ أكون اليوم وهو يقينُ؟
فوالله ما فارقتكم قالياً لكم
ولكن مايُقضى فسوف يكونُ

نجم الدين الحرّاني

وأشتاقكم يا أهلَ ودّي وبيننا
كما زعم البينُ المُشتُّ فراسخ
فأمّا الكرى عن ناظري فَمُشرّد
وأما هواكمْ في فؤادي فراسخ

ولادة بنت المستكفي

تمرُّ الليالي ولا أرى البينَ ينقضي
ولا الصّبرَ من رِقِّ التشوقِ مُعتقي
سقى الله أرضاً قد غدتْ لك منزلاً
بكلِّ سكوبٍ هاطلِ الوبلِ مُعذقِ

تميم بن المعز الفاطمي

قالت وقد نالها للبينِ أوجعه
والبينُ صعبٌ على الاحبابِ موقعه
اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت
قواهُ عن حملِ مافيهِ وأضلعه
كأنني يوم ولّت ـ حسرةً وأسفاً ـ
غريقُ بحرٍ يُرى الشاطىء ويُمنعه

محمد بن بشير الخارجي

ماذا تُعاتبُ من زمانكَ إذ
ظعنَ الحبيبُ وحلَّ بي كمده

عبد الله الإدكاوي

عقيقُ دمعي غدا في الجزع كالديمِ
مذ بانَ سكانُ بانِ الحيِّ والعَلمِ
وانهلّ منسجماً من نار مضطرم
ملآن وجداً إلى خِشفٍ بذي سَلَمِ

الحسن بن شاور

قلدّتُ يومَ البينِ جيدَ مودّعي
دُرراً نظمتُ عقودها من أدمعي
وحدا بهم حادي المطيِّ فلم أجدْ
قلبي ولا جَلَدي ولا صبري معي
يا نفسُ قد فارقتِ يومَ فراقهم
طيبَ الحياةِ ففي البقا لا تطمعي
هيهاتَ يرجعُ شملنا بالاجرعِ
ويعود أحبابي الألى كانوا معي
فلقد عدمتُ الصبر يوم فراقكم
وتضرَمتُ نار الأسى في أضلعي
يا نازحينَ فهل لكم من عودةٍ
نزحَ التفرّقُ ما بقي من مدمعي
لو لم تعودوا للديارِ وترجعوا
لهلكتُ من شوقي وفرط توجعي

عبد الله الجعدي

فإن تجف عني أو تزرني إهانة
أجد عنكَ في الأرض العريضة مذهب

عبد العزيز الماجشون

لله باكٍ على أحبابهِ جزعا
قد كنت أحذر هذا قبل أن يقعا
ما كانَ والله شؤم الدهر يتركني
حتى يُجرّعني من بعدهم جرعا
إن الزمان رأى إلف السرور لنا
فدبَّ بالبينِ فيما بيننا وسعى
فليصنع الدهر بي ماشاءَ مجتهداً
فلا زيادة شىء فوق ما صنعا

عمر بن أحمد

أتى الرحيلُ فحين جد ترحلّت
مهجُ النفوسِ له عن الأجسادِ
من لم يبت والبين يصدّع قلبه
لم يدرِ كيفَ تفتت الأكباد

عبد اللطيف البغدادي (من فلاسفة الإسلام وله كتاب قوانين البلاغة)

قالت وقد نالها للبين أوجعه
والبينُ صعب على الأحباب موقعه
اجعل يديك على قلبي فقد ضعفت
قواه عن حملِ مافيهِ وأضلعه
واعطف على المطايا ساعة فعسى
من شتت شمل الهوى بالبين يجمعه
كأنني يوم ولّت حسرةً وأسىً
غريق بحر يرى الشاطىء ويُمنعه

ابن البديري

قفا حاديى ليلى فإني وامق
ولا تعجلا يوماً على من يفارق
وزُما مطاياها قبيل مسيرها
ليلتذ منها بالتزود عاشق
ولاتزجروا بالسوق أظعان عيسها
فإن حبيبي للظعائن سائق
ولما التقينا والغرام يذيبنا
ونحن كلانا في التفكر غارق
وقفنا ودمع العين يحجب بيننا
تسارقني في نظرةٍ وأسارق
فلا تسألا ما حلّ بالبينِ بيننا
ولا تعجبا أنّا مشوق وشائق
ولم أستطع يوم النوى ردّ عبرة
فؤادي أسى من حرّها يتقطّع
فقالخليلي إذ رأى الدمع دائماً
يفيضُ دماً من مقلتي ليس يُدفع
لئن كان هذا الدمعُ يجري صبابة
على غير ليلى فهو دمع مضيّع

ابن جبير الشاطبي

لاتغترب عن وطنٍ
واذكر تصاريفَ النوى
أما ترى الغصنَ إذا
ما فارقَ الاصلَ ذوى

الجويرية العبدي

سلّمنَ نحوي مُودّعينَ بمقلةٍ
فكأنما نظرت…
وقرأن نحوي مودعين تحيةً
كادت تُكلمنا وإن لم تعربِ

المُهوّل

وكلُّ مصيبلت الزمان وجدتها
سوى فرقةِ الأحباب هينةُ الخطبِ

المأموني الشاعر

يا ربع لو كنت دمعاً فيك منسكباً
قضيت نحبي،ولم أقض الذي وجبا
لا ينكرون ربعك البالي بِلى جسدي
فقد شربت بكأس الحب ما شربا
ولو أفضت دموعي حسب واجبها
أفضت من كلّ عضو مدمعاً سربا
عهدي بعهدك للذات مرتبعاً
فقد غدا لفؤادي السحب منتحبا

خليل شيبوب

هواك بصدري حادث وقديم
وعهدك عهدي راحل ومقيم
وأنت كما شاء الجمال حبيبه
وأمّ كما شاء الحنان رؤوم
فلو نطقت فيك الحجارة حدّثت
عن المجد مرفوع اللواء عظيم

الأرقط بن دعبل

نهنه دموعك من سحّ وتسجام
البين أكثر من شوقي وأسقامي
وما أظن دموع العين راضية
حتى تسحّ دماً هطلاً بتسجام

عبد الغني النابلسي

هذي حماةُ التي ما مثلها بلدٌ
لِكُلِّ دانٍ من الأهلينَ أو قاصي
ترقُّ قلباً لأحوال الغريب بها
حتى نواعيرها تبكي على العاصي

عبد الله بن نمير

تعزَّ بصبر لا وجدِّك لن ترى
عراص الحمى إحدى الليالي الغوابر
كأنَّ فؤادي من تذكره الحمى
وأهل الحمى يهفو به ريش طائر

عمارة بن عقيل

لَعمرُكَ ما النائي البعيد بنازحٍ
إذا قَرُبتْ ألطافهُ ونوافلهْ
ولكنّما النائي البعيد مُحَجبٌ
قريبٌ ولا تُهدى إلينا رسائله
وما ضرّنا أنّ السِّماكَ مُحلّقٌ
بعيدٌ إذا جادت علينا هواطله

أحدهم

سأرحلُ عن دارِ الهوانِ مُشمراً
إلى حيثُ لا ذلاً أخافُ ولا ظلما
ولما تبدّت للرحيلِ جمالنا
وجَدَّ بنا سير وفاضت مدامع
تبدّتْ لنا مذعورة من خبائها
وناظرها باللؤلؤ الرطب دامع
أشارتْ بأطرافِ البنان وودّعت
وأومت بعينيها متى أنت راجع
فقلت لها والله ما من مسافر
يسير ويدري ما به الله صانع
فشالت نقاب الحسن من فوق وجهها
فسالت من الطرف الكحيل مدامع
وقالت إلهي كن عليه خليفة
فيا ربّ ما خابت لديك الودائع
لئن بكيتُ دماً والعزمُ من شيمي
على الخليطِ فقد يبكي الحسام دما
يا زمانَ الخَيفِ هل من عودةٍ
يسمح الدهر بها من بعد ضَنِّ
أرَضينا بِثنيات اللوى
عن زرود؟يالها من صفقة غبن!
سلْ أراكَ الجزع هل جادت به
مزنةٌ روّت ثراها مثل جفني
وأحاديث الغضى هل علمت
أنها تملك قلبي قبل أذني
لستُ أرتاعُ لخطبٍ نازلٍ
إنما الخوفُ لقلب مطمئن
مددتُ إلى التوديعِ كفاً ضعيفة
وأخرى على الرمضاءِ فوق فؤادي
فلا كان هذا آخر العهد منكمُ
ولا كان ذا التوديع آخر زادي
إذا دنت المنازل زاد شوقي
ولا سيما إذا بدت الخيام
فلمح العين دون الحيِّ شهرٌ
ورجع الطرف دون السير عام
وقفتُ يزمَ النوى منهم على بعد
ولم أودّعهم وجداً وإشفاقاً
إني خشيتُ على الأظعانِ من نفسي
ومن دموعي إحراقاً وإغراقا
أذكرْ مجالسَ من بني أسدٍ
بعدوا فحنَّ إليهمُ القلبُ
الشّرقُ منزلهم ومنزلنا
غربٌ وآنّى الشرق والغربُ
وقالت نساءُ الحيِّ أينَ ابن أختنا
ألا خبرونا عنهُ حُييتم وفدا
رعاه ضمان الله هل في بلادكم
أخو كرم يرعى لذي حسب عهدا
فإن الذي خلفتموه بأرضكم
فتى ملأ الأحشاء هجرانه وجدا
أبغداد كم تنسيه أروند مربعاً
ألا خابَ من يشري ببغداد أروندا
فدتهن نفسي لو سمعن بما أرى
رمى كل جيدٍ من تنهده عقدا
ودّعتهم من حيثُ لم يعلموا
ورُحتُ والقلبُ بهم مُغرمُ
سألتهم تسليمة منهمُ
عليَّ إذا راحوا…فما سلّموا
واستحسنوا ظلمي فمن أجلهم
أحبَّ قلبي كلَّ من يظلمُ
ألا خلّني أمضي لشأني ولا أكنْ
على الأهلِ كَلاً إن ذا لشديد
تهينني ريب المنون ولم أكن
لأهرب عما ليس منه محيد
فلو كنت ذا مال لقرب مجلسي
وقيل إذا أخطأت أنت رشيد
فدعني أجول الأرض عمري لعلّه
يسرُّ صديق أو يُغاظ حسود
جفني لطيبِ الكرى يا صاح قد هجرا
ودمعُ عيني دماً يومَ الفراقِ جرى
ومقلتي من جفا الأحبابِ باكيةً
ترعى النجومَ وباتت ليلها سهرا
وإذا الديارُ تنكرّتْ عن أهلها
فدعِ الديارَ وبادر التحويلا
ليسَ المُقامُ عليكَ فرضاً واجباً
في منزلٍ يدعُ العزيزَ ذليلا
وإذا المسافرُ آب مثلي مفلساً
صفر اليدين من الذي رجّاهُ
وخلا من الشىء الذي يهديه
للأخوان عند لقائهم إياه
لم يفرحوا بقدومه وتثّقاوا
بوروده وتكرّهوا لقياه
وإذا أتاهم قادماً بهدية
كان السرور بقدر ما أهداه
بأبي امرؤٌ،والشامُ بيني وبينهُ
أتتني ببشرى،بردهُ ورسائله
ألا بلّغَ الله الحمى من يُريدهُ
وبلّغَ أكنافَ الحِمى من يُريدها
ودارُ هوانٍ أنفتُ المُقامَ
بها فحللتُ محلاً كريماً
تَغرّبَ يبغي اليُسرَ،ليسَ لنفسهِ
خصوصاً،ولكن لإبنِ عمٍ وصاحبِ
رأى العجزَ في طولِ الثواءِ بلا غنىً
فأعملَ فيهِ يَعملاتِ الركائبِ
يا ديارَ السّرورِ لازالَ يبكي
فيكِ إذ تضحكُ الرياضُ غمام
رُبَّ عيشٍ صَحبتهُ فيكِ غضٍّ
وعيونُ الفراقِ عنّا نيامُ
في ليالٍ كأنهنَّ أمانٍ
في زمانٍ كأنّهُأحلامُ
وكأنّ الأوقاتَ فيكِ كؤوسٌ
دائراتٌ وأنسهنَّ مُدامُ
زمنٌ مُسعدٌ وإلفٌ وَصولٌ
ومنىً تستلذها الأوهام
فهل من مُعيرٍ طرفَ عينٍ جَليّةٍ
فإنسانُ طرفِ العامريّ سقيمُ
رمى قلبهُ البرقُ المُلالي رميّةً
بذكرِ الحِمى وهناً فباتَ يهيمُ
فلم تنأ دارٌ من مُرجىً إيابهُ
وتنأى بمن رُصَتْ عليهِ الصفائحُ
يَسُبُّ غرابَ البينِ ظلماً معاشرٌ
وهم آثروا بُعدَ الحبيبِ على القُربِ
سنرجعُ إن عشنا ونقضي أذمّةً
فكم من فراق كانَ داعيةَ الوصلِ
سلوا مِضجعي هلْ قَرَّ من بعدِ بُعدكم
وهلْ عرفت طعمَ الرّقادِ جفوني
سهرنا بنعمانٍ ونمتم ببابلٍ
فيا لعيونٍ،ما وفتْ لعيونِ
فإن يكُنِ الفراقُ عدا علينا
ففاقمَ شَعبنا بعدَ اتفاقِ
فكلُّ هوىً يصيرُ إلى انقضاءٍ
كما صارَ الهلالُ إلى محاقِ
فإن تكُ قد نأتْ ونأيتُ عنها
وفرّقَ بيننا حدثُ الشّقاقِ
فكلُّ قرينة وقرينِ إلفٍ
مصيرُهما إلى آمدِ الفراقِ
ولما برزنا لتوديعهم
بكوا لؤلؤاً وبكينا عقيقاً
أداروا علينا كؤوسَ الفراقِ
وهيهاتَ من سكرها أن نفيقا
تولّوا فأتبعتهم أدمعي
فصاحوا الغريق وصحتُ الحريقا
لئن عادَ جمعُ الشّملِ في ذلكَ الحمى
غفرتُ لدهري كلّ ذنبٍ تقدّما
وإن لم يعدْ منيّتُ نفسي بعودةٍ
وماذا عسى تُجدي الأماني وقلّما
يحقُّ لقلبي أن يذوبَ صبابةً
وللعينِ أن تجري مدامعها دماً
على زمنٍ ماضٍ بهم قد قطعتهُ
لبستُ بهِ ثوبَ المسرّة مُعلما
كتمتُ شأنَ الهوى يومَ النوى فوشى
بِسرّهِ من جفوني أيّ نمامِ
كانت لياليَّ بيضاً في دنوهمُ
فلا تسلْ بعدهم عن حالِ أيامي
ضنيتُ وجداً بهم والناسُ تحسبُ بي
سُقماً فأُبهمَ حالي عند لُوّامي
وليسَ أصلُ ضنى جسمي النحيل سوى
فرط اشتياقي لأهل الغربِ والشام
وقفنا فسلّمنا سلامَ مُودعٍ
فردّتْ علينا أعينٌ وحواجبُ
لم أنسَ أياماً مضتْ ولياليا
سلفتْ وعيشاً بالصريم تصرّما
إذ نحنُ لا نخشى الرقيبَ ولم نحف
صرفَ الزمانِ ولا نُطيعُ اللّوما
والعيشُ غضٌّ والحواسدُ نُوّمٌ
عنا وعينُ البينِ قد كُحلت عمى
صبا الربقُ نجدياً فهاجَ صبابتي
كأنّي لنجديِّ البروقِ نسيبُ
إذا هاجَ برقُ الغَورِ غورِ تهامةٍ
تهيّجَ من شوقي عليَّ ضروبُ
سلامٌ على أهلِ الودادِ وعهدهم
إذا الأنسُ روضٌ والسرورُ فتونُ
رحلنا فشرّقنا وراحوا فغرَبوا
ففاضت لروعاتِ الفراقِ عيونُ
سأبعدُ ضارباً في الأرضِ حتى
أفوتَ الفقر،أو يفنى الطريقُ



ولا ألفى على الإخوانِ كَلاً
يُلُّهمُ غُدويِّ والطروقُ
تذكرتُ قومي خالياً فبكيتهم
بشجوٍ،ومثلي بالبكاءِ جديرُ
فعزّيتُ نفسي وهي إذا جرى
لها ذكرُ قومي آنةٌ وزفيرُ
لا تكترثْ بِفراقِ أوطانِ الصِّبا
فعسى تنالُ بغيرهنَّ سُعودا
فالدرُّ يُنظمُ عند فقدِ بحارهِ
بجميلِ أجيادِ الحسانِ عقودا
وإن بلدة أعيا عليّ طلابها
صرفتُ لأخرى رحلتي وركابي
بلادي التي أهلي بها وأحبّتي
وقلبي وروحي والمنى والخواطرُ
تُذكرّني أنجادُها ووهادُها
عهوداً مضتْ لي وهيَ خضرٌ نواضرُ
إذا العيشُ صافٍ والزمانُ مساعدٌ
فلا العيشُ مملولٌ،ولا الدهرُ جائرُ
بحيثُ ليالينا كَغضِّ شبابنا
وأيامنا سلكٌ ونحنُ جواهرُ
ليالي كانت للشبيبة دولةٌ
بها مَلِكُ اللذاتِ ناهٍ وآمرُ
سلامٌ على تلكَ العهودِ فإنها
موارِدُ أفراحٍ تلتها مصادرُ
همّ يشوقني إلى طلبِ المنى
وهوى يشوقني إلى الأوطانِ
تُذَكِّرُ صيفاً قد مضى بعدَ مربعٍ
مضى قبلَهُ سُقياً لتلكَ المرابعِ
فلا تذهبنَّ النّفسُ وجداً وحسرةً
على عُصُرٍ ليست لنا برواجعِ
ألا قاتلَ الله النّوى كيفَ أصبحت
ألحَّ عليها يا بُثينَ صريرُها
حنينٌ وتلكَ الدارُ نُصبَ عيونِنا
فكيفَ إذا سرنا مع صحبنا شهرا؟
أأحبابنا بِنتم عن الدارِ فاشتكتْ
لِبُعدكم آصالها وضحاها
وفارقتُم الدارَ الانيسة فاستوتْ
رسومُ مبانيها وفاحَ كلاها
كأنّكم يومَ الفراقِ رحلتم
بنومي فعيني لا تُصيبُ كراها
وكنتُ شحيحاً من دموعي بقطرة
فقد صرتُ سمحاً بعدكم بِدماها
يراني بسّاماً خليلي يظن بي
سروراً وأحشاي السقام ملاها
وكم ضحكة في القلب منها حرارة
يشبّ لظاها لو كشفتُ غطاها
رعى الله أياماً بطيبِ حديثكم
نقضت وحياها الحيا وسقاها
فما قلت إيها بعدها لمسامر
من الناسِ إلا قال قلبي آها
وما جزعاً من خشيّةِ البينِ أخضلت
دموعي،ولكن الغريب غريب
إذا نبا بي منزلٌ جُزتهُ
واعتضتُ منهُ منزلاً أسهلا
وإن سئمتُ المكثَ في بلدةٍ
قوّضتُ عن ساحتها الارحلا
قلْ لحادي المطيِّ رفقاً قليلاً
يجعلُ العيسَ سيرهنَّ ذَميلا
لا تسقها على السبيلِ ودعها
يهدها شوقُ من عليها السبيلا
بلادٌ بها حلَّ الشّبابُ تمائمي
وأول أرض مسَّ جلدي ترابها
ومُشتت العزماتِ لا يأوي إلى
سَكنٍ ولا أهلٍ ولا جيرانِ
ألِفَ النوى حتى كا،َّ رحيلَهُ
للبينِ رحلتهُ إلى الأوطانِ
رُحتُ يومَ الفراقِ أضحكُ حُزناً
ولفيضِ السرورِ يبكي المُروعُ
وكذا في اللقاءِ أبكي هناءً
ولفرطِ السرورِ تهمى الدموعُ
ولقد ندمتُ على تفرّقِ شملنا
دهراً وفاضَ الدمعُ من أجفاني
ونذرتُ إن عاد الزمانُ يلمنا
لا عدت أذكر فرقة بلساني
هجمَ السرورُ عليَّ حتى أنّهُ
من فرطِ ما قد سرّني أبكاني
يا عينُ صارَ الدمعُ منك سجيّة
تبكينا من فرحٍ ومن أحزانِ
يا ربعُ مالكَ لا تُجيبُ مُتيّماً
قد عاجَ نحوكَ زائراً ومُسلّما
جادتكَ كلُّ سحابةٍ هطّالةٍ
حتى ترى عن زهرهِ مُتبسما
لو كنت تدري من دعاكَ أجبتهُ
وبكيت من حُرقٍ عليهِ إذاً دما
يا نسيماً هبَّ من وادي قبا
خبرينيكيف حال الغربا
كم سألتُ الدهرَ أن يجمعنا
مثل ما كنا عليه فأبى
لا تُعِدْ قصةَ الفراقِ كثيراً
وتسلَّ عنها تجد فؤادكَ سالي
رُوِّعتُ بالبينِ حتى ما أُراعَ لهُ
وبالمصائبِ في أهلي وجيراني
لم يترك الدهرُ عِلقاً أضنُّ بهِ
إلا اصطفاني بنأيٍ أو بهجرانِ
رُوِّعتُ حتى ما أُراعُ من النوى
وإن بانَ جيرانٌ عليَّ كرامُ
فقد جعلتْ نفسي على النأي تنطوي
وعيني على فقدِ الحبيبِ تنامُ
لَعمرُكَ ما الهجرانُ أن تبعدَ النوى
بإلفينِ دهراً ثمَّ يلتقيان
ولكنّما الهجرانُ أن تجمعَ النوى
ويُمنعُ مني من أرى ويراني
وما زلت مذ شطّت بك الدارُ باكياً
أُؤمل منك العطف حين تؤوبُ
فأضعفت ما بي حين أُبتَ وزدتني
عذاباً وإعراضاً وأنتَ قريبُ
ومن ينأى عن دارِ الهوى يُكثر البكا
وقولَ لعليَّ أو عسى سيكونُ
وما اخترتُ نأيّ الداترِ عنك لسلوةٍ
ولكن مقاديرٌ لهنَّ شؤونُ
ليسَ ارتحالُكَ ترتادُ الغنى سفراً
بل المُقام على خَسفٍ هو السفر
لمّا أناخوا قُبيلَ الصُبحِ عيسهمُ
وحملّوها وسارتْ بالهوى الإبلُ
وقلّبتْ من خلالِ السّجفِ ناظرها
ترنو إليَّ ودمعُ العينِ منهملُ
وودّعتْ ببنانٍ عَقدهُ عَنَمٌ
ناديتُ لا حملتْ رجلاكَ يا جملُ
ويلي من البينِ ماذا حلَّ بي وبها
يا نازحَ الدار حلَّ البينُ وارتحلوا
يا راحلَ العيسِ عرّجْ كي أوّدعهم
يا راحلَ العيسِ في ترحالكِ الأجلُ
إنّي على العهدِ لم أنقض موّدتهم
يا ليتَ شعري بطولِ العهدِ ما فعلوا
غريبُ الدارِ ليسَ لهُ صديقٌ
جميعُ سؤالهِ:كيفَ الطريق؟
تعلّق بالسؤالِ بكلِّ شىءٍ
كما يتعلقُ الرجلُ الغريقُ
أزِفَ الفِراقُ فأعلني جزعاً
ودعي العتابَ فإننا سَفرُ
إنّ المُحبَّ يصدُّ مقترباً
فإذا تباعدَ شفّهُ الذِكرُ
مامنْ غريبٍ وإن أبدى تجلّدهُ
إلا تذكرَ عند الغربةِ الوطنا
إذا ما قفلنا نحو نجدٍ وأهلِهِ
فَحسبي من الدنيا قفولي إلى نجدِ
وباكيةٍ للبينِ قلتُ لها اصبري
فللموت خيرٌ من حياةٍ على عُسرِ
سأكسبُ مالاً أو أموت ببلدةٍ
يقلّ بها فيض الدموعِ على قبري
كأن لم يكنْ بينَ الحجونِ إلى الصّفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامرُ
بل نحن كنّا أهلها فأبادنا
صروفُ الليالي والجدودُ العواثر
فصرنا أحاديثاً وكنّا بغبطةٍ
كذلكَ عضّتنا السنونُ الغوابرُ
لولا الدموعُ وفيضهنَّ لأحرقتْ
أرض الوداعِ حرارةُ الأكباد
يُسرُ الفتى وطنٌ لهُ
والفقرُ في الأوطانِ غربة
إنّ الغريبَ إذا ينادي موجعاً
عند الشدائدِ كانَ غير مُجابِ
فغذا نظرتَ إلى الغريبِ فَكنْ لهُ
متراحماً لتباعدِ الأحبابِ
ودواءُ مالا تشتهيه
النفسُ تعجيلُ الفراق
إنّ الغريبَ ولو يكون ببلدةٍ
يُجبى إليه خراجها لغريبُ
وأقلّ ما يلقى الغريبُ من الاذى
أن يستذلّ وقولهُ مكذوبُ
أزِفَ الرحيلُ فحينَ جدَّ ترحلّتْ
مهجُ النفوسِ لهُ عن الأجسادِ
من لم يبتْ والبينُ يصدعُ قلبهُ
لم يدرِ كيفَ تفتتُ الأكبادِ
مددتُ إلى التوديعِ كفّاً ضعيفةً
وأخرى على الرّمضاءِ فوق فؤادي
فلا كانَ هذا آخرُ العهدِ منكمُ
ولا كانَ ذا التوديع آخر زادي
بلادي وإن جارتْ عليَّ عزيزةٌ
وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كرامُ
أما الخيامُ فإنّها كخيامهم
وأرى نساءَ الحيِّ غير نسائها
ذكرتُ بلادي فاستهلّت مدامعي
بشوقي إلى عهد الصّبا المتقادمِ
حننتُ إلى أرضٍ بها اخضر شاربي
وقطع عني قبل عقد التمائمِ
شخوص الفتى عن منزل الضيم واجب
وإن كان فيه أهلهُ والأقارب
وللحرِّ أهل إن نأى عنه أهله
وجانب عزّ إن نأى عنه جانب
ومن يرض دار الضيم داراً لنفسه
فذلك في دعوى التوكل كاذب
كفى حزناً أني مقيمٌ ببلدةٍ
أخلايَّ عنها نازح فبعيد
أُقلّبُ طرفي في الديارِ فلا أرى
وجوه أحبائي الذين أريد
قريشي منكمُ وهوايَ معكم
وإن كانت زيارتكم لِماما
ألا يانخلة من ذاتِ عِرقٍ
بَرودِ الظلِّ شاعكم السلام
تذكرَ نجداً والحديث شجون
فَجُنّ اشتياقاً والجنونُ فنونُ
وما الدهرُ إلا هكذا فاصطبر له
رزيئة مالٍ أو فراقُ حبيبِ
والقَطرُ منهملٌ يسّحُ كأنّهُ
دمعُ المودّع إثرَ إلفٍ سائرِ
فيا وجدَ قلبي يوم أتبعتُ ناظري
سليمى وجادتْ بعدها عبراتي
أُلامُ على فيضِ الدموعِ وإنني
بفيضِ الدموعِ الجاريات جديرُ
أيبكي حَمامُ الأيكِ من فقدِ إلفهِ
وأصبرُ عنها إنني لصبورُ
وما زلتُ أقطع عَرضَ الفلاة
من المشرقين إلى المغربين
وأطوي الفيافي أرضاً فأرضاً
وأستمطرُ الجَديَ والفرقدين
وأطوي وأنشرُ ثوبَ الهموم
إلى أن رجعتُ بِخُفيِّ حنين
فقيراً وقيراً أخا عُسرةٍ
بعيداً من الخيرِ صفرَ اليدين
كئيبَ الصديق بهيجَ العدو
طويل الشّقاءِ زاني الوالدين
ولو قضى الله للمنونِ بحتفٍ
صيّرَ البينَ للمنونِ مَنونا
بلدٌ طابَ لي بهِ الأنسُ حيناً
وصفا العَودُ فيهِ والإبداءُ
فسقت عهده العهادُ وروّت
منهُ تلكَ النوادي الأنداء
ولنا بهاتيك الديارِ مواسمٌ
كانت تُقامُ لطيبها الأسواقُ
فأباننا عنها الزمانُ بسرعةٍ
وغدتْ تُعللنا بالأشواقِ
ناداهما بفراق بينهما الزمان فأسرعا
وكذاك لم يزل الزمانت مفرقاً ما جمعا
أحِنُ إذا خلوتُ إلى زمانٍ
تقضّى لي بأفنية الربوع
وأذكرُ طيبَ أيامٍ تولّت
لنا فتفيضُ من أسفٍ دموعي
لم أنسَ يومَ الوداعِ موقفها
وطرفها من دموعها غرق
وقولها والركاب سائرة
تتركنا هنا وتنطلق
نأت دار ليلى وشطّ المزار
فعيناك ما تطمعان الكرى
ذراني من نجدٍ فإنَّ سِنينهُ
لعبنَ بنا شِيباً وشيّبنا مُردا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *