من شوارد الشواهد
الجزء الثاني والعشرين
شعراء الشام في العصر الحديث
بدوي الجبل
بدوي الجبل يرثي إبراهيم هنانو:
أغفى “أبو طارق” بعد السُّهادِ به | وخلّفَ الهمَّ والبلوى لمن سهدوا | |
ضاوٍ من السُّقمِ ضجّتْ في شمائله | عواصفُ الحقّ والأمواجُ والزبدُ | |
إذا أُثيرَ نضا عنه مواجعه | كما تفلّتَ من أشراكه الاسدُ | |
يروع في مقلتيهِ بارق عجب | وعالم عبقري السحر منفردُ | |
يُغالب البشر أسقاماً نزلن به | أبى له الكبرُ أن يأسى لها أحدُ | |
داءٌ ملحّ ونفسٌ لا تذلُّ له | حرب تكافأ فيها اليأس والعدد | |
تلك البشاشة أبلى الداءُ نضرتها | فراحَ يلمحُ في نعمائها الكمدُ | |
لا يبعد الله أحباباً فُجعت بهم | وما علالة قلبي بعدما بعدوا | |
أذكى“أبو طارق” في الشرق جمرتها | حمراء تلتهم الجُلّى وتزدردُ | |
إذا ونتْ وهتفنا باسمه جمعت | تعيدُ سيرتها الأولى وتطرّدُ | |
فذكره الأملُ الهادي إذا انتبهوا | وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا |
بدوي الجبل:
حيِّ عنّي سعدا وقبّل مُحيّا وأبا أسعد سقته دموعي | كالضحى باهر السنى مرموقا وسليمان”والنديم” الصدوقا | |
واسق(قدري) و(عادلا) و(جميلا) | من حنيني طيبَ الهوى والرحيقا | |
واشكُ حزني(لمظهر) و(نجيب) | راع دهر أخاكما فأفيقا | |
لي حقوق على القبورِ الغوالي | ويوفّى قبر الكريم الحقوقا |
في الثرى من أحبّتي ولِداتي
ظفر أبلج وفتح جليل
نزلت بالقبور أسمى اللبانات
وطاف الرجاء والتأميل
شامةُ الفتح نام(فارسك) النجد | وحقّ الوفاءُ أن يستفيقا | |
سبقتهُ أحبابه للمنايا | فرحمت المُجلّى المسبوقا | |
ونعم عدت(للعقيق) | ولكن فارق الأهل واللدات(العقيقا) |
وفاؤُكَ،لا عُسر الحياة ولا اليُسرُ
وهمُّكَ لا الداءُ الملّح ولا العمرُ
تأبى الشماتةَ في الضعيفِ شمائلي وأنا الذي وسع الهموم حنانه | وتعفُ عن شِلوِ الجراحِ صفاحي وبكى لكلِّ معذب ملتاح | |
أشقى لمن حملوا الشقاء كأنّما | أتراحُ كل أخي هوى أتراحي |
في غربة أنا والإباءُ المرّ والأدبُ اللباب
طود أشمّ فكيف ترشقني السهام ولا أصاب
يخفى البُغاثُ فلا تلم به ولا يخفى العقاب
الكبرُ عندي للعظيم إذا تكبرَ لا العتاب
لا تشك من قصر الحياة فربما | أغنت إشارتها عن الإيضاح | |
سفر الحياة إذا اكتفيت بمتنه | أغناك موجزه عن الشراح | |
وأخر لنفسك ميتة مرموقة | بين النجوم على الأديم الصاحي |
زهوةُ الفتحِ والشّبابِ النجيدِ
من سقى الفجرَ من دماءِ الشهيدِ
كبريائي فوق النجوم،ولولاها طبعي الحب والحنان فما أعرف | لما كنت بالنجوم خليقا للمجد غير حبّي طريقا | |
يُعذرُ الحر حين لا يُخطىء العزم | وإن كان أخطأ التوفيقا |
يا لَنسرٍ تقحّمَ الشمس حتى
ملَّ عِزَّ الشموسِ والتحليقا
يطوي الزمان النابغين فينطوي | لذهابهم أمم ويهلك جيل | |
والناسُ أسياف،فمنها مُغمد | صدىء،ومنها الصارم المسلول | |
لا تنكروا حقّ الحياةِ لأمّة | فيها النبوغُ على الحياةِ دليلُ | |
ما قلّ فينا النابغون وإنّما | عدد الأولى قدروا النبوغ قليل |
وما أكبرت نفسي سوى الحقِّ قوة
وإن كان في الدنيا له النهي والأمرُ
أيُّها الكافرونَ هذي دموعي | من رسالات وحيها الإيمان | |
أيها المذنبون هذا فؤادي | من معاني جراحه الغفران | |
من همومي ما ينعم العقل في | دنيا أساه ويهنأ الوجدان | |
من همومي ما لا يفيق على | البعث ومنها المدّله السهران |
من همومي ما يغمر الكون بالعطر
ومنها مزاهر وقيان
وهمومي معطرّات عليها
من شبابي الطموح والريعان
كالغواني،لكلِّ عذراء لون
من جمال ونفحة وافتنان
يا صاحب النصر في الهيجاء كيف غدا | نصر المعارك عند السّلم خذلانا | |
ترى السياسة لوناً واحداً ويرى | لها حليفُك أشكالاً وألوانا | |
لا تسأل القوم إيماناً مزوّقةً | فقد عيينا بهم عهداً وأيمانا | |
أكرمت مجدك عن عتب همت به | لو شئته أوسعتهُ جهراً وتبيانا |
تطوفُ عينُكَ في الزوراءِ سائلةً
عن الحبيبِ الذي ولّى وتفتقِدُ
رب!نعماك أن تنضّر قلبي رب! قلبي زيّنتهُ لحميّاك | بِمحيّاكَ فهو صاد محيل فمُر تنسكب بقلبي الشمول | |
هيئت في سريرتي لك ربي | سدرة المنتهى وطابَ النزولُ | |
جوهرُ القلب وهو إبداع كفّيك | على ما بهِ كريم أصيل | |
وبقلبي رضوان يهفو لمرآك | وندى سريرتي جبريلُ |
بدوي الجبل:
إذا تبلّجَ فجرُ النصرِ بعدَ دجى | وقرَّ بعض الضراب الصارم الفرد | |
طوى الشجاعُ على صمت بطولته | وجرجرت ناقة واستأسدت نقد | |
سكبتُ في الكأسِ أشجاني فتلكَ يدي | من عبءِ ما حملتهُ الكأسُ ترتعدُ | |
أين الذوائب من قومي وما اقتحموا | من الفتوحِ وما حلّوا وما عقدوا |
هواجسي فيك إيمان وغالية
وأنجم وفراش تعبّد اللهبا
وسالفات رؤى حين اشتهيت لنا
في …
…
السمراء والكثبا
ما شكتْ جرحها على البُعد إلا | رفَّ قلبي على الجراحِ يسيلُ | |
ولثمتُ الجراحَ فهي ثغور | يشتهي عطورها التقبيل | |
هادرات بخطبة المجد بتراء | ويؤذي البلاغة التطويلُ | |
حلف القيد أنّهُ من نضار | كلُّ قيد على الرقابِ ثقيلُ |
بدوي الجبل:
فوارحمتاه للنائمينَ على الطوى تهدّهم الصحراءُ هدّاً وللردى | وأتخم من قتلاهم الذئب والنسر سلاحان في البيد:الهواجرُ والقرُّ | |
ولا ماء إلا ما يزوّره بها | سراب نديّ اللمحِ منبسط غمرُ | |
إذا سقطوا صرعى الجراحِ تحاملوا | على أنفسهم واستؤنف الكرُّ والفرُّ | |
ولو آثروا الدنيا لقد كان جاهها | تليداً لديهم والقسامة والوفرُ |
بدوي الجبل:
غرّبتنا العلى قبوراً وأحياء واغتراب القبور من حيل الموتِ | وعاثت بشملنا تفريقا ليخفى كنوزه والعلوقا | |
تسمع الرّيح حين تُصغي حنيناً | من فؤادي على الثرى وشهيقا | |
ما لقومي غالَ الحِمامُ فريقاً | منهم والعقوق غالَ فريقا | |
ظلم الكنز أهله فتمنّى | أن يكون المُبدّد المسروقا |
لا ترقبوا مني تناسي عهدكم
إنَّ الوفاءَ المحضّ من أخلاقي
أنا كالحُسام إذا جلاهُ صاقل
يزدادُ إشراقاً على إشراقِ
يا خمرة الحزن هذي الكأس مترعة إنَّ الندامى على عهد الحبيب بهم | للشاربين وهذا الشاعر الغرِد لا جانبوا النشوة الكبرى ولا زهدوا | |
لا أوحش الله قلبي من مواجعه ولا شفى الله جرحاً في سريرته | ولا تحوّل عن نعمائها الحسدُ نديان ينطف منه الخمرُ والشّهدُ | |
فجرّت قلبي رثاء ما وفين به | حقّ للزعيم قواف كالضحى شردُ | |
الناقلات إلى الأجيالِ ما ظلموا | من الأباة وما راعوا وما اضطهدوا |
سرُّ السعادةِ في الدنيا وإن خَفيتْ
تجلوهُ منكَ على الأكوانِ عينانِ
حوّطتُ بالله العقيدة من أذىً | خرقاء فاجرة اليمين وقاحِ | |
سكرت على كرم النديِّ وعربدت | فاليوم لا خمري ولا أقداحي | |
لهو العيون ولا أقول قذاتها | وكل تكلّف زهوة المجتاحِ | |
مترنّح العطفين من خيلائه | ماذا تركت لغارة وكفاحِ |
رُبَّ فتح ترويه للدهرِ
أشلاءُ فتاة وصارم مغلول
ويا رب عند القبر قبر محمد بجمرِ هوى عند الحجيج لمكّة | دعاءُ قريح المقلتينِ سليب ونبع على طهر المقام سكوب | |
بشوق على نغماه ضمّ جوانح | ووجد على ريّاه زرّ جيوب | |
ترفّقْ بقومي واحمهم من ملّمة وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى | لقد نشبت أو آذنت بنشوب فقد ترجع الأحلام بعد عزوب | |
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند | من الحبّ فوّاح الظلال عشيب |
ولقد يُرّجى السيفُ وهو ملثّم
ولقد يُهابُ الليث وهو مُصفّد
ألمّت بي الأيام حمراً نيوبها | فما شابَ لي قلب ولا شابَ لي شعر | |
دروبُ العلى للسالكين عديدة | وأقربها للغاية الموحش الوعر | |
فلا تقنطوا من غاية المجد لا يرى | لها العقل إمكاناً فقد ينبع الصخر |
لا تغرّنكَ ضحكة من حزين
ضحكات البروق سرّ الرعود
مقلتي يستحمُّ في دمعها الطيف | وتحنو فلا يموت غريقا | |
ينزلُ الجرح من فؤادي على الحُبِّ | ويلقى التدليل والتشويقا |
وأُسِرُّ الشكوى حياءً وكبراً
رُبَّ شكوى إسرارُها إعلانُ
الله يعلمُ ما أردت شماتة | بمصرعين من العياء وطلاح | |
تأبى الشماتة في الضعيفِ شمائلي | وتعف عن شلوِ الجريحِ صفاحي |
خيرُ العقائد في هواي عقيدة
شمّاء ذات توثّب وجماح
حملته هفهافة العطر نشوان | إلى جنّة الخيال البعيد | |
همدت ثورة الشهيد وقرّتْ | يا دوياً مجلجلاً في الهمود |
تبني الحياة على هدى إيمانها
والعقلُ مثبت غيرها والماحي
ما للمنيةِ أدعوها وتبتعدُ | أمرُّ من كلّ حتف بعضُ ما أجدُ | |
ظمآن أشهدُ وِردَ الموتِ عن كثبٍ | والواردون أحبائي ولا أرِدُ | |
عللّتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسى | بالجمرِ من نفحاتِ الجمرِ يبتردُ |
كبريائي فوق النجوم ولولاها
لما كنتُ بالنجومِ خليقا
إن سيفاً أرداكَ غدراً لم يذد في الوغى عدواً ولم | لهو بين الظُبى دعيّ دخيل يهززه في الروعِ ساعد مفتول | |
مغمد في معارك الحق ناب | وعلى الحقِّ مصلت مصقول | |
شاهت العرب تحت كل سماء | حين أغضت وشلوك المأكول |
قد كان لي أرب طاح الزمان به
فيا شقاء فتى يحيا بلا أرب
وكان لي مقول كالسيفِ مُنصلتا
فحطمَ الظلم حدّ المقول الذرب
لا ترقبوا مني تناسي عهدكم | إنَّ الوفاء المحضّ من أخلاقي | |
أنا لست أخلف بالنوى ميثاقكم | أو تخلفون على النوى ميثاقي | |
ويريق أدمعي الصدود وإن يكن | دمعي لهول الموت غير مُراقِ | |
أنا كالحسام إذا جلاه صاقل | يزداد إشراقاً على إشراقِ |
جمرة الحقد في السرائر لولا
ذل أصحابها لشبّتْ حريقا
قد أرقدنا دمائنا فسلوه
أي دمع من مقلتيه أريقا
يقولون:جَدُّ اليعربيين نائم! | لقد وهموا،فالسعيُ لا الجدُّ نائمُ | |
وما الناسُ إلا اثنان مهما تخالفوا | ميولاً:فمهزومٌ ضعيفٌ وهازِمُ | |
وما الحقُّ إلا للقويُّ،ولا العلى | لغيرِ الذي يغشى الوغى وهو يُصادمُ | |
فقلْ لضعيفٍ راح يسأل رحمة: | رويدكَ،ما للضعيفِ في الناسِ راحِمُ |
شَفّعتُ عندكَ حُبّي في مواجعهِ
وما تمزّق من قلبي وما سلبا
أخفيت ظلمكَ عن نفسي لأرحمها
ثم ابتدعتُ له الأعذار والسيبا
عندي الوسيم من الغفران أسكبه | عطراً على كل مت آذوا ومن حقدوا | |
أكبرتُ عن أدمعي من كان مضطهداً | ورحتُ أبكي لمن يطغى ويضطهد | |
الحاصدون من الدنيا شماتتها | لولا الذي زرعوا بالأمسِ ما حصدوا |
يروعني العيدُ ديّاناً لأمتهِ
من أغضبَ العيدَ حتى صارَ ديّانا
تغرّبَ العيد في قومي وأنكرهم
على الميادين أحراراً وعبدانا
يشكى إليك وأنت رهن منيّة | وتزارُ في عنتِ الخطوبِ وتُقصدُ | |
ولقد يُرّجى السيفُ وهو مُلثمٌ | ولقد يُهابُ الليثِ وهو مُصفّدُ | |
فاذهب كما ذهبَ الربيعُ على الربى | منهُ يد وعلى القلوبِ له يدُ |
وما لمحتُ سياطَ الظلم دامية
إلا عرفت عليها لحم أسرانا
ولا نموت على حدّ الظبى أنفاً
حتى لقد خجلت منا منايانا
لا تسلها،فلن تُجيب الطلولُ | المغاويرُ مثخنٌ أو قتيلُ | |
موحشاتٌ يطوفُ في صمتها الدهرُ | فللدهرِ وحشةٌ وذهولُ | |
غابَ عند الثرى أحبّاءُ قلبي | فالثرى وحدهُ الحبيبُ الخليلُ |
وما رضيت جزاء مودتكم
لا يعدم الحرّ أقواتاً وأكفانا
طفْ بقلبي تجد به ألف دنيا | لا يُلاقي الشقيقُ فيها الشقيقا | |
سكنتهُ الشموس من كلِّ أفق | وتحدى أشتاتها أن يضيقا | |
حفي الفكر في عوالمها الفيح | ولم يبلغ المكان السحيقا | |
كل أفق تضيق فيه أسيراً | سعة الأفق أن تكون طليقا |
ننضّر البؤس عند البائسين منى
والعقلُ عاطفة والثكل إيمانا
وكلُّ ذنبٍ سوى الطغيان ننزله
على جوانحنا حُبّاً وغفرانا
وهَمُّ كلُّ عفاةِ الأرض نحملهُ | كأننا أهلهُ هماً وحرمانا | |
نشاركُ الناس بلواهم وإن بعدوا | ولا نشارك أدناهم ببلوانا | |
ضمّتْ محبتنا الأشتاتَ واتسعتْ | تحنو على الكونِ أجناساً وأديانا |
لوعةُ الحرّ حين أفرده الدّهر
فمن يتقيه حين يصول
وما رضيت بغير الله معتصماً | ولا رأيت لغير الله سلطانا | |
ولا عكفتُ بقرباني على صنم | أكرمت شعري لنور الله قربانا | |
قلب شكا للخيال السمح وحشته | فراح يغمره نعمى وأشجانا |
شامةُ الفتح نام فارسك النجد
وحقّ الوفاء أن يستفيقا
سبقتهُ أحبابهُ للمنايا
فرحمت المجلّى المسبوقا
غاب عند الثرى أحبّاءُ قلبي | فالثرى وحده الحبيب الخليل | |
وسقوني على الفراق دموعي | كيف يروى من الجحيم الغليل | |
خيّمتْ وحشةُ الفراغ على ال | أحياء فالقبرُ وحده المأهول | |
إن ّ موت العظيم محنة تاريخ | ودنيا تفنى وكون يزول |
صلى الإله على قبر يطوف بهِ
كبيتِ بكة من حجّوا ومن قصدوا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين فالأصيلُ العتيق يأنفُ شوطاً | سمّواً بحقّنا ووثوقا لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقاً | |
ذل شوط يكون بين البراذين | فلا سابقاً ولا مسبوقا | |
لم تُحمحم تختال بالحسن والقوة | بل حمحمت تريد العليقا | |
ما نزلنا عن السروج عياء ولنا السبق فامسحوا غرر | لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا |
ومن الهونِ أن يُقيم كريم
في مكانٍ هانتْ به الكرماء
يا صاحب التاج دنيا الله ما عرفت لم يقبل الله إلا في محبتكم | إلا عمائمكم في الشرقِ تيجانا يا آل فاطمة إسلاماً وإيمانا | |
غنيّتُ جدّكَ أشعاري ونُحتُ بها | في مصرعِ الشّمسِ إعوالاً وإرنانا | |
أصفيتُ آل رسول الله عاطفتي | وكنتُ شاعركم نعمى وأحزانا | |
وما رضيتُ جزاءَ مودّتكم | لا يعدمُ الحرُّ أقواتاً وأكفانا |
إذا الحرُّ لم تخلطهُ بالحُرِّ شيمة
فخيرٌ من الدنيا وسكانها القبرُ
نغماتُ عُودي لا تُملُّ لأنها نغماتُ عودي لا تُملُّ لأنها | شعرٌ يفيضُ عواطفاً وشعوراً لغةُ الملائك إذ تُناجي الحورا | |
همست بها الأرواحُ في ملكوتها | شدّواً أرقّ من الصبا وزفيرا |
بدوي الجبل:
يا لِدات الشّباب لو ينفع الد | مع جزتكم مدامعي والعويل | |
وكهولاً أبلت شبابهم الجلّى | فهم في الصبا الوسيم كهولُ | |
روّعت سربنا المنايا وأمّ | المجدِ في الغوطتينِ أمّ ثكولُ | |
راعَ قلبي الرحيل حتى تولّيتم | فأشهى المنى إليَّ الرحيلُ | |
لوعتي ـ والثرى يهال عليكم ـ | كوفائي،مقيمة لا تحولُ | |
لوعةُ الحرّ حينَ أفردهُ الدهرُ | فمن يتقيه حينَ يصولُ | |
وأناجي قبوركم أعذب النجوى | وأشكو معاتباً وأطيلُ | |
وكأنّ القبور تسمع شكواي | وتدري حصباؤها ما أقول |
بدوي الجبل:
لا يبعد الله أحباباً فُجعت بهم | وما علالة قلبي بعدما بعدوا | |
الناشئون علة نعماء مترفة | تقيّلوا الرمل في الصحراءِ واتسدّوا | |
تلكَ الجسوم التي حزّ الحرير بها | حريرها في العراء الموحش الزرد | |
صادين للموت إيماناً وموجدة | فكلّما لاحَ منه منهل وردوا | |
على الصحاصح هامات معطرّة | وفي الرمالِ بنان أفردت ويدُ | |
في كلِّ منزلة قبر تلمّ بهِ | هوج الرياح وينأى الأهلُ والولدُ | |
مشتتين فمن أجسادهم مِزق | على الا>يمِ ومن مُرّانهم قصدُ | |
مصارع بعطور الحقّ زاكية | كأنّما سكبوا فيها ما اعتقدوا | |
حنا السرابُ عليها وهي ظامئة | حرّى الجوانحِ لا غمر ولا ثمدُ | |
بِموحش من رمالِ البيدِ مُنبسط | يضلّ في شاطئيهِ الصبر والجلدُ | |
مسحت دمعي من ذكراهم بيدٍ | وأمسكتُ كبدي ألا تذوب يدِ | |
يُعذَرُ الحُرُّ حينَ لا يُخطىءُ العَزمَ
وإن كانَ أخطأ التوفيقا
لم يُرْدِهِ ألفُ جُرحٍ من فواجعهِ إن نحملُ الحزنَ لا شكوى ولا مَللٌ | حتى أُصيبَ بسهمٍ منكِ أرداهُ غدرُ الأحبّةِ حُزنٌ ما احتملناهُ | |
ليتَ الذينَ وهبناهمْ سرائرَنا | في زحمةِ الخَطبِ أغلوا ما وهبناهُ | |
حسبُ الأحبّةِ ذُلاً عارُ غَدرِهِمُ | وحسبنُا عِزّةً أنا غفرناهُ | |
صحا الفؤادُ الذي قَطّعتهُ مِزقاً | حرَّى الجِراحِ ولَملمنا بقاياهُ |
ولا فوقَ نعماءِ المحبّةِ جَنّةٌ
ولا فوقَ أحقادِ النفوسِ جحيمُ
هوَ الحُبُّ حتى يُكرِمَ العُدْمَ موسرٌ
ويأسى الأحزانِ الغنيّ عديمُ
وهيهاتِ ما لومُ الكريمِ سَجيّتي | ولا بُغضهُ عندَ الجَفاءِ نصيبي | |
نقلتُ إلى قلبي حياءً وعِفّةً | أساريرَ وجهي من أسىً وقُطوبِ | |
وعَرَّتني الأيامُ ممّنْ أُحبّهمْ | كأيكٍ ـ تحاماهُ الربيعُ ـ سليبِ |
عَلَّلتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسىً
بالجمرِ من نفحاتَ الجمرِ يبترِدُ
وللمجدِ أعباءٌ ولكنّها مُنىً | وللمكرُماتِ الغالياتِ هُمومُ | |
وخاصمني من كنتُ أرجو وفاءَهُ | وللشمسِ بَينَ النيِّراتِ خصومُ |
ورُبَّ بعيدٍ عنكَ أحلى من المنى
ورُبَّ قريبِ الدارِ غيرُ قريبِ
يُلاقي العظيمُ الحقدَ في كلِّ أُمّةٍ | فلمْ ينجُ من حِقدِ الطَّغامِ عظيمُ | |
ويقذى بِنورِ العبقرية حاسدٌ | ويخزى بمجدِ العبقريّ لئيمُ |
لَعَمرُكَ للِضعفِ الخفاءُ وكيدُهُ
وللقوّةِ الكبرى الصراحةُ والجهرُ
إنّي لأرحمُ خصمي حينَ يشتمني | وكنتُ أُكبرهُ لو عَفَّ منتقدا | |
قرّتْ عيونُ العدى والأصفياء معاً | فلستُ أملِكُ إلا العِطرَ والشّهدا |
أرُدُّ رشقَ الظُبى عن مهجتي بيدٍ
وتَمسحُ الدّمعَ من نَزْفِ الجراحِ يدُ
سبحان من أبدع الدنيا فكانَ لنا | أشهى القوارير من أطياب سبحانا | |
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا | ولا نعيما ولا حورا وولدانا | |
يفنى الجميع ويبقى الله منفرداً | فلا أنيس لنور الله لولانا | |
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له | وسوف يشكو الخلود المرّ أبقانا |
سكبتُ في الكأسِ أشجاني فتلكَ يدي
من عبءِ ما حملتهُ الكأسُ ترتعِدُ
أكُلّما أنَّ أخو لوعة أكُلّما ناحَ محبّ أسى | كلّفتني الحزن وطول الأنين حشرتني في زمرة النائحين | |
أكُلّما مرّتْ على خاطري أشقى مع الأيتام مستعبرا | صورة بؤس رحتُ في البائسين وأسهر الليل مع العاشقين | |
كتبت آيات العذاب الأليم | غضون همّ فوق هذا الجبين | |
تتُلى ولا يُخطئها قارىء | فيا لآيات الأسى … |
والخيرُ في الكونِ لو عَرَّيتَ جوهرهُ
رأيتهُ أدمُعاً حرّى وأحزانا
عندي كنوزُ حنانٍ لا نفاذ لها | أنهبتها كُلَّ مظلومٍ ومقهورِ | |
أعطي بذلّة مقهور فوالهفي | لسائلٍ يغدق النعماء منهور |
والحزنُ في النفسِ نبعٌ لا يَمرُّ بهِ
صادٍ من النفسِ إلا عادَ رَيّانا
أرخصتُ للدمعِ جفني ثم باكرَهُ | في هدأةِ الفجرِ طيفٌ منكِ أغلاهُ | |
وأسكرتني دموعي بعدَ زَورتهِ | أطيفُ ثغرِكِ ساقاها حُميَّاهُ | |
طيفٌ لشقراءِ كأسٍ من متارفهِ | لو لم أصنُهُ طغى وجدي فَعرَّاهُ |
يشهدُ الله ما بقلبيَ حقدٌ
شَفَّ قلبي كما يشفُّ الغديرُ
غَمَرتِ قلبي بأسرارٍ مُعطرةٍ وما امتحنتُ خفاياهُ لأجلوها | والحبُّ أملَكهُ للرُّوحِ أخفاهُ ولا تمنيتُ أن تُجلى خفاياهُ | |
الخافقانِ ـ وفوقَ العقلِ ـ سِرُّهما | كلاهما للغيوبِ:الحبُّ واللهُ | |
كلاهما انسكبتْ فيهِ سرائرُنا | وما شهدناهُ لكنّا عبدناهُ |
لقد ساءني غاد عليه ورائحُ
فمن كبدي فوق الثرى قطع همر
ولو قدرت صانته عيني كرامة
كما صين في أغلى خزائنه الدرّ
ضلَّ الذي زعم الأنام عن القديم تقدّموا | الناسُ في كلِّ العصورِ كما علمت همُ همُ | |
يشقى الضعيفُ ويستبدُّ به الكميُّ المعلم | وتحلّل الأطماع ما تختارهُ وتُحرِّمُ | |
دولٌ تدولُ وغيرها تُبنى على أنقاضها | وممالك مرضت فحارَ الطبُّ في أمراضها | |
قُصّت قوادمها فمن يحنو على منهاضها | ترمي الليالي الخطوب ونحن من أغراضها |
سيذكرني بعد الفِراقِ أحبّتي
ويبقى من المرءِ الأحاديثُ والذِكرُ
ورودُ الرُّبى بعدَ الربيعِ بعيدةٌ
ويُدنيكَ منها في قواريرهِ العِطرُ
طاحَ الزمانُ بإخواني وأوردهم | على الحتوفِ فلا عينٌ ولا أثر | |
أصبحتُ بعدهم حيران منفرداً | والريح معولة والليل معتكر | |
أحنو على كلِّ قبر من قبورهم | أبكيه حتى بكى من لوعتي الحجر |
بدوي الجبل:
عدنان عندك في النعمى ولي كبد أحبابنا في جنان الله قد نعموا | عليه بالجمر والأحزان يتقدّ لقد شقينا بهم لكنّهم سعدوا | |
هشّوا إلى ابن أخيهم وهو بينهم | بحاليات صباه كوكب يقد | |
يا للنجوم قديمات السّنى نزلت | على قراها نجوم طلّع جدد |
وأقعدني عنكَ الضنى فبعثتها
شوارد شعر لم ترع بضريب
وترشدها أطياب قبرك في الدُّجى
فتعصمها من حيرة ونكوبِ
وعند أبي الزهراء حطّت رحالها
بساح جواد للثناءِ كسوب
أدعو قبور أحبائي لتسمعني قبر بضاحية الشهباء طاف به | وهل تُجيبُ دعاءَ الثاكل الحفر؟ فلملم الطيب من حصبائه السحر | |
واستودعت حمص قبراً لو مررت به | لَهشَّ لي منه حب مترف عطر | |
ولي قبور على الفيحاء غافية | زوارها الطيرُ والأشواقُ والقمرُ |
لا تسلها فلن تُجيب الطلول
ألمغاوير مثخن أو قتيل
موحشات يطوف في صمتها
الدهر،فللدهرِ وحشة وذهول
غاب عند الثرى أحبّاء قلبي
فالثرى وحدهُ الحبيبُ الخليل
ما نزلنا عن السروج عياء | لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا | |
ولنا السّبقُ فامسحوا غرر | الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا | |
أيها الزاعمون أنّا فرقنا | صائد الليث لا يكون فروقا | |
كيف يرمى بالخوف من زحم | الأسد وأعيا أنيابها والحلوقا |
الليلُ بعد الراحلينَ طويلُ
أو ما لصبغكَ يا ظلامُ نصولُ
يطوي الزمانُ النابغينَ فتنطوي
لذهابهم أمم ويهلك جيلُ
ولَرُبَّ نعش غابَ في طياته
فتحٌ أغرّ وموطنٌ وقبيل
شَببنا على محضِ الوفاءِ وصفوه وحب رمته في اللهيب لصهره | كذلكَ آبائي وآباؤكم شبّوا صروف الليالي والقطيعة والذنب | |
وكأس تساقينا ثلاثين حجّة | عذوبتها طبعٌ وتقطيبها كسبُ | |
أشمُّ عبيراً من ترابك عاطراً | أمنك استعار العطر والنضرة التراب | |
قحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا | وجادته بالسّقيا يمينك لا السّحبُ |
تَقسَّمَ الناسُ دُنياهُمْ وفتنتَها
وقد تَفرّدَ من يهوى بِدنياهُ
ما فارقَ الرِيُّ قلباً أنتَ جذوتهُ
ولا النعيمُ مُحبّاً أنتِ بلواهُ
يا فتنة الدنيا يذُمّك معشرٌ | والحقُّ كلّ الحقِّ في أن يحمدوا | |
ألهب نبوغك في الحياة وحبّها | وأنا الضمينُ بأنّهُ لا يخمدُ | |
الكنز بين يديك فانثر درّه | إني أراه يزيدُ حين يبدّدُ |
إنَّ موتَ العظيمِ محنةُ تاريخٍ
ودنيا تفنى وكونٌ يزولُ
تأنَّقَ الدوحُ يُرضي بُلبلاً غَرِداً يطيرُ ما انسجما حتى إذا اختلفا | من جَنَّةِ الله قلبانا جناحاهُ هوى،ولم تُغْنِ عن يُسراهُ يُمناهُ | |
الخافقانِ معاً فالنجمُ أيكُهما | وسِدرةُ المنتهى والحبُّ: أشباهُ | |
أسمى العبادة ربٌ لي يُعذبني | بلا رجاءٍ وأرضاهُ وأهواهُ | |
وأينَ من ذلّةِ الشكوى ونشوتها | عندَ المُحبينَ عزُّ المُلكِ والجاهُ |
أبا طارق هذي سراياك أقبلت
يرفُّ على أعلامها العزّ والنصر
أأكرم حبّنا أصفى وأسمى | على عتت الخطوب من العتاب | |
وما عزّيت حين ألمَّ خطب | مصابكَ في جلاته مصابي | |
وأنت إذا تحدتك الرزايا | ضياء الشمس يسخر بالسحاب |
يا بني أمّ والحياة زحام
ذلَّ والله من يخاف الزحاما
يا نديمي إلى متى الإغفاء | بسم الكون حين حيّت ذكاء | |
لا تمل بي إلى الرجاء فقد | أودى بنفسي طموحها والرجاء | |
ودعِ اليأس ينتحيني ففي اليأسِ | لداءِ النفسِ الطموح دواء | |
فقد رضيتُ الأكواخَ وهي نعيم | وهجرتُ القصورَ وهي شقاء |
تهاووا تِباعاً واحداً بعد واحد
عليه انفراطُ العقد وهو نظيم
تساقوا مناياهم ضحى العمر وانطوى
شبابهم الرّيان وهو تميم
هواي سَجيّة وشباب قلب | وجلَّ صبا القلوبِ عن التصابي | |
خضبت بلون سمرتك المصفّى | حياتي والمحبّب من رغابي | |
ولامك عندنا قوم وعابوا | يجلّ النور عن لوم وعابِ | |
وأنت النور في عيني وقلبي | على حاليك من شهد وصابِ | |
سريرتُكَ الضياء بلا غروب وقفتُ ببابِ جاهك مطمئناً | وعيناك الغيوب بلا حجابِ كأنَّ الدهر والدنيا ببابي |
وأسرِفُ في الذكرى لأنزح نبعها
ولكنَّ نبع الذكرياتِ جموم
إذا قلتُ غاضتْ بعد لأيٍّ تدّفقتْ
وللموجِ فيها كرّةٌ وهجومُ
اليوم معركة الحياة فما الذي | أعددت من عُدّد ليوم صدامها | |
من ليسَ يمنعُ حقّهُ في حربها | هيهاتَ يمنعُ حقّهُ بسلامها | |
للأقوياءِ شريعةٌ مكتوبةٌ | بالسّيفِ شيب حلالها بحرامها |
فيا لكنز شكت منه جواهرهُ
وضاعَ عن نفسهِ لمّا أضعناهُ
صحا الفؤادُ الذي قطّعتهُ مِزقاً
حرّى الجراح ولملمنا بقاياهُ
ما للِمنيّةِ أدعوها وتبتعِدُ | أمَرُّ منْ كُلِّ حُتْفٍ بعضُ ما أجِدُ | |
ظمآنُ أشهدُ وِرْدَ الموتِ عن كَثَبٍ عَلَّلتُ بالصّبرِ أحزاني فيا لأسىً | والوارِدونَ أحبائي ولا أرِدُ بالجمرِ من نفحاتِ الجمرِ يبترِدُ | |
دعوتُ خِدنيَّ منْ دمعٍ ومن جَلَدٍ | فأسعفَ الدّمعُ لكن خانني الجَلَدُ | |
أصبحتُ أعزلَ والهيجاءُ دائرةٌ | لا السيفُ ردَّ الأذى عني ولا الزّردُ |
إنّ عنفَ العتابِ يؤذي أحبا
ي وأحلاهُ ما يكونُ رقيقاً
أشامِتٌ عندَ جُلّانا وما نزلتْ | إلا على الحُبِّ والإيثارِ جُلّاهُ | |
هانٍ ومحنتي العصماءُ داميةٌ | راوٍ ومن لوعتي الشّماءِ سُقياهُ | |
ما ضجَّ في قلبهِ جُرْحٌ فكابدهُ | ولا ألمَّ به وجدٌ فعاناهُ | |
تَضنُّ باللهفةِ الحرّى جوانِحهُ | والقلبُ أخصبَهُ بالنورِ أسخاهُ |
إنَّ نعمى الكريم دين على
الحُرِّ وتجزى من اللئيم عقوقا
فما ترشَّفتُ إيماناً بمعبدهِ | ولا شممتُ طيوباً في مُصلّاهُ | |
ناءٍ عن النارِ لو طافَ اللهيبُ بهِ | لوهَجّتْ هذه الدنيا شظاياهُ | |
قد هانَ حتى سَمتْ عنهُ ضغينتُنا | فما حقدنا عليهِ بل رحمناهُ | |
يُرضيهِ أن يتشّفى من مدامعنا | لم نبكِ منهُ ولكنّا بكيناهُ |
لا يُهينُ الشّعوبَ إلا رِضاها
رضيَ الناسُ بالهوانِ فهانوا
من راحَ يحمل في جوانحهِ الضحى | هانت عليهِ أشعةُ المصباحِ | |
البغي عند الأقوياء سجيّة | والمكرُ في الزهادِ والصلاحِ | |
هوّن عليكَ ففي النفوس بقيّة | من رجمة ومروءة وسماح | |
خلف الهجيرِ وعنفه ولهيبه | ما شئت من ظلّ وطيبِ نفاحِ |
أأكرم ما تضوّعت الغوالي
بأعطر منك مأثرة وعرفا
صهرت من الخطوب فزدت قدرا
وتلك سجيّة الذهب المُصّفى
وخاصمني من كنتُ أرجو وفاءه | وللشمسِ بين النيّراتِ خصومُ | |
يُلاقي العظيم الحقد في كلِّ أمّة | فلم ينج من حقد الطغام عظيمُ | |
ويفدى بنور العبقرية حاسد | ويخزى بمجد العبقري لئيمُ | |
وتشقى على الحقد النفوس كما انطوت | قلوب على جمر الغضا وحلومُ |
أأكرم حبّنا أصفى وأسمى
على عتت الخطوب من العتابِ
وما عزّيت حين ألمَّ خطب
مصابك في جلاته مصابي
وأنت إذا تحدتك الرزايا
ضياء الشمس يسخر بالسحاب
ولم يدر نعماء الكرى جفن حاقد | وهل قرَّ عيناً بالرّقادِ سليم | |
ويزعم أن الحقد يبدع نعمة | وهيهات من نعمى البنين عقيم | |
وما بنيت إلا على الحبِّ أمة | ولا عزَّ إلا بالحنان زعيم | |
ولا فوق نعماء المحبّة جنّة | ولا فوق أحقاد النفوس جحيمُ |
هو الحبُّ حتى يكرم العدم موسر
ويأسى لأحزانِ الغني عديمُ
وحتى يريح الذنب من حمل وزره
حنان بغفران الذنوب زعيم
ويا ربِّ قلبي ما علمت محبّة
وعطر ووهج من سناك صميمُ
أذكى أبو طارق في الشرق جمرتها | حمراء تلتهم الجلّى وتزدرد | |
إذا ونتْ وهتفنا باسمهِ جمحت | تعيد سيرتها الأولى وتطرّد | |
فذكرهُ الأملُ الهادي إذا انتبهوا | وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا | |
زعامةُ الحقّ لا شوهاء يرفعها | على الرّمالِ الهوى والزور والفند |
قُلْ لِمنْ يَحسُدُ العظيمَ تَرّفقْ
إنَّ خلفَ الأمجادِ هَمّاً وسُهدا
يَجمعُ الحقَّ والبيانَ على الخَصمِ
فلما تملّكَ الأمرَ شدّا
يطعنُ الطعنةَ العفيفة لا
تدمي ولكنّهُ أبادَ وأردى
يا عُصبةَ الصِّيدِ الغطاريفِ الألى | حفظوا الجدود وخلّدوا آثارها | |
هذي سيوف الفاتحينَ من البِلى | قد صُنتم أجفانها وشِفارها | |
جدّدتم عهد الحفاظِ لأمّةٍ | الله طهّرَ خيمها ونجارها | |
أرجعتُم صور العروبةِ غضّة | فكأنّكم أرجعتُم إعصارها |
طفل فإن نال ضيم من كرامته
ما البحرُ يزأر،ما البركان ينفجر
ذنوبه خفرات من براءته
أحلى الغواية ما يندى به الخفر
“أبا طارق” هذي سراياك أقبلت لقد قُدتها حيّاً وميتاً فما ثنى | يرفُّ على أعلامها العزُّ والنصرُ شكيمتها عنف ولا هدّها ذُعرُ | |
فَمُرْ تُسمع الدنيا هواك وينطلق | إلى الفتحِ بعد الفتحِ عسكرك المَجرُ | |
ومُرْ يتمزّق كلُّ قيد أبيتَهُ | ويسرف في طغيانه الحطمُ والكسرُ | |
تبرأتَ في دُنياكَ من كلِّ واهن | ذليل،فلا عرف لديه ولا نُكرُ |
هوَ من أريحيّة الله ما شئنا
رحيقاً صفواً ومِسكاً فتيتا
منْ كَسعد وللشباب هواهُ | قدرة تتعب الخيال وزهدا | |
يا صفيَّ الأحزان تسقي البرايا | كأسها مرّة وتسقيك شهدا | |
رضيت نفسك الهموم رفيقاً بوركَ الهمّ عبقرياً جواداً | أريّحياً على الشدائدِ جَلدا لا كَهم أعطى قليلاً وأكدى | |
قلْ لمن يحسد العظيمَ ترّفقْ | إنَّ خلف الأمجادِ همّاً وسهدا |
بدوي الجبل:
سقتهم كفّ إبراهيم صافية ففي الدماء سعير من سلافتها | من خمرة الحقِّ تروي كلّ من يَرِد عجلان يهدأ أحياناً ويتئد | |
بين الجوانحِ إلا أنّهُ أنف أذكى أبو طارق في الشرقِ جمرتها | وفي الشمائلِ إلا أنّهُ صيد حمراء تلتهم الجُلّى وتزدرد | |
إذا ونتْ وهتفنا باسمهِ جمحت فذكرهُ الأملُ الهادي إذا انتبهوا | تعيدُ سيرتها الأولى وتطرّد وطيفهُ الحلمُ الهاني إذا رقدوا | |
زعامةُ الحقِّ لا شوهاء يرفعها | على الرمالِ الهوى والزور والفند |
بدوي الجبل:
أبا طارق أبقيتَ للحقِّ سنّة بنيت عليها كتلة وطنية | هي العزة القعساء والفتكة البكر من الصيدِ ما خانوا هواكَ ولا فرّوا | |
لقد حملوا عنكَ الجهاد وما ونى فإن أقسموا أن يفتدوا بنفوسهم | وحقّك ناب للخطوب ولا ظفر أمانتكَ الكبرى لديهم فقد برّوا | |
نماك وسيف الدولة الدار والهوى وأقسم بالبيتِ المحرّم ما احتمتْ | وغناكما أندى ملاحمه الشعر بأمنعَ من كفّيكما البيضُ والسّمرُ | |
فإن تفخر الشهباء فالكون منصت | وحقّ بسيفي دولتيهما لها الفخر |
بدوي الجبل:
منْ كَسعدٍ وللنّدى احتدامُ | جرة الحرب عنفواناً ووقدا | |
حِممٌ كالجحيمِ مستعرات | ردّها حلمهُ سلاماً وبردا | |
ما حملت الجراح داءً ملّحاً | بل حملتَ الجراحَ غدراً وصَدّا | |
حزَّ في قلبكَ الوفيّ صديق | صارَ في الندوةِ الخصيم الألدّا |
بدوي الجبل:
تذكرّت الشام أخاك سعداً | ومن ذكرَ الحبيب فلا جناحا | |
أرق الناس عاطفةً وطبعاً | وأعنفهم على الطاغي جماحا | |
ينافح،لا تروعه المنايا إذا بكت الشام أخاك سعداً | فإن شتم اللئيم فلا نفاحا فقد بكت المروءة والسماحا | |
زحمنا النجم منه على جناح | وفيأنا مروءته وهوى صراحا |
سألَ الصبحُ عن أخيه المُفدّى
أيها الصبحُ لن تشاهد سعدا
غيّبَ الدهرُ من سيوفِ معدّ
مشرفياً حمى وزانَ معدّا
كلّما عارضوا الصوارم فيه
كان أمضى شبا وأصفى فرندا
رموكَ غدراً ولو صالوا مجابهة سلاحُكَ النور والإسلام وحدهما | لمزّقَ الصائدين الضيغم الحرد ومنهما العون عند الفتح والمدد | |
رسالة من أبي الزهراء خالدة | عديدك الفاتح المنصور والعدد | |
حتى إذا انهزمت شتّى فلولهم | ومرّغَ الجبن زهو الحقّ والصيد | |
أشرفت والدم شمس راح يحجبها | بكفّهِ ويواري وجهها الرمد |
أمّاه،دمعُك تبكي من مواجعه
شُمّ البواذخ والأفلاكُ ترتعد
أمّاه لم يبقَ لي روح فأغدقه
على أساكِ ولا دمع ولا كبد
تطوفُ عيناكِ في الزوارِ سائلة
عن الحبيبِ الذي ولّى وتفتقد
في غربةٍ أنا والإباءُ المُرُّ والأدبُ اللُبابُ كالسيفِ حَلّتهُ الفتوحُ ورُبما بَليَ القِرابُ | |
طَودٌ أشَمٌ فكيفَ ترشقُني السهامُ ولا أصابُ يخفى البُغاثُ فلا تُلمُّ به ولا يخفى العقابُ | |
الكبرُ عندي للعظيم إذا تكبّر لا العتابُ عندي له زُهدٌ يُدلُّ على الكواكب واجتنابُ | |
أغلى المروءة شيمةٌ طُبعت وأرخصها اكتساب |
بدوي الجبل في الطفولة الرائعة:
فيا للصِّبي الهاني! شجاني أنّهُ | حزين،ومن طبعِ الصِّبي اللهو واللعبُ | |
فيا ربِّ !لا راع الطفولة رائع | ويا ربِّ !لا ألوى بنعمائها كربُ | |
ويا ربِّ للأطيار والفجر والندى | إذا شئتَ، لا للعاصفِ الغصنُ الرطبُ | |
إذا عبراتُ الطفل مرت بِمجدب | من النفسِ روّته ففارقهُ الجدبُ |
دموعٌ كعفوِ الله لو مرَّ بَردُها
على الرّملة الحرّى لنضرّها العشبُ
ويا ربِّ مُرْ تصبح نسيماً مُعطراً
على كلِّ محزونٍ زعازعها النكبُ
ويا ربِّ عندي من كنوزك حفنةٌ
من الحبِّ،أذريها ولكنها تربو
أريد حياة الناس خيراً ونعمة | وتأبى السيوف المشرفية والقضب | |
أرى الفرد لا يبقى وإن طال حكمه | ويبقى بقاء الحق والزمن الشعبُ | |
وأشهد أن الظلم يردي فلو طغى | على السفحِ هضب شامخ زلزل الهضب | |
شكت جبروت الكثب حبات رملها | إلى الله،فانهارت مع العاصف الكثب |
نعيتم فلم يخلص إلى القلبِ نعيكم
ولم تتقبلهُ البصيرةُ واللبّ
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي
أساريرَ بشر عليهنَّ أم رعبُ
لعل الذي ينعاكم كان كاذباً
فيا نعمة قد كان يحملها الكذبُ
بدوي الجبل يرثي فارس الخوري:
أترعي الكأسَ أدمعاً ورحيقا | حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا | |
يا شآمي:يا قبلة الله في الدنيا | ويا راحها المصفى العتيقا | |
ما أدرتُ الكؤوس إلا لتروي | كبدي من هواك لا لتذوقا | |
كبريائي فوق النجوم،ولولاها | لما كنتُ بالنجومِ خليقا | |
وأخا لي سقيته الودّ صرفاً | فسقاني من ودّه الممزوقا |
بدوي الجبل:
لي قبور كنزت فيها شبابي | وصبوحي على المنى والغبوقا | |
يا قبور اللِدات:كلّ شقيق | حاضن في الثرى أخاهُ الشقيقا | |
وسعت هذه القبورُ فؤادي | كيفَ تشكو وهي في السماوات ضيقا | |
كيفَ لا تنبت الرياحين والشوق | وقلبي على ثراها أريقا |
سَلي الجمرَ هل غالى وجنّ وعذّبا
كفرت به حتى يشوق ويعذبا
ولا تحرميني جذوة بعد جذوةٍ
فما اخضلَّ هذا القلب حتى تلهّبا
بدوي الجبل:
أبا أحمد هل يرفع الستر مرة | عن الملأ الأعلى وتنكشف الحجب | |
طيوف من النور المحجب لمحت | تقريها عين،ويندى لها قلب | |
وكشف للأخرى صفاء معطر | حبيب إلى قلبي ولكنه صعب | |
فلحت لنا في عالم الحق بدعة | من النور يخبو كل حسن،ولا يخبو | |
فرحنا نحيى من نحب تحية | تنازعها الشوق المبرح والعتب | |
أتنأى؟فهلا وقفة يشتفي بها | خليل ويقضي حق لوعته صبّ | |
أتنأى؟وما ودعت أهلاً ولا حِمىً | فأين الحنانُ السمح والخلق الرحب؟ | |
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت | يضيقُ بها شرق المنازل والغرب | |
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد | فللعين من نعمى طلاقته شرب | |
فتاك الذي علمته البأس والندى | ففله عضب راح يخلفه عضب | |
أبا أحمد في ذمة الله صارم | من الحقّ لا يشكو الضراب ولا ينبو | |
يمان محلى فهو في السلم زينة | وتكشف عنف الموت في حده الحرب | |
سقى الله بالذكرى على غير حاجة | ولا حاد عن أطيابها الغدق السكب | |
عهوداً لنا كالنور أما نعيمها | فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب | |
لبسن الصبى بردا فلا خز فارس | يدل،ولا الديباج والوشي والعصب | |
عهوداً نحيبات الأصايل والضحى | وإن قل في الإنسان والزمن النجب | |
ولله ما أحلى مرابع لهونا | ينادم ترباً في خمائلها ترب | |
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم | وتصهل في أفيائها الضمر القب | |
أحن إذا فارقتني بعض ساعة | وتحمد في الحي اللجاجة لا الغب | |
شببنا على محض الوفاء وصفوه | كذلك آبائي وآباؤكم شبوا | |
ويجمعنا نجر قريب سمت به | لغسان أقيال غطارفة نجب | |
وحب رمته في اللهيب لصهره | صروف الليالي والقطيعة والذنب | |
وكأس تساقينا ثلاثين حجة | عذوبتها طبع،وتقطيبها كسب | |
أشم عبيراً من ترابك عاطراً | أمنك استعار العطر والنضرة الترب |
فحيت ثراك المزن كفك لا الحيا
وجادتهُ بالسقيا يمينك لا السحب
عاد الغريب ولم تظمأ سريرته | فقد حملت بها في غربتي بردى | |
من روع البلبل الهاني وأجفله | عن أبكيه وسقاه الحتف لو وردا | |
جلاني الظلم أشلاء ممزّقة | واحتزّ أكرمهنّ:القلب والولدا |
أنا أبكي لليلِ أوحشهُ البدر
وللقلبِ هدّهُ الحرمان
أنا أبكي للهَمِّ يأوي إلى القلبِ
فيقسو على الغريبِ المكان
ويا ربّ في ضيقِ الزمان وعسره | أرى الصّبرَ آفاقاً أعز وأرحبا | |
صليبٌ على غمز الخطوبِ وعسفها | ولولا زغاليل القطا كنت أصلبا |
الشرعُ ما سنَّ القويُّ بسيفهِ
فلسيفهِ التحريم والتحليلُ
لإن قال صدّقه الزمان فقوله
وحي وزور حديثه تنزيلُ
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا | يرفُّ عليهِ النور والظلُّ والخِصبُ | |
أراكم على بُعدِ المزارِ فيا لهُ | حنيناً تلاقى عندهُ البعدُ والقربُ |
تُبنى الشعوبُ على قُربى ومرحمة
وما بنى الحقدُ لا شعباً ولا رَغدا
على طيفكم أغمضتُ عيني والتقى | صياناً له في مقلتي الهدب والهدب | |
جلوتُ القذى عنها وفاءً لطيفكم | فأحلامها نعمى ومدمعها عذبُ |
أحبّايَ لو غير الردى حال بيننا
دنا البرّ في عينيَّ وانكشف البحر
بأسماعكم وقر وقد رحتُ شاكياً
وحاشا ففي سمع الثرى وحده الوقر
أُعيذُ من اليأس المرير نفوسكم | تلاقى على إعاناتها الظلمُ والقهرُ | |
إذا ركدت بعد الهبوبِ فإنها | لكالبحرِ من أخلاقهِ المدّ والجزرُ |
فيمَ التنكر للآلام قاسية
إذا تباعد في ميدانها الأمد
لا يُبعد الله أحباباً فُجعتُ بهم | وما علالة قلبي بعدما بعدوا | |
الناشئون علة نعماء مترفة | تقيّلوا الرمل في الصحراءِ واتسدّوا |
لم ألن للدّهرِ لكن زعمت
عادياتُ الدّهرِ أنّي سألين
وإذا الحزينُ بكى ولم يك شاعراً | فالشعرُ ما نطقت به عبراته |
ونفسي لو أنَّ الجمر مسَّ إباءها
على بشرها الرّيان لأحترق الجمرُ
ألِفتُ حَرَّكِ لا شكوى ولا سهد | يا جمرة في حنايا الصّدرِ تتقِدّ | |
مُرَّي على كبدي حمراء دامية | يبقى الحنين إذا تسلم الكبد |
فتحتُ عيني على حبٍّ صفا وزكا
فصنتهُ لضياءِ العين إنسانا
وفاؤُكَ لا عسرُ الحياة ولا اليسر | وهَمُّكَ لا الدّاءُ الملّحُ ولا العمر | |
إذا المرءُ لم يملك وثوباً على الأذى | فمن بعض أسماء الرّدى الحقّ والصبر |
وياربِّ
:
صن بالحبِّ قومي مؤلفاً
شتات قلوب لا شتات دروب
ويا ربّ
:
لا تقبل صفاءَ بشاشة
إذا لم يصاحبهُ صفاء قلوب
تداووا من الجُلّى بِجلّى
…
وخلّفوا
وراءهم الإسلام خيرَ طبيب
بدوي الجبل في رثاء سعد الله الجابري:
سألَ الصبحُ عن أخيهِ المُفدّى | أيها الصبحُ لن تشاهد سعدا | |
طلعةً تُفرحُ العيون وتسبيها | وتغزو القلوب كِبراً ومجدا | |
وحديثٌ كأنّهُ قِطعُ الروض | تنوعنَ أُقحواناً ووردا | |
بدعةُ الظرفِ والأناقةِ يُرضيك | دُعاباً عفّا ويُرضيكَ جدّا | |
تنهلُ العين من بشاشة سعدٍ | ريّها والعيونُ تروى وتصدى | |
رضيتْ نفسُكَ الهمومَ رفيقاً | أريّحياً على الشدائدِ جَلدا | |
قُلْ لمن يحسد العظيمَ ترّفقْ | إنَّ خلفَ الأمجادِ همّاً وسُهدا | |
ما حملتَ الجراحَ داءً مُلّحاً | بل حملتَ الجراحَ غدراً وصدّا | |
حزَّ في قلبكَ الوفيّ صديقُ | صارَ في الندوةِ الخصيمَ الألدا | |
يجمعُ الحقَّ والبيانَ على الخصم | فلما تملّكَ الأمرَ شدّا | |
ما لسعدٍ في الموتِ يزدادُ قرباً | من فؤادي ما ازداد هجراً وبُعدا | |
أنتَ في خاطري وعيني وقلبي | وعلى الهجر لا أرى منك بُدّا | |
ما وفيناكَ بعضَ حقّكَ فاعذرْ | إنّ عُذرَ الكريمِ أسمى وأجدى |
فصلُ الخطابِ دنا فأيّد أمّة
لم تبغِ إلا حقّها بقيامها
واسمح لنصركَ أن يُرفرف فوقها
ويُطاول الجوزاء في أعلامها
إنّي لأرحم خصمي حينَ يشتمني | وكنتُ أُكبرهُ لو عفَّ مُنتقدّا | |
عانيت جهد محبّ في الوفاءِ له | والغدرُ بي كلَّ ما عانى وما جهدا | |
قرّت عيون العدى والأصفياءِ معاً | فلستُ أملكُ إلا العطرَ والشّهدا |
وأُسِرُّ الشكوى حياءً وكبراً
رُبَّ شكوى إسرارها إعلان
نقلتُ إلى قلبي حياءً وعفّةً | أسارير وجهي من أسى وقطوب | |
وعرّتني الأيام ممّن أحبهم | كأيك ـ تحاماه الربيع ـ سليب | |
ورُبَّ بعيد عنك أحلى من المنى | ورُبَّ قريبِ الدّارِ غير قريب |
أيها المذنبون هذا فؤادي
من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في
دنيا أساهُ ويهنأ الوجدان
من غوالي دموعنا الخمر والعطر | ونعمى دمائنا الأرجوان | |
قد سقينا من قلبنا الموت حتى | نبت الضرب في الربى والطعان | |
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت | ويشقى سرج ويشكو عنان | |
ليس خلف البرود إلا هباء | فاحكم الناس أيها الطيلسان |
بدوي الجبل:
وعلّمت المروءة فهي عطر | من الفردوس يسكرنا نفاحا | |
وعلّمت العروبة فهي عرض | لربّك لن يهان ولن يُباحا | |
أساح المجد حسبك لن تكوني | لغير شبابك المأمول ساحا | |
خذي ما شئت واقترحي علينا | كرائم هذه الدنيا اقتراحا |
بدوي الجبل:
لا تعذلوني حين أبكي أسى سبّب لي هذا الشعورُ الأسى | العدلُ كلّ العدل أن أُعذر مصيبة الإنسان أن يشعرا | |
من يشتريه منكم خاسراً | أولّى بشاري الدمع أن يخسرا | |
قضى عليَّ الدّهر وا شقوتي | بالدّهر أن أبكي وأن أسهرا | |
من يشتري منّي عقود النظيم من يشتري الشّعر وألحانه | ببسمة تُسلّمني للكرى ببسمة واحدة في الحيا |
بدوي الجبل:
أطلّ على الدنيا عزيزاً:أضمنّي | إليهِ ظلامُ السجنِ أم ضمنّي القصرُ | |
وما حاجتي للنورِ والنورُ كامن | بنفسي لا ظلَّ عليهِ ولا سترُ | |
وما حاجتي للأفق ضحيان مشرقاً | ونفسي الضحى والأفق والشّمسُ والبدرُ | |
وما حاجتي للكائناتِ بأسرها | وفي نفسي الدنيا وفي نفسي الدّهرُ |
بدوي الجبل:
لامنا اللائمون في حبّ حسناء | ملول وكلّ نعمى ملول | |
لا تحاسب أخا هوى في هواه | كلّ ثغر على الهوى معسول | |
أيّ بدع في ثورة من محبّ | قد يثورُ المقيّد المكبول | |
لك مني الهوى كما رنّح الفجر | نسيم في غوطتيك عليل |
بدوي الجبل:
لم أضِقْ بالهموم قلباً وهلْ | ضاقَ بشتّى عطورهِ البستان | |
والهموم الحسان تفعل في الأنفسِ | ما تفعلُ الغواني الحسان | |
وأنا الوالدُ الرحيم وأبنائي | هموم الحياة والأشجان | |
وأعيرُ الحزين سحر بياني | فيعزيّهِ لو يُعار البيان |
عقنّي الأقربون من غمرة الخطب
وعقّ اللّات والإخوان
سوف يملي التاريخ عني ما يُملي
فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقري دهر فَسيّان
وفى أصفياؤه أم خانوا
فيا لك من عمى وسلمت عيناً ويا لك حيرة عرضت لموسى | لو اختارت لما تركت عماها فضلّ سبيل غايتها وتاها | |
أراد جلاءها نفر كريم | فجلّلها الغموض وما جلاها | |
فتحت سريرتي صفحات نور وزحزحت الحجاب عن الخفايا | وقد خبر الصحيفة من تلاها وقلنا شقوة بلغت مداها |
بدوي الجبل:
أنا أبكي لليلِ أوحشهُ البدر | وللقلبِ هدّهُ الحرمان | |
أنا أبكي للهمِّ يأوي إلى القلب | فيقسو على الغريبِ المكان | |
أنا أبكي لكلِّ طاغٍ فما يستر | إلا الضراعة الطغيان | |
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن | وللحسن فاته الإحسان |
أنا أرثي للمترفين فما يُبدع
إلا الشّقاء والأحزان
وأنا المترف الأنيق ولكن | ترفي صاغ فنّه الرحمن | |
أنا أبكي لكلّ قيد فابكي | لقريضي تغلّه الأوزان | |
أدمعي في السماء أنجمها | الزهر وفي البحر درّه والجمان |
بدوي الجبل:
الليل بعد الراحلين طويلُ يطوي الزمانُ النابغينَ فتنطوي | أو ما لصبغك يا ظلامُ نصولُ لذهابهم أممٌ ويهلك جيلُ | |
ولَرُبَّ نعشٍ غابَ في طيّاتهِ | فتحٌ أغرّ وموطن وقبيلُ | |
والناسُ أسياف فمنها مُغمد | صدىء ومنها الصارمُ المسلولُ | |
والخطبُ خطبُ النابغينَ فحقّهُ | بالمشرقينِ تفجّعٌ وعويلُ |
يُشكى إليك وأنت رهن منيّة
وتُزارُ في عنت الخطوبِ وتُقصدُ
ولقد يُرّجى السيفُ وهو مُثّلم
ولقد يُهابُ الليثِ وهو مُصّفدُ
فاذهب كما ذهبَ الربيع على الربى
منه يد وعلى القلوبِ له يدُ
ويا رب:في قلبي ندوب جديدة | تريد القرى من سالفات ندوبِ | |
يريد حسابي ظالم بعد ظالم | وما غيرُ جبّار السماءِ حسيبي | |
ويارب:صنْ بالحبِّ قومي مؤلفاً | شتات قلوب لا شتات دروبِ | |
ويا رب:لا تقبل صفاء بشاشة | إذا لم يصاحبه صفاء قلوبِ |
بدوي الجبل:
يحبُّ قلبي خباياه ويعبدها طفولة الروح أغلى ما أدِلُّ بهِ | إذا تبرأ قلب من خباياه والحبُّ أعنفهُ عندي وأوفاهُ | |
قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته غرّ وأرفع ما فيه غرارته | أحلى من النور نعماه وبؤساه وأنذل الحب ـ جلّ الحبّ ـ أدهاه | |
ما الحسن إلا لبنات منمقة | لكن يؤلهه أنّا عشقناهُ | |
لم يرده ألف جرح من فواجعه | حتى أصيب بسهم منك أرداه |
بدوي الجبل:
أي لوم على الكهول وخاضوا ما لأبنائنا تجنّوا علينا | غمرات العلى شبولاً وأسدا وغفرنا ما كان سهواً وعمدا | |
حاسبونا على هَنات المعالي نحن روادكم طلعنا الثنايا | ثم غابوا بها حساباً وعدّا وزحمنا الصعاب غوراً ونجدا | |
وبنينا لكم ونعلم أنّا | لن نملّى به بقاءً وخلدا | |
أيها النازلُ المقيم تعهد | بالرضى والحنان ركباً مُجدّا |
بدوي الجبل:
وتنكرّي للنائمين على الطوى ما كان جودك للسعادة ضامناً | الله قد خلق المنى لتديلا صدقاً وبخلك بالشقاء كفيلا | |
هذي الحياة عنت لبأسك رهبة | فتسمعي لجباً بها وصهيلا | |
وزماجراً قامت على غمائها | من حكمك العاتي القوي دليلا | |
ملكت يداك هواءها وبحارها | والكون أجمع عرضه والطولا |
تضيعُ في نفسي الجُلّى وقد نزلت
من كبريائي آفاقاً وأكوانا
وما رضيت بغير الله معتصماً
ولا رأيت لغير الله سلطانا
ولا عكفتُ بقرباني على صنم
أكرمتُ شعري لنورِ الله قربانا
أدموعاً تريدها أم رحيقا | لا ونعماك ما عرفت العقوقا | |
تتجلّى عند المغيبِ لعيني | ضياء عذب الحنان رقيقا | |
وجلاك الشروق حتى تبيّنت وتزور البروق تخبرني عنك | محياك فاحتضنت الشروقا ولولاكَ ما استزرت البروقا |
ما للسفينة لم ترفع مراسيها؟
ألم تهىء لها الأقدارُ ربّانا؟
ضُمي الأعاريب من بدو ومن حضر
إني لألمحُ خلف الغيم طوفانا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين | سمّوا بحقنا ووثوقا | |
فالأصيل العتيق يأنف شوطاً | لم يشاهد فيه أصيلاً عتيقا | |
ذلّ شوط يكون بين البراذين | فلا سابقاً ولا مسبوقا | |
لم تحمحم تختال بالحسن والقوة | بل حمحمت تريد العليقا |
الخافقان وفوق العقل سرّهما
كلاهما للغيوب
:
الحبّ والله
كلاهما انسكبت فيه سرائرنا
وما شهدناه لكنّا عبدناه
إن الذي خلق الحقيقة علقما تتصارعان ولا ترى إحداهما | خلق المنى للواردين شمولا ظفراً لتبسط حكمها وتطولا | |
تدعو المنى زمر القلوب وأختها والكون بين الضرّتين مقسّم | تدعو بصائر في الوغى وعقولا فاشهد قبيلاً يستبيح قبيلا | |
واعذر على البغي القلوب فطالما | قيدت وذلّل صعبها تذييلا | |
أما الدجى والفجرُ من أعدائه | فاقد بصرت به يخرّ جديلا |
إنَّ شرَّ الأمورِ ظلم الجماهير
وأهون بالظلمِ إن كان فردا
برئت إلى الحقيقة من غواة | تفرُّ من الصباح إلى دجاها | |
تريد رضاك تقييداً وأسراً | وأين رضاك ربي من رضاها | |
وأنكر قدرة الخلاق روح | رأى صور الجمال ومن اشتهاها | |
لمن جليت بزينتها عروساً | وفيم أحبها ولمن براها |
جمرة الحقدِ في السرائر لولا
قد أرقنا دماؤنا فسلوه
ذلّ أصحابها لشبّت حريقا
أي دمع من مقلتيه أريقا
حمّلوهُ ما لا يطيق وكانت
بدعة تخجل العلى أن تطيقا
دعكَ من زحمة العواصف واترك
للعقاب السماء والتحليقا
خلق الله للعظائم والمجد
فريقاً وللصَغارِ فريقا
تقسّمَ الناسُ دنياهم وفتنتها | وقد تفرّدَ من يهوى بدنياه | |
ما فارقَ الريّ قلباً أنت جذوتهُ | ولا النعيمُ مُحباً أنتَ بلواهُ | |
غمرت قلبي بأسرار معطرّة | والحبُّ أملكه للروح أخفاهُ | |
وما امتحنت خفاياه لأجلوها | ولا تمنيت أن تجلى خفاياه |
ألِفتُ حَرَّكِ لا شكوى ولا سُهدِ
يا جمرةً في حنايا الصدرِ تتقدّ
نطل من أفق الدنيا على غدرها | فنتجلّى الراسيات الشمّ كثبانا | |
وما دهتنا من الجبار عادية | إلا جزينا على الطغيان طغيانا | |
أديم حصبائنا در وغالية | ما أفقر الناس للنعمى وأغنانا | |
وأيّ نعمى نرّجيها لدى البشر | والله قرّبنا منهُ وأدنانا |
ليت الذين وهبناهم سرائرنا
في زحمةِ الخطبِ أغلوا ما وهبناهُ
ولا وفاء لقلب حين نؤثره
حتى تكون رزايانا رزاياه
يا صفي الأحزان تسقي البرايا | كأسها مُرة،وتسقيك شهدا | |
رضيت نفسكَ الهموم رفيقاً | أريحياً على الشدائد جلدا | |
غابَ سعد عن العيون وما | غابَ ضياء يهدي القلوب فتهدى |
وكل ذنب سوى الطغيان ننزله
على جوانحنا حبّاً وغفرانا
طبعي الحبُّ والحنانُ فما أعرف | للمجدِ غير حُبّي طريقا | |
لم يضِقْ بالعدوِّ حلمي وغُفراني | وأفدي بمقلتي الصديقا | |
لا أريدُ الإنسان إلا رحيماً | بإختلافِ الهوى وإلا شفيقا |
مسلمٌ كلّما سجدتُ لربي
فاحَ من سجدتي الهدى والعبيرا
وسِعتْ هذي القبورُ فؤادي | كيفَ تشكو وهي السماوات ضيقا | |
كيف لا تُنبتُ الرياحينَ والشّوق | وقلبي على ثراها أريقا | |
مُقلتي يستجّمُ في دمعها الطيفُ | وتحنو فلا يموتُ غريقا |
أدعو قبورَ أحبائي لتسمعني
وهل تُجيبُ دعاءَ الثاكل
أحنو على قبرٍ من قبورهمُ
أبكيه حتى بكى من لوعتي الحفرُ
لي قبور كنزت فيها شبابي يا قبور اللدات:كل شقيق | وصبوحي على المنى والغبوقا حاضن في الثرى أخاه الشقيقا | |
وسعت هذه القبور فؤادي | كيف تشكو وهي في السماوات ضِيقا | |
كيف لا تنبت الرياحين والشوق | وقلبي على ثراها أريقا |
تلك القبورُ فلو أني أُلِمُّ بها
لم تعدُ عينايَ أحباباً وإخوانا
أنا أبكي للعينِ لا تُدركُ الحسنَ | وللحُسنِ فاتهُ الإحسان |
تنكّروا لقديمِ المجدِ وهو ضحىً
يؤذي العيونَ ولا يؤذي الضحى الرمدُ
رمقتكَ العيونُ حُباً ووجداً | وفتحنا قلوبنا لك مهدا |
رنتِ العيونُ إلى جلالكِ خُشعاً
والبدرُ يُلثمُ في العيون ويُرمقُ
كلّما عارضوا الصوارم فيه | كان أمضى شباً وأصفى فرندا | |
ما على العبد أن يسوّد عار | بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا |
أبا جميل
..
وقربى بيننا اتصلّت
إلى الجنان
..
فدان وهو مبتعد
وأناجي قبوركم أعذب النجوى | وأشكو معاتباً وأُطيل | |
وكأنَّ القبور تسمعُ شكواي | وتدري حصباؤها ما أقول |
يتمت بعدك القوافي وضجَتْ
باكياتٍ بيومك المشهود
غَيّبَ القبر منك شمّاء مجد | وعرة تزحم النجوم سحوقا | |
يتلقاك(هاشم) في ربى عدن | ويستقبل المشوق المشوقا |
وللأهلِ أبصارٌ روانٍ تعلّقت
بعينيه إيجابٌ هنالك أم سلب
لي قبور كنزت فيها شبابي يا قبور اللدات:كل شقيق | وصبوحي على المنى والغبوقا حاضن في الثرى أخاه الشقيقا | |
وسعت هذه القبور فؤادي | كيف تشكو وهي في السماوات ضِيقا | |
كيف لا تنبت الرياحين والشوق | وقلبي على ثراها أريقا |
وفزنا من النورِ المصونِ بلمحةٍ
تُقرّيها عينٌ ويندى بها قلبُ
نغماتُ عودي لا تُملّ لأنها | لغةُ الملائكِ إذ تُناجي الحورا | |
يُدني إليَّ من الخيالِ شوارداً | ويهزُّ أعطافي هوىً وسرورا | |
في ظلمةِ الأحزان من نغماته | نفسي الحزينة تستعيرُ النورا |
من رأى روعة الحنانِ أطلّتْ
من عيونٍ ولألات في خدودِ
إذا الزعيمُ تولّى عن شبولتها | حمى الشبولة إخوان له نجد | |
أما الشبابُ فما خانوا رسالته | عند الكفاحِ ولا حادوا ولا جحدوا | |
إذا دجت ظلمات اليأس حالكة | سقّ الدُّجى كوكب من ذكره يقدُ |
نمْ بعيني إذا اصطفيتَ رؤاها
همّ عيني أن تُصطفى وتروقا
فلو درت الضلوع صنيع قلبي | لما غفرت جريرته الضلوع | |
يطيعُ أحبّة جاروا عليه | ويأمره الزمان فلا تطيع | |
تشفّع في ذنوبهم وفائي | ففاز الحبّ وانتصر الشفيع |
تنهل العين من بشاشةِ سعدٍ
ريّها والعيونُ تروى وتصدى
أعيذ من اليأس المرير نفوسكم إذا ركدت بعد الهبوب فإنّها | تلاقى على إعاناتها الظلم والقهرُ لكالبحر من أخلاقه المدّ والجزرُ | |
أرى العفو والنسيان من خلق الصّبا | ولم ينس عند الشيبِ حقد ولا ثأر | |
وما أكرم النسيان والعفو منكم | إذا لم يضع حق ولم يحتسب وترُ | |
وأنتم على دلّ الشبابِ وزهوه | وأهوائهِ ركن القضية والذخرُ |
غابَ سعدٌ عن العيونِ وما
غابَ ضياءً يهدي القلوب فتُهدى
أفدي القبورَ التي طافَ الرجاءُ بها طوتْ جفونُ الردى بيضاً غطارفةً | يا للقبورِ غدتْ تُرجى وتُفتقدُ لو أنهم ماجدوا شمسَ الضحى مجدوا | |
أحبّتي الصيدُ شلَّ الموتُ سرحهم | وقد حننتُ إلى الوِردِ الذي وردوا | |
لم أعرف الحقدَ إلا في مصارعهم | ولم أُجزْ قبلها أعذارَ من حقدوا | |
ترفّقي يا خطوبَ الدهرِ واتئدي | لا تجعلي النومَ في أجفان من سهدوا |
وإن حجبوا عن عينه الكونَ ضاحكاً
أضاءَ لهُ كونٌ بعيدٌ هو الفكرُ
أحبّاي لو غير الردى حال بيننا | دنا البرّ في عينيَّ وانكشف البحر | |
بأسماعكم وقر وقد رحتُ شاكياً | وحاشا ففي سمع الثرى وحده الوقرُ | |
وأوحشتم الدنيا كأنّ لم تدس بكم | على الهام في الرّوعِ المحجّلة الشقرُ | |
وحتى كأنَّ الرمل لم يروهِ دم | كريمُ المُصفّى لا أجاج ولانزر |
لم يكن موته فراقاً ولكن
هذه آوبة الخيال البعيد
أصفيتُكَ الحبّ لا منّاً ولا كدرا | ومن هناتِ المحبّ المنّ والكدر | |
وما اصطفيتُك عن خوف وعن ملق | ولا لأني إلى نعماك أفتقر | |
لكن وفاء لنعمى منك سابقة | وأنك الكنز للأوطان يدّخرُ |
كيف تسمو القلوب لولا المروءات
وتغفو على المنى الأجفان
والعبقريّ وإن جلّت مواهبهُ | طفلُ السريرة لا حقد ولا حذرُ | |
طفل فإن نال ضيم من كرامته | ما البحرُ يزأر،ما البركان ينفجرُ | |
ذنوبهُ خفرات من براءته | أحلى الغواية ما يندى به الخفرُ |
وبلبل النوح يرضيه بأيكته
سرّ الجمال،ويرضي غيره الثمر
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها | فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا |
يقولون
:
جدَّ اليعربيين نائم
!
لقد وهموا،فالسعيُ لا الجدَّ نائم
وما الناسُ إلا اثنان مهما تخالفوا
ميولاً
:
فمهزومٌ ضعيف،وهازمُ
إنّ الألى أنكر الأحزان سامرهم | لغو من الناس لا ذمّوا ولا حمدوا | |
إذا تباكوا من البلوى فما عرفوا | حزن المحبين في البلوى ولا وجدوا | |
الظامئون وظنوا أنهم ثملوا | والغائبون وظنوا أنهم شهدوا |
فيا شقاء فتى آماله رجعت
لأمسه وانطوى يوم ومات غد
ويا سامر الأحباب طيف ولا كرى | وسكر ولا راح وريّا ولا زهر | |
كلانا على ما كلف النفس من رضى | أضرّ به نأي الأحبّة والهجر |
فاعذر إذا لم أوفِ مجدك حقّهُ
لجج الخضّمِ طغت على السّباح
والخيرُ في الكون لو عَرَّيت جوهرهُ | رأيتهُ أدمعاً حرّى وأحزانا |
بدوي الجبل:
في رثاء الألوسي والمنفلوطي:
الليل بعد الراحلين طويل | أو ما لصبغك يا ظلام نصولُ | |
يطوي الزمان النابغين فينطوي | لذهابهم أمم ويهلك جيلُ | |
ولُربّ نعش غاب في طياتهِ | فتح أغرّ وموطنُ وقبيلُ | |
والناسُ أسياف فمنها مُغمد | صدىءٌ ومنها الصارمُ المسلولُ | |
في كل يوم للجزيرة كوكب | يهوي وسيف يعتريه فلولُ | |
قبر بعاصمة الرشيد وأخر | في مصر حقّ ستوره التقبيلُ | |
بدران قد بكر الأفول عليهما | ولكلّ بدر طلعة وأفولُ | |
ومشيعان إلى القبور بموكب | يرتد عنه الطرف وهو كليلُ |
بدوي الجبل:
في رثاء الألوسي والمنفلوطي:
فيه رعيل من ملائكة العلا | ومن الجدود الأكرمين رعيلُ | |
عيسى وأحمد والكليم عصابة | فيها الأمين المنتقى جبريلُ | |
ما للجزيرة أين نور نبوغها | الزيت جفّ وأُطفىء القنديلُ | |
بغداد شاكية ومصر حزينة | والشام حاسرة القناع ثكولُ | |
تلك الأقانيم الثلاثة واحد | بردى وشاطىء دجلة والنيلُ | |
لا تنكروا حقّ الحياة لأمة | فيها النبوغ على الحياة دليلُ | |
لم تخب أنوار النبوغ وإنما | مرعى النوابغ في البلاد وبيلُ | |
ما قلّ فينا النابغون وإنما | عدد الألى قدروا النبوغ قليلُ |
رُزىء الشعر فيك عبد الحميد
عبقريّ القديم عذب الجديد
غزل يسكر النفوس ويُدني
ما نأى من خيالها المنشود
هواك عندي مقيم في مواطنه | فإن تحوّلَ عن نعمائها اغتربا | |
أحبك الحبّ تأليها خلعت به | على تدلّهي الإجلالَ والرهبا | |
سكبت في دربك الأطياب والهة | وجلّ كأسك عن عطري الذي انسكبا | |
لعله والخطى السمراء تسلكه | يعلّها من حنيني بعض ما شربا |
بدوي الجبل:
أغليت نعمى الهوى عندي ومحنته | فحبّ ما مرّ منه حبّ ما عذبا | |
مدامعي فيك لو أكرمت جوهرها | أكرمتُ فيها الهوى والشعر والعربا | |
أجلّ بابك عن طول الوقوف به | فقر الكريم تجلّى صمته طلبا |
بدوي الجبل:
أدعو قبور أحبائي لتسمعني قبر بضاحية الشهباء طاف به | وهل تجيبُ دعاءَ الثكل الحفر فلملم الطيب من حصبائه السحر | |
واستودعت حمص قبراً لو مررت به ولي قبور على الفيحاء غافية | لهشَّ لي منه حبّ مترف عطر زوارها الطير والأشواق والقمر | |
ظمأى ويندى ثراها لوعة وهوى | إذا ألمَّ بها من غربتي خبر | |
تلك المصارع ردَّ الموت نجدتها | عني فكاد الأديم السمح يعتذر |
بدوي الجبل:
أعيذ مؤنس روحي بعد وحشتها | أن يستردَّ من النعماء ما وهبا | |
يا ضيعة النغم الأسمى ولوعته | إذا محى الخالق الفنان ما كتبا | |
شفعت عندك حبي في مواجعهِ | وما تمزّق من قلبي وما سلبا | |
أخفيت ظلمك عن نفسي لأرحمها | ثم ابتدعت له الأعذار والسببا |
بدوي الجبل:
طاح الزمان بإخواني وأوردهم أصبحت بعدهم حيران منفرداً | على الحتوف فلا عين ولا أثر والريح معولة والليل معتكر | |
أحنو على كلّ قبر من قبورهم قد عقّني الصحب حتى لا أضيق به | أبكيه..حتى بكى من لوعتي الحجر إن عقّني الأقربان السمع والبصر | |
ألوّن الخطب أضواء وغالية | وأبدع الفقر غراً حين أفتقر | |
وما وفى لي ممن كنت أؤثرهم | إلا القبور وإلا الأيك والنهر |
ثناني عن لقائك يا أميري
عثار الجدّ والقدم الوجيع
فخفَّ من الجموعِ إليك قلبي
يرافقها وما درت الجموع
ومزّقه الحنين فكل جرح
هوى يشكو وغالية تضوع
أميري هذه شكوى ألحّت | فضاق بجمرها الصدر الوسيع | |
وعندك مثلها ولدى كلينا | لأسرار العلى حرم منيع | |
وأهلاً بالأمير فكل قلب | على لقياك خفّاق نزوع | |
نزلت مع الربيع على ربانا | فقال الناس:أيّكما الربيع |
بدوي الجبل:
ما للمنيّة أدعوها وتبتعد ظمآن أشهد ورد الموت عن كثب | أمرّ من كل حتف بعض ما أجد والوارد ون أحبائي ولا أرِد | |
عللّتُ بالصبرِ أحزاني فيا لأسى دعوتُ خدنيّ من دمع ومن جلد | بالجمرِ من نفحات الجمرِ يبترد فأسعف الدمعُ لكن خانني الجلد | |
أصبحت أعزل والهيجاء دائرة | لا السيف ردّ الاذى عني ولا الزرد | |
أرد رشق الظبى عن مهجتي بيد | وتمسح الدمع من نزف الجراح يد |
بدوي الجبل:
الضحى والشجاع حلفا كفاح | وما احتمى بالظلام إلا جبان | |
حرنوا والشعوب في موكب السّبق | ومن شيمةِ الهجين الحران | |
يعثر الدهر والشعوب تشقى قبروا في المهود ما سلّ سيف | بالمناكير أمة وزمان في رداهم لا تعرّى سنان | |
لم تنلهم يد المنية ظلما | ولدوا قبل أن يحين الأوان |
بعض الخطوب ظلام لا صباح له
وبعضها الفجر فيه النور والرشد
هتف الهاتفون:أينَ رياض وبكت أمّة وأجهش تاريخ | فانتخى في الثرى حسام صقيل وناحَ القرآن والإنجيل | |
يا لستينَ في الكفاحِ طوال | حاليات وكلّ جلّى تطولُ | |
من رآهُ يخرّ في فجأة الغدر | رأى الراسيات كيفَ تميلُ | |
إنّ موتَ العظيم محنة التاريخ | وجنيا تفنى وكونٌ يزول |
وهيهات ما لوم الكريم سجيتي
ولا بغضه عند الجفاء نصيبي
طوت جفونُ الرّدى بيضاً غطارفةً | لو أنهم ماجدوا شمس الضحى مجدوا | |
مصارع الصيد ؤمن قومي فكل ثرى | بدر وكل أديم موحش أُحدُ | |
أحبّتي الصّيد شلّ الموت سرحهم | وقد حننتُ إلى الوردِ الذي وردوا | |
يصونهم من حتوف الناس مجدهم | كأنهم من جلالِ المجدِ ما فُقدوا |
لا يعذب الوصل إلا أن يخامره
خوف المحبين من نأي وهجران
ولا هناء بنعمى لا تخاف لها
فقداً ولا تبتلى منها بحرمان
حال بيني وبين دنياي أنّي وأراكم حتى لأسأل نفسي | بكم في سريرتي مشغول أيقين رؤاي أم تخييل | |
بوركت نعمة الخيال ويرضيني | خداع الخيال والتعليل | |
أجهدتنا الضحى على زحمة الرّوع | فهل يسعد الطلاح الأصيل | |
أين أين الرعيل من أهل بدر | طوي الفتح واستبيح الرعيل |
تلفت لا شملي جميع ولا الهوى
قريب ولا فرع الصبى عبق نضر
ويا سامر الأحباب مالك موحشاً
معاذ الهوى بل أنت يؤنسك الذكر
وإذا النصر كان عاراً فأرضى | للمروءاتِ أنكَ المخذول | |
لقطاف الوغى شمائل كالناس | فنصر وغد ونصر نبيل |
يا مانح النور من تاهت دروبهم
ومانح الحبِّ والغفران من حقدوا
يفنى المزّور من مجد ومن خدعت
به الشعوب وتبقى أنت والأبد
لا الأمس يسلبك الخلود ولا الغد | هيهات أنت على الزمان مُخلّد | |
تتجدد الدنيا وقلبك وحده | دنيا تعيد شبابها وتجدد |
وآمنتُ أنَّ الحُبَّ خيرٌ ونعمة
ولا خير عندي في وغى وحروب
بدوي الجبل يرثي سعد الله الجابري:
أدُموعاً تُريدَها أم رحيقا | لا ونَعماكَ ما عرفتُ العقوقا | |
نَمْ بقلبي ولو قدرتُ منعتُ | القلبَ حتى تقرَّ فيهِ الخفوقا | |
نمْ بقلبي وحُرمةٌ لك لن | تسمع مني تأوُّهاً وشهيقا | |
نمْ بعيني فقد فرشتُ لكَ الأحلامَ | مُخضّلة الورودِ طريقا | |
كيفَ تغفو ألم ترَ الشامَ في | النزعِ وتشهد لواءها المخنوقا | |
مزِّقِ القبرَ فالشامُ تُناديكَ | وتبكي مكانكَ المرموقا |
بدوي الجبل يرثي فارس الخوري:
أترِعي الكأسَ أدمعاً ورحيقاً | حقُّ بعضِ الهمومِ أن لا نفيقا | |
سَلِمَ الجمرُ لي وعاشَ بقلبي | أرِيَحيَّ اللهيبِ عذباً أنيقا | |
يا شآمي يا قبلةَ الله للدنيا | ويا راحتها المُصّفى العتيقا | |
أُترِعُ الكأسَ من هواكِ لِتروى | كبدي من هواكِ لا لتذوقا | |
لملمَ الفجرُ ذكرياتي دماً سكباً | ومجداً غَمراً وعهداً وثيقا |
لم ينلْ من عزمكَ اليأسُ ولا
عنتُ الدهرِ ولا الداءُ العَياء
رضي الله عن أخٍ لكَ كالسيفِ | المُحلّى يروعُ نصلاً وغمدا | |
أين سعد؟ولا ألوم الليالي | وهب الدّهرُ غالياً واستردّا | |
أي بِدع إذا بكيت لسعد | إن بكى السيفُ حدّه ما تعدّى | |
لو رأى هذه الدموعُ الغوالي | لَبكى رحمة وحيّا وفدّى | |
غابَ سعد عن العيون وما | غابَ ضياء يهدي القلوب فتهدى | |
ثورة في الحياة والموت جلّت | ثورةُ الحقّ أن تقرَّ وتهدأ |
يا لسنين في الكفاح طوال
حاليات وكل جلّى تطول
من رآهُ يخرُّ فجأة الغدر
رأى الراسيات كيف تميل
بدوي الجبل في المجمع العلمي الدمشقي:
يا “مجمع” الصيد الغطاريف الأولى هذي سيوف الفاتحين من البلى أرجعتم صور الحضارة غضّة | حفظوا الجدود وخلدوا آثارها قد صنتم أجفانها وشفارها فكأنكم أرجعتم أعصارها | |
وبعثتم أمم الجزيرة بعد ما أنطقتم الصور الجماد فخبرت | طويت وحلل فذكم أطوارها عن شأنها ورويتم أخبارها | |
وسللتم صمصامها من غمده | متألقاً وجلوتم دينارها | |
ورفعتم ركن القضية عالياً | بجهادكم وكشفتم أسرارها |
بدوي الجبل في رثاء رياض الصلح:
غابَ عندَ الثرى أحبّاءُ قلبي | فالثرى وحدَهُ الحبيبُ الخليلُ | |
وسقوني على الفراقِ دموعي | كيفَ يَروى من الجحيمِ الغليلُ | |
هتفَ الهاتفون:أينَ رياضٌ | فانتخى في الثرى حسامٌ صقيلُ | |
وبكتْ أمةٌ وأجهشَ تاريخٌ | وناحَ القرآنُ والإنجيلُ |
بدوي الجبل:
يا رفاقي بكيتُ فيكم شبابي من تملّى بقلبهِ الضاحك الهاني | كلّ عيشٍ بعدَ الشّبابِ فضولُ فقلبي المُمزّق المتبولُ | |
أين سعد وعادل ورياض؟ ونجيب وأينَ مني نجيب؟ | ما لركبِ الردى المجدّ قفولُ غالَ قومي من المنيّة غولُ | |
كيفَ أغفى أبو رياض وحقي | في الشام المضيّع المخذول | |
وتلاقيتم على البعدِ في قلبي | فلا روعِ اللداتِ رحيلُ |
بدوي الجبل:
لن يعدم القبر لا ريّا ولا عبقا | فلي جفون ندّيات ولي كبد | |
أحنو على دمك المطلول ألثمهُ | أزكى من الوردِ ما جادت به الورد | |
دماءُ قلبك إيمان وغاليه | فليسَ ينكرها بدر ولا أحد | |
دماءُ قلبك ما من قطرة نزفت | إلا تمنت سناها نجمة تقدُ |
بدوي الجبل:
حمّلتُ عدنان أطيابَ الحنين فهل | أدى أمانة ما أشكو وما أجد | |
لم أرثهِ وهو روحي فارقت جسدي | وكيفَ يبكي ويرثي روحه الجسد | |
ألمّ بالقبرِ أغليه وألثمهُ | وحولي الساخران:الغيبُ والأبد | |
أحبّتي كلّما غامت طيوفهم | هتفتُ:لا تبتعدوا عني وقد بعدوا |
بدوي الجبل:
يا رفاقي بكيت فيكم شبابي | كلّ عيش بعد الشّبابِ فضول | |
من تملّى بقلبهِ الضاحك الهاني | فقلبي المُمزّق المتبول | |
أين سعد وعادل ورياض | ما لركبِ الردى المجدّ قفول | |
ونجيب وأين مني نجيبُ وكيفَ أغفى أبو رياض وحقي | غالَ قومي من المنيّة غولُ في الشام المضيّع المخذول | |
وتلاقيتم على البعدِ في قلبي | فلا روّع اللدات رحيلُ |
بدوي الجبل:
غيّبَ القبر منكَ شمّاء مجد يتلقاك(هاشم) في ربى عدن | وعرة تزحم النجوم سحوقا ويستقبل المشوق المشوقا | |
حيِّ عنّي سعداً وقبّلْ محيّا وأبا أسعد سقته دموعي | كالضحى باهر السنى مرموقا وسليمان و(النديم) الصدوقا | |
واسق(قدري)و(عادلا)و(جميلا) | من حنيني طيب الهوى والرحيقا | |
واشكُ حزني(المظهر) و(نجيب) | راع دهر أخاكما فأفيقا | |
لي حقوق على القبورِ الغوالي | ويوّفى قبر الكريم الحقوقا |
بدوي الجبل:
ما لسعد في الموتِ يزداد قرباً | من فؤادي ما ازداد هجراً وبعدا | |
وإذا رفّ طيفهُ في خيالي | رفّ ريحانة من الله تهدى | |
أنتَ في خاطري وعيني وقلبي | وعلى الهجرِ لا أرى منك بداً | |
صور لو ينال من حسنها النور | لكانت بنور عيني تُفدى | |
وأصون الطيوف بين جفوني | لو تطيق الجفون للطيفِ ردّا |
بدوي الجبل:
أبا طارق هذي سراياك أقبلت | يرفّ على أعلامها العزّ والنصرُ | |
لقد قدتها حيّاً وميتاً فما ثنى | شكيمتها عنفٌ ولا هدّها ذعرُ | |
فمر تسمع الدنيا هواك وينطلق | إلى الفتح بعد الفتح عسكرك المجر | |
ومُرْ يتمزق كلّ قيد أبيته | ويسرف على طغيانه الحطم والكسرُ |
أبا أحمد في ذمّة الله صارم
من الحقِّ لا يشكو الضرابَ ولا ينبو
يمان مجلّى فهو في السلم زينة
وتكشف عنف الموت في حدّة الحرب
لِدات طفولتي ذهبوا تباعاً | وعاقتني الخطوب عن الذهابِ | |
أُسائلُ عنهم فأرى وجوماً | فأُغضي،وقد عثرت على الجوابِ | |
وأسمعُ للقبورِ صدى وجيعاً | حنين الغائبين إلى الإياب | |
سقى تلك القبور دمي ودمعي | وجلّ القبر عن سقيا السحاب | |
ومن فوق التراب فدى بدور | خبا لالأؤها تحت التراب |
فتحت عيني على حبٍّ صفا وزكا
فصنته لضياء العين إنسانا
في الثرى من أحبتي ولِداتي | ظفر أبلج وفتح جليل | |
نزلت بالقبور أسمى اللّبانات | وطافَ الرجاءُ والتأميلُ | |
وتهبّ القبول تحمل أشواقي | فهل رشّت الطيوب القبول |
يشهد الله ما بقلبي حقدٌ
شفّ قلبي كما يشفُّ الغدير
فما عرفت إلا قبور أحبّتي | وإلا لِداتي في دجى الموت غُيّبا | |
وما لمتُ في سكبِ الدموعِ فلم تكن | خلقت دموعُ العينِ إلا لتُسكبا | |
ولكن لي في صون دمعي مذهبا | فمن شاء عاناه ومن شاء نكّبا |
وآمنتُ أنّ الحبّ والنور واحدٌ
ويكفر بالألاء كلّ مريب
ضمّ الثرى من أحبائي ليوث شرى | وغابَ تحت منهم شموس هدى | |
لداتي الصيد،شلّ الموت سرحهم | ليت النجوم وروحي لِلدات فدى | |
الراقدونَ وجفني من طيوفهم | في سامر ضجَّ في جفني فما رقدا |
طبعيَ الحبُّ والحنانُ فما أعرف
للمجد غيرَ حبي طريقا
لا أريدُ الإنسانَ إلا رحيماً
باختلافِ الهوى وإلا شفيقا
وما بُنيت إلا على الحبِّ أمةٌ | وما عزَّ إلا بالحنان زعيمُ | |
ولا فوق نعماء المحبة جنةٌ | ولا فوق أحقادِ النفوسِ جحيمُ | |
ويا ربّ قلبي ما علمتَ محبةٌ | وعطرٌ ووهجٌ من سناك صميمُ |
الكون في أسراره وكنوزه
للفكر لا لوغىً ولا لسلاحِ
وأنا الذي وسِعَ الهمومَ حنانُهُ | وبكى لكلّ معذّب ملتاح | |
أشقى لمن حمل الشقاء كأنما | أتراحُ كلّ أخي هوىً أتراحي | |
ووددت حين هوى جناحُ حمامةٍ | لو حلّقت من خافقي بجناحِ | |
حبٌ قد انتظم الوجودَ بأسره | أسد الشّرى وحمامةَ الأدواح |
والظلمُ من طبعِ الجبانِ
وكلُّ طاغيةٍ جبانُ
إذا ملكوا الدنيا على الحرِّ عنوةً | ففي نفسهِ دنيا هي العزُّ والكبرُ | |
وإن حجبوا عن عينه الكون ضاحكاً | أضاءَ له كونٌ بعيدٌ هو الفكرُ |
أرى الفرد لا يبقى وإن طال حكمه
ويبقى بقاءَ الحق والزمن الشعبُ
عروبة الشام يا لبنان صافية | سمحاءُ كالنورِ لا مكرٌ ولا عقدُ | |
تنزّه الحب عن مَنٍّ وعن نكدٍ | وقد يُنّغِص حسن النعمة النكدُ | |
نحن المحبين نهواكم ونؤثركم | هل كان من دلّلوا القربى كمن وأدوا | |
نحن الظماءَ ونسقي الحب أرزكم | الحبُّ في الشام لا نزرٌ ولا ثَمَدُ |
ليس بين العراق والشام حدٌّ
هدم الله ما بنوا من حدود
تَحِنُّ لكَ الربوعُ ولستُ أدري | لمنْ تشكو مُصيبتها الربوعُ | |
تَنّمرَ كلُّ خوّانٍ لئيمٍ | وتاهَ النذلُ واختالَ الوضيعُ | |
نزلتَ مع الربيعِ على رُبانا | فقال الناسُ:أيّكما الربيعُ |
تطوّحني الأسفار شرقاً ومغرباً
ولكنّ قلبي بالشآم مقيمُ
لقد زعموا أني بِجلّق هائمٌ | أجل،والهوى إني بجلّق هائمُ |
بدوي الجبل يرثي كامل مروة صاحب جريدة الحياة:
أبا جميلٍ سلامُ الله لا كُتبٌ | إليكَ تحملُ أشواقي ولا بُرُدُ | |
لقيتَ في الحقِّ ما لاقى بهِ نفرٌ | من الهداةِ وما عانوا وما جَهَدوا | |
والعبقريّ غريبٌ في مواطنهِ | يدورُ حيثُ يدورُ الحقدُ والحَسدُ | |
يا مُبدع السحرِ إلا أنه كَلِمٌ | وساقي الرأي إلا أنهُ شهَدُ | |
يا مانِحَ النورِ من تاهت دروبهمُ | ومانِحَ الحُبِّ والغفرانِ من حقدوا |
بدوي الجبل:
يا قبور في الشام رُبّ قبور | أنزلتها النوى مكاناً سحيقاً | |
موحشات:إلا غريفاً نت الجنِّ | يرجّ الدّجى وإلا نعيقا | |
هائمات كالنور طارت صبابا | تي إليها فما استطعنَ اللحوقا | |
غرّبتنا العلى قبوراً وأحياء | وعاثت بشملنا تفريقا | |
واغتراب القبور من حيل الموت | ليخفى كنوزه والعلوقا | |
تسمع الريح حين تصغي حنينا | من فؤادي على الثرى وشهيقا |
حسدوه على المزايا فكان ال
موت بين الأهواءِ والحقِّ حَدّا
إنّ من ينكرونهُ وهو حيٌّ
ربما ألّهوهُ رمزاً ولحدا
أفدي القبور التي طاف الرجاء بها | يا للقبور غدت ترجى وتُفتقد | |
ولي قبور على الصحراء موحشة | فلا تُزار ولا يدري بها أحد | |
تلك القبور وقلبي لا يضيق بها | ضاقت بزحمتها الأغوارُ والنجدُ | |
مصارعُ الصيدِ من قومي فكلّ ثرى | بدر وكلّ أديم موحش أحد |
وأنت أمّ جميل أيّ نازلة
لم تُبق رفداً لحزن جاء يرتفد
ما قبل يومك يوم رحت أشهدهُ
له لواء على الأحزان مُنعقد
أبا جميل أناجي فيك حالية تحوّلت أفقاً غير الذي عرفوا | من الشمائل أغليها وأفتقد وأنجماً في الدّجى غير التي رصدوا | |
فسّلم الفلك الأسمى على فلك | فيه الكواكب والأس والرأد |
أحبّتي الصيد شلّ الموت سرحهم
وقد حننتُ إلى الوِردِ الذي وردوا
السالكون من العلياء أخشنها
والقاحمون وغير الشمس قصدوا
أكذّب الموت فيهم حرمة وهوى
وللأماني طريق هيّن جدد
ستنامين ملءَ صدري وتصحين | على لحن خفقة المرتاحِ | |
ويعود الزمان طيباً ونحسو | من كؤوس الحياة أعذب راحِ | |
فتعالي،نسل رحيقاً على الوردِ | وعطراً على شفاهِ الأقاحي | |
بين ظل ساج،وماء فرات، | ونسيم،وبلبل صداح | |
وبجفني سأمسح الترب أن يعلق | بأطرافِ برك الفياح | |
فتعالي،نمر ضياء من البدر | ونغمر ذوائب الأدواحِ | |
ونغن الشروق ملحمة الحب | فيشذى بنشرها الفواح | |
وتلون وجه العيشة باللهو | ونكحل جفن الضحى بالمراحِ | |
ونعل الصبا سلاف تناجينا | ونرم النجوم بالأقداحِ | |
ونحر الشفاه بالقبل الهوج | ونكثر منها بغير جناحِ | |
حلم في دمي يلون إحنائي | ويغزو يدي بكلّ سلاحِ | |
حلم يعقد الجناح من السحر | فيعنو له عتو الجناح | |
حلم لم تلده أخيلة العصر | برغم المسود الجحجاح | |
ما لجفني تحنو عليه الخيالات | وتحدوه روعة الأشباح | |
ويحه لم يزل بإحنائه الدمع | وشيكاً لمستحث البراح | |
كيف يسمو على يد الأفق شدوي | وعلى الأفق رعدة من نواحي؟! | |
وتقولين:لا أراك أمخشي هوانا | ونحن أهل السماح | |
أم تداويت عن هوانا ـ حنانيك | أيمحو الهوى من القلبِ ماحي؟ | |
لا ومن سلسل الشعاع ونقاه | واسقي به حدود الملاح | |
ما أهلت عيني،وما طرفت شوقاً | إلى غير وجهك الوضاح | |
بلغ اليأس بي مداه وفاتت | غاية الوهم في الهوى أتراحي | |
أنا فجع مجرح في لهى البيد | وثكل مشلع في البطاح | |
أنا آه حيران في حدد الأرض | وتيه يزجيه لهب الجماح | |
أنا دمع منثر في الصحارى | وأنين مفتت في الرياح | |
أنا رجع محطم واحتضار | في ضلوعِ الأمساء والأصباح | |
أنا ميت أجر جثة نفسي | بين عطفِ ألحاني ولحن اللاحي | |
آه ما للسماء تدجو وتنهار | وصدري ينهدُّ تحت وشاحي؟ | |
بدوي الجبل يرثي أحدهم(
القيثارة بتاريخ الأول من كانون الثاني عام 1947
م):
لهيب من الذكرى،وحقّك لا يخبو | متى يتلاقى بعد نأيهم الصحبُ؟ | |
أحبّة قلبي إن بعدتم فما نأى | عن القلب لا الوجدُ الملّحُ ولا الحبُّ | |
على طيفكم أغمضت جفني وانطوى | صياناً لهُ في مقلتي الهدب والهدبُ | |
جلوتُ القذى عنها وفاء لطيفكم | فأحلامها نعمى،ومدمعها عذبُ | |
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلاً | يرفُّ عليه النور والظلُّ والخصبُ | |
أراكم على بعدِ المزارِ فيا له | حنيناً تلاقى عنده البعدُ والقربُ | |
ويُدنيكم مني خيال مجنح | أراقت عليهِ نورها الأنجمُ الشّهبُ | |
خيال يجوز الكون والدهر والمنى | ويطوي الغيوب النائيات ولا يكبو | |
فيا بعدها من غاية لم ترح بها | مطي،ولا حطّ الرحال بها ركبُ | |
ولله ما أوفى الخيال،فبيننا | وبينكم منه الرسائلُ والكتبُ | |
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي | يولم تتقبله البصيرة واللبُّ أساريره،بشر عليهن أم رعب؟ | |
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذباً يجسّ الطبيبُ النبضَ حيرانَ ذاهلاً | فيا نعمة قد كان يحملها الكذب! وهيهاتَ لا يغني الطبيبُ ولا الطبُّ | |
ويرجو على اليأسِ المرير،وأنّه | خداعُ الأماني والتعلّة والحبُّ |
عمر أبو ريشة للأخطل الصغير:
عفواً،بشارة،بعض البوح ضقت به
فسالَ فوق فمي،حرّان يستعر
خنقت بالدمعة الخرساء أكثرهُ
وأقتلُ الدمع من لا يلمح البصرُ
عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
عمر أبو ريشة في شهيد حماة سعيد العاص الذي أستشهد في فلسطين:
نامَ في غيهبِ الزمانِ الماحي | جبلُ المجدِ والنّدى والسماحِ | |
أسكرتهُ أجيالُ نعمته البكرِ | بفيضِ الأعراسِ والأفراحِ | |
حين أنفاسهُ تموجُ على الكونِ | بِعبقِ النبوة الفوّاحِ | |
وترفّ الحياة فيه على آثار | عيسى من غدوة ورواحِ | |
تحفظُ البيد ذكريات لياليه | وتهفو لعهده النّزاحِ | |
وتحنُ الغياض في الشام شوقاً | لتثنيّه مثقلاً بالسلاح |
بدوي الجبل يرثي إبراهيم هنانو
أنزّهُ آلامي عن الدمع والاسى
فتؤنسها مني الطلاقة والبشر
وأضحك سراً بالطغاة ورحمة
وفي كبدي جرح وفي أضلعي جمر
بدوي الجبل
الليل بعد الراحلين طويلُ
أو ما لصبغك يا ظلام نصولُ
يطوي الزمانُ النابغين فتنطوي
لذهابهم أمم،ويهلك جيلُ
ولرُبّ نعشٍ غابَ في طيّاتهِ
فتحٌ أغرّ وموطنٌ وقبيلُ
والناسُ أسياف
:
فمنها مغمدٌ
صدىءٌ،ومنها الصارمُ المسلول
في كل يوم للجزيرة كوكب
يهوي،وسيف يعتريه فلولُ
قبرٌ بعاصمة الرشيد،وآخر
في مصر حقّ ستوره التبجيلُ
بدران قد بكر الأفول عليهما
ولكلّ بدر طالعة وأفولُ
ومُشيّعان إلى القبور بموكب
يرتدّ عنه الطرف وهو كليلُ
فيه رعيل من ملائكة العلا
ومن الجدود الأكرمين رعيلُ
عيسى وأحمد والكليم عصابة
فيها الأمين المنتقى جبريلُ
ما للجزيرة؟أين نور نبوغها؟
الزيتُ جفّ وأطفىء القنديلُ
بغداد شاكية ومصر مرنّة
والشام حاسرة القناع ثكولُ
تلك الأقاليم الثلاثة واحد
بردى،وشاطىء دجلة، والنيلُ
لم تخبُ أنوار النبوغ وإنما
مرعى النوابغ في البلاد وبيلُ
ما قلّ فينا النابغون وإنما
عدد الألى قدره النبوغ قليلُ
عمر أبو ريشة:
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا | ولا غاضبا إن غاب مسراي عائب | |
فكم جبل يغفو على النجمِ خدّه | وأذياله للسائماتِ ملاعب | |
نظرت إلى الدنيا فلم ألف عندها | كبيراً أداري أو صغيراً أعاتب | |
وما هانَ لي في موقف العزِّ موقف | ولا لانَ لي في جانبِ الحقّ جانبِ | |
فيا غربة الأحرار ما أطول السّرى | وملءُ غيابات الدروبِ غياهب |
عمر أبو ريشة:
أترقصُ الطير في أشراكِ صائدها حلمٌ تناثرَ أطيافاً منضرة | ويحرسُ الذئبُ في أعطانها الغنما ما كانَ أكرمهُ لو لم يكن حلماً | |
وما المواثيق إن فاهَ القوي بها | ونصّب الختلَ في أقداسها حكما؟ | |
ما كانَ أغناهُ عن تزوير غايتهِ | من يحمل السيفَ لا يبري به قلما |
عمر أبو ريشة:
إنّهُ الدّهرُ كم يُريكَ عزيزاً | جَدَعتْ أنفَهُ الصروفُ القواهِرْ | |
ما حملنا ذُلَّ الحياةِ وفي القو | سِ نِبالٌ،أو في الأكفِّ بواترْ | |
يصفعُ الذئبُ جبهةَ الليثِ صفعاً | إن تلاشتْ أنيابهُ والأظافرْ |
عمر أبو ريشة:(
الرسالة العدد191)
حثثتُ خطاي الحمر عن هيكل القدس | وفي حمأةِ الأرجاسِ كفرّتُ عن رجسي | |
وما استعذبت نفسي الشقاء وإنّما | وجدتُ عزاءَ النفسِ أقتل للنفسِ | |
دعوني أعبّث السّمَ من أكؤس الملا | واقضي على تلك البقية من حسّي |
عمر أبو ريشة:(
الرسالة العدد191)
كفاني نفضت الكفَّ من يانعِ المنى | وبعت صبايَ الغضّ بالثمنِ البخسِ | |
يؤرقني الماضي فأنشر طرسه | وألسنةُ الآلامِ تقرأ في الطرسِ | |
وأهجسُ والأشباحُ تعتامُ ناظري | فيرتدُ إشفاقاً فأقصر من هجسِ |
عمر أبو ريشة:
والحبُّ قرّبناهُ منه وعلّمنا رمى بنا القفرُ وافتضَّ السرابَ به | ما قدَّسَ الله لا ما دَنَّسَ البشرُ فأين ـ لا أين ـ منه الوِردُ والصَّدرُ | |
خصاصةُ العيشِ ما مدَّت لنا يدها | إلا وأقدامنا من سعينا حُمُرُ | |
فكم عثرنا ولم تعثر إباءتُنا | وكم نهضنا ولم يشمتْ بنا خَوَرُ | |
وكم لدى صَلَفِ الحرمانِ من غُصص | نُمنا عليها ولم تكشف لنا سُتُرُ |
عمر أبو ريشة:
ونحن من حولها أنضاءُ غُربتنا | وأنتَ عنا وراءَ الغيبِ مستترُ | |
نُبدي لها غير ما نُخفي ولوعتُنا | تكادُ في صمتها للشوقِ تعتذِرُ | |
فلا تَلمها إذا لم تخبُ بسمتُها | ولم يعكّر صدى ألحانها كدرُ | |
لم يبلغِ الخبرُ الناعي مسامعَها | عن مثلِ هذي اليتامى يُكتمُ الخَبرُ |
عمر أبو ريشة:
تتساءلين علامَ يحيا هؤلاء الأشقياء؟ | المتعبون ودربهم قفر ومرماهم هباء | |
الواجمونَ الذاهلون أمام نعش الكبرياء | الصابرون على الجراحِ المطرقون على الحياء | |
أنستهُم الأيام ما ضحك الحياة وما البكاء | أزرت بدنياهم ولم تترك لهم فيها رجاء | |
تتساءلين وكيف أدري ما يرون على البقاء؟ | امضي لشأنكِ، اسكتي، أنا واحد من هؤلاء |
عمر أبو ريشة:
ربِّ ضاقت ملاعبي أنا عمر مخضب | في الدروب المقيدة وأمانٍ مشردة | |
ونشيد خنقت في ربِّ ما زلت ضارباً | كبريائي تنهده من زماني تمرده | |
صغر اليأس لن يرى | بين عيني مقصده | |
بسماتي سخية | وجراحي مضمدة |
عمر أبو ريشة:
قفي قدمي! إنّ هذا المكان | يغيبُ به المرءُ عن حسّهِ | |
رمالٌ وأنقاضُ صرح هوت | أعاليهِ تبحثُ عن أُسهِ | |
أقلبُ طرفي بهِ ذاهلاً | وأسألُ يومي عن أمسهِ | |
أكانت تسيل عليه الحياة | وتغفو الجفون عن أُنسهِ | |
وتشدو البلابلُ في سعده | وتجري المقاديرُ في نحسهِ | |
أأستنطقُ الصخر عن ناحيته | وأستنهضُ الميت في رمسه؟ | |
حوافرُ خيل الزمان المُشّت | تكادُ تُحدّثُ عن بؤسهِ |
فما يرضع الشوكُ من صدرهِ
ولا يغيبُ البومُ في رأسه
وتلك العناكبُ مذعورةٌ | تريدُ التفلت من حبسهِ | |
لقد تعبت منه كفّ الدماء | وباتت تخاف أذى لمسهِ | |
هنا ينفضُ الوهمُ أشباحهُ | وينتحرُ الموت في يأسهِ |
عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
أصبح السفحُ ملعباً للنسور | فاغضبي يا ذرى الجبالِ وثوري | |
إنَّ للِجرحِ صيحةً فابعثيها | في سماعِ الدّنى فحيحَ سعير | |
واطرحي الكبرياءَ شِلواً مُدّمىً | تحت أقدامِ دهركِ السِكير | |
لملمي يا ذرى الجبالِ بقايا الن | سرْ،وارمي بها صدورَ العصور |
عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
إنه لم يعد يكحِّل جفنَ الن | جمْ تيهاً بريشهِ المنثور | |
هجرَ الوكرَ ذاهلاً وعلى عي | نهِ شيءٌ من الوداعِ الأخير | |
تاركاً خلفهُ مواكبَ سُحبٍ | تتهاوى من أفقها المسحور | |
كم أكبت عليه وهي تندّي | فوقه قبلة الضحى المخمور |
عمر أبو ريشة في قصيدة النسر:
هبط السفحَ طاوياً من جناحي | هِ على كل مطمح مقبور | |
فتبارت عصائبُ الطير ما بي | ن شَرودٍ من الأذى ونفور | |
لا تطيري جوّابة السفح فالنس | رُ،إذا ما ضرته لم تطيري |
عمر أبو ريشة:
يا لذكرى تلفت المجدُ ما بين يوم هزّ البدوي معوله الصلد | يديها إلى ربيع زمانهْ وأهوى على أوثانه | |
والمروءات وهج جبهته السم | راء والأمنياتُ فيضُ بنانهْ | |
فإذا الشرقُ للعروبة طود | تتشّظى النجوم فوق رعانه | |
ما انتهى ارثنا الرفيع ولا سكت | طيوف النبي عن قرآنهْ |
عمر أبو ريشة:
فَولّتْ أمانيَّ العِذاب تلاشياً | كما يتلاشى الثلجُ في قبلة الشمسِ | |
وضاقتْ بي الدنيا فهمتُ طريدةً | أفتشُ عن سعدي فيلطمني نحسي | |
فما لاحَ لي إلا دمٌ متلاطِمٌ | ففي لُجّهِ أغدو وفي لُجّهِ أمسي | |
أرى عندَهُ للثأرِ من فتكةِ الورى | مناهلُ تنسي ما أجرعُ من بؤسي |
عمر أبو ريشة:
فَرُبَّ فتىً ما دنسَّ الخِزيُ قلبه تمطّيتُ لاستغوائهِ فتثاءبتْ | نصبتُ له سهمَ الإساءة في القوسِ بعينيَّ أفواهُ الدعارةِ والرّجسِ | |
إذا أنَّ هزّتْ رعشةُ الأنس أضلعي | وأفرحني أن لاح في صفرةِ الورسِ | |
فصرتُ إذا ما اشتدَّ دائي تركتهُ | لِيُعدي وإن أبصرتُ من خلفهِ رمسِ | |
كما النحلةُ الغضبى لدى وخز خصمها | تموتُ،ولكن وهي مرتاحةُ النفسِ |
عمر أبو ريشة:
معاذ خلال الكبر ما كنت حاقدا فكم جبل يغفو على النجمِ خدّه | ولا غاضباً إن عابَ مسراي عاتب وأذيالهُ للسائمات ملاعب | |
نظرتُ إلى الدنيا فلم ألف عندها | كبيراً أداري أو صغيراً أعاتبُ | |
وما هانَ لي في موقف العز موقفٌ | ولا لانَ لي في جانبِ الحقّ جانبُ | |
فيا غربة الأحرارِ ما أطول السرى | وملءُ غيابات الدروب غياهب |
عمر أبو ريشة:
رفيقتي لا تخبري “إخوتي“ | كيف الردى ،كيف عليّ اعتدى | |
إن يسألوا عني وقد راعهم | أن أبصروا هيكلي الموصدا | |
لا تقلقي لا تطرقي خشعة | لا تسمحي للحزن أن يولدا | |
قولي لهم سافر قولي لهم | إن له في كوكب موعدا |
عمر أبو ريشة:
هي والدنيا وما بينهما | غُصصي الحرّى وأهوائي العنيدة | |
رحلة للشوق لم أبلغ بها | ما أرتني من فراديس بعيدة | |
طال دربي وانتهى زادي له | ومضى عمري على ظهر قصيدة |
عمر أبو ريشة:
عشت حراً بلغت جنة دنياي | وجفني بنورها اكتحلا | |
إنها نعمة أقطع فيها | العمر مستغفراً ومبتهلا | |
أعفُ عني يا ربّ بذل همومي | فلقد عشت مرّة رجلا |
عمر أبو ريشة:
في رثاء إبراهيم هنانو:
هنانو أيّ صاعقة أقضّتْ | على صرحِ من العليا مشيد | |
ألا انظر صحبكَ الغرّ الدواهي | يشدون الأكفّ على الكبود | |
يعزّ عليك مرآهم جميعاً | وقد أجروا الدموع على الخدودِ | |
صريع الموت هل أبقيت سهماً | ولم تقذفه بالعزمِ السديد | |
وفيكَ بطولة الأجيال تدوي | مناضلة عن المجد التليد | |
فنمْ في راحة واعذر بياناً | كباقي زحمة الألم الشديد | |
لئن خذل القصيد لسان حزني | فإنّ بدمعتي بيت القصيد |
عمر أبو ريشة في رثاء إبراهيم هنانو
وغفت هذه المرابع حتى
أيقظتها صيحات ليث هصورُ
فاشرأبت فلاحَ هنانو
فوق مهر ممرّد التضمير
عرفت فيه طارقاً في جبال
الألب يمشي بالجحفل المنصور
وفتى المجد خالداً يلقم
اليرموك أشلاء خصمه الدحور
فرنت ترقبُ الهمام وللآمال
خفق مسعّر في الصدور
قل لمن يعشق الحياة مع الذلّ
ويخشى مروق عمر قصير
النواعير تنفث الضجر القاتل
ما بين دمعها والزفير
سئمت عمرها الطويل فما
تندب إلا خلودها في الدهور
عمر أبو ريشة:
هذي الربى كم ضاق في فضاؤها | مالي على جنباتها أتعثر | |
شبَّ الحصى فيها ودون زحامه وملاعبي ومجر أذيالي بها | درب يغيبُ وآخر يتكّسر بعدت فما ترقى إليها الأنسر | |
وأرى الشتاء تطاولت أيامه كم زارني وكشفت عن صدري له | وازداد عسفاً قلبهُ المتحجر فأقام لا يزهو ولا يتكبر | |
ما زلت أذكر كيف كان لهاثه | من دفء أضلاعي يذوب ويقطر | |
وأتيتُ مرآتي وعطري في يدي | فبصرتُ مالا كنت فيها أبصر | |
فخفضتُ طرفي ذاهلاً متوجعاً | ونفرتُ منها غاضباً أستنكر | |
خانت عهود مودّتي فتغيّرت | ما كنتُ أحسبُ أنها تتغيّر |
عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
حثثت خطاي الحمر عن هيكل القدس | وفي حمأة الأرجاس كفرت عن رجسي | |
وما استعذبت نفسي الشقاء وإنما | وجدتُ عزاء النفس أقتل للنفس | |
دعوني أعبّ السمّ من أكؤس الملا | وأقضي على تلك البقية من حسي | |
كفاني نفضت الكفَّ من يانع المنى | وبعت صباي الغضّ بالثمن البخس!! | |
وما من ضحايا النار،حسناء كاعب | عليها جلال الحسن في العري واللبس | |
تمشت ونفحات المحاجر حولها | ومن خلفها الكهان خافتة الجرس | |
ولما ذكت في المذبح النار تمتمت | مصليّة والضرس يقرع بالضرس | |
وزجّت بها عريانة فتفجرت | جراح وقطرات الدما صبغة النفي | |
وفي كل جرح فوهة من جهنم | تولول كالريح المؤججة البأس | |
بأهلك مني عند فض مآزري | على المذبح الشهوات للمصبح الممسي! | |
يؤرقني الماضي فأنشر طرسه | وألسنة الآلام تقرأ في الطرس | |
وأهجس والأشباح تعتام ناظري | فيرتد إشفاقاً فأقصر من هجسي | |
وأزجر دمعي أن يثور وزفرتي | فلا دمعتي تسلي،ولا زفرتي تُنسي | |
تغرُّ ابتساماتي عيون أخي الهوى | وخلف ابتساماتي جراح من البؤسِ | |
طلعت على الأيام والطهر حارسي | يحيك على عطفيَّ جلبابه الفدسي | |
تشيعني الأبصار أين توجهت | خطاي فأمشي مشية الرجل النكسِ | |
وضج بأعطافي الغرور فلم ألن | لصرخة ولهان تَمخضُ باليأسِ | |
كنرجسة في الحقل تلثم ساقها | ثغور من الأزهار طيبة الغرس | |
ولكنها…والكبرياء تهزها | أبت أن ترى في غيرها رفعة الجنس | |
حنت رأسها كيما تقبل ظلها | غروراً فماتت وهي محنيّة الرأسِ | |
ولما رأيت الفقر أزبد فكه | وكشر عن أنياب طلس | |
صحوت فلم أبصر حواليَّ راحما | يخفف من بؤسي ويطرد من تعسي | |
وألقتني الأقدار في كفّ أرعن | كما قبضت كفّ البخيل على الفلسِ |
عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
يبثُّ لي النجوى فيطربني بها | فأبني من الآمالِ أساً على أسِ | |
فكنت كشاة ألفت العيش زاهراً | تروحُ على أنس وتغدو على أنسِ | |
يهشّ لها الراعي فترقص حوله | فيلقمها الأعشاب بالأنمل الخمس | |
يسمنها..للذبح وهي تظنه | رحيماً يقيها صكة الناب والضرسِ | |
فولّت أمانيَّ العذابُ تلاشياً | كما يتلاشى الثلج من قُبلة الشمس | |
وضاقت بي الدنيا فهمتُ طريدة | أفتشُ عن سعدي فيلطمني نحسي | |
فما لاح لي إلا دم متلاطم | ففي لجّه أغدو وفي لجّه أُمسي | |
أرى عنده للانتقام من الورى | مناهل تُنسي ما أجرّعُ من بؤسِ | |
فرُبّ فتى ما دنّس الخزي قلبه | نصبتُ له سهم الإساءة في القوسِ | |
تمطيت لاستغوائه فتثاءبت | بعينيّ أفواه الدعارة والرجس! |
عمر أبو ريشة في قصيدة “
شقية”
الرسالة العدد 191:
وما خفَّ للذات حتى تركته | يصارع داءً قد تحفّز للغرسِ | |
إذا أنَّ هزت رعشة الأنس أضلعي | وأفرحني إن لاح في صفرة الورسِ | |
فصرت إذا ما اشتدَّ دائي تركته | ليعدي وإن أبصرت من خلفه رمسي | |
كما النحلة الغضبى لدى وخز خصمها | تموت..ولكن وهي مرتاحة النفس!! |
عمر أبو ريشة في رثاء عبد الرحمن الشهبندر:
هل بمغناك بعد طول السفار بنت قاسيون أيّ جرح أواسي | أثر من قوافل الأحرار في هواكِ وأيّ جرح أداري | |
بنت قاسيون…أنت …أنت | ستبقين على الدهرِ قبلة الأنظار | |
ضمّدي ضمّدي الجراحَ وسيري | سيرَ لا خائفٍ ولا خوّارِ | |
لن تموتي فكاهل الأرض لا | يقوى على حملِ نعشكِ الجبّارِ |
قد ترفُّ الحياة بعد ذبول
ويلينُ الزمان بعد جفاء
أتلقاك وطرفي مُطرقٌ | خجلاً من أمسك المُنصرمِ | |
ويكادُ الدمعُ يهمي عابثاً | ببقايا كبرياء الألم |
هانت الخيلُ على فرسانه
وانطوت تلك السيوف القُطّعُ
ما أحزن الورد لم يعرف له عبق | وأضيع الغصن لم يقطف له ثمر | |
لا تسأليني ما ترجوه أغنيتي | بعض الطيورِ تغني وهي تحتضر |
هؤلاء الصِّيد قومي فانتسبْ
إن تجد أكرمَ من قومي رجالا
حَثثتُ خُطايَ الحمر عن هيكلِ القدسِ | وفي حمأةِ الأرجاسِ كفّرتُ عن رِجسي | |
وما استعذبتْ نفسي الشقاءَ وإنما | وجدتُ عزاءَ النفسِ أقتلَ للنفسِ |
ما أرخصَ المجد
…
إذا زارني
ولم يكن لي معه موعد
عفواً،بشارةُ،بعضُ البوحِ ضقتُ به | فسالَ فوقَ فمي،حرَّانَ يستعِرُ | |
خنقتُ بالدمعة الخرساءِ أكثرَهُ | وأقتلُ الدمعِ ما لا يلمحُ البصرُ |
إنَّ عيناً ترى الصواَبَ وتُغضي
لَهيَ عينٌ مطروفةٌ عمياء
تعال نسرحْ إلى أدنى ملاعبها | فقد تحنُّ إلى مرآتها الصُّورُ | |
وما عليكَ إذا ما الزورةُ اختُصرت | بعضُ الربيعِ ببعضِ العطرِ يُختصَرُ |
وأنتَ تكتمُ عنهم ما تُكابده
تموتُ وهي أقدامها الشجرُ
وما المواثيقُ إن فاهَ القويُّ بها | ونصَّبَ الختْلَ في أقداسها حَكَما | |
ما كانَ أغناهُ عن تزويرِ غايتهِ | من يحملُ السيفَ لا يبري به قلما |
شَرَفُ الوثبةِ أن تُرضي العُلا
غَلبَ الواثبُ أم لمْ يَغلبِ
شهد الله ما انتقدتك إلا | طمعاً أن أراكَ فوق انتقادي | |
وكفى المرء رفعة أن يُعادى | في ميادين مجده ويُعادي |
الفجاءات كم تزلزل عزماً
وتردُّ الرشيدَ غير رشيد
إنها النفسُ لا تبدل طبعاً | ألفتهُ فكيفَ نفس الحقود | |
ومن الصعبِ أن يُشاهد أعمى | قبسَ الحقِّ في الليالي السود |
قد ترفُّ الحياة بعد ذبولٍ
ويلينُ الزمان بعد جفاءِ
حلم ولّى ولم يُجرح به | شرف المسعى ونبُ المطلبِ |
يا صديقي ،هذى خطاك على دربي
وهذا صداك في آذاني
غبت عني إلا خيالاً حبيباً
للتأسي وليس للسلوانِ
عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
أيُّ قبرٍ وقفتُ أرنو إليهِ | والأسى مالِكٌ عليَّ قيادي | |
لم يزلْ تُربُهُ يرِفُّ ندياً | بينَ شتّى كمائمِ الأورادِ |
إنَّ سعداً هنا،فيا مقلة العزِّ | أفيقي على صلاةِ الحدادِ | |
وانظري عِليةَ الرجالِ يشُدُّونَ | بأيديهم على الأكبادِ | |
ما تبقّى من أمسهِ غيرُ طيفٍ | رائحٍ في رؤى الحياةِ وغادِ | |
وغداً تهدأ الشجونُ ويخبو | لاعجُ الشّوقِ في الضلوعِ الصوادي | |
وتمُرُّ الأجيالُ سائلةً من كانَ | سعدٌ ومالَهُ من أيادي | |
من تُراهُ بينَ الملوكِ وبينَ | الفاتحينَ الغُزاةِ والقُوّادِ | |
أيها السائلونَ كم زُيِّفَ الدرُّ | وأمسى قلائدَ الأجيادِ | |
كم قبورٍ تنفَّسَ الطِيبُ منها | ما حدا باسمها على الدهرِ حادي | |
رُبَّ ثاوٍ وراءَها كان في | قافلةِ الحقِّ خيرَ ساعٍ وفادِ | |
حملَ الجرحَ صامتاً مُطمئناً | وأتى ربَّهُ على ميعادِ | |
ودمُ المؤمنينَ ما ضاعَ عند الله أجراً | إن ضاعَ عند العبادِ | |
هكذا افتضَّ آية العُمرِ سعدٌ | وطواها مع الأماني البِدادِ | |
تلكَ أيامهُ الخضيبة بالأرزاء | كانت عرائسُ الأعيادِ |
عمر أبو ريشة في إبراهيم هنانو:
هنانو،أيّ صاعقة أقضّتْ
على صرح من العلياء مُشيّد؟
هنانو، أيّ سيف أغمدته
يدُ الأقدار في غمدِ الخلودِ
ألا انظر صحبك الغرّ الدواهي
يشدون الأكفّ على الكبود
عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
قارعَ البغيَ وهو أعزلُ إلا | من سلاحينِ:نخوةٍ واعتدادِ | |
سعدُ يا سعدُ إنّهُ لنداءٌ | من حنينٍ فهل عرفت المُنادي؟ | |
رُبّما غابَ عن خيالكَ طيفي | بعد طولِ الجفا وطولِ البعادِ | |
أذهلتني عنكَ انتفاضةُ روحي | في سماءٍ علويّةِ الأمدادِ | |
فترنّحتُ أحسبُ السُّحبَ تهوي | تحتَ مهدي والنّجمَ فوقَ وسادي | |
أنا يا سعدُ ما طويتُ على اللؤمِ جنا | حي ولا جرحتُ اعتقادي | |
شهِدَ اللهُ ما انتقدتُكَ إلا | طمعاً أن أراكَ فوقَ انتقادي | |
وكفى المرءُ رفعةً أن يُعادى | في ميادينِ مجدهِ ويُعادي |
عمر أبو ريشة يرثي سعد الله الجابري:
هيكلَ الخُلدِ لا عدتكَ العوادي | أنتَ إرثُ الأمجادِ للأمجادِ | |
بورِكتْ في هواكَ كلُّ صلاةٍ | صعدّتها حناجرُ العُبّادِ | |
منكَ هبّتْ سُمرُ الرجالِ وأدمتْ | حاجبَ الشّمسِ بالقنا الميّادِ | |
والمروءاتُ كلَّ ما حملتها البيدُ | في طولِ سيرها من زادِ | |
هتفتْ بالجهادِ حتى تشظّى | كلُّ تاجٍ على صخورِ الجهادِ | |
وإليكَ انتهى مطافُ عُلاها | دافقَ الخيرِ مُشرقَ الإسعادِ | |
فتلمسْ إرجاءَكَ الزُّهرُ تلمحْ | كلَّ قبرٍ بها،منارَ المَعادِ | |
هيكلَ الخلدِ جئتُ أسكبُ نجواكَ | رؤىً في محاجرِ الآبادِ | |
في محاريبكَ الوضيئةِ تغفو | كبرياءُ الآباءِ والأجدادِ |
يا صديقي ،هذى خطاك على دربي
وهذا صداك في آذاني
غبت عني إلا خيالاً حبيباً
للتأسي وليس للسلوانِ
عمر أبو ريشة بعد مجزرة حماة:
العاجز المقهور أقتلُ حيلةً | وأذلّ منطلقاً،وأنذلُ مقصدا | |
نشرَ الخسيسُ من السلاح أمامه | واختارَ منهُ أخسهُ،وتقلّدا | |
وحبا إلى حرم الرجال،ولم يذُق | من قدسِ خمرتهم ولكن عربدا | |
وافتنَّ في تزييف ما هتفوا به | وارتدَّ بالقيمِ الغوالي منشدا |
عمر أبو ريشة بعد مجزرة حماة:
البغيُّ أروع ما يكون مظفراً | إن سُلَّ باسمِ المكرماتِ مهنّدا | |
لا يخدعنّك دمعهُ وانظر إلى | ما سالَ فوق أكفّه، وتجمّدا | |
لم تشربِ الحُمّى دماءَ صريعها | إلا وتكسو وجنتيهِ توردا | |
وأزاحت الأيامُ عنهُ نقابهُ | فأطلّ مسخاً بالضلالِ مُزودا | |
تركَ الحصونَ إلى العِدى متعثراً | بفراره،وأتى الحِمى مستأسدا | |
سكينهُ في شدقه ولعابُهُ | يجري على ذكر الفريسة مُزبدا | |
ما كان هولاكو ولا أشباههُ | بأضلَّ أفئدةً وأقسى كبدا | |
هذي حماة عروسة الوادي على | كِبر الحداد،تُجيل طرفاً أرمدا | |
هذا صلاح الدين يُخفي جرحهُ | عنها،ويسأل:كيفَ جُرح أبي الفدا؟ | |
سروات دنيا الفتح هانت عندهُ | وأصابَ منها ما أقامَ وأقعدا | |
ما عفَّ عن قذف المعابد باللظى | فتناثرت رمماً،وأجّت موقدا |
خير الدين الزركلي في رثاء سليم الجندي ومحمد البزم:
لِمّن خلّفتما الميدان | فقيديْ لغة القرآنْ | |
لمن خلفتما الميدا | نَ،والميدانُ للفرسان | |
يحَوِّمُ بعد يومكما | حَميُّ الأنفِ في الأقران | |
ويدعو الندَّ من قيس | يباريه ومن غسان | |
وتفتقد النهى من كا | ن للحجة والبرهان | |
لواؤكما على الفصحى | وحكمكما هو الميزان | |
توارت أيكة الوادي | وغارت نبعة البستان | |
وضلّ سبيلَه الحادي | وأسلم للدجى الركبان | |
وناحَ وأعولَ الشادي | وحطم كأسه النشوان | |
ودالت دولة النادي | فلا عرش ولا سلطان | |
هل “الجندي“و“البزم” انط | وى علماهما الصنوان؟ | |
أبالسهمين تُرمى مه | جة،ويصيبها السهمان؟ | |
وهل يلتئم الجرحا | ن والجرحان قتالان! | |
صريعا حومة الأقدا | ر شبّا للأسى نيران | |
رثيتُ“سليمها“و“محمداً“ | وانهلّت العينان | |
مضى “أدب“المبرّد” وانقض | ى“نحو“أبي حيان | |
بكيت أبا العلاء بأو | لٍ،والشنفرى في الثانِ | |
وأخلاقاً صفت، كالتب | رِ واللؤلؤ والمرجان | |
ووروداً كان عذب الور | د للمرتشف الظمآن | |
ذكرتُ دمشق،والأيا | مُ ضاف ظلها فينان | |
وأرديةُ الصبا جدد | وأحلام الهوى ألوان | |
ليالي الأنس بالأخدا | نِقبل تفرّق الأخدان | |
على بردى وربوته | وحول تلاطم الغدران |
خير الدين الزركلي في رثاء سليم الجندي ومحمد البزم:
وبين خمائل النسر | ين والزنبق والريحان | |
وأنديةُ البيان الحرّ | قائمة على أركان | |
منابرها مزاجرها | لمن يطغى ،عن الطغيان | |
هوى بمعلّمي جيلٍ | هوى الأرزاء والحِدثان | |
وطاحَ بتاجي الإبدا | عِ في الإفصاحِ والتبيان | |
نعى قيصراً الناعي | وثنى بأنوشروان | |
عمادا أدبٍ ضخم | رفيع راسخ البنيان | |
شهابا فلك غابا | معاً،في حلك الأزمان | |
صراعٌ منذ كان النا | سُ،بينَ الفقدِ والوجدان | |
يعلله بنو الإنسا | نِ،ما أغبى بني الإنسان |
خير الدين الزركلي:
إرادة تستذل العصم ماضية | وعزمة تصدع الأطواد توهينا | |
وللعظائم ما ترضى فإن وهنت | خابت وإن تمض آبت في المجلينا | |
كلُّ امرىء طامح للمجدِ يطلبهُ | لولا العظائم ما خاب المرجونا |
لا يستنيمُ على الضغينة معشرٌ
حبلُ الخصومةِ بينهم موصولُ
نذروا دمي حنقاً علي وفاتهم | أنَّ الشقيّ بما لقيتُ سعيدُ | |
اللهُ شاءَ لي الحياة وحاولوا | ما لم يشأ ولحكمه التأييدُ |
وما الموتُ إلا سبات عميق
ففيم البكاء على الهاجع
من كانَ يؤمن إيماناً بدعوته | أجابه الفلك الدوار آمينا | |
ومن إذا خلصت للمجد هِمّتهُ | أصاب نجماً على الأيام مضمونا |
خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
أرى سنة تمضي وعاماً بنا يجري | يضيقُ من آجالنا فسحة العمرِ | |
ودنا على هذا الوجود أجنةٌ | تسير بنا الأيامُ في السهل والوعرِ | |
فيوم على صفو نؤمل عودَهُ | وآخرُ في البأساءِ عدَّ من الدّهرِ | |
لنا أملق في كلِّ عام مجدد | ترجي به صفو الحياة وما ندري |
خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
ولولا أملُ الفتى ورجاؤه | لأيقنَ أن العيشَ ضرب من الأسر | |
مضى عامنا الأدنى بذنب فعله | يجىء الذي يتلو المغادر بالغدر | |
سلكنا به ظلماء حالكة الدُّجى | فلما انقضى حانت لنا رقبة الفجر | |
ألا أيها العام الذي كنا منه | على الكون شؤبوباً من الدم لا القطر |
خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
تحجب فيه الغيث حتى إذا انجلى | لنا الامر كان الغيث من دمنا يجري | |
أفاضَ علينا في النعيم ابتداؤه | وجادت بني الغبراء عقباه بالشرِّ | |
لقد هاجني من جانبِ الشرق صائح | ينوح وباك حيث مستتر البدر | |
وكنا نرجي السّلم لولا مطامع | من بعض أدوات للضغينة و…. |
خير الدين الزركلي
متى تبسمُ لي، يا زمان
!
ألا حنان؟
أسلمتني، لا أُنسَ لي، لا أمان
!
للحدثان
!
عيناي ـ امّا تبرحا ـ تجريان
نضّاختان
!
أبكي ربوعاً لا تُطيقُ الهوان
رهن امتهان
أبكي دياراً خلقت للجمال
أبهى مثال
أبكي تراث العز والعزّ غال
صعب المنال
أبكي نفوساً قعدت بالرجال
عن النضال
أبكي جلالَ الملكِ كيف استحال
إلى خيال
ما لِرحابي،وجنان الرحابِ
آضت يباب
!
ما لبنيها ،كلهم في اكتئاب
أسرى عذاب
أين أُولو طعانها والضِراب
أين الحراب
!
ما بال شِيب عُربها والشباب
غيرَ غضاب
!
ضاعت بلادي،يا زمانَ الصغار
والإندثار
الناسُ يبنون،وما في الديار
غيرُ الدمار
أما ترى الغربَ تعلّى وطار
فوق البحار
وأمتي هاويةٌ،في انحدار
بئس القرار
أين بنو هاشمٍ الأوّلون
أينَ البنون؟
أين بنو أميّة،الفاتحون
ينتقمون
أين بنو العباس،أهل الفنون
يحتكمون
أين بنو فاطمة الغابرون؟
هل يُبعثون؟
يا زمنَ الشؤمٍ،سقيتَ الشآم
كأسَ حِمام
القبلتان،اشتكتا،والمقام
ممّا نُسام
إلى متى نبقى أُسارى انقسام
ونُستضام
!
مصرُ تُناجيكَ، ودارُ السلام
:
مُلّ المُقام
خير الدين الزركلي(
المقتبس العدد90
ـ بتاريخ الأول من تموز عام 1914):
كوامن أحقاد أثيرت فهيّجت | نفوساً لطلاب القديم من الثأر | |
فغودرت الأقطار بعد ازدهارها | خرائب والبلدان أوحش من قفر | |
فيا أيها الحول الذي هلَّ شهره | يُعلّل منا النفس بالصفو والبشر | |
لعلك حول الحول والقوة التي | تطأ من كبر العتاة ذمي الكبر |
تفرز مهضوماً وتجلي غضاضة
وتمحو عن الأقدام سطراً من الضرِّ
يحيى بك العلم الملم بأهله
وأسفاره خوف المذلة والفقر
ينالُ بك العلياء من يستحقها
وتشرق شمس السلم باسمة الثغر
سيسكن جأش الكون بعد اضطرابه
ويرفل بالنعماء حيناً من الدهرِ
دموعُ من،تلك التي تذرف؟ | وقلب من هذا؟الذي يُوجفُ | |
إن كان إنساناً فهلّا صغى | إليه من يرحم أو يرأفُ | |
أم ليس في الناسِ لمستنصفِ | من ناصرٍ يعطفُ أو يُنصفُ |
في الغابرين لمن يتلوهم عبرٌ
وربما سبق الخالين تالونا
وإن تأبوا فإنَّ السيف يُنصفنا | والسيفُ يبلغُ ما لا يبلغُ القلم | |
إن لم يكن في حياة المرءِ من شرف | فإنها بالردى قد تشرف الرمم | |
من حاول الأمر لم يسبر عواقبه | أصابَ من لطخات العارِ ما يصم |
واشحذ غرارَك لا يعلق به صدأ
فإن يَجُرْ حكم فالصارمُ الحكمْ
تأبى الجماعةُ أن تهونَ لغاصب | والفردُ موقوفٌ على الاٌقدارِ | |
وإذا العرى انفصمت تولّى أهلها | ضيم المغير بخطبه الكبار |
ما تنفعُ الحججَ الضعيفَ وإنّما
حقُّ القوي مُعزز معضود
من خالَ أن المجد يدرك هيّناً | فلينتظر بعد الهوان هوانا | |
ما شاد ملكاً أو أعزَّ قبيلة | من آثرَ الإخلاد والإذعانا |
وإذا الظلامُ عتا تبلج فجرهُ
ظُلمُ الحوادثِ مطلعُ الأنوار
خير الدين الزركلي:(الرسالة العدد925)
ابنِ مجداً ولو بحدِّ المواضي | ما أرى الدّهرَ عن مهين براضِ | |
وأخو العزم من بيت وكلتا | مقلتيه لم تكتحل باغتماضِ | |
أفلح الخائض الغمار بعيد الغور | رأيا وأخفق المتغاضي |
ليس بالندبِ من إذا مسّهُ
الضيمُ تولّى أو لاذَ بالأرباضِ
إنّما ابن العلاء من ليسَ بالمُحجمِ
عن خصمهِ ولا الركاض
من إذا استلَّ باليمين حساماً
شغل البرق عن سنا الإيماضِ
ما منالُ الحياةِ بالمطلبِ السّهلِ | ولكنني أرى النهجَ وعرا | |
كلُّ عزّ فباطل غير عزّ | شيّدتهُ الظُباةُ وخزاً وهبرا | |
واللبيبُ اللبيبُ من يؤثر المو | ت على ان يعيش في الذل دهرا |
خير الدين الزركلي
لم تُبقِ أيدي الحادثاتِ ولم تذرْ
فعلامَ تضحكُ في سمائكَ يا قمر؟
أرأيتَ تائهةً على أترابها
فتّانةً بسفورها وحجابها
خلابة بدلالها وعتابها
غلّابة بحديثها وخِطابها
ذهبَ الزمانُ بمالها وشبابها
وتفرّدت بأنينها ومصابها
ناجتكَ شاكيةً تصاريفَ القدر
وظللتَ تضحك في سمائك ياقمر
!
خليل مردم بك:
ويل للضعيفِ وأُفٍ للقوي إذا
لم يبق للعدلِ إيراد وإصدارُ
إذا الممالك لم ترفع قواعدها
على الأسنّة فالبنيان منهارُ
مُشرد النوم ما قرّت مضاجعه
وهل تقرّ بموتور وسائده
أعانكَ الله هذا الحلفُ والجار
عليك،لا لك أعوان وأنصارُ
إذا لم تكن أولى الخطا مستقيمةً
فويلٌ لأقدام تضلُّ وتزلقُ
ومن ينزُ في أرض تسوخ فإنّهُ
على قدرِ ما ينزو يغوصُ ويغرقُ
خليل مردم بك:
يا غيرة الله اغضبي لكتابهِ
إنَّ قومهُ لم يبذلوا الأرواحا
الذكريات من التاريخ قد درست
وطارف المجد مؤود وتالده
يا آسي الجرح بادر ضمد سائله
إذا تريثت لم تنجح ضمائده
خليل مردم بك في قصيدة “
أبو الطيب المتنبي”:
خليل مردم بك:
هم حكّموا فإذا التحكيم عندهم | تَحكُّم،وإذا التخيير إجبار | |
لا يستقيم قياس في تناقضها | ولا يصحُّ على ما تمَّ معيارُ | |
إذا المحامي أعان الخصم في تِرة | فليت شعري ممن يُدرك الثأر |
خليل مردم بك:
في رثاء يوسف العظمة بعد ميسلون
اعكفْ على جَدثٍ في عَدوةِ الوادي | بِميسلونَ سقاهُ الرائحُ الغادي | |
وطاطىء الرأسَ إجلالاً لِمرقدِ من | قضى لهُ الله تخليداً بأمجادِ | |
هوى وحُلّتهُ حمراءُ من دمهِ | كالشّمسِ حين هوتْ في ثوبها الجادي | |
في فتيةٍ نفروا للموتِ حين بدا | جماعةَ من زرافاتٍ وآحادِ |
صلى الإله عليهم من مُجندلةٍ
أشلاؤهم بينَ أغوارٍ وأنجادِ
ويا رُبَّ ظمآنٍ رأى في مفازةٍ | على البُعدِ ورداً ماؤهُ يترقرقُ | |
فهبَّ إليه والهواجرُ تلتظي | يجدُّ على الإعياءِ صبراً ويعنقُ | |
فلما دنا ألفى سراباً بقيعةٍ | فكادَ من الإخفاقِ واليأس يَصعقُ | |
ألا أيها الساري على غير منهجٍ إذا لم تكن أولى الخطا مستقيمةً | قعودك إن لم تسلك النهجَ أوفقُ فويلٌ لأقدامٍ تضلُّ وتزلقُ |
يا لابسَ الثوبِ مزّهواً بجدته
انظر فقد علقت في ذيله النار
عساك تزعم أنّ الأمر بتَّ بهِ
من دونِ علمكَ،هلي في ذاك إعذار
خليل مدم بك في رثاء يوسف العظمة:
أيوسفُ والضحايا اليوم كُثُرْ | ليهنكَ كنت أول من بناها | |
زكا نبتُ البلادِ وليسَ بدعاً فديتُكَ قائداً حيّاً وميتاً | زكيات الدما كانت جناها رفعتَ لكلِّ مكرمة صواها | |
غضبت لأمة منها معدّ | فأرضيت العروبة والإلها | |
فيالكَ راقداً نبهّت شعباً | وأيقظتَ النواظرَ من كراها |
ولم أر كالدنيا ولا مثل شأنها
على كلّ حال دار همّ وأحزان
فجعت بنفسي أن تراءت منيّتي
وإن مدَّ بعمري فجعتُ بخلاني
خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
أنا لست أدري كيف أرثي واحدا | أمسى برغم الموتِ حياً خالدا | |
أبقى من الأهرام في آثاره | وأجلّ مأثرة وأبلغ شاهدا | |
دبّ الفناء له فعاد بخيبة | خزيان ينظر مستشيطاً حاقدا | |
ما نالَ منه ولو علاه سكونه | فالبحرُ بحر زاخراً أو راكدا | |
شوقي وهل أرثيه يوم خلوده | فالسيفُ يبغى شاهراً لا غامدا | |
دعني أُشِدْ بالعبقرية إنها | كالشمس إن غربت أرتك فراقدا | |
العبقرية نفحة قدسية | تُحيى الرميم وتستثير الخامدا | |
او شعلة لمعت فجلّت غيهباً | وهدت أخا جور وردّت حائدا | |
تتمخض الأجيال إعصاراً بها | حتى يتيح الغيب منها وافدا | |
كالبحر يندر أن يجود بدّره | وتراهُ بالأصداف يقذف جائدا | |
فإذا أراد الله نهضة أمة | أهدى إليها العبقرية قائدا | |
شوقي وأنت رسالة علوية | مرت على مسمع الزمان نشائدا | |
روح من الله الكريم ورحمة | أحيا بها ميتاً وأيقظ هاجدا | |
رضت القريض على اختلاف فنونه | في كل واد همت كنت الراشدا | |
أما القديم ففزت منه بروعة | وجلوت من آي الجديد مشاهدا | |
فرفعت للفصحى بمصر دولة | كانت تطالع فيك نجماً صاعدا | |
توجت مصر وشدت عرش فخارها | وعقدت في جيد الشآم قلائدا | |
للعرب والإسلام في آلامهم | كنت اللسان مترجماً والساعدا | |
أضحى بيانك جامعاً أهواءَهم | ومن الخمول إلى النباهة رائدا |
خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
ما أقلق الإسلام خطب فادح | إلا نهضت مواسياً أو ذائدا | |
ودعوت للخلق الكريم،وشرُّ ما | أودى بنا قد كان خلقاً فاسدا | |
ما زال فينا من يكيد لقومه | كم ذا نطيق مداجياً أو كائدا؟ | |
كم موقف لك في دمشق وأهلها | قد هزَّ يقظاناً ونبّه راقدا | |
غنيتها لحناً يفيض صبابة | فتمايلت فيها الغصون تواجدا | |
وشركتها في بؤسها ونعيمها | يا من رأى ولداً يشاطر والدا | |
في الجامع الأموي قمت مُكبراً | وذكرت مجد بني أمية ساجدا |
خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
خلفت في الزهراء دمعك جارياً | وتركت في الفيحاء قلبك واجدا | |
واسيت جلّق في عظيم مصابها | ونضحت عنها بالبيان مجاهدا | |
صعدت أنفاساً وجُدت بأدمعٍ | في يوم محنتها فكنَّ قصائدا | |
أشجاك أن تمسي الجنان بها لظى | وتبيت دارات النعيم مراقدا | |
جعلوا منيفات القصور ومن بها | للنار في غلس الظلام حصائدا | |
وأشد من هذا الزبانية الألى | كادوا لها يلقون عيشاً راغدا | |
من كل عبد للطغاة وحزبهم | وتراه شيطاناً علينا ماردا |
خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
كم متعة في عيشها لو أنهم | ما كدروه مصادراً ومواردا | |
هيهات لا تنسى صنيعك إنها | جعلت بلابلها لساناً حامدا | |
والآن دع جفني يبح بشؤونه | فالدمع أثقله كميناً جامدا | |
وذرْ الحزين يبث بعض شكاته | فالصدرُ يحرج بالهموم حواشدا | |
لكن أخاف عليك تبريح الأسى | يوري على جنبيك جمراً واقدا | |
فاربط على قلب وطأمن لوعة | واشدد على كبد وصابر جاهدا | |
يا ناشداً بالأمسِ نوماً شاردا | هلّا نشدت اليوم صبراً نافدا |
خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
خطبان قلب العرب قاسى منهما | جرحاً يسيل دماً وسهماً قاصدا | |
ما جفّ دمعهم لمصرع حافظ | حتى استهلّ بيوم شوقي واردا | |
لم أنس مؤتمر النساء وقد نعي | شوقي فظلّ من التفجع مائدا | |
ريع العقائل،والأوانس أعولت | ونثرن من عبراتهن فرائدا | |
أوجعن لي قلبي وهجن مدامعي | وتركن جفني للفجيعة ساهدا | |
سر الحياة يدقّ عن فهم الورى | حار اللبيب فأطرق سامدا | |
لولا رياض الشعر في صحرائها | كانت حياتك محنة وشدائدا |
خليل مردم بك في قصيدة خلود شوقي:
تدنو بأسباب الحياة إلى الردى | أنّى اتجهت رأيت منه راصدا | |
والمرءُ في دنياه طير ما نجا | من صائد إلا ليلقى صائدا | |
دع عنك تمحيص الحقيقة إنها | تدع الفتى في كلّ شىءٍ زاهدا | |
وانصت إلى وحي الخيال فإنّه | لولاه كان العيش معنى باردا | |
وإذا بكيت على امرىء فابك الذي | ملك البيان طريفه والتالدا |
يفنى الزمان وذكره يتجددُ | آمنتُ أن (ابن الحسين) مخلدُ | |
لم تألف الأيام صحبة غيره | أمس البعيد ويومنا ذا والغدُ | |
الشعر والنفس الأبية والحِجى | جمعت له فعلامَ لا يتفردُ؟ | |
أما الطموح فخل عنك حدوده | من دونه يدنو السهى والفرقدُ | |
وسع الورى ببيانه أفلم يجد | كل امرىء في شعره ما ينشدُ | |
فكأنه فلك تلوح نجومه | للمبصرين وكل بيت مرصدُ | |
أنظر تجد في كل بيت قبة | كالنور في مشكاته يتوقدُ |
خليل مردم بك في قصيدة “
أبو الطيب المتنبي”:
سقياً لبادية الشآم فقد نضت | سيفاً وشبت شعلة لا تخمدُ | |
مدّت له أملاً كرحب فضائها | وورت زمامَ عزيمةٍ لا تصلد | |
طبعته مرآةً يُريكَ صفاؤها | صور النفوسِ عوارياً تتبعد | |
وحي البداوة صادق ما شابه | زور الكلام ولا عراه تزيد | |
بالشيح والقيصوم يعبق شعره | والعنجهية فيهما تتمرد | |
محض(ابن حمدان) هواه لأنه | سيف بوجه المعتدين مجرد | |
يا مالىء الدنيا وشاغل ناسها | الدهر رواية لشعرك منشد | |
ضمن الزمان بقاءه فكأنه | أنفاسه في صدره تترددُ | |
آياته لا تنقضي وعظاته | كالبحر زاخر موجه لا ينفد | |
لله رأيك في السياسة أنه | سهم إلى كبد الصواب مُسدد | |
العرب ما صلحت على يد أعجم | حكم الأعاجم للعروبة مفسدُ | |
أخذوا عليك قساوة ولو أنهم | خبروا النفوس كما خبرت لأيدوا | |
شكواك ما زلنا نعاني مثلها | كفّ مضرجة ووجه أسود | |
ساموه خطة عاجز فأبت له | نفس مشيعة وعزم أبد | |
عرضوا حمايتهم عليه بجزية | أمران ذا نكد وذلك أنكدُ | |
أترى الفتى العربي يعطي جزية | أم كيف يرضى بالحماية سيد | |
يأبى له أنف أشمّ وصفحة | تزورّ من صعر وعنق أصيدُ | |
شرف حماه بنفسه ووحيده | لما هوى وتلا خطاه(محسد) | |
ما ضمه قبر وكيف يضمه | أرأيت حياً في الضرائح يلحد | |
لو نال ما يبغي لكانت دولة | أهدى إلى سبل الصواب وأرشد | |
ولسنّ فيها للأنام سياسة | ما للخديعة والرياء بها يدُ | |
الحق فيها لا يُغالب إنه | بظبى السيوف إذا استبيح مؤيد | |
تأبى التسلط والخنوع فما بها | مستعبد عاتٍ ولامُستعبدُ | |
فالماكرون أذل من أن يمكروا | والمعتدون أقل من أن يعتدوا | |
يا جامعاً شمل العروبة بعد ما | أمسى بأيدي الحادثات يبدّد | |
فأخو العراق بسحره متدمشق | وأخو الشآم بآبه متبغددُ | |
الشعر في كف الزمان دراهم | يرمى ببهرجه ويبقى الجيدُ | |
ذهب(ابن أوس)و(الوليد) بسحره | لكن بمعجزة تفرد(أحمد) | |
خليل مردم بك لعمرو أبيك الخير ما ازددتُ خبرةً بدهري إلا ازددتُ شؤماً على شؤمي يُخيّرني أمرين لا خير فيهما تظلّمُ غيري أو قراراً على الظلمِ شقيتُ وكم تشقي الحقيقة أهلها فمن لي بأن أقضي حياتي بالوهم | ||
شفيق جبري في قصيدة في ظلال كرمة ابن هانىء: | ||
يا كرمة ذويت فيها أمانينا | لا الظل ضاف ولا الأفنان تندينا | |
يا نائح الكرمة الولهى ظلائلها | سقت غصونك أجفان الشجيينا | |
كانت لياليك بيضاً في دجنتها | يرف فيها الهوى ريان مجنونا | |
ما ضاع عمرك إلا في مضاحكه | ولا تمليت إلا الخفض واللينا | |
لاهٍ عن الدهرِ مشغول بناعمة | من الشبيبة في أفياء لاهينا | |
يا عيشة في حمى اللذات فيأها | سكر الهوى والغواني والخليينا | |
ملأت جانبها لعباً وتسلية | خير الليالي التي باتت تسلينا | |
وما الحياة إذا طالت مسافتها | وأنت تدرجها ولهان مشجونا | |
فما أبالي وعين الموت ساهرة | أعشت عشرين أم عشت الثمانينا | |
قم ناج كرمته واسأل منابتها | أما على مصر غريد يُغنينا | |
قد كنت بلبلها في عز نهضتها | وفيتها الحق في رأس المُوفينا | |
جعلت تمثالها شعراً تميس به | أبقى على الدهر من آثار (آمونا) | |
دم الجهاد على عطفيه منسجم | يريك في ثورة النيل الميادينا | |
يخلد النهضة الميمون طالعها | في ظل قوم على الجلّى ميامينا | |
غنيت بالنيل في شجو يباكرنا | على الكنانة أو عيد يُغادينا | |
صغت القوافي له في كل نازلة | محبوكة الوشي من وشي اليمانينا | |
لما نفوك عن الأهرام رقّ لها | واف يناجي ذرى الأهرام محزونا | |
فما سلوت ظلال النيل في بلد | أرخى ظلالته يسرى أمانينا | |
يا ناظم الشرق في شعر يطاف به | على حمى الشرق روحاً أو رياحينا | |
قد كنت تعزية الإسلام في ألم | يشتد حيناً وتطويه الأسا حينا | |
كم نوحة لك في خطب أصيب به | يخف في نغمها جرح المصابينا | |
ما زلت تدفع عنه كل عادية | حتى تمزق لا دنيا ولا دينا | |
مستعبد في ربوع كان سيدها | ومستضام بأيدي الأجنبيينا | |
في كل ناحية عسف يهدمها | تكاد تطفح بالشكوى نواحينا | |
أين الخلافة في الإسلام مشرقة | تلقي على هامة الدنيا التحاسينا | |
مشت لها الأرض وانقادت لطوعتها | فما ترى فوقها إلا مذاعينا | |
يا صرخة في شتات الترك صادقة | تكاد تسمع في الترب السلاطينا | |
بكيتهم في مصاب هدّ جانبهم | على أدرنة يضنيهم ويُضنينا | |
تلك المناكر ما زالت فظاعتها | ملء الخواطر والأنظار تدمينا | |
وصفت آثارها في أخت أندلس | وصفاً يهجن أهل الغرب تهجينا | |
بينا نراهم على سلم ملائكة | نلقى الرجال على حرب شياطينا | |
أضحت حضارتهم غشاً ومكذبة | فعل الذئاب وأقوال النبيينا | |
ما زلت أحسن ظناً بالذي زعموا | حتى أسات بدعواهم أظانينا | |
هذي الظواهر لم تصدق بواطنها | أمست على الدهر سراً في عوادينا | |
يا ويح قلبك لم تهدأ جوانبه | عن عبد شمس ولم تهدأ جوانينا | |
أملت عليك بقاياهم بأندلس | مخلدات القوافي في أمالينا | |
بنوا وهدمت الأيام بنيتهم | وكم بناة لهدم ما يبنونا | |
ملك شتيت وتيجان مبعثرة | لم يبق من عزها إلا تأذينا | |
شفتك منهم قصور فنها عجب | يكدن بعد انحدار الملك يهوينا | |
كانت لنا في خوالي الدهر تهنئة | فأصبحت في بواقيه تعازينا | |
لمست فيها عظات الدهر دارجة | على بقايا رسوم من أمانينا | |
مشت عليها الليالي في شدائدها | فبدلت عزها الوضاح تهوينا | |
فلا القصور قصور إن نزلت بها | ولا الملوك إذا ناديت واعونا | |
حلم مرحنا به حيناً وتمنية | ظلت على زحمة الأحقاب تشجينا | |
يا وقفة في ظلال الطلح تسألها | نشجى لواديك أم نأسى لوادينا |
لا تزدردِ الليثَ الحبيسَ فرُبما
عادت وقد شهد الوغى وثباته
شفيق جبري
ناجيت نائحها نجوى هززت بها | تلك الرياحين حتى كدن يبكينا | |
فأين في الطلح تيجان تظلله | وأين فيه سلاطين يحامونا | |
بعثت فينا هوى الماضي وروعته | والنفس تهتز من روعات ماضينا | |
تكاد تلمس جنبيه أناملنا | إذا وصفت فتدنيه وتدنينا | |
على نشيدك من تخليده صور | زهت حضارتنا فيها أفانينا | |
في كل ناطقة فن يفرحنا | وكل هامة سحر يبكيا | |
صحائف خلدوا فيها مناقبهم | فهل ترى بعدها إلا عناوينا | |
كنا معاني في الأحقاب لامعة | مضت وما بقيت إلا أسامينا | |
يا دمعة لك في الفيحاء هيجها | ملك لمروان مغصوب يناجينا | |
غنيت بالملك والتيجان هاوية | حتى لمسنا مهاوينا بأيدينا | |
فأين مسجدك المحزون تسأله | هل قام مروان في حشد المصلينا | |
وأين من عبد شمس سادة درجوا | عالين كالشمس لا عاباً ولا هونا | |
هجت العروبة في أفياء غوطتنا | حتى حنونا عليها عبشميينا | |
بعثتها في الحمى من بعد هدأتها | حيناً من الدهر نطويه ويطوينا | |
نامت خواطرنا عنها فأيقظها | سحر القوافي فجاشت في أغانينا | |
من بعد ما ذهبت عنا خيالتها | حنت إلينا خيالات تناغينا | |
ذكرى أمية لم تبرح حواضرنا | لما بكيت ولم توحش بوادينا | |
ناجيت جلق في وحي تردده | على اعتلاج الأذى فيها مغانينا | |
على بيانك وشي من خمائلنا | وفي قوافيك طيب من روابينا | |
لم تنس نكبتها والله حارسها | لما صبغنا ثراها من أضاحينا | |
هبت تحيتك الريا تموج بها | صبا الأصائل في ريان نادينا | |
فضج كل أبي من شكائمنا | وثار كل كريم من تغاضينا | |
غمزتها غمزة هزت جوانبها | فانصاع في غفية الأجفان غافينا | |
قصائد بدم الأحرار مائجة | من وحي جلق نعليها وتعلينا | |
مغموسة من الثورة الحمراء أمثلة | تمثلت في مجاليها معالينا | |
تلكم أمية كرمنا منازلها | فلن ترانا عليها مستذلينا | |
يا بنت فرعون والأشجان مائجة | هلا صبرت وبعض الصبر يسلينا | |
لو كان يشفي رثاء في ملمتنا | صغنا الجوانح شعراً في مراثينا | |
يكفي النعي خلود في قلائده | هذا الرثاء الذي أعيا قوافينا | |
فنم على الدهر شوقي في هواجسنا | مورف الظل لا نامت ليالينا | |
العبقريات في الدنيا مخلدة | ومن يسد سبيل العبقريينا | |
ما كان خطبك إلا أمة درجت | وقد يعادل شعر أمة فينا | |
هذي أمية لم تهدأ وساوسنا | على دمشق ولم تنشف مآقينا |
لو يسكر الدهر من ذكراكِ يا حلبُ
لكان للدهر منكِ الخمرُ والعنبُ
هذا دويُّكِ والدنيا تردّده
تكاد تهتزُّ من أهوالهِ الحِقبُ
ما كانَ أمسكِ إلا أمس ملحمةٍ
غنّى بها السيفُ والأقلامُ والكتبُ
لولا الليالي التي كابدتِ ظلمتها
ما كان للعرب بين الروم مضطربُ
فلو سألت دروب الروم عن بلدٍ
ذلّت به الروم قالت
:
حسبكم حلبُ
!
أعدتِ ذكرى بني حمدان وارقة
ذكراهم الجودُ والعلياءُ والأدبُ
كانوا الملوك وتاجُ الملك فوقهمُ
تُزهى به الارضُ والأفلاكُ والشهبُ
حصنُ العروبة لم يهدم عروبتهم
نومٌ على الضيم والداراتُ تُغتصبُ
ما كانَ إلا سروج الخيل مركبهم
ردّوا البطاريقَ عن أظلالِ مملكةٍ
لنصرةِ العربِ ما جرّوا وما ركبوا
يفنى على ظلّها فتيانها النُجبُ
تروى من الاحمر القاني منابتها
وينضرُ العودُ بالأشلاءِ والعشبُ
إذا نسبتَ فتى الفتيان فارسَهم
أبا فراس حسبتَ المجدَ ينتسبُ
زينُ الشبابِ ولم تملأ شبيبتهُ
إلا المعالي وإلا الخيلُ والخببُ
ضربُ السيوفِ ورايات يُليح بها
في ملك قيصر
:
هذا الهمُّ والأربُ
لم يروَ من عمرٍ هدّت نضارتهُ
مضاربُ السيف والنيران واللهبُ
فلم يمتّع من الأيام متعتهُ
ولا تملّى شباباً كلّهُ تعبُ
ما منزلُ اللهوِ واللذات منزلهُ
وإنّما لهوهُ الهيجاءُ والجَلبُ
فأين منه ظهور الخيل سابحةٌ
وأين منه ضجيج الحربِ والصخبُ
إن راح يوم ولم ترسب صوارمه
في أرؤس الروم ضاع اليوم والرَسبُ
يا فارسَ العرب كم غادرتَ من أثرٍ
على مدارجهِ الفرسانُ تنسحبُ
زحفتَ بالجيشِ والرايات خافقة
لم يحمِ قيصرَ منها جيشهُ اللجبُ
فضجّ منك كِفافُ الأفق واختلجت
غياهب الليل حتى مادتِ الرّحبُ
لو كنت للموتِ هيّاباً لما ظفرت
بك السيوف ونالت وجهك الشُّطبُ
هذي الجراحُ على الخدّين شاهدةٌ
أنّ الرجالَ إذا ما استغضبوا غضبوا
ما في الجراحِ على الهيجاءِ من عجبٍ
نجاة فرسانها منها هيَ العجبُ
لم تخلق الحربُ إلا للسيوف فما
يليقُ بالحربِ إلا الفارسُ الدربُ
يابن الملوك
!
وكم أذللتَ من ملكٍ
لم يحمهِ في الفيافي معقل أشِبُ
نزعتَ عنهُ وشاح الملك فانخسفتْ
به القفارُ وماجَ اليمُّ والعَببُ
إن دلّ لون على خوفٍ تكنّفه
دلّ الشحوبُ فبان الخوف والرَهبُ
ألقت عليك شيوخُ العرب طاعتها
لمّا ألحَّ على أشياخها الرُعبُ
فما نزا شاغب منهم على جبلٍ
إلا بطشتَ بهِ حتى انقضى الشَغبُ
إذا تولّى فذلُّ الخوفِ لاحقه
وإن تدلى ثناه الشكُ والريبُ
خلِّ المفاخرَ والألقابَ ناحيةً
فما يحيط بما أعليته لقب
يوماً أميرٌ ويوماً في سلاسله
يطوي الليالي والاشجان تطرب
يصيح في كلّ يومٍ فوق مضجعهِ
ألا فؤاد على أقيادنا حَدِبُ
أما ترقّ قلوب كنتُ حارسها
والملك معتلج الآفاق مُنتهبُ
ألأا فداء وسيف الدولة امتلأت
منه الخزائن والأعلاق والذهبُ
لقد تملّت قلوبُ الناس عطفتهُ
وعطفه دون هذا القلب محتجب
إذا عتبتُ فلم أعتب لمبخلةٍ
وإنما العتب للعهد الذي قلبوا
إني أضنُّ بتاجٍ أن أزاحمه
على سناه فما في التاج مرتغبُ
لكن طربتُ إلى نارٍ أسعّرها
في وجهِ قيصر حتى شفّني الطرب
فكل همٍّ على الاحشاءِ منبسط
وكلّ نومٍ من الأجفانِ مستلبُ
تلقى العيون على الأعياد فرحتها
أفراحه الحزن في الأعياد والكُربُ
يمرُ بالعيدِ والأغلالُ حلّتهُ
وكان تُزهى به أثوابه القشبُ
فالعين خلف خضمّ الروم موحشة
لا أعين الروم سلّتها ولا الهُدبُ
أين الديار وأين الشام لذّته
نأت به الدارُ والبطحاءُ والكثبُ
خياله في ربوع الشام منسرح
وطرفهُ في ديارِ الروم منقلبُ
فما ثنته قصورُ الروم عن وطنٍ
على مشارفه الأهلون والصَحبُ
إذا سجا الليلُ لم يحلم بغيرهمُ
وفي الضُحيّا هم الأحلام والرَغبُ
فكم إلى حلبٍ حنّت خواطره
وكم إلى منبج أسرى بهِ الحَدبُ
فإن تذكر بين الروم ذلتهُ
نفى المذلّة عزُّ الملك والحسبُ
فهزّ رأساً على الجوزاء قمّتهُ
وكاد يأكل من أضلاعه الغضبُ
لولا العجوز ولولا صبية سرحوا
مثل الفراخ على أطرافها الزَغَبُ
لما تطامن من عليائهِ كنف
ولا تقطّع من أسبابه سببُ
سحابُ صيفٍ وبعد الاسرِ معتركٌ
تشقى به الروم أو يروى به التُربُ
يا حسرةً من وراءِ اليمِّ تحملها
يظلُّ قلبك من لأوائها يجبُ
لو يفصح الشعر عن دمع تكتمه
لكان من شعرك الرّيان مُنتحَبُ
عليلةٌ في ظلالِ الشام والهةٌ
هذا معلّلها في القيدِ منتشبُ
يضني جوانحها جرحٌ يؤجّجه
شوقٌ إليك على جنحِ الدّجى يثبُ
فجرحها في بياضِ الصبحِ ملتهب
ودمعها في سواد الليل منسكبُ
إذا اطمأنت إلى الأحداثِ مهجتها
ثارت بها ذِكرٌ كالموجِ تصطخبُ
تهفو إلى الركبِ إن عجّت مواكبهم
وتسأل الركب ما جاؤا وما ذهبوا
هل الأمير ربيب الملك مائجة
به الشجون فلا لهو ولا لعبُ
وهل أليف العوالي في سلاسله
مشتّت الفكر من أغلاله كئب
والله ما هدأت عيني ولا انقطعت
دموعها وحبيبُ القلبِ مغتربُ
ما أقسى قلبك في الهيجاء ترسله
خلف العدوّ فما ينجو به الهرب
وما أرقّ فؤاداً إن ذكرت له
أماً على صدرها الأشجان تلتهبُ
تظلّ صورتها في الاسرِ ماثلةٌ
لقلبك الغضّ تدنيها فتقتربُ
فيها الصفاء،صفاء الدين مؤتلق
فلا هوادة في التقوى ولا كذبُ
لو تجمع الارض في الدنيا وزينتها
لفاقت الأرض أمٌّ في الورى وأبُ
ويح البطولة ما كانت عواقبها
هل العواقبُ إلا القتلُ والعطبُ
لمّا رأى جنبات الملك خاليةً
حلا له التاجُ والراياتُ والغَلبُ
ما كاد يطلبها والعين طامحة
حتى تفلّت منه الملك والطلبُ
مشت إليه سيوف الترك غادرةً
لله ما صرعوا منه وما شطبوا
نجا من الروم والأسياف تضربه
وما نجا من سيوف الترك ماضربوا
لم ينكبوا من بني حمدان فارسهم
وإنما العرب في آثاره نُكبوا
كانت سيوف بني حمدان تحجبهم
واليوم لا حاجبٌ يحمي ولا حجبُ
وهكذا درجتْ في الشام دولتهم
من بعد أن ملأوا الدنيا بما غلبوا
لو يعرف الدمع عن مأساة فارسهم
لفاضت الأرض ممّا سحّت السحبُ
سلِ الديار،ديار العرب كم نكبت
في كلّ يوم شقاقات ومُنتكبُ
إن تنطق الأرض عن قتلى شبيبتهم
أبكاك من درجوا فيها ومن سَربوا
لم تُسقَ منهم سيوف الروم ما سُقيت
منهم أسنتهم والبيضُ والقضبُ
شقاقهم في ضحى التاريخ مثلبة
وعهدهم في دجى تأريخهم ثَلبُ
فما تألّف بعد الفتح شملهمُ
حتى تبعثرت الأهواء فانشعبوا
بينا يُغذُّ بنو حمدان سَيرهم
للروم إذ نجد الأعراب تنقلبُ
أمامهم وثبات الروم تشغلهم
وخلفهم وثبات البدو والسَلبُ
لولا شباب بسيف الدولة اعتصموا
لراع قلبك حوض في الحمى خَربُ
فللماللك ما سلوا صوارمهم
وللمكارم وما أعطوا وما وهبوا
فهل تعيد لنا الأيام دولتهم
والشرقُ مبتهج والغرب مكتئب
أبا فراسٍ
!
وما قلتُ الذي اختمرت
به القوافي وبعض القول مقتضبُ
تظلّ ذكراك بين العرب خالدةً
مادارَ دهرٌ وما دارت به العرب
شفيق جبري يرثي فوزي الغزي:
إنّ الذي ملأ المرابعَ شعلة | ملأت فجيعتهُ الربوع خُمودا | |
هدأت فتوته النضيرة وانطوى | ذاك الشّبابُ مُبرّحاً مكدودا | |
هلاّ عطفت “أبا دلال” عطفة | ما ضرّ لو تلوي إلينا الجيدا | |
لم تشهد الفيحاء في آلامها | يوماً كيومكَ حافلاً مشهودا | |
زحفت وراء النعشِ مائجة الأسى | يتلو وفود في الزحام وفودا | |
من كلِّ ناحية وفود زحزحت | في ظلّ معبود القلوبِ حشودا |
شفيق جبري يرثي هاشم الأتاسي:
الربعُ ربعي والبطاحُ بِطاحي | فإذا بكيتُ فقد بكيتُ جراحي | |
خَلَتِ الديارُ فلستَ تُبصرُ هاشماً | فوق الديارِ بخلقهِ اللّماحِ | |
يُزجي المواكبَ تحتَ ظلِّ لوائهِ | فتموجُ ريّا من دمٍ وأضاحِ | |
حمل الكفاحَ على الحمى ومشى بهِ | مشيَ الأمينِ أمام كلّ كفاحِ | |
ووراءهُ ماض يرفّ ضياؤهُ | ملءَ العيونِ ولا رفيف أقاحِ | |
وكأنهُ جبل تحوط ظلاله | تاريخ قوم في الجهادِ سماحُ | |
لم يشترِ الدنيا ببيعِ ضميرهِ | إن باعهُ في الناسِ كلّ شحاحِ | |
فيهِ انطوى تاريخنا وتدفقت | بين السطور بلاغة الإفصاحِ | |
في كلّ ظلٍّ من ظلالِ بقاعنا | وذكرى دماء من فتى مسماحِ | |
لو ترتوي الأدواح من رشفاتها | روّى الرشيف مغارس الأدواحِ | |
أتظنُ حمص أنّ جِلّق دونها | دمعاً يفيض من الاسى الملحاحِ | |
ليسَ المصاب مصاب حمصٍ وحدها | كل الربوعِ تعجُّ بالأتراحِ |
شفيق جبري يرثي سعد زغلول:
نمْ في ظلالِ الخالدين | جبّار مصر على السنين | |
في اللبّ من حرم القلوبِ | وفي الصميمِ من العيونِ | |
العبقرية من شمالك | والخلود على اليمين | |
يا سعد كلُّ في الكنانة | باسمكَ الأعلى يدين | |
عقدوا القلوب على هواك | مُدلهين مُولّهين | |
قتل الحنين نفوسهم | والنفسُ يقتلها الحنين |
شفيق جبري يرثي حافظ إبراهيم:
غنت قوافيك بالأحزان مائجة | تكاد تنطقُ من بؤس أغانيها | |
لو لحنوا البؤس في شعر نردده | لكان بؤسك ألحاناً نغنيها |
أمي ولستُ أرى في الأرض قاطبة
أعزّ منكِ على الأسماعِ والبصر
ناديتُك اليوم لا حسّ ولا خبر
فأين منك دوي الحسّ والخبر
شفيق جبري:
يمشي الزمانُ فلا يُرى متلّفتاً متحفِزٌ في سيرهِ فكأنّهُ | في مَشيهِ عن يَمنةٍ وشِمالِ سَيلٌ تدفّقَ من مكانٍ عالِ | |
يمضي فلا تُلويهِ عن منهاجهِ | في الخافقينِ قوارِعُ الأهوالِ | |
لا يستقِرُّ بهِ القرارُ إذا مضى | فيطوفُ من جيلٍ إلى أجيالِ | |
غضُّ الشّبابِ فلا يشيبُ | قَذالهً وتشيبُ منهُ ذوائبُ الأطفالِ |
شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
شرد البيان فما أطيق بيانا | فاكتمْ جراحكَ وادفنِ الأشجانا | |
ما للقوافي إن دعوت شرودها | شمختْ وما ألقتْ إليَّ عنانا | |
هل راعها شيب يُجلّل مفرقي | أفما أمتّع بالشّبابِ جَنانا | |
هوِّن عليك فما تمرّد خاطري | إلا أتاني طائعاً مِذعانا | |
أفلا تحرّكني شدائد أمةٍ | هانتْ فسلّها هل تُحسّ هوانا | |
هل كنت أبخَل بالدموع على الحِمى | أفلم يقرّح دمعي الأجفانا | |
أفلم يجدني في المسرّة والأسى | زمناً أسرّ وأزمناً أسوانا | |
لو كنت دون الله أعبد جنّة | لعبدت منه مفاوزاً وجِنانا | |
قلبي وروحي والهوى ولهيبه | فاضت عليه محبّة وحنانا | |
وطني ولم أؤمن بغير ترابه | وأرى الترابَ يزيدني إيمانا! | |
كم عبقريّ في ظلام قبوره | نفضَ القبورَ ومزّقَ الأكفانا | |
فكأنّهُ عين تضاحك أعيناً | وكأنّهُ أُذنٌ شجت آذانا | |
دانٍ يدور مع الليالي حسنه | يزداد في دورانها إحسانا | |
هذا فتى الفتيان زينة طيىءٍ | غنّى فهزَّ غناؤهُ الفتيانا | |
أعلى الممالك ما بناهُ سحرُه | سحرُ البيان يمرِّد البنيانا | |
رسم الطعانَ على السطورِ خيالهُ | أفلا نرى بين السطور طعانا | |
فكأننا والحرب تذكو نارها | نصلى وقد حميَ الوغى النيرانا | |
لولا أبو تمّامَ والشعر الذي | روّى القلوب ونضّرَ الأذهانا | |
ما كان هزمُ الروم نصب عيوننا | حيّاً يقصّ من الردى أفنانا | |
فانعمْ بما خلقت لنا آياته | خلقتْ لسلطان الحمى سلطانا | |
لله درُّ عصابة من طيىء | أعطت فكان عطاؤها تهتانا | |
أعطت ديار العرب من إلهامها | غرراً تدور مع السنين حسانا | |
أفما سقاك البحتري خموره | أفما تظلّ بخمره نشوانا | |
دخلَ القصورَ على الملوك منادماً | فجلا لأعيننا بها الأزيانا | |
فإذا لقيتَ رُخامها وكأنّهُ | حبُكُ الغمامِ فقد لقيتَ عيانا | |
فترى القوافي من رفيفِ سقوفها | درّاً يضىء ولؤلؤاً وجُمانا | |
من كلّ أسود كالليالي حالكٍ | أو كلّ أبيض يخطف الأعيانا | |
وترى الزُجاج على السقوف كأنّه | لججٌ تموجُ فتفرق الحيطانا | |
كست الحضارة شعره ألوانها | فتكاد تلمح عيننا الألوانا |
شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
أرأيت قومك فاغترفْ من بحرهم | درجوا وكانوا للهدى عنوانا | |
ناجِ الذي ملأ الأنامَ دويله | يمسي ويصبح مائجاً غضبانا | |
عشق الحروب فهل ترى في شعره | إلا حساماً صارماً وسنانا | |
فكأنّ من حمر الدماء مدادَه | وكأنّه أملى بها الديوانا | |
تجري الدماء على عنيف بيانه | بحراً يجرّ وراءه كثبانا | |
قتلى وجرحى والسيوف تنوشهم | لم تبقِ من أركانهم أركانا | |
نظم القريض لآل حمدان العُلى | فكأنّهُ أحيا لهم حمدانا | |
لولا بنو حمدان والسيف الذي | أعلى العروبة في الربوع وصانا | |
لمحت جيوش الروم سحر لسانها | وتخرّمت أعلاجهم عدنانا | |
فافخر بشاعرهم ورتّل شعره | أفلا تراه للعلى معوانا! | |
زحف الزمانُ ولم تزل أوطاننا | نهبّ العدوِّ يبعثر الأوطانا | |
تلك الضغائنُ لا يزال سعيرها | طيَّ الحشا،من يطفىء الأضغانا | |
قالوا:السلام،فهل رأيت سلامهم | هدموا البيوت وشتّتوا النسوانا |
شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
إن لفّت الأمّ الرؤوم وليها | في الحضن ليلاً زلزلوا الأحضانا | |
أو رامت الأطفال نوماً هادئاً | حُرموا الكرى وتخيّلوا الشيطانا | |
لم تسلم الأديان من أيديهم | نقموا فمسّوا بالأذى الأديانا | |
في كلّ يومٍ صيحة من جرمهم | تعلو السماء فتخرق الأعنانا | |
لا القدس آمنة ولا حرم الهدى | أين الأمان،فهل تحسّ أمانا؟ | |
عجباً لقومٍ كالنعامة في الوغى | واليوم أضحوا في الوغى فرسانا! | |
ضربتْ عليهم في البرية ذِلّة | ما بال ذِلّتهم غدتْ طغيانا | |
ويل الضعيف إذا تملّى قوّة | ألفيتهُ في ضعفه ثعبانا | |
فانهض صلاح الدين وانظر عصبةً | حرنوا وزادهم الغرور حِرانا | |
كنت الوحيد ضمان أمّة يعرب | ضاعت ديارك من يكون ضمانا | |
لولا “الفداء“وعاصفات رياحه | فوق الحصون تهدّم الأحصانا | |
لولا دمٌ تندى فلسطين به | وترى التراب بدفقه ريّانا | |
لم يرتفع للعرب رأس في الورى | يوماً ولا اختلج العدوّ وهانا | |
الجعجعات وقد يدوّي صوتها | هيهاتَ دفعُ دويّه العدوانا | |
يا ساقياً والخمرُ ملء كؤوسه | اطرح كؤوسك واسقني الألحانا | |
قد عشتُ في ظلِّ القوافي حقبةً | أجد الشّبابَ بظلّها فينانا | |
ما هاجني إلا صدى إيقاعها | أمسي وأصبح بالصدى سكرانا | |
خمسون عاماً في مراس زمامها | حتى استكان لي الزمام ولانا | |
جرّبت من مضض الهوى لذّاته | وبلوت منه نواعماً وخِشانا | |
ما راقني إلا البيان وسحره | فاملأ كؤوسك إن سقيت بيانا | |
وأدرْ عليَّ الشعر إن غنيّته | حتى أسلَّ بوقعه الأحزانا | |
فيه العزاء وفيه كلّ مسرّة | تُروى بعذب معينها الظمآنا | |
أكرِم بقوم أورثوا تاريخهم | لغةً تظلُّ على العلى برهانا | |
لغة تفيض نعومة وصلابة | تحكي النسيمَ وتشبه الرّانا | |
حيناً ترقّ كأنّها نسيم الصِّبا | فوق الخمائل ينشر الريحانا | |
ويموج حيناً كالخضمّ عبابها | فيكاد يجرف موجه الشطآنا | |
لغة الأسنّة والصوارم والقنا | كانت لنار جحيمها ميدانا | |
مرّت بها الأزمانُ وهي منيعة | لا ترهب الأحداث والأزمانا | |
كم نازعت لغة الغزاة بيانها | طار الغزاة مع الهواء دخانا |
شفيق جبري في الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس مجمع اللغة العربية بدمشق:
وتطاولت في الخافقين غصونها | ترعى مواكب يعربَ الأغصانا | |
قد صبّها الرحمان في قرآنه | أفلا ترى من سحرها القرآنا | |
فاحمل لمجمعها التحية إنه | لم يأل فيها حيطة وصيانا | |
لغة الورى علوان رفعة شأنهم | فاكتب لرفعة شأنك العلوانا | |
لو جُردَ الإنسانُ من نعمائها | أفكان دون نعيمها إنسانا | |
صقل الزمان لن حسان وجوهها | أفما نعمنا بالحسان زمانا | |
فالهج بنصرتها وخذ بلوائها | حتى تحلّ من السماء مكانا |
إن لم تظل سيوفنا أعلامنا
طمحتْ إلى استذلالنا الأبصار
ذريني وتأديبَ التجاربِ إنّما | تُضىءُ ظلامَ العقلِ مني تجاربهْ | |
فلولا الليالي ما عرفنا حليفنا | أصادِقُ ودّ القلبِ أم هو كاذبه |
سألت جهينة أمها عما بي
هاكِ الجواب،إذا شفاك جوابي
هاج نسيم الحرية لي أمرها | بالله يا ريح ابعثي لي ذكرها | |
نجوت من ظلم ومن ظالم | يا دهر إن يسرّت لي عسرها |
إن تُحرجوا الآساد في غابها
هيهات ما تكفيكم شرّها
إنَّ الحياةَ كما بلوت وجوهها | حلم يُخادِع أهله ويُحابي | |
قد تكذبُ الأحلام بعض زمانها | وتجىء في زمن بغير كِذابِ |
ما قيمة الدنيا إذا فرشت لنا
من بعد زينتها فراش تراب
يا أرض هل صدقت عن أهلك الكتب | ضجَّ العراء ومارت في الدّجى الشهب | |
هل اليقين استثار اليوم عزمهم | أم العزائم فيها الشكُ والريب |
خَلِّ النِقابَ فلا تحاول كشفه
هل يستطيعُ العقل كشف نقابِ
حُجُبُ السّماء كثيفةٌ أسرارُها
هيهاتَ تُدرك سرَّ كلِّ حجابِ
يا بنَ النبي وما الآذان سامعةٌ | فهل تُلبي زحوفاً أنتَ داعيها |
لا تزدردِ الليثَ الحبيسَ فرُبما
عادت وقد شهد الوغى وثباته
أودى المنون بواحدِ الآحادِ | وعدت على ربعِ الكرامِ عوادِ | |
والدهرُ يعثرُ بالكرام وقلّما شُلّت يدُ الأحداثِ كيفَ تخرّمتْ | عثرت صروف الدهر بالأوغادِ شرخَ الشّبابِ ونضرة الأعوادِ |
شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
ستون عاماً على كره تعانيها | هدأت عنها ولم تهدأ لياليها | |
ما زلت منها على يأس تغالبه | حتى طواك على الأشجان طاويها | |
فاطرح شدائدها عن كاهل هدمت | من جانبيه ولم تهدم عواديها | |
يا وقفة لك في أفيائها انحدرت | عنك العواطف مضنيها ومُشجيها | |
ناجيت فيها صباً ولت نواعمه | بدلت شيخوخة منه تناجيها | |
فتوة ملئت بؤساً نضارتها | وكبرة أفعمت سقماً حواشيها | |
أهبت بالموت من سقم ومن شجن | كأنما الموت آمال تناغيها | |
فنم هنيئاً فلا جسم تراوحه | تلك الشجون ولا نفس تفاديها | |
غنت قوافيك بالأحزان مائجة | تكاد تنطق عن بؤس أغانيها | |
على قريضك من أناتها أثر | أراه يفصح عن أقصى مراميها | |
ما في أغاريدها إن ناح نائحها | إلا تهاويل من شكوى تُزجيها | |
تجهمتك الليالي في تصرفها | ففاض شعرك في الآفاق تأويها | |
فما تمليت في يوم مضاحكها | ولا تمهلت إلا في مباكيها | |
أمعنت في طلب الدنيا فما ابتسمت | لك الحياة ولا هشت أمانيها | |
سعت بك القدم المشؤم طالعها | فلم تؤد إلى نجح مساعيها | |
على نعالك من تبريحها دفع | من قانىء الدم لم تنشف جواريها | |
حتى وددت لو أن النفس عاد بها | من قبل أن تسأم الأشجان باريها | |
أو كان في مسبح الحيتان مطرحها | أو في مسارح من هلك مآويها | |
لله شعرك كم هاجت هوائجه | بضيقة في حواشي النفس تضنيها | |
قذفت منه على السودان طائفة | صورت بلواك تصويراً يجليها |
شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
لو لحنوا البؤس في شعر نردده | لكان بؤسك ألحاناً نغنيها | |
ودعت دنياك توديعاً ترقرقه | شكوى يذوب على الآلام شاكيها | |
فما لعينيك في لألائها أنس | وإنما الأنس في أدجى دياجيها | |
كأنما قبرك المأنوس متسع | لعيشك المر من جلّى تقاسيها | |
العبقرية ما زالت معذبة | في الشرق ما جمدت يوماً مآقيها | |
لكن نفسك لم تصرع جوانبها | ظلماء من خيبة الآمال تبريها | |
هزأت بالعمر لم تعبأ بغمته | وعشتها عيشة طلقاً نواحيها | |
داويت بالكأس آلام الحياة وهل | بغير إشراقها قلب يداويها | |
لقبتها ضرة الأحزان زاكية | غراسها مستطابات مجانيها | |
الكأس والطاس والصهباء ماثلة | في شعرك الطلق تزهى في مزاهيها |
شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
شتت شمل الليالي في تناولها | على رخيم من الأنغام تحييها | |
لئن نظرت إلى الدنيا وبهجتها | بمقلة ما رأت إلا مساويها | |
لقد خلعت على الأحزان مشرقة | من الحبور طوت من شجو شاجيها | |
وما الحياة إذا اسودت جوانبها | وما الليالي إذا لم يصف صافيها | |
خير من العمر ممدوداً سرادقه | على الأسى لحظة تجلو ثوانيها | |
لله مجلسك المحشوك كم طربت | فيه القلوب وكم بشت بواكيها | |
فقد تكون حزين البال متعبه | وقد نراك ضحوك العين ساجيها | |
تلك الأحاديث قد ذقنا حلاوتها | في كل نادرة سحر يحليها | |
تزداد حسناً إذا ازدادت روايتها | رقيقة سكبت من روح راويها | |
لكن روحك إن جدت وإن هزلت | لم تنس مصر ولم تهمل مغانيها |
شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
غنت بوادي الحمى في فجر نهضته | وخاضت النهضة المحمر واديها | |
وقد كنت بلبلها الغريد هيجه | غول على مصر محتل روابيها | |
أحببت مصر وسارت في محبتها | قصائد من عباب النيل ترويها | |
يجول فيها هوى الفسطاط مزدحماً | على فؤاد عناه خطب أهليها |
شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
أيقظت منها غفاة في مضاجعهم | والشعر يوقظ في الأقوام غافيها | |
كم أمة رسفت في القيد أطلقها | من القيود فلم تملك نواصيها | |
أمضك الجرح في أحشاء عثرتها | فكنت في شعرك الريان آسيها | |
أردتها حرة لا النير يثقلها | إذا تهادت ولا الأصفاد تُوهيها | |
فما تخوفت إلا لعب لاعبها | ولا تخشيت إلا لهو لاهيها | |
فكم بكيت على مصر وحاضرها | وكم حنوت على مصر وباقيها |
شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
جادت لها عينك الريا محاجرها | باللؤلؤ الرطب من حال تعانيها | |
إذا سكت فلم تأمن هوادتها | وإن نطقت فلم تأمن منافيها | |
آسيتها يوم دنشواي وروعته | يا يوم دنشواي ما أبقى الأذى فيها | |
جلد وشنق وفي الأمرين مهزلة | تلك الجنايات باسم العدل جانيها | |
كشفت عنها غطاء كان يسترها | حتى تمثل للعينين قاسيها | |
ضحوا بشعب بديلاً من قتيلهم | تلك الجراحات لم تضمد دواميها | |
ويح الحضارة كم راقت ظواهرها | هذي العيون وكم ساءت خوافيها | |
في طيها الموت خفاق سبائبه | مكشوفة عن ضحاياه محاييها | |
ذئب تلفف في جلد الشياة وهل | يخفي الذئاب طلاء في مغاطيها | |
خير من العلم جهل لا يشنعه | عسف الشعوب وهزء من أضاحيها |
شفيق جبري في رثاء حافظ إبراهيم:
ما كان شعرك إلا وحي عاطفة | ظل الجزيرة والأهرام موحيها | |
عليه من مضر الحمراء منزعة | محبوكة الوشي مرصوص مبانيها | |
لئن جفت مصر أرض الشام واطرحت | هوى العروبة كم أنبت جافيها | |
صافحت جلق لم تنقض مواثقها | على البعاد ولم تنكث أواخيها | |
فإن بكتك على جرح تعالجه | فقد رأتك على الأهرام تبكيها |
شفيق جبري في قصيدةالحرية:
هاج نسيم الريح لي أمرها | بالله يا ريح ابعثي ذكرها | |
تجهز الدهر لا قلاقها | ما حمدت في ليلة دهرها | |
إن تمسك الأقدار عن نصرها | فما أنا مطرح نصرها | |
أو تعبس الظلماء في خدرها | فأنت يا برق أنر خدرها | |
دب مضيض الحبّ في أضلعي | لا تحسبني طاوياً سرها | |
صبرت عنها مهجتي ساعة | فلم تطق من بعدها صبرها | |
بلوت في ظل الصبا حلوها | فهل تراني بالياً مرها | |
عشقتها والله أدرى بنا | ما مسّ صدري في الهوى صدرها | |
ظلل أكناف الحمى طيفها | هنيهة ثم ابتغى هجرها |
شفيق جبري في قصيدةالحرية:
لا تخفضن يا دهر من قدرها | كل كريم رافع قدرها | |
دحرتها والنفس في إثرها | خارجة ما احتملت دحرها | |
كم حائر طاحت به ضلة | ثم اهتدى لما رأى بدرها | |
وصاغر ألوت به ذلة | فعز في إعلائه أمرها | |
ومستبد راعه خطبها | يجهد في تهتيكه سترها | |
لئن طوى استبداده ليلها | فما طوى عن مقلتي فجرها | |
حصرت يا دهر نفوس الورى | وهل أطاقت مهجة حصرها | |
نجوت من ظلم ومن ظالم | يا دهر إن يسرت لي عسرها | |
إن تحرجوا الآساد في غابها | هيهات أن تكفيكم شرها |
شفيق جبري:
أطوي الدجى فتضىء الليل عيناك | هل لمحة البرق إلا من ثناياك | |
وهبّة الريح إن لانت ملامسها | فإنما أورثتها اللين كفاك | |
وهذه الليلة الليلاء حائرة | كأنما تيم الظلماء مرآك | |
حلّيت بالخلق المصقول جانبه | سبحان من برقيقِ الخلق حلّاك | |
نهضت للطفل واللأواء مائجة | في ظله وفؤاد الطفل مضناك | |
فما تركت به هماً يعالجه | في طلعة الفجر أو في جنح ممساك | |
تغدو الرجال لأكباد تجرّحها | وإنما لضماد الجرح مغداك | |
يبكي الفتى ودموع العين ترمضه | فتمسحين دموع الواجف الباكي | |
تبكين للمرء إن ألوى البلاء به | وإن بليت فما يبكي لمبكاك |
شفيق جبري في قصيدة “
شاعر العرب”:
ما الذي هيّج الحمى والعربا
أنسيم من شاعر العرب هبّا
فمشوا في مواكبِ الفنِّ زهوا
وتهادوا على المواكبِ عجبا
أخذت فيهم الأغاريد واللحن
فراحوا منها نشاوى شربا
سائل العرب يوم كان دويّ الشعر
يزجي إلى المعالي العربا
كتبوا المجد بالسيوف وبالشعر فكان
القريض أخلد كتبا
لغة القلب طالما خاطب القلب
فهزّ الشعور جنباً جنبا
يبسط السلم إن أردت سلاما
ويشبُّ الحروبَ إن شئت حربا
قد تحول الصحراء في روعة الشعر
فتغدو منه حدائق غلبا
كرّم الله دولة كرّمته
فنما في ظلالها واستتبا
إيه شوقي
!
لو كان للشعر ربّ
جعلتك الاذواق للشعرِ ربّا
يا غذاء القلوب إن تجدب الأر
ض فلسنا نظنّ فيك الجدبا
شاعر العرب كان شعرك حيناً
كنسيم الصبا وحيناً عضبا
كلما طال عهده وتراخى
رفّ في مسمع الزمان وشبّا
كم هززت الرجال في ثورة الشام
فثاروا ولم يبالوا الخطبا
نفخت فيهم القلائد روحاً
جعلت في الشدائد الموت عذبا
فاستطاروا مثل الرياح إلى الموت
فكانوا فيه رياحاً نكبا
فنفضنا عن المرابع ضيماً
سال فيه النجيع مزناً وسحبا
غصبوا الشام واستباحوا حماه
ثم طاحوا وما تملّوا غصبا
كيف ننسى في غوطة الشام يوماً
كنت فيه نوراً وكنت اللهبا
جلت بالشعر جولة فحسبنا
طيف مروان في النواظر دبّا
وكأنّا نرى الخلافة تختال
وملكاً مع الخلافة صلبا
هكذا الشعر ثورة كلّما هاجت
شعوب أوحى إليهم غلبا
ضحكَ الشعر في بيانك وابيضّت
حواشيه ما نشاهد كربا
فغدا مسرح الظباء إذا ما
ندّ سرب فتنتت منها سربا
غزل ينفذ القلوب فتلقي
بهواها فيصبح القلب صبّا
فتظلّ العيون تغمز غمزاً
وتظلّ الشفاه ترضب رضبا
ويكاد النسيب ينطق سحراً
ويكاد الهوى يشقّ الحجبا
وترى قبلة الثغور على الخدّ
وتلقى مزاحها والدعبا
يتلاقى العناق والضمّ والشمّ
وهدب يلزّ فيها هدبا
لا تلمّ الشباك من كل درب
لم تغادر في غمرة الحب دربا
لو يسيل الهوى خلال القوافي
سلسبيلاً غمرت منه الهضبا
قد ملأت الشباب حباً وفاضت
جارة الوادي في فؤادك حباً
فإذا جفّ في الشيوخ هواهم
هجت فيهم هوى الشيوخ فأبّا
فتنادوا إلى الكؤوس وصاحوا
هاتها يا نديم صرفاً وصبا
أنت لا تدري ما تكنّ الليالي
إن توالت وما تكون العقبى
أدموع بأرض أندلس جدت
بها،روّت روضها والتربا
فكأن العيون تلمح شجواً
وكأن الآذان تسمع ندبا
أم غناء كالعندليب طوى الأر
ض فخلنا بعد المنازل قربا
فكأن السنين لمّا ترامت
وثبت نصب أعين القوم وثبا
فرأينا القصور تلمع في الليل
فتهدي فوق البطاح الركبا
وقطعنا الرياض بين رفيف
الدوح نجتاز سروه والدلبا
ولمسنا النعيم في جنة الأرض
يروّي الشعاب شعباً شعبا
فبكينا ملكاً تقاذفته الليالي
غرسوا فوقه القنا والقضبا
ركبوا الموج والعباب وطاروا
يقطعون العباب كثباً كثبا
رفعوا الملك والحضارة والفنّ
وكانوا الرحى لها والقطبا
فهوى الملك والدموع تروّيه
وساءت تلك الأوائل غبّا
وكذاك الأيام تعصف بالناس
ويبقى ما أودعوه الكتبا
صور تقطر البلاغة حتى
تحسب الصدق في البلاغة كذبا
كلما رثّ أو تقادم عهد
جدّد الشعر وشيه والعصبا
كذب الدمع ما وفى حقك الدمع
وإن ماج كالخضم وأربى
قد حبوت التاريخ ما ليس يبلى
لؤلؤاً من لالىء الشعر رطبا
فشهدنا فرعون قد نفض القبر
وهزّ الأحقاب حقباً حقبا
وأتوه بالأكل والشرب حتى
رأت العين أكله والشربا
لبست مصر من بيانك برداً
لم تزده الأيام إلا رحبا
هدرت كالعباب تحطم قيداً
أنقض الظهر حمله والصلبا
فتغنيت بالهدير فهاجت
لم يفل الحديد منها غربا
وقفت كالاهرام في ثورة الضيم
وطالت سماءها والشهبا
وانثنى الضيم عن حماها ونالت
من رقاب العدو طعناً وضربا
ثورة في الديار غنّى بها الشعر
وألقى غراسها والحبا
فزكا غرسها وطاب ثراها
وسقاها الإيمان هطلاً وسكبا
أكلتك الذئاب إن لم تكن في
ثورة العرب والعروبة ذئبا
إيه شوقي
!
أسامع صيحة العرب
وقد دوّى الصوت شرقاً وغربا
ما دعونا إلهامك السمح إلا
حشد السحر والبيان ولبّى
ليتك اليوم في الجماهير والشعب
تغني جمهورنا والشعبا
فإذا ما سجا فؤاد ولبّ
هجت منا فؤادنا واللُبا
إرمِ عنك الأكفان واطرح ثرى
القبر وشاهد ملكاً على النيل رحبا
تلتقي الشام فيه ترباً لمصر
كلّ ترب يشدّ في الملك تربا
وغداً تزحف الديار ديار العرب
تحت الدرفس روحاً وقلبا
إنما العرب وحدة فإذا صال عدو
كانوا عليه إلبا
درجوا حقبة وأوطانهم أيدي سبأ
والخيرات في الأرض نهبى
وعليهم سلاسل من حديد
تمنع الأسد صولة ومهبا
فكأن التاريخ لم يملأوه روعة
أو لم يملأوا الدهر رعبا
لا تعد السيوف غير فتوح لهم
في مناكب الأرض ذنبا
صحبوا اليمّ والبطاح وهمّوا
أن تكون الجوزاء يوماً صحبا
سيّد الشعر
!
هل ترى ربعك اليوم
يشقّ الحديد إرباً إربا
بعثوا من مدافن العزّ تاريخاً نما
عزّه غناء وخصبا
فكأنا نرى ابن حمدان يثني الروم
جراً عن الحمى أو سحبا
هكذا المجد هبّة سلك العرب إليها
درباً على النار صعبا
نمْ هنيئاً يا مرسل الشعر نوراً
شبع القلب من سناه وعبّا
أرأيت البيان والسحر منه
أيّ مجد بنى وجيل ربّى
شفيق جبري:
يهفو الرجال ومن يحصي نقائصهم | وإن هفوت أقام الدهر مهفاك | |
لو علموك أضاء الله ظلمتهم | لبات في هضبة العلياء مغناك | |
أُسرت في قفص ماجت غياهبه | فمن يفك من الأقفاص أسراك | |
أقول والناس قد جاشت بلابلهم | لولاك ما احتملوا الأشجان لولاك | |
إن ينصروك فما أعلى منازلهم | أو يخذلوك فعين اله ترعاك | |
ضمنت أن يسترد الشرق بهجته لا يسلم الشرق من خطب أطاف به | إن كان في الشرق من يسعى لمحياك إلا إذا هذبت فيه سجاياك |
شفيق جبري يرثي أمه:
أُمي! ولستُ أرى في الأرضِ قاطبةً | أعزّ منكِ على الأسماعِ والبصرِ | |
ناديتُكِ اليوم،لا حسٌّ ولا خبرٌ | فأينَ منكِ دويُّ الحسِّ والخبرِ | |
غادرتِ في القلبِ جُرحاً كلّما هدأت | آلامهُ اتقدّت في القلبِ كالشرر | |
لو تسمحينَ جعلتُ الصدرَ مُتكئاً | لرأسكِ الطُّهرِ في الظلماءِ والحفر |
شفيق جبري في رثاء صبري العسلي:
أغريبٌ في رَبعهِ ما بالهُ | كلما جال ضاق عنه مجاله | |
فتراهُ يُحدّثُ النفسَ في السرِّ | ومنهُ جوابهُ وسؤاله | |
لا تلمه إذا استبدَّ بهِ اليأسُ | ولم تبتسم لهُ آماله | |
أحرام على الجفون هدوء الج | فن حل بما يمضي اكتحاله | |
أتناجي“أبا شجاع” وقد غابَ | فهذي العيون كيف تناله؟ | |
ذكرتنا أيامهُ زمناً ولّى | تولّت قصاره وطواله | |
قم وحدّث،وأنت عذب الأحاديث | ما أمسنا وما أبطاله | |
أفما كنت من بقايا نضال | ملأت تاريخ الحِمى أعماله |
شفيق جبري:
بدمي وروحي الناهضين إلى الحِمى | الطالعينَ على العرين أسودا | |
الزاحفينَ إلى القيود وملؤهم | عزم يحلّ سلاسلاً وقيودا | |
أبتْ المكارِمُ أن تُذَلَّ رقابهم | وأبتْ أميّة أن تكون عبيدا |
شفيق جبري:
قد سقانا الزمانُ من مائهِ المُرّ وبلونا ما كانَ عُسراً ويُسراً | ومن مائهِ النّمير الزُّلالِ في زمانِ الإدبارِ والإقبالِ | |
نعرفُ اليومَ ما يكونُ وندري | ما جرى قبلُ في القرونِ الخوالي | |
ذَلّلَ المرءُ مُعضلاتٍ جساماً | بذكاءٍ في عقلهِ وصِقالِ | |
راحةُ المرءِ أن يقولَ دعِ | الأقدارَ تجري فإنّني لا أُبالي |
شفيق جبري يهجو الحلفاء بعد الثورة العربية:
فلولا الليالي ما عرفنا حليفنا غدونا له مستنجزين وعوده | أصادقُ ودّ القلب أم هو كاذبهْ فمرّت بإخلاف الوعودِ سحائبهْ | |
ودبر في جنح الدياجير كيده | فلما انجلى الإصباح دبت عقاربه | |
غضبنا له والنصرُ لم يبد نجمه | ولم ندر أن الغرب سودٌ رغائبه | |
فكافأنا بالسوءِ بعد صنيعنا | وأقحمنا في الذلّ وهو يجانبه |
شفيق جبري:
تُذكرني نفسي وهيهاتَ ما أنسى ويؤنسني هجرُ الديارِ وأهلها | جراحاً أمضّتْ جانبيَّ فما تُؤسى فلستُ أرى في الناسِ قاطبةً أُنسا | |
وما يئست نفسي من الدّهرِ إنّما | تنكرّتِ الأخلاقُ فاختارتِ اليأسا | |
تجافتْ عن الدّهماء لم تحتفل بهم | ترى عبسهم بشراً،وبشرهم عبسا | |
فما ألفتْ في الليلِ بارقة الدّجى | ولا هيَ ناغت في رفيفِ الضحى الشمسا |
شفيق جبري:
أودى المنون بواد الآحاد | وعدت على ربع الكرام عواد | |
والدهرُ يعثر بالكرام وقلّما | عثرت صروف الدهرِ بالأوغاد | |
شُلّت يدُ الأحداث كيفَ تخرّمتْ | شرخَ الشّبابِ ونضرةَ الأعواد |
شفيق جبري في المعري:
لم يضره فقد النواظر فالقل | بُ بصير تفتّحت أجنانه | |
قد يرى المرء بالفطانة ما لي | س تراه على النوى أعيانه | |
كم بصيرٍ أعمى الجنانِ إذا | أمَّ سبيلاً ضلَّ للسبيل |
شفيق جبري:
ماجَ الخِضمُّ وزُلزلَ الصّدرُ | مالي ومالكَ أيها البحرُ | |
للعاصفاتِ على شواطئهِ | حنقٌ على الأيام مُحْمرُّ | |
فكأنّما هاجتْ بوادره | أُممٌ يُهدِّمُ حوضها الدهرُ |
شفيق جبري:
شتّان ما قلبي وقلبك ياحمام الزيزفون |
ومن السحاب إلى الهضابِ إلى الجبال إلى الدكون |
وأنا المبرح بالسلاسل مثل تبريح السجون وحصونك الجو المديد فمن يدل على حصوني وتقيك أطراف الجبال أذى النبالِ فمن يقيني؟ تطوي السماء فترتوي من كل واطفة هتون |
وأنا إذا انقطع السحابةُ سقيت قلبي من شؤوني
شفيق جبري”بطولات العرب”
يا دامي الجرح، لا جرح ولا ألم
الجرحُ بعد انتفاض العرب ملتئم
امسح دموعك إن ماجت موائجها
فكلّ ثغرٍ على الأيام مبتسمُ
أتحسب الشمس من أبراجها هبطت
فجنّت الشمس والأبراج والنجمُ
ما صيحة في سواد الليل راعبة
كأنما الليل من أصدائها وجمُ
الله أكبر هذا الصوت من مضر
دوّى فزلزلت الأطوادُ والأجمُ
في كلّ غابٍ ضجيج من مواكبهم
وكلّ طود على هاماته شممُ
كأنّهم والأعادي نصب أعينهم
سيل يفيض على أعدائهم عرمُ
هل العيون خلال الليل في يقظ
أم العيون على أجفانها حلمُ
كلا وربّك ما في العين من حلم
وإنما العرب ثارت فيهم الهمم
شتان ما حاضر نزهى بغرّته
وغابرٍ فاض فيه الدمع والألمُ
أتت ليال وعين العرب ساهية
كأنّهم في ذرا ذؤبانهم غنم
على بصائرهم إن أرشدوا حجبٌ
وفي مسامعهم إن خوطبوا صممُ
تكاد تحسبهم في دارهم رمماً
وهل تثور على أكفانها الرممُ
تبجح العجم في أوطانهم زمناً
لله ما اعتسفوا فيه وما اجترموا
فما اللسان لسان العرب إن نطقوا
ولا الثغور ثغور العرب إن بسموا
أيصبح العرب في أوطانهم هملاً
ويزحم البوم هذا الأفق والرخم
هوّن عليك،فللأيام دولتها
فما تدوم على حالاتها الأزمُ
أما ترى العرب من إغفائهم نهضوا
من كلّ فجّ لهم زحف ومقتحمُ
كأنما بعثوا التاريخ من أمم
فاليوم مجدهم من عيننا أممُ
كانوا العماليق والدنيا تساندهم
هيهات ما يستوي العملاق والقزم
هذا ابن حمدان والآثار ناطقة
فما يعفّي على آثاره القدم
حمى الديار ديار العرب فانطلقت
له الأناشيد والأوتار والنغم
سيوفه من دماء الروم قد رويت
وكاد يشرق منها السيف والقلم
ملّ البطاريق من غاراته وبدا
على البطاريق من أهوالها السأم
اضرب بعينك في آيات شاعره
تظلّ تنطق في آياته الكلمُ
تكاد تسمع صوت الروم إن صرخوا
وتلمس الخوف إن خافوا وإن وجموا
إمّا قتيل تواري الأرض أضلعه
أو سالم من سيوف العرب منهزم
لو كان يعبد دون الله من صنم
ما كان لي غير سيف الدولة الصنم
لولا جهاد بني حمدان في حلب
ما كان للعرب تاريخ ولا علمُ
تلك البطولات كالأهرام راسخة
فأين ما طمسوا منها وما هدموا
انهض ورتّل صلاح الدين آيتها
الأذن مصغية والعين تلتهم
جاءوا إليك بجيش يعصمون به
قبر المسيح فما صانوا ولا عصموا
لو كان همهم قبر المسيح لما
تهودت منهم ذرية ظلموا
أيمنحون بني صهيون تربته
ويزعمزن التقى، هيهات ما زعموا
الحقد يأكل أكلاً من جوانبهم
والحقد نار على الأكباد تضطرم
عيسى بن مريم في الإسلام حرمته
في كل قلب له من أهله حرم
ما في شريعته إلا السلام فهل
صمّوا عن الشرع إنكاراً له وعموا
أين السلام وقد هدّوا قواعده
وإنما السلم في أفيائنا عدم
محوتهم وبطون الأرض تكتمهم
في كل رابية عظم لهم ودم
حطين قد غذيت منهم منابتها
فاخضوضر الشيح والقيصوم والسلم
أين الحصون وأين النازلون بها
لم يفتهم عن جماح العرب معتصم
ودّ العباب الذي خاضوا غواربه
لو كاد يبلعهم من بعد ان هزموا
ليغسل العار عن شنعاء هزمتهم
وكيف يغسل هذا العار بعدهم
يا أمة من تراث الدهر خالدة
مضت ولم تستبح آثارك الأمم
ظنوا اجتياحك مأموناً عواقبه
وما دروا أنهم في ظنهم وهموا
كم غارة لهم في الشام عاصفة
فلم يصبك على غاراتهم هرم
في كلّ غور من الأغوار معترك
وكل نجد من الأنجاد مصطدم
مضوا وخلوا هشيماً من شبابهم
نما به العود والغيطان والأكمُ
حلوا بأرضك حيناً ثم مالبثوا
أن غادروا الأرض لم تثبت لهم قدمُ
لمّا رأوك وقد أعيت جحافلهم
ولّوا وقد أورثوا الغيظ الذي كظموا
كأنّ أنسالهم من بعدهم حلفوا
أن يبعثوا الحقد نيراناً وينتقموا
فأقحموا في ديار العرب شرذمة
من آل صهيون لا عهد ولا ذمم
هذي حضارتهم والشرُّ يملؤها
ماتت على صرحها الأخلاق والشيمُ
يشردون شيوخاً من ديارهم
كأنهم في صحارى تيههم بهمُ
قوم يموتون من بؤس يشتتهم
وآخرون على أظلالهم نعم
خير من العلم جهل تستقرّ به
حرية الخلق والنفاس والنسم
هل يبعث الله نوحاً في سفينته
حتى يعمّ الورى الطوفان والديمُ
كأنما الروض من آثامهم يبست
فما ينضرها ورد ولا عنمُ
مهلاً فلا تيأسن اليوم إن عبست
لك الليالي وإن ماجت بك الظلمُ
ما ضرَّ موكبك الجرار إن طرحوا
صخراً على دربه فالصخر ينحطمُ
فما يعوق ضياء الشمس إن سطعت
غيم على جنبات الشمس يزدحمُ
ألهى بني يعرب عن نصر أخوتهم
شمل على غمرة الاحداث منفصم
على الفراتين من آثاره ثلم
فسل عبابهما هل سدّت الثلم
كأن دجلة قد ثارت أباطحه
أما ترى هذه الأمواج تلتطمُ
تخاله معرباً عن نار غضبته
وللخضم لسان معرب وفمُ
بيني وبينك يا بغداد واشجة
من الأواصر ما تنفك تلتحمُ
أتصرمين حبالاً حاكها نسب
من العروبة يا ويح الذي صرموا
ماذا تقولين للمنصور إن لمحت
عيناه في حلمه الملك الذي قسموا
كانت قصور بني العباس آمنة
واليوم ألوت بها الأحقاد والنقم
دم يسيل على أطرافها دفعاً
وأربعٌ ملء عين الناس تنهدمُ
فما تنام عيون تحتها وسن
ولا تبين شفاه فوقها لجمُ
في الليل إن جنحت ظلماؤه ظِنن
وفي الصباح على إشراقه تهم
كأنما الثورة الحمراء ديدنها
ملك على ظله الأرواح تخترم
فهل يثوب رجال بعدما جهلوا
أم هل يثوب رجال بعد ما علموا
متى أرى حمرة الرايات صائرة
إلى البياض عليها السلم منتظم
سيندم العرب إن طال الشقاق بهم
وليس ينفع عضّ الكف والندم
لم نبنِ ملكاً ولم نلهج بثورته
ليهدم العرب ما نبني ويختصموا
إن الدماء التي روّت جوانبه
يكاد منها يشيب الرأس واللمم
أيذهب اليوم ما ضحوا به هدراً
أما لنا من هدى إيماننا حكمُ
أخبث بها نزوة أملى وساوسها
إبليس حتى يرى منا الذي يصمُ
هذا فؤادي وقد هاجت هوائجه
فكان مثل لهيب النار يحتدمُ
ليست قوافي ما غنيتُ سامعها
وإنما عبرات القلب تنسجمُ
فهل أرى العرب أغصاناً يلفهم
على الديارِ بيان العرب والرحم
حتى يعيدوا ضحى التاريخ خافقة
أعلامه فيرف العز والكرمُ
أنور العطار:في ياسن الهاشمي
لمّا نُعيتَ إلى أرضِ العراقِ ضُحى | ضجّ الفضاءُ وضجَّ السهل والجَلدُ | |
وروّعتْ فئةٌ للبغي جاحدة | حاقَ الشقاءُ بها والنحس والنكدُ | |
خافوكَ ميتاً وما بالميتِ من فَرَقٍ | لمّا نُعيتَ تهاووا ثمة افتقدوا | |
كأنّهم في سوادِ الليلِ أخيلة | لولا الخيالاتُ في دُنيكَ ما وُجدوا | |
لم يلبثوا أن تواروا في معايبهم | وجُرّعوا الموتَ لم يفطن لهم خَلدُ | |
مشت“دمشق” وراءَ النعشِ جازعةً | يكادُ يُصعقُها الأحزانُ والكمدُ | |
تبكي ابنها البرَّ قد أودى الحِمامُ بهِ | فضاعَ في موتهِ التبيانُ والرّشدُ |
أنور العطار:
في ياسن الهاشمي
عمَّ الذهولُ رباعَ الشامِ من أسفٍ | كأنّها مقلة دمعاءُ أو كبِدُ | |
قد فجّرَ الألمُ الجبارُ أدمُعها | كما تفجرَ يومَ العارِضِ البَردُ | |
لا الأنسُ يضحكُ في أرجائها ألفاً | ولا النعيمُ على جنباتها يفِدُ | |
إلا الكآباتِ تعلو الأفق غامرة | وللكآباتِ صوتٌ صارِخٌ فرِدُ | |
لهفي عليها ولهفُ العُربِ قاطبةً | ماتَ الحبيبُ وماتَ القائدُ النّجدُ |
أنور العطار في قصيدة جيش أسامة(
الرسالة العدد 291):
ضجَّ مهد الصحراءِ بالتغريد | وسرى النور في رمال البيدِ | |
هو ذا في غيابة البعد خطٌّ | ينجلي من سرابها المعقود | |
سال ذوبُ النضار في مصحف الأف | قِ فزان الدنيا بحلم رغيدِ | |
نهرٌ من هداية يتلوى | في فضاء رحب المطاف مديد | |
ضمّ في شاطئيه صَيّابة العُر | بِ وبأس الممرّسين الصِّيدِ | |
والأميرُ الفتى يدّرعُ البي | د بجيش من الكماة عديد | |
رفرفت راية النبي عليه | ورعتهُ بالنصر والتأييدِ | |
من هو القائدُ الفتي وما ين | شدُ في قصده الطروح البعيد | |
يا صحابي هذا(أسامة) يختا | لُ بِبُرد من الشّبابِ نضيد | |
رأسُ الأكرمين وهو ابنُ عشري | ن بعزم ماض ورأي سديد | |
حدث النفس وهو يحلم جذلا | ن بنصر داني القطوف عتيد | |
إيه يا نفس لا ترُعك المنايا | فالمنايا أمنيّة الصنديد | |
اطلبي المطمح القصيَّ مداه | ودعي الضعف للجبان الرّقودِ | |
واذكري نائماً(بمؤتة) باع الن | فس زُلفى ربّ البرايا الحميد | |
وانهضي للجهاد في نصرة الح | قّ وبُثّي رسالة التوحيد | |
ودعي اسم النبيّ تعبقْ به الدن | يا وترتع في عالم من سعود | |
وتلاقى الجمعان فارتجت الأر | ض وغابت في العاصف المشهود | |
وتعالت في القفر تكبيرة الله | فدّوى الوجود بالتحميد | |
وأسودُ الصحراء قد غنموا النصر | وفازوا بالمأمل المنشود | |
يا جنود الحق المبين سلام | أنتم للعلاء خير جنود | |
بكم عزّت الحنيفة في الكو | ن ومالت شأو المرام البعيد | |
غيرهم يفتحون للذل والعار | وهم للعلاء والتشييد | |
ثم دال الزمان من ناسه الغر | فقرت سيوفهم في الغمود | |
واستكانت إلى الكرى فعليها | صدأ الدهر من طويل الهمود |
أنور العطار:
أنا قيثارةٌ تنوحُ على الدهرِ | ودمعٌ على المدى يترقرقْ | |
أنا لحنٌ مُضرّجٌ بالمآسي | كادت النفسُ من تشّكيهِ تزهقْ | |
هو في الصدر لاعجٌ يتنزى | وهو في الفكرِ جدولٌ يتدفقْ |
أنور العطار يمدح ياسين الهاشمي(
الرسالة العدد 24):
(ياسينُ) نورٌ من الإخلاص مؤتلقٌ | من نفحةِ الله لم يُخصص بهِ أحدُ | |
من معدن الحزمِ والتصميمِ جوهرُهُ | يكونُ حيثُ يكونُ الرأيُ والسدُدُ | |
ضمنتَ للوطنِ المجروحِ عزّتهُ | فأنتَ آمالهُ الكبرى وأنتَ غدُ | |
أما تذكرُ أياماً لهُ غبرتْ | وملءُ أحشائها الترويعُ والسَّهدُ | |
تفتّحت حفرَ الأجدادِ صارخة | وهبَّ من رقدةِ الآبادِ مُلتحِدُ | |
شببتها ثورة حمراء لاهبة | تكادُ من هولها الأطوادُ ترتعدُ | |
لسانها في الفضاءِ الرحبِ مندلعٌ | ووهجُها في فمِّ الجوزاءِ منعقدُ | |
وأنتَ في غمراتِ الموتِ تقحمها | تظلُّ نفسكَ روحٌ للعلى ويدُ | |
في فتيةٍ حلبوا الأيامَ أشطرَها | وصافحوا الموتَ لم يفترْ لهم جَلدُ | |
عاشوا جمالَ الدُّنا حتى إذا أنزلت | بهم مناياهمُ بين الورى خلدوا | |
كأنّما يبدءون العمرَ ثانية | فإن هم لفظوا أنفاسهم ولدوا | |
كأنّهم في فضاءِ الله ألويةٌ | دمُ الجهادِ على أطرافها يقِدُ | |
والمخلصونَ جلالُ الكون ما طلعوا | والمخلصونَ سنا الأيام ما همدوا | |
في العبقريّة أحقابُ لهم قشبٌ | وفي البطولةِ آبادٌ لهم جُددُ | |
حلّقتَ كالنّسرِ في الجوزاءِ مرتقياً | وخلفكَ الناسُ في أثوابهم جمدوا | |
يرونَ فيكَ مضاءً لا كفاءَ لهُ | وعزمة تخلقُ الأبطالَ أوتلدُ | |
فَخفصّوا الهامَ إعجاباً وتكرمة | والناسُ إن بهرتهمُ خلّة حمدوا | |
ياسينُ!لا تحتفل كيداً رموكَ بهِ | ولا يهولنك ما حاكوا وما سردوا | |
فأنتَ كالشّمسِ إن تَسمُ العيونُ لها | ترتدُّ عنها وفي أجفانها رمدُ | |
لم يلبث الحقُّ أن لاحت مخايلُهُ | وغابَ في طِيّهِ البهتانُ والفَندُ | |
إن أرجفوا فضلالُ ما نعوجُ بهِ | كم يضحكُ اليمُّ إن أرغى بهِ الزّبدُ | |
دعِ المُفنِّدَ يمعن في غوايتهِ | فليسَ يرفعُ إلا الواحدُ الصّمدُ | |
إن يكتبِ اللهُ للإنسانِ مكرُمةً | لا يمحُها الخلقُ بل لا يطوها الأمدُ | |
خُذِ الخلودَ نقياً ما بهِ دَخَلُ | وخَلِّ هذا الورى يذهب بهِ الحسدُ | |
يا بانيَ المجدِ لم تضعف دعائمهُ | كلٌّ على ما بنيتَ اليومَ مُعتمدُ | |
سِرْ في لواءِ الهدى جذلانَ مغتبطاً | فالقومُ قومكَ ما حادوا ولا رقدوا | |
قد صفّفت لُبواتُ العُربِ شِكتها | وحَدَّدَ النابَ في عرنينهِ الأسدُ | |
أنور العطار(الرسالة العدد53): | ||
ألهمتني الشعرَ وأنغامهُ | وحسرةَ الذكرى وشجو الهوى | |
وحيرة صاحبها ذاهلٌ | مُرَوّعٌ يُضنيهِ فرط الأسى | |
نادتكِ روحي في دجى صمتها | ممرورةً غلغلَ فيها الجوى | |
واسمُكِ حوّامٌ يُناغي فمي | قلبي طواهُ ولساني روى | |
آمنتُ بالحلمِ فكم مأملٍ | مُستبعدٍ أدنتْ خُطاهُ الرُّوى | |
وعالمٍ ضلّلني لغزُهُ | مدَّ عليهِ جُنحهُ فانجلى | |
يُطمعني في عزلتي أنني | أرى بِسترِ الغيبِ ما لا يُرى | |
أعي حديثاً حافلاً بالرِّضا | يُهدهدُ القلبَ إذا ما وعى | |
وتسكنُ النفسُ إلى نغمةٍ | هابطةٍ من سدرة المنتهى | |
كم صُغتُ أشعاري من وحيها | وكم تغنيّتُ بها في الدجى | |
قلتُ لنفسي في سُجُوِّ الرؤى | لم آتِ دنيايَ لعمري سُدى | |
لئن شجاني أنني ميّتٌ | لقد نفى شجوي أني صدى | |
كتبتُ روحي قصة لذة | وصُغتُ قلبي نغماً يُشتهى | |
ليسَ ينالُ التُربُ من مهجتي | ولا يُذيبُ اللحنَ منها البِلى | |
طوفت الأفلاك في سبحها | كأنها ما حفلت بالردى | |
أترعتِ الدنيا شذاً باقياً | وغلغلت طيَّ الرحاب العلى | |
أغاضني من فرحتي حسرة | من بَدَّلَ الضحكَ بِمرِّ البكا | |
مررتُ في دنيايَ مستعجلاً | كأنني في الغُمضِ طيفٌ سرى | |
تُزينُ الأحزانُ لي عيشتي | وترسمُ الشّكَ وتمحو الهدى | |
يئستُ من صحوي ومن غفلتي | كلاهما بعضُ خيال الكرى | |
أسلو، وما سَلوايَ إلا البكا | أحيا،وما عيشي إلا الشّجا | |
ضاعت أماني ولم يبقى لي | في عمري من أملٍ يُرتجى | |
ولم يَعُدْ لي مطمحٌ مُشرقٌ | إلا انتحاهُ الموتُ نضر الصِّبا | |
أمس صِبايَ الغضُّ ودّعتهُ | وغابَ عني في سحيقِ الهُوى | |
وذا شبابي اليوم مُسترجعٌ | يمشي إلى الموتِ حثيثَ الخطى | |
وقلبي الموجوعُ ما يأتلي | يُمعنُ في النّوحِ إذا ما اشتكى | |
حنتْ إلى الماضي جراحاتهُ | وجرحهُ قدِّسَ لما مضى | |
آهاً على نعمى تخيلّتها | ما جزِعتْ أن هدّمتني ضنى | |
تعتادني الأشجانُ في وحدةٍ | لا فرحُ يُسعدها أو سنا | |
داجيةٍ نكراء طفّاحةٍ | بالسُّهدِ والبلوى وبرحِ الاذى | |
العدمُ الرّاعبُ فيها لقىً | تحسرُ عن أسرارهِ ما اختفى | |
والوهمُ ملموسٌ بها بيّنٌ | والغيبُ فيها ماثلٌ يُجتلى |
أنور العطار في رثاء سليم الجندي:
“سليم” يا حُجّة الفصحى وموئلها | يا وِردها العذبُ مأموناً به الصدرُ | |
ويا كتاباً قبسنا من صحائفهِ | بدائع الناس ما صاغوا وما سطروا | |
ويا ربيعاً تندّى رقةً وشذىً على خمائله الأطيار صادحةٌ | فطيّبَ الأرض منه النافح والعطرُ وفي مسايله الأغراس والعُذُرُ | |
ما زلت ليلك تطويه على سهرٍ | حتى تسمّرَ في أجفانك السمرُ | |
مُنقباً عن أصولِ القول مجتهداً | ما هدَّ جنبك لا أينٌ ولا ضجرُ | |
وما نظرت بلبٍ ناقدٍ نهِم | إلا استقام لك النُّقادُ والنظرُ | |
عزيمة ملؤها الإخلاص صادقةً | ما شابَ لإيمانها ضعفٌ ولا خَورُ |
أنور العطار:
الرسالة العدد 26
ذوبتُ في روعهِ الإمساء أتراحي | وصُغتها نغمات ذاتِ أفراحِ | |
أعيد أشعاري الضحّاك مبسمها | من كلِّ مُسترسل الأعوال نوّاحِ | |
ما قيمةُ العيشِ نمضيه مُرَوّعة | أحلامنا بخيالات وأشباحِ | |
يسمو بكَ الكونُ إمّا زدتهُ مرحاً | والكونُ ملكُ لعوبِ الحلمِ مِمراحِ | |
إغفاءةٌ تعدلُ الدنيا بما نهلتْ | أفياؤها من نعيمٍ غيرِ منجاحِ | |
فغطّ في حُلمكَ الفضيِّ مُطرحاً | إسارَ عيش طويل الهمِّ ملحاحِ | |
فِفي غَيابتهِ تغفى مواجعنا | كأنما قد محا آثارها ماحِ | |
يا غيبُ!مهد لروحي فيكَ معتكفاً | رحبَ الأعاليل خصباً جدَّ منّاحِ | |
مُجنح الحلم مبثوثَ الأطار رؤىً | كالفجرِ ما بينَ تعتيمٍ وإصباحِ | |
يُعله النورُ أو تعرى مَحِفته | كأنها زهرةٌ في كفّ سباحِ |
أنور العطار:
الرسالة العدد 26
تغيم بالزّبد الواهي غلالتها | فتنجلي عن جبين مُشرق ضاحِ | |
وإن تضع في مطاف جاهد عسرٍ | تظفرُ بفىءٍ وأمواهٍ وأرواحِ | |
هذي سماؤك فانظم في روائعها يعيرك الشفق الرّجراج قافية ففي الغيوم أناشيد وأخيلةٌ | شعرَ الخلودِ بتبيان وإفصاحِ من كل مؤتلق الألوان لماحِ صبيغةٌ بسنا كالفجرِ وضّاحِ | |
يا زورق الشعر جُزْ يمَّ الدنى فرحاً رُبانكِ الحب،لا تثنيه غاشية | لأنتَ في غُنيةٍ عن كلِّ ملاحِ عن السرى في سماء ذات ألواحِ |
لا تَرعْ فالحياة يومٌ ويمضي
ليس يُرجى لطيفهِ أن يؤوبا
يسأمُ العيشُ من يبيتُ خلياً
والشجي العميد ينسى الكروبا
إن الحياة إذا يسّرتها يسرت | كأنّ إمرارها في الطعم إحلاء | |
وإن أردتَ بها شؤماً ومعسرةً | فإنّما هي أثقال وأعباء | |
كل له ما يرى فليتعظ فطن | فعسرها اليسر والبأساءُ سرّاء |
عفاءٌ على الدنيا فما هي لذّةٌ
إذا كنتَ في شطرٍ وقلبك في شطر
ويا بؤس محيانا ويا طولَ غمنا
ويا شدّة ما نلقاهُ في الدهرِ من قسر
علّمتني الحياةُ أنّ التأنّي | شدّ ما كان غايةَ المُتمنّي | |
فتزّودتُ أيَّ زادٍ من الصبرِ | وقرّبتُ حكمة الدّهرِ منّي | |
لستُ أختارُ أن أكونَ عجولاً | أدَعُ الغيبَ بين رجمٍ وظنِّ | |
قِسمي لن تكون يوماً لغيري | فلأعوّد نفسي نعيم التأنّي |
أنور العطار:
علّمتني أن الوجودَ صراعُ | لا يجيدُ الصراعَ إلا شجاعُ | |
فتقحّمتُ غايتي غير هيّابٍ | وللنفسِ كرَّةٌ واندفاعُ | |
إنّما يحذرُ الكفاحَ جبانٌ | ملءُ جنبيهِ رهبةٌ وارتياعُ | |
والشجاعُ من دأبه الحزمُ | ومنْ همُّهُ السُّرى والزماعُ |
أنور العطار:
علّمتني أنَّ الطفولةَ ألوانٌ | وأنَّ الهوى على الدهر طفلُ | |
إن كتمتُ الهوى كتمتُ التباريحَ | وإن بُحتَّ فالفضيحةُ شغلُ | |
أو أطعتَ الهوى أطعتَ الأضاليلَ | ودربُ الهوى هوانٌ وذلُّ | |
حارَ في كُنههِ الأساةُ فما ينجي | حذارٌ وليسَ يردعُ عدلُ |
أنور العطار:
يومنا المرتجى!تباركتَ يوماً | أنتَ في علمِ ربّنا الخلاقِ | |
تتلاقى الأحبابُ في أفقكَ الرّح | بُ،وتشفى من حُرقةِ الأشواقِ | |
هي في غمرة البقاءِ شحاري | رُ،تَغنّتْ بذكرياتٍ رِقاقِ | |
قد رَقتْ في فضاءِ ربّي هَيمى | وهي لمّا تزلْ تُحبُّ المراقي | |
قد نزعنا ثوبَ الحياةِ قشيباً | وجرعنا الردى بكأس دهاقِ | |
وأفقنا وللصباحِ عبوسٌ | والدُّجى الوَجف قاتم الأعماقِ | |
ملّتِ النفسُ صحوها وكراها | واصطباحي من هَمّها واغتباقي | |
فمتى أستريحُ من عبئها القا | سي وأنجو من سحرها البراقِ | |
يا مغيبَ الحياة أنسيتني النّو | رَ،وأقصيتني عن الإشراقِ | |
ومحوتَ الوجودَ إلا رسوماً | أوثقتها يدُ البلى في وثاقِ |
أنور العطار(
الرسالة العدد993):
ليس يدري غير التسامح دينا صاغهُ الله من حنان ورفق | فهو روحُ السّخاءِ رمزُ الفداء ودموع وصبوة ووفاء | |
يُشرقُ البِشرُ في محياه نضرا ويرفُّ المعنى النبيل على اللف | ومن البِشر أنفس الشعراء رفيف السنا على الأنداء | |
يا صدى الأنفس اللهيفة يا حا | ملَ عبء الهمومِ والأدواء | |
تنقل البرء للألى نشدوا البر | ء وفي القلب عالم من رثاء | |
هكذا الأنفس الكبيرة تُحي | لسواها في فرحة واحتفاء | |
فإذا رمت أن تكون سعيداً | فتعهد مصائب الأشقياء | |
بسمات الحنان أفعل في الأ | نفسِ من أي نائل وعطاء |
أنور العطار:
إنما الأم ومضة من سنا | الله وقيثارة همت أنغاما | |
صاغها الله من سماحٍ ورفقٍ | ودموعٍ على الليالي تهامى | |
رحمة هنيت على القلبِ حتى | ملأتهُ هوىً يثور احتداما | |
طبعتهُ على البشاشة والبشرِ | وزانتهُ بالوفاءِ اعتصاما | |
خلق كالندى إذا توّج الزهر | وعطفٌ مُخَلّد لا يُسامى | |
وحنان يرفّ كالزنبق الطهر | وكالروح جائساً حوّاما |
أنور العطار:
أنا في عزلتي يطيفُ بي الرعبُ فأبكي | من طولِ سجوي وأفرقْ | |
تعتريني الهمومُ فالطرفُ حيرانُ | مُندىً من الدموع مُؤرقْ | |
لي عذاب اثنتين:نفسي التي | تشقى ونفسي التي أحبّ وأعشقْ | |
ضاعَ عمري كما تضيع الينابيعُ | وتخفى أمواهُها وتُغلقْ | |
وانطوى مثلما تمرّ الضباباتُ | ويفنى خيالها ويُمزّقْ |
عمر بهاء الدين الأميري في قصيدة”
في وحدتي”:
في وحدتي،والليل داج | والسكونُ له امتداد | |
والذكرياتُ تلوح كسلى | بينَ أجفان السهاد | |
أصداء ماض ما تزال | تئن في خفق الفؤاد | |
وتبينت عيناي فوق | “الراد“في قلق فراشة | |
وإذا العُبوسُ يزول عن | نفسي،وتلتمع البشاشة | |
في وحدتي،أبصرتها | تلقي إلى“الراد” الشفاهْ | |
وكأنها في نوره الواني | ترى درب النجاه | |
أو أنّها ظمأى تعبُ | خلاله راح الحياه | |
في وحدتي،لاحظتها | تصغي إلى اللحن الخفيف | |
تحبو على بلورة“الراد“ | المضيئة في رفيف | |
تعلو وتهبط وهي ترسل | ثم حِسّاً كالحفيف | |
في وحدتي،شاهدتها | بين ارتداد وانبعاث | |
واللأي يرهق صدرها | فتظل تمعن في اللُهاث | |
فسألتها في خاطري | ما تقصدين أيا“خُناث“ | |
في وحدتي،وكأنها | فهمت تساؤل خاطري | |
فرنتْ إليّ وأقبلت | لترفّ قرب محاجري | |
ولهى تناجيني وأفهمها | بوحي الشاعرِ | |
في وحدتي،عاينتها | وعلى جناحيها غبار | |
في ضوء“رادي“قد أشعّ | كأنما هو من نضار | |
تركت على خدي نُثاراً | منه،يا لطفَ النثار | |
في وحدتي،من يُبصرُ | الجسم الممدد في السرير | |
والصدر يلهث دون لأي | في الشهيق وفي الزفير | |
تعب الهموم أشد من | تهب الجسوم على الضمير | |
في وحدتي،في غرفتي | في وحشةٍ حرى كئيبه | |
أرنو إلى المستقبل | المجهول،أستجلي غيوبه | |
وعلى الجدار ترن دقة | ساعة تمشي رتيبه | |
في وحدتي،وأناملي | “بالراد” تعبث دون غايه | |
تحبو بإبرته رويدا | في مداه إلى النهايه | |
فتُشيح نفسي،وهي غيرى | من مهاترة الدعايه | |
في وحدتي وأنا أحاول | صيد لحن أشتهيه | |
متنقلاً بين البلاد | أطيرُ من تيهٍ اتيه | |
سَدر الشعور،فما يعيه | كأنّهُ ما لايعيه | |
في وحدتي،وأنا غريق | في اللحون وفي الشجون | |
غاضت حدودي عندما | أسلمت للحلم العيون | |
وكأنني في اللانهاية | لستُ أفقه ما أكون | |
في وحدتي،وأنا على | عتبات نوم شبه هادىء | |
لا أستبين حقيقتي | أنا هانىء أم غير هانىء | |
رعشت على خدي تدغدغه | ملامسُ من مفاجىء | |
في وحدتي ،ثار الحنين | يلوب في أعماق قلبي | |
يرجو له سكناً يلائم | مشربي وينير دربي | |
ويكون رائد همتي | ويبثني حباً بحُب | |
في وحدتي،حتى الفراشة | خلفت خدي وطارت |
عمر بهاء الدين الأميري في قصيدة”
في وحدتي”:
ورمت بهيكلها على ففتحتها حتى تطير | بلور نافذتي وطارت ولست أدري أين صارت | |
في وحدتي،آمنتُ أنَّ | النفسَ بالحرمان تصفو | |
فطويتُ أحناءَ الضلوع | على جواي ورحتُ أغفو | |
والحلم يرقى بي معارج | كلها ذوق ولطفُ |
فأنا للحقِّ كالبركانِ لا يترك زوراً
وعلى الباطلِ كالبركانِ ويلاً وثبورا
اغمض العينين رَهوا | وتنفّس صعداءَكْ | |
املأ زِدْ،واستعدْ | لا خيّبَ الله رجاءك | |
سِرْ..ولُذْ بالله فإلّا | مدادُ من ربّك جاءك | |
لا تقُلْ:جاوزت سبعيني | واستكملْ عطاءَك | |
وامض بالله قوياً | سدّد الله مضاءَك |
عمر بهاء الدين الأميري:
الهولُ في دربي وفي هدفي | وأظلُّ أمضي غيرَ مضطربِ | |
ما كنت من نفسي على خور | أو كنت من ربّي على ريبِ | |
ما في المنايا ما أحاذره | اللهُ ملء القصدِ والإربِ |
عمر بهاء الدين الأميري:
لا تُضِعْ لمحة من العمرِ هدراً وتقدّس بحملِ همِّ البرايا | وارتفعْ عن كثافةِ الأرض قدرا واسأل الله فوق صبركَ صبرا | |
وتفاهم والدهر فهو حكيمٌ | لا تقُلْ:جار! إنّهُ بكَ أدرى | |
رُبَّ عُسرٍ شكوتَ منهُ مُلحاً | يُضمرُ الدهرُ في خفاياهُ يُسرا | |
فتشبّثْ مُسلماً لقضاء | الله وادأبْ في السعي ـ يا عبدُ ـ حراً |
عمر بهاء الدين الأميري:
أيها الصحب إنّها دورة الدهرِ | كفانا في تيهنا دورانا | |
نخر“الهيروين“إنسان “غرب | العصر“نخراً فلم يعد إنساناً | |
هو طوراً“تقنية“تنطح النجمَ | وطوراً يجاوز الحيوانا | |
والدنى اليومَ في رحىً من شقاءٍ | ضلَّ إنسانها وشذَ وهانا |
أين روح الإله فيه؟أما
استخلف حتى يُسيّر الأكوانا؟
بسدادٍ وحكمةٍ وجهادٍ
ضاع،ويلاهُ
!
ضيّعَ الإيمانا
وتعالى على الإله تعالى
في غرورٍ وكابرَ الدَّيانا
أمضي ولا أنثني،والله يَحفِزُني | ولا أبالي بآمالي وآلامي | |
الأمرُ أكبرُ من عمري وأصغر من | طموح نفسي وإيماني وإسلامي | |
ومن توثب روحي في مشارفها | إلى الجهاد..وهذا سرُّ إقدامي |
أيا وليدي،يا حفيدي،وأحمدي
أيا طفل هذا اليوم،يا رجل الغدِ
أمدُّ إليك القلبَ في خفقاته
يضمُكَ رغمَ البونِ،والحبُّ مُسعدي
ولوكان في وسعي سعيتُ مقبلاً
ومحتضناً ـ ولكن يدي ـ قصُرت يدي
هو الدهر
…
بين الشرقِ والغربِ دارُنا
موزعةٌ والبعدُ ليسَ بِمُبعدي
عن المنبت الغالي،عن الأهل حيثما
أقاموا،ولو فوق السماء بفرقدِ
يضمك قلبي يا وليدي ضارعاً
ومستنجداً بالله أكرم منجدِ
يصونك محفوفاً بآلاءِ جودهِ
لتنشأ جندياً لدينِ
(
محمد
)
عمر بهاء الأميري:
أماهُ يا روحاً منيراً وعلى الثرى،مَلكاً طهوراً | في رحى جسمٍ أهلّا في ثيابِ “الأمِّ “حلا | |
وعلى جناني،من جنان قد كان كالإشراقِ | الخلد،كالنعمى أطلّا يغمرني جَداهُ ،إذا تجلّى | |
بركاتُ عمري من رضاه | وتستمرُ،وقد تولّى |
الهولُ في دربي وفي هدفي
ما كنتُ من نفسي على خوَرِ
ما في المنايا ما أُحاذرهُ
وأظلُ أمضي غير مضطربِ
أو كنتُ من ربّي على ريبٍ
الله ملءُ القصدِ والأرَبِ
نزعُ السلاح..وما الذي تجدي | له الخطب الجميلة | |
في ظل“منتظم” التهاتر مادام “إنسان الحضارة“ | والمتاهات الطويلة لا سلام ولا فضيلة | |
فالأمن في تزع الشرور | من الصدور ولا وسيلة | |
إلا الرجوع إلا هدىً | سَمَ الإله لنا سبيله |
قالوا العروبة قلنا إنها رحم
وموطن ومروءات ووجدان
أما العقيدة والهدي المنير لنا
درب الحياة فإسلامٌ وقرآن
وشرعةٌ قد تآخت في سماحتها
وعدلها الفذ أجناسٌ وألوانُ
البائساتُ المائساتُ | كآلة من غير روح | |
الناشرات شذى،ومن | أعماقهن أذى يفوح | |
الضاحكاتُ، وقد طوين | قلوبهن على جروح | |
آلامها الحرّى،مع الزفرات | في لهث تنوحُ | |
ولقد يُقال:ألِفنَ ما يحيين | فيه من الجنوحْ | |
ونجينَ من رهق العقول من | الغموض من الوضوح | |
وسعدنَ بالأيام تمضي | بالغبوق وبالصبوح | |
فنقول:بل خدرنها | وغداً يكون لها جموح | |
ولعلَّ ذا قلب يرى | مأساتهن كما تلوح | |
وسلوا الشقاء،وإنه بئس | المصير،فقد يبوح | |
ما للحياة،حياة دنيا الغرب | ملأى بالقروح | |
الرقُّ فنّ،والسابق في | الضلال هو الطموح | |
و“الجاهلية” هكذا تمضي | وإن لبست مُسوح | |
يا رِدّة البشر… | عن هدي سَبوح | |
الطائرُ المكدودُ في الأوداء | كَلَّ عن السفوح | |
سيغيب في وهداته | فكأنّهُ آلٌ سنوح | |
حتى ولو راد الفضاء | وشاد في النجم الصروح | |
ما قيمةُ التحليق في الأجواء | نلتمس الفتوح | |
والشرُّ في أرض الخلافة | من مفاسدنا رَموح | |
يا أمّةَ الإيمان نهداً | قد كفى طيّ الكشوح | |
مستخلفون على الحياة | أما نشدُّ أما نروح؟! | |
أينَ الأبوّة والهدى؟ | أينَ المبادرة الطموح؟ | |
الكلكل الغربي والدنيا | رزوحٌ في رزوح | |
لابدَّ للظلمات والظلم | المركب من نزوح | |
يهتزُّ ميزان الدنى | والحقُّ أصمدُ للرجوح | |
والدّهر قسطاس وإن أغضى | فما هو بالصفوح | |
الآلة الصماء،والشهوات | والطبعُ الجموح | |
من ذاتها بأذاتها، | سيهدها قرنٌ نطوح | |
عمر بهاء الدين الأميري: | ||
حنانيكِ يا أيامُ لا تُوهني صبري | ورقي على صدري وما ضمّهُ صدري | |
لقد ذابَ قلبي رقةً وتولها | فخلتُ بني الآلام يسعون في إثري | |
فمن كلِّ ذي بؤس لنفسي حصّةٌ | أشاطرهُ الآهات من حيث لا يدري | |
تبنيتُ إصلاحَ البلادِ وأهلها | فأصبحَ أمرُ الناسِ كلّهم أمري | |
وحملّتُ نفسي فوق طاقة همّتي | فشُختُ،ولم أبلغ ثلاثين من عمري | |
وقال يرثي الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: | ||
تمرد قلبي والجنانُ تردّدا | فقلتُ استبينوا الأمرَ! قالوا:تأكدا | |
فحشرجت الآهاتُ والدمعُ خانق | بحنجرتي أوّاهُ من فجأة الردى | |
ونادى أذان الموت :واروه تربه | غداً،فإذا ما عدتمُ ارتقبوا غدا | |
غداً سيسيرُ الناس خلف نعوشكم | فيا حظّ من سوّى الطريق ومهّدا | |
تلمستُ نفسي أستبينُ وجودها | وقد بُزَّ منها مصطفاها وأُلحدا | |
أما ثلموا بين الحنايا حشاشتي | أما غيّبوا مني،وعنّي، بهِ يدا | |
أما تيّموا،في الروعِ رأي وقد مضوا | بمن مدّ رأي بالصوابِ وأيّدا | |
أما أوجلوا عزمي الجليد وكان في | تداعمنا أقوى وأمضى وأجلدا؟ | |
أيا مصطفى نفسي،أتُصعدُ في السما | وتتركني في وهدةِ الأرضِ مفردا | |
وأنتَ عليم أنني من أذى الدُني | وأهل الدُّنى أحيا غريباً منكدا | |
عمر بهاء الدين الأميري في قصيدة“هم العالمين“: | ||
لا لم أنمْ،بل قد أرقتُ | وللصداعِ رحىً تدورْ | |
وبمحجريّ من الهموم لظىً | وفي رأسي نُدور | |
والغربة الليلاء | في عمري أوامٌ لا يحور | |
عقمت“جنيف” فلا أنيسَ | ولا حبيسَ ولا سرور | |
وحدي أعدُّ دقائقي | وأضيعُ في تيهِ الدّهور | |
بينَ التألم والتأمل | في التباسات الأمور | |
حيرانُ افتقدُ المعالمَ | لا حجابَ ولا سفور | |
سكرانُ أبتدرُ الصلاةَ | وحمرتي صبرٌ طهور | |
أسهو وأصحو والدُّجى | ساجٍ وفي نفسي فتور | |
وأظلُّ في شبهِ الكرى | مُتقلباً حتى أخور | |
فأغيبُ عن دنيا شعوري | في ضبابِ اللاشعور | |
ماذا؟أأنباءُ الغيوب غداً | وسكانُ القبور | |
من كلِّ فجٍّ ينسلون | كأنّهُ يومُ النشور | |
يتدافعون بِقضهم وقضيضهم | عبرَ العصور | |
كلٌّ يُسارعُ في مُناهُ | وإنها لَمنى غَرور | |
وأنا أحسُّ بكاهلي | الأعباءَ قاصمةَ الظهور | |
أعباءَ كلِّ الخلقِ! | ويلي كِدتُ إعياءٌ أمور | |
وكأنما اجتمعت على | صدري مُلّمات الصدور | |
فالأرضُ تحملني على مضض | وتوشكُ أن تغور | |
وفتحتُ عيني يقظةٍ غرثى | وفي حلقي حَرور | |
وشرعتُ أصحو مُثقلَ الأنفاسِ | مبهورَ الشّعور | |
وفمي الأجَفُّ كأنّ في | جنباتهِ نبتتْ يثور | |
أغمضتُ عيني مرةً أخرى | ومزّقتُ الستور | |
ومضيتُ أرنو في كتاب الغيبِ | ما بينَ السّطور | |
فرأيتُ أهوالاً:وكان الحقُّ | من غيظٍ يفور: | |
بحرٌ من الظُّلماتِ والظلم | المؤجج والشرور | |
والكونُ بالغُربان عجّ | فلا صقورَ ولا نسور | |
وألّمْ بي،أو كاد يأسٌ“ | فالدُّنى ختلٌ وزور | |
ونظرتُ والأحلاكُ،تدفع نظرتي | خلفَ الجسور | |
فلمحتُ في بونِ الدُّجى | المسحوبِ مُنبلجَ البكور | |
ورأيتُ صرحَ المجدِ ينتظرُ | لبجسورَ ولا جَسور | |
ووجدتُ همَّ العالمينَ | بقلبِ إيماني يسور | |
وكأنَّ إنقاذَ الوجودِ | على محورهِ يدور | |
ورأيتني،وأنا..أنا المسكينُ | كالأسدِ الهصور | |
وحدي،تسلّقتُ الرياحَ الهَوجَ | سُوراً إثرَ سور | |
ومن الذرى أبصرتُ دربَ | الخلدِ رشتّهُ العطور | |
وتلامعتْ في منتهاهُ | طيوفُ جناتٍ وحور | |
وسمعتُ ثمَّ هواتفَ الأقدارِ: | حيَّ على العبور | |
فقذفتُ نفسي!غيرَ أنّي | شِمتُ أجنحة الطيور | |
بُسطتْ لِتحملني،وحطّت بي | على جَددِ المرور | |
فتحتُ عيني،والخلافةُ في | رؤى أملي الغيور | |
والروحُ يقظى،والأمانةُ في | دمي نارٌ ونور | |
والعهدُ في عُنقي،وأمرُ الله | في عزمي يثور |
قد كابروا الله واستغلوا،على سفهٍ
مُنىً كواذبَ،ودعوى غير مُعتنقِ
وأعلنوها،وما خاضوا معامعها
ولا أعدوا لها إعداد ذي حذقِ
فكان من أمرنا ما كان من فشلٍ
هذه جحافلهم مهزومة المِزقِ
بهم هُزمنا،وما زلنا،وما اتعظت
عُميُ النفوس
!!
ألا إنّ الشقيَّ شقي
فيا فجيعة شعبٍ،مدَّ كاهله
ليصعدوا منه،في أبنائهِ العُققِ
ويا حبائلهم لفّي الشِباكَ على
أعناقهم،واخنقي الطغيان واختنقي
جرحٌ،وأعمقُ من صبرٍ ومن جَلدٍ
خرقٌ،وأكبر من عمرٍ ومن رتقِ
لقد نُكبنا،وما خَضنا،ولا هُزمَ
الأبطالُ في السجن،والأقطابُ في الشنق
بلى
..
نُكبنا،بما قد نابَ أمتنا
والخطبُ من قلبنا في أعمقِ العُمُقِ
لا يأس،فالحربُ أقدارٌ ودائرةٌ
وإنه طبقٌ يأتي على طبقِ
مُكبلون
..
ولكن في غدٍ نبأ
يا نجمُ مزّق ظلامَ الليلِ وائتلقِ
لسنا نبالي،وللقرآن في دمنا
جُذىً من العزمِ تطوي شقة اللحقِ
غداً سيشرقُ بالإسلامِ طالعنا
رغمَ الصعاب،وتجلو غرّة الفلقِ
والنصرُ بالصبرِ والإيمانِ معقده
والمجدُ بالعزمِ والإعدادِ والسّبقِ
ورُبَّ قائلةٍ
:
أفرطتَ في أملٍ
أما ترى السدَّ سداً غيرَ مُخترَقِ
فقلتُ
:
من عزمِكَ اللهم عزمتنا
ولستُ غيرك في الجُلى بممُتشقِ
وطالبُ الحقِّ لا يخشى غوائلهُ
في الله،كم طالبٍ للحقِّ فيه لقي
هي الطريقُ،طريقُ الله،واحدةٌ
وأشقياء غرورِ العقلِ في طُرقِ
يبلى الجديدان،والقرآن جدّتهُ
تنمو هدايتها،كالدِّيمةِ الطبقِ
تحبو الوجودَ حياةً لا زيوفَ بها
خيرٌ يعمُ البرايا خالدَ العَبقِ
محمد البزم:
في رثاء شكيب أرسلان
وفللتَ من غربِ العِدا بسكينة وشققتَ للصخرِ الأصمِّ مسامعاً | تركتْ مُثارَ النقعِ غير مُثارِ ورميتَ سمع الخصمِ بالأوقارِ | |
بيراعةٍ كالشمس من أثارها قلم كما ترضى الفتوةُ ناهضٌ | مُتعُ الصباحِ ورونق الأبدارِ بمآربِ الأمجادِ والأخطارِ | |
قامتْ على الزهراءِ منه روائع | مجلّوة كالصارمِ البّتارِ | |
تبكي عليه جماهر الأسفارِ | موشيةً بطرائفٍ وطِرارِ |
ومن العناء على الوفاءِ وأهله
كفر الرياض صنائع الأمطار
والدهرُ أكرم ما يكون إذا وفت
أبناؤه الأخيار للأخيارِ
نسفتُ ذرى الآمالِ باليأسِ راضياً ولم يبق لي شيءٌ سوى العلم سلوة | فخدّي،بحمد الله واليأس،أصعر وغيرُ نبيل الشعرِ ألهو وأسمرُ ر | |
أصولُ على ذي البغي صولة مُجهز | يُشيّعني رأيٌّ وقلبٌ مبصرُ | |
خُلِقتُ عثورَ الجدِّ،ما شِمتُ بارقاً | من الخير إلا عاد بالشرِّ يُنذرُ | |
وأعجبُ شيءٍ يؤلمُ اللبَّ وقعُهُ | جسومٌ هي الأرماسُ في الناسِ تخطرُ |
وتسعى خطوب لا مرد لوقعها
فيلهو بنا في ذمّة الدهر عائبه
نعاتبه في السرِّ جهلاً وإن أتت
لياليه بالنعماء لسنا نعاتبه
لكَ الخيرُ ما خطبي على الخصمِ هينٌ | ولا صعدتي عند الثقاف تضّورُ | |
ولا عرفت مني الليالي ضراعةً | لذي إمرةٍ،يُبدي العداءَ ويُضمرُ | |
ولي عن مُقامِ الحيفِ والهونِ نبوة | ترفعُ بي حيثُ المجرّة تنهرُ | |
وعزّةُ نفس لا ترام ،كأنّني | إذا سرتُ يقفوني من الجنّ عسكرُ | |
شهرتُ على الأيام حربي وآذنت | بحرب،فكلّ أشوس الطرف أزورُ | |
تنكرّتُ مريداً لها،وتنكرّت | فكلُّ أخي حُسن بعينيَّ مًنكِرُ | |
وعندي لهذا الدّهر فضلُ قناعةٍ | تكفكفُ من صوب المنى حين تهمرُ | |
وما أنا من حبَّ السلامة مرتدٍ | ثياب الونى،فالعجزُ يقلى ويهجرُ | |
وما الموتُ لولا روعة عند وردهِ | سوى الراحةُ الكبرى تودُّ وتُؤثرُ |
إذا كان من أسدى لك الشر هيناً
فقل لي ـ أبيت اللعن ـ من أين تثأرُ؟
إلا إنَّ عصراً يرفعُ الجهلُ أهلهُ
ستلعنه في مُقبلِ الدهرِ أعصرُ
ولكنّها الأيام إن طابَ للفتى | زمانٌ أتى بالمعجزاتِ سفيرُها | |
إذا كانَ ما سرَّ الفتى غير دائم | فما خير نعمى لا يدومُ سرورها | |
يشطُّ الفتى عن دارهِ قالياً لها | إذا راعهُ بالموبقاتِ نذيرُها | |
وتغدو القصور الجارحات نوازحاً | إذا لم تلائمها الغداة وكورُها |
فيا دهر ما أقسى جنانكَ فاتكاً
ويا موتُ ما أقسى نباتك عاديا
وما ابتدعت كفاك في الناسِ فتكةً
فمخلبُكَ المشؤومُ ما زال داميا
دعِ الدّهر تنمو بالرزايا مصائبه | وتُمطرُ أصناف البلايا سحائبه | |
فما الدّهرُ إلا مرّ يوم وليلة | تروح بسعد أو بنحس كواكبه | |
تطاردنا خيل الزمان بلا ونى | ويعدو علينا صرفه فنوائبه | |
تقارعنا الأيام حتى كأننا | بقايا خميس أسلمته كتائبه | |
وتحبو إلينا الحادثات كأنها | مواخر يمّ طاميات غواربه |
ففخرك بالأهوالِ أوردكَ الردى | وقد يصرعُ الإنسان ما هو قائله |
سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
دمشق يا فخر الحواضر في العلى | وربيبة الإجلال والإسعادِ | |
إن تفقدي خير الرجال فطالما | عوّضتِ بالأبناءِ والأحفادِ | |
شدّي العزائم فالأصالة عالم | ما ضنَّ بالأقران والأنداد | |
حسب الشعوب مهانة فإلى متى | تقع الشعوب فريسة الأحقاد؟ |
سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
لمن الديار توّشحتْ بسوادِ | وتلفعت بفواجع وعوادي | |
دنيا المفاخرة ما عهدتك عاقراً | من ذا ادّخرتِ لغضبة وجِلادِ | |
حاشى ثغورك أن تلين لفاتح | أو تستكين لغاصب أو عادِ | |
ذوت المباهج والمفاتن صوّحت | وعلت مناحات بخير وادي | |
ولطالما حفل الزمان بأنسها | وشدا بكل خميلة أو وادِ | |
يا دار يا دارات وجدي لا انطوت | فيك البشاشة،والشعاع الهادي | |
أجّجت في صدري المروءة والهوى | وأرقت في شعري حنين الشادي | |
ماذا أحدث والفجائع ما تني | جمراتها تذكو بكلّ فؤادِ |
سليم الزركلي يرثي سعيد الغزي:
يا ابنَ الأهلّة من دمشق طوالعاً | وسليل هدي ماجد جوّادِ | |
أفنيتَ عمرك في حياكةِ بُردها | في غمرةِ النكباتِ والاقيادِ | |
لم تغرُّكَ الدنيا بخالبِ لهوها | أو تجتذبك المغريات بنادِ | |
آثرت عيش بساطة ومجادة | فحفلت بين روائح وغوادي | |
أوليتَ كلّ الناسِ حسن مودّة | فغنيت بالأصحابِ والأوداد | |
أرضيتَ نفسكَ بالقناعةِ جاهداً | من غيرِ منقصةٍ ولا إجهادِ |
عدنان مردم بك في ذكرى يوسف العظمة:
أقدمتَ حين تخاذل الأنصار | وبذلتَ ما لا يبذلُ الأخيار | |
أرخصتَ روحكَ كي تُصان كرامة | وتعزُّ أوطان ويُكرمُ جار | |
وأقمتَ للمجدِ الأثيلِ دعائماً | لمّا تزلزل ركنهُ المنهار | |
لم تُثنِكَ الأهوالُ عمّا تبتغي | هِممُ الكرامِ على الزمانِ كِبار | |
لولا المشّقة لم تجد لِمُبرزٍ | فضلاً ولم تتفاوت الأحرار | |
يستسهل الأحرار بذل نفوسهم | هل بعد بذل نفوسهم إكثار؟ | |
في صفحاتِ التاريخ من مهجاتهم | خُطّتْ لكلِّ جليلة أسطار |
عدنان مردم بك
يتراجع الليث الهصورُ تَحفزاً | للوثبِ حتى يُحسن التنكيلا | |
والماءُ في الأحواضِ يأسن واقفاً | وتراهُ يعذبُ حين طاف سيولا |
أمجد الطرابلسي(
الرسالة العدد73):
واعجباً للمرءِ في جهلهِ يُمعنُ في غفلتهِ حالماً | وهو أخو اللُّبِ شقيقُ النُّهى ويحسِبُ الضِّلةَ كلَّ الهدى | |
يطوي شقاءَ العمرِ في سكرةٍ | نشوانَ يُغريهِ رفيفُ الرُّؤى | |
وهمانُ كلَّ العمرِ ما إن يعي | سرَّ الدُّنى،يا بؤسَهُ لو وعى! | |
شيَّعتُ بالأمسِ رُفاتِ الصِّبا | في لوعةِ الثُكل ومُرِّ الجوى |
أمجد الطرابلسي(
الرسالة العدد73):
يقولُ لي صحبي في فرحةٍ | هَوِّن على نفسكَ بعضَ الأسى | |
لله قلبُ المرءِ من غامض | يُحيّرُ اللبَّ ويُعيِّ الحِجى | |
يبكي لما يُضحِكُ حيناً وقد | يُضحكهُ ما يستفزُّ البُكا | |
تراهُ كالدّمعِ همى رقةً | طوراً وكوراً كَحرون الصّفا |
أمجد الطرابلسي:
وإني لأهوى الليث يستعذبُ الطوى | ويأنفُ أن يُدني إلى جيفةٍ يدا | |
يسيرُ أشَمَّ الأنفِ مستكبرَ الخطا | فترتجفُ البيداءُ إن راحَ أو غدا | |
أحبُّ الفتى يفري الفلاةَ مُهجَّرا | فلا يشتكي أيناً ولا يتظلّمُ | |
إذا لذعتهُ الشمسُ سدَّدَ وجههُ | إليها حديدَ الطرفِ لا يتبرّمُ |
أمجد الطرابلسي:
ويمشي على الرّمضاءِ مُتئِدَ الخُطا | جليداً ونيرانُ الرمالِ تضرَّمُ | |
أحبُّ الفتى والغُلُّ يُثقِلُ عنقُهُ | وسيفُ الأعادي بين عينيهِ مُشهَرُ | |
يصيحُ بأعلى صوته يُنكرُ الأذى | ويضحكُ من بطشِ الطغاةِ ويسخرُ | |
ويشمخُ بالأغلال رأساً وإن غدتْ | تحز ومن أنيابها الدمُ يقطرُ |
وأحتقرُ الأحرارَ يحنون رأسهم
وليسَ عليهم سيّدٌ أو مُسيِّطرُ
إذا كان قلبُ المرءِ عبداً ورأيهُ
فقل لي ـ هديت الخير ـ ماذا تُحرِّرُ
أمجد الطرابلسي:(الرسالة العدد180):
أتظلُّ تخفق في الأضالع واهياً | يا قلب حسبك! لن تراني شاكيا | |
يا ذلّة الباكي! إذا أعداؤهُ | شمتوا به،والخِلُ أصبحَ راثيا | |
يا ذلّة الباكي! لجرحي لاهباً | أرضى لنفسي يا خفوق وناريا | |
أكتم لهيبك ما تقسمك الأسى | لا يرخصن بكاك جرحاً غاليا | |
واشمخ بأنفكَ في الخطوبِ ولا يكن | غلف القلوب أشد منك تعاليل | |
ولتكرم الألم المخلّد،ولتكن | بلظى تكتمه الضلوع مباهيا | |
فالكون تضحكه الدموع إذا جرت! | أتظل تضحك ذا الزمان اللاهيا؟ | |
والمجد للألم الدفين على المدى | لا للذي يؤذي المسامع باكيا | |
والوجد أنبلهُ كمينٌ صامت | وأجله ما كان جُرحاً خافيا | |
كنز من الإلهام لا تلقى له | بين الكنوز مشابهاً ومساويا | |
يهب الجلال لمن يطيق صيانه | والعبقرية والثناء الباقيا | |
يا أصدقائي النائحين تجملوا! | لا تصبحوا بين الأنان ألاهيا | |
تبّاً لقلب لم يذق مجد الأسى | وبِلىً لقلب لا يملّ تشاكيا | |
أغلوا الجراح فلن تروا مثل الجوى | للعبقرية مُنضجاً ومواتيا | |
إن القريض أعز مجداً من فتى | يُمسي ويصبحُ ضارعاً متباكيا | |
لا يستحق الخلد شِعر ناحب | تتقاطر العبرات منه جواريا | |
يا أيها الشاكي!إلى من تشتكي | أفأنت مُلفٍ في الأنامِ مواسيا؟ | |
وإذا لقيت فإن في إشفاقه | ورثائه ذلاً لنفسك كافيا | |
أم الطبيعة ما تبثّ وأُذنها | موقورة ما إن تجيب مناديا | |
تشكو فتعتنق الطيور على الرُّبى | بين الغصون ضواحكاً ولواهيا | |
وتنوح الأزهار وتضحك خلسة | والجدول المِطرب يسخر جاريا | |
هل أسكنت يوماً لشاكي علة | طيراً على عرش الأزاهرِ شاديا | |
أو حطمت أغصانها لفجيعة | أو مزقت حُللاً ترفّ زواهيا | |
أو لم تجىء هذي الطبيعة مرة | ولهان تفتقد الحبيب النائيا | |
كم جئتماها قبل كنف الهوى | وقضيتما فيها ضحى وأماسيا | |
الزهرُ حولكما يرفُّ مهنئاً | والطيرُ فوقكما تحوم شواديا | |
والغصن مخمور يصفق ناثراً | قُبلاً على عطفيكما ولآليا | |
أودعتماها الذكريات حبيبة | تحكي أزاهرها اللطافُ غواليا | |
وكتبتما فوق الجذوع مواثقاً | ونقشتما فوق الصخور أساميا | |
واليوم..تأتيها وحيداً شارداً | ترجو بمغناها لجرحك آسيا | |
فانظر إليها!هل رعت ذمم الهوى | أو خلدت ذكراً حلون خواليا | |
سائل!فلست ترى لعهدك ذاكراً | وابحث فلست ترى لحبّك راعيا | |
واجزع!فلن تلقى لخطبك جازعاً | واندب! فلن يلقى بكاك مباليا | |
ما بالها تلهو وأنت مكلم | تتلمس الذكرى وعهداً خاليا | |
إن الطبيعة غادة فتانة | لا تعرف القلب الوفي الحانيا | |
أحبيبي الغالي،وأنت مخاطبي | هيا استشفّ من القصائد ما بيّا | |
هذا القريض يشفّ عمّا تحته | أتظن قلبي بعد ذلك ساليا | |
ألهو وأضحك ليس يبصر ناظري | ماذا تكنُّ أضالعي وفؤاديا | |
أتقول:لا يذكي الهيامُ قصائدي! | لولا لحاظك ما زكتْ أشعاريا | |
أقصائد يحملن آلام الهوى؟! | يا هونهن!ولو يكنّ دراريا | |
وأنا قصيدتك البديعة صُغتها | من فيض سحرك أبحراً وقوافيا | |
وبخافقي ما لو تقسمه الورى | وسع القلوب على الزمان خواليا | |
لكنني أغلى فؤادي أن يرى | بين الأنام ـ وأنت فيه ـ داميا |
محمد علي الحريري في رثاء الشيخ حسن حبنكة رحمه الله:
أيُّ المطالع تصلح استهلالا | شردَ البيانُ فما أُطيق مقالا | |
جاهدتَ طوراً باللسان وطالما | قد كنتَ تتقن بالسّنانِ قتالا | |
وبقيتَ رمز العنفوانِ لأمّةٍ | ضربت بعزّة نفسكَ الأمثالا |
جورج صيدح يرثي أخته:
أمضي وقلبي في دمشق رهينة لغفرتُ للأم الجراح لو أنها | أودعها صدر الثرى والجندل شفقت بأختي من قضاءِ منزلِ | |
في جيرةِ الشهداءِ حلّت منزلاً | وكأنها أخذت تهىء منزلِ |
جورج صيدح:
مصطفى السباعي:
أهاجكَ الوجدُ أم شاقتكَ أثارُ وما لعينك تبكي حُرقةً وأسىً | كانت مغاني نعمَ الأهل والدار وما لقلبكَ قد ضجَتْ به النارُ | |
على الأحبّة تبكي أم على طللٍ | لم يبق فيه أحباء وسمّارُ | |
وهل من الدهر تشكو سوء عشرته | لم يوف عهداً ولم يهدأ له ثار | |
هيهات يا صاحبي آسى على زمن | ساد العبيد به واقتيد أحرارُ |
مصطفى السباعي:
أو أذرف الدمع في حب يفاركني | أو في اللذائذ والآمال تنهارُ | |
فما سبتني قبل اليوم غانية | ولا دعاني إلى الفحشاء فجّارُ | |
أمتُّ في الله نفساً لا تطاوعني | في المكرمات لها في الشرِّ إصرارُ | |
وبعت في الله دنيا لا يسود بها | حق ولا قادها في الحكم أبرارُ |
مصطفى السباعي في رثاء شكيب أرسلان:
سلامُ عليك أبا غالب | أميرُ الجهدِ أميرُ القلم | |
هتكتَ برأيكَ حُجبَ الظلامِ | وثرتَ إباء إذا الخطبُ عمّ | |
وطوّفتَ في الأرضِ تبغي السلام | لقومكَ والحق ممن ظلم | |
فَخضتَ الغمارَ وصُنتَ الذمار | وكنتَ الإمام وكنتَ العلم | |
وما زلتَ تفضح كيد الألى | بغوا في البلادِ وخانوا الذمم | |
وترشد قومكَ للواضحاتِ | تنيرُ العقولَ وتُذكي الهِمم | |
إلى أن أصاخَ لكَ المسلمون | ولبى نداكَ أسود الأجم | |
فآنَ لجسمكَ أن يستريح | وتهجر روحك دنيا الألم | |
أصبتَ بِدُنياك مجد الخلود | وعندَ الإله الثواب العمم |
مصطفى السباعي:
دعيني وشأني ليسَ عذري بشافع | لديكِ ولا حالي يعنُّ ببالكِ | |
وهل يلتقي طيران:هذا مُحلِّقٌ | تروم جناحاهُ سماءَ ملائكِ | |
وذاكَ مُسِفٌ حائمٌ فوق جيفةٍ | على الارَضِ تُدنيهِ لوطءِ سنابكِ | |
وكم بين من يمشي بصيراً بدربهِ | تُضىءُ له الأقدارُ وعرَ المسالكِ |
مصطفى السباعي:
وبينَ عَمٍ لا يهتدي لطريقهِ | يُحاطُ بِحُجب مظلماتٍ حوالكِ | |
وشتان ما بين الخلي من الهوى | وبينَ مُحبٍّ مدنف الجسمِ ناهكِ | |
وآنّى يُداني عاقلاً ذا حصافة | جهولٌ سفيهٌ هالك وابنُ هالكِ | |
دعيني ففي دنياي هَمٌّ ومحنةٌ | وقطعُ طريق في المفاوز شائكِ |
مصطفى السباعي:
وحلٍ وترحال وحرب وهدنة | وتعليم أستاذ وعزلة ناسك | |
ودنياكِ ما دنياكِ؟وهمٌ وخدعةٌ | وسعيٌّ حثيث نحو شتى المهالكِ | |
وفي يسرها ضنكٌ وفي عزّها ضنى | تُثيرُ لأدنى الشيء أقسى المعارك | |
إذا كنتِ في دنياكِ ترضين أنني | سعيد بدنيا الخير لستُ بفاركِ |
مصطفى السباعي:
فإن تسخري مني فلستُ بساخرٍ | وإن تضحكي مني فلستُ بضاحكِ | |
هُمُ الناسُ بين اثنين:صيد تشوقهم | معارك في ساحِ الهدى وصعالك | |
دعيني أعيشُ العمر في غُربة الهوى | ففي الحقِّ محرابي وفيهِ مناسكي | |
وفي النصحِ لذّاتي وفي الخيرِ ثروتي | وفي العلم محراثي وفيه سبائكي |
عصام العطار:
قلبي هو الحبُّ أزكاهُ وأطيبُهُ | كأنّهُ من أريجِ الحُبِّ نيسانُ | |
قلبي التسامُحُ لا غلٌّ يُكدرُّهُ | وإنما هو غفرانٌ وإحسانُ | |
بالله عزَّ فكانَ العفوُ شيمتَهُ | لا يعرفُ العفوَ قومٌ إن همُ هانوا | |
قلبي هو المزنُ لا حقدٌ يُلوِّثُه بذلتُهُ للورى طُرَّاً فمنهلُهُ | وهو الربيعُ بأزهارٍ وأنداء عذبٌ سخيٌّ لأحبابي وأعدائي | |
وعشتُ للحبِّ أُغليهِ وأُكرمُهُ | فوقَ الصغائرِ من حقدٍ وأهواء |
الحرُّ حرٌ ولو ناءَ الحديدُ بهِ
هيهاتَ يخضعنا قيدٌ وسجانُ
ذلَّ الحديدُ وما ذلّت عزائمنا
أقوى من القيدِ والطاغوت إيمانُ
الصَّبرُ صَبرٌ على الدنيا وزينتها والصّبرُ صبرٌ على طُولِ الطريقِ إذا | والصّبرُ صبرٌ على الأرزاءِ والمِحنِ عَزَّ الرفيقُ وماجَ الدربُ بالفتنِ | |
والصّبرُ صَبرٌ على العَليا ومطلبها والصّبرُ صخرٌ عجيبٌ لا فناءَ له | وعزمةٌ كمضاءِ السيفِ لن تَهنِ تفنى الخطوبُ وصَلدُ الصّبرِ لم يلنِ | |
والصّبرُ بشرى من الرّحمنِ صادقةٌ | ورحمةٌ في رِحابِ الله ذي المِنَنِ | |
يا ربِّ إني لعونٍ منكَ مفتقرٌ | لولاكَ لولاك لم أصبرْ ولم أُعَنِ |
عصام العطار:
العِلمُ نورٌ،والجهالةُ ظُلمةٌ والعَزمُ جُنْحٌ إن سموتَ لغايةٍ | والعقلُ رشدٌ،والتدبُّرُ أحزَمُ والبذلُ فرضٌ،والتردّدُ مأثَمُ | |
والعجزُ عارٌ،والنكوصُ مهانةٌ | شرفُ الحياةِ ،شجاعةٌ وتَقدُّمُ | |
إعمَلْ وجاهدْ دائباً يا مُسلمُ | الحرُّ لا يعنو ولا يستسلمُ | |
وإذا المذّلةُ والحياةُ تلازما | فالموتُ أحلى عند ذاكَ وأكرمُ |
عجبتُ من مؤمنٍ يرضى الهوانَ وما
يرضاهُ إلا الأُلى بالله قد كفروا
تراهُ يحتجُّ بالأقدارِ مُعتذراً
والمؤمنُ الحقُّ لو يدري هُوَ القَدرُ
وعبدُ النفسِ ـ مهما عاشَ ـ عبدٌ | ويأبى العبدُ يوماً أن يسودا | |
يُحبُّ القيدَ يُدمي مِعصميهِ | ويكرهُ أن تَفُكَّ لهُ القيودا | |
فإن حطّمتها قهراً وقسراً | يظلُّ كأنَّ في يدهِ الحديدا |
ليسَ الحياةُ بأيامٍ تطولُ بنا
إذا تطاولَ أعمارٌ وأيّامُ
يا رُبَّ لحظةِ صِدْقٍ لا يُنافسها
من سائرِ العُمرِ أعوامٌ وأعوامُ
قد زورّوا الحقّ والتاريخَ واختلقوا | من الأكاذيبِ ما يندى لهُ الخجلُ | |
والناسُ جهلٌ وأهواءٌ ومصلحةٌ | تُطوى الحقيقةُ والتزويرُ ينتقلُ | |
توزّعتهم على إغرائها سُبُلٌ | وليس لله ما تفضي لهُ السّبُلُ |
الروحُ في الأفقِ آمالٌ مُجَنحةٌ
والجسمُ في القيدِ لم يُسعِدْ جناحاهُ
كمْ ذا جَزيتُ على الكُفرانِ عِرفانا | وكمْ جزيتُ على ما ساءَ إحسانا | |
وكمْ أسوت جِراحاتِ الأولى ثَملوا | منْ نَزفِ جُرحي أقداحاً ونُدمانا | |
لله قلبي نَميرٌ كُلُّهُ وسنىً | أحالهُ الحُبُّ والإيمانُ غفرانا | |
سَما بي الحُبُّ في علياءِ جنّتهِ | فكِدتُ أُخطىءُ وجهَ الأرضِ أحيانا |
رُوحي يرومُ من الغاياتِ أبعدَها
ولا يُساعِدُ روحي مُدنفَ البدنِ
قد ذَلَّ من عبدَ الدُّنيا وزينتها | وعَزَّ من عبدَ الرحمنَ إيمانا | |
فالمؤمنُ الحقُّ حرٌّ ليس يملكهُ | سِحرُ الدُّنى وفتونُ العيشِ ألوانا | |
والمؤمنُ الحقُّ لا يعنو لطاغيةٍ | ولو تَفجّرَ هذا الكونُ طُغيانا | |
خفضوا الجباهَ لغاصبٍ ومُقاتلٍ لِعدوهمْ لينُ الجوانبِ منهمُ | وتَنمرّوا للأهلِ والأوطانِ ولأهلهمْ قلبٌ من الصّنوانِ |
عصام العطار:
أشواقُ روحي لا أرضٌ تُحَدِّدها | ولا سَماءٌ ولا شمسٌ ولا قمرُ | |
أشواقُ روحي تطوي الدّهرَ سابحةً | فلا يُحَدِّدها عَصرٌ ولا عُصُرُ | |
أشواقُ روحي وجهُ الله وُجهتها | يقودُها الحبُّ إن لم يُسعفِ النَّظرُ |
عصام العطار”
المسلمون المنتظرون”:
قومٌ يُطِلُّونَ والدُّنيا بها ظمأٌ أقوالُهُمْ شُعَلٌ،أفعالُهُم غُرَرٌ | والدّربُ مُلتبِسٌ والليلُ مُعتكِرُ أخلاقهم مَثَلٌ،أخبارهم سَمَرُ | |
بهم يُقوَّمُ ما في الأرضِ من عِوَجٍ | والحقُّ والعدلُ والإحسانُ ينتصِرُ | |
ويهتدي كلُّ من ضلَّ السبيلَ بهم | والليلُ والخوفُ بعد المدِّ ينحسِرُ | |
وترتوي الأرضُ كلُّ الأرضِ من ظمأٍ | ويسعدُ الخلقُ والأحياءُ والبشرُ |
ليسَ الحياةُ بأيامٍ تطولُ بنا
إذا تطاولَ أعمارٌ وأيامُ
يا رُبَّ لحظةِ صِدْقٍ لا يُنافسها
من سائرِ العُمرِ أعوامٌ وأعوامُ
حَنَيْنَ ظهري الليالي في تَتابُعها | وما انحنى لأعاصيرٍ وأنواءِ | |
أعيشُ حُرّاً فلا الطاغوتُ ذَلّلني | ولا ذَللتُ لأطماعٍ وأهواءِ | |
ربي لكَ الحمدُ كم أسبغتَ من نِعَمٍ | جلّتْ عطاياكَ عن عدٍّ وإحصاءِ |
تفنى الحياةُ ويبقى من كرامتنا
ما ليسَ يُفنيهِ أسقامٌ وأعمارُ
كُنّا مع الفجرِ أحراراً،وقد غَرَبتْ
شمسُ الشّباب،ونحنُ اليومَ أحرارُ
إذا أدمتكَ أنيابُ الليالي | وراعكَ من زمانكَ ما يَروعُ | |
فلا تيأس ولا تخنعْ وتخضعْ | فَشرُّ الشرِّ يأسٌ أو خنوعُ | |
وجاهدْ في سبيل الله واصبرْ | فَرَبُّكَ شاهدٌ وهو السميعُ | |
وإن ضاعتْ جُهودَكَ في حياةٍ | فَعِندَ الله جُهدكَ لا يضيعُ |
يُريكَ وجهَ
“
أبي بكر
“
بظاهرهِ
وفي جوانحهِ يغفو
“
أبو لهب
“
كُنّا وكُنّا…وما يُجدي تذكرُّنا | إذا قعدنا ولم نلحق أوالينا | |
صِرنا غُثاءً فسيلُ الدّهرِ يحملنا | ذلاً وعجزاً..وسيلُ الدّهرِ يطوينا |
سيّان عنديَ إن أثنوا وإن كفروا
اللهُ قصديَ لا الدنيا ولا البشرُ
اليأسُ موتٌ،وشرُّ الموتِ موتُ فتىً واليأسُ كُفرٌ بِرَوحِ الله ويلَ فتىً | يَدِبُّ في الأرضِ لا عَزْمٌ ولا عَملُ قد فاتَهُ في دُناهُ النورُ والأملُ | |
إمتدَّ يا ليلُ وازددْ رهبةً ودُجىً النورُ يُشرِقُ هَدياً في جوانحِنا | فلن يُخالِطنَا يأسٌ ولا وَجَلُ ومن جوانِحنا للكونِ ينتقلُ | |
لن يملِكَ الظلمُ والظلماءُ عالَمنا | فالدّهرُ في جَريهِ أيامُهُ دُوَلُ | |
والحقُّ والعدلُ نصرُ الله نصرُهُما | والظُّلمُ ـ لا بُدَّ ـ مهزومٌ ومُنخذِلُ |
أبكي عليكم وهذا مُنتهى عَجبي
والقلبُ من ذكركمْ في نشوةِ الطربِ
يامَنْ أصابكَ ما تدمى القلوبُ لهُ | وفَلَّ عَزمكَ ما جاءتْ بهِ الغِيَرُ | |
ومن قعدتَ عن الجُّلى ومطلبَها | وشَلّكَ الوهنُ،لا تأتي ولا تَذرُ | |
ومن يَئستَ من الدنيا فلا أملٌ | ورُحتَ عن يأسِكَ القتَّالِ تعتذرُ | |
حاوِلْ ولا تعتذِرْ يأساً ومَعَجزِةً | فأنتَ بالله ـ إن أخلصت ـ مُقتدِرُ |
وآثر القلب ورد الموت في كرم
على حياة بلا صدق ولا كرم
من كانَ يملِكُ إيماناً ومعرِفةً | والفِكرَ والعَزمَ والإقدامَ ينتصِرُ | |
وإن عَثرتَ فلا ترضَ العِثارَ وقُمْ | فتبَّ من ركنوا للأرضِ إذ عثروا | |
انهضْ تقدَّمْ تألَّقْ رِفعةً وسنىً | فالمجدُ يدعوكَ والأيامُ تنتظِرُ | |
ما قيمةُ العُمرِ لولا مَطلبٌ جَلَلٌ | إن طالَ أو قَصُرِتْ أيامهُ العُمُرُ |
عصام العطار:
لا تَقعُدنَّ عن السُّموِّ لغايةٍ فالنيراتُ إذا عَزَمتَ قريبةٌ | عَظُمتْ ولو عنَّتْ لكَ الجوزاءُ والشاهقاتُ إذا عَزمتَ وِطاءُ | |
والمُستحيلُ إذا عَزمتَ مُذَلَّلٌ | ولكَ الزمانُ مَطِيّةٌ وفضاءُ | |
ما دُمتَ للِحقِّ المُبينِ مُعانقاً | فالنصرُ وعدٌ،والجنانُ جَزاءُ | |
وإذا قضيتَ على الطريقِ مُجاهداً | فالفوزُ ما فازت بهِ الشهداءُ |
عصام العطار في قصيدة المسلم الحق:
إن أظلمَ الليلُ كانَ النجمَ مؤتلقاً أو أخلفَ العزمُ لم تُخلِفْ عزائِمُهُ | أو خَيّمَ اليأسُ كان الرَوْحُ والأملا أو كَلَّ ذو الجدِّ كانَ الجِدَّ والعملا | |
أو أرهبَ الموتُ لم يَرْهَبْ نوازِلَهُ وإن تَزيّنتِ الدُّنيا لفتنتهِ | وتابعَ الدَربَ لا يُثنيهِ ما نزلا خابتْ،فما آثرَ الدنيا ولا شُغِلا | |
إيمانهُ حصنهُ ،والوحي مرشدُهُ | واللهُ غايتَهُ إن قالَ أو فَعلا | |
وقلبُهُ رحمةٌ للخلقِ شاملةٌ | ونبعُ حُبٍّ وإخلاصٍ لمن نَهَلا |
عصام العطار في قصيدة المسلم الحق:
ومشعَلُ الحقِّ إن غابتْ مشاعلُهُ | وموئِلُ العدلِ في الدنيا إذا خُذلا | |
والعلمُ والفِكرُ رُكنٌ من عقيدتهِ | قد ضلَّ عن منهجِ الإسلام من جَهِلا | |
وكيفَ يحمِلُ دينَ الله عن ثقةٍ | من فاتَهُ دينُهُ عِلماً وما عقلا | |
لا تتركوا الدينَ للِجُهالِ تُفسِدهُ | فالجهلُ يُفسِدُ منهُ كُلَّ ما جَملا |
عصام العطار:
القولُ فِعْلٌ ـ إذا قُلنا ـ بلا مَهَلٍ | فالفِعلُ لا القولُ ما يُدني من الأملِ | |
والقولُ والفِعلُ نورُ الوحي يُرشدهُ | والعِلمُ والفِكرُ من جَهلٍ ومن زلَلِ | |
يرى الفؤادُ بعينٍ غيرِ كاذبةٍ | ما ليسُ يُدرِكُ بالآذان والمُقَلُ |
عصام العطار:
تَهَدَّمَ جسمي دونَ إدراكِ غايتي | وقصدي بعيدٌ والسَّفينُ تَحطّما | |
وكيفُ يُطيقُ الجسمُ آمادَ غايتي | ولو كانَ كالفولاذِ بأساً..تَهدّما | |
ولكنّني أمضي بروحي مُحلِقّاً | وجسمي أسيرُ الأرضِ،في افقِ السّما | |
وأُؤثرُ عيشَ الحُرَّ صاباً وعلقماً | على أن أعيشَ الدّهرَ عبداً مُنعّماً |
أُصِبتُ فلم تَثنِ المصائبُ عزمتي
إذا ما امرؤٌ خوفَ المصائبِ أحجما
وعاهدتُ ربّي أن أعيشَ مُجاهداً
وحسبي أن يرضى جهادي تَكرُّما
وما أُبالي إذا التاريخُ أنصفني | أو جارَ في حُكمهِ أو خانَ أو كذبا | |
وما أُبالي لسان الدّهرِ توّجني | بالحمدِ أم أعملَ الأنيابَ والقُضبا | |
الظالمونَ على شتى مذاهبهمْ | قد مزّقوني ـ وما باليتهم ـ إربا | |
الله قصدي وهذا الكونُ أجمعَهُ | لم يستثِرْ رَغِباً في النفسِ أو رهبا |
عصام العطار(
نحن المسلمين):
نحنُ شمسُ الحقِّ تجتاحُ الظلاما | نحنُ حُلمُ الأرضِ عدلاً وسلاما | |
نحنُ بالإسلامِ حَرّرنا الأناما | ورسمنا للورى دربَ الكمال | |
نحنُ لا نخضعْ إلا للإله | نحنُ لانخفضُ للبغي الجباهْ | |
نحنُ صوتُ الحقِّ في وجهِ الطغاه | إن عتا الباطلُ أو ذَلَّ الرجال | |
نحنُ غرسُ الله ربّانا محمدْ | نحنُ رُشدُ الأمسِ والحاضرِ والغدْ | |
نحنُ روحُ البعثِ والعزمُ المُجدّدْ | وهواةُ الرّكبِ في ليلِ الضلال | |
نحنُ إيمانٌ وعلمٌ وعملْ | نحنُ فكرٌ وجهادٌ وأملْ |
نحنُ لا نجزعْ،إن خطبٌ نزلْ
لم يجدْ وهناً وكنّا كالجبالْ
نحنُ حبٌّ وإخاءٌ وعطاءْ
نحنُ غرسٌ وبناءٌ
..
وفداء
نحنُ في الأرضِ سياجُ الضعفاء
وجنودُ الحقِّ في كلِّ مجالْ
لا نقبلُ الظُلمَ مهما كانَ مَنبتهُ | فَدينُنا كلُّهُ عدلٌ وإحسانُ | |
يدي يدُ الخصمِ إن جارَ الوليُّ فلا | يُضامُ في ديننا حقٌّ وإنسانُ | |
ما أجملَ العدل والإحسان في خُلُقٍ | والقبحُ أقبحهُ بغيٌّ وطغيانُ |
قد جفَّ دمعي وما جفَّ الأسى أبداً
في كلِّ يوم جراحاتٌ وأحزانُ
نتابعُ الدربَ لا نعنوا لطاغية
أقوى من الموتِ والطاغوتِ إيمانُ
دعوا التفرّقَ يا قومي ويا وطني
فإنَّ فرقتكم وهنٌ وخسرانُ
تابع طريقكَ يا أُخيَّ مُثابراً | مهما تكن في دربكَ العقباتُ | |
تابع طريقكَ يا أُخيَّ ولا تَهِنْ | فالنصرُ عزمٌ صارمٌ وثباتُ | |
تابع طريقكَ يا أُخيَّ ولا تهبْ | فالموتُ في دربِ الجهادِ حياةُ | |
تابع طريقكَ فالنكوصُ مذلّةٌ | والذلُّ من أجلِ البقاءِ مماتُ |
العزمُ يُدني من الغاياتِ أبعدها
ويجعلُ الصعبَ سهلاً حيثما وجدا
فانهض بعزمكَ للِجلّى بلا مَهَلٍ
قد خابَ من خارَ منهُ العزمَ أو قعدا
إنّي لاكبِرُ من يمضي لغايتهِ
سِيّان إن قرُبَ المطلوبُ أو بَعُدا
إيه بلادي سوفَ نمحو ما مضى | ونعفُّ عن سفحِ الدموعِ تجلّدا | |
خابَ النوادبُ ليسَ يُدرِكُ قصدَهُ | في الأرضِ إلا من أعدَّ وجنّدا | |
دنيا الوحوش فمن تغافلَ ساعةً | حُرِمَ البقاءُ ظُلامةً أو عُبّدا | |
إنا حلفنا صادقين ولم نكن أبداً | لِنخُلِفَ ما حيينا موعدا | |
أنا سنبني للكرامة والجِدا | ركناً منيعاً…موصدا | |
نطوي الصدور على الجراحِ | ونثني للمجدِ نبني ما نشاء مخلّدا |
وأبسمُ والليالي حالكاتٌ
وفي قلبي المواجعُ والدموعُ
وأمضي في طريقي لا أُبالي
وإن حفلَ الطريقُ بما يروعُ
رفيقي الله في ظلم الليالي
فكيفَ أخافُ فيها أو أضيعُ
الحبُّ نبعٌ إذا ما غاضَ كوثرهُ | فلا حياةٌ ولا خيرٌ ولا أملُ | |
ولا حنانٌ ولا عفوٌ ولا كرمٌ | ولا سُموٌ إلى الجُلّى ولا عملُ | |
ولا جمالٌ ولا فنٌ ولا أدبٌ | ولا توهُّجُ روحٍ وهو يبتهِلُ | |
ولا سعادةُ نفسٍ في سماحتها | والأرضُ من حولها بالحقدِ تشتعلُ | |
قلبي هوى الحبِّ لا يجفو خمائلَهُ يُغرِّدُ الحبُّ في قلبي فيطربني | هيهاتَ عنهُ هزارُ الحُبِّ يرتحِلُ من مهجتي شجوُهُ والشدوُّ والنَّهَلُ | |
حبٌّ تجاوزَ أحبابي فوارِفهُ | ظِلُّ العدوِّ إذا طلحت بهِ السّبُلُ | |
أقيهِ بالجَفنِ من حَرٍّ ومن خطرٍ | وفي ضلوعي من أحقادهِ أسَلُ |
عصام العطار:
وليسَ في هذه الدنيا وإن رحُبتْ | ما في فؤادي من رَحبٍ وآفاقِ | |
ونورُ قلبي يُضىءُ الكونَ إن غرقتْ | هذي الدُّنا ببهيمِ الليلِ غسّاقِ | |
ما شئتَ من أملٍ فيهِ وإشراقِ | ومن عزيمةِ ماضي العزمِ سبّاقِ | |
هيهاتَ تسحقني الدنيا بشدّتها | هيهاتَ تفتنّي عن بعضِ أخلاقي |
عصام العطار:
هيهاتَ تسلبني نوراً هُديتُ بهِ | النورُ ينبعُ من قلبي وأعماقي | |
وتذهبُ الأرضُ والدنيا بما حفلتْ | ولا تزولُ رؤى روحي وإشراقي | |
إني مع الله في قلبي وفي عملي | ما حِدتُ عنهُ بأهوائي وأحداقي | |
إنّي مع الله حبلُ الحُبّ مُتصلٌ | والخلدُ بعضُ عطاءِ الواحدِ الباقي |
عصام العطار في مصطفى السباعي رحمه الله:
ولم ترَ وجهي عند نعشكَ مصطفى | وذلكَ جرحٌ لا يغورُ بخافقي | |
مكانُكَ في قلبي الوفيِّ موّطدٌ | فأنتَ على طولِ الزمانِ مُرافقي |
عصام العطار:
يا كُربةَ النفسِ للإسلامِ ما صنعتْ | بكلِّ أرضٍ بهِ أيدي المعادينا | |
ومحنةُ العالم المنكوبِ تنشرُنا | على فواجعها يوماً وتطوينا | |
الأرضُ قد مُلئت شراً وزلزلها | جَورُ الطغاةِ ولؤمُ المُستغلينا | |
في الشّرقِ والغربِ آلامٌ مؤرقةٌ | تبدو أحايينَ أو تخفى أحايينا |
مروان حديد:“
ياراحلين”
هل تسمعون توجُّعي وتنهد الدنيا معي | يا راحلينَ عن الحياةِ وساكنينَ بأضلعي | |
يا شاغلينَ خواطري في ثورتي وتضرّعي | أنتم حديثُ جوانحي في خلوتي أو مجمعي | |
أنا من غدوتُ بحبّكم ملكاً ولست بِمُدّع | فإذا سلوتُ هواكم ألفيتُ مثل البلقعِ | |
يا طائرينَ إلى جنان الخلد أجمل موضع | أتُراكم أسرعتمُ أم أنني لم أُسرعِ |
أنور العطار:
في ياسن الهاشمي
مروان حديد:“
ياراحلين”
ما ضرّكم لو ضَمّني معكم لقاء مُودّع | فيقال لي:هيا إلى أرضِ الخلود أو ارجعِ | |
إن لم أكنْ أهل الشهادةِ والمقامِ الأرفعِ | أفستُ أهلاً للوداعِ! فيال لخطبي المفجعِ | |
كم قلت صبراً للفؤادِ على المصاب المفجعِ | لكن صبري نافِذٌ ومدامعي لم تنفعِ | |
سأظلُ أبكي بعدكم كالعاشقِ المتلوعِ | وأحبكم حتى وأنتم ترقصون لمصرعي |
يا راحلين وساكنين بقلبي المتصدّعِ
أنور العطار في قصيدة جيش أسامة(
الرسالة العدد 291):
ضجَّ مهد الصحراءِ بالتغريد
وسرى النور في رمال البيدِ
هو ذا في غيابة البعد خطٌّ
ينجلي من سرابها المعقود
سال ذوبُ النضار في مصحف الأف
قِ فزان الدنيا بحلم رغيدِ
نهرٌ من هداية يتلوى
في فضاء رحب المطاف مديد
ضمّ في شاطئيه صَيّابة العُر
بِ وبأس الممرّسين الصِّيدِ
والأميرُ الفتى يدّرعُ البي
د بجيش من الكماة عديد
رفرفت راية النبي عليه
ورعتهُ بالنصر والتأييدِ
من هو القائدُ الفتي وما ين
شدُ في قصده الطروح البعيد
يا صحابي هذا
(
أسامة
)
يختا
لُ بِبُرد من الشّبابِ نضيد
رأسُ الأكرمين وهو ابنُ عشري
ن بعزم ماض ورأي سديد
حدث النفس وهو يحلم جذلا
ن بنصر داني القطوف عتيد
إيه يا نفس لا ترُعك المنايا
فالمنايا أمنيّة الصنديد
اطلبي المطمح القصيَّ مداه
ودعي الضعف للجبان الرّقودِ
واذكري نائماً
(
بمؤتة
)
باع الن
فس زُلفى ربّ البرايا الحميد
وانهضي للجهاد في نصرة الح
قّ وبُثّي رسالة التوحيد
ودعي اسم النبيّ تعبقْ به الدن
يا وترتع في عالم من سعود
وتلاقى الجمعان فارتجت الأر
ض وغابت في العاصف المشهود
وتعالت في القفر تكبيرة الله
فدّوى الوجود بالتحميد
وأسودُ الصحراء قد غنموا النصر
وفازوا بالمأمل المنشود
يا جنود الحق المبين سلام
أنتم للعلاء خير جنود
بكم عزّت الحنيفة في الكو
ن ومالت شأو المرام البعيد
غيرهم يفتحون للذل والعار
وهم للعلاء والتشييد
ثم دال الزمان من ناسه الغر
فقرت سيوفهم في الغمود
واستكانت إلى الكرى فعليها
صدأ الدهر من طويل الهمود