من شوارد الشواهد 18

من شوارد الشواهد

الجزء الثامن عشر

عنترة العبسي ـ لبيد بن ربيعة ـ

عنترة:

وعرفت أن منيّتي إن تأتني
لا يُنجني منها الفرار الأسرعُ

وإذا حملتُ على الكريهة لم أقلْ
بعد الكريهةِ ليتني لم أفعلِ
سلا القلب عمّا كان يهوى ويطلبُ
وأصبحَ لا يشكو ولا يَتعتَبُ
صحا بعد سُكرٍ وانتخى بعد ذلةٍ
وقلب الذي يهوى العلى يتقلّبُ

عتبتُ صروفَ دهري فيكِ حتى
فني وأبيكِ عُمري في العتابِ
ولاقيتُ العِدى وحفظتُ قوماً
أضاعوني ولم يرعوا جَنابي
خسفَ البدرُ حينَ كانَ تماماً
وخفيَ نورُهُ ،فعاد ظلاما
ودراريُ النجوم غارتْ وغابتْ
وضياءُ الآفاقِ صار قتاما
حين قالوا زهيرُ ولّى قتيلاً
خيّمَ الحزنُ عندنا وأقاما

قد سقاهُ الزمانُ كأسَ حِمام
وكذا الزمانُ يسقي الحِماما
كان عوني وعدّتي في الرزايا
كان درعي وذابلي والحساما
يا جفني إن لم تجودي بدمعٍ
لجعلتُ الكرى عليكِ حراما
فيا لهُ من زمانٍ كلّما انصرفتْ
صروفهُ فتكت فينا عواقبه
دهرٌ يرى الغدرَ إحدى طبائعه
فكيفَ يهنا بهِ حرٌّ يُصاحبه

ويُرجى الوصلُ بعدَ الهجرِ حيناً
كما يُرجى الدنوُّ من البعاد
وقد هاب عندي بذلُ نفسٍ عزيزةٍ
ولو فارقتني ما بكتها جوارحي
وأيسرُ من كفّي إذا ما مددتها
لنيلِ عطاءٍ مدُّ عُنقي لذابحِ

وسوف أُبيدُ جمعكم بصبري
ويطفأ لاعجي وتقرُّ عيني
وقولُكَ للشىء الذي لا تنالهُ
إذا ما حلا في العين:ياليت ذا ليا

وتسهرُ لي أعينُ الحاسدينَ
وترقدُ أعينُ أهل الوداد
أمِنْ سُهيةَ دمعُ العينِ تذريفُ
لو أنَّ ذا منكِ قبل اليوم معروف

فخرُ الرجالِ سلاسلٌ وقيودُ
وكذا النساءُ بخانقٌ وعقودُ
فيا ليتَ أنَّ الدهرَ يُدني أحبّتي
إليَّ كما يُدني إليَّ مصائبي
وليتَ خيالاً منكِ يا عبلَ طارقاً
يرى فيضَ جفني بالدموع السواكبِ

دعني أجِدُّ إلى العلياءِ في الطلبِ
وأبلغُ الغايةَ القصوى من الرتبِ
أُعادي صرفَ دهرٍ لا يُعادى
وأحتملُ القطيعةَ والبعادا
وأظهر نُصحَ قومٍ ضيّعوني
وإن خانت قلوبهم الودادا
أعللُ بالمنى قلباً عليلاً
وبالصبرِ الجميلِ وإن تمادى

دعوني في القتالِ أمت عزيزاً
فموتُ العزِّ خيرٌ من حياتي
سأصبرُ حتى تطرّحني عواذلي
وحتى يضجَّ الصبرُ بين جوانبي
مقامكَ في جوِّ السماءِ مكانهُ
وباعي قصيرٌ عن نوالِ الكواكبِ

لَعمري ما الفخارُ بكسبِ مالٍ
ولا يُدعى الغنيُّ من السّراة
إنَّ المنيّةَ لو تمثّلت مثلت
مثلي إذا نزلوا بضنكِ المنزلِ
وإذا حملت على الكريهة لم أقل
بعد الكريهة:ليتني لم أفعل

ولا عيبٌ عليَّ ولا ملامٌ
إذا أصلحتُ حالي بالفسادِ
فإنَّ النارَ تضرمُ في جمادٍ
إذا ما الصخرُ كرَّ على الزنادِ
فيا ربُّ لا تجعل حياتي مذمّةً
ولا موتتي بينَ النساءِ النوائحِ
ولكن قتيلاً يدرجُ الطيرُ حولهُ
وتشربُ غربانُ الفلا من جوانحي

إن كنت تعلمُ يا نعمانُ أن يدي
قصيرةٌ عنكَ فالأيامُ تنقلبُ
اليومَ تعلمُ يا نعمانُ أيّ فتى
يلقى أخاك الذي قد غرّهُ العصبُ
دهرٌ يرى الغدرَ من إحدى طبائعهِ
فكيفَ يهنأُ بهِ حرٌّ يُصاحبه
جرّبتهُ وأنا غِرٌّ فهذّبني
من بعد ما شيّبت رأسي تجاربهْ
وكيفَ أخشى من الأيامِ نائبةً
والدهرُ أهونُ ما عندي نوائبهْ

أحبُّ بني عبس ولو هدروا دمي
وأظهر أني ظالم وابن ظالم
وللموتُ خيرٌ للفتى من حياتهِ
إذا لم يثبتُ للأمرِ إلا بقائدِ
فعالجْ جسيماتِ الأمورِ ولا تكنْ
هبيتَ الفؤادِ همّهُ للوسائدِ
وليسَ أخونا عند شرٍّ يخافهُ
ولا عند خيرٍ إن رجاهُ بواحدِ
إذا قيل:من للمعضلاتِ؟أجابه:
عظام اللُهى منا طوالُ السواعدِ

يا عبل مثل هواك أو أضعافه
عندي إذا وقع الإياس رجاء
إن كان يسعدني الزمان فإنني
في هِمّتي بصروفه إزراء
نديمي رعاكَ الله قُم غنِّ لي على
كؤوس المنايا من دمٍ حين أشرَبُ
ولا تسقني كاسَ المُدام فإنّها
يضلُّ بها عقلُ الشجاع ويذهبُ

مُنعتُ الكرى إن لم أقدها عوابساً
عليها كرامٌ في سروجِ كرام
إذا قنعَ الفتى بذميمِ عيشٍ
ولم يهجم على أُسدِ المنايا

وكانَ وراءَ سَجفٍ كالبناتِ
ولم يطعن صدورَ الصافناتِ
ولم يَقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ
ولم يبلغ بضربِ الهامِ مجداً

ولم يُروِ السيوفَ من الكماةِ
ولم يكُ صابراً في النائبات
فقلْ للناعياتِ إذا بكتهُ
ألا فأقصرنَ ندبَ النادبات
ولا تندبنَ إلا ليثَ غابٍ
شجاعاً في الحروبِ الثائراتِ

طلبتُ من الزمانِ صفاء عيشٍ
وحسبُكَ قدرُ ما يُعطي البخيل
وإن تكُ حربكم أمست عوانا
فإني لم أكن ممن جناها
فإني لستُ خاذلكم ولكن
سأسعى الآن إذ بلغت إناها

ومن لم يعشْ متعززاً بِسنانهِ
سيموتُ موتَ الذُّلِ بين المعشرِ
أعاتبُ دهراً لا يلينُ لناصح
وأُخفي الجوى في القلب والدمعُ فاضحي
وأيسر من كفّي إذا ما مددتها
لنيل عطاءٍ مدّ عنقي لذابحِ
فيا ربّ لا تجعل حياتي مذمّة
ولا موتتي بين النساءِ النوائحِ
ولكن قتيلاً يدرجُ الطير حوله
وتشربُ غربان الفلا من جوانحي

نُبئتُ عمراً غير شاكر نعمتي
والكفرُ مخبثةٌ لنفسِ المنعمِ
إذا فاضَ دمعي واستهلَّ على خدّي
وجاذبني شوقي إلى العلمِ السّعدي
أذكِّرُ قومي ظُلمهُم لي وبغيهُم
وقلّة إنصافي على القُربِ والبعدِ
بنيتُ لهم بالسيفِ مجداً مُشيّداً
فلما تناهى مجدُهُم هدموا مجدي
يعيبونَ لوني بالسّوادِ وإنّما
فِعالهُمُ بالخُبثِ أسودُ من جلدي

إنَّ المنيّةَ لو تُمثَّلُ مُثِّلتْ
مثلي إذا نزلوا بضنكِ المنزلِ
خدمتُ أناساً واتخذتُ أقارباً
لِعوني ولكت أصبحوا كالعقاربِ
ينادونني في السّلم يا بن زبيبة
وعند صدامَ الخيل يا بن الأطايب
ولولا الهوى ما ذلَّ مثلي لمثلهم
ولا خضعت أسدُ الفلا للثعالب

وإذا غبار الخيل مدّ رواقه
سكري بهِ لا ما جنى العنقودُ
جازتْ مُلّماتِ الزمانِ حدودها
واستفرغت أيامُها مجهودَها
وقضتْ علينا بالمنونِ فعوّضتْ
بالكَرهِ من بيضِ الليالي سودَها
بالله ما بالُ الأحبّةِ أعرضتْ
عنا ورامتْ بالفراقِ سُدودها
رضيتْ مُصاحبة البِلى واستوطنتْ
بعد البيوتِ قبورَها ولحودها

لله دَرُّ بني عبسٍ لقد بلغوا
كُلَّ الفخارِ ونالوا غايةَ الشّرفِ
كم ليلةٍ سرتُ في البيداءِ منفرداً
والليلُ للِغربِ قد مالت كواكبُهُ
سيفي أنيسي ورمحي كلّما نهمت
أسدُ الِّدحالِ إليها مال جانبُهُ
وكم غديرٍ مزجتُ الماءَ فيه دماً
عند الصباحِ وراحَ الوحش طالبُهُ
يا طامعاً في هلاكي عدْ بلا طمعٍ
ولا تَردْ كأسَ حتفِ أنتَ شارُبُهُ

وإن يعيبوا سواداً قد كُسيتُ بهِ
فالدُّرُّ يسترهُ ثوبٌ من الصّدفِ
يا قيسُ إنَّ صُدورنا وقدت بها
نارٌ بأضلعنا تشبُّ وقودها

فاقني حياءك لا أبا لكِ واعلمي
أني امرؤٌ سأموتُ إن لم أُقتل
إن كنتُ عبداً فإنّي سيّدٌ كرماً
أو أسودَ اللونِ إنّي أبيضُ

فأرى مغانمَ لو أشاءُ حويتُها
فيصدني عنها الحيا وتكرّمي
إذا كشفَ الزمانُ لكَ القناعا
ومدَّ إليك صرفُ الدّهرِ باعا
فلا تخشى المنيّة وألقينها
ودافع ما استطعت لها دفاعا

وقد طلبتُ من العلياءِ منزلةً
بصارمي لا بأمّي ولا بأبّي
فمن أجابَ نجا ممّا يحاذره
ومن أبى طعمَ الحربِ والحَرَبِ
ياعبلَ!قومي انظري فعلي ولا تسلي
عني الحسودَ الذي يُنبيكِ بالكذبِ
إن أقبلت حدقُ الفرسان ترمقني
وكلُّ مقدام حرب مالَ للهربِ
فما تركتُ لهم وجهاً لمنهزم
ولا طريقاً ينجيهم من العطبِ
فبادري وانظري طعناً إذا نظرت
عينُ الوليدِ إليه شابَ وهو صبي

سلوا عنا جُهينةَ كيفَ باتتْ
تهيمُ من المخافةِ في رباها
رأت طعني فولّتْ واستقلّتْ
وسمرُ الخطّ تُعملُ في قفاها
وما أبقيتُ فيها بعد بشر
سوى الغربان تحجلُ في فلاها
وإلا فاذكري طعني وضربي
إذا ما لجَّ قومُك في بعادي
طرقتُ ديار كِندةَ وهي تدوي
دويَّ الرعدِ من ركضِ الجيادِ
وبدّدتُ الفوارسَ في رُباها
بطعنٍ مثل أفواه المزادِ

فيا لهُ من زمانٍ كُلّما انصرفتْ
صروفهُ ،فتكت فينا عواقبه
دهرٌ يرى الغدرَ من إحدى طبائعه
فكيفَ يهنا به حرٌ يصاحبه
يا عبلَ!كم من جحفلٍ فرّقتهُ
والجوُّ أسودُ والجبالُ تميدُ
فسطا عليَّ الدّهرُ سطوةَ غادرٍ
والدّهرُ يبخلُ تارةً ويجودُ

ورمحي ما طعنتُ بهِ طعيناً
فعادَ بعينيهِ نظر الرشادا
إذا اشتغلت أهل البطالةِ في الكأسِ
أو اغتبقوها بين قسٍّ وشماسِ
جعلت منامي تحت ظلِّ عجاجةٍ
وكأسَ مُدامي قحف جُمجمة الرأسِ
وصوتُ حسامي مُطربي وبريقُهُ
إذا اسودّ وجهُ الأفقِ بالنقعِ مقياسي
وإن دمدمت أسد الشرى وتلاحمت
أفرّقها والطعنُ يسبقُ انفاسي

ومن قال إني أسودٌ ليعيبني
أريه بفعلي أنه أكذبُ الناسِ
فسيري مسيرَ الأمنِ يا بنت مالكٍ
ولا تجنحي بعد الرجاءِ إلى اليأسِ
فلو لاحَ لي شخص الحِمامِ لقيتهُ
بقلبٍ شديدِ البأسِ كالجبل الراسي
إن كنت في عدد العبيد فهمتي
فوقَ الثريا والسماكِ الأعزل
أو أنكرت فرسان عبس نسبتي
فسنان رمحي والحسامُ يقرّ لي
وبنابلي وبمهندي نلتُ العلا
لا بالقرابة والعديد الأجزل

وحقّك لا زالَ ظهر الجواد
مقيلي وسيفي ودرعي ووسادي
إلى أن أدوس بلادَ العراقِ
وأفني حواضرها والبوادي
فَوا ذلَّ جيراني إذا غبتُ عنهمُ
أتحسبُ قيسٌ أنّني بعد طردهم

وطالَ المدى ماذا يُلاقونَ من بعدي
أخافُ الأعادي أو أذلُّ من الطردِ
وكيفَ يحلُ الذلُّ قلبي وصارمي
إذا اهتزَّ قلبُ الضَّدِ يخفقُ كالرعدِ
متى سلَّ في كفّي بيوم كريهة
فلا قرقَ مابين المشايخِ والمُردِ
وما الفخرُ إلا أن تكون عمامتي
مُكورة الأطرافِ بالصارمِ الهندي

سائلي يا عُبيلَ عني خبيرا
وشجاعاً قد شيّبته الحروبُ
فسينبيك أنَّ في حدِّ سيفي
ملكُ الموتِ حاضرٌ لا يغيبُ
وسِناني بالدارعينَ خبيرٌ
فاسأليهِ عمّا تكونُ القلوبُ
يا عبلَ! قد دنتِ المنيّة فاندبي
إن كانَ جفنك بالدموعِ يجود
يا عبل! إن تبكي عليَّ فقد بكى
صرفُ الزمان عليَّ وهو حسودُ
يا عبلَ! إن سفكوا دمي ففعائلي
في كلِّ يوم ذكرهنَّ جديدُ
لهفي عليك إذا بقيتي سبيّة
تدعينَ عنترَ وهو عنكِ بعيدُ

ولقد لقيتُ الفُرْسَ يا ابنةَ مالكِ
وجيوشها قد ضاق عنها البيدِ
وتموجُ موجَ البحرِ إلا أنّها
لاقت أسوداً فوقهنَّ حديد
جاروا فحكّمنا الصوارمَ بيننا
فقضتْ وأطراف الرماحِ شهودِ
والخيلُ تشهدُ لي أن أكفكها
والطعنُ مثل شرار النار يلتهبُ
إذا التقيتُ الأعادي يوم معركةٍ
تركتُ جمعهُمُ المغرور يُنتهبُ
ليَ النفوس وللطيرِ اللحوم وللوحش
العظام وللخيالةِ السلبُ

ملأنا سائر الأقطارِ خوفاً
فأضحى العالمون لنا عبيدا
وجاوزنا الثريا في علاها
ولم نترك لقاصدنا وَفودا
فمن يقصد بداهيةٍ إلينا
يرى منا جبابرةً أسودا
ويومَ البذلِ نعطي ما ملكنا
ونملأ الأرض إحساناً وجودا
وننعلُ خيلنا في كلِّ حربٍ
عظاماً داميات أو جلودا




وردتُ الحربَ والأبطالُ حولي
تهزُّ أكفّها السّمرَ الصعادا
وخُضتُ بمهجتي بحرَ المنايا
ونارُ الحربِ تتقّدُ اتقادا
وعدتُ مخضّباً بدمِ الأعادي
وسيفي مُرهفُ الحدّينِ ماض

وكربُ الركض قد خضبَ الجوادا
تقدُّ شِفارهُ الصخرَ الجمادا
ورمحي ما طعنتُ به طعيناً
فعادَ بعينيه نظرَ الرشادا
ولولا صارمي وسنان رمحي
لما رفعت بنو عبسٍ عمادا

من كانَ يجحدني فقد برحَ الخَفا
ما كنتُ أكتمهُ عن الرّقباءِ
ما ساءني لوني وإسمُ زبيبةٍ
إن قصرّت عن هِمّتي أعدائي
فلئن بقيتُ لأصنعنَّ عجائباً
ولأبكمننَّ بلاغة الفصحاء
وفي يومِ المصانعِ قد تركنا
لنا بفعالنا خبراً مُشاعا
أقمنا بالذوابلِ سوقَ حربٍ
وصيّرنا النفوسَ لها متاعا
حِصاني كان دلال المنايا
فخاضَ غبارها وشرى وباعا
وسيفي كان في الهيجا طبيباً
يداوي راسَ من يشكو الصداعا

إذا خصمي تقاضاني بدينٍ
قضيتُ الدّينَ بالرُّمحِ الرّديني
أنا العبدُ الذي خُبرّت عنه
وقد عانيتني فدعِ السّماعا
ولو أرسلتُ رمحي مع جبانٍ
ملأتُ الأرضَ خوفاً من حسامي

لكانَ بهيبتي يلقى السّباعا
وخصمي لم يجد فيها اتساعا
إذا الأبطالُ فرّتْ خوفَ باسي
ترى الأقطارَ باعاً أو ذراعا

وحدُّ السيفِ يرضينا جميعاً
ويحكمُ بينكم عدلاً وبيني
سلي يا عبلُ عنا يومَ زرنا
قبائل عامر وبني كلابِ
وكم من فارس خلّيتُ مُلقى
خضيبَ الراحتينِ بلا خضابِ
يُحرِّكُ رجله رعباً وفيه
سنانُ الرُّمحِ يلمعُ كالشّهابِ
قتلنا منهم مائتين حرّاً
وألفاً في الشّعابِ وفي الهضابِ

إذا خطرت عبس ورائي بالقنا
علوتُ بها بيتاً من المجدِ مُعلما
ما زلتُ مُرتقياً إلى العلياءِ
حتى بلغتُ إلى ذرى الجوزاءِ
فهناكَ لا ألوي على من لامني
خوفَ المماتِ وفرقةِ الأحياءِ

لله درُّ بني عبس لقد نسلوا
من الأكارمِ ما قد تنسلُ العربُ
قد كنتُ فيما مضى أرعى جمالهم
واليوم أحمي حماهم كلّما نُكبوا
كم شجاع دنا إليَّ ونادى
ما دعاني إلا مضى يَكدِمُ الأر

يا لقومي أنا الشّجاعُ المَهيبُ
ضَ وقد شُقّتْ عليه الجيوبُ
ولسمر القنا إليَّ انتسابٌ
يضحكُ السيفُ في يدي وينادي

وجوادي إذا دعاني أجيبُ
ولهُ في بنانِ غيري نحيبُ
فدعوني من شربِ كأس مدام
من جوار لهنَّ ظرفٌ وطيبُ
ودعوني أجرُّ ذيلَ فخار
عندما تُخجلُ الجبانَ العيوبُ

إنَّ المنيّة لو تُمثَّلُ مُثّلتْ
مثلي إذا نزلوا بضنكِ المنزلِ
ألا ليتَ شعري هل تبلغني المنى
وتلقى بي الأعداءُ سابحةٌ تعدو
جوادٌ إذا شقَّ المحافل صدرهُ
يروحُ إلى ظعن القبائل أو يغدو

وإنّي لَحمالٌ لِكلِّ مُلّمةٍ
تَخِرُّ لها شُمُّ الجبالِ وتُزعجُ
وإنّي لأحمي الجار من كلِّ ذلةٍ
وأفرحُ بالضيفِ المُقيمِ وأبهجُ
وأحمي حمى قومي على طولِ مدّتي
إلى أن يروني في اللفائفِ أدرجُ
وسيفي صارِمٌ قبضتْ عليهِ
أشاجعُ لا ترى فيها انتشارا
وخيلٍ قد دلفتُ لها بخيلٍ
عليها الأُسدُ تهتصرُ اهتصارا

ويا خيل فابكي فارساً كان يلتقي
صدور المنايا في غبارِ المعامعِ
وليس بفخر وصف بأسي وشدّتي
وقد شاعَ ذكري في جميعِ المجامعِ
أنا العبدُ الذي خُبّرتِ عنهُ
رعيتُ جمالَ قومي من فطامي
أروحُ من الصباحِ إلى مغيب
وأرقدُ بينَ أطنابِ الخيامِ

يا عبل كم فتنةٍ بليت بها
وخضتها بالمهند الذكر
والخيلُ سود الوجوه كالحة
تخوض بحر الهلاك والخطر
أدافع الحادثات فيك ولا
أطيقُ دفع القضاء والقدر
والخيلُ تعلمُ والفوارسُ أنّني
شيخُ الحروبِ وكهلها وفتاها
يا عبلُ كم من فارسٍ خلّيتهُ
في وسطِ رابيةٍ يَعدُّ حصاها
يا عبلُ كم من حرّةٍ خليّتها
تبكي وتنعي بعلها وأخاها
يا عبلُ كم من مُهرةٍ غادرتها
من بعدِ صاحبها تجرُّ خطاها

ولو أرسلت روحي مع جبان
لكانَ بهيبتي يلقى السّباعا
فلما دنا مني قطعتُ وتينهُ
بحدِّ حسامٍ صارم يتفلجّ

وما وجدَ الأعادي فيَّ عيباً
فعابوني بلونٍ في العيون
وكم من فارسٍ أضحى بسيفي
هشيمَ الرأسِ مخضوبَ اليدينِ
يحومُ عليهِ عِقبانُ المنايا
وتحجلُ حولهُ غِربانُ بينِ
وآخرُ هاربٌ من هولِ شخصي
وقد أجرى دموعَ المقلتينِ
وسوفَ أُبيدُ جَمعكُمُ بصبري
ويطفا لاعجي وتقرُّ عيني

إني لأعجبُ كيفَ ينظرُ صورتي
يوم القتالِ مبارزٌ ويعيشُ
أتطلبُ عبلةً مني رجالٌ
أقلُّ الناسِ علماً باليقينِ
رويداً إنَّ أفعالي خطوبٌ
تشيبُ لهولها رؤوسُ القرونِ
فكم ليلٍ ركبتُ به جواداً
وقد أصبحتُ في حصن حصين
وناداني عِنانٌ في شمالي
وعاتبني حسامٌ في يميني

وكم من سيّدٍ أضحى بسيفي
خضيبَ الراحتينِ بغير حنا
وكم بطلٍ تركتُ نساهُ تبكي
يردّدنَ النُّواحَ عليه حزنا
خُلِقتُ من الجبالِ أشدّ قلباً
وقد تفنى الجبالُ ولستُ أفنى
ونحنُ العادلون إذا حكمنا
ونحنُ المنصفونَ إذا دعينا

ونحنُ المشفقونَ على الرعيّة
إلى طعنِ الرماحِ السمهريّة
ونحنُ الغالبونَ إذا حملنا
على الخيلِ الجيادِ الأعوجيّة
ونحنُ الموقدونَ لكلِّ حربٍ
ونصلاها بأفئدةٍ جريّة
ملأنا الأرض خوفاً من سطانا
وهابتنا الملوك الكسرويّة

وقد خيّروني كأس خمر فلم أجد
سوى لوعةٍ في الحربِ ذاتِ ضرامِ
سأرحلُ عنكم لا أزورُ دياركم
وأقصدها فيكلِّ جنحِ ظلامِ
وأطلبُ أعدائي بكلِّ سَميدع
وكل هزبر في اللقاءِ همام
سلوا عنا ديار الشام طرّاً
وفرسانَ الملوكِ القيصريّة
أنا العبدُ الذي بديارِ عبس
ربيتُ بعزّة النفسِ الأبيّة
سلوا النعمانَ عني يوم جاءت
فوارسُ عصبة النار الحميّة
أقمتُ بصارمي سوق المنايا
ونلتُ بذابلي الرتبَ العليّة

غداً تصبحُ الأعداءُ بين بيوتكم
تعضُّ من الأحزانِ كلَّ بنانِ
فلا تحسبوا أن الجيوشَ تردّني
إذا جُلتُ في أكنافكم بحصاني
دعوا الموتَ يأتيني على أيِّ صورةٍ
أتى لأريهِ موقفي وطعاني
أظُلماً ورمحي ناصري وحُسامي
وذُلاً وعزّي قائدٌ بزمامي
ولي بأسٌ مفتولُ الذراعينِ خادر
يدافعُ عن أشبالهِ ويُحامي
وإنّي عزيزُ الجارِ في كلِّ موطنٍ
وأكرمُ نفسي أن يهون مقامي
هجرتُ البيوت المشرفات وشاقني
بريقُ المواضي تحتَ ظلِّ قتامِ

خُلقتُ من الجبالِ أشدُّ قلباً
وقد تفنى الجبالُ ولستُ أفنى
أنا الحصنُ المشيدُ لآلِ عبسٍ
إذا ما شادتِ الأبطالُ حصنا
شبيه الليل لوني،غير أنّني
بعلي من بياضِ الصُبحِ أسنى
دعاني دعوةً والخيلُ تجري
فلم أُمسكْ بسمعي إذ دعاني

فما أدري أبا اسمي أم كناني
ولكن قد أبان لهُ لساني
ففرقتُ المواكبَ عنهُ قهراً
بطعنٍ يسبقُ البرقَ اليماني
وما لبيّتهُ إلا وسيفي
ورمحي في الوغى فرسا رهانِ
وكانَ إجابتي إياهُ أنّي
عطفتُ عليهِ خوّارَ العنانِ

وقد علمتْ بنو عبسٍ بأنّي
أهشُّ إذا دعيت إلى الطعانِ
وأنَّ الموتَ طوع يدي إذا ما
وصلتُ بنانها بالهندواني
ونعم فوارسُ الهيجاءِ قومي
إذا علقَ الأعنّةُ بالبنانِ
أتحسِبُ قيسٌ أنّني بعد طردهم
أخافُ الأعادي أو أذلُّ من الطّردِ
وكيفَ يَحُلُّ الذلُّ قلبي وصارمي
إذا اهتزَّ قلبُ الضد يخفقُ كالرّعدِ
متى سُلَّ في كفّي ليوم كريهةٍ
فلا فرقَ ما بينَ المشايخِ والمُردِ
وما الفخرُ إلا أن تكونَ عمامتي
مُكوّرةُ الأطرافِ بالصارمِ الهندي

ولقيتُ الأبطالَ في كلِّ حربٍ
وهزمتُ الرجالَ في كلِّ وادي
وتركتُ الفُرسانَ صرعى بطعنٍ
من سنانٍ يحكي رؤوسَ المزادِ
وقهرتُ الملوكَ شرقاً وغرباً
وأبدتُ الأقرانَ يومَ الطّرادِ
جهلتُم يا بني الأنذالِ قدري
وقد عرفته أهلُ الخافقين
وما هدمت يدُ الحدثانِ ركني
ولا امتدّت إليَّ بنانُ حَيني
علوتُ بِصارمي وسنانِ رمحي
على أفقِ السُّها والفرقدينِ
وغادرتُ المُبارز وسط قفرٍ
يُعفّرُ خدّهُ والعارضينِ

إنّي امرؤ من خيرِ عبس منصبا
شطري وأحمي سائري بالمنصلِ
والخيلُ تعلم والفوارسُ أنّني
فرقتُ جمعهم بطعنة فيصلِ
غيرَ أنّي مثلُ الحُسامِ إذا ما
زادَ صقلاً جادَ يومَ جلادِ
حنكتني نوائب الدّهرِ حتى
أوقفتني على طريقِ الرشادِ

يا عبلَ
!
إنّي في الكريهةِ ضَيغمٌ
شرسٌ إذا ما الطعنُ شقَّ جباها
ستذكرني المعامِعُ كلَّ وقتٍ
على طُولِ الحياةِ إلى المماتِ
فذاكَ الذكرُ يبقى ليسَ يفنى
مدى الأيامِ في ماضٍ وآتِ
وإنّي اليومَ أحمي عِرضَ قومي
وآخذ مالنا منهم بحربٍ
وأتركُ كلَّ نائحةٍ تنادي



وأنصرُ آل عبسَ على العداةِ
تخرُّ لها مثونُ الراسيات
عليهم بالتفرُّقِ والشتاتِ

وفي الغزو ألقى أرغدَ العيشِ لذّةً
وفي المجدِ لا في مشربٍ وطعامِ
فما ليَ أرضى الذلَّ حظاً وصارمي
جرىء على الأعناقِ غير كهامِ
وقد شاهدتُمُ في يومِ طيٍّ
فِعالي بالمهندةِ الحِدادِ
رددتُ الخيلَ خاليةً حيارى
وسقتُ جيادَها والسيفُ حادي
ولو أنَّ السّنانَ لهُ لسان
حكى كم شكَّ درعاً بالفؤادِ

وإن عابتْ سوادي فهو فخري
لأنّي فارسٌ من نسلِ حامِ
ولي قلبٌ أشدُّ من الرواسي
وذكري مثلُ عُرفِ المسكِ نامِ
لقد عاديتَ يا ابنَ العمِّ ليثاً
يَردُّ جوابَهُ قولاً وفعلاً

شجاعاً لا يَملُّ من الطّرادِ
بيضِ الهندِ والسّمر الصّعادِ
فكنْ يا عمرو منهُ على حذارِ
ولا تملأ جفونكَ بالرّقادِ
ولولا سيدٌّ فينا مُطاعٌ
عظيمُ القدرِ مرتفعُ العمادِ
أقمتُ الحقَّ بالهندي رغماً
وأظهرتُ الضلالَ من الرشادِ

لئن أكُ أوداً فالمِسكُ لوني
وما لسوادِ جلدي من دواءِ
ولكن تبعدُ الفحشاءُ عنّي
كَبُعدِ الأرضِ عن جوِ السّماءِ
ولقد لقيتُ شدائداً وأوابداً
حتى ارتقيتُ إلى أعزِّ مقام
وقهرتُ أبطالَ الوغى حتى غدوا
جرحى وقتلى من ضِرابِ حسامي

إنَّ المنيّة لو تمثل شخصها
لي في العجاج طعنتها في الأول
وإذا حملت على الكريهةِ لم أقلْ
بعدَ الكريهةِ ليتني لم أفعلِ
ملكٌ حوى رتب المعالي كلّها
بِسمو مجدٍ حلَّ في إيوانهِ
مولى به شَرُفَ الزمانُ وأهلهُ
والدّهرُ نالَ الفخرَ من تيجانهِ

سيذكرني قومي إذا الخيل أقبلت
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
سأحلم عن قومي ولو سفكوا دمي
وأجرع فيك الصبر دون الملا وحدي

ما زلتُ أنصِفُ خصمي وهو يظلمني
حتى غدا من حُسامي في غيرَ منتصفِ
نُبئتُ عَمراً غيرَ شاكرٍ نعمتي
والكُفرُ مَخبثةٌ لِنفسِ المُنعِمِ

عُلِّقتُها عَرضاً وأقتلُ قومها
زَعماً لَعمرُ أبيكَ ليسَ بِمزْعَمِ
إنّي امرؤٌ من خير عبس منصباً
شطري وأحمي سائري بالمنصلِ

إنّ العدوَّ لهم إليكِ وسيلةٌ
أن يأخذوك تكّحلي وتخّضبي
واختر لنفسك منزلاً تعلو به
أو مُتْ كريماً تحت ظلِّ القسطل
إن كنت في عدد العبيد،فهِّمتي
فوق الثريا والسماك الأعزلِ
وبذابلي ومهندي نلت العلا
لا بالقرابة والعديد الأجزلِ

ولقد نزلت فلا تظني غيرهُ
منّي بمنزلةِ المُحبِّ المكرمِ
لأيِّ حبيبٍ يَحسنُ الرأيُ والوُدُّ
وأكثرُ هذا الناس ليس لهم عهدُ
أُريدُ من الأيام ما لا يضرُّها
فهل دافعٌ عني نوائبها الجهدُ
وما هذه الدنيا لنا بمطيعةٍ
وليسَ لخلقٍ من مداراتها بدُ
تكونُ الموالي والعبيدُ لعاجزٍ
ويخدمُ فيها نفسهُ البطلُ الفردُ

لا يحملُ الحِقدَ من تعلو بهِ الرُتبُ
ولا ينالُ العُلا من طبعهُ الغَضَبُ
لأيِّ حبيبٍ يَحسنُ الرأيُ والوُدُّ
وأكثرُ هذا الناس ليس لهم عهدُ
أُريدُ من الأيام ما لا يضرُّها
فهل دافعٌ عني نوائبها الجهدُ
وما هذه الدنيا لنا بمطيعةٍ
وليسَ لخلقٍ من مداراتها بدُ
تكونُ الموالي والعبيدُ لعاجزٍ
ويخدمُ فيها نفسهُ البطلُ الفردُ

أيأخذُ عبلةَ وغدٌ ذميمٌ
ويحظى بالغنى والمالِ دوني
فكم يشكو كريمٌ من لئيم
وكم يلقى هِجانٌ من هجينِ
وكل قريبٍ لي بعيدُ مودةٍ
وكلُّ صديقٍ بين أضلعه حقدُ
فلله قلبٌ لا يبلُّ عليلهُ
وصالٌ ولا يُلهيهِ من حلّهِ عقدُ
يُكلّفني أن أطلبَ العزَّ بالقنا
وأينَ العُلا إن لم يُساعدني الجدُّ
أحبُّ كما يهواهُ رُمحي وصارمي
وسابغةٌ زعفٌ وسابغةٌ نهدُ

إذا جحدَ الجميلَ بنو قرادٍ
وجازى بالقبيحِ بنو زيادِ
فهم ساداتُ عبس أينَ حَلّوا
كما زعموا وفرسان البلادِ
فيالكَ من قلبٍ توقدَ في الحشا
ويالكَ من دمعٍ غزيرٍ له مدُّ
وإن تظهر الأيامُ كلَّ عظيمةٍ
فلي بين أضلاعي لها أسدٌ وردُ
إذا كان لا يمضي الحسامُ بنفسهِ
فللضاربِ الماضي بقائمه حدُّ
وحولي من دونِ الأنامِ عصابةٌ
توددها يخفي وأضغانها تبدو

لَعمرُكَ إنَّ المجدَ والفخرَ والعُلا
ونيلَ الأماني وارتفاعِ المراتبِ
لِمنْ يلتقي أبطالها وسَراتها
بقلبٍ صبورٍ عند وقعِ المضاربِ
ويبني بحدِّ السّيفِ مجداً مُشيّداً
على فلكِ العلياءِ فوقَ الكواكبِ
يسُرُّ الفتى دهرٌ وقد كانَ ساءَهُ
وتخدمهُ الأيامُ وهو لها عبدُ
ولا مالَ إلا ما أفادكَ نيلُهُ
ثناءً ولا مالَ لمنْ لا له مجدُ
ولا عاشَ إلا من يصاحبُ فتيةً
غطاريفَ لا يُغنيهم النّحسُ والسّعدُ
إذا طلبوا إلى الغزو شمروا
وإن نُدبوا يوماً إلى غارةٍ جدّوا

لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسبٌ
يوم النزال إذا ما فاتني النسبُ
لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسبٌ
يوم النزال إذا ما فاتني النسبُ
لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسبٌ
يوم النزال إذا ما فاتني النسبُ
لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسبٌ
يوم النزال إذا ما فاتني النسبُ
لئن يعيبوا سوادي فهو لي نسبٌ
يوم النزال إذا ما فاتني النسبُ

تُعيرني العِدا بسوادِ جلدي
وبيضُ خصائلي تمحو السوادا
خُلقتُ من الحديدِ أشدُّ قلباً
وقد بلى الحديدُ وما بَليتُ
وإنّي قد شربتُ دمّ الأعادي
بأقحاف الرؤوسِ وما رَويتُ
وفي الحربِ العوانِ ولدتُ طفلاً
ومن لبن المعامع قد سقيتُ
فما للرمحِ في جسمي نصيبٌ
ولي بيت علا فلكَ الثريّا



ولا للسيفِ في أعضائي قوتُ
تخرُّ لعظمِ هيبتهِ البيوتُ

إنّي امرؤٌ سَمحُ الخليقةِ ماجدٌ
لا أتبعُ النفسَ اللجوجَ هواها
ولقد أبيتُ على الطّوى وأظلّهُ
حتى أنالَ بهِ كريمَ المأكلِ

أغشى فتاة الحيِّ عند حليلها
وإذا غزا في الحربِ لا أغشاها
من القومِ الكرامِ وهم شموسٌ
ولكن لا تُوارى بالدجونِ
إذا شهدوا هياجاً قلت:أسدٌ
من السّمرِ الذوابلِ في عرين

فَدُمْ يا سيّدَ الثقلينِ وابقى
مدى الأيام ما ناحَ الحمامُ
أيا ملكاً حوى رتبَ المعالي
إليكَ قد التجأتُ فَكُنْ مُعيني
فمن عاداكَ في ذُلٍّ شديدٍ
ومن والاكَ في عزٍّ مبينِ

يا عبل لو أني لقيتُ كتيبةً
سبعين ألفاً ما رهبتُ لقاها
وأنا المنيّة وابنُ كلِّ منيّةٍ
وسوادُ جلدي ثوبها ورداها
سَلي يا عبلةَ الجبلين عنّا
وما لاقتْ بنو الأعجامِ منّا
أبدنا جِمعَهُم لما أتونا
تموجُ مواكبٌ إنساً وجنّاً
وراموا أكلنا من غير جوعٍ
فأشبعناهم ضرباً وطعنا
ضربناهُم ببيضٍ مرهفاتٍ
تقدُّ جسومَهُم ظهراً وبطنا

يا عبل لو أني لقيتُ كتيبةً
سبعين ألفاً ما رهبتُ لقاها
وأنا المنيّة وابنُ كلِّ منيّةٍ
وسوادُ جلدي ثوبها ورداها
نُجيدُ الطّعنَ بالسّمرِ العوالي
ونضربُ بالسيوفِ المشرفيّه
وننعلُ خيلنا في كلِّ حربٍ
من الساداتِ أقحافاً دميّه
ويومَ البذلِ نُعطي ما ملكنا
من الأموتاِ والنِعم البهيّه

أعبلةُ لو سألتِ الرّمح عني
أجابكَ وهو منطلقُ اللسانِ
بأنّي قد طرقت ديار تيم
بكلِّ غضنفر ثبتَ الجنانِ
وخُضتُ غُبارها والخيلُ تهوى
وسيفي والقنا فرسا رهانِ
وما عابَ الزمانُ عليَّ لوني
ولا حطَّ السوادُ رفيع قدري
إذا ذُكرَ الفخارُ بأرض قومٍ
فضربُ السيفِ في الهيجاءِ فخري
سموتُ إلى العُلا وعلوتُ حتى
رأيتُ النجمَ تحتي وهو يجري
وقوماً لآخرين سعوا وعادوا
حيارى ما رأوا أثراً لإثري

ألم تعلموا أنَّ الأسنّة أحرزتْ
بقيتنا لو أن للدهرِ باقيا
ونحفظ عورات النساءِ ونتقّي
عليهنَّ أن يلقين يوماً مخازيا
وسَلي الفوارس يخبروكِ بِهّمتي
وأزيدها من نارِ حربي شعلةً

ومواقفي في الحربِ حين أطأها
وأثيرها حتى تدور رحاها
وأكرُّ فيهم في لهيبِ شعاعها
وأكونُ في أولِ وافدٍ يصلاها
وأكونُ أول ضاربٍ بمهندٍ
يفري الجماجم لا يريدُ سواها
وأكونُ أول فارسٍ يغشى الوغى
فأقودُ أول فارس يغشاها

إن كنتُ في عِدادِ العبيدِ فَهِمّتي
فوقَ الثريا والسّماكِ الأعزلِ
وبذابلي ومهندي نلتُ العُلى
لا بالقرابة والعديد الأجزلِ
سكتُّ فَغرَّ أعدائي السكوتُ
وظنوني لأهلي قد نسيتُ
وكيف أنامُ عن ساداتِ قومٍ
أنا في فضلِ نعمتهم ربيبُ
وإن دارت بهم خيلُ الأعادي
ونادوني أجبتُ متى دُعيتُ
بسيفٍ حدُّهُ يُزجي المنايا
ولرمحٍ صدرهُ الحتفُ المميتُ

يعيبونَ لوني بالسّوادِ جهالةً
ولولا سوادُ الليلِ ما طلعَ الفجرُ
وإن كان لوني أسوداً فخصائلي
بياضٌ ومن كفَّي يستنزل القطرُ
ومكروبٍ كشفتُ الكربَ عنهُ
بضربةٍ فيصل لمّا دعاني
دعاني دعوةً والخيلُ تجري
فما أدري أبا سمى أم كناني
فلم أمسك بسمعي إذ دعاني
ولكن قد أبان له لساني

همُ الأحبّةُ إن خانوا،وإن نقضوا
عهدي فما حلتُ عن وجدي ولا فكري
أشكو من الهجرِ في سرٍ وفي علن
شكوى تُؤثرُ في صلدٍ من الحجرِ
يا جفوني إن لم تجودي بدمعٍ
لجعلتُ الكرى عليك حراما
قسماً بالذي أمات وأحيا
وتولّى الأرواح والأجساما
لا رفعتُ الحسام في الحرب حتى
أتركَ القومَ في الفيافي عظاما

قلَّ صبري على فراقِ غصوبٍ
وهو قد كان عُدّتي واعتمادي
أُعاتبُ دهراً لا يلينُ لعاتبٍ
وأطلبُ أمناً من صروفِ النوائبِ
وتُوعدني الأيامُ وعداً تغرّني
وأعلمُ حقاً أنهُ وعدُ كاذبِ

دعوني في القتال أمُتْ عزيزاً
فموتُ العزّ خيرٌ من حياة
لَعمري ما الفخارُ بكسبِ مالٍ
ولا يُدعى الغنيُّ من السّراة
ولي من حُسامي كلَّ يومٍ على الثرى
نقوشُ دمٍ تُغني الندامى عن الوردِ
وليسَ يعيبُ السيفَ إخلاقُ غمدهِ
إذا كانَ في يومِ الوغى قاطِعَ الحدِّ

حَلُمتُ فما عرفتُمْ حقَّ حِلمي
ولا ذكرتْ عشيرتُكم ودادي
سأجهلُ بعد هذا الحلمِ حتى
أُريقَ دمَ الحواضرِ والبوادي
ويشكو السيفُ من كفّي ملالاً
ويسأم عاتقي حمل النجادِ
وعدنا والفخارُ لنا لباسٌ
نسودُ بهِ على أهلِ الزمان

يا عبلُ أينَ من المنيّةِ مهربي
إن كان ربي في السماءِ قضاها
عركتُ نوائبَ الأيامِ حتى
عرفتُ خيالها من حيثُ يسري
وذلَّ الدّهرُ لما أن رآني
ألاقي كلّ نائبةٍ بصدري

حسناتي عند الزمانِ ذنوبُ
وفعالي مذمةٌ وعيوب
وقلت لمن قد أحضرَ الموتَ نفسه
ألا من لأمر حازمٍ قد بدا ليا
تعالوا إلى ما تعلمون فإنني أرى
الدهر لا يُنجي من الموتِ ناجيا

يسرُّ الفتى دهرٌ وقد كان ساءَهُ
وتخدمهُ الأيامُ وهو لها عبدُ
وقد فازَ من في الحربِ أصبحَ جائلاً
يُطاعنُ قِرناً والغبارُ مُطنّبُ
نديمي رعاكَ الله قُم غنِّ لي على
كؤوس المنايا من دم حينَ أشربُ
ولا تسقني كأسَ المُدام فإنهّا
يضلُّ بها عقلُ الشجاعِ ويذهبُ

وإن تظهر الأيامُ كلّ عظيمةٍ
فلي بين أضلاعي لها أسدٌ وردُ
إذا كان لا يمضي الحسامُ بنفسهِ
فللضاربِ الماضي بقائمهِ حدُّ
وحولي من دونِ الأنام عصابةٌ
توددها يخفي وأضغانها تبدو
باللهِ ما بالُ الأحبّةِ أعرضتْ
عنا ورامتْ بالفراقِ صدودها
رضيتْ مصاحبة البِلى واستوطنتْ
بعد البيوتِ قبورها ولحودها
حرصتْ على طولِ البقاءِ وإنّما
مُبدي النفوس أبادها ليُعيدها
عبثت بها الأيامُ حتى أوثقت
أيدي البِلى تحت الترابِ قيودها

جازتْ ملّماتُ الزمان حدودها
واستفرغتْ أيامها مجهودها
وقضتْ علينا بالمنونِ فعوّضت
بالكرهِ من بيضِ الليالي سودها
فكأنّما تلك الجسومُ صوارمٌ
نحت الحِمام من اللحودِ غمودها
نسجت يدُ الأيامِ من أكفانها
حُللاً وألقت بينهن عقودها
وكسا الربيعُ ربوعها أنوارَهُ
لما سقتها الغادياتُ عهودها
وسرى بها نشرُ النسيم فعطرت
نفحاتُ أرواحَ الشمالِ صعيدها

يا قيسُ إنَّ صدورنا وقدتْ بها
نارٌ بأضلعنا تشبُّ وقودَها
فانهض لأخذِ الثأرِ غير مقصّر
حتى تُبيد من العداةِ عديدها
فلله قلبٌ لا يبلُّ عليلهُ
وصالٌ ولا يُلهيهِ من حَلّهِ عِقدُ
يكلفني أن أطلبَ العزّ بالقنا
وأين العلا إن لم يساعدني الجَدُّ
أحبّ كما يهواه رمحي وصارمي
وسابغةٌ زعفٌ وسابغةٌ نهدُ
فيا لكَ من قلبٍ توقد في الحشا
ويا لكَ من دمع غزير له مدُّ

ولا مالَ إلا ما أفادكَ نيلَهُ
ثناءٌ ولا مالٌ لمن لا له مجدُ
ولا عاشَ \إلا من يصاحبُ فتيةٌ
غطاريفَ لا يعنيهمُ النحسُ والسعدُ
إذا طلبوا إلى الغزو شمروا
وإن نُدبوا يوماً إلى غارةٍ جدّوا
هل عيشةٌ طابت لنا إلا وقد
أبلى الزمانُ قديمها وجديدها
أو مقلة ذاقت كراها ليلةً
إلا وأعقبت الخطوبُ هجودها
أو بنيةٌ للمجدِ شيدَ أساسها
إلا وقد هدمَ القضاءُ وطيدها

أعاتبُ دهراً لا يلينُ لناصحِ
وأخفي الجوى في القلبِ والدمعُ فاضحي
عركتُ نوائبَ الأيامِ حتى
رأيتُ كثيرها عندي قليلا
وعاداني غُرابُ البينِ حتى
كأني قد قتلتُ لهُ قتيلا

موتُ الفتى في عزّةٍ خيرٌ له
من أن يبيت أسير طرفٍ أكحل
كم يُبعدُ الدّهرُ من أرجو أقاربهُ
عني ويبعثُ شيطاناً أحاربه
فيالهُ من زمانٍ كلّما انصرفتْ
صروفهُ فتكت فينا عواقبهْ

لما رآني قد قصدتُ أريده
أبدى نواجزهُ لغيرِ تبسّمِ
تعالوا إلى ما تعلمون فإنني
أرى الدهرَ لا يُنجي من الموتِ ناجيا

وليسَ يعيبُ السيفَ إخلاقُ غِمدهِ
إذا كانَ في يومِ الوغى قاطعُ الحدِّ
خُسِفَ البدرُ حينَ كانَ تماماً
ودراري النجوم غارتْ وغابتْ

وخفي نورُهُ فعاد ظلاما
وضياءُ الآفاقِ صار قتاما
حين قالوا زهير ولّى قتيلاً
خيّمَ الحزنُ عندنا وأقاما
قد سقاهُ الزمانُ كأسَ حِمامٍ
وكذاك الزمانُ يسقي الحِماما
كان عوني وعدّتي في الرزايا
كان درعي وذابلي والحساما

وما أوهى مراسُ الحربِ ركني
ولا وصلتْ إليَّ يدُ الزمانِ
وما دانيتُ شخصَ الموتِ إلا
كما يدنو الشجاعُ من الجبانِ
فقد هدَّ ركني فقدهُ ومصابهُ
فوا أسفا كيف انثنى عن جوادهِ

وأخلى فؤادي دائمَ الخفقانِ
وما كان سيفي عنده وسِناني
رماهُ بسهمِ الموتِ رام مُصمم
فيا ليته لما رماهُ رماني
فسوف ترى إن كنت بعدك باقياً
وأمكنني دهر وطول زمانِ
وأقسم حقاً لو بقيت لنظرةٍ
لقرّت بها عيناك حين تراني

إذا قنِعَ الفتى بذميمِ عيشٍ
وكانَ وراء سَجفٍ كالبناتِ
ولم يهجم على أسدِ المنايا
ولم يطعن صدورَ الصافناتِ
ألا يا غرابَ البين في الطيرانِ
ترى هل علمتَ اليومَ مقتلَ مالكٍ

أعرني جناحاً قد عدمتُ بناني
ومصرعهُ في ذلةٍ وهوانِ
فإن كان حقاً فالنجومُ لفقدهِ
تغيبُ ويهوى بعدهُ القمران
لقد كانَ يوماً أسودَ الليلِ عابساً
يخافُ بلاهُ طارقَ الحدثانِ
فلله عيناً من رأى مثل مالكٍ
عقيرةَ قوم إن جرى فرسانِ

ولم يقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ
ولم يُروِ السيوفَ من الكُماةِ
لأيِّ حبيبٍ يحسنُ الرأيُ والودُّ
أريدُ من الأيامِ ما لا يضرُّها

وأكثرُ هذا الناسِ ليس لهم عهدُ
فهل دافعٌ عني نوائبها الجهدُ
وما هذه الدنيا لنا بمطيعةٍ
وليسَ لخلق من مداراتها بدُّ
تكونُ الموالي والعبيدُ لعاجزٍ
ويخدمُ فيها نفسهُ البطلُ الفردُ
وكلُّ قريبٍ لي بعيدُ مودةٍ
وكلُّ صديقٍ بين أضلعهِ حقدُ

واختر لنفسكَ منزلاً تعلو به
أو متْ كريماً تحت ظلّ القسطل
فالموتُ لا يُنجيك من آفاتهِ
حصنُ ولو شيدته بالجندل
حكّم سيوفك في رقاب العذل
وإذا نزلت بدار ذلّ فارحل
وإذا بليت بظالم كن ظالماً
وإذا لقيت ذوي الجهالةِ فاجهل
وإذا الجبانُ نهاك يوم كريهة
خوفاً عليك من ازدحام الجحفل
فاعصِ مقالته ولا تحفل بها
وأقدِم إذا حقّ اللقا في الأول

وحقِّ هواكِ لا داويتُ قلبي
بغيرِ الصبرِ يا بنت الكرامِ
إلى من أرتقي درجَ المعالي
بطعن الرُّمحِ أو ضربِ الحسامِ
ولم يقرِ الضيوفَ إذا أتوهُ
ولم يُروِ السيوفَ من الكُماةِ
ولم يُبلغ بضرب الهام مجداً
ولم يكُ صابراً في النائباتِ
فقلْ للناعياتِ إذا نعتهُ
ألا فاقصرِنَ ندبَ النادباتِ
ولا تندُبنَ إلا ليثَ غابٍ
شجاعاً في الحروبِ الثائراتِ

ألا عنيّا لي بالصهيل فإنّهُ
سماعي ورقراقُ الدماءِ ندامي
وحطّا على الرمضاءِ رحلي فإنها
مقيلي وإخفاقُ البنودِ خيامي
ولا تذكرا لي طيبَ عيشٍ فإنّما
بلوغُ الأنامي صحتي وسقامي
ألا يا عبلَ قد شمِتَ الأعادي
بإبعادي وقد أمنوا وناموا
وقد لاقيتُ في سفري أموراً
تشيبُ من لهُ في المهدِ عامُ
وبعد العسرِ قد لاقيتُ يُسراً
وملكاً لا يُحيطُ بهِ الكلامُ
وسلطاناً لهُ كلُّ البرايا
جنودٌ والزمانُ لهُ غلامُ

فضائلُ عزمٍ لا تباع لضارعٍ
وأسرارُ حزمٍ لا تُذاعُ لعائبِ
برزتَ بها دهراً على كلِّ حادثٍ
ولا كحلَ إلا من غبارِ الكتائبِ
إذا كذبَ البرقُ اللّموعُ لشائمٍ
فبرقُ حسامي صادقٌ غيرُ كاذبِ

طرفة بن العبد:

وأنتَ امرؤٌ منّا ولستَ بخيرنا
جواداً على الأقصى وأنتَ بخيلُ

والصدقُ يألفهُ الكريم المرتجى
والكذبُ يألفهُ الدنيُّ الأخيبُ
قد يَبعَثِ الأمرَ العظيمَ صغيرُهُحتى تَظلَّ له ُالدِّماءُ تَصّبَّبُ

بطيءٍ عن الجُلّى سريعٍ إلى الخنا
ذليلٍ بأجماعِ الرجالِ مُلَهّدِ
أصَرْمتَ حبلَ الوصلِ أم صرموا
يا صاحِ بل قطع الوصالَ هُمُ

للفتى عقلٌ يعيش به
حيثُ تهدي ساقهُ قدمُهْ
الخيرُ خيرٌ وإن طال الزمانُ به
والشرُّ أخبثُ ما أوعيتَ من زادِ

فأصبحتُ ذا مالٍ ؤكثيرٍ وزارني
بنونَ كرامٌ سادةٌ لِمُسّودِ
فما لي أراني وابنَ عمي مالكاً
متى أدنُ منهُ ينأ عني ويبُعدِ
وأياسَني من كلِّ خيرٍ طلبتهُ
وقرّبتُ بالقربى وجدِّك إنّهُ

كأنا وضعناهُ إلى رَمسِ مُلْحَدِ
متى يكُ أمرٌ للنكيثةِ أشهدِ
وإن أُدْعَ للجلّى أكن من حُماتِها
وإن يأتكَ الأعداءُ بالجَهدِ أجهد
وإن يقذفوا بالقدعِ عرضكَ أسقِهم
بكأس حياض الموتِ قبل التهوّد

فَفداءٌ لبني قيسٍ على
ما أصابَ الناسَ من سُرٍّ وضُرِّ
ما أقَلّتْ قدمي إنّهمْ
نعمَ الساعونَ في الأمرِ المُبرِّ
لقد علم الأقوامُ أنا بنجوة
علت شرفاً من أن تضام وتشتما
لنا هضبة لا يدخل الذل وسطها
ويأوي إليها المستجير فيُعصما

إذا ابتدر القومُ السلاحَ وجدتني
منيعاً إذا بلّت بقائمه يدي
ولا ترفدن النُّصح من ليسَ أهله
وكن حين تستغني برأيكَ غانيا
وإنَّ امرأ يوماً تولّى برأيهِ
فدعهُ يُصيبُ الرشدَ أو يكُ غاويا

وأُعسِرُ أحياناً فتشتدُّ عُسرتي
وأُدرك ميسورَ الغِنى ومعي عِرضي
الشيء يبدؤُهُ في الأصلِ اصغرُهُ
وليسَ يصلى بِكُلِّ الحربِ جانيها
والحربُ يَلحقُ فيها الكارهونَ كما
تدنو الصِّحاحَ إلى الجربى فَتعديها
إنّي رأيتُكَ تقضي الدَّينَ طالِبَهُ
وقطرةُ الدَّمِ مكروهٌ تقاضيها

لَعمرُكَ ما الأيامُ إلا مُعارةٌ
فما اسطَعتَ من معروفها فتزوَّدِ
وإن امرأً لم يَعفُ يوماً فكاهةً
تعارفُ أرواحُ الرجالِ إذا التقوا



لِمنْ لم يُرِدْ سوءاً بها لجهول
فمنهم عدوٌّ يُتقى وخليلُ

أسلمني قومي ولم يَغضبوا
لِسَوءةٍ حَلّتْ بهم فادِحهْ
وتشّكى النفسُ ما صابَ بها
فاصبري إنّكَ من قوم صُبُرْ
إن نصادفْ منفساً لا تلفنا
فُرْحَ الخير ولا نكبو لِضُرْ

لا يلّحونَ على غارمِهمْ
وعلى الأيسار تيسيرُ العَسِرْ
والمجدُ ننميهِ ونُتلِدهْ
والحمدُ في الأكفاءِ ندّخرهْ

وليَ الأصلُ الذي في مثلهِ
يصلح الآبرُ زرع المؤتبر
فلو كنت وغلاً في الرجالِ لَضرّني
عداوةُ ذي الأصحابِ والمتوحدِ
ولكن نفى عني الأعادي جرأتي
عليهم وإقدامي وصدقي ومحتّدي

ووجه كأنَّ الشمس ألقت قناعها
عليه،نقي اللون لم يَتخدّدِ
يَزَعُونَ الجهلَ في مجلسهمْ
وهُمُ أنصارُ ذي الحِلمِ الصّمدِ
حُبُسٌ في المَحْلِ حتى يُفسحوا
لابتغاءِ المجدِ أو تركِ الفَنَدِ
سُمحاءُ في الفقرِ أجوادُ الغنى
سادةُ الشِّيبِ مخاريقُ المُرُدِ

وإن يلتقِ الحيُّ الجميعُ تُلاقني
إلى ذروةِ البيتِ الشريفِ المُصَمّدِ
كريمٌ يُروّي نفسهُ في حياتهِ
ستعلمُ إن مُتنا غداً أيّنا الصّدي
رأيتُ سُعوداً من شُعوبٍ كثيرةٍ
فلم ترَ عيني مثل سعدِ بن مالكِ
أبرَّ وأوفى ذِمّةً يعقدونها
وخيراً إذا ساوى الذُّرى بالحواركِ
وأنمى إلى مجدٍ تليدٍ وسُورةٍ
تكونُ تُراثاً عند حيٍّ لهالكِ

إذا القومُ قالوا من فتىً خِلتُ أنّني
عُنيتُ فلم أكسلْ ولم أتبلَّدِ
طَيّبوا الباءةِ سهلٌ ولهُم
سبلٌ إن شئت في وحش وعر
وهُمُ ما هُمْ إذا ما لبسوا
نَسجَ داودَ لبأس مُحتضر
ثم زادوا أنهم في قومهم
غُفرٌ ذنبهم غيرُ فُخُر

فنفسكَ فانعَ ولا تَنعني
وداوِ الكُلُومَ ولا تَبرَقِ
ولقد تعلم بكرٌ أنّنا
آفةُ الجزر مساميحٌ يْسْرُ
ولقد تعلمُ بكرٌ انّنا
واضحو الأوجهِ في الأزمةِ غُرّ
ولقد تعلمُ بكرٌ أنّنا
فاضلو الرأي،وفي الروعِ وُفر
ولقد تعلمُ بكرٌ أنّنا
صادقو البأسِ وفي المحفل غُرّ

خالِطِ الناسَ بِخُلقٍ واسع
لا تَكُنْ كلباً على الناسِ تهرْ
سائلوا عنا الذي يعرفنا
بقوانا يوم تحلاقِ اللِمم
يومَ تُبدي البيضُ عن أسوقها
وتلفُّ الخيلُ أعراجَ النّعمْ

إذا أنتَ لم تنفع بودِّكَ قُربةً
ولم تنكِ بالبؤسى عدوّكَ فابعدِ
حين يحمي الناس نحمي سَربنا
بِحساماتٍ تراها رُسبّاً

واضحي الأوجهِ معروفي الكرمْ
في الضريباتِ متّراتِ العُصُمْ
بشبابٍ وكهولٍ نُهدٍ
كَليوثٍ بين عرِّيس الأجمْ
نمسكُ الخيل على مكروها
حينَ لا يُمسكُ إلا ذو كرمْ
نذرُ الأبطالَ صرعى بينها
تعكفُ العقبانُ فيها والرّممْ

يكشفونَ الضُرّ عن ذي ضُّرهم
ويُبرون على الأبي المُبرّ
فضلُ أحلامهم عن جارهم
رحبُ الأذرعِ بالخيرِ أمر
نُمسِكُ الخيلَ على مكروهها
حينَ لا يُمسكها إلا الصُّبرُ
فما لي أراني وابنَ عميَ مالكاً
متى أدنُ منهُ ينأ عني ويبعُدِ
وقرّبتُ بالقُربى،وجدِّكَ إنّهُ
متى يكُ أمرٌ للنكيثةِ أشهدِ

وأعلم علماً ليسَ بالظنِّ أنّهُ
إذا ذلَّ مولى المرءِ فهو ذليلُ
أرى قبرَ نحّامٍ بخيلٍ بمالهِ
كَقبرِ غويٍّ في البطالةِ مُفسِدِ

وإنَّ لسانَ المرءِ ما لم تكنْ لهُ
حصاةٌ على عوراتهِ لَدليلُ
حُسامٍ إذا ما قمتُ مُنتصراً بهِ
كفى البدءُ منه العودَ ليسَ بِمْعضَدِ

الشرُّ يبدأهُ في الناسِ أصغره
وليسَ مغني حرب عنك جانيها
إذا ما أردت الأمر فامضِ لوجهه
وخلِ الهوينا جانباً متنائيا
ولا يمنعنك الطير مما أردته
فقد خطّ في الألواحِ ما كنت لاقيا

قد يورد الظلم المبين آجناً
مُلحاً يخالط بالذعاف ويقشب
وقد ذهبت سلمى بعقلك كُلّهِ
فهل غيرُ صَيدٍ أحرزتهُ حبائله
لَعمري لموتق لا عقوبة بعدَهُ
لذي البثِّ أشفى من هوى لا يُزايله

وإنَّ امرأً لم يعفُ يوماً،فُكاهةً
لمن لم يردْ سوءاً بها لجهولُ
تعارَفُ أرواحُ الرجالِ إذا التقوا
فمنهم عدوٌّ يُتقّى وخليلُ
لَعمرُكَ ما أمري عليَّ بِغُمّةٍ
ويومَ حبستُ النفس عند عراكهِ

نهاري ولا ليلي عليَّ بِسرمدِ
حفاظاً على عوراتهِ والتهدّدِ
على موطنٍ يخشى الفتى عندهُ الردى
متى تعتركْ فيه الفرائص تُرعدِ
ستبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً
ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تُزوّدِ
ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تبِعْ له
بتاتاً،ولم تضرِبْ له وقتَ موعدِ

والصدقُ يألفهُ الكريم المرتجى
والكذبُ يألفهُ الدنىءُ الأخيبُ
أدّوا الحقوقَ تفِرْ لكم أعراضكم
إنَّ الكريمَ إذا يُحرَّبُ يغضبُ
إذا شاءَ يوماً قادَهُ بزمامهِ
إذا أنتَ لم تنفع بودّكَ قُربةً

ومن يكُ في حبلِ المنيّةِ ينقدِ
ولم تنكِ بالبؤسى عدوّكَ فابعدِ
أرى الموتَ لا يُرعى على ذي قرابةٍ
وإن كانَ في الدنيا عزيزاً بمقعدِ
ولا خيرَ في خيرٍ ترى الشرّ دونهُ
ولا قائل يأتيكَ بعدَ التلدُّدِ
لعمرك! ما الأيامُ إلا مُعارةً
فما اسطعتَ من معروفها فتزوّدِ

ألا أبلغا عبدَ الضلالِ رسالةً
وقد يُبلغُ الأنباءَ عنكَ رسولُ
دببتَ بسرِّي بعدما قد علمته
وأنتَ بأسرارِ الكرامِ نسولُ
وكيفَ تضِلُّ القصدَ والحقُّ واضحٌ
وللحقِّ بينَ الصالحينَ سبيلُ
وليس امرؤٌ أفنى الشبابَ مجاوراً
سوى حيّهِ إلا كآخرَ هالكِ
ألا رُبَّ يوم لو سقمت لعادني
نساءٌ كرامٌ من ومالكِ

لا يلحون على غارِمهمْ
وعلى الأيسارِ تيسيرُ العَسِرْ
إذا كنتَ في حاجةٍ مُرسلاً
فأرسلْ حكيماً ولا تُوصهِ
وإن ناصحٌ منك يوماً دنا
فلا تنأ عنهُ ولا تُقصهِ
وإن بابُ أمرٍ عليكَ التوى
فشاور لبيباً ولا تعصهِ
وذو الحقِّ لا تنتقصْ حقّهُ
فإن الوثيقة في نصّهِ
ولا تذكر الدهرَ، في مجلسٍ
حديثاً إذا أنت لم تُحصهِ
ونُصّ الحديثَ إلى أهلهِ
فإن الوثيقة في نصّهِ
ولا تحرصنَّ فَرُبَّ امرىء
حريص، مضاعٍ على حرصهِ
وكم من فتىً، ساقطٍ عقله
وقد يُعجبُ الناس من شخصهِ
وآخر تحسبهُ أنوكاً
ويأتيكَ بالأمرِ من فصّهِ
لبستُ الليالي،فأفنينني
وسرّبلني الدهرُ في قُمصهِ

فيا لك من ذي حاجةٍ حيل دونها
وما كلُّ ما يهوى المرءُ هو نائله
وتشكى النفسُ ما صابَ بها
فاصبري إنّكَ من قوم صُبُر
إن نصادف منفساً لا تلقنا
فُرُحَ الخيرِ ولا نكبو لضرّ

ذاكَ عصرٌ وعداني أنني
نابني العامَ خطوبٌ غير سرّ
من أمور حدثتْ أمثالها
تبتري عُودَ القويِّ المستمر
كنتُ فيكم كالمغطي رأسَهُ
فانجلى اليومَ قناعي وخمر
ولقد كنتُ ،عليكم عاتباً
فعقبتُم بذنوبٍ غير مُرّ
سادراً،أحسبُ غِيّ رَشداً
فتناهيتُ وقد صابت بقرُ

فالهبيتُ لا فؤادَ له
والثبيتُ ثبّتهُ فهمه
للفتى عقلٌ يعيشُ به
حيث تهدي ساقهُ قدمهْ
فكيفَ يُرّجي المرءُ دهراً مُخلّداً
وأعمالهُ عمّا قليلٍ تحاسبهْ

وللصعبِ أسبابٌ تجلُّ خطوبها
أقام زماناً،ثم بانت مطالبهْ

وتقولُ عاذلتي وليس لها
بغدٍ ولا مابعدهُ علمُ
إن الثراءَ هو الخلود وإن
المرء يكرب يومهُ العُدْمُ
فيالكَ من ذي حاجةٍ،حيل دونها
وما كلُّ ما يهوى امرؤٌ هو نائلهْ
لَعمري لموتٌ لا عقوبة بعده
لذي البثّ أشفى من هوى لا يُزايله

قد ذهبَ الصيادُ عنكِ فأبشري
لا بدَّ يوماً أن تصادي فاصبري
وأنتَ امرؤٌ منا،ولستَ بخيرنا
جواداً على الأقصى وأنت بخيلُ
وإن امرأً لم يَعْفُ يوماً،فكاهةً
لمن لم يرد سوءاً بها لجهول

إذا جاء ما لابدّ منهُ،فمرحباً
بهِ حين يأتي،لا كِذابٌ ولا عَلِل
تذكرون إذ نقاتلكم
لا يضرُّ مُعدماً عدمُه
أنتمُ نخلٌ نُطيفُ به
فإذا ما جُزَّ نصطرمه

وإن بابُ أمرٍ عليكَ التوى
فشاور لبيباً ولا تعصهِ
ولا ترفدن النُّصح من ليس أهله
وكنْ حين تستغني برأيك غانيا

أرى العيشَ كنزاً ناقصاً كلَّ ليلةٍ
وما تَنقِص الأيامُ والدهرُ يَنفَدِ
ألا أبلغا عبد الضلال رسالة
وقد يُبلغُ الأنباءَ عنكَ رسولُ
دببتَ بسرِّي بعد ما قد علمته
وأنتَ بأسرارِ الكرامِ نسولُ
وكيفَ تَضلُّ القصدَ والحقُّ واضحٌ
وأنتَ امرؤٌ منا،ولست بخيرنا

وللحقِّ بين الصالحينَ سبيلُ
جواداً على الأقصى،وأنت بخيلُ
وأعلمُ علماً ليسَ بالظنِّ إنّهُ
إذا ذُلَّ مولى المرءِ فهو ذليلُ

نزعُ الجاهلَ في مجلسنا
فترى المجلسَ فينا كالحرم
وتصدُّ عنك مخيلة الرجل
العريض مُوضحة عن العظم
بحسامِ سيفكَ أو لسانك
والكّلمُ الأصيل كأرغبِ الكّلمِ

فغيّرنَ آياتِ الديارِ مع البلى
وليسَ على ريبِ الزمانِ كفيلُ
أبا منذر كانت غروراً صحيفتي
ولم أعطكم بالطوعِ مالي ولا عرضي
أبا منذر أفنيتَ فاستبقِ بعضنا
حنانيك! بعض الشرِّ أهون من بعض

أدّوا الحقوق تَفِرْ لكم أعراضكم
إنَّ الكريمَ إذا يُحَرَّبُ يغضبُ
إذا جاء ما لا بُدَّ منهُ فمرحباً
به حينَ يأتي لا كِذابٌ ولا عِللْ
ألا إنني شربتُ أسودَ حالكاً
ألا بجلي من الشرابِ ألا بَجل
فلا أعرفني إن نشدتكَ ذمّتي
كداعِ هذيلٍ لا يُجابُ ولا يملّ

كلُّ امرىءٍ فبما ألمَّ بهِ
يوماً يبينُ من الغنى فقره
خليليّ! لا والله ما القلبُ سالمُ
وإن ظهرت مني شمائلُ صاحِ
وإلا فما بالي،ولم أشهد الوغى
أبيتُ كأنّي مُثقلٌ بجراحِ؟

كريمٌ يُرَوّي نفسَهُ في حياتهِ
ستعلمُ إن متنا غداً أيُّنا الصَّدي
وتَرُدُّ عنكَ مَخيلةَ الرَّجُلِ
العرِّيضِ مُوضحةً عن العظمِ
بِحُسامِ سيفكَ أو لسانكَ
والكَلِمُ الأصيلُ كأرغبِ الكَلمِ

ما في المعالي لكم ظلٌّ ولا ورقٌ
وفي المخازي لكم أسناخُ أسناخِ
إن قُسِّمَ المجدُ أكدى في سراتكمُ
أو قُسِّمَ اللؤمُ فُضلّتم بأشياخِ
يا عجباً من عبد عمرو وبغيهِ
لقد رامَ ظلمي عبد عمرو فأنعما
ولا خيرَ فيه غير أنّ لهُ غنىً
وأنَّ لهُ كشحاً إذا قامَ أهضما
يظلُّ نساءُ الحيِّ يعكفنَ حولهُ
يقلن:عسيب من سرارةِ ملهما
له شربتان بالنهار وأربعٌ
من الليل،حتى آضَ سُحذاً موّرما
ويشربُ حتى يغمُرَ المحضُ قلبَهُ
وإن أُعطهُ أترك لقلبي مجثما

فإن مُتُّ فانعيني بما أنا أهلهُ
وشُقّي عليَ الجيبَ يا بنةَ معبدِ
ولا تجعليني كامرىءٍ ليسَ همّهُ
كَهمّي، ولا يُغني غَنائي ومشهدي

لبيد

لعمري لئن كان المُخَبِّرُ صادقاً
لقد رُزئتُ في حادثِ الدهرِ جعفرُ
أخاً لي أمّا كلَّ شىءٍ سألتهُ
فيُعطى وأمّا كلُّ ذنبٍ فيغفرُ

وإلا فما بالموتِ ضرٌّ لأهلهِ
ولم يُبقِ هذا الدهرُ في العيشِ مَندما
وأرى أربدَ قد فارقني
ومن الأرزاءِ رُزءٌ ذو جللْ

إنّكَ شيخٌ خائنٌ منافق
بالمخزياتِ ظاهرٌ مُطابق
أكرمتُ عِرضي أن يُنال بنجوةٍ
إنَّ البريَّ من الهَناتِ سعيدُ

وإن هوان الجارِ للجارِ مؤلمٌ
وفاقرةٌ تأوي إليها الفواقرُ
صادفنَ منها غرّةً فأصبنها
إنَّ المنايا لا تطيشُ سهامها

قومٌ لهم عَرفتْ مَعَدٌ فضلها
والفضلُ يعرفهُ ذوو الألبابِ
وإنّا وإخواناً لنا قد تتابعوا
لكالمغتدي والرائح المتهجرِّ
هل النفسُ إلا متعةٌ مستعارةٌ
تعار فتأتي ربّها فرط أشهر

شهدتُ فلم تنجحْ كواذِبُ قولهم
لديَّ ولم أحفِلْ ثنا كلِّ مِشغَبِ
فإن يُسهلوا فالسّهلُ حظّي وطُرقتي
وإن يحزنوا أركب بهم كلّ مركبِ
أرى النفسَ لَجّتْ في رجاءٍ مُكَذِّبِ
وقد جرّبتْ لو تقتدي بالمُجرِّبِ
وكائنْ رأيتُ من ملوكٍ وسُوقةٍ
وصاحبتُ من وفدٍ كرامٍ وموكبِ

ألا تسألانِ المرءَ ماذا يحاولُ:
أنحبٌ فيقضى أم ضلالٌ وباطلُ
ترى الكثير قليلاً حين تسأله
ولا مخالجه المخلوجة الكثر
يا أسم صبراً على ما كان من حدث
إن الحوادث ملقي ومنتظرُ
صبراً على حدثان الدّهر وانقبضي
عن الدناءة إن الحرّ يصطبر
فما رزقت فإن الله جالبه
وما حرمت فما يجري به القدر

فبنوا لنا بيتاً رفيعاً سَمكهُ
فسما إليه كَهلُها وغُلامُها
رَجعا بأمرها إلى ذي مِرَّةٍ
حَصِدٍ،ونُجحُ صريمةٍ إبرامُها

فإن تقبلوا المعروفَ نصبرْ لحقّكمْ
ولن يعدمَ المعروفُ خُفّاً ومَنسما
وإلا فما بالموتِ عارٌ لأهلهِ
ولم يبقَ هذا العيشُ في الدّهرِ مندما

ألا تسألانِ المرءَ ماذا يُحاوِلُ
أنحْبٌ فيقُضى أم ضلالٌ وباطلُ
وما الناسُ إلا كالديارِ وأهلِها
بها يومَ حَلُّوها،وغدواً بلاقِعُ

مَنْ هداهُ سُبُلَ الخير اهتدى
ناعمَ البال ومن شاءَ أضلّ
فإن أنتَ لم تصدُقكَ نَفسُكَ فانتسبْ
لعلّكَ تهديكَ القرونُ الأوائلُ
فإن لم تجدْ من دونِ عدنانَ والداً
ودونَ معّدٍ فلترعكَ العواذلُ

يا أَسْمَ صبراً على ما كانَ من حَدَثٍ
إنَّ الحوادثَ مَلقيٌّ ومُنتظرُ
وإذا جُزيتَ قرضاً فأجِزهِ
إنّما يجزى الفتى ليس الجَملْ

فاقطع لُبانةَ من تَعرَّضَ وَصْلُهُ
ولَخيرُ واصلِ خُلَّةٍ صرّامها
إذا المرءُ أسرى ليلةً ظنَّ أنَّهُ
قضى عملاً والمرءُ ما عاشَ آمِلُ

أتجزَعْ مما أحدثَ الدّهرُ للفتى
وأيُّ كريمٍ لم تُصبهُ القوارِعُ
زَينتْ أحسابُهمْ أنسابُهُمْ
وكذاكَ الحِلمُ زَينٌ للكرمْ

قَضَيتُ لُباناتٍ،وسَلَّيتُ حاجةً
ونفسُ الفتى رَهنٌ بقمرةِ مُؤرب
حَصادُكَ يوماً ما زرعتَ وإنّما
يُدانُ الفتى يوماً كما هو دائن

قومٌ لهم عرفت معدّ فضلها
والحقُّ يعرفهُ ذوو الألبابِ
فهوّن ما ألقى وإن كنت مُثبتاً
يقيني بأن لا حيَّ ينجو من العطب

في قرومٍ سادةٍ من قومهِ
نظر الدهرُ إليهم فابتهل
فإذا دفنتَ أباكَ فاجعل
فوقهُ خشباً وطينا
وصفائحاً صُمّاً روا
سيها يُسدِّدنَ الغصونا
ليقينَ حُرَّ الوجهِ سف
افَ التراب لن يقينا

وبنو الدّيانِ لا يأتونَ لا
وعلى ألسنهمْ خَفّتْ نَعمْ
زيّنتْ أحسابُهم أحلامهم
وكذاكَ الحِلم زَينٌ للكرمْ
منْ مَعشَرٍ سَنّتْ لهم أباؤُهم
لا يطبعون ولا يبور فِعالهم

ولِكُلِّ قوم سُنّةٌ وإمامُهَا
إذ لا تميل مع الهوى أحلامها
فاقنعْ بما قسمَ المليكُ فإنّما
قسمَ الخلائق بيننا عَلامها
وإذا الأمانةُ قسِّمتْ في معشر
أوفى بأعظمِ حظنا قسّامها
فهمُ السّعاةُ إذا العشيرةُ أُفظِعت
وهم فوارِسُها وهم حكّامها

تَرَّاكُ أمكنةٍ إذا لم أرضها
أو يرتبطْ بعضُ النفوسِ حِمامُها
من هَداهُ سُبُلَ الخيرِ اهتدى
ناعمَ البالِ ومن شاءَ أضلّ
أحمدُ الله فلا نِدَّ له
بيديهِ الخيرُ ما شاءَ فعل
إنَّ تقوى ربّنا خيرُ نفلْ
وبإذنِ الله رَيثي وعجلْ

تجري خزائنه على من نابه
جري الفرات على فراض الجدول
وإن تسألي بي فإنّي امرؤٌ
أهين اللئيمَ وأحبو الكريما
وأجزي القروض وفاء بها
ببؤسى بئيساً ونعمى نعيما

وفارقتهُ والوُدُّ بيني وبينهُ
بحسنِ الثناءِ من وراءِ المغيّبِ
غلب الزمان وكنت غير مُغلب
دهر طويل دائم ممدودُ
يوم إذا يأتي عليّ وليلةٌ
وكلاهما بعد المضاء يعودُ
وأراهُ يأتي مثل يوم رأيته
لم ينتقص وضعفت وهو شديدُ

فاكذبِ النّفسَ إذا حدّثتها
إنَّ صِدقَ النّفسِ يُزري بالأمل
ذهبَ الذينَ يُعاشُ في أكنافهمْ
وبقيتُ في خَلَفٍ كَجلدِ الأجربِ
يتأكلونَ مذمةً وخيانةً
ويُعابُ قائلُهمْ وإن لم يَشغبِ

ما إن تَعَدَّ المنونُ من أحدٍ
لا والدٍ مُشفقٍ ولا ولدِ
وما الناسُ إلا عاملانِ فعاملٌ
يتتبرُّ ما يبني وآخرُ رافِعُ
فمنهمْ سعيدٌ آخِذٌ بنصيبهِ
ومنهم شقيٌّ بالمعيشةِ قانِعُ

وما البِرُّ إلا مُضمراتٌ من التُّقى
وما المالُ إلا مُضمراتُ ودائِعِ
فقلتُ:ليسَ بياضَ الرأسِ من كِبرٍ
لو تعلمين،وعند العالمِ الخبرُ
ولا أقول إذا ما أزمةٌ أزمت:
يا ويحَ نفسي مما أحدث القدرُ

إنَّ الرزيّة لا رزيّة مثلها
فقدانُ كلُّ أخٍ كضوءِ الكوكبِ
بَلينا وما تبلى النجومُ الطوالعُ
فلا جَزعٌ إن فرَّقَ الدهرُ بيننا

وتبقى الجبالُ بعدنا والمصانعُ
فكلُّ امرىءٍ يوماً لهُ الدّهرُ فاجعُ
وما الناسُ إلا كالديارِ وأهلِها
ويمضونَ أرسالاً وتَخلُفُ بعدهمْ

بها يومَ خلّوها وتغدو بلاقعُ
كما ضمَّ إحدى الراحتينِ الأصابعُ
وما المرءُ إلا كالشّهابِ وضوئهِ
يحورُ رماداً بعد إذ هوَ ساطعُ
وما المرءُ إلا مُضمرات من التقى
وما المالُ إلا عارياتٌ ودائعُ

وقد كنت في أكنافِ جارَ مضنةٍ
ففارقني جار باربدَ نافعُ
فلا جزِعٌ إن فرّقَ الدهرُ بيننا
وكلُّ فتى يوماً بهِ الدهرُ فاجِعُ
فلا أنا يأتيني طريفٌ بفرحة
ولا أنا مما أحدثَ الدهرُ جازعُ


يا أربِدَ الخيرِ الكريم فِعالُهُ
أفردتني أمشي بقرنٍ أعضبِ

العيشُ لا عيشَ إلا ما قنعتَ بهِ
قد يكثرُ المالُ والإنسانُ مفتقرُ

عوف بن مُحلِّم الخزاعي:

فتى لو أسرَّتْ نفسهُ كُفرَ نعمة
لحاربها حتى تصحَّ الضمائِرْ


وإنّي لذو حِلمٍ على أنَّ سَورتي
إذا هَزّني قوم حَميتُ بها عِرضي
وإن طلبوا ودّي عطفتُ عليهم
ولا خيرَ فيمن لا يئول ولا يُغضي
وما كل ذي غِشٍّ يضرُّكَ غِشُّهُ
ولا كلّ من يُؤتى كرامتَه يُرضي
ومُعترض في القول غَرَّبتُ قولَهُ
وقلت له ليس القضاء كما يقضي
ركبتُ به الأهوالَ حتى تركتهُ
بمنزل ضَنك لا يكدّ ولا يمضي
ولإني لأجزي بالكرامة أهلها
وبالحقد حقداً في الشدائدِ والخَفضِ


فما زالت الكأس تغتالَنا
وتذهب بالأوّل الأوّلِ
إلى أن توافت صلاة العشاء
ونحن من السُّكرِ لم نَعقِلِ
فمن كان يعرف حقّ النعيم
وحقّ الجليسِ فلا يجهلِ
وما إن جَرتْ بيننا مَزحةٌ
تُهيِجُ مِراءً على السَّلسلِ

ما يُنزل الله بي أمراً فأكرهه
إلا سيُنزل بي من بعده الفَرجا
يا رُبَّ أمرَينِ قد فرّجتُ بينهما
من بعد ما اشتبكا في الصدور واعتلجا


إليك فما حظّي لغيري بصائرِ
ولا أجلي إن حُمَّ عني بقاصرِ
أعف واستغني وإنّي لمقتِرٌ
فتستر عِفَّاتي عليَّ مفاقري
وإني ليأتيني الغنى غيرَ ضارع
فأدنو به من صاحبي ومُجاوري
لساني وقلبي شاعران كلاهما
ولكنَّ وجهي مفحم غير شاعرِ


ولو كان وجهي شاعراً أكسبَ الغنى
ولكنَّ وجهي مثل وجه ابن طاهر
فتى يختشي أن يخدش الذمُّ عِرضهُ
ولا يتقي حدَّ السيوف البواتر
غليل وقد أوردت دلوي ببحره
ولا عيب في وردِ البحور الزواخرِ

سعد بن ناشب المازني:
تفَنّدُني فيما ترى من شراستي
وشدّةِ نفسي أمُّ سعدٍ وما تدري
فقلتُ لها
إنَّ الحليمَ وإن حلا
لَيُلفى على حالٍ أمرَّ من الصَّبرِ
وفي اللّينِ ضَعفٌ، والشراسةُ هيبةٌ
ومن لا يُهبْ يُحملْ على مركبٍ وعرِ
وما بي على من لانَ لي من فظاظةٍ
ولكنّني فظٌّ أبيٌّ على القسرِ


أُقيمُ صغا ذي الميّلِ حتى أردّهُ
وأخطمُهُ حتى يعودَ إلى القدرِ
فإن تعذليني،تعدلي بي مُرزّاً
كريمَ نثا الإعسارِ،مُشتركَ اليُسرِ


أخي عَزماتٍ لا يُريدُ على الذي
يَهمُّ به من مقطعِ الأمرِ صاحبا
إذا هَمَّ لم تُردعْ عزيمةُ هَمّهِ
إذا همَّ ألقى بين عينيهِ عزمَهُ
ولم يأتِ من الأمرِ هائبا
ونكّبَ عن ذكرِ العواقبِ جانبا
ولم يستشرْ في أمرهِ غيرَ نفسهِ
ولم يرضَ إلا قائمَ السيفِ صاحبا

نهشل بن حري:

قال الأقاربُ لا تغرُركَ كثرتُنا
وأغن شأنكَ عنا أيها الرجلُ
علَّ بنيَّ يشدُّ الله أزرَهمُ
والنبعُ يثبتُ عيداناً فيكتهلُ

كذاك الثور يضرب بالهراوى
إذا ما عافت البقر الظماء

أرى كلّ عودٍ نابتاً في أرومة
أبى نسب العيدانِ أن تتغيّرا
بنو الصالحين الصالحون ومن يكن
لآباء سوء يلقهم حيث سيرا

ويومٍ كأنَّ المُصطلينَ بحرّهِ
وإن لم يَكنْ جمر وقوفٌ على جمرِ
صبرتُ له حتى تجلّى وإنّما
تُفرَّجُ أيامُ الكريهةِ بالصّبرِ

ومولىً عصاني واستبدَّ برأيهِ
كما لم يطع بالبقتين قصير
فلما رأى أن غبَّ أمري وأمرَه
وقد حدثت بعد الأمورِ أمورُ
تمنى أنيساً أن يكونَ أطاعني
وولّت بأعجازِ الأمور صدورُ

ومن عدَّ مسعاةً فلا تُكذبنها
ولا تكُ كالأعمى يقولُ ولا يدري

الشمردل بن شريك
يا أيها المبتغي شتمي لأشتمه
إن كان أعمى فإنّي عنك غيرُ عَمِ
ومن تعرض شتمي يلق معطسهُ
من النشوق الذي يشفى من اللمم
أولا فحسبك رهطاً أن يفيدهم
لايغدرون ولا يوفون بالذمم

إذا غدا المِسكُ يجري في مفارقهم
راحوا كأنهم مرضى من الكرمِ

ذو الإصبع الكلبي

ولستُ بهيّابِ الأمور ولا الذي
إذا مكّنتهُ جاءَ للصلحِ خاضعا
وقد يصبرُ الحرُّ الكريمُ على الأذى
ولا يُظهرُ الشكوى وإن كان مُوجِعا
وقد يأنفُ المرءُ الكريمُ ويستحي
وإن ذاقَ طعمَ الموتِ أن يتوجّعا

خراش الهذلي
فوالله لا أنسى قتيلاً رُزئتُهُ
بجاني قُوسى ما مشيتُ على الأرضِ
على أنها تعفو الكلومُ وإنّما
نُوكَلُ بالأدنى وإن جلَّ ما يمضي

عَميرة بن جُعل:

إذا ضيّقتَ أمراً ضاقَ جدّاً
وإن هوّنتَ ما قد عزَّ هانا
فلا تهلِك لشىءٍ فاتَ يأسا
فكم أمرٍ تصّعبَ ثم لانا

القسم بن الهذيل:


لا تحقرن ذا بؤسة أن تنيله
وإن كان بين الناسِ وهو حقيرُ
فإن عسى أن يرفع الدّهر طرفه
ولله راع بالعباد بصيرُ
فيلقاكَ يوماً ثم يجزيك مثلها
وأنت إليها عند ذاكَ فقيرُ


أكرِمْ كريماً إن أتاكَ لحاجةٍ
لعاقبة إن العضاة تروح

عبيد بن العرندس الكلابي:

هَينونَ لينونَ أيسارٌ بنو يَسَرٍ
سُوَّاسُ مَكرُمةٍ أبناءُ أيسارِ
لا ينطقونَ على العمياءِ إن نطقوا
ولا يُمارونَ إن ماروا بإكثارِ
من تلقَ منهمُ تَقُلْ لاقيتُ سيدَهم
مثلَ النجومِ التي يسري بها الساري

القحيف العقيلي


إن تضربونا بالسّياطِ فإننا
ضربناكمُ بالسيفِ يومَ الصرائمِ
وإن تحلقوا منا الرؤوسَ فإننا
حلقنا رؤوساً باللّحى والغلاصمِ

عبيد بن العرندس الكلابي:

هَينونَ لينونَ أيسارٌ بنو يَسَرٍ
سُوَّاسُ مَكرُمةٍ أبناءُ أيسارِ
لا ينطقونَ على العمياءِ إن نطقوا
ولا يُمارونَ إن ماروا بإكثارِ
من تلقَ منهمُ تَقُلْ لاقيتُ سيدَهم
مثلَ النجومِ التي يسري بها الساري
محمد بن حازم الباهلي


سأعمِلُ نصَّ العيسِ حتى يكُفنّي
غِنى المالِ منّي أو غنى الحَدثانِ
فللموتُ خيرٌ من حياةٍ يُرى لها
على الحُرِّ بالإقلالِ وسمُ هوانِ
متى يتكلّمْ يُلغَ حسنُ كلامهِ
وإن لم يقُلْ قالوا عديمَ بيان
أبو النشناش النهشلي:

ولم أرَ مثلَ الهمِّ ضاجعهُ الفتى
ولا كسوادِ الليلِ أخفقَ طالبُه

إبراهيم بن المُدبر:


لا تؤيسنّكَ من كريمٍ نبوةٌ
فالسيف ينبو وهو عضبٌ باترُ

الحشيش بن عبد الله الوادي:

الثوبُ يبلى ثم يُشرى غيرُهُ
والعِرضُ بعد هلاكهِ لا يُشترى

زيادة بن زيد الأسدي:

أرى كُلَّ عُودٍ نابتاً في أرومةٍ
أبى مُنبِتُ العيدانِ أن يتغيّرا

صاحب الأزدي:


هل الدّهرُ إلا ليلةٌ وصباحها
وإلا طلوعُ الشّمسِ ثمَّ رواحُها
وإلا صروفُ الدهرِ بالمرءِ مرّةً
ذلولاً ومراً سعيها ومراحُها

ليلى العامرية

تبلغنا العيون بما أردنا
وفي القلبين ثمَّ هوى دفين

معن بن عروة الضبي:

أرى المرء في حالين يكتنفانه
نعيم وبؤس أيمنا ثم أشملا

الغَطمش الضبي:

أقولُ،وقد فاضت بعينيَ عَبرةٌ
أرى الدّهر يبقى،والأخلاءُ تذهبُ
أَخِلاي
!
لو غيرُ الحِمامُ أصابكُمْ
عتبتُ،ولكن ليسَ للدّهر مَعتبُ

إلى الله أشكو لا إلى الناس حاجتي
أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهبُ
أخلايَ لو غيرُ الحِمامِ أصابكم
عتبت،ولكن ما على الدهر معتبُ

أبو دلامة يرثي المنصور ويمدح المهدي:

عينايَ واحدةٌ تُرى مرزوءةً
بإمامها جَذلى وأخرى تذرِفُ
تبكي وتضحكُ تارةً ويسؤوها
ما أنكرتْ ويسرّها ما تعرفُ
ما أن رأيتُ ولا سمعتُ كما أرى
شَعراً أُرّجلهُ وآخرُ أنتِفُ
أهدى لذاكَ الله فضلَ خلافةٍ
ولذاكَ جناتُ النعيم تُزخرفُ
هلكَ الخليفةُ يا لأمة أحمدٍ
وأتاكمُ من بعدهِ من يَخلُفُ
فابكوا لِمصرعِ خيرُكم ووليّكم
واستبشروا بقيامِ ذا وتشرّفوا

أبو دلامة:

ماتَ الندى إذ مُتَّ يا بن محمد
فجعلته لك في الترابِ عديلا
إني سألتُ الناسَ بعدك كلّهم
فوجدتُ أسمجَ من رأيتُ بخيلا

أبو الشيص يرثي هارون الرشيد ويمدح الأمين:
جرتْ جوارٍ السّعدِ والنّحسِ
والناسُ في مأتمٍ وفي عُرسِ
العينُ تبكي والسنُّ ضاحكةٌ
فنحنُ في كُربةٍ وفي أُنسِ
يُضحكنا القائمُ الأمينُ ويُب
كينا وفاةُ الإمامِ بالأمسِ
بدران
:
بدرٌ هذا ببغداد وفي ال
خُلدِ وبدرٌ بطُوس في الرمسِ

أبو الشيص يرثي هارون الرشيد:

غربتْ في المشرق الشم
سُ فقُلْ للعينِ تدمعْ
ما رأينا قطُّ شمساً
غربتْ من حيث تطلعْ

ختلتهُ المنون بعد اختيالٍ
بينَ صفين من قناً ونصالِ

ابن عمار الأسدي
مُربيّةَ الأيتامِ من كَدِّ فرجها
لكِ الويلُ لا تزني ولا تتصدقي

الخبز أرزي

قد يُستدلُ بظاهرٍ عن باطنٍ
حيثُ الدخانُ فثمَّ موقدُ نار

جثامة بن قيس:

وقلّما يفجأ المكروهُ صاحبه
إذ رأى لوجوهِ الشرِّ أسبابا

الأحنف بن قيس:
وما مرَّ يومٌ أرتجي فيه راحةً
فأخبَرهُ إلا بكيتُ على أمسِ

أمية بن طارق الأسدي:

ولا تك حفاراً بظلفك إنّما
تُصيبُ سهام الغيِّ من كان غاويا

نافع بن لقيط:

إذا أنتَ أكثرتَ المجاهلَ كدرتْ
عليكَ من الأخلاقِ ما كان صافيا
فلا تكُ حفّاراً بظلعكَ إنّما
تُصيبُ سهامَ البغي من كان غاويا

محمد بن الحسين الوضاحي

وما الناسُ إلا الرِّقُّ منهُ مصاحفٌ
تضّمنُ قُرآناً ومنهُ طبولُ

الحُرثان بن عمرو:

إذا هتف العصفورُ طار فؤادهُ
وليثٌ حديدُ النابِ عند الثرائدِ

السري الرفاء

وهل ينفعُ الفتيان حسن وجوههم
إذا كانت الأخلاقُ غير حسان
فلا تجعلْ الحسن الدليل على الفتى
فما كلّ مصقول الحديد يمان

سيبويه:

فَريشي منكم وهوايَ معكم
وإن كانت زيارتكم لِماما

صالح المري
مؤمل دنيا لتبقى له
فمات المؤمل قبل الأمل

فباتَ يُروِّي أُصولَ الفَسيلِ
فعاشَ الفَسيلُ وماتَ الرجلُ
أحدهم:
ومن مدّتِ العلياءُ إليه يمينها
فأكبرُ إنسانٍ لديهِ صغيرُ

تقلدّتني الليالي وهي مدبرةٌ
كأنني صارمٌ في كفِّ منهزمِ
ما زلت تلهج بالتاريخِ تكتبه
حتى رأيناكَ في التاريخِ مكتوبا

ماذا يفيدكَ بعد اليوم يا بشر
إن كنت بالعلم لا بالجهل تفتخر
لو كانَ ما بي هيّناً لَكتمتهُ
لكنَّ ما بي جلَّ عن كتمانِ

أمنْ بيتِ الكلابِ طلبتَ عظماً
لقد أطمعتَ نفسكَ بالمُحالِ
يُغرُّ بما يبلى ويُشغلُ بالمنى
كما غُرَّ باللذاتِ في النومِ حالِمُ
نهارُكَ يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ
وليلُكَ نومٌ والردى لكَ لازِمُ
وسَعيُكَ فيما سوف تكرهُ غِبّة
كذلك في الدنيا تعيشُ البهائمُ

ولو أنّي بُليتُ بهاشمي
خؤولتهُ بنو عبد المدان
لهانَ عليَّ ما ألقى ولكن
تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
النفسُ تطمعُ والأسبابُ عاجزةٌ
والنفسُ تهلكُ بين اليأسِ والطمعِ

إذا الشافعُ استقصى لكَ الجهدَ كلَّهُ
وإن لم ينلْ نُجحاً فقد وجبَ الشّكرُ
مالكَ لا تذكرُ أُمَّ عمرو
إلا لَعينيكَ غروبٌ تجري

إنَّ القُلوبَ إذا تنافرَ ودّها
مثل الزجاجة كسرها لا يُجبرُ
عليكَ بإغبابِ الزيارة إنّها
إذا كثرت كانت إلى الهجرِ مسلكا
فإنّي رأيتُ الغيثَ يُسأمُ دائباً
ويسألُ بالأيدي إذا هو أمسكا

تأتي أمور فلا تدري أعاجلها
خيرٌ لِنفسكَ أم ما فيهِ تأخيرُ
فاستقدرِ الله خيراً وارضينَّ به
فبينما العُسرُ إذ دارت مياسيرُ
وبينما المرءُ في الأحياءِ مُغتبطٌ
إذ صارَ في الرمسِ تعفوهُ الأعاصيرُ
يبكي عليه غريبٌ ليسَ يعرِفهُ
وذو قرابتهِ في الحيِّ مسرورُ
ولا يغرُركَ طولُ الحلمِ منّي
فما أبداً تُصادفني حليما

إذا غضبت تلك الأنوف لم أُرضها
ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها
لله درُّ الليالي طالما كشفت
من الخلائقِ ما قد كان مستورا

إذا افتقروا عضّوا على الصبرِ حُسبةً
وإن أيسروا عادوا سراعاً إلى الفقرِ
إذا ما قلتُ أيّهمُ لأيٍّ
تشابهتِ المناكبِ والرؤوسُ

أطال إساري في الصّبابة هجرهُ
وعند الشّجاعِ الأسرُ شرٌّ من القتلِ
أذُلَّ الحياةِ وكره المماتِ
وكلاً أراهُ طعاماً وبيلاً
فإن كان لا بُدَّ إحداهما
فسيروا إلى الموتِ سَيراً جميلاً

نزلتُ ببيتِ الضبِّ لا أنت ضائرٌ
عدواً،ولا مستنفعٌ بك صاحبُ
إذا ما ارتقوا في سُلّمِ المجدِ أصعدوا
بأقدام عزٍ لا تزِلْ كعابها

كريم الخصال لطيف المقالِ
جزيلُ النوالِ حميدُ الفِعالِ
ألا ربما كانَ الشفيقُ مضرةً
عليكَ من الإشفاقِ وهو ودودُ

وإن أتاكَ امرؤٌ يسعى بِكذبتهِ
فانظرْ فإنَّ اطلاعاً قبلَ إيناسِ
إذا لم نجد للأذن عندك موضعاً
وجدنا إلى تركِ المجىءِ سبيلا

ونحنُ فعلنا ما يليقُ من الوفا
فلا تفعلوا ما لا يليقُ من الغدرِ
فخالفْ هواها واعصها إن من يُطع
هوى نفسهُ تنزع بهِ كلّ منزعِ
ومن يطع النفس اللجوجة تردّهُ
وترمِ به في مصرع إثر مصرعِ

وحَذِرتُ من أمر فمرَّ بجانب
لم ألفَهُ ،ولقيتُ ما لم أحذَرِ
وما الدّهرُ والأيامُ إلا كما ترى
رزيّةُ مالٍ أو فراقُ حبيبِ

ولما حثونا التراب فوق ضريحه
جزعنا ولكن أي ساعة مجزع
إن يمنعوا منعوا القليلَ ،وإن همُ
أعطوا،فما يُعطي اللئامُ جزيلا

وكنت إذا أرسلتُ طرفكَ رائداً
لقلبكَ يوماً أتعبتكَ المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر
عليه ولا عن بعضه أنت صابر
ولما علاها الماءُ قنّعَ رأسها
بِدرعِ حَبابٍ صيغَ من لؤلؤٍ رطبِ
أرقُّ من الشكوى وأحلى من المُنى
وأعذبُ من حُبٍّ يزيد هوى حبِّ

كنْ كالنخيلِ عن الأحقادِ مرتفعاً
يُرمى بالصخرِ فيلقي بأطيب الثمر
أسأتم وأبطأتم على الضيفِ بالقِرى
وخيرُ القرى للنازلينَ المُعجّلُ

وإنَّ امرأً في اللؤمِ أشبهَ جدَّهُ
ووالدهُ الأدنى لغيرُ ملومِ
ولقد قتلتُكَ بالهجاءِ فلم تَمُت
إنَّ الكلابَ طويلةَ الأعمارِ
ملحق (أشعار في الرثاء):

الصلتان العبدي

قُلْ للقوافل والغزاةِ إذا غزوا
والباكرينَ وللمُجدِّ الرّائحِ
إنّ الشجاعةَ والسماحة ضُمنا
قبراً بمروَ على الطريقِ الواضحِ
فإذا مررتَ بقيرهِ فاعقرْ بهِ
كُومَ الجلاد وكلّ طِرفٍ سابحِ
وانضح جوانبَ قبرهِ بدمائها
فلقد يكونُ أخادمٍ وذبائح

أبو العيص بن حرام بن عبد الله المازني

وكم من صاحبٍ قد بانَ عني
رُميتُ بفقدهِ وهو الحبيبُ
فلم أُبدِ الذي تحنو ضلوعي
عليه،وإنني لأنا الكئيبُ
مخافةَ أن يراني مُستكيناً
عدوٌّ أو يُساء بهِ قريبُ
فيشمتَ كاشحٌ ويظنَّ أنّي
جزوعٌ عند نائبةٍ تنوبُ
وكنتُ تقطّعُ الأبصارُ دوني
وإن وغِرت من الغيظ القلوبُ
ويمنعني من الأعداء أنّي
وإن رغموا لمخشيٌّ مهيبُ
فلم أرَ مثلَ يومكَ كان يوماً
بدتْ فيه النجومُ فما تغيبُ
وليلٍ ما أنامُ بهِ طويلٍ
كأنّي للنجوم به رقيبُ
وما يكُ جايئاً لابدّ منهُ
إليك فسوف تجلبهُ الجلوبُ

نهشل بن حري يرثي أخاه مالكا

ذكرتُ أخي المخوّلَ بعد يأسٍ
فهاجَ عليَّ ذِكراهُ اشتياقي
فلا أنسى أخي ما دمتُ حيّاً
وإخواني بأقرنةِ العناقِ
يجرونَ الفصالَ إلى الندامى
بروضِ الحَزنِ من كنفي أُفاقِ
إذا اتصلوا وقالوا:يا لغوثٍ!
وراحوا في المُحبرّةِ الرِّقاقِ
أجابكَ كلُّ أروعَ شَمريٍّ
رخيِّ البالِ منطلقِ الخناقِ
أناسٌ صالحونَ نشأتُ فيهم
فأودوا بعدَ إلفٍ واتساقِ
مضوا لسبيلهم ولبثتُ عنهم
ولكن لا محالة من لَحاقِ
كذي الإلفِ الذي أدلجنَ عنهً
فحنَّ ولا يتوقُ إلى متاقِ
أرى الدنيا ونحنُ نعيثُ فيها
مُوليّةً تهيّأُ لإنطلاقِ
أعاذلَ وقد بقيتُ بقاءَ قيسٍ
وما حيٌّ على الدنيا بباقِ

ابن زمرك

أغرى سراة الحيِّ بالإطراقِ
نبأٌ أصمَّ مسامعَ الآفاقِ
أمسى بهِ ليل الحوادثِ داجياً
والصبحُ أصبحَ كاسفَ الإشراقِ
فُجعَ الجميعُ بواحدٍ جُمعت له
شتى العلا ومكارمِ الأخلاقِ
هبّوا لحكمكمُ الرصينِ فإنّهُ
صرفُ القضاءِ فمالهُ من واقِ
نقشَ الزمانُ بصرفهِ في صفحةٍ
كلُّ اجتماعٍ مُؤذِنٌ بفراقِ
ماذا تُرّجي من زمانكَ بعدما
عَلِقَ الفناءُ بأنفسِ الأعلاقِ
إنّ المنايا للبرايا غايةٌ
سبقَ الكرامُ لخصلها بسباقِ
لما حسبنا أن تُحوّلَ أبؤساً
كشفت عوانُ حروبها عن ساقِ
ما كانَ إلا البدرَ طالَ سِرارهُ
حتى رمتهُ يدُّ الردى بِمحاقِ
أنِفَ المقامَ مع الفناءِ نزاهةً
فنوى الرحيلَ إلى مقامٍ باقِ
يا آمري بالصبرِ، عيلَ تصبرّي
دعني عدتكَ لواعجُ الأشواقِ
وذرِ اليراعَ تشي بدمعِ مدادها
وشيَ القريضِ يروقُ في الأوراقِ
واحسرتا للعلمِ أقفرَ ربعُهُ
والعدلُ جُرِّدَ أجلَ الأطواقِ
ومن العجائبِ أن يُرى بحرُ النّدى
طودُ الهدى يسري على الأعناقِ
إن يحملوكَ على الكواهلِ طالما
قد كنتَ محمولاً على الأحداقِ
أو يرفعوكَ على العواتقِ طالما
رُفّعتَ ظهرَ منابرٍ وعِتاقِ
ولئن رحلتَ إلى الجنانِ فإنّنا
نصلى بنارِ الوجدِ والأشواقِ
لو كنتَ تشهدُ حزنَ من خلّفتهُ
لثنى عنانكَ كثرةُ الإشفاقِ
إن جَنَّ ليلٌ من فرطِ الأسى
وسوى كلامكَ مالهُ من راقِ
فابعث خيالكَ في الكرى يُبعث بهِ
ميتُ السرورِ لثاكلٍ مشتاق
أغليتَ يارزءَ التصير مثلما
أرخصتَ درَّ الدمعِ في الآماقِ
إن يخلفِ الأرضَ الغمامُ فإنّني
أسقي الضريحَ بدمعيَ المهراقِ

أبو الحسن علي بن الجياب

هوَ البينُ حتماً،لا لعلَّ ولاعسى
فما بالُ نفسي لم تفِض عندهُ أسى
وما لفؤادي لم يذبْ منه حسرةً
فتباً لهذا القلب سرعانَ ما قسا
وما لجفوني لا تفيضُ مُورّداً
من الدمعِ يهمي تارةً ومُورّسا
وما للساني مفصحاً بخطابه
وما كان لو أوفى بعهدٍ لينبُسا
أمِنْ بعد ما أودعتُ روحيَ في الثرى
ووسدّتُ مني فلذةَ القلب مرمسا
وبعدَ فراقِ ابني أبي القاسم الذي
كساني ثوبَ الثكلِ لا كان ملبسا
أؤملُ في الدنيا حياةً وأرتضي
مقيلاً لدى أبنائها ومعرّسا
فآهاً وللمفجوعِ فيها استراحةً
ولابدَّ للمصدورِ أن يتنفسا
إلى الله أشكو برحَ حزني فإنّهُ
وهدّهُ خطبٍ نازلتني عشية

تلبّسَ منهُ القلبُ ما قد تلبسّا
فما أغنتِ الشكوى ولا نفع الأسى
تبتُّ لها صبراً لشدة وقعها
وأطمعُ أن يلقى برحمته الرضى

فما زلزلت صبري الجميلَ وقد رسا
وأجزعُ أن يشقى بذنب فينكسا
أبا القاسم اسمع شكوَ والدك الذي
حسا من كؤوس البينِ أفظعَ ما حسا
وقفتُ فؤادي مذ رحلتَ على الاسى
فأشهد لا ينفكُّ وقفاً محبّسا
وقطّعتُ آمالي من الناسِ كلّهم
فلستُ أبالي أحسنَ المرءُ أم أسا
تواريتَ يا بدري وشمسي وناظري
فصار وجودي مذ تواريتَ حِندسا
وخلّفتَ لي عبئاً من الثكلِ فادحاً
فما أتعبَ الثكلان نفساً وأتعسا
أحقاً ثوى ذاك الشبابُ فلا أرى
له بعد هذا اليوم حولي مجلسا
فيا غصناً نضراً ثوى عندما استوى
وأوحشني أضعافَ ما كانَ أنسا
ويا نعمةً لمّا تبلغتها انقضت
فأنعمُ أحوالي بها صار أبؤسا
لودّعتهُ والدمعُ تهمي سحابهُ
كما أسلم السلكُ الفريد المخمّسا
وقبلّتُ في ذاكَ الجبين مودعاً
لاكرم من نفسي عليَّ وأنفسا
وحققتُ من وجدي به قربَ رحلتي
وماذا عسى أن يُنظرَ الدهرُ من عسا
فيا رحمةً للشيبِ يبكي شبيةً
قياسٌ لعمري عكسه كان أقيسا
فلو أنّ هذا الموتُ يقبلُ فديةً
حبوناهُ أموالاً كراماً وأنفُسا
ولكنّهُ حكمٌ من الله واجبٌ
يُسلّمُ فيه من بخيرِ الورى ائتسى
تغمدّك الرحمنُ بالعفوِ والرضى
وكرّم مثواكَ الجديد وقدّسا
وألفّ منا الشمل في جنّة العلا
فنشربُ تسنيماً ونلبسُ سندسا
قُضيَ الأمرُ فيا نفسُ اصبري
صبرَ تسليمٍ لحكمِ القدرِ
وعزاءً يا فؤادي إنّهُ
حُكمُ ملكٍ قاهرٍ مقتدرِ
حكمةٌ أحكمها تدبيرُهُ
نحن منها في سبيل السفرِ
أجلٌّ مقدرٌ ليس بم
ستقدٍ يوماً ولا مُستأخرِ
أحسنَ الله عزاءَ كلّ ذي
خشيةٍ لربّهِ في عمرِ
في إمامنا التقيِّ الخاشع
الطاهرِ الذاتِ الزكيِّ النيّرِ
جمع الرحمن شملنا غداً
بحبيبِ الله خيرِ البشرِ
وتلقته وفودُ رحمةِ الله
تأني بالرضى والبُشرِ

لسان الدين بن الخطيب

ما لليراعِ خواضِعُ الأعناقِ
طرقنَ النعيُّ فهن في إطراقِ
وكأنّما صبغَ الشحوبُ وجوهها
والسقمُ من جزعٍ ومن إشفاقِ
ما للصحائفِ صوّحتْ روضاتها
أسفاً وكنَّ نضيرةَ الأوراقِ
ما للبيانِ كؤوسهُ مهجورةٌ
غفل المديرُ لها ونامَ الساقي
مالي عدمتُ تجلّدي وتصبّري
والصبرُ في الأزماتِ من أخلاقي
خطبُ أصابَ بني البلاغة والحِجى
شبّ الزفيرُ به عن الاطواقِ
أمّا وقد أودى أبو الحسن الرضى
فالفضلُ قد أودى على الإطلاقِ
ما كنتُ أحسبُ قبلَ نعشكَ أن أرى
رضوى تسيرُ بهِ على الاعناقِ
ما كنتُ أحسبُ قبل دفنكَ في الثرى
أنّ اللحودَ خزائنُ الأعلاقِ
يا مزمعاً عنّا العشيَّ ركابُهُ
هلّا ثويتَ ولو بقدرِ فُواقِ
رفقاً أبانا جلّ ما حملتنا
لا تنسَ فينا عادةَ الإشفاقِ
واسمح ولو بمزارِ لُقيا في الكرى
تُبقي بها منّا على الأرماقِ
وإذا اللقاءُ تصرّمت أسبابُهُ
كان الخيالُ تعلّةَ المشتاقِ
عجباً لنفسٍ ودّعتك وأيقنت
أن ليسَ بعد نواكَ يوم تلاقي
جادتْ ضريحكَ ديمةٌ هطّالةٌ
تبكي عليهِ بواكفٍ رقراقُ
وتغمدتك من الإلهِ سعادةٌ
تسمو بروحكَ للمحلِّ الراقي
وإذا الأسى لفحَ القلوبَ أُوارهُ
فالصبرُ والتسليمُ أيّ رواقِ

المعتمد بن عباد

يقولونَ صبرٌ لا سبيلَ إلى الصبرِ
سأبكي وأبكي ما تطاول من عمري
هوى الكوكبان،الفتح ثم شقيقهُ
يزيد،فهل بعد الكواكبِ من صبرِ
أفتحٌ:لقد فتّحتَ لي بابَ رحمةٍ
كما بيزيد اللهُ قد زادَ في أجري
هوى بكما المقدار عنّي ولم أمتْ
وأُدعى وفيّاً !قد نكصتُ إلى الغدرِ
توليتما والسِنُّ بعدُ صغيرةٌ
ولم تلبثِ الأيامُ أن صغرّت قدري
فلو عُدتما لاخترتما العودَ في الثرى
إذ أنتما أبصرتماني في الأسرِ
يُعيدُ على سمعي الحديدُ نشيجَهُ
ثقيلاً،فتبكي العينُ بالحسِّ والفقرِ
معي الأخواتُ الهالكاتُ عليكما
وأمكما الثكلى المُضرّمةُ الصدرِ
فتبكي بدمعٍ ليسَ للقطر مثلهُ
وتزجرها التقوى فتصغي إلى الزّجرِ
أبا خالدٍ:أورثتني البثّ خالداً
وقبلكما ما أودع القلب حسرةً

أبا النصر:مُذ ودّعتَ ودّعني نصري
تجدّد طولَ الدهرِ ،ثكلُ أبي عمرو
يا غيمُ:عيني أقوى منك تهتانا
أبكي لحزني،وما حملت أحزانا
ونارُ برقك خبو إثر وقدتها
ونارُ قلبي تبقى الدهر بركانا
نارٌ وماءٌ صميمُ القلبِ أصلهما
متى حوى القلبُ نيراناً وطوفانا
ضدّان ألف صرف الدهرُ بينهما
لقد تلوّن فيّ الدهرُ ألوانا
بكيتُ فتحاً،فإذ ما رُمتُ سلوتهُ
ثوى يزيدُ،فزادِ القلبُ نيرانا
يا فلذتي كبدي،يأبى تقطعها
من وجدها بكما،ما عشتُ سلوانا
لقد هوى بكما نجمان ما رميا
إلا من العلو بالألحاظ كيوانا
مُخفّفٌ عن فؤادي أنّ ثكلكما
مُثقلٌ ليَ يومَ الحشر ميزانا
يا فتحُ،قد فتحت تلك الشهادة لي
باب الطماعة في لقياك جذلانا
ويا يزيد،لقد زاد الرّجا بكما
أن يشفع الله بالإحسان إحسانا
لما شفعت أخاك الفتح تتبعهُ
لقاكما الله غفراناً ورضوانا
منّي السلام ومن أُمٍّ مُفجّعةٍ
عليكما أبداً،مثنى ووجدانا
أبكي وتبكي،ونبكي غيرنا أسفاً
لدى التذكر،نسواناً وولدانا

أبو الوليد الباجي

رعى اللهُ قبرينِ استكانا ببلدة
هما أُسكناها في السّوادِ من القلبِ
لئن غُيّبا عن ناظري وتبوءا
فؤادي لقد زاد التباعدُ في القربِ
يَقرُّ بعيني أن أزورَ ثراهما
وأُلصقُ مكنونَ الترائبِ بالتُرّب
وأبكي وأُبكي ساكنيها لعلّني
سأنجدُ من صخبٍ وأُسعدُ من سُحْبِ
فما ساعدت وُرْقُ الحمام أخا أسىً
ولا روّحت ريحُ الصّبا عن أخي كُرْبِ
ولا استعذبت عينايَ بعدهما كرىً
ولا ظمئت نفسي إلى الباردِ العذبِ
أحنُّ ويثني البأسُ نفسي عن الأسى
كما اضُطرَّ محمولٌ على المركبِ الصعب

ابنُ شُهيد الأندلسي

ظننّا الذي نادى مُحقاً بموتهِ
لعظم الذي أنحى من الرزءِ كاذبا
وخِلنا الصباحَ الطّلق ليلاً وأننا
هبطنا حذاريّاً من الحزنِ كاربا
ثكلنا الدنّى لما استقلّ وإنّما
فقدناكَ يا خيرَ البريّة ناعبا
وما ذهبتْ إذ حلّ في القبرِ نفسهُ
ولكنّما الإسلامُ أدبرَ ذاهبا
ولما أبى إلا التحملَ رائحاً
منحناهُ أعناقَ الكرام ركائبا
يسيرُ به النعشُ الأعزُّ وحولهُ
أباعدُ كانوا للمُصابِ أقاربا
عليهِ حفيفٌ للملائكِ أقبلتْ
تُصافحُ شيخاً ذاكرَ الله تائبا
تخالُ لفيفَ الناسِ حولَ ضريحهِ
خليط قطاً وافى الشريعةَ هاربا
إذا ما امتروا سُحبَ الدموعِ تفرعتْ
فروعُ البكا عن بارقِ الحزن لاهبا
فمن ذا لفصلِ القولِ يسطعُ نورُهُ
إذا نحنُ ناوينا الألدَّ المناوبا
ومن ذا ربيعُ المسلمين يقوتهم
إذا الناسُ شاموها بروقاً كواذبا
فيا لهفَ قلبي آه ذابت حُشاشتي
مضى شيخنا الدّفاعُ عنا النوائبا
وماتَ الذي غابَ السرورُ لموتهِ
فليسَ وإن طالَ السُرى منه آيبا
وكان عظيماً يُطرقُ الجمعُ عندهُ
ويعنو ل ربُّ الكتيبةِ هائبا
وذا مِقولاٍ عضبُ الغرارين صارمٌ
يروحُ به عن حومةِ الدين ضاربا
أفي كلِّ عامٍ مصرعٌ لعظيمِ
أصابَ المنايا حادثي وقديمي
وكيف اهتدائي في الخطوبِ إذا دجتْ
وقد فقدت عينايَ ضوءَ نجومِ
مضى السلفُ الوضّاحُ إلا بقيّةً
كغُرّة مسودّ القميصِ بهيمِ
فإن ركبت مني الليالي هضيمة
فقبلي ما كان اهتضامُ تميم

ابن خفاجة الأندلسي

تيقّنَ أنَّ الله أكرمُ جيرةٍ
فأزمعَ عن دارِ الحياةِ رحيلا
فإن أقفرتْ منهُ العيونُ فإنّهُ
تعوّضَ منها بالقلوبِ بديلا
ولم أرَ أُنساً قبلهُ عادَ وحشةً
وبرداً على الأكبادِ عاد غليلا
ومن تكُ أيامُ السرورِ قصيرةً
به كان ليل الحزنٍِ فيهِ طويلا

مسلم بن الوليد

وقفَ العُفاةُ عليكَ من متحيّرٍ
وَلهِ الرجاء،وذي غنىً يسترجعُ
ومُخادعُ السّمعِ النّعيَّ ودونهُ
خطبٌ ألمَّ بصادقٍ لا يخدعُ

أبو زكريا ابن هذيل

إذا أنا لم أرثِ الصديقَ فما عذري
إذا قلتُ أبياتاً حساناً من الشعرِ
ولو كان شعري لم يكن غيرَ نُدبةٍ
وأجريتُ دمعي لليراعِ عن الحبرِ
لما كنتُ أقضي حقّ صحبته التي
توخيتها عوناً على نوبِ الدّهرِ
رماني عبدُ الله يومَ وداعهِ
بداهيةٍ دهياء قاصمةِ الظهرِ
قطعتُ رجائي حينَ صحّ حديثُهُ
فإن يُوفِ الدمع قد خانني صبري
وهل مؤنسٌ كإبن الخطيبِ لوحشتي
أبثُّ لهُ همّي وأُودعهُ سرّي
رضينا بتركِ الصبرِ من بعدِ بُعدهِ
على قدرِ ما في الصبرِ من عِظمِ الأجرِ
ألا لا تلمْ عيني لسكبِ دموعها
فما سُكبتْ إلا على الماجدِ الحُرِّ
أإخواننا جِدّوا فكم جَدَّ غيركم
وسيروا على خفٍّ من الحوبِ والوزرِ
على سَفرٍ أنتم لدارٍ تأخرت
وما الفوزُ في الأخرى سوى خفة الطهرِ
وما العيشُ إلا يقظةٌ مثل نومةٍ
وما العمرُ إلا كالخيالِ الذي يسري
على الحقِّ أنتم قادمون فشمرّوا
فليسَ لمخذولٍ هنالك من عذرِ

عبد الله الأزدي

خطبٌ ألمَّ فأذهبَ الأخَ والأبا
رغماً لأنفي شاء ذلك أو أبى
قدرٌ جرى في الخلق لا يجدُ امرؤٌ
عمّا جرتِ المقادرُ مهربا
إما جزعتُ لهُ فَعذرٌ بيّنٌ
قضتِ الدواهي أن يُحلَّ له الحبا
لا كان يومهما الكريهُ فكمْ وكمْ
فيهِ لَمجلّي والمصليِّ قد كبا
يومٌ لوى ليّانهُ لم يبقَ لل
إسلام حدُّ مهندٍ إلا نبا
وتجمّعت فيه الضالُ فقابلت
فيه الهدى فتفرّقت أيدي سبا
دهمَ المصابُ فعمَّ إلا أنّهُ
فيما يخصّك ما أمرَّ وأصعبا
فاستغنِ بالرحمن عمّن قد ثوى
من حزب خير من ارتضى ومن اجتبى

الحِماني العلوي

هذا ابن أمي عديل الروح في جسدي
شقّ الزمانُ بهِ قلبي إلى كبدي
منْ لي بمثلكِ يا روحَ الحياة ويا
يُمنى يديَّ التي شُلّت من العضُدِ
قد ذُقتُ أنواعِ ثُكلٍ أنتَ أبلغها
على القلوبِ وأخناها على الجَلَدِ
فاليوم لم يبق شىء أستريح له
إلا تفتّت أحشائي من الكمدِ
قل للرّدى لا يُغادرُ بعد فرقتهِ
وللمنيّة منأحببتِ فاعتدي
إنّ السرورَ تقضى بعد فرقته
وآذن العيشُ بالتكديرِ والنكدِ

العماد الأصبهاني يرثي صلاح الدين الأيوبي

لا تحسبوهُ مات شخصاً واحداً
قد عمَّ كلّ العالمينَ مماتهُ
لو كانَ في عصرِ النبيِّ لأنزلتْ
في ذكرهِ من ذكرهِ آياتهُ
يا راعياً للدين حينَ تمكنت
من كلّ قلبٍ مؤمنٍ روعاتهُ
فعلى صلاح الدين يوسفَ دائماً
رضوانُ ربِّ العرشِ بل صلواته

الغطمش الضبيّ

سقى اللهُ قبراً كنتِ روضةَ عيشهِ
وجنّتهِ كيفَ استبدّ بكِ الدّهرُ
جميلٌ وحقّ الله في مثلكِ البُكا
وأجملُ لي منهُ التجلّدُ والصبرُ
فإن صبرتْ نفسي فذلك شيمتي
وإن جزعتْ يوماً فأنتِ لها عُذرُ