ولكنّي أستبطىء الحجارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ولكنّي أستبطيء الحجارة

لقد تغيّرت المقاييس،وتبدّلت المعايير في دول الغرب،وخاصة في السنوات الثلاثين الأخيرة،فما كان عندهم قبل سنوات منكراً،أصبح عُرفاً!!وما كان عندهم عُرفاُ اصبح منكراً!وما كان في الماضي خُلُقاً،أصبح الآن يسمى تقاليد بالية وسخيفة،وما كان عند الجدات،بل ربما الأمهات متعارفاً عليه على أنه من صميم الأخلاق والعادات وكانوا يعضون عليه بالنواجذ،أصبح عند البنات والحفيدات رجعية وبلاهة ومنكراً يهربن منه{كأنَّهُم حُمُرٌ مُستَنفِرةٌ* فَرَّتْ من قَسوَرةٍ}[المدثر 50 ـ 51].

إن الفطرة الإنسانية لدى إنسان الغرب تعرّضت ـ ولاتزال ـ لتشويه ومسخ،وتبديل من أجل الوصول إلى فطرة أخرى،مريضة،مشوهة،منسلخة تماماً عن الفطرة السليمة،وكل ذلك يتم تحت شعارات مختلفة من العلم،والتقدم،والعصرانية،وكل ذلك يقع تحت رعاية وحماية القوانين والمؤسسات.

لقد كان موضوع العفّة،والحياء،والاحتشام من الأعراف التي كانت حتى الماضي القريب من الأمور المتعارف عليها،ولكننا في السنوات الأخيرة وجدنا أنها قد رحلت إلى غير عودة،وحلّ محلها مفاهيم أخرى بعيدة كل البعد عنها.فإظهار العورة عند الرجل والمرأة أصبح أمراً طبيعياً وكيف لا!! فما العورة حسب زعمهم إلا جزء من هذا الجسم فلماذا نعطيه كل هذه”القدسية”.وما الفرق مثلاً بين هذا الجزء من الجسم وأجزاء أخرى كالوجه أو العنق أو اليد!!!

والعري الكامل الشامل أمر مألوف،وغير مستهجن،ولم لا،فالجسم العاري هو ما ينادي به أصحاب مذهب”الجمالية”،فلا بد من إظهار جمال الجسم بكل تقاطيعه وثناياه،ولماذا إخفاء هذا الجمال وراء أستار من الثياب والتقاليد البالية.

وأصبح العري مظهراً حضارياً فكلّما تقدّمت الدولة حضارياً كلّما قلّت الثياب عن أجساد سكانها وازداد عُري الأفراد وسفورهم!!

وممارسة الجنس الرخيص والزنا،أصبحا من لوازم هذه المدنية الحديثة،فعلى كل إنسان أن ينهلّ من مناهل اللذّة،وأن يُشبع العمر والجسم بكل مايروق له،ولو كان عن طريق الزنا،فالزواج ليس وراءه إلا المشاكل والتعقيدات والقيود.

والشذوذ الجنسي كاللواط،والسحاق،اصبح من الأمور الجنسية الطبيعية،وأصبحت هناك نواد لممارسة هذا الشذوذ،وتجد العون والتأييد،وعلى أفراد هذا المجتمع القبول بذلك وإلا اعتبروا متخلفين،رجعيين!!

لقد شاهدت في التلفزيون الألماني قبل شهور برنامجاً يبحث في موضوع اللواط،وسئل أحد الآباء عن ابنه الذي يمارس فعل قوم لوط مع صديق له عن رأيه في هذا الموضوع فأجاب الأب:نعم،نعم إنه أمر طبيعي،طبيعي تماماً.قال ذلك وهو يتلعثم في جوابه،ويمسح عرقاً تفصّد عن جبينه!!

نعم،ماكان قديماً عرفاً وأخلاقاً كالحياء،والعفّة،ورابطة الزواج،ذهب إلى غير رجعة وحلّ محله أعراف جديدة من الإباحية،والبهيمية الجنسية،والشذوذ الجنسي والعري الشامل.

والمرأة كانت قديماً ربّة منزل،يُعهد إليها بصورة رئيسية بتربية الأطفال،وإنشاء الأسرة،وأما الآن وبعد سنوات من “الكفاح”و”النضال”أصبحت شريكة الرجل في كل الأعمال تقريباً وبدون استثناء،فهي ليست طبيبة،ومحامية،ومدرسة،بل هي أيضاً شرطية،وجندية،وسياسية،وحاكمة،وهي أيضاً تشاركه في كل هواياته ومنها الملاكمة،والمصارعة،وكرة القدم،والجمال الجسماني،وتربية العضلات!!

أما الأسرة والأطفال فأمرها متروك للحاضنات والمربيات،ثم استعيض عن هذا إلى حد كبير بتربية القطط والكلاب والجرذان”الأليفة” والفئران بدلاً من الأطفال!!وكيف لا؟ فتربية الطفل لها متاعبها ومشاغلها ومتطلباتها المادية،كما أنه عندما يبلغ سن البلوغ يترك الأسرة ولا يسأل عنها،أما الكلاب فهي تُسلي في أوقات الفراغ،ولا تحتاج إلى مسؤولية،ولا تحتاج إلى”حمل وولادة”وما يترتب على ذلك من “ترهل البطن والجسم”وضعف”رشاقة البدن” وللكلب منافع أخرى!!

نعم، كانت المرأة في الماضي عماد الأسرة،وكانت رمز الاستقرار،ومنبع الطمأنينة،فحلّ محل ذلك التفكك الأسري،والقضاء على رابطة الأسرة،والأبعد من ذلك القضاء على فطرة الأمومة في المرأة،وخلق كيان جديد منها،محكوم عليه عاجلاً أم آجلاً بالضياع.

وقديماً كان هناك ـ ولحد ما ـ علاقات الجوار،وصلة الأهل والأقارب،وهذه حلّ محلها بالتدريج الأنانية وحبُّ الذات و”الأنا”.وأصبح كل مشغول بنفسه عن غيره،وحتى عن أقرب الناس إليه.

شاهدت قبل فترة قريبة برنامجاً تحت عنوان”الكاميرا الخفية”.وهو يصوّر حادثة وقعت في إحدى الحافلات في ألمانيا،حيث تتعرض إحدى الفتيات للإعتداء الجسدي والتحرش الجنسي من قبل مجموعة من الشباب،وصوّرت الكاميرا ملامح وجه الفتاة وهي تصرخ وتستغيث،والاحافلة ملأى بالناس والركاب وكل منهم يشاغل نفسه عما يقع تحت سمعه وبصره إما بقراءة الجريدة أو النظر من نافذة الحافلة!!

نعم، لقد استطاع شياطين الإنس وأبالسة البشر ومن حذا حذوهم، واتبع هواهم ،استطاعوا أن يمسخوا هذه الفطرة السليمة في عالم الغرب ـ وإن كانت شظاياها وصلت إلى عالم المسلمين أيضاً ـ واستطاع هؤلاء الأبالسة وتلاميذ إبليس وإن كانوا أحياناً يتفوقوا عليه مكراً وخبثاً ودهاءً،أن يحولوا الإنسان إلى كتلة جنس محترقة  لايطفؤ لهيبها إلا بممارسة الجنس من غير قيد أوشرط(عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد)،وأن يجعلوا المادة والمادة وحدها هي المحرك الوحيد للإنسان وليس الأخلاق(كارل ماركس الشيوعي)،وأن الفرد هو”الأصل” في المجتمع  الحديث الغربي وليست الأسرة(عالم الاجتماع الانكليزي دوركهايم)،وأن الإنسان يجب عليه أن ينهلّ من لذات الحياة قبل موته ولا يفكر إلا بذاته(نظرية الوجودية جان بول سارتر)،والأبعد من ذلك أن بعضهم مازال مصراً على أن الإنسان أصله قرد من أجل أن يحطموا كل معنى للإنسانية في هذا الإنسان والقضاء على مافيه من كرامة وكل ذرة صلاح.

لقد ظهرت في البداية صرخات استنكار وإصلاح ولكنها خمدت وماتت في مهدها فالمجتمع أصبح يتبنى هذه الفلسفات الجديدة،وأصبح حاميها،وكيف يمكن للنباتات الجميلة الطيبة أن تعيش  في مستنقعات آسنة،وكيف يمكن أن يجد الخنزير اللذة إلا من خلال التمرغ في الوحل والأقذار.

نعم،لقد عمَّ البلاء واستشرى الداء،فأصبح المعروف منكراً،والمنكر معروفاً،وأصبح الإنسان في عالم الغرب يعيش بنظرة جديدة أودت به وتودي به إلى الانحدار والهاوية،وما الاحصائيات الحديثة عن الأرقام العالية من حوادث الانتحار،وإدمام المخدرات والحبوب والخمر،وارتفاع عدد حالات الأمراض النفسية والقلق والجنون وارتفاع حوادث الجريمة والقتل والاغتصاب إلا مشعرات على ذلك.

لقد عمّت الرذيلة،وشاع الفساد،فحقّ العذاب،فهذه سنّة الله في الكون،وما ظهور الطاعون الجديد أي الإيدز،وارتفاع حالات السرطان وانتشار الكوارث كالزلازل والإعصارات والعواصف والفيضانات والقحط والمجاعات والجفاف،وما ظهور الحروب والاقتتال في كل مكان إلا بوار غضب الله ونقمته على هذا العالم الفاسد.

سئل قديماً أحد الصالحين بعد أن عانوا جفافاً وقحطاً..إننا نستبطيء المطر،فنظر إليهم بمرارة وقال لهم:”ولكنّي واللهأستبطيء الحجارة! فماذا يقول هذا الصالح إذا بُعث في هذا الزمان؟ماذا يقول؟!

(نشر هذا الموضوع في مجلة الرائد العدد 146 بتاريخ تشرين الأول عام 1992)

ملاحظة:ماذكرته في الموضوع لايقتصر على عالم الغرب وحده،فقد انتشرت هذه السلبيات وللأسف في مجتمعاتنا الشرقية،وعلى العكس قد تجاوزنا الغرب في هذه السلبيات،ولم نأخذ عن الغرب إيجابياته،ومنها النظام وحب العمل والتكافل الاجتماعي والديمقراطية في الحكم ….بل أخذنا هذه السلبيات وأضفنا إليها سلبيات أخرى لاتوجد عند الغرب ومنها الرشوة والفساد والظلم والحكم الاستبدادي والتناحر والاقتتال….وحسبي الله ونعم الوكيل.

مصريات (أشعار)

أحمد شوقي

من أيّ عهد في القرى تتدفقُ

ومنَ السماءِ نزلت أم،فُجرّتْ من

وبأيِّ عين أم بأيّة مُزنةٍ

وبأيّ نول أنتَ ناسجُ بُردهِ

أتت الدهورُ عليكَ مهدُكَ مترعٍ

تسقي وتُطعم:لا إناؤكَ ضائقٌ

 

وبأيِّ كفّ في المدائنِ تُغدقُ

عُليا الجنان جداولاً تترقرقُ

أم أيّ طوفان تفيضُ وتفهقُ

للضفتينِ جديدها لا يخلقُ

وحياضُكَ الشُّرق الشهيةُ دُفّقُ

بالواردين،ولا خَوانُكَ يَنفقُ

دين الأوائل فيكَ دينُ مروءة

 

لمَ لا يُؤلّه من يقوتُ ويرزقُ!

لو أنّ مخلوقاً يؤلّهُ لم تكن

 

لسواكَ مرتبةُ الألوهية تُخلقُ

جعلوا الهوى لك والوقارَ عبادة

 

إنّ العبادة خشيّة وتعلّقُ

دانوا ببحرٍ بالمكارم زاخر

 

عذب المشارع مَدّهُ لا يُلحقُ

مُتقيدٍ بعهودهِ ووعوده

 

يجري على سَنن الوفاء ويَصدقُ

يتقبّلُ الوادي الحياة كريمةً

فيبيتُ خصباً في ثراهُ ونعمة

 

من راحتيك عميمةً تتدفقُ

ويَعمّهُ ماءُ الحياةِ الموسَقُ

وإليكَ بعد الله يرجع تحتهُ

 

ما جفّ أو ما مات أو ما يَنفق

ولمن هياكل قد علا الباني بها

 

بين الثريا والثرى تتنسقُ

منها المشيد كالبروج،وبعضها

 

كالطودِ وتضجع أشمّ منطقُ

جدد كأول عهدها،وحيالها

 

تتعاوم الارض الفضاء وتعتق

من كل ثقل كاهل الدنيا به

 

تعب،ووجه الأرض عنه ضيقُ

علا على باع البلى لا يهتدي

 

ما يعتلي منه وما يتسلقُ

كم موكب تتخايل الدنيا بهِ

 

يجلي كما تجلي النجوم وينسقُ

فرعون فيه من الكتائب مقبل

 

كالسحب قرن الشمس منها مفتق

تعنو لعزته الوجوه ووجهه

 

للشمسِ في الآفاقِ عان مطرق

أبت من السفر البعيد جنوده

 

وأتته بالفتح السعيد الفيلقُ

ومشى الملوكُ مصفدين ،خدودهم

 

نعل لفرعون العظيم ونمرق

مملوكة أعناقهم ليمينه

 

يأبى فيضرب،أو يمته فيعتقُ

أحمد شوقي

يا راكبَ الريح،حيّ النيل والهرما

 

وعظم السفح من سناء والحرما

وقف على أثر مرّ الزمان به

 

فكاد أثبت من أطواره قمما

واخفض جناحك في الأرض التي حملت

 

موسى رضيعاً ،وعيسى الطهر منفطما

وأخرجت حكمة الأجيال خالدة

 

وبيّنت للعباد السيف والعلما

وشرفت بملوك طالما اتخذوا

 

مطيهم من ملوك الأرض والخدما

هذا فضاء تلمّ الريح خاشعة

 

به،ويمشي عليه الدهر محتشما

وبنينا،فلم نخل لبانِ

 

وعلونا،فلم يجزنا علاء

وملكنا،فالمالكون

 

عبيدوالبرايا بأسرهم إسراء

قل لبان بنى فشاد فغالى

 

لم يحز مصر في الزمان بناء

ليس في الممكنات أن تنقل الأج

 

يال شماً وأن تنال السماء

أجفل الجنّ عن عزائم فرعو

 

ن ودلت لبأسها الآناء

شاد ما لم يشد زمان ولا أنشأ

 

عصر،ولا بنى بناء

بني مصر مكانكمو تهيّا

 

فهيا مهدوا للمجدِ هيّا

ما نسيت مصر لكم برّها

 

في حازبِ الأمرِ وفي صعبه

بأبي وروحي الناعمات الغيدا

 

الباسمات عن اليتيم نضيرا

الراويات من السلاف محاجرا

 

الناهلات سوالفاً وخدودا

أقبلن في ذهبِ الأصيلِ ووجهه

 

ملىء الغلائل لؤلؤاً وفريدا

حوت الجمال فلو تأس بيدها

 

في الوهم حسناً ما استطعت مزيدا

لو مرّ بالولدان طيف جمالها في الحلم

 

في الحلم راحوا ركعاً وسجودا

لأشهى من العود المرنم منطقاً

 

وألذّ من أوتاره تغريدا

يا مصر أشبال العرين ترعرعت

 

ومشت إليكي من القيودِ أسودا

خرجوا فما مدوا حناجرهم

 

ولا منّوا على جبهاتهم معقودا

جادوا بأيام الشباب

 

وأوشكوا يتجاوزون إلى الحياة الجودا

طلبوا الجلاء على الجهاد مثوبة

 

لم يطلبوا أجر الجهاد جريدا

والله ما دون الجلاء ويومه

 

يوم تسميه الكنانة عيدا

يا فتية النيل الحبيب خذوا المدى

 

واستأنفوا نفس الجهاد مزيدا

وابنوا على أسس الزمان وروحه

 

ركن الحضارة بازخاً وشديدا

وجه الكنانة ليس يغضب ربكم

 

أن تجعلوه بينكم معبودا

إنّ الذي قسم البلاد حباكم

 

بلد كأوتار النجوم مديدا

يا مصرُ، أنتِ كِنانةُ الله، التي

 

لا تُستباحُ،وللكِنانةِ حامِ

استقبلي الآمالَ في غاياتها

وخذي طريفَ المجدِ بعد تليده

يُعنى بسؤدد قومه،وحقوقهم

ما تاجُ المعالي ولا نوّابه

 

وتأملي الدنيا بطرفٍ سامِ

من راحتي ملكٍ أغرُّ همامِ

ويذودُ عن حياضهم ويُحامي

بالحانثين إليك في الإقسامِ

وجرّبتِ نُعمى الحادثاتِ وبؤسها

 

أعلمتِ حالاً آذنت بدوامِ؟

وإنّي لطيرُ النيلِ لا طيرَ غيرُهُ

 

وما النيلُ إلا من رياضكَ يُحسبُ

إذا قلتُ شعراً فالقوافي حواضرٌ

 

وبغدادُ بغدادٌ ويثربُ يثربُ

ولم أعدِم الظلّ الخصيبَ وإنّما

 

أجاذبكَ الظلَّ الذي هو أخصبُ

وسلا مصر هل سلا القلبُ عنها

 

أو أسا جرحهُ الزمانُ المؤسي

كلما مرّت الليالي عليه

 

رقَّ والعهدُ في الليالي تُقسّي

مستطار إذا البواخر رنتْ

 

أول الليل أو عدتْ بعد جرسِ

صِحْ بالصباحِ وبشّرْ

 

الأبناءَ بالمستقبلِ

واسألْ لمصرَ عنايةً

 

تأبى وتهبطُ من علِ

قلْ ربنا افتح رحمة

 

والخيرُ منك فأرسلِ

أدركْ كنانتك الكريمة

 

ربنا وتقبّلِ

هم بنو مصر لا الجميلُ لديهم

 

بِمُضاعٍ ولا الصنيعُ بمنسي

وأرّجَ الفتحُ أرجاءَ الحجازِ وكم

 

قضى الليالي لم ينعم ولم يطبِ

وازيّنتْ أمهاتُ الشرق واستبقت

 

مهارجُ الفتحِ في الموشيّة القشبُ

هزّتْ دمشقُ بني أيوبَ فانتبهوا

 

يهنئونَ بني حمدانَ في حلبِ

ممالكٌ ضمّها الإسلامُ في رحمٍ

 

وشيجةٍ وحواها الشرقُ في نسبِ

وأرّجَ الفتحُ أرجاءَ الحجازِ وكم

 

قضى الليالي لم ينعم ولم يطبِ

وازيّنتْ أمهاتُ الشرق واستبقت

 

مهارجُ الفتحِ في الموشيّة القشبُ

هزّتْ دمشقُ بني أيوبَ فانتبهوا

 

يهنئونَ بني حمدانَ في حلبِ

ممالكٌ ضمّها الإسلامُ في رحمٍ

 

وشيجةٍ وحواها الشرقُ في نسبِ

وأينَ الفوز لا مصر استقرت

 

على حال ولا السودان داما

وأين ذهبتمو بالحقِّ لما

 

ركبتم في قضيته الظلاما

لقد صارت لكم حكماً وغمّاً

 

وكانَ شعارها الموت الزؤاما

شببتم بينكم في القطرِ نارا

 

على محتله كانت سلاما

إذا ما راضها بالعقل قوم

 

أجدّ لها هوى قوم ضراما

تراميتم فقال الناس قوم

 

إلى الخذلان أمرهمو ترامى

وكانت مصر أول من أصبتم

 

فلم تحصِ الجراحَ ولا الكِلاما

إذا كان الرماةُ رماةَ سوءٍ

 

أحلوا غير مرماها السهاما

وأنا المحتفي بتاريخ مصرٍ

 

من يَصُنْ مجدَ قومهِ صانَ عِرضا

يا شبابَ الديارِ مصرُ إليكم

 

ولواءُ العرينِ للأشبالِ

كلّما رُوّعتْ بشبهةِ بأسٍ

 

جعلتكم معاقلَ الآمالِ

هيؤوها لما يليقُ بمنفٍ

 

وكريم الآثارِ والأطلالِ

وانهضوا نهضة الشعوب لدينا

 

وحياةٍ كبيرة الأشغالِ

تلك مصر الغدِ تبني ملكها

 

نادت الباني وجاءت بالعدد

وعلى المال بنت سلطانها

 

ثابت الأساس مرفوع العُمد

ردّها العصر إلى أسلوبه

 

كلّ عصر بأساليب جدد

البنون استنهضوا آباءهم

 

ودع الشبل من الوادي الأسد

أصبحت مصر، وأضحى مجدها

 

هِمّة الوالد أو شغل الولد

هذه الهِمّة بالامس جرت

 

فحوت في طلب الحقّ الأمد

رُبَّ جارٍ تلفتت مصرُ توليه

 

سؤألَ الكريم عن جيرانه

بعثتني معزياً بمآقي

 

وطني أو مهنئاً بلسانه

حافظ إبراهيم

وقفَ الخلقُ ينظرون جميعاً

 

كيفَ أبني قواعدَ المجدِ وحدي

وبناةُ الأهرامِ في سالفِ الدّه

 

رِ كَفوني الكلام عندَ التحدي

أنا تاجُ العلاءِ في مفرقِ الشر

 

قِ ،ودُراتهُ فرائدُ عِقدي

أيُّ شىءٍ في الغربِ قد بهرَ النا

 

سَ جمالاً ولم يكن منهُ عندي

فَتُرابي تبرٌ،ونهري فراتٌ

 

وسمائي مصقولةٌ كالفرندِ

أينما سِرتَ جَدولٌ عندَ كرمٍ

 

عند زهرٍ مُدنّرٍ عند رندِ

ورجالي لو أنصفوهم لسادوا

 

من كهولٍ ملءِ العيونِ ومُردِ

لو أصابوا لهم مجالاً لأبدوا

 

معجزاتِ الذكاءِ في كلِّ قصدِ

أنا إن قدّرَ الإلهُ مماتي

 

لا ترى الشرقَ يرفعُ الرأسَ بعدي

ما رماني رامٍ وراحَ سليماً

 

من قديمٍ عنايهُ الله جُندي

كم بغتْ دولةٌ عليَّ وجارتْ
ثمَّ زالتْ وتلكَ عُقبى التعدّي
إنني حُرّةٌ كسرتُ قيودي
رغمَ رُقبى العِدا وقطّعتُ قِدّي
وتماثلتُ للشفاءِ وقد دا
قلْ لمن أنكروا مفاخرَ قومي
هل وقفتم بقمة الهرم الأكبرِ
هل رأيتم تلكَ النقوشَ اللواتي
حالَ لونُ النهارِ من قِدم العهدِ
أنا أمُّ التشريعِ قد أخذ الرو
ورصدتُ النجومَ منذ أضاءت

نيتُ حَيني وهيأ القومُ لحدي
مثلَ ما أنكروا مآثرَ وُلدي
يوماً فرأيتم بعضَ جهدي
أعجزت طوقَ صنعةِ المتحدي
وما مسّ لونها طولُ عهدِ
مانُ عني الأصولَ في كلّ حدِ
في سماءِ الدّجى فأحكمتُ رصدي
أتُراني وقد طويتُ حياتي
في مِراسٍ لم أُبلغِ اليومَ رُشدي؟
أيُّ شعبٍ أحقُّ مني بعيشٍ
وارفِ الظلِّ أخضرِ اللونِ رَغدِ؟
أمنَ العدلِ أنهم يَردونَ ال
ماءَ صفواً وأن يُكدّرَ وِردي؟
أمنَ الحقِّ أنهم يُطلقونَ ال
أُسدَ منهم وأن يقيّدوا أُسدي؟
نظرَ الله لي فأرشدَ أبنا
ئي فشدّوا إلى العلا أيّ شدِّ
إنما الحقُّ قوةٌ من قوى الدّ
يان أمضى من كلِّ أبيضَ هندي
وقد وُعدتُ العلى بِكلِّ أبيٍّ
وردوا بي مناهلَ العزِّ حتى

من رجالي فأنجزوا اليوم وعدي
يَخطبَ النجمُ في المجرةِ وُدّي
وارفعوا دولتي على العلمِ والأخ
لاقِ فالعلمُ وحدهُ ليسَ يُجدي
وتواصوا بالصبرِ،فالصبرُ إن فا
رقَ قوماً فما لهُ من مَسَدِّ
خُلُقُ الصبرِ وحدهُ نصرَ القو
شهدوا حومةَ الوغى بنفوسٍ
فمحى الصبرُ آية العلم في الحربِ

مَ وأغنى عن اختراعٍ وعَدِّ
صابراتٍ وأوجهٍ غيرَ رُبّدِ
وأنحى على القوي الأشدِّ
واصفحوا عن هَناتِ من كانَ منكم
رُبَّ هافٍ هفا على غيرِ عمدِ
يا مصرُ هل بعدَ هذا اليأسِ مُتسَعٌ
يجري الرجاءُ بهِ في كلِّ مُضطربِ
لا نحنُ موتى ولا الاحياءُ تُشبهنا
كأننا فيكِ لم نشهد ولم نغبِ
نبكي على بلدٍ سالَ النُضارُ بهِ
للوافدين وأهلوهُ على سَغبِ
متى نراهُ وقد باتت خزائنهُ
كنزاً من العلم لا كنزاً من الذهبِ
هذا هو العملُ المبرورُ فاكتتبوا
بالمالِ إنا اكتتبنا فيه بالأدبِ
أرى مصرَ والأنوارُ منها مُوَرّدُ
ومنها لجينيّ ومنها مُذَهبُ
وأشكالها شتى فهذا مُنظّمٌ
وذلكَ منثورٌ وذاكَ مُقبّبُ
وبعضٌ تجلّى في مصابيحِ زَيتها
بُضىءُ ولا نارٌ وبعضُ مكهربُ
وانظر في بستانها النجم مُشرقاً
فهل أنت يا بستانُ أفقٌ مكوكبُ
واسمع في الدنيا دعاءً بنصرهِ
يُردّدهُ البيتُ العتيقُ ويثربُ
كم ذا يُكابدُ عاشقٌ ويلاقي
في حُبِّ مصرَ كثيرةِ العُشّاقِ
إني لأحملُ في هواكِ صبابة
يا مصرُ قد خرجت عن الأطواقِ
لهفي عليكِ متى أراكِ طليقةً
يحمي كريمَ حماكِ شعبٌ راقِ
كَلفٌ بمحمودِ الخلالِ مُتيّمٌ
بالبذل، بين يديكِ والإنفاق
حوّلوا النيلَ واحجبوا الضوءَ عنا
واطمسوا النجمَ واحرمونا النسيما
واملئوا البحرَ إن أردتم سفينا
واملئوا الجوَّ إن أردتم رجوما
إننا لن نحولَ عن عهدِ مصرٍ
أو ترونا في التُرب عظماً رميما
لعمركَ ما أرقتُ لغير مصر
ذكرتُ جلالها أيام كانت
وأيام الرجال بها رجال
فأقلقَ مضجعي ما باتَ فيها

ومالي دونها أمل يُرام
تصولُ بها الفراعنةُ العظام
وأيام الزمان لها غلام
وباتت مصر فيه فهل أُلام؟
لبيكَ إنا على ما كنتَ تعهدهُ
حتى نسودَ وحتى تشهدَ الأممُ
فيعلمَ النيلُ أنا خيرُ من وردوا
ويستطيلُ اختيالاً ذلكَ الهرم
لمّا تنبّه بالكنانةِ نائمٌ
وأصاتَ بالشكوى الأليمةِ صاحي
وتكشّفت تلكَ الغياهبُ وانطوت
وبدتْ شموسُ الحقّ وهي ضواحي
علموا بحمدِ الله أن قرارنا
في ظلِّ غير الله غيرُ مُتاحِ
فاليومَ قَرّي يا كنانةُ واهدئي
حَرمُ الكِنانةِ لم يكن بِمباحِ
أشرقْ فدتكَ مشارقُ الإصباحِ
وأمِطْ لثامكَ عن نهارٍ ضاحي
بُوركتَ يا يومَ الخلاصِ ولا ونت
عنكَ السّعودُ بِغدوةٍ ورواحِ
بالله كنْ يُمناً وكنْ بشرى لنا
في ردِّ مغتربٍ وفكّ سَراحِ
(وكم ذا بمصرَ من المضحكات)
كما قال فيها(أبو الطيب)
أمورٌ تمرُّ وعيشٌ يُمِرّ
ونحنُ من اللهو في ملعبِ
وشعبٌ يفرُّ من الصالحاتِ
فرارَ السليمِ من الأجربِ
وصحفٌ تطنُّ طنينَ الذبابِ
وأخرى تشنُّ على الأقربِ
وهذا يلوذُ بقصرِ الأميرِ
ويدعو إلى ظلّهِ الأرحبِ
وهذا يصيحُ مع الصائحين
على غيرِ قصدٍ ولا مأربِ
وقالوا:دخيلٌ عليهِ العَفاءُ
ونعمَ الدخيلُ على مذهبي
رآنا نياماً ولّما نُفقْ
فشمرَ للسعي والمكسبِ
وماذا عليه إذا فاتنا
ونحنُ على العيشِ لم ندأبِ
ألفنا الخمولَ ويا ليتنا
ألفنا الخمولَ ولم نكذب
ليتَ شعري متى تُنازعُ مصرٌ
غيرها المجدَ في الحياةِ نزاعا
ونراها تُفاخرُ الناسَ بالأحياء فخراً
في الخافقين مُذاعا

محمود سامي البارودي

يا حبذا مصرُ لو دامتْ مودّتها
وهل يدومُ لحيٍّ في الورى سكنُ؟

إبراهيم ناجي

أجلْ إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصرُ هيَ المحرابُ والجنّةُ الكبرى
حلفنا نولي وجهنا شطر حُبّها
وننفد فيه الصبرَ والجهد والعمرا
نبثّ بها روحَ الحياةِ قويةً
ونقتلُ فيها الضنكَ والذلّ والفقرا
نحطّمُ أغلالاً ونمحو حوائلا
ونخلقُ فيها الفكرَ والعمل الحرا
أجلْ إنّ ماءَ النيلِ قد مرّ طعمهُ
تناوشهُ الفتاكُ لم يدعو شبرا
فدالتْ به الدنيا وريعت حمائم
مغردة تستقبلُ الخيرَ والبشرى
وحامتْ على الأفق الحزينِ كواسرٌ
إذا ظفرت لا ترحم الحسنَ والزهرا
تحطّ كما حطّ العقابُ من الذرى
وتلتهم الأفنانَ والزغبَ والوكرا
فهلّا وقفتم دونها تمنحونها
أكفاً كماءِ المزنِ تمطرها خيرا
سلاماً شبابَ النيلِ في كلّ موقفٍ
على الدهرِ يجني المجدَ أو يجلبُ الفخرا
تعالوا نُشيدُ مصنعاً رُبّ مصنعٍ
يدرُّ على صناعنا المغنمَ الوفرا
تعالوا نشيد ملجأً، ربّ ملجأٍ
يضمُّ حُطامَ البؤسِ والأوجه الصفرا
تعالوا لنمحو الجهلَ والعللَ التي
أحاطتْ بنا كالسيلِ تغمرنا غمرا
تعالوا فقد حانت أمورٌ عظيمةٌ
فلا كانَ منا غافلٌ يصم العصرا
تعالوا نقلْ للصعبِ أهلاً فإننا
شبابٌ ألفنا الصعبَ والمطلبَ الوعرا
شبابٌ إذا نامتْ عيونٌ فإننا
بكرنا بكورَ الطيرِ نستقبلُ الفجرا
شبابٌ نزلنا حومة المجدِ كلنا
ومن يغتدي للنصرِ ينتزعُ النصرا
مرّ الغزاة بمصر وانتهوا رمزا
فأين بالله تيجانٌ ودولات
كأنّ صخرة أقدار تحطمهم
وما من القدرِ المحتومِ إفلات
مروا ومصر على التاريخِ باقيةٌ
كأنّما حولها للنورِ هالات
فأعجب لمنطق أذيال يقوم له
محضّ من الزورِ شتّه الضلالات
ومسرح في الليالي لا جديد به
لكن يعاد عليه الذئب والشاة
متى نلتها كانت لأنفسنا منى
تلفتْ تجد مصر بأجمعها هنا
وما بعجيبٍ موطن البدر في العلى
وما بجديد أن يرى الأفق مسكنا
ولكنّ قلب الحرّ تعروهُ نشوةٌ
فيثني على الألاء وضاحة السنا
إذا أخذ البدرُ المنيرُ مكانه
ومُلّكَ آفاق السما وتمكنا
بعينيكِ أستهدي فكيفَ تركتني
بهذا الظلام المطبق الجهم أستهدي
بوردك أستسقي فكيف تركتني
لهذي الفيافي الصمّ والكثب الجردِ
بحبّكِ أستشفي فكيفَ تركتني
ولم يبقَ غيرَ العظم والروح والجلدِ
وهذي المنايا الحمرُ ترقصُ في دمي
وهذي المنايا البيضُ تختالُ في فودي
وكنتُ إذا شاكيت خففت محملي
فهان الذي ألقاهُ في العيشِ من جهدِ
وكنت إذا انهار البناء رفعته
فلم تكن الأيام تقوى على هدّي
وكنت إذا ناديتُ لبيتِ صرختي
فوا أسفا كم بيننا اليوم من سدِّ
أيا مصر ما فيكِ العشيّة سامرٌ
ولا فيكِ من مُصغٍ لشاعركِ الفرد
أهاجرتي طال النوى فارحمي الذي
تركت بديد الشّملِ منتثر العقدِ
فقدتكِ فقدانَ الربيعِ وطيبهِ
وعدت إلى الإعياءِ والسقم والوجدِ
وليسَ الذي ضيّعت فيك بهيّنٍ
ولا أنتِ في الغيّابِ هيّنة الفقدِ

علي محمود طه

أخي! إن وردت النيل قبلَ وِردي
فحيّ ذمامي عندهُ وعهدي
وقبّلْ ثرى فيهِ امتزاجنا أبوة
ونسلمه لإبن لنا وحفيد
أخي! إن أذان الفجر لبيت صوته
سمعت لتكبيري ووقع سجودي
وما صغت قولاً أو هتفتُ بآية
خلا منطقي من لفظها وقصيدي
أخي! إن حواكَ الصبحُ ريّان مشرقاً
أخي! إن طواكَ الليل سهمان سادراً

أفقت على يومٍ أغرّ سعيدِ
نبا فيه جنبي واستحال رقودي
أخي! إن شربت الماءَ صفواً فقد زكتْ
خمائلُ جناتي وطابَ حصيدي
أخي! إن جفاكَ النهر أو جفّ نبعهُ
مشى الموت في زهري وقصف عودي
فكيف تلاحيني وألحاك…إنني
شهيدك في هذا…وأنت شهيدي
حياتك في الوادي حياتي،فإنما
وجودك في هذي الحياة وجودي
أخي! وكلانا في الإسار مكبل
نجر على الأشواك ثقل حديد
إذا لم تحررنا من الضيم وحدة
ذهبنا بشمل في الحياة بديد
أخي! هل شهدت النيل غضبان ثائراً
يرج من الشطئان كل مشيد!
جرى من مصبيه شواظاً لنبعه
على نفثات من دم وصديد
ألا يا أخي واملأ كؤوس محبة
مقدسة موعودة بخلود
إذا هي هانت فانع للشمس نورها
وللقمر الساري بروج سعود
وقل يا سماء النيل ويحك أقلعي
ويا أرض بالشمّ الرواسخ ميدي
وغيضي عيون الماء أو فتفجري
لظى،,غن اسطعت المزيد فزيدي!
هوىً لكِ فيهِ كلّ ردىً يُحَبُّ
فديتُكِ!هل وراءَ الموتِ حُبُّ؟
فديتُكِ مصرُ،كلّ فتىً مشوقٌ
إليكِ،وكلُّ شيخٍ فيكِ صَبُّ
ويحلمُ بالفِدى طفلٌ فطيمٌ
وكلّ رضيعةٍ في المهدِ تحبو
أراكِ،وأينما ولّيتُ وجهي
أرى مُهجاً لوجهكِ تشرئبُ
وأرواحاً عليكِ،مُحوّمات
عليها من دمِ الغادين غارٌ
حمتكِ صدورها يوم التنادي

لها فوقَ الضفافِ خُطىً ووثبُ
له بيديكِ تضفيرٌ وعضبُ
ووقتكِ اللياليَ وهي حربُ
إذا رامتكِ عاديةٌ وشقّتْ
فضاءكِ غِيلةً ورماكِ خطبُ
دعتْ بالنهرِ فهو لظىً ووقدٌ
وبالشجرِ المنورِ فهو غيلٌ

وبالنّسماتِ فهي حصىً وحصبُ
وكلُّ غصونهِ ظُفرٌ وخِلبُ
حقائقُ عن يدِ الإيمانِ ترمي
صواعقَ ومضها رُجمٌ وشُهبُ
لها في مهجةِ الجبارِ فتكٌ
وفي عينيهِ إيماضٌ وسكبُ
صنائعُ كالغنائياتِ يشدو
بها شرقٌ،ويُلقي السمعَ غربُ
ويبعثُ في الحياةِ على صداها
فراعين أو حواريون عربُ
أهلّوا بالصباحِ فثمَّ ركب
تموجُ به الضفافُ وثمَّ ركبُ
بأرواح مجنحة نشاوى
إليك بكلِّ جارحة تدبُّ
لقد بعثت من الأحقابِ مصر
أجل بعثت،وهبّ اليوم شعبُ
توحّدَ في الزعامةِ فهو فرد
وأفرد بالأمانة فهو صلبُ
فيا لك مصر!ما لجلال أمس
علته غبرة وطوتهُ حجبُ
وأبهم فهو رجع صدى وطيف
بعيد ليس يستجليه قربُ
دوت ريّا ملامحه وحالت
مناقبه فهنَّ أذى وثلبُ
أكان دمُ الفدائيين صدقا
وأصبحَ وهو بعد الأمس كذبُ
فيهدم مابنى ويقال شادوا
وتصدع وحدة ويقال رأب؟
علام إذن أريق بكلّ واد
فأورق مجدب وأنار خصبُ؟
وجاد به شباب عبقريٌّ
وولدان كفرخ الطيرِ زغبُ؟
أحقاً ما يقال شيوخ جيل
على أحقادهم فيه أكبّوا
وكانوا الأمس أرسخ من جبال
إذا مازلزلت قمم وهضبُ
فما لهمو وهت منهم حلوم
لها بيد الهوى دفعٌ وجذبُ
أأرحامٌ مقطّعةٌ وأرضٌ
تعادى فوقها أهلٌ وصحبُ
وأسواقٌ تباعُ بها وتُشترى
ضمائر هنَّ للأهواءِ نهبُ
يطوفُ بها النفاقُ وفي يديه
صحائفُ أفعمت زوراً وكتبُ
يكادُ الليل أن ينسى دجاه
إذا نشرت ويأخذ منهُ رعبُ
تعالوا يا بني قومي تعالوا
إلى حقّ وحسب الشعب حسبُ
هو الدستور منه جنى قطفنا
ونهرُ حياتنا ملآن عذبُ
فما للشرب والجانين ثاروا
عليه بعد ما طعموا وعبّوا
حمتك صدورها يوم التنادي
ووقتك الليالي وهي حربُ
بحقِّ عُلاكِ وهو هدى ونور
وحقّ هواكِ وهو علا وكسبُ
إليكِ توجهّتُ بالروحِ مصر
وأنت لمصر بعد الله ربّ
يا بحرُ ما بكَ مابي!مصرُ ما بعدتْ
ولي إليها بهذا الشعر إسراءُ
عجبتُ والعصرُ حُرٌّ كيفَ في يدها
هذا الحديدُ له حَزٌّ وإدماءُ
أقسمتُ لا رجعت بي فيك جاريةٌ
إن لم تجىء عن جلاء القوم أنباءُ
وأنّ مصر بحرياتها ظفرت
فأهل اليوم أحرارٌ أعزاءُ
أقسمتُ إلا إذا نادت بفتيتها
فهبّ مُستقتلٌ عنها وفدّاءُ

محمود حسن إسماعيل

مسافرٌ زادهُ الخيالُ
والسحرُ والعطرُ والظلال
ظمأنُ والكأسُ في يديه
والحبّ والفنُ والجمالُ
شابت على أرضه الليالي
وضيّعتْ عمرها الجبالُ
ولم يزل ينشدُ الديارا
ويسألُ الليلَ والنهارا
والناسُ في حُبّهِ سكارى
هاموا على أفقهِ الرحيب
آهٍ على سرّكَ الرهيب
وموجكَ التائه الغريب
يا نيلُ
يا ساحر الغيوب
يا واهبَ الخلدِ للزمانِ
يا ساقي الحبِّ والأغاني
هات اسقني ودعني
أهيم كالطيرِ في الجنان
يا ليتني موجة فأحكي
إلى لياليكَ ماشجاني
وأغتدي للرياحِ جاراً
وأحملُ النورَ للحيارى
فإن كواني الهوى وطارا
كانت رياحُ الدجى نصيبي
سمعتُ في شطّكَ الجميل
ما قالتْ الريحُ للنخيل
يُسبّحُ الطيرُ أم يُغني
ويسشرحُ الحبّ للخميلِ
وأغصنٌ تلكَ أم صبايا
شربن من خمرِةِ الأصيلِ
وزورقٌ بالحنينِ سارا
أم هذه فرحةُ العذارى
يجري وتجري هناك نارا
وطفتُ حيران باللهيب

حملت من سحرها نصيبي
فلم تدعني بلا حبيبِ
يا منْ رأى مصر تعاني الضنى
في قبضةِ الغربِ العتيِّ العنيد
ضيفٌ أتاها زائراً في المسا
فطنبّ الخيماتِ عند الحدود
وأسفرَ الصبحُ على نحسها
فطاحَ ميثاقٌ وخينت عهود
وأصبحَ الضيفُ بها سيّداً
وسائر الأحياءِ فيها عبيد
وإذا بروحٍ من بنيها سرى
مطهّرَ القلبِ كروح الوليد
حرٌّ رأى الأغلالَ موثوقةً
أحكمها في الطوقِ ضيفٌ جحود
فهبّ كالإعصارِ في صرخةٍ
براحةٍ عزلاءَ لكنّها

تهزمُ في الوادي هزيمَ الرعود
تروع بالحقِّ جنان الجسود
ناعمةٌ هاجتْ لقيدِ الحمى
وقال والموتُ على كفّه:

شديدةَ البأسِ كصخرٍ صلود
لا تفزعي يا مصرُ إني شهيد
وخرّ في الأرضِ على وجهه
شعاعةً للحقِّ من جفنهِ

قداسةُ التقوى وطهر السجود
تبقى مناراً هادياً للوجود
وخفقةٌ ماتت على ثغره
كادتْ لها شمُّ الرواسي تميد
مصر ظمأى وذلك الدم ريّ
لصداها فلا تنوحوا عليه
كم سقتنا من سلسل النيل خمراً
لم تُغض كأسها سوى شفتيه
مالنا نرخصُ الدموع إذا ما
سفكت قطرة على شاطئيه
وهو أحرى بأن نسوق الضحايا
حاشداتٍ تزفُّ لهفي إليه
صرخت مصرُ للظلوم ولكن
غلّف الظلمُ جهرةً أذنيه
تخذ النار والرصاص جواباً
للذي يشتكي إساراً لديه
ولوى جيدهُ عن الثائرِ الحرِّ
وشدّ الأغلال في ساعديه
وأعارَ الدماءَ نظرة ذئبٍ
يقطرُ اللؤم من سنا عينيه
فلنثر ثورةَ الأبيّ ونلقى
كلّ يوم ضحيةً في يديه
علّ طهرَ الدماءِ يلهمه الطهر
ويمحو الأرجاسَ من جانبيه

كامل الشناوي

كنتَ في صمتكَ مرغم
كنتَ في حُبّكَ مُكره
فتكلم وتألم
وتعلم كيف تكره
عرضُكَ الغالي…على الظالم هان
ومشى العارُ إليهِ وإليك
أرضُكَ الحرّة غطاها الهوان
وطغى الظلمُ عليها وعليك
قدم الآجال قرباناً لعرضك
اجعل العمر سياجاً حول أرضك
غضبةً للعرضِ..للأرضِ …لنا
غضبةً تبعثُ فينا مجدنا
وإذا ما هتفَ الهولُ بنا
فليقل كلّ فتى…إني هنا
أنا يا مصرُ فتاكِ
بدمي أحمي حماك…ودمي ملءُ ثراكِ
أنا ومض وبريق
أنا صخرٌ أنا جمر
لفحُ أنفاسي حريق
ودمي نارٌ وثأرُ
بلدي..لا عشت إن لم أفتد
يومك الحرّ بيومي وغدي
نازفاً من دمِ أعدائكَ ما نزفوه
من أبي أو ولدي
آخذاً حريتي من غاصبها سألبيها
وبروحي أفتديها
هات أذنيك معي…واسمع معي
صيحة اليقظة…تجتاح الجموع
صيحة شدت ظهور الركع
ومحت أصداؤها عار الخضوع
أنت إن لم تتحرر..بيدي يا بلدي
فسأمضي أتحرر من قيود الجسدِ
لا أبالي الهول بل أعشقه
لا أباليه…وإن مت صريعاً
إنه لو لم يكن…أخلقه
لأرى فيه ضحايانا جميعاً
في دماهم أمل
دم عيسى ومحمد
فاحترم بالثأر …ذكرى شهدائك إن هنا أزكى دمائك



بذلوا أرواحهم بذل السخي…وانتقم وهنا أمي وأختي وأخي
كان وهماً وأمانيَ وحلما كان طيفا
وصحا النائم يوماً فرأى النور فأغفا
كلما استيقظ نام
وارتمى بين الظلام
ثم كانت صحوة كالنار
كالتيار كالقدر العنيد
أيقظته.بعثته
خلقته من جديد..من جديد
لا تسلني أين كنا،أين أصبحنا وكيف
لا تسلني من الذي وحدنا قلباً وصفا
سلْ جموعَ الشهداء
سل دموع الأبرياء
الدم السوري والمصري يجري لهبا
صارخاً عرباً كنا ونبقى عربا
لم يكن أيهما بالأمس وحده
ولقد صارا مع الأيام وحدة

أحمد خميس

يا ليالي الشرق
هل عادتك أشواق الغناء
فالروابي الخضر تشدو
والسنا حلو الرواء
والأماني هتاف
عزفته الضفتان
فجرى في مقلة الارض
وفي قلب السماء
وجثا التاريخ
يستروح أمجاد الغد
فوق وادٍ عاطرِ التربة
فيّاض النماء
فأفاقت مصر
شطآناً وعشباً ونخيلا
تنفضُ الظلمة
عن فجرٍ عزيزِ الكبرياء
درة الشرق
رعاك الله مادام وجود
ورعى شعباً عريق
المجد موفورَ الإباء
وأقام العزُّ خفاقاً
بواديكِ الحبيب
خالداً في صفحة الأيام
في عمرِ البقاء
فانهلي يا مصر من
إشراقةِ العهد الرغيد
واسلمي يا مصر
تفديكِ قلوب الأوفياء
بني مصر قد راحَ ليلُ العبيد
فكونوا لمصرَ الضياء الجديد
بني مصر بالعلم نغزو الحياة
وبالخلقِ السمحِ نُرضي الإله
فكونوا هداةً..وكونوا أباةً
وكونوا على الأرضِ شعباً يريد…ويهتف قد راح ليلُ العبيد
بني مصرَ هذي عيون الورى
تكادُ تساءل عما ترى
هو البعثُ في أرضنا قد جرى
يدكُ الظلام،يذيبُ القيود..ويهتف قد راح ليلُ العبيد
بني مصر قد لاحَ فجرُ المنى
وصارت إلى النصرِ أيامنا
فضموا سنا الشمس في أرضنا
وغنوا مع النور هذا النشيد
بني مصر قد راح ليلُ العبيد
فكونوا لمصرَ الضياء الجديد
بني مصر للنيل جيش غدا
طلائع مجد سناها بدا
فضموا الصفوفَ وكونوا يدا
هو الحقُّ سيف ينيرُ الوجود
بني مصر هذا الصباح لنا
تفجر بين الربا والسنا
لننشر في الأفقِ أعلامنا
تحي الجلاء تحي الجنود
بني مصر والغد منا قريب
له فيكم أملٌ لا يخيب
فكونوا سواء لدفع الخطوب
فما بيننا سيّد أو مسود
وقد راح يا شعب ليل العبيد
فدمنا لمصر الضياء الجديد
بور سعيد،بور سعيد
قبلة الشعبِ العتيد
أنتِ أذهلتِ الوجود
أنتِ سطرتِ الخلود…في كفاحكِ المجيد
بور سعيد،بور سعيد
أنتِ يا رمز الفداء
أنت يا نورَ السماء
أنتِ في القلبِ دملء..أنت في السمعِ نشيد
بور سعيد،بور سعيد
غضبة فيها الدماء
صرخةٌ تشعل نار
انتصار انتصار..يا بني مصر الأسود
بور سعيد، بور سعيد
أنت قبرٌ للغزاة
لعنة على الطغاة
دعوةٌ إلى الحياة
تعلن الفجر الجديد
بور سعيد، بور سعيد

خليل مطران

في مصرَ منذُ اليومِ أسنى موقفٍ
للمجدِ يُشهَدُ في الزمانِ ويُسمعُ
عزّتْ ومن أسمى المفاخرِ أنّها
نهضت بعزّتها العقائدُ أجمعُ
كالدوحة الكبرى توحدّ أصلها
ومضت مذاهبَ في السماءِ الأفرعُ
وبما جلبنَ من الأشعة والندى
نمتِ الجذوعُ وشملها مُتجمعُ
حبّذا مصرُ في الرّباعِ رباعاً
لا يُضاهي المُقامَ فيها مُقامُ
شملَ السعدُ أهلها وكفتهم
ما كفتْ أصفياءها الأيامُ
داعٍ إلى العهدِ الجديدِ دعاكِ
فاستأنفي في الخافقينِ عُلاكِ
يا أمةَ العربِ التي هي أمنا
أيّ الفخارِ نميته ونماكِ
تيّممنا مرابعهم فماذا
جلا فيها لنا السحر الحلال
بلاد تصطبي الأحلامُ فيها
حقيقتها وتسبيها الخيال
لمجرى نيلها ولضفتيه
جمالٌ لا يُباهيه جمالُ
وللبيدِ السحيقة والرواسي
جلالٌ لا يُضاهيهِ جلال
فإن يكُ شعبها كرماً وبأساً
يُمثلها فقد راعَ المثال
شمائلُ حلوةٌ طابت وروداً
على مرّ الزمانِ وما تزالُ
وإقدامٌ على الجُلّى وعزمٌ
لهُ إن مسّهُ الضيمُ اشتعالُ
لا بِدعَ أن تلقى بمصرَ حفاوةً
كلّتْ عن استيفائها الاقلامُ
لمصرَ إذا استكفتْ كفاءٌ بنفسها
ففيمَ الرّضى من وافرِ الخيرِ بالنزرِ

أحمد محرم

يا آلَ مصر وأنتم أبناؤها
ولكم جوانب أرضها وسمائها
إن تسألوا فالجهلُ داء بلادكم
ومن البلية أن تموت بدائها
والمالُ وهو من الودائع عندكم
نعم الدواء والمرتجى لشفائها
ألا إنها مصر التي شقيت بنا
فيا ويحَ مصرٍ ما الذي لقيت مصر
مضى عزّها المسلوب ما يستعيده
بنوها فلا عزّ لديهم وفخرُ
هم رقدوا عنها فطالَ رقادهم
فديتكم هبّوا فقد طلعَ الفجرُ
ألم تروا أن قد تقسّمَ أمركم
بأيدي الالى جدّوا فهل لكم أمرُ
أما فيكم حرُّ إذا قام داعياً
إلى صالحٍ أوفى فجاوبه حرُّ
كفى حزناً أنا نرى مصرَ أصبحتْ
بعينِ بنيها نهبٌ مُقسّمُ
تناديهمو كي يدركوها ولا أرى
سوى محجمٍ يعتاق ساقيه محجم
بني مصر هيا قد تمادى جثومكم
أأنتم إلى يوم القيامةِ جثمُ
بني مصر هذي مصر تبكي مُصابها
ألا مشفقٌ يحنو عليها ويرحمُ
بني مصر هذي مصر قد ساء حالها
وأسوأ حالاً لو تفيقون أنتمُ
بني مصر قد أوردتموا مصر مورداً
يُذيقُ الردى وراده لو علمتمُ
أسأتم إليها جاهدين وأنتمو
بنوها فهلّا للعداةِ أسأتمُ
فيا ليتها من قبل كانت عقيمة
ويا ليتها في مقبل الدهرِ تعقمُ
لقد هرمت مصر ونزعم أنها
فتاةً فهل أدعى فتىً حين أهرمُ
وما مصر إلا موطن نحنُ أهله
عزيزٌ علينا أرضه وسماؤه
فيا حبذا قبل الشقاء نعيمه
ويا حبذا بعد النعيم شقاؤه

علي الجارم

أنتِ يا مصرُ صفحةٌ من نُضارِ
لمعتْ بينَ سالفاتِ العهودِ
أينَ رمسيسُ والكماةُ حواليهِ
مُشاةٌ في الموكبِ المشهودِ
ملأ الأرضَ والسماءَ فهذي
بجنودٍ وهذهِ ببنودِ
وجموعُ الكُهانِ تهتفُ بالنصرِ
وتتلو النشيدَ إثرَ النشيدِ
يا بنةَ النيلِ أنت أحلى من الحُبِّ
وأزهى من ضاحكاتِ الوعودِ
نثرَ النيلُ فيكِ تِبراً وأوهى
لينهُ من قساوةِ الجلمودِ
فتنَ الأولينَ حتى أشاروا
نحو قُدسيِّ مائهِ بالسجودِ
ووشى للرياضِ ثوباً وحلّى
كلّ جيدٍ من الرُبا بعقودِ
أنتِ للاجئينَ أمٌّ ووِردٌ
لظماءِ القلبوبِ عذبُ الورودِ
قد حملتِ السراجَ للناسِ والكو
نِ غريقٌ في ظلمةٍ وخمودِ
لا نرى فيك غيرَ عهدٍ مجيدٍ
قرنتهُ العلا بعهدٍ مجيد
وجهودٍ تمثلتْ في صخورٍ
وصخورٍ تشبهت بجهودِ
عِظمٌ يبهرُ السماء وشأوٌ
عاقَ ذات الجناحِ دون الصعود
صوّرَ الله فيكِ معنى الخلودِ
فابلغي ما أردتهِ ثمّ زيدي
أنتِ يا مصرُ جنّة الله في الأرضِ
وعينُ العلا واوو الوجودِ
أنتِ أمُّ المجدينِ بينَ طريفٍ
يتحدى الورى وبينَ تليدِ
كم جديدٍ عليهِ نبلُ قديمٍ
وقديمٍ عليهِ حسنُ جديد
قد رآكِ الدهرُ العتيُّ فتاةً
وهو طفلٌ يلهو بطوقِ الوليدِ
شابَ من حولكِ الزمانُ ومازلتِ
كغصنِ الريحانةِ الأملودِ
أنتِ يا مصرُ بسمةٌ في فمِ الحسنِ
ودمعُ الحنانِ فوقَ الخدودِ
أنتِ في القفرِ وردةٌ حولها الشوكُ
وفي الشوكِ عزةٌ للورودِ
يلثمُ البحرُ منكِ طيبَ ثغور
وأزهى من ضاحكاتِ الوعودِ
أيها الوافدونَ من أمم الشرقِ
وأشباله الأباة الصيد
اهبطوا مصرَ كم بها من قلوب
شفّها حبكم وكم من كبود
قد رأينا في قربكم يوم عيد
قرنتهُ المنى إلى يوم عيد
إنّ مصراً لكم بلادٌ وأهلٌ
ليسَ في الحبِّ بيننا من حدود
يا جيشَ مصرَ لا آلوكَ تهنئةً
حقّقتَ ظنَّ الليالي والمنى فينا
وصلتَ آخرَ عليانا بأوّلها
فما أواخرنا إلا أوالينا
تسيرُ من ظفرٍ إلى ظفرٍ
مباركَ الفتحِ والراياتِ ميمونا
صانَ الإلهُ لجيشِ الشرقِ عزّتهُ
وصانَ أبطالهُ الغُرَّ الميامينا

إسماعيل صبري

يا مصرُ سيري على آثارهمْ وقفي
تلكَ المواقفِ في أسنى مجاليها
لا يُؤيسنّكِ ما قالوا وما كتبوا
بينَ البريّةِ تضليلاً وتمويها
إن يمنعوا الناسَ من قولٍ فما منعوا
أن ينطقَ الحقُّ بالشكوى ويُبديها
ما ضيّعَ الله ظُلماً أمّةً نهجتْ
إلى المفاخرِ نهجاً وهو هاديها
فقلدوا الأمةَ الكبرى وقد ركبتْ
متنَ الفخارِ وكانَ الجِدُّ حاديها
يا آلَ مصر كم لكم من رفعة
في الدهرِ صارتْ عُزّة الموجودِ
هيا اجتنوا ثمرَ العلا من روضه
وتفيئوا في ظلّهِ الممدودِ
لا تقربوا النيل إن لم تعملوا عملاً
فماؤهُ العذبُ لم يُخلق لكسلان
وابنوا كما بنت الأجيالُ قبلكم
لا تتركوا بعدكم فخراً لإنسان

محمود غنيم

فقلْ لشبابِ النيلِ قالةَ ناصح
تعافُ لهُ أخلاقه أن يواربا
إذا مصرُ لم ترفع قواعدَ مجدها
بساعدها لم تقضِ منهُ مأربا
وإن نكُ في كلّ المرافقِ عالةٌ
على غيرنا عشنا بمصرَ أجانبا
أما من سبيل للحياة وغيرُنا
يرى سبلاً شتى ومذاهبا؟
ماضرَّ مصرَـ ومصرُ دارُ الخلد ـ لو
صارت على المحتلِّ نارَ جهنم؟
المستبدُ بمصرَ يلقى حتفهُ
والضيفُإن ينزل بمصرٍ يُكرم
يا مصرُ قد طالَ الإسارُ فحطّمي
بيمينكِ الأغلالَ أو فتحطّمي
لا تحتمي من غاصبيك بهيئةٍ
دوليّةٍ لكن بنفسكِ فاحتمي
الذئبُ ليسَ على القطيعِ بحارسٍ
والفأرُ ليسَ على القِرى بِمحكّمِ
سبعون عاماً كان من أهوالها
أن يهرمَ الهرمُ الذي لم يهرمِ
لا تندبي شهداءكِ الأبرارَ بل
غنّي على أحداثهم وترنّمي
لا تعصبي جُرحَ الجريحِ فإنهُ
في جسمه مثلُ الفمِ المبتسمِ
ما صالَ في الميدان منا صائلٌ
وأصيبَ إلا قال يا مصرُ اسلمي

مصطفى صادق الرافعي

اسلمي يا مصرُ إنني الفدا
ذي يدي إن مدتِ الدنيا يدا
أبداً،لن تستكيني أبداً
إنني أرجو مع اليومِ غدا
ومع قلبي وعزمي للجهاد
ولقلبي أنتِ بعدَ الدينِ دين
لكِ يا مصرُ السلامة
وسلاماً يا بلادي
إن رمى الدهرُ سهامه
فاتقيها بفؤادي…واسلمي في كل حين
أنا مصري بناني من بنى
هرمَ الدهرِ الذي أعيا الفنا
وقفةُ الأهرام فيما بيننا
لصروفِ الدهرِ وقفتي أنا
في دفاعي وجهادي للبلادِ
لا أميلُ،لا أملُّ، لا ألين
ويكَ من رامَ تقييد الفَلك
أيّ نجم في السما يخضعُ لك
وطنُ الحُرِّ سماً لا تُمتلك
والفتى الحرُّ بأفقهِ ملكْ
لا عدا يا أرضُ مصر بك عادْ
إننا دونَ حِماكِ أجمعين
وبمصرٍ شرّفوا لمستقبلا
وفِداً لمصرنا الدنيا فلا
تضعوا الأوطان إلا أولا
جانبي الأيسر قلبهُ الفؤاد
وبلادي هي
لي قلبي اليمين
حُماةَ الحمى،يا حماةَ الحمى
هلّموا،هلّموا لمجدِ الزمن
فقد صرخت في العروقِ الدِّما:
نموتُ،نموتُ ويحيا الوطن
لتدوِ السماواتُ في رعدها
لترمِ الصواعقُ نيرانَها
إلى عزِّ مصر،إلى مجدها
رجالَ البلادِ وفتيانها
فلا عاشَ من ليسَ من جُندها
ولا عاشَ في مصر من خانها
نموتُ ونحيا على عهدها
حياة الكرام وموتَ الكرام
بلادي احكمي واملكي واسعدي
ولا عاشَ من لم يعشْ سيّدا
بحُرِّ دمي،وبما في يدي
أنا لبلادي وعرشي فِدا
لكِ المجدُ يا مصرُ،فاستمجدي
بعزّةِ شعبكِ طول المدى
ونحنُ أسودُ الوغى فاشهدي
وثوبَ أسودكِ يومَ الصدام
ورثنا سواعد باني الهرم
صخوراً ،صخوراً كهذا البنا
سواعدُ يعتزُّ فيها العَلم
نباهي به،ويُباهي بنا
وفيها كفاءُ العلى،والهمم
وفيها ضمانٌ لنيلِ المنى
وفيها لأعداءِ مصرَ النقم
وفيها لمن سالمونا السلام
على أيّ دهر مصر لا تندم
وفي أيّ دهر مصر لا تتظلم
بنوها بنوها أيما تك صدمة
تقلبهم للجانبين فهم هُمُ
وما يتقون البؤس لكنهم متى
تعضُ بهمُ أنيابه يتألموا
ويبطرهم عهد الرخاء فإن مضى
فهل عليهم بعد أن يتندموا
كذي مرض في جاهلي الطب إن يعش
يعذبه أهلوه وإلا ترحموا
وما برحوا إن خاذلتهم ظنونهم
وأعمالهم مدّوا المنى وتوهموا
وإن سقمت أراؤهم في ملّمة
تحامل فيها الظن والظنُ أسقمُ
فرادى وأحداث الزمان جمعية
وقد علموا سرّ الزمان وعلموا
فمن حادث في حادث عند حادث
كأنكَ للاحداثِ يامصر معجم
ومما يزيدُ الهمّ لهفاً وحسرةً
تصايح فتيان فينا أن تقدّموا
فسبحانك اللهم بلبلت قومنا
فما يفهم المسكين فينا المنعم
يريدون أن يجري إلى مرتقى العلا
رجال ضعاف أن جروا يتحطموا
ويبغون أن نرقى وهاتيك حالنا
وما عندنا إلا لأسفل سلم
كمن يكره الأطفال أن يحفظوا الذي
يكلمهم من قبل أن يتكلموا
ومن أوقر السفن المتاع بمصنع
ولما يتموها فكيف تعوّم

هاشم رفاعي

فجرٌ أطلّ على الكنانةِ مشرقاً
يجلو بطلعتهِ الظلامَ المُفتّقا
قد كانَ هذا الفجرُ حلم خيالنا
لله هذا الحلمُ كيفَ تحققا
أرضُ الكنانةِ جنّةُ الله التي
من مسّها بالسوءِ خابَ وأخفقا
أنشودةٌ عطرّت أرجاءَ واديكِ
شدا بها في الورى يا مصرُ شاديكِ
لمّا ترّنمَ من مزمارهِ غَرِدٌ
يدعو لنيلِ العلا أبناءَ واديكِ
تاقتْ نفوسٌ لنا بين الضلوعِ إلى
يوم الوغى حينَ يعلو صوت داعيكِ
كم صيحةٍ صاغها للنيلِ بُلبلهُ
لحناً يهزُّ الحنايا في نواحيكِ

أحمد رامي

إنني في رُباكِ فتحتُ عينيَّ
فأبصرتُ أول الأنوارِ
وسقاني النميرُ من نيلك العذ
بُ فروى تعطشي وأواري
وغذاني ثراك فاشتد غرسي
وصفا موردي وطابَ قراري
فيك أهلي وفيك مثوى أبي البر
ومفدى الخلصان من سماري
ونواحيك ردّدت ما أفاض الش
عرُ في خلوتي من الأسرار
ومناحيك مسرح الفكر تجلو
لخيالي مآلف التذكارِ
سمعتي ضحكتي صبياً واصغت
لنُواحي يجيش في أشعاري

أحمد زكي أبو شادي

وددتُ قبلَ مماتي
أراكِ يا مصرُ مرة
وإن أكن في جنان
فريدة الحسن حرّة
أهفو إليكِ وأعصي
روحي وأرسلُ عبرة

محمد الهراوي

بني مصر والدنيا لما قمتم به
من النهضة الكبرى عيونٌ نواظر
تعالوا أحدّثكم على غيرِ مسمعٍ
فإنّ لنا سراً عليهِ أحاذرُ
لنا لغة كاد الزمانُ يُبيدها
وكادت عليها أن تدورَ الدوائرُ
أتعفو وأنتم أمة عربية
لها في سجلِ الدهرِ ماضٍ وحاضر
كتابكم يا قوم صونوا لسانه
وخافوا عليه الدهر فالدهرُ غادر
فليس سوى مصر ولا غير أهلها
له ناصرٌ إن عزّ في الناسِ ناصرُ

أحمد مخيمر

وطني وصبايَ وأحلامي
وطني وهوايَ وأيامي
ورضا أمي وحنانُ أبي
وخطى ولدي عند اللعبِ
يخطو برجاء بسّام
وطني وصبايَ وأحلامي
هتف التاريخُ به فصحا
ومضى وثباً ومشى مرحا
حملت يدهُ شعل النصرِ
وبدا غدهُ أمل الدهر
يستقبل موكبه فرحاً
ويُحي مجدَ الأهرام
في ظلِّ النخلِ على الوادي
أصغيتُ لقصة أجدادي
لمعانيها خفق القلبُ
وشدا للمجدِ مع الشادي

وبماضيها طافَ الحبُّ
وصحا ليبارك أيامي
بدمِ الأحرار سأرويه
وأشيده وطناً نضراً

وبماضي العزم سأفديه
بإباء فيه وإقدام
فيصون حماه ويفديه
وطني وصباي وأحلامي

ولي الدين يكن

يا أفق لولا في الأرض لي وطنُ
لكان في بعض زهرك السكنُ
أرضٌ سقاني نميرُها قِدَماً
وجادَ لي من ثماره الغصنُ
يسيرُ بي حُبّها فأتبعهُ
يفتتني حسنها فأفتتنُ
ويلي ما للبعاد يحزنني
حسبي ماجرّهُ لي الحزنُ
أبكي ويبكي معي أخو شجنٍ
لا يضحك الدهر من له شجنُ

صالح جودت

قالت: وكيفَ النيل؟قلت لها:
رغم الحوادثِ لم يزل يجري
متحملاً لجراحِ عزّته
متذرعاً بالحلمِ والصبرِ
مترصداً للمحدقين به
متحفزاً للأخذ بالثأر
ما زالت الأهرام شامخة
والسدُّ مختالاً على النهرِ
والكرنك المرفوع مؤتلقاً
يجلو دبيب الروح في الصخر
وهواية الأمجاد ما برحت
مهوى قلوب الفتية السمر

محمود بيرم التونسي

أنا المصريُّ كريمُ العنصرين
بنيتُ المجدَ بين الأهرمين
جدودي أنشئوا العلم العجيب
ومجرى النيل في الوادي الخصيب

بدوي الجبل

إن عتبنا على الكنانة إدلالا
فقد يعتب الصديقُ الصديقا
وهبتنا فرعونها ووهبناها
على العُسرِ يوسف الصديقا
كيفَ يشري العبيد كافور
بالمال وكافور كان عبداً رقيقا
أرز لبنان لن يكون لكافور
متاعاً وللأرقاء سوقا

شفيق جبري

أكرِمْ بوادي النيل إنّ رجالهُ
كرهوا الخضوعَ فلم يعبهم عارُ
ماذا بمصر؟وكلنا ظمىء
إلىمصر يُناجي أهلها ورجالها
الذائدون عن الديارِ عدوها
الدافعون إلى الردى حُلالها
الباذلون دماءهم عن أرضهم
حتى تحقق أرضهم آمالها

الأخطل الصغير

يا مصرُ ما انفتحتْ عينٌ على حَسَنٍ
إلا واطلعتِ ألفاً من نظائرهِ
ولا تفتّقت الأفكارُ عن أدبٍ
إلا وأنبتِّ روضاً من بواكرهِ
لبنانُ يا مصرُ في مطامحهِ
كما علمتِ ومصرٌ في مفاخرهِ
هل كان قلبُكِ إلا في جوانحهِ
أو كان دمعُكِ إلا في محاجرهِ
أو كانَ منبتُ مصرٍ غيرَ منبتهِ
أو كان شاعرُ مصرٍ غيرَ شاعرهِ
رجالَ مصرٍ ،شفيعي إن عتبتكمُ
أنّ المُحبَّ لديكمْ ليسَ يُتهّمُ
إني أخافُ عليكم من تحزبكم
أن تنصروا الخصمَ وهو الخصمُ والحكمُ
تخاصمونَ على ضَعفٍ،وخصمكمُ
وهو القويُّ،عليكم ليسَ يختصمُ
توّحدوا باسمِ مصرٍ في تجهمها
وطالعوا ثغرَ مصرٍ كيفَ يبتسمُ

إيليا أبو ماضي

ليس الوقوفُ على الأطلالِ من خُلقي
ولا البكاءُ على ما فاتَ من شِيمي
لكن (مصراً)وما نفسي بناسيةٍ
ملكية الشرق ذات النيل والهرمِ
صرفت شطرَ الصّبا فيها فما خشيت
رجلي العثارَ ولا نفسي من الوصمِ
في فتيةٍ كالنجومِ الزُهر أوجهُهم
ما فيهم غير مطبوعٍ على الكرمِ
لا يقبضون مع اللأواء أيديهم
وقلما جادَ ذو وفر مع الأزمِ
هيهات تطرف فيها عين زائرها
بغير ذي أدبِ أو غيرِ ذي شمم
أحنى على الحرِّ من أمٍّ على ولدِ
مازلتُ والدهرُ تنبو عن يدي يدُهُ

فالحرُّ في مصر كالورقاء في الحرم
حتى نبت ضلة عن أرضها قدمي
في ذمةِ الغربِ مشتاقٌ ينازعهُ
شوقٌ إلى مهبطِ الآياتِ والحكمِ
وما تغربُ الشمسُ إلا أدمعي شفقٌ
تنسى العيون لديهِ حمرةَ الغيمِ
وما سرتْ نسماتٌ نحوها سحراً
إلا وددتُ لو أني كنتُ في النسمِ
ما حالُ تلكَ المغاني بعد عاشقها
فإنني بعدها للسُّهدِ والسقمِ
بين الجوانحِ همٌّ ما يُخامرني
إلا وأشرقني بالباردِ الشم
جادَ الكنانة عني وابلٌ غدقٌ
وإن يكُ النيل يغنيها عن الدِيمِ
الشرقُ تاجٌ ومصرٌ منه درّتهُ
والشرقُ جيشٌ ومصرُ حاملُ العلم
هيهات تطرف…

جورج صيدح

يا وارد النيل لا تنزل بساحله
إن كنتَ تخشى زحام الموردِ العذبِ
كنانة الجود إن ضاقت فنادقها
نزلت من صدر أهليها على الرحب
لا يسـألون عن الأحسابِ ضيفهمُ
مادامت الضادُ تُنميه إلى العرب
إنّ العروبةَ جذع لا تزعزعه
عوارض الدفعِ في الأغصان والجذب

محمد مهدي الجواهري

يا مصرُ يا حلم المشارق كلّها
مذ عانت الأحلامُ والأهواءُ
يا بنت”نيلك” من عذوبة جرسهِ
نغماتٌ جرّ رقةً وصفاء
وربيبة”الهرمين” شاخا إذ هما
تبنياكِ صبوةً وفتاء
وتمونين الدهر سبعاً خصبةً
يُكفى بها سبعاً له جدباء

أبو تمام

وأنت بمصر غايتي وقرابتي
بها وبنو الآباءِ فيها بنو أبي
بالشامِ أهلي وبغداد الهوى وأنا
بالرّقتينِ وبالفسطاطِ إخواني
وما أظنُّ النوى ترضى بما صنعت
حتى تشافه بي أقصى خراسان

البهاء زهير

أأرحل من مصر وطيب نعيمها
وأيّ مكان بعدها لي شائقُ
وأتركُ أوطاناً ثراها لناشق
هو الطيب لا ما ضمته المفارقُ
أسكان مصر إن قضى الله بالنوى
فثمّ عهود بيننا ومواثقُ

ابن نباتة المصري

سقياً لمصر حمى بسيطٌ بحرهُ
للواصفين كديدةٌ أفياؤهُ
لو لم يكن بلداً يعالي بلدةً
بين النجوم لما ارتضاه علاؤه