من شوارد الشواهد ـ شعراء مصر في العصر الحديث ـ الجزء 25 ـ القسم الثالث

الجزء الخامس والعشرين ـ القسم الثالث

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”دمعة في قلب الليل”):

فزعت للظلام روحي كما يف
زعُ أعشى لومضة ٍ من ضياءِ
فحبستُ الخيال حتى إذا ما
ضجَّ في خاطري من البُرحاءِ
هربت أدمعي إلى ساحةِ اللي
لِ تهاوى في الدُجية الظلماء
ما لها في السنا ملاذٌ ولا في
فجّة النور خفقةٌ من رجاءِ
ساقها في الظلامِ حادٍ من الهمِّ
بلا ريثةٍ ولا إبطاءِ
مستحثّ الخطى حدوبٌ على الق
لبِ يُزجيهِ في رحابِ الفضاءِ
في عُبابِ الدُّجى يهيمُ بمسرا
هُ فتُضويهِ غيبةُ الميناءِ
ليت ملاحي الضلولَ هدتهُ
بارقاتُ الهدى لشطِّ الفناءِ
كالَ في الليلِ سبحهُ وهو حيرا
نُ شجتهُ مضاضةُ الإعياءِ
وطحت بالشراعِ هبّاتُ ريحٍ
عاصفاتٌ من زعزعٍ نكباء
إيهِ يا ليلُ!قدّ لي من حواشي
كَ حجاباً وناجي في خفاءِ
لا تُذع شجويَ الكئيبَ ولا تك
شفْ دموعي لأعينِ الرقباءِ
ودعِ النسمة العليلة تحسو
من فم الزهرِ بلسما للشفاءِ
ودعِ الكونَ هاجعاً ودع لنا
سَ نشاوى في غمرةِ النعماء
خلّني للدموع وحدي أناجي
ها وحيداً في العزلة السوداء
أنا من كأسها شربتُ صبيّاً
خمرةً سلسلت من البأساء
عصرت من مطارف الألم الذّا
وي وبقلبي وعُتّقت في دمائي
تخذت جامها المحاجر والسا
قي همّاً يؤجّ في أحشائي
هي أشهى إلى عيوني من النو
رِ،وأبهى من لمحة الأنداءِ
هات يا ليل قطرها فهي حيرى
كتمتُ برحها من الكبرياء
سبقت مطلع الندى لكدعها
تتهادى للسّحرة الفيحاء
ربما أطلعت بظلِكِ فجراً
شعشعت منهُ هالةٌ في السماء
ربما روّت الأزاهرَ في المر
جِ فماست في الربوة الغناءِ
ربما فجّرت لقبك نبعاً
وردُ مُنيةُ القلوبِ الظّماء
همسها في الجفون أصداءُ نايٍ
بلعت شدوهُ رياحُ المساء
مزهرٌ للعيون أوتارهُ الهد
بُ وأنغامهُ رنين البكاء
صامتٌ في الظلام ألهمَ قلبي
من معانيه عبقريّ الغناء
لامني في هواه خالٍ من الهمِّ
بليد الفؤاد جمّ الغباء

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
دمعة في قلب الليل”):
ردَّ عني يا ليل دعواه إنّي
كدتُ من لومهِ أحطّمُ نائي
لغةُ الدمعِ في سماءٍ من العص
مةِ عزّت مشاعر الأغبياء
حبست وحيها عن العقل إلا
حين تسمو ملاحنُ الشعراء
هات يا ليل من أغانيك واملأ
نغمي بالخواطرِ الهوجاء
أنا في غارك المغلف بالظل
مة أسيان مثقلٌ بالشقاء
حكمةٌ في دجاك أنكرها العق
لُ فلاذت بالصمت والإنزواء
سمعت أرغن الليالي فهامت
من صداهُ بنغمة خرساء
هوّمت في الفؤادِ تُزجيه للحي
رة والسحر والأسى والعناء
واسِ يا ليل جرحه فلقد طا
ل أساهُ بريقة الأدواء
أنت بحر الحياة يا ليل كم في
كَ أهاويل من صروف القضاء
كم غريقٍ بيمّك الأسود الصا
خب آدتهُ صرعة الأنواء
صفعتهُ عنيفةٌ من كفوف الدّم
فانحطّ في مهاوي البلاء
وسبوحٍ على متونك مجدو
دٍ تخطّته هيجة الدّاماء
قد ضممتَ الأكوان تحت جناح
يك سواءً في جنح هذا العماء
هو ذا الكوخ رازحٌ تحت أثقا
لكَ وهنان كالضرير المُساء
حاكَ من سدلك الكحيل غطاءً
وارتمى جاثياً ببطن العراء
عابرٌ في حماك شفّت مطايا
هُ شجون السرى وبرح الحفاء
لم يجد راحماً يواسيه في البل
وى ويُنسيه مضّةَ الإنضاء
فتغافى من الضنى ينشد الرح
مة والصفو في الخيال النائي
رجفت شمعةٌ بجنبيه تهفو
في دجاه كالمقلة العمشاء
خنق الليل نورها خنقة البؤ
س لأرواحِ أهلها التعساء
فرنت للقصور غيرى شجاها
أخيل من لواحظ الكهرباء
سادرٌ في البروج كاد من الفت
نة يرقى إلى بروج السماء
لقي الليل حتفه حين وافا
هُ طريداً معرساً في الخلاء
فثوى في التخوم كالهمِّ ألقى
رحله صوب هالةٍ من صفاء
ودنا الفجرُ في غلائله البي
ض شفيف الإهاب نضرَ الرواء
يسكب النور في العيون ولكن
أين للروح ومضةٌ من سناء؟
أين فجر الجنان؟يا فجر هدهد
نغماتي،ولا تضيّع ندائي



محمود حسن إسماعيل في قصيدةهلال شوالالرسالة العدد 536:

مَنْ الأحدبُ النشوانُ طافَ العوالما
وأومأ إلى الشّرق المُهلِّل باسما!؟
تدِبُّ على ساقٍ من النور لم تدعْ
على الأرضِ رُكناً مُظلمَ الأفق واجما
ويمشي كما يمشي نبيٌّ مبشِّرٌ
بوحي يزُفُّ الخطوَ كالطيفِ حالما
ويرنو كما يرنو إلى الله عابدٌ
يكادُ من الإصغاءِ يُحسبُ نائما
لهُ قامةٌ أحنت يدُ الدهر عُودها
فهل كان شيخاً من حمى الخلدِ قادما؟
تحرّرْ،واستعلى،وأقبلَ،وانثنى
فلو كان إنساً قلتُ:حيرانَ،نادما
يشقُّ عُباب الجوِّلا بحرَ عندهُ
ولا شك! لكن يدرعُ النورَ هائما
هفا طرفُهُ في الغربِ وجداً!كأنّهُ
يريدُ انبثاقَ النور للشرقِ دائما
أطلّ رخيمَ النورِ تحسبُ ضوءَهُ
تحمّل إيقاعاً من الطيرِ ناغما
هلالٌ يكادُ المسلمونَ صبابة
يطيرونَ من شوقِ إليه حمائما
أشارَ لماضيهم بكفّ مُلألىء
ترامت حواليه النجومُ حوائما
يُعاتبُ من أغفتْ عن النورِ عينُهُ
وكانَ لشرعِ الله في الأرضِ هادما
ومن راحَ يستجدي المساكينُ قلبهُ
فما كان وهاباً ولا كانَ رحماً
ومن يسمعُ الشكوى ويمضي كأنّها
على سمعهِ عدلٌ يُطاردُ ظالما
ومن حفَّ ليلُ العاثرينَ لِصبحهِ
فلم يكُ إلا مُظلمَ النورِ قاتما
ومن جاءهُ الباكي فمرّ بدمعهِ
وخلأهُ مُنهلَّ الجراحاتِ ساجما
ومن هزَّ وسواسُ النعيمِ فضاءَهُ
وخيم في أكنفِهِ الدهرُ ناعما
ومَدّتْ له الأيامُ كفا يتيمةً
فكانَ لها بَرحاً يُعيدُ المآتما
ومن تزخرُ الدنيا جمالاً وعفّة
ويعمى فسُقى من يديها المآثما
ومن كان مثل الشّرق تغلي جراحُهُ
فيتركها للداءِ تغدو مغانما
مضى كلُّ شَعبٍ للسماءِ مُوحدا
ونحنُ على البلوى عشقنا التقاسما
حِمانا حَمى الإسلام،والنورِ، والهدى
فكيفَ غدونا للعبادِ غنائما!
وما نحنُ إلا مهجةٌ،مَن أثارها
أثارَ بجنبيها اللظى والسمائما
نمانا ترابُ الخالدين،وضمنا
ثرى مشرق ضمّ العلا والمكارما
إذا قلبُ(لبنان) تنهد بالأسى
سمعت حفيف الأرز في النيل جاحماً
وإن أرعشت موج الفرات كآبةٌ
رأيت أساها في رُبى مصر غائما
وإن أسعدتْ مصر الليالي سمعتها
حديثاً بقلب الشّرق ريان فغِما
فيا (نيل) خذ عنا الزمام وطر بنا
ولا تخش ليلات الخطوب الغواشما
عهدناك في الأهوال تحمل راية
عليها أغاني المجد تسبق(آدما)
وياما أحيلى موجة فيك حرة
ترف فتهدي للعباد العظائما
ويا ما أحيلى جنة فيك نضرة
تمنت شعوب الرض منها النسائما
تغنيت رقراقاً،وأشجيت هادراً
كأنك تشدو للزمان ملاحما
خفقت بصدر الشرق سراً مقدساً
من السحر أعتى رهبة وطلاسما
على شطك الميمون تاج وصولج
يهز حجاب الشمس بأسا علاهما
تلفت ترَ الدنيا عرتها نفاثة
من الجن هدت قلبها والمعالما
غدت ملعباً للموت، هذا مجندل
وهذا صريع،والجناة كلاهما!
إذا كان هذا الهول يُدعى حضارة
فيا شرق طال النوم،فانهض، فإنما

فنحن على التجديد أرسى دعائما
يد الذل تجتاح الشعوب النوائما
تزود من الأخلاق إن سلاحها
ثراك مهاد الأنبياء،بشطه

يفل حديد الظلم إن هب غاشما
تدفق نور الكون كالسيل عارما
فأشعل رماد الهامدين،وقل لهم
وأصغ إلى بوق النشور، يهزه

هنا جذوة الماضي تثير العزائما
من النيل صداح على الأيك طالما
أتاك يناجي العيد فاهتاج قلبه
فلم يدر أشعاراً شدا أم تمائما

محمود حسن إسماعيل يرثي مصطفى صادق الرافعي الرسالة 255:
لم يطِبْ للنبوغِ فيكِ مقامُ
لا عليك ـ الغداةَ ـ مني سلامُ
المناراتُ تنطفي بين كفيكِ
ويزهو بشاطئيكِ الظلامُ
أنتِ يا مصرُواصفحي إن تعتّبتُ
وأشجاكِ من نشيدي الملامُ
قد رعيتِ الجميلَ في كلِّ شىءٍ
غيرَ ما أحسنتْ بهِ الأقلامُ
من روابيكِ خفَّ للخُلدِ روحٌ
قد نعاهُ لعصركِ الإسلامُ
لبست بعده العروبةُ ثوباً
صِبغُ أستارهِ أسىً وقتامُ
صاحبُ المعجزاتِ أعيت حِجا الدّ
نيا،وعيّتْ عن كشفها الأفهامُ
أيه يا مصطفىوفي القلبِ أشجا
نٌ! وفي الصدرِ حُرقةٌ وضِرامُ
هكذا نعشُكَ الطهورُ تهادى
فاذهب اليومَ للخلودِ كما كنتَ

كالأماني، لا ضجّة لا زحامُ
تُفاديكَ هدأةٌ وسلام
لم يمت من طواهُ في قلبهِ الشر
قُ!وغنّى بذكرهِ الإسلام

أنا ظمآن فهاتي

خمر عينيكِ
انهليني سحرها السامي
ورؤى شفتيه
~
واسكبي روحك في روحي
بكأس الأبديهْ
قبل أن تغرب شمسي
بين أطباق المنيّهْ
يا واديَ الموتِ بِشّطكِ راقدٌ
خفقتْ له الأرواحُ بالصلواتِ
ما ضمّهُ جَدثٌ هناك..وإنما
حضنتهُ دنيا النورِ في هالاتِ
سهرت عليه من السماءِ ملائكٌ
تُضفي عليهِ سوابغَ الرحمات

محمود حسن إسماعيل(
الرسالة العدد 522):
لا تلوموهُ على رقدتهِ
غفوةُ الأكفانِ لا تدري الملاما
واسألوا الغيبَ فإنّي عاجزٌ
لم أجدْ إلا قبوراً ورِماما
أينَ من دُنياكَ قلبٌ ضاحكٌ
أترعَ الأيامَ صفواً وابتساما؟
أينَ آمالٌ ونفسٌ رفرفتْ
كصباحِ الصيفِ نوراً وسلاما
أينَ؟لا أينَ..فماذا بعدها
غيرُ دمع فاضَ من قلبي كلاما
أنتَ أخرستَ بياني مثلما
يُخرِسُ الإعصارُ في الدّوحِ اليماما
جئتُ أرثيكَ فمالي مُلجمٌ
تزهقُ الأنغامُ في عودي إذا ما
يا ربيعَ العمر،يا نشوته
كيفَ أطلقت بواديهِ الحِماما؟
وهو فجرٌ منكَ مطلولُ الرُّبى
وأدُهُ كانَ على الموتِ حراما

محمود حسن إسماعيل وقصيدة القلب الميت:
يا قلبُ هل عصرت دماءك راحة الموت الأثيم؟
فهمدت كالأمل الحزين بمهجة الطفل اليتيم
وسكنت كاللحد العميق بخيمة الليل البهيم
شردت حياتك في فضاء الكون من وجد تهيم
حامت على كأس المنون يخنقها الحزن الأليم
يلهو بها نحس الشجون وتشتكى عصف الهموم
فتهافتتوالجامُ غرّارٌ إذا ولِعَ النديم
ولهانةٌ مالت يرفُّ بها الهوى الطاغي الغشوم
فإذا بها بدداً كأنفاسِ سرينَ مع النسيم
لا حسّ يا قلبي..خمدتَ فصرتَ كالجسدِ الرميم
واهاً عليكَ تناهبتكَ يدُّ الردى العادي الظلوم
بالأمسِ كنت تئت في صدري أنينَ شجٍ عميد
وترنُّ في جنبيَّ ذا خفق وذا بأسٍ شديد
تنزو إذا خطرَ الجمالُ ولإن تولى قد تميدُ
نشوان من خمر الصبابة ما بدت حسناء رودُ
في حيرةِ النزقِ الشديدِ وخفّة الظبي الشرود
واليوم واقلبي! أراك معفراً فوق التراب
كجناح فاختةٍ تقسّم جسمها ظفر العقاب
سال الدم القاني عليك فلاح كالشفق المذاب
قد كنت قبلُ تفيض بالذكرى وآمالي العذاب
كالزهرة الفيحاء تنفح بالمنى روض الشباب
مالي أصيح اليوم أستوحيك آيات المتاب

محمود حسن إسماعيل:
قالوا الأمانة قلتُ تلكَ صحيفةٌ
سيظلُ يقرأُ بها الأقوامُ
قالوا الصراحة قلتُ ريحٌ عاصفٌ
بيديهِ لا ريثٌ ولا إحجامُ
قالوا النزاهة قلتُ تلك شهادةٌ
سِيّان فيها الصَّحبُ والأخصامُ
قالوا النبالة قلتُ أروعُ آيةٍ
فيه يُساجلُ نبلها….

محمود حسن إسماعيل:
قالوا البيانُ فقلتُ عِفة منطق
لم تقترب من طهرها الآثامُ
قالوا الندى فأجبتُ واهِبُ عُمرهِ
للنَيلِ تعرِفُ جودَهُ الأيامُ
قالوا عُهودُ الشرق قلتُ شأت بها
للخافقين على يديه ذِمامُ
في الدِّينِ في الأخلاقِ في الحُرَمُ التي
نادى بها للعالم الإسلامُ

قالوا
..
فقال الموتُ أصبحَ سيرة
ستظلُ تروي سحرها الأهرامُ
وأظلُّ أقبسُ من ظِلالِ خُلودها
مجداً تُرقرقُ خمرةَ الأنغام
وتذوب روحي كلما نادت بهِ
مَنْ ذلكَ السّاري عليه سلامُ
ليتني كنتُ صلاةً
في كهوفِ الناسكينا
أتلاشى في طريقِ الله
شوقاً وحنينا
ليتني كنتُ شعاعاً
في ليالي الحائرينا
أسكبُ السّلوانَ
للدمعِ وأغتالُ الأنينا
ليتني كنتُ سكوناً
خاشعاً بين الجبالِ
تتلاقى فيَّ آيا
تُ وجودي بالزوالِ
ليتني كنتُ غداً لا
تعلمُ الأقدارُ سرّه
أو نشيداً ضنَّ شادي
الغيبِ أن يعزف نبره
ليتني كنتُ عصاً في
كفِّ الأعمى لا يراها
هي تهديه ولكن
من إلى النور هداها

محمود حسن إسماعيل في مصطفى صادق الرافعي:
وإذا ثارَ خلتهُ شُهبَ الليل
أطارت لهيبها الأجرامُ
أو شُواظاً مُسطراً،قذفته
من لظى العقل هيجةٌ وعُرامُ
أتعبَ الجاهدينَ خلفَ مراميهِ
بقصد منالهُ لا يُرامُ
أصَيدُ الفكرِ واليراعةِ والوحي
على كِبرهِ يُفَلُ الحسامُ

محمود حسن إسماعيل:
أتعب الجاهدين خلف مرام
أصيد الفكر واليراعة والوح

يه بقصدٍ منالهُ لا يُرامُ
ي على كبرهِ يُفلّ الحسامُ
حيّرَ النقد أن تروغ المعاني
عن مريديهِ أو تندّ السهام
فانزوى الحاسدون إلا فضولاً
لا يُداريه عائبٌ شتّام
قد سقاهم من سنّهِ مصرعَ الرّو
حِ وإن لم تلاقهِ الأجسامُ

محمود حسن إسماعيل(
الرسالة العدد 403):

محمود حسن إسماعيل(الرسالة العدد 403):

دفنتْ وراءكَ فجرها الأيامُ
سِيّان بعدكَ ضحوةٌ وظلامُ
نفضَ الردى معنى الحياة بخاطري
حَزَناً،وماتتْ في دمي الأنغامُ
تَرِدُ الأسى شَبّابتي فكأنّها
حطبُ يُجاذِبُ صفحتيهِ ضِرامُ
وكأنّ عُمريَ زهرةٌ بريّةٌ
لا الظلُّ يُنعشها ولا الأنسامُ
وكأنَّ روحي في الدُّجى صَبّارةٌ
بينَ القبورِ حديثها إعجامُ
سُقيتْ بدمعِ الثاكلينَ فأطرقتْ
ثكلى تفزِّعُ صمتها الأحلامُ

أرثيكَ،يا لخطيئةِ الدنيا وهل
يرثي المعاني الشُّمَّ فيكَ كلامُ
ضجَّ الأثيرُ وقد رمى الناعي به
خبراً لديهِ انشقّتِ الأفهامُ
أمُحمدٌ كذبَ النعاةُ فلم يَمتْ
منْ رِيعَ يومَ فراقهِ الإسلامُ
يا عابراً هبط الدنيا فظنّ بها
موانِعَ الخُلدِ لا تُحصى بِمقدارِ
حتى ثوى في حفيرٍ
ويلاه من ظلماته
يلهو مع الدود فيه
لهو البلى في رفاته

أعزلُ
!
لا سيفٌ ولا خنجرٌ
لكنّهُ بالروحِ فلَّ الحديد
يا حاملَ النعش لا تعجل فإنَّ أسىً
من حيرةِ الموت أعيَ بطش أفكاري
هذا الذي ضاقت الدنيا بمطمعهِ
نصيبهُ كان منها عشرُ أشبارِ

هنا خبايا النفسِ مطمورةٌ
غشى عليها الزمنُ الجائِرُ
تمليهِ من وحي الوفا حكمةً
ألوى عليها دهرهُ الغادرُ

محمود حسن إسماعيل:في زلزال اسطنبول

هات الشدائد للجريحة هاتها
فالصبرُ في الأهوالِ دينُ أُساتها
واحشد صروفكَ يا زمانُ فرّبما
لهيبُ العظائم شب من نكباتها
ولعلّها خمرٌ تدورُ فيستقى
خمرَ الكفاح الشرقُ من كاساتها
هي أمّةٌ زلزلتَ جنبَ مهادها
ونفختَ ريحَ الموتِ في جنباتها
شوّهتَ صفحتها بمدية جازر
الرحمة انتحرت بحدِّ شباتها
مجنونةُ الحدّين لو هي لوّحت
لانهدَّ ركنُ الأرضِ من حركاتها
ذئبية الشهوات جاع حديدُها
وأراقَ جوع الوحش في لهواتها
والناسُ غرقى في السكون سَجت بهم
سنةٌ ينامُ الهولُ في سكناتها
بينا همُ فوقَ المهودِ عوالمٌ
غشى ضبابُ الصمتِ كلّ جهاتها
وإذا بقلبِ الأرض يرجف رجفةً
دُكَّ الصباحُ وذابَ في خفقاتها
وانشّقت الدنيا لديه فلم يجد
أرضاً يغيثُ النور في ربواتها
فطوى المدائن والقرى وهوى بها
وبنى اللحودَ على المهودِ وهدّها

في سدفَة تهوي على ظلماتها
فنضا ستورَ الموت عن عوراتها
زأرت جراحُ الأرض فاهتاجَ الردى
وتنهد الزلزال في ساحاتها
أنفاسهُ لهبُ الجحيم وخطوه
خطو المنايا السود في فجّاتها

لم يطب للنبوغِ فيك مقام
لا عليك الغداة مني سلامُ
المناراتُ تنطفي بين كفّي
كِ ويزهو بشاطئيك الظلام
والصدى من مناقر البوم يحيا
ويموت النشيد والإلهامُ

محمود حسن إسماعيل:الفجر العائد(الرسالة العدد 1061ـ عام 1964

وفي ليلة فجرها في السفوح
ظلام يغني،وضوء ينوح
وفح المنايا على دربها
سكون شقي،وأشلاء ريح
وأشباح رقص أثيم الظلال
توهج في كلِّ أفق جريح
تململ فيها زوال القبور
وكاد البلى عن شجاه يبوح
سمعت بها غضب الأنبياء
مزامير ويل عتى صداه
وأبصرت ألواحهم في الفضاء
محاريب تصرخ فيها الصلاه
وتسبيحهم من ضفاف السماء
يصب على الأرض بخط الإله
ويرمى عليها دخان الشقاء
أعاصير حقد تؤز الحياه



تلاطم فيها عويل الغيوب
وضجّت بها شهقات القدر
ولاحت مآذنها في الظلام
وقد أذهلتها عوادي الغير
سواعد مشلولة في الفضاء
تجمد فيها دعاء البشر
تمدّ إلى الله راحاتها
وزأر في صمتها المستمر



هنالك والنبع ساه حزين
كحلم تخطاه صبح الجفون
رأيت الخطايا عرايا تسير
وتنسل من أعين التائهين

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
وتزحف حياتها في الدروب
لتنهش بالتيه ظل السكون
وتبذر فيه عواء الرياح
وتسقي أعاصيرها بالجنون



بقايا من الذل في كل أرض
ويدفعها البغي في راحتيه

يحركها التيه أنّى يشاء
ظلاماً مهين الخطا في الفضاء
تنصل منها تراب الوجود
فكيف استبدت بغايا الحظوظ

ولم يبق فيها لخطو رجاء
فألقت بها فوق أرض الضياء

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
تلاقت شراذمها عند سفح
تزمجر لعنتها في حصاه
وتجار فيه دوالي الكروم
وتعصر نيرانها للسقاه
ويصغى لها جبل كم صفت
لمسرى النبوات يومها ذراه
تنفس من دنس الواغلين
لهيباً إلى النار يعوى لظاه

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
تلفت من غمرات الظلام
ومن عاره في جبين الوجود
فأبصرت فجراً عند الضياء
تزمجر أضواؤه بالرعود
وتزحف راياته بالدماء
لتجرف بالهول كل الحدود
وتغسل بالنور ما لوثته
خطا التائهين بأرض الجنود

محمود حسن إسماعيل:
الفجر العائد(
الرسالة العدد 1061
ـ عام 1964
غداً يزأر الليل من حولهم
ويرتدّ فيهم ضلال السنين
ويكتسح الفجر أيامهم
بيوم يكبر العائدين
وتخفق بالنصر هالاته
على كلّ درب سقاه الأنين
فلسطين حان شروق الصباح
ودوى آذانك للزاحفين

محمود حسن إسماعيل من قصيدة:
أريد لقاء الله(
مجلة الرسالة العدد 1036
عام 1963
م
أريد لقاء اللهلا لمتابة
ففي كل سرّ منه تسكن توبتي
أريد لقاء الله….دعوة حائر
تلاشت خطاهُ عند باب الحقيقةِ
أريد لقاء اللهتضرع راحتي
ويضرع طير مؤمن في سريرتي
وتضرع أيامي كأنَّ دروبها
بساتين لم تمرع بغير الخطيئة!
غدوت غناء ضارعا،كل نغمة
تمد يداً تدعوه من كلِّ نغمة
إلهيوأنت النور لم يخب مرة
سناه،إذا أغشى الضياء بصيرتي
أعنّي على هذا الستار فإنّني
عجزت،ولم تهدأ براكين حيرتي
دهورٌ توالت،والرباب على يدي
وأعزف للإنسان سرّ تميمتي
وأستلّ من تيه الوجوه ضلالها
وما دفنتهُ في سرابِ الخديعة
أغوصُ بها حتى يذوب شفافها
وأنفذ حتى في جذور الغريزة
ومهما تلوت نظرة، أو تخالست
رميت لها صياد كل خبيئة
ودرت حواليها،وطرفي ساكن
يجوبُ زوايا النفس في كلِّ نظرة
فما فاتني وجه،ولو كان زاده
من التيه ليل غارق في سكينة
ولا فرّ عني من سمعت بوجهه
عزيف الرياح الهوج فوق الظهيرة
ولا من أتاني والهاً مدللاً
ويخلق في عينيه ظلّ المكيدة
ولا من غزا وجهي بشوق وبسمة
تراها من البهتان أسمال حيّة
معذبة،صفراء،تنقع سمها
على شفة تومي بكأس وزهرة
عبرت قضاء الله صياد أوجه
ولو سكنت غاب الغيوب المنيعة
وحيرني وجه أطلّ..فنظرة
حياة،وأخرى أومأت بالمنيّة
تناقض حتى خلت عدة أوجه
توالت لعيني زمرة اثر زمرة
فتبصر أطياراً،وتسمع حولها
جنائز موسيقى الغصون الحزينة

محمود حسن إسماعيل من قصيدة:
أريد لقاء الله(
مجلة الرسالة العدد 1036
عام 1963
م
وتشقيك أوشال من العطر،خانها
شذاها،فذابت في رفات الخميلة
وكهف عميق الظن في كل محجر
وأجفان أفعى ثاكلات التلفت
وبحر بلا ماء،وموج بلا صدى
يغمغم شىء فيه من كل وجهة
مخرت دجاه بالخيال،وبالرؤى
وبالوحي،والإلهام قدت سفينتي
وأطلقت أسراب الظنون كأنّها
جوارح طير حلّقت للقنيصة
وعوذت،واستلهمت نفسي غيوبها
وأسرارها في كشف أيّ خبيئة
فعادت بلا شىء،كأنّ مدارها
دروب من ألوهام في كل سحنة
تولول من فرط الضلال،وتشتكي
ضباباً على تلك العيون البليدة
وتضرع مثلي أن يفاجىء جهلها
من الله ضوء ظافر بالحقيقة

محمود حسن إسماعيل في قصيدة:
ذراع على الريح(

الرسالة العدد 1088
عام 1964
م:
على ذراع الريح
في قدح الغروب
في مخدع مريح
قراراتي تجوب
وزورق جريح
ناراً على الدروب
شراعه حرق
وضجعة الغسق
وسبحه غرق
لصحوني طرق
طول المدى يصيح
وغفوتي هبوب
لشاطىء القلق!!
ونشوتي قلق!
لكنني ملاح
لا أعرف الهدوء
تسكره الرياح
ولا وقوف الضوء
والتيه،والجراح..
ونظرتي تنوء
وزهرة الأرق
إن مسها عبق
وحسرة الشفق
مصفد الأفق
وفزعة الجناح
دموعه وضوء
ورعشة القلق!!
لسجدة القلق!

محمود حسن إسماعيل في قصيدة:
مزامير من الهجرة ـ حادي التغيير ـ مجلة الرسالة العدد 1112
عام 1965
دوى على طريقه التغيير
وانتفضت من كهفها العصور
وهبّ كلّ ساكن يثور
وللضياء انطلق العبور
وكلّ ريح غيّرت مسارها
وأضرمت فوق الهدوء نارها
وكلّ أفق كان في وساده
يلعق سحر الأمس من مهاده
انتفض النور على جبينه
فحرّك الدهر على يمينه
ذوب وهم الذلّ من ذراته
وأحرق الاطراق من هالاته
ولملم الرقّ من الأثير
وأنبت الإنسان في الضمير
غيّره من صاغر أوّاب
يرضعُ من أساه في التراب
يُريق للظالم من دموعه
عطر خريف راغ في ربيعه
ويلثم الأطواق في السجود
كأنّها تمائم الوجود
يهيل للنار خفايا ذاته
لتسكب الطهر على حياته
ويرتمي كغفلة الخطيئة
على صفاة الصنم البريئة
ويذبح الروح لها قربانا
يستلّ من رماده الأمانا
ويعزف النجم على عيونه
لجناً يصبّ الليل في يقينه
إن مرّ في خياله جبّار
على شظايا طيفه ينهار
ظلت على طغيانها تدور
والكون مشلول الخطا ضرير
حتى أتاها مضرم التغيير
في ليلها الجاثي على الدهور
شد خطاها في الدجى وسارا
في هجرة شقت لها النهارا
وشعشعت في دربها الضياء
وأترعت في قلبها السماء
أعتى شعاع في ضمير الزمن
يهدي بنور الله كل مؤمن

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
في رحيل العقاد “
مجلة الرسالة العدد 1070
عام 1964
م:
من ذلك الطارق؟لا صوت،ولا دقّ يد..هز السكون
ولا عزيف من خيال..مس صمت الأبد..ولا ظنون
ولا رؤى عقل..من الأوهام معتز اليد..ولا جنون
ولا أساطير..تهاوت من رغاء الأبد ولا شجون
ولا شراع..شيع الريح بهمس الزبد..ولا سفين
ولا صدى من دمدمات النفس..طيى الخلد..ولا رنين
الباب صمت،والدجى صمت..غريق الكمد..ولا عيون
ترمق شيئاً،أيّ شىء..في سكون المعبدماذا يكون؟
أنامل خفيّة تنسل..دون موعد..إلى الجفون
تستل بالفجأة شيئاً،من كيان الجسد،لا يستبين
فيطفأ النوربلى!! إلا على موسد في الخالدين

وحومت أسرب طير هجن من حيرته بلا غناء
نوادباً،تنزف نار الثكل من مهجته بلا بكاء
تدور حول فجرها المسبل في رقدته على الضياء
مذبوحة الأوتار..لم تعزف على بغتته إلا دماء
أذهلها الإعصار،لم تمهل خطا دورته يد القضاء
أذهلها الجبار..لم تخذله عن قوته إلا السماء
أذهلها التيار..لم يفصمه عن لجّته إلا الفناء
أذهلها الإصرار..سجاه على وقفته في كبرياء
أذهلها الموت،وما يخفيه من فجأته حين يشاء

فأطرقت للمعبد المخنوق في دمعته تبغي العزاء
وانتفض المحراب من غشيته يروي أساه رؤيا نشيد
يا راهب الفكر،ويا ما يرده المعلى ذراه فوق الوجود
جعلته قدساً عتى الأفق لا يروى ثراه إلا السجود
جعلته حراً،أبيّ الحرف،تجتاح خطاه وهم القيود
جعلته شمساً على الإنسان تسقيه ضحاه أنّى يريد
جعلته لا يجعل اللقمة همساً في سراه شأن العبيد
جعلته لم يبق للجهل أماناً في ثراه حتى يبيد
جعلته دين الخطا..إن قدس الزحف هداه يفنى الحدود
جعلتني ديرك،لم تشرك به إلا هواهيا للعهود
عشنا معاً..حتى إذا المقدور بي ألقى عصاه وانشق عود
بنى لك الدهر على طول المدى،فوق الشفاه دير الخلود

محمود حسن إسماعيل في الشهيد:
يا وادي الموتى بشّطكَ راقدٌ
خفقت لهُ الأرواح بالصلواتِ
ما ضمّهُ جدثٌ هناكَ وإنّما
حضنتهُ دنيا النورِ في هالاتِ
سهرتْ عليهِ من السماءِ ملائكٌ
تُضفي عليهِ سوابغَ الرحماتِ
ألقُ الضحى في ساحهِ متصوفٌ
ورعٌ يطوفُ بأقدسِ الحرماتِ
وعوابرُ الأنسامِ تخطرُ حولهُ
ريّا بنفحِ عُطورهِ عبقاتِ
تنسابُ خاشعة وتسربُ عفّةً
كَمطيّبٍ يمشي على عرفاتِ
والفجرُ قبل شروقهِ فوق الربى
نختارُ منهُ وشعائعاً ألقات
سموّه في الورق الشهيد وما اسمه
إلا الخلود بصفحة المهجات
مِلْ نحو مضجعهِ وأصغِ لجرحهِ
واسمعْ نشيدَ الدّمِ في القطراتِ
ما زال يُترع ثورةً من قلبهِ
خرساء مُصفحةً بلا نبراتِ
وكأنّ أجراحَ الأسنّةِ رايةٌ
حمراء شهرها الدخيلُ العاتي

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
راية العرب”:


في طريق الشمس عودي،وأعيدي
عزة الشرقِ على وجه الوجودِ
وازحفي بالنور والنار على
صرخةٍ للثأرِ في باقي القيودِ
من قديمِ الدهرِ حياك الإله
وبصوت الوحي نادتكِ سماهُ
واصطفى أرضكِ من بين الثرى
فحبتها بالرسالاتِ يداهُ
بسناها شعَّتِ الدنيا هدى
وبها ثارت على الذُّلِ الجباهُ
ومضت تسقي الليالي من ضحاها
وتذيب الرِقَّ من وجه العبيد

في ظلام الدرب في الماضي الطويل
كم حضنت العهد جيلاً بعد جيل
ومحا خطوك في إصراره
من طريق الفجر ليل المستحيل
وضربت السير حتى سطعت
شمسُكِ الكبرى على كلّ سبيل
وتلاقى الأهلُ بالأهلِ على
صيحةِ الحقِّ لأحلامِ الجدود

بصباحِ الوحدة الكبرى الأبيّة
عُدتِ من حلم الليالي العربية
فازأري بالنور في كلّ ثرى
لم تزل فيه من الليل بقية
وعلى كلِّ ترابٍ لم تزلْ
فيه للغربِ بقايا الهمجية
واستمرّي حرّةَ الخطوِ إلى
أن تري شمسكِ عادت من جديد

كم سقينا بالدمِ الفادي ثراكِ
ومع الأجيالِ سُقنا شُهداكِ
ويدُ الله على كلِّ يدٍ
تزرع الفرقةَ ما بينَ خُطاكِ
طالَ فيك البين حتى أذّنت
ساعةُ الجمعِ فدقتها يداكِ
والتقينا أمةً واحدةً
تعبرُ الأيامَ من غيرِ حدود

فإذا شارفتِ أرضاً زمجرتْ
ظمأً للفجرِ من قلبِ الخيامِ
فارشفيها بشعاعٍ مؤمنٍ
يستردُّ النورَ من أعتى ظلامِ
ويذيبُ العارَ أنّى خطرتْ
لرؤاهُ حسرةٌ فوق الرغامِ
وضحى المعراجِ يمحو دمعةً
لم تزل تصرخُ في القدسِ الشهيد



محمود حسن إسماعيل في قصيدة”
الشرارة الأولى
:

فجر

على مصر

بين النورِ والأملِ
شقّ الدجى،وسقاها صحوة الأجل
من سكرة الموت أحياها،فخلت على
يمينه،آية من صيحة الرسل
في عمر طيف الكرى،هبت ممزقة
ليل الردى،بشهابٍ مارد الأمل
كانت معصبة الأيام

..
تحسبها
ضريرة لاطتها حيرة السبل
تناهشتها رياح الظلم
..
واصطخبت
على خطاها دواهي الرق والعلل
وزورتها يد الطاغين،راضية
في هدأة الذل،أو في غشية الملل
والله يعلم ما يضرى سرائرها
من ثورة أججتها ضيعة المثل
ومن لهيب أحال البطش جذوته
في غضبة الناس ذعراً دائم الوجل
صبارة
..
لم تذع شكوى ولا عرفت
تحت العواصف إلا وقفة الجبل
ساقوا الجراح لها من كل باغتة
كانت حقائقها أدعى من الخبل

كم حرروا الأرض زوراً في منابرهم
والقيد يرزم في تابوته الزجل
وقبلة الخطو للأغلال زاجرة
من المقاصير بين تاريخها وسل
قامت بقوت الحيارى أو بأدمعهم
أجرت جداولها في المرتع الخضل

وغاضب لضياع الحق أورده
اصراره مورد الإجرام والزلل
ساقوه للسجن مغلولاً بغضبته
كأنما الحق اثم يانع الخطل
وتاجر بسلاح المجد لعنته
أن زال كل أسى في الأرض لم تزل
ساق المدافع للميدان هامدة
بكماء تجنح للتهويم والكسل
دوى النفير فشقت صدر ضاربها
لتستجير ببأس الضارب البطل
فضائح تخجل التاريخ سيرتها
شبوا لظاها جنازات من الخجل
الله أكبر
!
لم تمهل يداه قضى
للظالمين بما كانوا على عجل

حان القصاص فلفتهم ضمائرهم
في حالك من ظلام البغي منسدل
ناموا على غفلة الأوهام وانتبهوا
على نذير بصوت الله

من مهجة الشعب أو من سر غضبته

هبت لهم بغتة أمضى من الأجل
في ثورة لم تر الشطآن فجأتها
ولا وعاها الثرى من حالك الأزل
بيضاء دوى نفير الفجر من يدها
ودفق النور سراها إلى الدغل
في مثل وهم الصدى كانت مدوية
بالنصر والحق والإيمان والأمل
خرّ الطغاة ودك البغي واندثرت
في ذره،قصة الأسياد والهمل
ومزق الشعب ذلاً،كان يرهقه
به الجبابر من حكامه الأول
الله أكبر
!
شقت مصر وقفتها
وأرعشت بخطاها شاهق القلل
في كل يوم تهز الشمس وثبتها
بنشوة الصحوـوالتغيير،والعمل



محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
البيعة”


بايعت فجراً شعَّ في جبيني
ومزق الإطراق من جفوني
وشلّ خطوَ الذلِ في يقيني
وكنت في ذاتي كالسجينِ
والقيد من صريره يسقيني

شعَ السنا وأضرم النواظر
فأحرقت خطاهُ كا جائر
ونوّرت طريقَ كلّ حائر
وحررت جبينَ كل صاغر
من ساق هذا النور للمحاجر
سل جبهتي واسمع ضياء ناصر

بايعت خطواً شق ليل قريتي
وفأسها حيرانُ حول زهرتي
يسألها جوعانَ أين لقمتي
وكل عطر فيك كان دمعتي
وكان صبري وانتظار نفرتي
في الارض تعطيني حصاد غلّتي

وظلّ يرنو ليدِ البيادر
وهي ترد الفأس للحفائر
لتتخم القصور والحظائر
فصاح فيها صيحة المقادر
رُدّي لساقيكِ جنى الأزاهر
فدوّت الحقول والمخاضر
والفأس والفلاح والمعابر
قالت من الساري؟فقلت ناصر

بايعت ناراً وهجها خلودُ
رد القناة كبرها العنيد
على سناها كبّر الشهيد
وانتحرت من يأسها القيودُ
ومن صداها ارتعد الوجود
واندحر المستعمر العتيد

وسبّحت بنصرها المنائر
وصيحت بصيتها المنابر
وأصبحت أيامها شعائر
يشدو بها التاريخ في المفاخر
ولليالي يشعل المباخر
وكلما اشتاقت بها المجامر
رشَّ لها الوميض قلبَ ناصر

بايعت طوداً في ربى أسوان
معجزة الإصرار للإنسان
وشمخة الأقدار في بنيان
دكَ صروح البغي والطغيان
وقام كانتفاضة الزمان
كفارسٍ في حومة الطعان

لم يقِ للأمانِ وجه غادر
ولم يبال دورة المصائر
داس اللظى وانقض في الدياجر
كفنها في غزوها المقامر
وردها تطحنها الدوائر
وقبلة الشمس تحيى الظافر

بايعت حقٌّ عاد للأنامل
وهي تذيب الظلم في المراجل
من شيبة البؤس بكف العامل
تشق درب النور بالمعاول
وتحصد الظلام بالمناجل
وتسكب الروح على المشاعل

زيتاً يُضىءُ ليلَ كلّ سائر
وأنجماً تهدي لكلّ حائر
من سيد الألة وهو ساهر
يجني قطاف النور للنواظر
ذابَ الأسى واخضرت المشاعر
ورفرف الحقّ لكلّ عائر

بايعت كل نبضة في بدني
وكل نور في شعاب وطني
وكل زحفٍ لضحى قربني
وكل صحو ثائرٍ جددني
وكل خطوٍ ردَ كبرَ زمني
وكل عهدٍ من يقينِ مؤمن
فكلّها من كلّ حرٍّ ثائر
وكلّها للغدِ روضٌ عاطر
وكلّها للشعبِ نبعٌ زاخر
وكلّها للنصرِ فجرٌ هادر
على فلسطين له بشائر
مهما تغب لا بد أن تبادر
وكلها ضوء الصباح السائر
بايعتها للحق باسم ناصر


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
سيف الله”


ونادى مُنادٍ للضياءِ فكبّرتْ
جفوني وصلّت للنداء خواطري

وذوَبتُ قلبي في رحيقٍ من السنا
وعطرّتُ من فجرِ الخلودِ قياثري
وأحرقتُ في أوتارها كلّ ما زكتْ
به لصلاةِ الروح نارُ المباخر
تسابيحَ مَن صلى وأشواقَ من دعا
وذوَبَ في كفّيهِ دمعَ السرائر
غرفت عبير الطهر من كلّ ساجدِ
ومن كلّ أوّابٍ ومن كلّ ذاكرِ
ومن كلّ طيرٍ مرّ بالخلدِ نايُهُ
وأصغى لهمسِ الحورِ بينَ المخاضرِ
ومن كل فجرٍ كلّم اللهَ قلبهُ
بآيات نورٍ من يدِ الله غامرِ
ومن كل نيرٍ للصدى من مُرتلٍ
بمصحفهِ رنّت صلاةُ المشاعر
ومن صلواتٍ للنخيلِ رأيتها
تُرنّمُ للأضواءِ قُدسَ الشعائر
تُهلّلُ بالإصغاءِ تائبةَ الضحى
كمستغفرٍ لله ساجى النواظرِ

وفي وجهها صوفيةٌ لو تكلمت
لكانتْ حديثَ الطهرِ في كلّ خطرِ
حشدت عبيرَ المتقين وطهرَهم
وأشعلتهُ رأدَ الضحى بمجامري
وبدّلتُ نايى من غناءٍ مُرنّمٍ
لأنغامِ نورٍ خاشعات المزاهر
لأشدو أرضاً كرّم الله وجهها
بوجهٍ على تاريخها النضرِ عاطرِ
بسيفٍ براهُ الله عدلاً وحكمةً
وشقَّ به الإسلامُ قلبَ الدياجرِ
وأفزعَ ليلَ الجاحدينَ بومضهِ
فخرَّ لدينِ الله كلّ مُكابرِ
وشعت خطا الدنيا بنورِ محمدٍ
ومن نورهِ هلّتْ جميعُ المنائرِ
فيا كوفةَ الأمجادِ حيتكِ وحدةٌ
على فجرها التفت جميع الأواصر
وعادت إليه الشمسُ يسطع نورها
كما كان في تلك العصور الزواهر


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
الانتظار”


انتظرني هنا مع الليل
..
إنّي
أنا في صدركَ المحطّم سرُّ
هكذا قالتِ الشقيةُ والليلُ
على صدرها أنينٌ وشِعرُ
واهتزازٌ كأنّهُ قُبل العُشا
ق،لم يحمها حجاب وسترُ
ولها نظرةٌ كأنّ بقايا
من وداع على الجفونِ تمرُّ
نعسةٌ،وانتعاشة


وهنا الشىء
الذي قيل عنه للناس
:
سحر
!
وابتهالٌ كأنّهُ غربة الطي
رِ،لها في سمائم البيدِ سَير
ولها رعشةٌ كما انتفضت كأ
سٌ بكفّي،فكلّها ليَ سُكر
زمّارتي في الحقول كم صدحت
فكدتُ من فرحتي أطيرُ بها
غنيت في ظلها فهل سمعت
لحني وقد أُرعشت ترائبها
أم زارها في مهادها نسمٌ
وراح من فتنةٍ يُجاذبها؟


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
من نار السكينة”


إلهي وما زال في الناي سرُّ

وشطٌّ من الوحي ما زُرتهُ
ولا شربت حيرتي منه لحناً
ولا أي يوم بها جئتهُ
عميقٌ كحلمِ الرؤى في خيالٍ
على غفوةِ الروح كفّنتهُ
توارى وأسبلَ أنغامهُ
على وترٍ كنتُ قطّعتهُ
وأحرقتُ فيه ربيعَ الحياة
ومن غفوة القلب ودّعتهُ
عميقٌ ولكنّهُ سابحٌ
قريبٌ إذا ما تذكرته
وذكراهُ في كل ما أشتهي
وفي كلّ شىءٍ تعشّقتهُ
أراهُ على الزهرِ لكنني
إذا صافح العطر غافلتهُ
أراهُ على النهرِ لكنني
إذا عانقَ الموج غادرته
أراهُ على الدوحِ لكنني
إذا مايل الغصن زايلته

أراهُ على الأفق شيئاً أضاء
ومن نعش ناري توهمتهُ
أراهُ على الريح صوتَ الحنين
تجسّد حتى تأملتهُ
وأبصرتُ فيه مزار الخيال
على معبدٍ كنتُ حرّمتهُ
وأودعتهُ في جناز الغروبِ
لقاءً مع الغيبِ واعدتهُ
أراهُ بذاتي في كلّ همسٍ
وفي كلّ طيفٍ تخيّلتهُ
أراه يسير معي في الحياة
كأننا خفيّاً وصاحبتهُ
وقاسمتهُ كل زاد السكون
وكل الهوى حين صافيتهُ
وكل الصباح وكل المساء
وكل الدجى حين خامرته
وكل الجراحِ وكل النواحِ
وكل الاسى إن ترشفتهُ
وكل الأثير وكل العبيرِ
وكل المصير إذا كُنتهُ
وفي كلّ ذرات هذا الوجودِ
أراهُ رنيناً تسمّعتهُ
وأصغيتُ فيه وكررتهُ
وجوداً لذاتي أخفيتهُ
إلهي من أين أهفو إليه
ودربي لرؤياه ضيّعتهُ
وفجّرتهُ في زماني زماناً
وتيهاً على التيهِ واصلتهُ
وما كان إلا غناء الظنونِ
وشجواً من الحبِّ أقلقتهُ
وأشعلتُ فيه صلاة الرباب
تغنّي زماني وما ذقتهُ
تلاشيتُ في كل درب فما
أحسُّ بغير المدى فُتّهُ
وأوغلتُ حتى سقاني الطريقَ
ثمالاتِ سحرٍ تشهيتهُ
شواني وأبقى رمادَ الضياء
وما زالَ جمراً تشهيتهُ
تبسّم في ناره كلّ شىءٍ
وتنهيد نايى كما جئتهُ
على الريحِ يهدرُ لا هدأةٌ
ولا ظلُّ ظلٍّ تمنيتهُ
ولا سجوةٌ في مهبِّ الخيالِ
يغنّي بها ما تلقّنتهُ
نشدتُ السكينةَ في كلّ جمرٍ
على وترِ القلبِ أوقدتهُ
وما لي يدٌ فيه إلا صدىً

كما تسمعُ الروحُ ردّتهُ
غنائي ومنّي ومالي سبيلٌ
إليه فأنى أتى سُقتهُ
سمعتُ به الكوخ تحت الظلامِ
عويلاً من البؤسِ غنّيتهُ
وأقداح رق بكف الطغاةِ

أساها بنايى تجرّعتهُ
وشلّت يدُ الله طاغوتها
بفجر على النيلِ قدّستهُ
فناغمت فيه انتفاضَ الحياة
بسحرٍ من الله ألهمتهُ
وسبّحتُ لمَّا أطلَّ الضياءُ
ودكَّ الظلام الذي عشتهُ


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
جيلكم مات فدسوا نعشه”


جيلكم شاب

فواروا ضعفه
واحرقوه بلظى الدم الجديد
كفّنوهُ من بلى أيامهِ
وادفنوهُ في ثرى الماضي البعيد
واذهبوا لا تندبوهُ للوجود
هوَ جيلٌ لعب القيد بهِ
منذ ما رنَّ على أرض الحمى
فاصعقوهُ واحطموا أصفادهُ
وافرعوا بالعزم أبراج السما

شرعة الأغلال جاءت للعبيد
أمّكم مصرُ وفي تاريخها
ما يَرُدُّ الغرب نديانَ الجبين
فاسألوها واسمعوا في تربها
يزعج الآفاق صوت الراقدين
من هنا تسطع أنوار الخلود

جيلكم مات فدسوا نعشهُ
فهو عارٌ في ضمير الزمن
مزّقت قلب الحمى أطماعهُ
فارجموه يا شباب الوطن
ولاحزاب الحمى شقّوا اللحود

السياسات كلامٌ وصدىً
وزعاماتٌ وخلفٌ وخصامُ
والكراسيُّ إذا أبصرتها
موردٌ أقلقَ شطّيه الزحامُ
فهي تنعي من أساها وتميدْ
فانهضوا فالعصرُ وثّاب الخطا
ولكم من أمسكم أعلى مثل
وطن يطمح لو نال السها
وتخطاها وأسرى بالأمل
وعلا بالنيل في هام الوجود


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
سجدة في طريق النور”


كل حصاةٍ في الطريق أومأت تنتظرُ
وكل ذرات الأثير أقبلت تكبّرُ
والريحُ من كل اتجاهٍ أيقظت ربابها
وأسبلت على جبين أفقها أهدابها
واسترسلت تعزف للسكون من صلاتها
وتستعيد شجوها همساً على لهاتها

وتسمع الجبال من تسبيحها أنغاما
لم تدرِ كيف انحدرت من قلبها إلهاما
والفجر من مزاره النعسان في وجه الوثن
ردّ خُطاهُ لخُطا جديدةٍ على الزمن
جاءت تهز مطرقاً أمام ربٍّ مطرقِ
كلاهما وهمٌ لوهمٍ جاهلٍ ملفقِ
جاءت تردُّ الظلمَ مدحوراً إلى طاغوته

ندامةً مذعورةً تصرخ في تابوته
جاءت تؤجُ نارها تأوُّهَ المضطهد
وتُضرمُ الإباءَ في جبينه المستعبد
جاءت ونورُ الله يحدو الخطوَ في طريقها
والكونُ يستاف عبير الصحو من شروقها
والبيد ليلٌ ضارعٌ في القيد حول الصنم
والناسُ أوهامٌ تدورُ في ضلالها الملثّم

في خيمةٍ خيّمَ فيها الرقُّ منذ الأزلِ
وغمغمَ الإنسانُ حول قيدهِ المكبّلِ
جاءت إليهِ تنزعُ الهوانَ من جبينهِ
وتحصدُ الإطراقَ والذلة من جفونه
جاءت من الغارِ من النورِ خُطا محمدِ
طوبى لمن خفَّ إليها بالضياء يهتدي


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
ثورة الإسلام في بدر”


فقَ القلبُ بالنشيدِ المطّهرْ
فدع الشعر والأغاني وكبّرْ
وإذا شئت نغمةً فدع الرو
حَ جلالا من شرفة الغيب تنظر
وتهيأ للوحي يأتيك بالشع

رِ كسيكاب ديمةٍ تتفجرْ
وتلفت لمربع الجنّ في البي
د تر الجنّ غيرةً يتقطّرْ
فاحكِ للجاحدين يا شاعر الخلد
أسهُ وصِفْ مناحةَ عبقرْ
هكذا قال لي صدى مُلهم الوح

ي فأصغيتُ لحظةً كالمخدّرْ
وانتظرتُ الإلهام حتى إذا ما
رنَّ بي هاتف الخيال المستّرْ
رجفت في الجنان كالزعزع القصاف
تغلي بجانبيَّ وتزأرْ
من فجاجِ الغيوب هاجت صباحاً
ثورةٌ في الرمالِ هبّت تزمجر
قيل بدرٌ فزُلزلت هدأة الناي
وكادَ النشيدُ بالدمِ يقطرْ

أقبلت كالعجاج في هبوة الحر
ب قريشٌ على الحياض تُنقّر
كل ذي سحنةٍ كغاشية الليل
وهولٍ يرتاع منه الغضنفر
يتنّزى بسيفهِ من ضلالٍ
هو أعمى لديه والسيفُ مبصر
سلّه من قرابهِ وهو خزي
ا
ن لأيِّ من الرجال يُشهّر
لو مضى يستشيرهُ ساعةَ الروع
لردّاه كالحطام المبعثر
عجباً للحديد يهدى إلى الحقّ
وهاديهِ كالضريرِ المحيّر
حشدوا موكب المنايا وخفّوا
لضياءِ الإلهِ غاوينَ فجّر
يتراءون كالصواعق في الرمل

ووجهُ الضحى من الروعِ أغبر
كالشياطين جلجلت في دجى الليل
وهاجت في البيد تغوي وتصفر
أرزمت فوقهم سيوفٌ وريعت
من تناديهم أضاة ومعفر

زلزلوا راسي الجبال وراحت
منهمُ البيد تقشعرّ وتذعرْ
ومضى الشرك بينهم مزعج الهي
جة طيشان كاللظى المتسعّر
جمّع الهول كلّه في يديه
ومضى بالحمام في الهول يزفر
إن يكن كيره أجنّ البلايا
لنبيّ الإسلام فالله أكبر
سجد اللات مؤمناً وجثا العزّى

يناجي مناة يا صاحِ أبشرْ
هلّ في ساحنا وميضُ من النورِ
غريب التلماح خافي التصوّر
ذَرّهُ أرعد الصفا وأحال الصخر
روحاً يكاد في الرملِ يخطر
لا من الشمس فيضه فلكم شعّت
علينا فلم ترعُ أو تبهر
لا من النجم لمحهُ فلكم لاحَ

كئيب الضياء وهنان أصفر
قد نسختا به ومن غابرِ الدهر
نسختا البلى ولم نتغيّر

ألهونا وعفّروا وهمُ الصيد
عُلاهم على ثرانا المعفّر
سر بنا يا مناةُ نخشع جلالاً
لسنا النور علّهُ اليوم يغفر
عجباً خرّت المحاريب والأص
نامُ دكاً والعبدُ ما زال يكفر
وعلى التلّ خاشعٌ في عريشِ
قدسيّ الظلالِ زاكٍ منوّر
كاد من طيبهِ الجريدُ المحنّى
من ذبول البِلى يميسُ ويزهر
هالةٌ تسكبُ الجلال وتندى

بوميض الهدى يفيق ويسحر
لو رمت كاسف البصيرة أعمى
عاد منها مبلج القلب أحور
قسماً ما أراهُ إنساً فإنّي
أتحدى به بنانَ المصور
باسطٌ كفّهُ إلى الله يدعو
ربِّ حمَّ القضا لدينكَ فانصر
إن أجنادي البواسلَ قُلّ
وخميسُ العدوّ كالموجِ يزخر
خفقةٌ من كرى تجلّت عليه
مالَ من طهرها الرداءُ المحبّر
وإذا الوحيُ بارقٌ مستهلّ
من سماء الغيوب هنّا وبشّر
فانتضى سيفه وهبّ على الغا
رة بالسرمدِ القويّ مؤزّر
ينفخ القوم بالحصا فتدوّى
أسلات الإسلام في كل منحر
وجنود السماء من كلّ فجٍّ

غيّبٌ للعيان في القلبِ حُضّر
تُشعل النار في قلوب المذاكي
وتؤجّ الرجال ناراً تسعّر
قوةٌ من جوانبِ العرش هبّت
ذابَ من بأسها الحديد المشهّر
وبلالٌ يلقى أميّةً غضبا
ن فيشفي الغليل منه ويثأر
أمسِ كم حمّلَ الصخور الذواكي
من لهيب الرمضاء تغلي وتسعر
ضجّ من هولها الآذان وكادت
تتهاوى لها أواسي المنبر

وهو اليوم قاذفٌ صخرةَ المو
ت عليه تهوي فتردي وتقبر
وأبو جهل جندلته قناةٌ
فهوى تحت جندل البيدِ يزحر
وقف الكفر فوقه يندب الكفرَ
ويهذي على الرفات ويهذر
يا عدوّ الإسلام خذها من الإس
لامِ ردّتك كالقنا المتكسر
طعنةٌ من معاذ أخرس فُوها

فاكَ بعد ما كنت تنهي وتأمر
لكأنّي بعظمكَ الآن يصطكُّ
ويغلي من الأسى والتحسر
وشظايا اللسان ندمانةٌ كا
دت لنور الهدى حنيناً تُكبّر
ثمراتٌ في كفّ أعزلَ جوعان
هضيمٍ بين الوغى متعثر
عربيّ من شيعة الله وانٍ
عن صراع الهيجاء حزناً تأخر
حينما شاهد النبيّ تلظّت

جمرةُ النصرِ في حشاهُ المفتّر
سلّ من روحهِ حساماً ومن إس
لامهِ في مسابحِ الروع خنجر
هكذا نجدةُ السماء أحالت
واهنَ الجسم كالعتيّ المدمر
فإذا النصرُ صيحةٌ هزّت الدن
يا وراعت بروج كسرى وقيصر
وإذا بدرُ خفقةٌ في لسان الش
رق يُزهى على صداها ويفخر


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
لحن من النار”


مهدَ البطولاتِ،أرضَ العرب
أرضَ العلا من قديمِ الحِقبْ
ضجّت من الثأرِ نار الدماء
هيّا نشقُّ إليه اللهب
زاحفين عائدين للحمى
رافعين صوتنا إلى السّما
هزّت فلسطينُ حرَّ النداءِ
هيّا ولبيكِ أختَ العرب
لحنٌ من النار في كلّ فم
دوّت أناشيدهُ بالقسم
مهما ترامى عليك الظلام
إنَّا سنغدو لهيب القمم
ناسفين من طريقك الردى

عاصفين كالرياح بالعدا
فجرٌ ستنشقُّ عنه الخيام
والليل يطويه نور العلم
فجرٌ على القدسِ ضاحي السنا
هزت له النصر أعلامنا
تمحو به من تراب الوجود
ثأراً تُفدّيه آجالنا

راجعين كالرعود للوطن
قاهرينَ كلّ أسوار الزمن
يومٌ يناديكِ عبرَ الحدود
عادت لأحرارها أرضن
ا

محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
قومي إلى الصلا
ة”
وعادت الطيور في المساء
فلم تجد في القبّة الضياء
ولا صدى الترتيل والدعاء
فهزّت الأوتارَ بالنداء
:
يا قدسُ يا حبيبة السماء
قومي إلى الصلاة
..
وباركي الحياة

ورددي التسبيح في المآذن
وأيقظي الأجراس في المدائن
وكبّري لله لا تُهادني
قومي إلى الصلاة
وباركي الحياة

لا توقفي الدعاءَ للرحمان
مهما لقيت من أذى الشيطان
رِدّي عليه إثمه وقومي
وواصلي الحديث للنجوم
فلم تزل فيك خطا الإسراء
سابحةً في الطهر والضياء
يا قدس يا حبيبة السماء
قومي إلى الصلاة
وباركي الحياة

ولم تزل أسوارك الحزينة
تصغي إلى أقداسها الدفينة
ولم تزل مناجياتُ الرُّسل
في أفقك الطاهر منذ الأزل
مازال صوت الله في فضائك
والانبياء في صدى ندائك
قومي إلى الصلاة
وباركي الحياة

قومي ومهما اشتدّت الجراح
فكلّ ليل بعده صباحُ
وكلّ هول بعده سكينة
تمحو ظلام البغي والضغينة
وتراجع الشفاهُ للشدو والحياة
قومي إلى الصلاة والترتيل والدعاء
يا قدسُ يا حبيبة ً للأرض والسماء


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
شعلة الذات”

قُلْ لمن يديه في الهجير
سائلاً قطرةَ ماءٍ من غدير
سائلاً رشفةَ ظلٍّ من عبير
مدّهُ الله على الروض النضير
لست حيّاً إن تسولت رباهُ
ومددت الكفّ تستجدي الحياة
كن هجيّاً ترهب النار لظاهُ
لا نسيماً يفزع الوهم شذاه
واقتحم بالذات أهوال السعير
تنسخ النار ربيع في ضحاه
جدول يضحك بالماء النمير

قل لمن كبّل أشواق الحياة
باحثاً عن سرّها قبل خطاه
واقفاً شلّت على السر يداه
سائلاً أين من الغيبِ مداه
لست حياً إن تهيّبت القدر
وطلبتَ السرَّ من قبل السفر
كن طريقاً من رحيقٍ وشرر
لا وقوفاً يتلّهى بالصور

وامض بالذات إلى مالاتراه
تبصرُ السرّ تجلّى وظهر
وعلى صدرك قد ألقى عصاه
قلْ لمن أصغى لنوح البلبلِ
عاشقاً يبكي ضياع الأملِ
ذائباً في يأسهِ المشتعل
قاطفاً زهرَ خريفٍ ممحلِ
لستَ حيّاً إن تلمست البكاء
قدحاً يسقيك أوهام الرجاء
كن غناءً مضرماً وجدَ السماء
لا صدى نوحٍ لقيثار الفناء
واسكب الذات بنايٍ مشتعل
تبصر الكون طيوراً من ضياء
ساجعاتٍ فوق شطِّ الجدول

قل لمن أحنى لغير الله رأسه
ولمن صبّ لغير الله كأسه

خائفاً يشرب من كفّيهِ نفسه
ومن اللذة لا يدرك حسّه
لست حيّاً إن توهمت الوجودا
سادةً هشّوا على الأرض عبيدا
اسأل الذات تجد فيها السجودا

لسوى الله رياحاً وحصيدا
واسأل الله لمن أطلع شمسه
لسوى الأحرار لم تشعل وقوداً
لصباح الشرق أو تسقي أمسه
هكذا جلجل مزمارٌ رخيمٌ
في زبورٍ خالد الشدو يتيم
مدّ جبريل جناحاً في السديم
ودعا الأفلاك تصغي والنجوم
لصداهُ الحر في قيد التراب
وهو ينقضّ عليه كالشهاب
ويرى سجدته بين الخراب
في ربى أندلسٍ تسقي القباب
من رحيقٍ لم تزل منه الكروم
تعصر السحر وتشدو للإياب
وينادي مجدها ضرب الكليم

نخلة الداخل عادت بجناها
بعد أن أرعش بالناي ثراها
وبدمع الروح غنى وسقاها
فربت ظلاً ومراً وشفاها
تسمع التاريخ خلف الحجب

يتغنّى بحداةِ الشهب
يوم كان الغرب دنيا غيهب
وأتى المصباحُ في كفّ نبي
يوقظ الأيام من عاتي كراها
بضياءٍ شعّ بين العربِ
وكتابٍ خطّ للأرض هداها
وثرى قرطبة حنّ إليهِ
فإذاهُ سجدةٌ بين يديه
وإذا المحرابُ إصغاءٌ عليه
شعّ ترنيمُ الهوى من شفتيه
وهو قيثارٌ من الشرق يغنّي
ويعيد المجد لحناً بعد لحنِ
طارقٌ في بأسهِ خلف المِجنِّ
وابن عبّادٍ وما لاقى بسجنِ
وأسى الحمراء ينهال لديهِ
بمراثٍ لم تذقها أي أذنِ
سكبتها لوعةٌ من جانبيهِ
طائرُ الإسلام رجّع نغما
كنت فيه لليالي حلما
أشعل النايَ التي هزَّ السما

وسقى الأعماق شدواً مُلهما
ومن الخلد تلفّت ها هنا
تجد الأغلال تهوي حولنا
قد حصدنا الرقّ من آفاقنا
وصهرنا القيد من أعناقنا
ودعونا الله في إشراقنا
أن يردَّ الشرق حراً مثلما
كان من قبل إلى أعتى المنى


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
غصن الزيتون”

لا زهرهُ يندى ولا هو ينفخُ
ذاوٍ على طرفِ الصبا مُتصوّحُ

ريّان أميسُ هدّلت أطرافهُ
هوجاء من نار المطامع تلفحُ
فرعٌ من الزيتون لم يخفق له
فننٌ ولم يسجع عليه صيدحُ
أنداؤهُ من حكمةٍ أبديةٍ
صمتت فما تلغو ولا تتفصّحُ
وغذاؤهُ من رحمةٍ علويّةٍ
يضفو بها طيفٌ هناك مُجنّحُ
تخذ السلام قصيدةً قدسيةً
يشدو بها شادي السلام ويصدحُ
لو رنّ هاتفها بسمع كتيبةٍ
هوجاء في رهج اللظى تترجّحُ
سجدت له الأسيافُ خجلى رهبةً
وتكفّأت فوق الثرى تتطوّحُ
يا سرجةً برواق جنييف ارتوت
من جدولٍ بدم الضحايا ينضحُ
نبعٌ من الأرواح سلسل فيضهُ
وجرى على بطحائها يتفوّحُ

ينساب من خلل الجماجم صاخباً
أمواجهُ من كلّ عرقٍ تطفحُ
ماذا دهاكِ فلم يدعْ سوسانةً
من هولهِ في جانبيكِ تُفتّحُ
صوتٌ من الطليان أروعُ غاشمٌ
مُتحفزٌ بين الورى يتبجّحُ
خدعتهُ صامتةُ القنابل حينما
ذهبت تُهدّد بالردى وتلوّحُ
مجنونةٌ بالموتِ جُنَّ حديدها
ومريدها خطرا يروعُ ويفدحُ
رعناء لو مسّت مطارف شاهقٍ
لا ندكَّ من عالي الذرا يتطرّحُ
سكرى بخمر الموت تهذي جهرةً
بملاحنٍ من كبرها تتوفّحُ
خرساءُ لو نطقت أصمّ ضجيجها
أُذنَ الحياة،فلا تعي ما تُفصحُ
حُبلى بنسل النار يا ويلاهُ إن
ولدت فحتفٌّ للبريّة يكسحُ
كم أفزعت عزريل حين تبرّجت

تلهو على جثث العبادِ وتمرحُ
سلْ لأمةَ الأحباش كيف تفزّعت
وغدتْ على قُضبِ القنا تترنحُ
لم تغنها الأجبال تعصم هاربا
أو شاكياً تحت المغافر يرزحُ
خيماتها في الحربِ لو أبصرتها
شُعلاً على كنف الهواضب تُلمحُ
هيَ ألسنٌ للحق ذاعَ بيانها
ضرماً عن الوجد المكتّم يُفصحُ
يا ربّ مسودّ الجبين بظلها
قسماتهُ عند الوغى تتوضحُ
يُصليهِ إيمانُ العزائم باللظى
فيظلّ من قبساته يتروّحُ
يلقى الطغاةَ بعزمةٍ لو صادفت
قلبَ الحديدِ لخرّ بالدمِ يرشحُ
يا فارس الرومِ العنيد تحيةً
من شاعرٍ باللوم جاءك يصدحُ
أنغامهُ في النيل ضيّعها الأسى
وهي التي بهوى البلاد تُسبّحُ
عُذريةٌ تشدو،فإن هي أقبلت
تأسو يراوغها الشمات فيجرحُ

صرخت على حريّةٍ مسلوبةٍ
شعراؤها في كلّ فجٍّ نوّحُ
ما ضرّ لو أمهلت طائشة الوغى
قوماً تغادوا بالشكاةِ وروّحوا؟
أوطانهم
!
يا رحمتا لمصيرها
!
أملٌ لسُفّاكِ الطغاةِ ومطمحُ
فزعوا من الغارات تخنقُ جوّهم
فيضرع بالموت الأصمَ وينفحُ
الله طهّرهُ هواءً طيّباً
كالروض ضمّخهُ العبير الأفيحُ
وابنُ الترابِ أحالهُ مسموةً
نكباء ذاريةً تُبيدُ وتفدحُ


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
الشعاع المقيد”

خذ أماناً من الشعاعِ المُقيّد
فهو في القيدِ جمرةٌ تتوقدْ

أو فَذُقْ في شُواظهِ الحُرّ
فأنتَ المقيّدُ المُستعبد
ذُقْ شُواظاً لو مسّهُ صاهرُ الأغ
لال أضحى بنارهِ يتعبّد
من حواشي الرخام يسطعُ للأحر
ارِ ديناً يهدي العباد ويُرشد
هو نورٌ لكنّه في ظلام السجن
نارٌ على القيود تعربد
ملءُ ذراتهِ أناشيدُ مجدٍ
بصداها مُحرّر النيل أنشد
ذرّةٌ تُرعب الحديد على الصمت
وأخرى في الهولِ تُرغي زتُزبد
غللّتهُ بالأمسِ كفُّ ضلولٌ
تنصرُ البغيَّ بالحسامِ المجرّد
شدّ طُغيانها عتيٌّ من الغربِ
على النيلِ كم طغى وتمرد
ملّكتهُ والملكُ لله دنيا
ظلّها عاجلُ الفناءِ مُبدّد

فمضى في مسابح الشرق كالأق
دار يُشقى كما يشاء ويُسعد

كم عدا فاتكاً وأحكم أغلا
لاً عليها الرقاب في الشرق تشهد
في فلسطين ظُلمهُ أفاق الدن
يا وما هزّهُ الصراخ المردّد
وعلى مصر كم أذلّ وأردى
وتمطّى على النجوم وهدّد
عبقريٌّ في الختل يُدمي ويرتدّ
على الجرحِ باكياً يتوّجد
كم سقى النيل من ضرواته الهونَ
وعيشاً من المذلّة أنكد
وتمادى فكنت يا مصطفى الهول
على هولهِ تثورُ وتُرعدُ
في غباء السنين والنيلُ مغفٍ
وبنهُ من سكرةِ الضيمِ هُجّد
قمت كالعاصف المجلجل تجتا
ح فلا تنثني ولا تتردّد
تلبس القيد من جنانك قيداً
حزّهُ في الحديد نقشٌ مخلّد

هتفاتٌ بحبِّ مصر وموتٌ
في هواها ونشوةٌ وتعبّد

وصلاةٌ بمجدها كنت فيها ال
عابد الصبّ والشواطىء معبد
وذيادٌ عن حرمة الوطن الشا
كي بعزمٍ كنيلهِ ليس ينفد
ودفاعٌ عن الحمى كنت فيه
ما لغير الحمى تروم وتقصد
فارسٌ في قتامة النيل تمضي
بشهابٍ من السماء مؤيّد
مِشعلٌ في يديك شرّد بالأض
واء جُنحاً على الشواطىء أربد
كنت تسري به فتنهض فانين
عليهم شيخوخة اليأس تقعد
بضياءٍ من الهدى أنعش الشرق
وطرف الزمان في مصر أرمد
وبيانٍ كأنه لهب البر
كان تختار جمره وتنضّد
كلُّ لفظٍ من الصراحة سهمٌ
في حشا الغاصبين ماضٍ مُسدّد
هات لي من صداهُ نبراً لعلّي
أنفثُ النار من صدايَ المغرد
هاته فالجحود واراه في سجنٍ
على شاطى الليالي مشرّد
في زوايا النسيان قبرٌ وذكرٌ
ورخامٌ في الصمت لهفان مكمد
كاد ينضو الأستار عنه وينعي

أنا رمز الفخار يا نيل فاشهد
أنا علّمتك الوثوب على القيد
وعلمتني الأسى والتنهد
ما الذي في الضفاف نسّاك روحا
ذاق من أجلك الردى واستشهد
أشيوخ على الكراسيّ هاجوا
وهيَ من هزلهم تميد وترعد
أم شبابٌ على ترابك يمشي
حول ساقيهِ كالأسيرِ المصفد
خانعٌ في حماك ينتظر البعث
ليمضي إلى الأمام وينهد
علّموهُ والرزق في مصرَ رهنٌ
برجاءٍ وذلّةٍ وتودد

كيف يلقي بعزمه تحت نعليه
وفي الذل يستنيم ويرقد
ما الذي في الضفاف نسّاك يا نيلُ
هوى ذلك الشعاع المقيّد
فمنحت التمثال شِبراً عليه
تائه الدود في البلى يتمرد
وحرمتَ الجهاد فجراً من النور
يُهدي إلى علاكَ ويُرشد


محمود حسن إسماعيل في قصيدة”:
خيمة البهتان”

أخي قد مزقت ريح الدجى بيتي وأيّامي
وساقتني على الأرض بهذا الهيكل الدامي
وهذا الشبح المطرود في هذا الأسى الطامي
ينادي
:
أين ملك الله تخبط فيه أقدامي
وأين الأرض تحملني وتدفن بعض آلامي
وبعض خطاي في هذا الدجى المتفجر الهامي
هنا في كبوة الأقدار بين السيل والويل
وبين عواء شيطان طريد الجنّ مختل
يقعقع للرعود السود مأخوذاً من الهول
سمعت فحيح ثعبان على رئتيّ منسل
تدفق جسمه المقرور بين حفائر السل
وبين شتاء بستان بدفء الموت مخضل

هنا في خيمة البهتان والطغيان والزور
لدي مأوى كلحد الميت في النسيان مخفور
رُميت كدعوة وقفت على درب المقادير
يصب التيه في خلدي خطا الظلمات في النور
فأشرب حيرتي وبكاي من كف الأعاصير
وأذرف أدمعي الخرساء في صمت الدياجير

أخي قد غال ذئب الجوع أطفالي مع الفجر
وبعثرهم جنون السيل بين مداخل الصخر
فلا أدري لهم شجنا على نعش ولا قبر
كما كانوا هنا عادوا بلا سكن ولا عمر
ظللت أنوح يا رباه بعض نداك للجمر
فجاء الموت يفغر فاه للظلمات والقفر

سلوهم واسألوا ما شئتم الإسلام والعربا
وكيف على تراب الذل لم يتمزقوا غضبا
وكيف غدت فلسطين بهم تتجرع النوبا
تنوح على سلاسلها وتشكو القيد واللهبا
وهم لمذابح الطغيان ساقوا اللهو واللعبا
وقالوا الشرق قلت
:
صحا على أفواهكم كذبا


محمود حسن اسماعيل(
من أغاني الرق)

ألقيتني بين شباك العذاب وقلتَ لي
:
غَنِ
وكلّ ما يشجي حنينَ الرباب ضيعته مني
هذا جناحي صارخ لا يجاب في ظلمة السجن
ونشوتي صارت بقايا سراب في حانة الجنّ
أوّاه يا فني
لو لم أعش كالناس فوق التراب
رماني الرق بدنيا زوال مغلولة الجنب
وقال
:
حَوم في سفوح الجبال واهبط على العشب
واضرب جناحيك بأفق المحال واسأل عن الغيب
وها أنا

لا شىء إلا ضلال سارٍ مع الركب

أواه يا ربي
لو لم أكن عبداً لهذا الخيال
جعلت زادي من عويل الرياح وغربة الطير
ومن أسى الليل ووجد الصباح وشهقة النهر
وسقتني ظمآن بين البطاح إلا من السحر
وقلت لي
:
رفرف بهذا الجناح واشرب من السر
والسرُّ في صدري
قيدتَ ساقيه بتلك الجراح

كنا جناحين لطير المساء يهفو كما نخفِقْ
إذا أمرنا الأفق رقّ الهواء وعرجَ الزورق
وإن نزلنا العشب زقّ الغناء من قلبه المغلق
وإن تعانقنا رجونا الفناء لو أنه يطبق
لكنّهُ فرّق
وأصبحت أنثي ككل النساء
كم ذاتِ وجهٍ شبّ فيه الحياء كأنه نارُ
تغضي من النور كأن الضياء في لمحه عارُ
سجا دجاها واطمأن الخفاء ونامت الدارُ
فعربدت للحب أنى يشاء والحبُّ قهارُ
والليلُ ستّارُ
أعادها للصبح تغضي حياء

والرقّ نارٌ من قديمِ الزمان من نفسها تأكل
تحررت نفسي وعيّ اللسان فجاءها يُعول
عبدٌ وحرٌ في دمي ساكنان ربّاهُ ما أفعل
أهمُّ بالقيد فتهوي اليدان ويضربُ المعول
في كل ما أحمل
فأسحق العودَ وتبقي البنان



































محمود حسن إسماعيل:
فَلتقُمْ بعد موتهِ ثورة الشّاني
فقد فارق الوغى الصمصامِ
ولهُ الشأنُ عزةٌ وخلودٌ
ولهم شأنهم صدىً وكلام
إيهِ يا ساقي المساكين كأساً
لم تسلسل رحيقها الأيام
قد جعلتَ الآلام وحيك حتى
فجرّت نبعها لكَ الآلام
كنت في عزلةٍ مع الوحي تشكو
ولشكواكَ كاد يبكي الغمام
تمسحُ الدمعَ من عيونِ اليتامى
وببلواك ينشجُ الأيتام
فَقُمْ اليومَ وانظر الشرق ضاعت
من يديهِ مواثِقٌ وذِمام
إيهِ يا مصطفى وفي القلبِ شجونٌ
وفي الصدرِ حرقةٌ وضِرام
ليتَ لي سمعُكَ الذي كرّمَ اللهُ
صداهُ فماتَ فيه الكلام
كنتَ والوحيَ في سكونِ نبيٍّ
عادهُ في صلاتهِ إلهام
تتلقاهُ خاشع الهمسِ عفّاً
مثلما رفَّ بالغديرِ حمام
لا ضجيجٌ ولا اصطخابٌ ولكن
هدأةُ الرّوحِ قد جلاها المنامُ
هكذا نعشُكَ الطهور تهادى
كالأماني لا ضجةٌ ،لا زحام
فاذهب اليوم للخلود كما كنتَ
تُغاديكَ هدأةٌ وسلام
لم يمتْ من طواهُ في قلبهِ الشّرقُ
وغنّى بذكرهِ الإسلام

محمود حسن إسماعيل يرثي مصطفى صادق الرافعي:
لم يطب للنبوغِ فيكِ مُقام
لا وعليكِ ـ الغداة ـ مني سلامُ
تسكبُ البرءَ من جراحٍ عليها
ترعشُ العمرَ شكوةً وسقامُ
أنتِ ـ يا مصر ـ واصفحي إن تعتّبتُ
وأشجاكِ من نشيدي الملامُ
قد رعيتِ الجميلَ في كلِّ شىءٍ
غير ما أحسنتا بهِ الأقلامُ
إيهِ يا مصطفى وفي القلوبِ شجونٌ
وفي الصدرِ حرقةٌ وضرامُ
ليتَ لي سمعكَ الذي كرّم
اللهُ صداهُ،فمات فيه الكلامُ

محمود حسن إسماعيل يرثي مصطفى صادق الرافعي:
كنتَ والوحي عاشقين،فماذا
بعد نجوى السماء يبغى الغرام
هكذا نعشُكَ الطهورُ،تهادى
كالأماني،لا ضجةً ولا زحام
فاذهب اليومَ للخلودِ كما كنتَ
تغاديك هدأة وسلام
لم يمت من طواهُ في قلبه الشرق
أو غنّى بذكرهِ الإسلام

محمود حسن إسماعيل:
سجداللاتمؤمنا! وجثاالعزى
يناجيمناةيا صاح أبشر!
هل في ساحنا وميض من النور
غريب التلماح،خافي التصور
ذره أرعد الصفا! وأحال الص
خور روحاً يكاد في الرمل يخطر
لا من الشمس فيضه فلكم شعت
علينا فلم ترع أو تبهر
لا من النجم لمحه..فلكم لاح
كئيب الضياء وهنان أصفر
قد نسخنا به! ومن غابر الدهر
نسخنا البلى ولم نتغير

ألهونا
..
وعفروا وهم الصيد


علاهم على ثرانا المعفر
سر بنا يا

مناة

نخشع جلالاً
لسنا النور

علّه اليوم يغفر
عجباً
!
خرت المحاريب والأص
نام دكا
..
والعبدُ ما زال يكفر

محمود حسن إسماعيل:

أسكنتهُ بغتة الموتِ الرّغاما
أيقظوهُ،فهو يأبى أن يناما
أيقظوهُ فهو يأبى أن يرى
هامدَ التَّربِ لجنبيه مقاما
أيقظوهُ! فهو فجرٌ راقدٌ
لم يُعوَّدْ نورُهُ هذا الظلاما
لم يكد يُشرقُ حتى اندفعت
راحةُ التابوتِ تسقيهِ القتاما
كيف لم يعصف بها وهو الذي
لم يكن إلا مضاءً واعتزاما

سجدات وجه مشرق نضح التقى
في كل مالمحت به سيماؤه
لو راءه عاتي المجوس تخشعت
للنار من غيّ النهى أعضاؤه
لانحاز في ركب النبي،وناره
نور تدفق في الصلاة ضياؤه
طاحت بي الأقدارُ في غرفةٍ
يا ليتَ لي من دونها الهاويه
لم يخفقُ الصفوُ بها لحظةً
ولم تزرها النّعمةُ الرّاضية
كَمهجة الخائب في ذلّتها
ظلماء من طيفِ المُنى خاليه
تكافح الليل بها شمعةٌ
ذابت من الوجد كأحشائيه
كأنها والدّجنُ يلهو بها
أمنيّةٌ في يأسها فانيه
دموعها تهمى وأنفاسها
تفضحُ سرّ الحُقة الذاكيه

محمود حسن إسماعيل:
مقبرة الحي
كأ كبُدِ العشاق تخفى الضنى
والدمعُ نمّامٌ على الخافيه
يا شاكيَ الهمِّ لأيامه
لقد شكوتَ البغيّ للباغيه!
أقصِرْ عن الشكوى إليها فما
دنياي إلا حيّةٌ غاويه
إهابُها يُغري وفي نابها
لمن تمس الوخزة القاضيه
دهرٌ لهُ في بطشه لذةٌ
كالوحشِ يفري مهجة الثاغيه

غبن من الأيام لا رحمة
تحيى ولا صبر على العاديه
ولا فناء عاجل أشتهي
في وِؤردهِ الراحة مما بيه

صلاح عبد الصبور في قصيدة”دمعة على نزار”:

ماذا أحدث والأشعارُ باكية
دمعٌ هتون على الخدّينِ ينسكبُ
جفّ المِداد وغاضت في محابرها
كلّ الحروفِ فكيفَ اليوم تنكتبُ
سالَ الوفاء دماءً من محاجرنا
فغممَ القلب بالآهاتِ ينتحبُ
إنّي أكابدُ شوقاً من لظى كبدي
فلا تلمني على العبراتِ يا نقب
نزار! يا فارسَ الأشعارِ معذرةً
إن جاءَ شعري بجمرِ الحزنِ يلتهبُ
أنا كم حبست دموعي عندَ فقدكم
حتى تهاوتْ في الآماقِ تصطخبُ
رفقاً بقلبٍ عليلٍ قد أحبكمو
قد أشعلَ الشعر ناراً مالها حطبُ
يا شاعرَ الحبّ قد سارت روضاً في نضارته
وسوف يبقى بذهنِ الشرقِ يكتتبُ
أينَ النساء اللواتي كنت تطلقها
من معقل الدهرِ والتاريخُ يضطربُ
وتنشرُ الشّمس تبراً في ضفائرها
حتى تراها بشال النور تغتصب

صلاح عبد الصبور في قصيدة”
دمعة على نزار”:
خمسونَ عاماً تصوغُ الشعر أغنيةً
حتى ترنم في ساحاتنا الأدب
نزاراً يا شاعراً تسمو بمناقبه
ومن لخير جذور العرب ينتسبُ
جلَّ المُصاب وجاءت في رثائكم
كلّ الحروف بلونِ الجرحِ تختضبُ
قد يحملُ الشعرُ بعضاً من مشاعرنا
أما القلوب فحارت دونها الكتب

سيد قطب قصيدة إلى الظلام ـ مجلة الثقافة ـ :
إلى الظلام الأمين
تحدّري يا سفيني
وجانبي كلّ نورٍ
النورُ يؤذي جفوني
لقد حطّمتُ شراعي
ومجدفي ويميني
وهدَّ عزمي موجٌ
يثورُ كالمجنونِ
أخشاهُ أخشاهُ جُهدي
فحاذري يا سفيني
طالَ الصراع وناءت
نفسي بعبءِ السنين
أريد وقفة أمنٍ
في مجهل مأمونِ

سيد قطب قصيدة إلى الظلام ـ مجلة الثقافة ـ :
أزيحُ فيه قليلاً
عن عاتقي الموهون
وأستريحُ رويداً
من الصراعِ الحرونِ
وقد أُعاودُ سيري
في اللّجِ أزجي سفيني
إلى الظلامِ الأمين
إلى ملاذ المسكين
طال التيقظ حتى
أغشى السهاد عيوني
إلى المأرب فامضي
لانزوى عن شجوني
وعن رجائي ويأسي
الانزواء مريحٌ

وكلّ ما يعنيني
فأوغلي يا سفيني

سيد قطب:
اطمأن الليل إلا من فؤاد
مستطار هائم في كلّ وادٍ

خافق يرجف كالطيرِ الذبيح
أفما آن له أن يستريح
إنه يحيا كما يحيا الطريد حيرة
غطت على هذا الشريد

باحثاً في الأرض عن مأوى أمين
ليته يلقى شعاعاً من يقين
ودموع طيعات إذ تسيل كل ما في
الكون والناس ضئيل

إيه،كفي يا دموعي، لا تسيلي
عن دموعي،وهي قرني أو خليلي
أنا لا أبكي على ماض ذهب
إنما في النفس معنى مضطرب

ولا مستقبل ضاع هباء
لم أجد رمزاً له إلا البكاء

سيد قطب في قصيدة الغد المجهول(
الرسالة العدد66):
يا ليتَ شعري، ما يُخبئهُ غدي
إني أروحُ مع الظنونِ وأغتدي
وأُجيلُ باصرتي وبها وبصيرتي
أبغي الهدى فيها،وما أنا مهتدِ
حتى إذا لاحَ اليقينُ خلالها
أشفقتُ من وجهِ اليقينِ الأسودِ
وأشحتُ عنهُ،ولو أطقتُ دعوتهُ
وطرحتُ عنّي حيرتي وتردّدي
فكأنّني الملّاحُ تاه سفينهُ
ويخافُ من شط مُخيفٍ أجردِ
ماذا سيولدُ يومَ تولدُ يا غدي؟
إنّي أُحسُّ بهولِ هذا المولدِ
سيُصرِّحُ الشكُّ الدفينُ بمهجتي
فأبيتُ فاقدَ خيرِ ما ملكت يدي
ستروعُ من حولي عواطف لم تزل
تُضفي عليَّ بعطفها المتودّدِ
ستجفُّ أزهارٌ يفوحُ عبيرُها
حولي،وينفحلُ بها الأرجُ النّدي
والمشعلُ الهادي سيخبو ضؤوهُ
ويلفنّي الليلُ البهيمُ بمفردي
ماذا تخلفُ يوم تذهبُ يا غدي
ستخلفُ الأيامً قاعاً صفصفاً

لا شىء بعد الفقدِ للِمُتفقدِ
تذر الرياحُ بها غبارَ الفدقدِ
لا مُرتجى يُرجى ولا أسفٌ على
ماضٍ يضيعُ كأنّهُ لم يُوجد
أبداً،ولا ذكرى تُجدّدُ ما انطوى
حتى التألمُ لا يعودُ بمشهدي
ربّاه إنّي قد سئمتُ تردّدي
فالآن فلتقدم بهولك يا غدي

سيد قطب في قصيدة عاشق المحال ـ الثقافة العدد 175:
ضقت بالقيد فانطلق
أيها الآبق الشرود
قد تحرّرت فاستبق
للصراعات من جديد
انطلق اصعد الرّبا
ثم تهوى إلى السفوح
شارداً يقطع الحياء
في التعلات والطموح
انطلق تفجأ الخطر
كالذي يفجأ الرجاء
لعبة في يد القدر
تذرع الأرض والسماء
جمرة أنت تتقّد
خلف ستر من الرماد
وهي تذكو بلا مدد
ثم تغدو إلى نفاد
أنت من طينة القلق
صاغكَ الله والجموح

سيد قطب في قصيدة عاشق المحال ـ الثقافة العدد 175:
تعشق الأين والحرق
والعقابيل والجروح
أنت ترنو إلى المحال
فإذا شارف المنال

عاشقاً بعدهُ السحيق
خلته من لقى الطريق
ضقت بالقيد من ذهب
فانطلق ثم لا تثب

ضقت بالأمن والقرار
عشت للخوف والعثار

سيد قطب(
الرسالة العدد 610):
جفَّ الرثاءُ بخاطري المفجوعِ
إنّي ذهلتُ عن المصابِ بوقعهِ

وصمت لا أفضي بغير دموعي
حيناً،ذهولَ الواهمِ المخدوعِ
فظللت أنصتُ للرجاءِ وأتقي
صوتَ اليقين الفاجع المسموعِ
أيموتُ؟كلا!لا يموت وهذه
أيموت والأحداثُ تهتف باسمه؟

مصر تُرجّي نجمهُ لسطوعِ
أتكون تلك هُتافة التوديع؟
قل أيها الناعي سواه فما أرى
واويلتاه! إنها لحقيقة

أني وإن جاهدتني بسميع
جلّت عن الإيجافِ والترويعِ

سيد قطب في الحرية:
تيّمت كلُّ فؤادٍ في هواها
مُزجت بالروحِ في تكوينها

واستوت من كل نفس في حشاها
فهي لا ترضى بها شيئاً سواها
فُتِنَ الطفلُ بها في مهده
سبّحَ العصفورُ وشدا باسمها

وغرام الشيخ فيها قد تناهى
ورآها فتنة لمّا رآها
هي روحانية في سحرها
مُزجت بالروحِ فازداد سناها
صوروها وتولّوا وصفها
ويحكُم يا قوم شوّهتم حلاها

سيد قطب(
الرسالة العدد69):
بالأمسِ كنتُ أعيشُ نضو ترقبٍ
أزجي حياتي كالأجيرِ المُتعَبِ
أرنو إلى الإصباحِ،ثمَّ تمجُّهُ
نفسي،وأنظرُ كارهاً للمغربِ
وأحسُّ بالقفرِ الجديبِ يلّفني
فأعيشُ في ظلم كقبرِ الغيهبِ
ولو إنّما اختصرت حياتي لم أكن
أدري بما نقصت،ولم أتعتَبِ
وإذا تشابهتِ الحياةُ أقفرتْ
كُرهت،فلم يُشعَرْ بها أو تطلَبِ
واليومَ آسفُ للدقائقِ تنطوي
من عمريَ الغالي الثمينِ الطيِّبِ
واليومَ أرقبُها وأرقبُ خطوها
فأعيشُها مثلين بعد ترقبي
وهي العميقةُ كالخلودِ وإنّما
تمضي حثيثاً في خُطا المُتوثبِ
وأودُّ أن لو أبطأتْ وتلبثتْ
في خطوها لبثَ الوئيدِ المكثبِ
تغلو الدقائقُ في حياةٍ خصبةٍ
وتهونُ أعوامٌ بِعمرٍ مُجدبِ
الحبُّ فاضَ على الحياةِ بِخصبهِ
وأجدَّ عُمراناً بكلِّ مُخرِّبِ
وأزاحَ أستارَ الدُّجى فتكّشفتْ
ظلماتُهُ عن كلِّ زاهٍ مُعجبِ
وكذلكَ تحلو لي الحياة وتجتلى
وتعزُّ ساعاتُ الغرامِ المخصبِ

سيد قطب:
أنرْ بفؤادي كل أسوان مظلم
وصور بها الآمال:إني رايتها

ببسمة راض في الحياة منعم
تطيفُ بريّا ثغرك المُتبّسمِ
وطالع بها وجه الحياة نديّة
تمس حشاشات القلوبِ ببلسمِ
وتسري إلى الأرواح روحاً مهوما
يفيض عليها من رضاء وأنعمِ
فديتُكَ لا تال الحياة ابتسامة
أرقّ وأحنى من خيال مهومِ

سيد قطب:
مرنحة الأعطاف تومض خلسة
فديتكَ أرسلها على الكونِ غبطة

وتخطرُ في رفق بذيالك الفمِ
تشافهه همس الرجاء المتمم
وتدركها الأرواح في خطراتها
كما تدرك الأسماع همس الترنمِ
فديتُكَ لا تأل الحياة تبسماً
فإنكَ لم تخلق لغيرِ التبسم
وقتكَ الليالي العابسات عبوسها
إذن فتبّسم كيف شئت وأنعمِ

سيد قطب:
غريبٌ أجل أنا في غربة
غريبٌ بنفسي وما تنطوي

وإن حفَّ بي الصحبُ والأقربون
عليه حنايا فؤادي الحنون
غريبٌ وإن كان لمّا يزل
ببعضِ القلوبِ لقلبي حنين
ولكنها داخلتها الظنون
وجاور فيها الشكوك اليقين
غريبٌ فوا حاجتي للمعين
ووالهفَ نفسي للمخلصين

سيد قطب:
خلعتُ قيودي وانطلقتُ مُحلقاً
أهوّم في هذا الخلود وأرتقي

وبي نشوةُ الجبارِ يستلهم الظفرا
وأسلكُ في مسراهُ كالطيفِ إذ أسرى
وأكشفُ فيه عالماً بعد عالم
عجائب ما زالت ممنعة بكرا
لقد حجب العقل الذي نستشيرهُ
حقائق جلّت عن حقائقنا الصغرى
هنا عالم الأرواح فلنخلع الحِجا
فننعم فيه الخلد والحبّ والسحرا

سيد قطب:
جفّ قلبي من الحنين ففاضت
وحسب الدموع ذكرى توارتْ

عبراتي وأقفرت منذ حين
بين ماضي حياتي المكنون
وإذا بي أودّع اليوم عهداً
فتفيضُ الدموع ملء الجفون
في انسكاب يغض من كبريائي
واضطراب يرتاع منه سكوني
يا دموع الوفاء أنتنَّ أغلى
أن ترقرقنَ للوفاءِ الغبين

سيد قطب:
أكاد أشارف قفر الحياة
فأشفق من هوله المرعبِ
هنالك حيث ركام الفناء
يلوحُ كمقبرة الغيهب
هنالك حيث يموت الرجاء
فأرجع كالجازع المستطار

وثوي الأماني كالمتعبِ
أرجّي أماني في المهربِ
ولكنه مقفر أو يكاد
فاللغريب،ولم يغربِ؟

سيد قطب في قصيدة المعجزة(
الرسالة العدد 72):
منحتني اليومَ ما الأقدارُ قد عجزت
عن منحهِ،وتناهى دونهُ أملي:
منحتني الحبَّ للدنيا التي جهدت
في أن تميلَ لها قلبي فلم يَملِ
وكلّما قرّبتني قلتُ:خادعةٌ!
وكلّما طمأنتني قلت:وا وجلي
ويغمرُ الشكُّ نفسي كلّما كشفتْ
عن فاتنٍ من حُلاها،غير مُبتذلِ
حتى خسرتُ من الأيام ما غبرتْ
به السنونُ،وحتى عقّني أجلي
واستلهمتْ هذه الدنيا طبيعتها
في معجزٍ من قواها،قاهر،حانِ
فأبدعتُكِ جمالاً كلّه ثقةٌ
يؤلفُ الحبَّ من وحي وإيمانِ
وأودعتكِ رحيقاً من خلاصتها
ومنبع السحر فيها جدّ فتّانِ
وأرسلتكِ يقيناً في طلائعها
منيرة في دجى عقلي ووجداني
فكنتِ آخرَ سهمٍ في كِنانتها
وكنتِ معجزة من خلقِ فنّانِ
والآن أخلصُ للدنيا وأمنحها
حُبّي،وأدرك ما فيها من الفتنِ
والآن أنظر للدنيا وأنتِ بها
كعاشق،بهواها جدُّ مُفتتنِ
والآن أعمل للدنيا على ثقةٍ
بأنني في قلبها الخفّاق في الزمن
والآن أنصت للدنيا فيطربني
من صوتها العذب لحن ساحرُ اللحنِ
لكِ الحياةُ إذن ما دمتِ مانحة
لي الحياة بلا أجرٍ ولا ثمنِ

سيد قطب في قصيدة إلى الشاطىء المجهول:
تطيفُ بنفسي وهي وسنانة سكرى
هواتف في الأعماق سارية تثرى
هواتفُ قد حُجبنَ يسرينَ خِفية
هوامسُ لم يكشفنَ في لحظة سِترا
ويعمرُنَ من نفسي المجاهل والدجى
ويجنبنَ من نفسي المعالمَ والجهرا
وفيهنّ من يُوحينَ للنفسِ بالرضا
وفيهنَّ من يُلهمنها السّخط والنكرا
ومن بين هاتيك الهواتف ما اسمهُ
حنينٌ،ومنهنَّ التشوّقُ والذكرى
أهبنَ بنفسي في خفوتٍ وروعةٍ
وسرنَ بهمس وهي مأخوذةٌ سكرى
سواحرُ تقفوهنَّ نفسي،ولا ترى
من الأمر إلا ما أردنَ لها أمرا
إلى الشاطىء المجهول،والعالم الذي
حننتُ لمرآه،إلى الضفة الاخرى
إلى حيث لا تدري،إلى حيث لا ترى
معالم للأزمانِ والكونُ تستقرا
إلى حيثُ(لا حيث) تميز حدودهُ
إلى حيث ننسى الناس والكون والدهرا
وتشعر أنّ(الجزءَ) و(الكلَّ) واحدٌ
وتمزج في الحسّ البداهة والفكرا
فليس هنا(أمسٌ) وليس هنا(غدٌ)
ولا(اليومُ)فالأزمانُ كالحلقة الكبرى
وليس هنا(غيرٌ) وليسَ هنا(أنا)
هنا الوحدة الكبرى التي احتجبت سرّا
خلعتُ قيودي وانطلقتُ مُحلّقاً
وبي نشوةُ الجبّارِ يستلهم الظفرا
أهوم في هذا الخلود وأرتقي
وأسلك في مسراهُ كالطيفِ إذ أسرى
وأكشف فيه عالماً بعد عالم
عجائب لا زالت مُمنّعة بكرا
لقد حجب العقل الذي نستشيرهُ
حقائق جلت عن حقائقنا الصغرى
هنا عالم الأرواح فلنخلع الحِجا
فنغنمَ فيه الخلدَ والحبَّ والسحرا

سيد قطب(
الرسالة العدد273):
لعينيك تَستبيحي وهمس سرائري
وفي صمتها الموحى مرادُ خواطري
تُطلّ على الدنيا فتوقظ قلبها
وتمنحُ هذا الكون إيمان شاعر
تسكب في ألحانه عبقرية
من الفن لم تخطر بآمالِ ساحر
وتجلو من الدنيا عميق فنونها
وتكشف في أطوائها كلّ خاطرِ
ومن عجب توحي بفتنة ساحر
وتهمس في صمت بتقديس طاهر
لقد شفّ هذا الوجه حتى كأنّهُ
خواطر فنان ندّي المشاعر
وقد رقَّ هذا الجسم حتى كأنّهُ
هواتفُ حلم ناعمات البشائر
وقد رقَّ هذا الصوت حتى كأنّهُ
أغاريد لحن في السموات عابر
وقد خفّ هذا الخطو حتى كأنّهُ
مرور نسيم بالأزاهير عاطرُ
وخلتُك طيفاً هامساً في ضمائري
وإنّكَ طيف هامس للنواظر
لأيقظت في نفسي سعادة شاعر
وراحة موهوب وغبطة ذاخر
وأشعرتني معنى الطلاقة والرضا
ومعنى الغنى عن كلِّ آت وغابر
مدى فيه من أفق الخلود مدارج
رقيتُ إليها في سنى منك باهر
سبقتُ به خطو الحياة لنهجها
وجزتُ بهِ آفاقها في المعابر
فيا لك من هادٍ سنيَّ المنائر
ويا لي من سارٍ وحيِّ البصائر

محمد قطب الثقافة العدد 250:
يا ليل
سهران تحصي خفقات القلوب
والصمت في طيّك ساج رهيب
ترقبها وأنت مستغرق
كأنّما أنت عليها رقيب
وفيك يا ليل سجلٌ طوى
أسرار كون مترامٍ رحيب
تضم هذا الكون في لجته
يجتمع النائي بها والقريب
ما فات أذنيك صدى خافت
أو حجبت عنك خفايا الغيوب
فنفثة محروم سجلّتها
ونشوة المشتاق يلقى الحبيب
ودمعة المكروب في سهدهِ
وقد قضى الليل بقلبٍ كئيب
وبسمة الهانىء في نومه
يحلم بالعيش الهنىء الرتيب
وصرخة الطفل إلى أمه
وأمه لما صحت تستجيب
وذلك الشيخ وهى عظمه
يُسمع للموت إليه دبيب
وهذه الحسناء مشغولة
يملأ جنبيها شواظ اللهيب
يا ليل تحوى كل سرٍّ عجيب
تظل تطويه إلى أن يغيب
فإن قضى يا ليل ميقاته
وحان في حكمك من المغيب
تمضي به كأنه لم يكن
يخطر في هذا الفراغ الجديب
كأنما لم تحوهِ ساعة
ولم تكن تقسو له أو تطيب
في أيّ وادٍ في الدجى مظلم
تذهب يا ليل بتلك القلوب؟
وأمس إذ كنت وديع السُّرى
هل انطوى ياليل أمس القريب؟
وهذه الليلة إذ تثنى
في نشوة كالمستهام الطروب
هل ينتهي حسنك هذا غدا؟
وهكذا تذهب أعمارنا

تطويه في هذا السجل العجيب
وكل حسن وجمال حبيب؟
في أي واد في الدجى مظلم يا ليل؟
ما أفتأ مستفسراً

تذهب يا ليل بتلك القلوب
وأنتَ تمضي ساهماً لا تجيب

محمد قطب (
مجلة الثقافة العدد 291):
بسمة من فمك العذب بشر في حياتي
هي بشر يملأ النفس بعذب النشوات
هي نورٌ يمنح الروح دُني منطلقات
هي ليست في خيالي بسمة كالنسمات
هي من أسرار كون عبقري النفحات
هي سحر غامض السرّ خفيّ اللمسات
بسمة تطلق قلبي من قيودي العاتيات
بسمة تمسح آلامي وتمحو حسراتي
بسمة تنزع سماً كامناً في خفقاتي
بسمة تبعثني خلقاً جديداً في الحياة
فكأنّي أولد الآن جديد الخطرات

بسمة تمنح روحي لحظات خالدات
بسمة ترقى ضميري من سواد الظلمات
هي ليست في خيالي بسمة كالبسمات
هي في وهمي كون حافل بالمعجزات
كلما أشرقت بالبسمة فاضت نشواتي
وهفت روحي نشوى بأمانٍ مشرقات
فأبتسم حين تلاقيني وزدني بسمات


طال عهدي مظلم القلب كئيب الخفقات
مُثقل النفس من الشجو ووقر السنوات
فابعث النشوة في نفسي ودّد ظلماتي
بسمة من فمك العذب بشير في حياتي

محمد قطب ـ وحي الربيع ـ الثقافة العدد 272:

ذلك الكون جمال عبقريّ النفحات
ذلك الليل نشيد قدسيّ النغمات
سرت النسمة فيه كرفيف الذكريات
توقظ الأشواق في القلب وتُذكي الصلوات
وهفا البدر إلى الأرض حيىِّ النظرات
والأزاهير يفتحن كأشهى البسمات
نغمة علوية تشمل كل الكائنات

كل شىء طافح بالبِشر حفيّ بالحياة
نفخ الساحر فيها فصحا بعد موات
كل شىء ولد الليلة سحري السمات
وفؤادي بعث الساعة مذخور الحياة
تلك نفسي لم تكن تعمرها غير شكاة
وأفانين من الشجو ومرّ الحسرات
ما لها الليلة نشوى لا ككل النشوات
وفؤادي ذاخر الحسّ ….الخفقات
نفخ الساحر فيه فصحا بعد موات

أنا والكون نجيان شبيها النزعات
نسمة من ذلك الساحر فنان الحياة
جمعت بين ضميري وضمير الكائنات
رقصة الزهرة في الغصن تحاكي خفقاتي
هذه الحيرة في حسي وفي حسّ الحياة

وكلانا حالم أو هائم في سبحات
يحلم الكون بليلات ربيع ساحرات
وأنا أحلم بالحب وعذب الأمنيات





إيه ما أجملها اللحظة بين اللحظات


هدأة تشمل نفسي وجميع الكائنات
سكر السكون من الحسن وأغفى في سبات


أفتغنى هذه اللحظة بين السنوات؟
إنني أسمع لحناً عبقريّ النغمات


قد سرى من عالم الغيب خفي الهمسات

هذه اللحظات للخلد فليست فانيات




يذهب الدهر ويمضي وهي تبقى خالدات

أمينة قطب في رثاء زوجها كمال السنانيري:

ما عدتُ أنتظرُ الرجوعَ ولا مواعيد المساء
ما عدتُ أحفلُ بالقطارِ يعود موفور الرجاء
ما عاد كلب الحي يزعجني بصوت أو عواء
وأخافُ أن يلقاك مهتاجاً يزمجر في غباء
ما عدتُ أنتظرُ المجىء أو الحديث ولا اللقاء
ما عدتُ أرقبُ وقعَ خطوك مقبلاً بعد انتهاء
وأضىء نور السلم المشتاق يسعد بارتقاءِ
ما عدت أهرع حين تقبل باسماً رغم العناء


إبراهيم عبد القادر المازني:
نضب العزم،والمنى ثرة العين
شيبة العزم مع شباب الأماني

لَعمرُكَ ما أسوأ القرناء!
أضعيف يظاهر الأقوياء
دونَ ما تبتغي حوائل ضعف أيها”الطين”
ما ترى بك أبغي!

فاجعل العزم والمنى أكفاء
لست فيما أرى لشىء كفاء
إن طلبت السماء قلت لي الأرض
أو الأرض كنت لي عصاء
صرت حتى الذي أفكر فيه
لست أستطيع صوغه والأداء

إبراهيم المازني في رثاء محمد فريد:
وضعَ الزمانُ على جلالكَ خَتمه
وأثابكَ التخليدَ في الأخلادِ
لا يستطيع عداكَ طيّ صحائف
نشرتها أو طمها بسوادِ
ما في حياتك لوثة موكولة
لتسامح الحساب والنقاد
مثلُ الضحيةِ أنت فينا بارزاً
بوركتَ من برّ بأكرمِ وادِ

حفني ناصف يرثي عبد الله فكري:
لَيدَّعِ المدّعون العلم والأدبا
فقد تغيّبَ عبد اللهواحتجبا
ولينتسب أدعياء الفضل كيف قضت
آراءهم إذ قضى من يحفظ النسبا
وليفخر اليوم قومٌ باليراعِ ولا
خوف عليهم فمن يخشونه ذهبا
وليرقَ من شاءَ أعواد المنابر إذ
ماتَ الذي يتقيّه كلُّ من خطبا
لو عاشَ لم يطرقُ الأسماعَ ذكرهمُ
في طلعةِ الشمسِ من ذا يصرعُ الشهبا
فليسمُ من شاءَ بالإنشاء ولا عجب
مضى الذي كان من آياته عجبا
طودٌ من الفضلِ من بعد الرسوخِ هوى
وكوكب بعد أن أبدى الهدى غربا

سارت جنازته والعلم في جزع
والفضلُ يندبهُ في ضمن من ندبا

أحمد نسيم:

أعاتب قومي والعتاب تودد
إذا لم أجد بين الورى من أعاتبه
إلى مَ ضياع العمر في غير عائد
بجدوى ولم يرجع من العمر ذاهبه
يصاب الفتى بالحادثاتِ تحيطه
وأول من يسعى إليها أقاربه
معاتب لا تحصى إذا ما عددتها
ورحم الفتى أن لا تعد معائبه

أحمد نسيم يرثي مصطفى كامل:
ما بال دمعك لا هامٍ ولا جاري
هل اكتفيتَ بما في القلبِ من نارِ
جفّت دموعكَ من عينيك واستترت
فيها لواعج أحزانٍ وأكدار
ضاعَ الصوابُ ونفسُ المرءِ ساهمةٌ
ما بينَ أقضيةٍ تجري وأقدارِ

إذا عجز المقهور عن قهر خصمه
لدى البطش لم يلجأ لغير سباب
خمول ولهو وانحطاط وذلّة
وغدر ووعد لا يؤنب كاذبه
وكم ماكر ينساب أرقم مكره
وآخر مشاءٍ تدبُّ عقاربه
يمينك فانظر نظرة المرء خلسة
تجد بائساً ملقى على الضيم غاربه
أرى ناظر الشرقي يرنو من الأسى
رنو امرىءٍ ضاقت عليه مذاهبه

وقد يطأ المرءُ الأسنّة مُكرهاً
ويركبُ عند اليأس شرَّ ركاب
أخا النُصّح دع لومي وطول عتابي
فقد آن أن أرضى النُهى بمتابِ
مضى زمنٌ أقلعتُ فيه عن الحجا
وصوبتُ رأياً كان غير صوابِ

عزيز أباظه في رثاء الأمير مصطفى الشهابي:
نبا عنا العزاءُ أبالميسٍ
غداةَ نعتكَ للشرقِ النواعي
ومثلُك ـ أين مثلك ـ يوم يودي
يحسُّ الخلقُ بالكنز المُضاعِ
وبات الفاقدون كأن ليلا
تردّوا في دجاه بلا شعاعِ
وصحبُك ـ يا لصحبك ـ روّعتهم
نواك،وكلُّ وصلٍ لإنقطاعِ
هو الموتُ الذي لا تتقيه
سرى فينا أذاه مع الرّضاعِ
إذا ما كرَّ أعجزَ كلَّ فرٍ
وخفَّ من البِطاءِ إلى السِّراعِ
فليسَ تقيك شامخةُ الرواسي
ولا تحميكَ باذخةُ القِلاعِ
ومن لم تَطوه اليومَ المنايا
فهنَّ إليه في غدهِ سواعِ
وبين اثنين نحن فذو مُضىٍ
إلى السفرِ البعيدِ وذو زَماعِ
ولم يرجع فينبأنا مُنبٍ
أذو ضيقٍ تراه أم اتساعِ
وهل لقيت لذيذَ الروح روحٌ
دعاها من طوايا الغيبِ داعِ
وهل وقعتْ على ألم مضيضٍ
بما نهلتهُ من رنّق المتاعِ
سيعيا العلمُ عن علمٍ ويبقى
على زحفِ الدهورِ قصيرَ باع
وحسبُ الخلقِ أن الله لاقٍ
ذنوبهم برحمات وِساع
مضى شيخُ الثقاتِ وفي يديه
بقايا للطروسِ ولليراع
سعى للضادِ مُحتشدَ المساعي
فما أسماها:مسعىً وساعِ
وقارع كلَّ ذي ضغنٍ عليها
بماضي المتنِ مرهوبَ القراع
وزاد بمنطقِ العلماء عنها
كَنورِ الصبحِ مؤتلقِ الشعاعِ
وطوّعها لحاجات المعاني
فأبدع ثمَّ في غير ابتداع
وقرّبها إلى العلماء روضاً
سخيَّ النّبتِ منضورَ المراعي
ووِرداً دافقَ الدُفاعِ ذلّت
مصادرهُ لهم بعد امتناع
معاجمُ صاغها فرداً فأغنى
بهن غَناءَ جمعٍ واجتماعِ
جلاها خيرَ ما تُجلى عروسٌ
عميقُ دراسةٍ وطويلُ باعِ
ووصّلها بماضيها وكانت
إلى أن راضها ذاتَ انقطاعِ
عجبتُ لحاقدين عدوا عليها
وملءُ نفوسهم أشَرُ الضّباعِ
رموها غير مدَّخرين وُسعاً
لقد نزلوا على أمرٍ مطاعِ
وكانوا أمسِ يُخفون الطوايا
على وَغرٍ بموشىِّ الخداعِ
فصالوا اليومَ بالرأي المُشاعِ
وبالخَبرِ المُذاعِ بلا قناعِ
إذا استقووا فإن الحقّ أقوى
وأبقى والسرابُ إلى انقشاعِ
تعالى اللهُ كالئُها وواقٍ
محارمَها وراعٍ أيُّ راعِ
أيا ابن الكابرينَ بنوا فأعلوا
صروحَ المجدِ باذخة اليفاعِ
قُريشيّين يقصرُ عن مداهم
وباعهم المُرجَّبِ كلُّ باعِ
علت بكم من العِرقِ المُصفّى
مساعٍ لا تُطاولها مساعِ
وأورثكم مفاخرَهُ عتيقٌ
من الأبيات مقصودُ الرِباعِ
فنشّأكم على خلُقٍ ودينٍ
وإسداءِ الجميلِ والاصطناعِ
ومن ورِثَ السموقَ وكان أهلاً
له ضمَّ ارتفاعاً لإرتفاعِ
وجرَّ لقومه رسّ المعالي
وزادَ فنالَ غيرَ المستطاعِ
نهضتم بالعروبة مذ صباكم
ببدريّ التدافعِ والدفاعِ
وبين السابقين الصيدِ كنتم
رجالَ السيفِ منهم واليراعِ
ألم يُقتل أخوك شهيدَ رأي
فأعلت روحهُ روحَ الصراعِ
فهبّت أمةٌ وصحت ثغورٌ
وطارَ لظى البقاعِ إلى التلاعِ
وكنت لعارفٍهارونتغشى
مخاطره شجاعاً عن شجاعِ
فأينَ اليومَ نحن؟لقد نزلنا
على حكم اتّضاعٍ واتّداعِ
قطعنا العمرَ بين هوى ولهوٍ
وتثميرِ النزاعِ من النزاعِ
نبيتُ إذا النوازلُ داهمتنا
نُراعيها ونُصبح لا نُراعي
وتُلهينا الحياةُ عن الأفاعي
أعادينا فتلدغنا الأفاعي
يُداجي بعضُنا بعضاً كأن لم
نكن غَرَضاً لأنيابٍ جياعِ
ويغشانا عدوُّ الله صفاً
وبين صفوفنا عشُّ الصراعِ
يواثبنا بعلمٍ عن عَيانِ
وندفعه بجهلٍ عن سماعِ
ويطرقنا بأفئدةٍ جُماعٍ
فنلقاهُ بأفئدةٍ شعاع
إذا الهونُ الذي ذقناه أفضى
إلى بعثٍ فعزمٍ فانتفاعِ
نسيناهُ وقلنا ربَّ شرٍ
لخيرٍ وانقماعٍ لاندفاعِ
متى نُجمع على صفوٍ ورُشدٍ
متى؟والحقُّ يؤذن بالضياعِ
بني سوريةَ اعتصموا بصبرٍ
فما ردَّ القضاء بِمُستطاعِ
مصابُكم بصاحبكم مُلّمّ
بكلِّ مثقفٍ في العُربِ واعِ
لئن عاف الحفاوةَ وهو حيٌّ
فقد صعدت إليه مع الوداع
نبا عنا العزاءُ أبالميسٍ
غداةَ نعتك للشرقِ النواعي
حباكَ الله من حُلّو الدَّماع
بجنته ومن طيبِ المتاع

عزيز أباظة يرثي زوجته:
ولقد ذكرتُكِ في ثلاثِ منى
بالمأزمين فعقّني صبري
هَمَتْ الدموعُ وأجهشت كبدي
وترّنحَ المسكينُ في صدري
وذكرتُ عزمكِ غيرَ وانيةٍ
والعزمُ لا يخلو من الأجرِ
فجعلتُ أستأنيكِ معتذراً
بِمُموّهٍ رَثٍ من العُذرِ
لم أنسَ قولكِ جِدَّ عاتبةٍ
في أدمعٍ تنهلُّ كالقَطرِ
هبني انتظرتُ لقابلٍ أتُرى
يطوى الزمانَ لقابلٍ عمري
ما كنتُ أدري أن ليلَ غدٍ
مُفضٍ بنا لفجيعةِ الدهرِ
ولقد ذكرتُ ليالياً سلفت
والذكرياتُ ذخائرُ العمرِ
ليلاتِ أُنسٍ في لفائفها
ما في الصِّبا والحبِّ من سحرِ
أحلى من اللقيا إذا اختُلِستْ
وألذُّ من إغفاءةِ الفجرِ
والدارُ حاليةٌ بربتها
كالثغرِ رفَّ ببسمةِ الثغرِ
تُضفي عليها البِشرَ عالمةً
أنّ الحياةَ تُطاقُ بالبِشرِ
وتَمَسُّها بهوى وخالصةٍ
كالطَلِّ مسَّ مراشفَ الزهرِ
مَنْ حاملٌ من أيِّم بِمنى
لثرىً يُضمُّ مُناهُ في مصر
مُستوحشٍ أسوانَ في زُمر
سعدتْ بيوم النحرِ والجمرِ
قُبلاً من الأعماقِ أنثرُها
في دامعٍ دامٍ من الشِّعرِ
وهوىً أُقيمُ على الوفاءِ له
فإذا قضيتُ وفيتُ في قبري
وقال:

تقولُ ابنتي أسرفتَ في البثِّ والبكا
وأنتَ لنا اليومَ الرجاءُ المُخلَّفُ
فقلتُ وهل باكٍ على عِدْلِ نفسهِ
وقُرّةِ عينيه من المهدِ مُسرِفُ
فقدتُ نعيمَ العيشِ لما فقدتها
وكنتُ بها والعيشُ فينانُ مُترَفُ
نذوقُ معاً شُهدَ الحياةِ وخمرها
ومُذْ ذهبت فالثكلَ ما أترشَفُ
أسيتُ لقلبي نازعاً متلهفاً
عليها،وهل ردَّ القضاءُ التلُّهفُ
نأت عنه نُعماهُ وأودى غياثُه
فأمسى تهاوى في ضلوع تقصَّفُ
فعدتُ كأنّي في الدُّنا رهنُ محبسٍ
وعادت حياتي وهي جرداء صفصفُ
مضتْ أمكمُ كالشّمسِ لماحة السنى
وزالت كما زالَ الربيعُ المفوفُ
ومالَ عمودُ البيتِ وانفضّ أُنسهُ
ورِيعَ به مغنىً وأوحشَ رفرفُ
كأن لم يكن بالأمسِ طلقاً رواؤهُ
يرفُّ به رِفةً وشملُ مؤلِفُ
وأقسمُ كانت لليتامى دريئة
تزودُ الأسى عنهم وتأسو وتُنصفُ
تضمُّ جناحيها عليهم خفيّةً
وتحنو حُنوَّ الوالداتِ وتعطِفُ
وكانت تقومُ الليلَ إلا أقلّه
وأحلافُها فيهِ مُصلى ومُصحفُ
مدامعُها من روعةِ الذكرِ ذُرّفُ
وأوصالُها من خشيّة الله رُجّفُ
تَهجُّدَ أوّابٍ وتسبيحَ قانت
فلله ذاكَ الخاشعُ المُتخَوِّفُ
بنيَّ اصبروا للخطبِ إن ثباتكم
يُرفهُ عن فدحِ الجوى ويُكفكفُ
لئن مُدَّ في عمري أمنتم وإن أمتْ
فربّكموا أحنى عليكم وأرأفُ
أخافُ عليكم ريبَ دهرٍ يسوءكم
وإنّي من إغضاءةِ الأهل أخوفُ
وقال وهو في الحج:

يُحدّثني قلبي وقلبي مُصدّقٌ
ونحن بأرضِ شعّت الطهرَ والسّنى
بأنّكِ عندَ الله في خيرِ منزلٍ
رعاكِ فأدنى واجتباكِ فأحسنا
فما كنتِ إلا رحمةً لي ونعمةً
وروحاً وريحاناً وهدياً ومأمنا
وما كنتُ إلا صادقَ الوعدِ وافيا
وليسَ الوفا في مَيعةِ العمرِ هيّنا
وقاني كمالٌ فيكِ أن أتبعَ الهوى
كما يفعلُ الفتيانُ أو أتلّونا
وما كنتُ زوجاً خان (يا زين) بيته
ومن خانَ ظنَّ السّوءَ ثمّ تحوّنا
وما كنتُ أرضى غيرَ أُنسكِ مشرعا
وما كنتُ أبغي غيرَ عطفكِ مُقتنى
عليكِ سلامُ الله (يا أم واثق)
تحيّةَ مقروحٍ بكاكِ فبيّنا
مكانُكِ في بيتي مصونٌ ومهجتي
وذلكَ عهدُ الله(يا زين) بيننا
وقال:

أبُنيَّ قد حُمَّ القضاءُ وحلَّ بي
وبكم مُلّمٌّ في الكوارثِ مُطبِقُ
لم أنسكم عانين صرعى حولها
وقلوبُكم من حسرةٍ تتشقّقُ
هذي تُفدِّيها وذاكَ يضمّها
وأبوكمو الملقى هناك المُصعَقُ
وتنفسّتْ فمضى إلى عليائه
نورُ الحياةِ وسرُّها المُستغلِقُ
فإذا الحياةُ على سُموِّ مكانها
في مزقة من لحظة تتمزقُ
أبُنيَّ عوجلتم بِيُتمٍ داهمٍ
واليُتمُ لا يحنو ولا يترّفقُ
سنعيشُ ما عشنا يلجُّ بنا الجوى
عانين تُصّبحنا الهمومُ وتُطرِقُ
في أضلعي وشعوبِ نفسي تلتقي
أشجانكم وأساكمو المُتفرِّقُ
فإذا اختلافُ الدّهرِ كفكفَ دمعكم
والدّهرُ يُنسي والشّبابُ الرِّيقُ
فأنا الذي لا ينثني يعتادهُ
همٌّ يؤرقّهُ وبثٌّ مُوبقُ
الذاكرُ الوافي الوليُّ على المدى
والأيِّمُ الباكي الحزينُ المُطرقُ

عزيز أباظه يرثي عباس محمود العقاد:
أقصر شىء عن مداك الحِمام
أشهد أنتَ الحيِّ تحتَ الرجام
أضفتَ للدنيا جديداً فما
أحراكَ بالخلدِ عليكَ السلام
يا رائد الجيل وأستاذه
شققت بالجيل سدول الظلام
جعلت تهديهم وتمري لهم
ما راق من فن وعلم جسام
عصارة الأذهان جاماً فجاماً
وحكمة الأمان عاماً فعام

عزيز أباظه يرثي صديقا له:
تَعجلّتُما حين أزمعتُما
رحيلاً فهلّا تلبثتما
مضى صاحباي فما ودّعا
على غيرِ دأبٍ وما سلّما
وكنا إذا عرضتْ فرقةً
جزعنا أسىً وبكينا دما
هما أملٌ رفَّ ثمّ امّحى
فقالوا ذوى يومَ قالوا نما
فما يَرفهُ العيشُ مُذْ بِنتما
ولا يبردُ القلبُ ما غبتما
سأحملُ عبءَ الأسى باكياً
مدى العمرِ حتى ألاقيكما
ألم تعلما أن هذى الدُّنا
رؤى كاذباتٌ ألم تعلما؟
ومن شارفَ الحَينَ مستأخراً
كمن شارفَ الحينَ مُستقدما
وما قهرَ الموتَ إلا امرؤٌ
تنّظرهُ قدراً مُبرما
فلم يخشه حاضراً مُقدما
ولم….غائباً مُحجما
وما العيشُ إلا طريقُ الإيابِ
وأخلِقْ بمن آبَ أن ينعما

عزيز أباظه يرثي زوجته:
لم أنسَ يومَ هفا فعاجلك الردى
همساً بذلتِ إليَّ غيرَ مُبينِ
وسَناكِ لماحٌ،ونفُسُكِ طلقةٌ
تسّنى بإيمانٍ وصدقِ يقينِ
قلتِ ارعَ أكبدُنا الضعافَ وأولِهم
من عطفكَ المنهل ما توليني
قِرِّي فهم يا زين بين جوانحي
فإذا جلوا عنها فبين جفوني
يا زَينُ إن ثَقُلَ الوفاءُ على الورى
فتصابؤا عن شَرعة المنونِ
فأنا المقيمُ وفاؤُهُ وودادُهُ
عهدي إليكِ على المدى ويميني

عزيز أباظه يرثي زوجته:
وقفتُ أناديها وأهتفُ باسمها
وأُلحِفُ حتى أوشكت تتكلم
وقلتُ لها يازينما من فجيعةٍ
تعاظمني إلا وفقدُكِ أعظمُ
فأنتِ لعيني مذْ تراءتكِ قُرّةٌ
وأنتِ لنفسي مذْ تملتكِ توأمُ
وحبّبَ فيك النفسَ عُليا خلائق
إذا لم تُحببها الوشائجُ والدمُ
سأُكرمُ أكباداً تركتِ فإن أمُتْ
فإن إلهَ الناسِ بالناسِ أكرمُ
عليكِ سلام الله يا”أم واثق”
سيبكيك لا يقنى دموعاً ولا دماً

ووالاك من جدواهُ هنّانُ يُجُمُ
مدى العمر مقروح الجوانحِ أتّمُ

عزيز أباظه يرثي زوجته:
أقولُ والقلبُ في أضلاعهِ شَرِقٌ
بالدمعِ لا عُدْتَ لي يا يومَ ميلادي
نزلتَ بي ودخيلُ الحُزنِ يعصِفُ بي
وفادِحُ البثِّ ما ينفكُّ مُعتادي
وكنتَ تحملُ والشملُ مجتمعٌ
أُنساً يفيضُ على زوجي وأولادي
فانظر ترَ الدارَ قد هيضت جوانبُها
وانظر تجدْ أهلها أشباحَ أجسادِ
فقدتها خلّةً للنفسِ كافيةٍ
تكادُ تغني غناءَ الماءِ والزادِ
وموئلاً أجدُ الأمنَ الكريمَ به
إذا تعاورني بالبغي حُسّادي
تحنو عليَّ وترعاني وتبسطُ لي
في غَرةِ الرأي رأيَ الناصحِ الهادي
مالَ الزمانُ بنا لمّا أُحيطَ بها
في ساعةٍ لا فِدىً يُغني ولا فادي
وكلُّ عُمرٍ فمصروفٌ إلى أجلٍ
وكلُّ أُنسٍ فمردودٌ لميعادِ
وكلُّ من حملتهُ الأرضُ بالغةٌ
به مثاوى آباءٍ وأجدادِ
ويحَ ابنِ حواءَ والدنيا تُساورهُ
بالشّرِ من طامعٍ في العمرِ مُزدادِ
أما درى وهو هاوٍ في مباذلهِ
وسادرٌ في هواهُ إنهُ رادِ
ما فُسحةُ العيشِ إلا لمحةٌ عرضتْ
ثم انطوت بين آماد وآبادِ
يا أختَ ذي الرونقِ الموشيِّ من عمري
وعِدلَ نفسي من الدنيا وأولادي
قد ذُقتُ بعدك يُتماً حزَّ في كبدي
وذاقهُ في ربيعِ السنِّ أكبادي
كنا على أيكةِ الدنيا ورفرفها
نختالُ في نشوةٍ منها وإسعادِ
والدارُ حاليةٌ تزهو بربتها
كما ازدهى بالنميرِ السّلسلِ الوادي
تضّمنا بجناحي رحمةٍ وهدى
كالطيرِ تخشى على أفراخها العادي
مُنىً تراءت فلمّا نلتُها انقشعت
وخلّفتني لِبرْحٍ رائحٍ غادي
قد كنتَ فيما مضى عيداً فَمُذْ ذهبتْ
أصبحتُ أشقى بأيامي وأعيادي
كأنَّ ما غاضَ من نعمائنا نغمٌ
ما كادَ يفرَغُ من تجويدها الشادي
لو قد علمتَ بما نبّهتَ من شَجنٍ
لجئتَ تبكي دماً يا يومَ ميلادي
وقال:

ذكرتُ سَني ماضيَّ والدهرُ مُحسنٌ
وعيشيَ ممدودُ الظلالِ وريقُ
وزينبُ لي أُنسٌ وأمنٌ ورحمةٌ
وهدى وعرفٌ ساكبٌ وصديقُ
لكِ الله من مَجهودةٍ شفّها الضّنى
ومرزوءةٍ في أهلها دكَّ رُكنها

فأضوت وريعانُ الشبابِ أنيقُ
شقيقةُ نفسٍ أعجلتْ وشقيقُ
لقد حزَّ في نفسي أساكِ وهدّني
نواك وإن أصبر فسوفَ أذوقُ
لئن حققَ الله الأماني لم أبت
بأُمِّ القُرى إلا وأنتِ رفيقُ

يؤدي جليلَ الفرضِ عنكِ مُوفقٌ
أمينٌ على العهدِ الوثيقِ وثيقُ
وإذا ناصبَ الكريم ذووه
فعلى الفضلِ والنِّصاب العفاءُ
شرُّ ضَربٍ من العداوةِ أن يغشاكَ
ممن تهوى وتَفدى العَداءُ

أشقى البريّةِ من أرادَ زيادةً
وأرادَ ربُّكَ أن يَرُدَّ ويحرما
بَنيَّ!أُبتلينا بالليالي الغوادرِ
تكرُّ علينا والجدودِ العواثرِ
فقدنا بها نُعمى الحياةِ وأمنها
وهُنّا كعقد اللؤلؤِ المتناثرِ
سنضربُ في الدنيا إلى أن نجيئها
بقسمةِ محرومٍ وصفقةِ خاسرِ

عزيز أباظة:
يا قلبُ قد لقيَ الأحبّةُ ما لقوا
إن عشتَ بعدهمو فمالكَ موثقُ
ذهبوا كما ذهبت بشاشةُ نِعمةٍ
ومضوا كما يمضي السنى المتألقُ
كانوا هواكَ فما خفقت بغيرهم
مذ أنت لا تدري لماذا تخفِقُ

عزيز أباظه في رثاء زوجته:
أقولُ والقلبُ في أضلاعهِ شرقٌ
بالدمعِ لا عُدتَ لي يا يومَ ميلادي
نزلتَ بي ودخيلُ الحزنِ يعصِفُ بي
وقادِحُ البثِّ ما ينفكُّ معتادي
وكنتَ تحملُ لي والشّملُ مجتمعٌ
أُنساً يفيضُ على زوجي وأولادي
فانظر ترَ الدارَ قد هيضتْ جوانبها
وأنظر تجد أهلها أشباحَ أجسادِ
فقدتها خَلّة للنفسِ كافيةً
تكادُ تُغني غناءَ الماءِ والزادِ
تحنو عليَّ وترعاني وتبسط لي
في غمرةِ الرأي رأيَ الناصحِ الهادي

عزيز أباظه:
ذكرتُ التي كانت تمنّى لو أنّها
ترامتْ إلى روضِ الرسولِ ركابُها
دعتني فلم أطلبْ وثنّتْ فلم أجبْ
فكانَ بكاء القانتات عتابها
وقلتُ لها في قابلٍ فتهلّلتْ
فما إن دنا حتى فجأنا ذهابُها
وددِتُ بعيني لو أجبتُ طِلابها
وكانَ يسيراً أن يُجابَ طِلابها
ذوتْ مثل أفوافِ الربيعِ ونورهِ
جفاها الندى وانجاب عنها سحابُها
ومالت مميلَ الشمسِ يصفو بهاؤها
ويرفلُ في وشي النعيمِ شبابها
تَشَّبثتُ بالأستارِ يحجبن هالةً
من النورِ قد عزّت وعزَّ حجابُها
وقلت ودمعي مُستهلٌ وأضلعي
سألتُكَ ربّي أن يعزَّ مُقامها

بما ضَمنتْ..ما يستقرُّ اضطرابها
لديك ويسنى في حماك مآبها
إليكَ مثابي ربّنا ومثابُها
وفيك احتسابها وجلَّ احتسابها

عزيز أباظه:
يا زين عهدُك بي ـ جُعلتُ فداك ـ
نفسٌ مُنّ!دبةٌ وطرفٌ باكِ
وجوانح تُطوى على مُستضعف
حيران ذاق اليُتمَ يوم نواكِ
يا زين والدنيا قرارةُ شِقوةٍ
أتراك مُلئتِ النعيمَ هُناكِ
إن كانت استعدتْ عليك خطوبها
فلقد بلغتِ من الحياةِ مُناكِ
خلّفتِ نفح الوردِ في أرجائها
ومضيتِ:أكرمُ سيرة ذكراك
وذهبتِ ضاحكة النضارة والصِّبا
كالروضِ سامرهُ الربيعُ الباكي
عبست لكِ الأيامُ حتى لم تجد
هدفاً لعاصفِ كيدها إلّاكِ
ألوت بأختكِ بعد أن فرست أخاً
فمضت،وأعجلَ بعدها أخواكِ
ثقلت رزيئتهم عليَّ وإنّما
قد كان أفدح ما حملت أساكِ
يا هجعة العين الطويل سهادُها
كم صدّعت عني الكرى عيناكِ
يا قبلة الطلِّ الرفيق سرت على
خدِّ الشقيق فرفَّ واستحياكِ
يا همسةَ الشاكي ـ وخير سفارة ـ
بين الهوى والهجرِ همسةُ شاكي

عزيز أباظه:
قلبي وعقلي ـ قد علمت ـ كلاهما
خبراكِ فاصطفياكِ واعتلقاكِ
ويروق في عينيَّ ما استحسنتهِ
ويهونُ ما يزورُّ عنه رضاكِ
ويهونُ ضاحي العمرِ إلا ليلةً
جادتْ على طولِ الردى فطواكِ
نغدو على وردِ الوفاقِ ونوره
ونبيتُ لم نعتبْ على الأشواكِ
فإذا رأيتِ الأمرَ لم أرتح له
شفّقتُ عطفكِ واستعنتُ حِجاكِ
وإذا اعتركنا مرة عرضَ الهوى
فمحى بسحرِ عصاهُ كلَّ عراكِ
وإذا هفت نفسي لغيرِ كريمة
جرّدتِ حزمك طبّة ونهاكِ
فكففتها في حكمة ولباقة
وبلغت بالمس الرفيق مناكِ
وإذا النفوسُ إلى توائمها اهتدت
سعدت،وتلكَ مراتبُ الأملاكِ
وإذا أهابت بي العلا شيّعتني
بصريمة يقظى وعزمٍ شاكِ
روتني الدنيا ببعض نعيمها
فوجدت أكرمه نعيم رضاكِ

عزيز أباظه:
وما يفرى فؤادَ أبٍ حزينٍ
كأطفالٍ لهُ نُكبوا صِغارا
نأت كالشّمسِ أُمهمو فأمسوا
وإن كنتُ الحفيَّ بهم حيارى
وكانوا في فمِ الدنيا ابتساما
فأضحوا أدمعاً فيها غزارا

عزيز أباظه:
إني وقفتُ “بميت غمرٍ” ساعةً
فتجمعَ الماضي ولاحَ أمامي
وتراءت الأطيافُ وهي بعيدةٌ
كالبرقِ عارضَ من وراء غمامِ
وتدانتْ الأعوامُ تنشرُ ماضياً
خضلاً طوتهُ سوالفُ الأعوام
وتوالتْ الصورُ البواسمُ طلقةً
تروى أحاديثَ الصّبا البسّامِ
إذ نحنُ في وردِ الحياةِ وخمرها
كالروضِ بينَ الماء والأنسامِ
والعيشُ ثمَّ كأنّهُ قُبل الندى
حملت تحايا الفجرِ للأكمامِ
أيامَ نمرحُ في صباً وصبابةٍ
موصولةِ الصبواتِ والأيامِ
إلفانِ مؤتلفان نامت عنهما
غِيرُ الزمانِ وهُنَّ غيرُ نيام
يتساقيان رحيقَ ودٍّ ساكبٍ
صفوِ البشاشة كالربيعِ الهامي
مرحانِ كالطفلِ الغريرِ وتِربه
فرحا بأيسرَ ملبسٍ وطعامِ
كلٌّ يشيدُ بإلفهِ ويظنهُ
دونَ الورى مثلَ الكمالِ السامي
ويكادُ من كَلفٍ يقدّسُ ذاتهُ
أعظِمْ بتقديسٍ وليدَ غرامِ
يا ميتَ غمرَ ذكرتُ عهدكَ خالياً
وذكرتُ في عِطفيكِ طيبَ مُقامي
وذكرتُ نيلكَ وهو يجري عنبراً
أو فضةً في ريفكِ المُترامي
فإذا الخمائلُ في الأصائلِ فتنةٌ
وإذا الغياضُ مُكلّلاتُ الهام
لم أنسَ ليلاتٍ عليه كأنّها
من طولِ ما قصرت طيوفُ منام
رفّتْ لنا فتنفّست فيها المنى
كتنفس الزهراتِ في الأكمام
يا شاعرَ الشّرق في أفياء جنّته
قُمْ فاشهد الشرقَ في غاشي مخاطرهِ
لم يطوطَ الموتُ،إنَّ الموتَ أعجزُ من
أن يطويَ النورَ يسنى في سوائره
كم ماثلٍ هو ميتٌ في مقاصره
وراحلٍ هو حيٌّ في مقابرهِ


أحمد محرم:
بعث الحنين إلى الأحبّة وفده
دنيا محت رسم السلُّو وجدّدتْ

فطوى الديار،وطاف كلّ مطاف
لذوي الصبابةِ كلّ أمرٍ عاف
سبحان ربّك،إنها آياته
تشفي القلوب من العمى وتُعافي
دعْ من يُجادِل في الحقائق واجتنب
ما اعتاد من كذب ومن إرجافِ
ما المرء ينظر كل شيء ضاحياً
كالمرءِ ينظرُ من وراء سجاف

دنياك تضحك عن ودادٍ صاف
وتريكَ طيب العيش كيف يوافي
ومن العناء،وقد بلوتُ صنوفه
فشل الهداة،وخيبة القواد
الضعفُ أدركهم وكانوا قوة
لا تُستباحُ بقوة وعتاد
يلقي إليها المستبد قياده
والحقُّ منها آخذ بقياد

تستنّ في سُبُلِ الشقاء نفوسُنا
وسبيلها أن تنشد الإسعادا
أيريب عينك أن تراني كالذي
أو كالذي صحب السنين،فبعضه

سقط الجراد فغال ناضر غرسه؟
عانى الحياة،وبعضه في رمسه؟

أحمد محرم:
ماذا تظنُّ بشاعر متعفف
لا يستغر بأمة من جنسه؟
المرءُ يُسالُ عن عوارف علمه
وأراهُ يُسألُ ها هنا عن فلسه
أرني أديباً صافحت يده الغنى
أو فاضلاً صدقت أماني نفسه
اصبرْ إذا دار الزمان بسىء
فعساه يوماً أن يدور بعكسه
لو أن دهرك دام طالع سعده
في العالمين لدام رائع نحسه

أحمد محرم:
اليوم نملك أن نقول وإنّنا
لإلى رفات صامت ورمادِ
قل ما أردت ونادِ قومكَ أقبلوا
من حاضر يخشى الإله وبادي
الله يسألُ أين غُودر دينه
ويقول أين فوارسي وجيادي؟
أفيطمعُ النّوام ملء عيونهم
أن يملكوا الدنيا بغير جهادِ؟
سِرْ يا دليل الركبِّ مأمونَ الخُطى
وارفع يديكَ تحيّة للحادي
المسلمون على هدىً من ربّهم
ما دامَ نورك عن يمين الوادي

أحمد محرم:
وارحمتا للمسلمين تفرّقوا
وتباعدوا في الأرضِ بعدَ تدانِ
فلئن بكيتُ لقد وجدتُ مصابهم
في منكبي وجوانحي وجناني
ما بالدموع المستهلّة ريبة
هي في الجفونِ عصارةُ الوجدانِ
من كان أبصرَ خطبهم فأنا الذي
مارستهُ ولمستهُ ببناني
ما زلتُ أجمعُ بالقريضِ شتاتهم
حتى انقضى أدبي وضاع زماني
انظر إلى الباني المهدّم واعتبر
بالدهر تصدع شامخ البنيان

وإذا النفوسُ تهذبت أهواؤها
لم يبغ إنسانٌ على إنسانِ
لا تبخلوا يا قوم إن كنتم ذوي
كرمٍ فما الدنيا سوى كرمائها
قوموا قيامَ الأكرمين وجرّدوا
هِمّماً تود البيض بعض مضائها
وتدفقوا بالمكرماتِ ونافسوا
في بذلِ عارفةٍ وكسبِ ثنائها

دينُ الهدى والحق في أعراسهِ
والجاهليةُ في المآتمِ تعولُ
إن هالها الحدثُ الذي نُكبتْ بهِ
فلسوفَ تنكبُ بالذي هو أهولُ
دعا فأجابوا والقلوبُ صوادِفُ
وقالوا استقمنا والهوى مُتجانِفُ
مضى العهدُ لا حربٌ تُقامُ ولا أذىً
يُرامُ ولا بغيٌّ عن الحقِّ صارِفُ
لهم دمهم والدينُ والمالُ ما وفوا
فإن غدروا فالسيفُ واف مُساعِفُ
سياسةُ من لا يخدعُ القولُ رأيهُ
ولا يزدهيه باطلٌ منهُ زائِفُ

السّهلُ يصعبُ إن تواكلتِ القوى
والصعبُ إن مضتِ العزائمُ يسهلُ
القومُ قومُ الله ملء دياركم
وكأنّهم بديارهم لم يرحلوا
الدينُ يعطفُ والسّماحةُ تحتفي
والحبُّ يرعى والمروءةُ تكفلُ
والله يشكرُ والنبي بغبطةٍ
والشركُ يصعقُ والضلالةُ تذهلُ

دينُ الهدى والحق في أعراسهِ
والجاهليةُ في المآتمِ تعولُ
إن هالها الحدثُ الذي نُكبتْ بهِ
فلسوفَ تنكبُ بالذي هو أهولُ
ما للنفوسِ إلى العمايةِ تجنحُ
داويتَ بالحُسنى فَلجَّ فسادُها

أتظنُّ أنَّ السيّفَ عنها يصفحُ
ولديكَ إن شئتَ الدواءُ الأصلحُ
أمنوا نكالكَ فاستبدَّ طغاتهم
أفكنتَ إذ تُزجي الزواجرَ تمزحُ
ظمئتْ سيوفُكَ يا محمدُ فاسقها
من خيرِ ما تُسقى السيوفُ وتُنضَحُ
الظلمُ أوردَها الغليلَ وإنّهُ
لأشدُّ ما تجدُ السيوفُ وأبرَحُ

أحمد محرم:
ليس في الناسِ سادةٌ وعبيدٌ
كَبُرَ العقلُ أن يظلَّ أسيرا
خُلِقَ الكلُّ في الحقوقِ سواءً
ما قضى الله أمرهُ مبتورا
كذبَ الأقوياءُ ما ظلمَ
اللهُ وما كانَ مُسرفاً أو قتورا

أحمد محرم:
بلوتُ بني الدنيا على كلِّ حالة
فلم أرَ فيهم للصنيعة شاكرا
إذا أنتَ أسديتَ الجميلَ سجيّة
فلا تندمن إن أنتَ صادفتَ كافرا
ومن يفعل المعروف يرجو جزاءه
يجد أسفاً جمّاً وداءً مخامرا
أُسيءُ فلا ألفى من القوم ناسيا
ولستُ إذا أحسنتُ ألفيتُ ذاكرا

أحمد محرم:
كذلك دأبُ الناس لا الشرُّ عندهم
يضيعُ ولا تلفى على الخيرِ قادرا
رأيتُ حليم القوم يحكم أمره
ولستُ أرى شيئاً سوى الجهل صائرا
إذا المرءُ لم يكفف بوادر غيظه
وإن هو لم يزجر عن الغي نفسه

شكا الدهرَ أو ألقى المقادة صاغرا
أصاب لها من حادث الدهر زاجرا
وما من فتى لا يُتبع الذنب توبة
إذا ما جنى إلا سيلقى المعاذرا

حميت لواء الملك فارتد طالبه
وصنتَ ذمار الحق فاعتزّ جانبه
وأدركت نصراً ما رمت ساحة الوغى
بأمواجها حتى رمتها غواربه
أسيت لمسرفين أعان كلا
إذا ما عاقر الفحشاء منهم

على إدمانِ لذّته أبوه
أخو النشوات غناه أخوه
لهم فتكات أطلس ما يواري
عليهم من خزاياهم سمات

دم الهلاك مخلبه وفوه
وما أنفوا الفجار فيجحدوه
إذا ما عنّ في الظلماء صيد
تداعوا حوله فتصيّدوه
تردى بينهم فتعاروه
إلى أن قال قائلهم دعوه

عتبتم على الأيام وهي كعهدها
فلا تعتبوا حتى يدوم لكم عهد
وإن وثب الضرغام للصيد عادياً
فلا تعجبوا أيّ الضراغمِ لا يعدو
أعلّلُ نفسي والأماني طماعة
ونفسُ الفتى تلهو وذو العيشِ يأمل
أعلّلها بالصالحاتِ من المنى
وبالدهرِ من بعد الإساءةِ يجملُ
وما حاجتي أن أرتعي العيش ناضراً
أعلّ بماءِ الخفضِ فيه وأنهل

عفا الله عن قومٍ تمادت ظنونهم
فلا النهجُ مأمونٌ ولا الرأيُ حازم
ألا إن بالإسلامِ داءً مخامراً
وإن كتاب الله للداءِ حاسم
ولكنني أرجو الحياةَ لأمةٍ
تقادُ إلى الجلادِ ظلماً وتُقتلُ
يكيدُ لها أعداؤها ويخونها
بنوها فما تدري على من تعول

قضيت لهم في الله واجب حقّه
وكيف بحقّ الله إن ضاعَ واجبه
وإنَّ امراً يلقي بليلٍ نعاجه
إلى حيث تستن الذئاب لظالم
وكلُّ حياة تثلم العرض سبة
ولا كحياةٍ جللّتها المآثم

تساقوا أفاويق الغرور فما نجوا
وليسَ بناجٍ من أذى السّم شاربه
إلام تجن الحادثات وتظلم
حملنا من الأيام ما لا يطيقه

وحتى متى تبغي العداة وتظلمُ
أبانٌ ولا يقوى عليه يلملم
نوائب تتلوها إلينا نوائبٌ
صعاب تهدّ الراسياتِ وتهدمُ
إذا نحن قلنا قد تولّت غيومها
توالت علينا ترجحن وتسجم
ظللنا لها ما بين باكٍ دموعه
تسيلُ وشاكٍ قلبه يتضرّمُ

وكلُّ حياةٍ تثلم العرض سبّةٌ
ولا كحياةٍ جللّتها المآثم
أتأتي الثنايا الغرّ والطرر العلى
بما عجزت عنه اللحي والعمائم
وما زلتُ بالدنيا أعدّ ذنوبها
بليت بمن تفري الزواجرُ سمعه

إلى أن تناهتْ هِمّتي وانقضى العدُّ
فيطغى وترميه العظات فيشتدّ
يقول غواة الناس مجدٌ وسؤددٌ
أرى الناسَ أنداداً ولا مجد لامرىءٍ

ولا سؤددٌ فيما بدا لي ولا مجدُ
إذا لم يكن كالدهرِ ليس له ندّ
بذلك أقضي في الصديق وفي العدى
ومثلي يدري ما العداوة والود
نما الناسُ حولي من محبِّ وحاقدٍ
فما غرّني حبّ ولا هاجني حقد

نمارس أنواع الشقاء وغيرنا
بما نحن نجني دوننا يتنعم
نبىء سواي فما لي حين تُخبرني
بأسَ الحديدِ ولا صبرَ الجلاميدِ
ماذا حملت من الأنباء لا رزئت
أذني وعيني بمسموعٍ ومشهود
خادعتُ أذني فلم أسمع بصالحةٍ
وخنت عيني فلم أبصر بمودود
دعني أصمُّ عن الدنيا وساكنها
أعمى عن الدهر في أحداثهِ السود
إني تزودت قبل اليوم داهية
دهياء،أحمل منها فوق مجهودي
قلْ للفجائع شتى لا عداد لها
وكُفّي أذاكِ عن الباكين أو زيدي

وإنَّ امرأً يلقي بليلٍ نعاجهُ
إلى حيث تستن الذئاب لظالم
حنانكَ إن الأمر قد جاوز المدى
أحاطتْ بنا الأسد المغيرة جهرةً

ولم يبق لنا في الدنيا لقومك راحم
ودبّت إلينا في الظلامِ الأراقِمُ
وأبرحُ ما يجني العدو إذا رمى
كأهون ما يجني الصديق المسالم

أعللُ نفسي والأماني طماعةٌ
ونفسُ الفتى تلهو وذو العيشِ يأملُ
أعللها بالصالحاتِ من المنى
وبالدهرِ من بعدِ الإساءة يجمل
ترامى بها فالبر حيرى فجاجه
مروعة والبحر حرّى مساربه
إذا التمستْ في غمرةِ الهول مهرباً
تطلع عادي الموت وانفض واثبه
منايا توزعن النفوس بمعطبٍ
دعا السيف فيه فاستجابت نوادبه
إذا انهلّ مسفوكٌ من الدم أعولت
وراحت تريق الدمع ينهلّ ساكبه
وإن ضجّ ما بين القواضب هالك
أرنت وراء الخيل شسئاً تجاوبه
مآتم أمسى الملك مما تتابعت
وأعراسه ما تنقضي ومواكبه

أرى الناسَ من يقعد به الدهر ينقموا
عليه وإن كانت قليلاً معايبه
أنُطريه قهاراً ونؤذيه مرهقاً
كفى الليثَ شراً أن تُفل مخالبه

أحمد محرم في غزوة بدر الكبرى (الرسالة الأعداد 1007 ـ 1010):

ما للنفوس إلى العماية تجنح
أتظن أنّ السيف عنها يصفحُ؟
داويت بالحسنى فلج فسادها
ولديك إن شئت الدواء ألأصلحُ
الإذن جاء فقل لقومك:أقبلوا
بالبيضِ تبرق والصوافن تضبح
أمنوا نكالك،فاستبد طغاتهم
أفكنت إذ تزجي الزواجر تمزحُ؟
أملى لهم،حتى إذا بلغوا المدى
ألوى بهم خطب يجلّ ويفدح
ظمئت سيوفك يا (محمد) فاسقها
من خير ما تسقى السيوف وتنضحُ
فجر ينابيع الفتوح،فرِيها
ما تستبيحُ من البلاد وتفتحُ
الظلم أوردها الغليل،وإنه
لأشدّ ما تجد السيوف وأبرحُ
المشركون عموا،وأنت موكل
بالشرك يمحى،والعماية تمسحُ
واهاً(قريش) إنه الدم فاعلموا
من دون بيضكم يراق ويسفح
نفروا يريدون القتال،وغرّهم
عبث اللواتي في الهوادج تنبح
إنا ورائك يا(محمد) نبتغي
ماالله يعطي المتقين،ويمنحُ
لسنا بقوم أخيك(موسى) إذ أبوا
إلا القعود،وسبة ما تضرح
هذا (رسول الله) من يك مؤمناً
فإليه،إن طريده لا يفلح
الموت في يده،وعند لوائه
ريح الجنان لمن دنى يستروح
نظر(النبي) فضجّ يدعو ربه
لا همّ نصرك،إننا لك نكدح
تلك العصابة،ما لديتكَ غيرها
إن شد عاد أو أغار مجلح
لا همّ إن تهلك ،فما لك عابد
يغدو على الغراء،أو يتروح
جاشت حميته ،وقام خليله
دون العريش يذود عنه وينضح
وتغولت صدر القتال فأقبلا
والأرض من حوليهما تترجح
أرأيت إذ هزم(النبي) جموعهم
فكأنما هزم البغاث المضرح
هي حفنة للمشركين من الحصى
خف الوقور لها وطاش المرجح
الله أرسل في السحاب كتيبة
تهفو كما هفت البروق اللمح
(جبريل) يضرب،والملائك حوله
صف ترص به الصفوف وترضح
للقوم في أعناقهم وبنانهم
نار تريك الداء كيف يبرح
ومن الدم المسفوح رجس موبق
ومطهر يلد الحياة ويلقح
أودى(بعتبة)و(الوليد) و(شيبة)
و(أمية)القدر الذي لا يدرح
وهوى(أبو جهل) و(نوفل) وارعوى
بعد اللجاج (الفاحش المتوقح)
لما رأى (الغازي المظفر) رأسه
أهوى يكبر ساجداً ويُسبّحُ
أدركت حقّك يا(بلال) فبوركت
يدك التي تركت(أمية) يشبح
وضح اليقين لمن يرى أو يسمع
ولقلما تجدى الظنون وتنفع
النصر حقّ،والمنبىء صادق
والويل للمغرور،ماذا يصنع؟
والمسلمون بنعمة من ربهم
فيها لكل موحد مستمتع
الله أكبر،لا مرد لحكمه
هو ربنا وإليه المرجع






أحمد محرم في قصيدة من وحي المولد النبوي الشريف ـ مجلة الثقافة ـ العدد 220:

لا اليوم يومك إذ ولدت ولا الغد
يا ليت أنك كل يوم تولد
عاد الظلام كما عهدت،وهذه
دنيا الجهالة والأذى تتجدّد
ما ذاق مهلكة(أبو جهل) ولا
أودى أ(أبو لهب) وربك يشهد
في كل أرض منهما متجبر
يأبى الرشاد،وظالم يتمرد
وعبادة الأصنام قام دعاتها
ملء الممالك،ما على يدهم يد
فلكلّ قوم من سفاهة رأيهم
ربّ يُعظّم،أو إله يُعبد
قم يا (محمد) ما لحقك ناصر
حتى تقوم،وما لدينك منجد
قم في جنودك غازياً وافتح بهم
دنيا الجحود لأمة لا تجحد
جدّد لنا (أيام بدر) إنها
أيامنا اللاتي نحبّ ونحمد
حفظت على الإسلام يانع غرسه
والجاهلية بالقواضي تُحضد
غرس نما،فالأرض من بركاته
تعطي الحياة كريمة وتزود
قمْ يا رسول الله وانظر :هل ترى
إلا شعوباً غابَ عنها المرشد؟
نامت سيوفك بعد طول سهادها
فاستيقظ للغاوي،وهبّ المفسد
عمّ الفسادُ،فلا صلاحٌ يُرتجى
للعالمين،ولا فلاحٌ يُنشدُ
الأمر فوضى،والحياة ذميمة
والشرُّ لا يفنى،ولا هو ينفد
دنيا الهوى ترمى الشعوب من الأذى
ومن العذاب بعاصف لا يركدُ
أنظر إلى أيام(عاد) إذ طغت
و(ثمود) ببعثها الزمان الأنكدُ
أسفي على الإسلام،هان عرينه
وعدا عليه الفاتك المُستأسدُ

أحمد محرم في قصيدة من وحي المولد النبوي الشريف ـ مجلة الثقافة ـ العدد
220
إن الذي جمعتُ سيوف(محمد)
أمسى بأيدي المسلمين يبدّدُ
ما أوجع الذكرى،ويالكِ لوعةً
في قلبِ كلِّ موحدٍ تتوقّدُ
يا مولد النور الذي صدع الدجى
فرأى السبيل الجائر المتردد
السّبلُ خافية المعالم،والهدى
قول يُقال،ومطلب لا يُوجدُ
طالَ الرجاء،فهل لنا من موعد؟
واحسرتاه::متى يحين الموعدُ؟
ذهب الزمان،فمن لنا ببقية
منه تحل بها الأمور وتُعقدُ؟
الناس،معوج السبيل مُضلّلٌ
ومُوفق في العاملين مُسدّدُ
ربّ اتخذ المسلمين سبيلهم
فإليك مرجعهم وأنتَ المقصدُ
فزعوا إليكَ،فكن لهم لا تُقنطهم
من باب رحمتك الذي لا يُوصدُ
من كان يسأل في الشدائد من لنا؟
فالله جلّ جلاله و(محمد)

حمد محرم في قصيدة

الزهرة

الباكية

مجلة الثقافة العدد
152
أهذى دموعُ الطلُّ،أم هاجكِ الهوى
فأنتِ لفقدِ الإلفِ تبكينَ من وجدِ؟
فديتُك،لولا الزهرُ ما اشتاقَ عاشقٌ
ولا ذاقَ ما يُدمي الجفونَ من السّهدِ
هو الحبُّ في دنيا من الفنِّ غضّةٍ
تهيمُ بما تخفى من الحسن،أو تُبدي
تطيرُ بها الأرواحُ فوضى،وإنّما
تطيرُ وراءَ الدّهرِ في عالمِ الخلدِ
سمعتُكِ إذ مرَّ النسيمُ مُسلماً
تقولين:من أغراكَ بالهجرِ والصدِّ؟
وأبصرتُ منكِ الدمعَ،يَنظمهُ الأسى
فَسمطٌ على سِمطٍ،وعقدٌ على عقدِ
عذرتُكِ،ما بُعدُ الأليفِ بهيّنٍ
وإنّي رأيتُ الموتَ معنىً من البُعدِ
خذي من دموعي ما استطعتِ،فإنّ بي
رسيسَ هوىً يزدادُ وقداً على وقدِ
كلانا مُصابٌ،غير أني إذا الهوى
ألحّ على المحزون،واسيتهُ جُهدي
سأجعلُ أنفاسَ النسيمِ رسالةً
تزيدُكِ يا ليلايَ ودّاً على وُدِّ
إذا ما سرى يُهدي إليكِ تحيتي
فمن عبقِ الريحان،أو نضرة الوردِ
ليعلم أنّي قد وفيتُ على النوى
بما لكِ عندي من ذمامٍ ومن عهدِ
أعندكِ يا (ليلاي) من لاعجِ الجوى
ومن لوعة الشوق المُبرّحِ ما عندي؟
أتبكينَ مثلي؟ لا دعيني:فإنني
رضيتُ بانّ ألقى صروفَ الهوى وحدي
أحبّكِ،فازدادي على الدهرِ بهجةً
وزيدي(نبيَّ الشعر) مجداً على مجدِ
أحمد محرم في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

هي الأواصر أدناها الدم الجاري
فلا محالة من حبّ وإيثار
الأسرة اجتمعت في الدار واحدة
حييت من أسرة وبوركت من دار
مشى بها من(رسول الله) خير أب
يدعو البنين فلبوا غير أغمار
تأكد العهد مما ضمّ ألفتهم
واستحصد الحبل من شدّ وإمرار
كل له من سراة المسلمين أخ
يحمي الذمار ويرعى حرمة الجار
يجود بالدم،والآجال ذاهلة
ويبذل المال في يسر وإعسار
هم الجماعة،إلا أنهم برزوا
في صورة الفرد فانظر قدرة الباري
صاح النبي بهم كونوا سواسية
يا عصبة الله من صحب وأنصار
هذا هو الدين لا ما هاج من فتن
بين القبائل دين الجهل والعار
ردوا الحياة،فما أشهى مواردها
دنيا صفت بعد أقذاء وأكدار
الجاهلية سم ناقعٌ وأذى
تشقى النفوس بداء منه ضرار
ضموا القوى إنها دنيا الجهاد بدت
أشراطها وترآى زندها الواري
خير الذخائر أبقاها ولن تجدوا
كالعهد يرعاه أخيار لأخيار
لا تنقضوا العهد إن لله منزله
على لسان رسول منه مختار

ولي الدين يكن:
هو سلوةٌ للثاكلين ومطمعٌ
للآملين يدومُ ذاك المطمعُ
إنّا نساجلهُ الدموعَ تحسراً
حتى تجفّ من العيونِ الأدمعُ
وتظلُّ في الأكبادِ منا غُلّةٌ
ولي الدين يكن:
بالصبرِ ننقعها وليست تنقعُ
ولي الدين يكن يرثي ابنه:
بُنيَّ لا الحظ فيكَ أسعدني
ولا وفى لي بذمة أملُ
ألسنةُ العيشِ كلها كذبت
وامتاز بالصدقِ وحدهُ الأجلُ
إن ترتحل في صباكَ عن سكن
أنرتهُ فالجدودُ قد رحلوا
أو تتخذ من معاشر بدلاً
معاشراً،لا يضيرك البدلُ
الله في لوعةٍ أجرّعها
يعرفها في الأنامِ من ثكلوا
يا كبداً من مناطها انفصلت
ما خلتُ أن الأكباد تنفصلُ

ولي الدين يكن:
وأخو الوفاء يصونُ منهُ غائباً
أضعافَ ما هو صانَ منه حاضرا
لا بدَّ في هذي الحياة من الهوى
إن الهوى يهبُ الحياة نواظرا

ولي الدين يكن يرثي أحد أولاده والذي مات في سن الخامسة عشرة من عمره:
بنيَّ لا الحظُ فيكَ أسعدني
ألسنة العيش كلها كذبت

ولا وفّى لي بذمة أملُ
وامتاز بالصدق وحدهُ الأجلُ
إن ترتحل في صِباكَ عن سكنٍ
أنرتهُ فالجدود قد رحلوا
أو تتخذ من معاشر بدلاً
معاشراً لا يضيرك البدلُ
الله في لوعة اجرّعها
يعرفها في الأنامَِ من ثكلوا
يا كبداً من مناطها انفصلت
ما خلتُ أن الأكبادِ تنفصلً

بين صدقِ النهى وكذبِ الأماني
وقف الرأي والهوى ينظران
للهوى جرأة وللرأي حكم
والبرايا لديهما شيعتان
أيها النائم المُطيل المناما
استمعْ ما نقول،بُعدك عنا

قد أتينا نُهدي إليكَ السلاما
علّمَ الصامتين منا الكلاما
ما صبرنا على فراقكَ عاماً
كيفَ نرجو أن نصبرَ الأعواما
ودوام الآسى يزيلُ التأسي
وتمادي السّقام يُنمي السّقاما
والحبيبُ العظيمُ إن غابَ أبقى
لأحبائهِ شجوناً عظاماً
يا صريعَ الزمانِ بعدكَ أضحتْ
حسناتُ الزمانِ فيك آثاماً

لا الصبرُ يُرجى ولا السلوانُ ينتظرُ
قد جلَّ يومكَ في الأيامِ يا عمرُ
ويحَ القلوبِ التي أسكنتها أزلاً
ماذا عليك من الأحزانِ تدّخرُ
وما يتمنى الحرّث في ظلِّ عيشةٍ
تمرُّ لأحرارٍ وتحلو لأعبُدِ
لقد أتعبتني،والمتاعبُ جَمّةٌ
مسيرة يومي بين أمسي والغدِ
عفا الله عن قومٍ أتاني غدرُهم
فَرُبَّ مُسيءٍ لم يُسيء عن تعمُّدِ
وكم من نفوسٍ يستطيلُ ضلالها
ولكن متى ما تبصر النورَ تهتدِ

ولي الدين يكن:
ضعِ الأمرَ في موضعِ الاعتبار
فإنَّ الزمانَ زمانُ العِبرْ
ولا يفرحنك زوال الخطوبِ
فكم إثرها من خطوب أخر
مصابٌ مرير إذا ما انقضى
تلاهُ مصاب عليكَ أمر

حسب الليالي من الإحسانِ ما وهبت
وربما أعقبَ الإقلالُ إكثارُ
في ذمّةِ الله آباءٌ لنا ساروا
لم يبلغوا الدربَ إلا أنهم ساروا
بين صِدقِ النُّهى وكذبِ الأماني
وقفَ الرأي والهوى ينظرانِ
للهوى جرأة وللرأي حكم
والبرايا لديهما شيعتان
يا نفوساً جنى الشّبابُ عليها
قُضي الأمرُ واستراحَ الجاني

وكانت صبوة ونزعت عنها
فها أنا لا أدينُ ولا أُدانُ
أنت جليل رغم حكم الثرى
ولا يهين الموت قدر الجليل
وإن من أوجع ما في الأسى
طول النوى ثم انقطاع السبيل
أمتعكَ الله بجناتهِ
وحسبُ إخوانك حملُ الغليل

سيجدي الأسى لو أن في الموتِ ما يُجدي
فخلِّ فصيحَ الدمعِ يُبدي الذي يبدي
نادوا بألسنة الرثاءِ فأسمعوا
جُهد الحزين تذكرٌ وتوجعُ
يا ساهراً والليلُ يعثر بالكرى
عجباً هجعتَ وما عهدتُكَ تهجعُ

في ذمة الله رجال قضوا
طال بهم تحت القبور الثواء
لا التاج ذاك التاج من بعدهم
ولا بهاء الملك ذاك البهاء
أمنفرداً في قبرهِ بعد قصرهِ
هجعت هجوعاً لا انتباهة بعده

لقد كنتَ تدعى قبل ذلك بالفردِ
وخلّفتَ من خلّفتَ إثرك في سهدِ
سقاكَ الحيا كنتَ الحيا لمؤمل
تصوب عليه بالجزيل من الرفدِ
فصلى عليك الله حياً وميتاً
ومُتعت بالرضوان في جنة الخلدِ

في مثل خطبك تدمى المقلُ
يا دولة رقت لها الدول
اليوم يُبدي الودّ كاتمه
وتنمُ عن أسرارها المُقلُ
ويظل قلب أخي الوفاء إذا
جدّ ادّكار العهد يشتعلُ
أما آن أن يسترجع الدهر ما مضى
فترجع آمال وتقوى عزائمُ
لقد كدت أنهي النفس عمّا تريده
من النصحِ لولا ما تجرّ العمائمُ
وما زالت الأيام حرباً على النهى
فإن سالمت حيناً فَختلاً تسالمُ
أرى الناس هاموا بالمعالي صبابة
ولا عجب إني كذلك هائمُ
وهذي طباع لا يرجى انتزاعها
تناط بقوم إذ تناط التمائمُ
ستبقى بلاد الله تطلب منصفاً
وهيهات أن ترضى بذاك الصوارمُ

وكانت صبوة ونزعت عنها
فها أنا لا أدينُ ولا أُدانُ

حسن كامل الصيرفي:

لا تَرجُ ممّن يضنُّ أن يَهَبا
فأطيبُ العمر والمنى ذهبا
وغابَ خلفَ الضبابِ ما حَلمتْ
بما تودُّ العيون واحتجبا
وكلُّ الذي كنتَ امس تُنشدهُ
في عالم الذكرياتِ راحَ هَبا
أخفقت يا خافقَ الفؤادِ وقد
قاسيتَ فيه السَّقامَ والتعبا
إذا أحسَّ الدواءَ ينعشهُ
رأى ابتسام الحياةِ قد هربا
أما ترى الشمسَ وهي جانحةٌ
تُوحي بأنَّ المغيبَ قد قَرُبا

أحمد الكاشف:
كم جاهل نالَ مالاً بعد متربة
فكان منه له بالإثم إغراء
فما تجلّت له الدنيا بزينتها
إلا كما تنجلي للبغي حسناء

مصطفى صادق الرافعي:
عثرت في مسيرها الأيام
أم هو الدهر هكذا والأنام؟
أهله بين ذي هدىً وضلال
ولياليه ذو سنا وظلام
وأرانا بمدة العمر نشقى
ليس كل الذين تبصر ناساً

وعدوا لمسومات اللجام
إن بعضاً من الطيور الحمام
ولكل الورى رؤوس فإن لم
يكن العقل كانت الأوهام

مصطفى صادق الرافعي(
المنار العدد142):
كيف فؤادي والهوى شاغل
يهيّجه المنزل والنازلُ
ما زلتُ اخفيه وأخفي به
في الناس حتى فضح العاذل
فعادنا المطل وعدنا له
رحماك فينا أيها الماطل
كل امرىء أيامه تنقضي
لا أمل يبقى ولا آملُ

مصطفى صادق الرافعي(
المنار العدد142):
يا ليت شعري هل رؤى نائم
لا تضحك الجاهل في نفسه

أم خطرات ظنها غافل
إلا بكى في نفسه العاقل
مواعظ مثلها هازل
كالنفس إن تنسى الردى مرة

ورُبّ جد جرّه الهازل
فليس ينسى الأجل العاجل
يزول ما فيها إلى عبرة
وكل شيء غيره زائل
وهكذا الدنيا انتقاص وما
يكون فيها فرح كامل

مصطفى صادق الرافعي(
المنار العدد95):
أجدّك ما تصارعك المدام
وتظمئك المراشف كل آن

ويصرع قلبكَ الصب الغرام
وتقتلك المعاطف والقوام
لَعمرُك ما تجلّد مستهام
ولكن شيمة الولهان صبر

بما يرضى ويبغي المستهام
وإن أودى به الموت الزؤام
أتقتلك الظباء وأنت ليث
ويسبيك ابن سام وأنت حام
رويدك ما الهوى إلا هوان
وهل يرضى العنا إلا اللئام

مصطفى صادق الرافعي:
لأمرٍ فيهِ يرتفعُ السحابُ
ولا يسمو إلى الأفقِ التُرابُ
وما استوتِ النفوسُ بشكل جسمٍ
وهل يُنبيكَ بالسيفِ الترابُ
وما سيانَ في طمعٍ وحرصٍ
إذا ما الكلبُ أشبههُ الذئابُ
رأيتُ الناسَ كالأجسادِ تعلو
لعزّتها على القدمِ الرقابُ
فليسَ من العجيبِ سموُّ أنثى
على رجلٍ تُرَجّلهُ الثيابُ
ولو نفساهما بدتا لعيني
لما ميزتُ أيّهما الكعابُ
إنّ لباطنِ الأشياءِ سرّاً
بهِ قد أعجزَ الأسدَ الذئابُ
فيا لرجالِ قومي من شموسٍ
إذا قُرنوا بها انقشعَ الضبابُ
نساءٌ غيرَ أنَّ لهُنَّ نفساً
إذا هَمّتْ تسهلّتِ الصعابُ
وقومي مثلُ ما أدري وتدري
فهمْ لسؤالِ شاعرهم جوابُ
رجالٌ غيرَ أنَّ لهم وجوهاً
أحقُّ بها لعمرهم النقابُ
غطارفةٌ إذا انتسبوا
ولكن جدودهم لهم في الناسِ مجدٌ

إذا عُدّوا تصعلكَ الانتسابُ
وهم لجدودهم في الناسِ عابُ
ومن يَقُلِ الغرابُ ابنُ القماري
يكذبهُ إذا نعبَ الغرابُ

مصطفى صادق الرافعي:
أغننتُّ نفسي حتى مَضَّها السأمُ
وكدَّها عمرٌ في الجِدِّ ينصرِمُ
قالت تُحاورني:يا ويحَ قلبكَ من
قلب بني ما بناه وهو ينهدمُ
أذابَ أكثرَه إبداعُ أيسره
كالسنّ من قلم فيه انبرى القلمُ
مُقيّدٌ في وثاقٍ من خلائقه
فما لهُ لذَّةٌ إلا لها ألمُ
يا مُفني العمر قي التفتيش عن حُلُم
لو كانَ يُدرِكُ ما كانَ اسمه الحُلُمُ
ما لذَّةُ العيشِ إمّا كنت مقتسماً
ففيكَ قاض وسجّان ومُتّهَّمُ
دأباً تظلُّ سجيناً لا انطلاق لهُ
ما دامَ للعقلِ قاضٍ فيكَ يحتكِمُ
إن الصبيَّ صبيٌ في طبائعهِ
فالنهيُ والأمرُ في أخلاقهِ هرمُ
والقيدُ قيدٌ وإن قالوا اسمهُ خلُقٌ
والهَمُّ هَمٌّ وإن قالوا اسمهُ هِمَمُ
كم لفظةٍ في لغاتِ الناس مجرمةٍ
لو حاكموها أماتوها وما رحموا
ففي القبور لسفاكي الدما رحِمٌ
وللشهامةِ في أجداثها رِمَمُ
موتى كَموتى فلا زادوا ولا نقصوا
وإن تكن قتلت إحداهما الذممُ

مصطفى صادق الرافعي:
فقلتُ للنفسِ تأساءً وتعزيةً
إنّ الصواعق مما تجلبُ الدِّيمُ
يا نفسُ ويحكِ ما في السهم من قمم
وإنما شمخت في طودها القِممُ
من كان في نفسهِ أرضاً مُوطأةً
تطأهُ من كلِّ شيءٍ حولهُ قدمُ
ومن تكن في نفسهِ بحراً تُرجرجهُ
أمواجُهُ لم يزل يدوي ويلتطمُ
ومن يكن طاميَ البركان منفجراً
فَوَّارُهُ طاشَ منهُ الجمرُ والحُمَمُ
يا حيرةَ العقل هل للظلمة انبثقت
أنوارها أم على أنوارها الظُّلمُ
والخيرُ والشرُّ أي اثنيهما هو من
خيرٍ وايّهما الشرُّ الذي زعموا

يجني على الشّاءِ نابُ الذئب ويحكَ أم
تجني على الذئب من لُحمانها الغنمُ؟
فما الذي أنت راضيهِ فحامدهُ
إلا الذي أنت شاكيهِ فمتُهمُ
هَمُّ الحياةِ كمثلِ الجمرةِ اضطرمت
فما الرمادُ سوى ما كانَ يضطرمُ
يا منْ على البُعدِ ينسانا ونذكره
لسوف تذكرنا يوماً وننساكا
إن الظلام الذي يجلوك يا قمر
له صباح متى تدركه أخفاكا

يا قوم لو نام ليثُ الغابِ نومكم
لاستنكفَ الغارُ إن قالوا له أسد
العدلُ والعقلُ أليفا هوىً
وليسَ كل الناسِ بالعاقل
والسيفُ إن يصدأ بكف الذي
يحمله فالأمرُ للصاقل

ومن يطعم النفس ما تشتهي
كمن يُطعمُ النار جزلَ الحطب

مصطفى صادق الرافعي:يصف بائسة حسناء

طريدة بؤس ملَّ من بؤسها الصبرُ
وطالت على الغبراءِ أيامها الغبرُ
وكانت كما شاءت وشاءَ جمالها
كما اشتهت العليا كما وصف الشعر
تلألأ في صدرِ المكارم دُرّةً
يحيطُ بها من عِقد أنسابها درُّ
وما برحت ترقى السنين وتعتلي
وكلّ المعالي في طفولتها حِجرُ
فكانت كزهر نضّرَ الفجر حسنهُ
ولما علت كالنجم أطفأها الفجرُ
تقاسمت الحسن الإلهي وانثنى
يقاسمها،فالأمر بينهما أمرُ
فللشمس منها طلعة الحسن مُشرقاً
وفيها من الشّمسِ التوقّد والجمرُ
وللزهر فيها نفحةٌ الحسن عاطراً
وفيها ذبولٌ مثلّما ذبل الزهرُ
وللظبي منها مقلتاها وجِيدها
وفيها من الظبي التلفت والذعرُ
وما قيمة الحسناء يقبح حظّها
وتذوي بروض الحبّ أيامها الخضر
فما الحسنُ فخر للِحسان وإنّما
لخالقه فيما يريد به سرُّ
ضعيفة أنفاس المنى بعدما غدت
رقابُ أمانيها يُغلّلها الفقرُ
وبين خُطى أيامها كلّ عثرةٍ
وزجّت بها الأحزان في بحر دمعها

يزلزل أقدام الحياة بها العسرُ
وليس لبحر الدمع في أرضنا بر
إذا استنبؤها أرسلت من دموعها
لالىء حزن كلّ لؤلؤة فكرُ
وإن سألوها لجلجلت فكأنّما
عرا اللفظ لما مرَّ من فمها سكرُ
مشردّة حيرى تنازع نفسها
فريقان:ذلٌّ لم تعوّدهُ والكِبرُ
رأت كلّ مخزاة من الشرِّ تلتوي
ويهرب ذعراً من جنايتها الغدرُ
رأت أثراً تدمى به الأرض والسما
وليسَ سوى الإنسان في جرحه ظفرُ

مصطفى صادق الرافعي
نفضنا يدينا وانزويا مذلّة
وأضيع ما في الناس حقُّ ذليل
لنا كلّ يوم ألفُ رأي ومالنا
عليها من الأفعال فردُ دليل
فلاسفة فيما نقول فلم نزل
نصولُ على الدنيا ببعض ما نقول
بكلّ سبيل نزمع السير للعلى
ونرتدُّ للسفلى بكلِّ سبيل
تآدوا لغايات المنى بأداتها
فما جلَّ لا يبغيه غير جليل
ألا إنما الداء الغميص عقولنا
وما شجرٌ ينمو بغير أصول
تباين ما بين الرجال كلهم
على زعمه بالأمر خير كفيل

إسماعيل صبري يرثي عمر نجل الشيخ علي يوسف:
يا مالىءَ العينِ نوراً،والفؤادِ هوىً
والبيتِ أنساً،تمهّل أيها القمرُ
لا تُخلِ أفقكَ يخلفكَ الظلامُ بهِ
والزم مكانكَ لا يحللْ بهِ الكدرُ
في الحيِّ قلبانِ باتا يا نعيمها
وفيهما ـ إذ قضيتَ ـ النارُ تستعرُ
وأعينٌ أربعٌ تبكي عليكَ أسىً
ومن بكاءِ الثكالى السيلُ والمطرُ
قد كنتَ ريحانةً في البيتِ واحدةً
يروحُ فيهِ ويغدو نفحها العطرُ

ما كانَ عيشُكَ في الأحياءِ مختصرا
إلا كما عاشَ في أكمامهِ الزهرُ
فارحلْ تُشيّعك الأرواحُ جازعةً
في ذمّةِ القبرِ بعد الله يا

عمرُ
برغمِ أنفِ المعالي يا بنَ بجدتها
أن غيّبتْ شخصك الأيامُ والغيرُ
تفدي النفوسُ حياةً منكَ غاليةً
لو كان يُدفعُ عنها بالفِدا ضررُ
قد أصبحت ظلماتُ الجهلِ حالكةً
لمّا تغيّبَ عن آفاقنا القمرُ
يا عينُ جُودي بِمنهلِ الدموعِ على
من كانَ ذُخراً لريبِ الدهرِ يُدّخرُ
أو فاسألي الله سلواناً ومُصطبراً
إن كانَ يجملُ سلوانٌ ومُصطبرُ

مهلاً فما استثنى القضاءُ من الرّدى
أحداً وما أغنى البكاءُ فتيلا
(سابا) اتقِّ الله وخلِّ الأسى
لجاهلٍ يُعذرُ في جهلهِ
لا تكترثْ بالرزءِ وانهض بهِ
فالرأيُ كلُّ الرأي في حملهِ
مثلُكَ من يلجأ ـ إن راعهُ
يومٌ بمكروهٍ ـ إلى عقلهِ

قضى
(
فريدٌ
)
وهو غضُّ الصِّبا
وخلّفَ الحسرةَ في أهلهِ
واهاً لهُ من غصنٍ ما نمى
حتى ذوى واجتثَّ من أصلهِ
عوّذتُ بيتكَ يا بنَ خيرِ مُمَلَّكٍ لا تُذرِ إلا أدمعاً معدودةً
من أن يقيمَ بهِ الحِدادُ طويلا
فالبرُّ أصدقُ أن يقيمَ دليلا
صُنْ دمعكَ الغالي فدمعُ عيوننا
كُفٌ لحزنكَ إن رضيتَ بديلا
ودعِ الهمومَ فحسبُ قلبُكَ أنهُ
أمسى بمصرَ مُتيماً مشغولا

أداعي الأسى في مصرَ ويحكَ داعيا
هددتَ القوى إذ قمتَ بالأمسِ ناعيا
ومن يفقدْ شبيهكَ يبكِ دنيا
تولّتْ بالمودّةِ والمقاتِ
كذبتُكَ لو صدقتُكَ بعض وُدّي
لهدَّ جوانحي صوتُ النعاةِ
ولا ستعصت حيالَ النعشِ عيني
وراءَكَ راحلاً هِممَ البكاةِ

إسماعيل صبري:
ألا يا تجارَ العصرِ هل فيكم امرؤٌ
يبيعُ على صرعى الهمومِ عزاءَ
إذا دلّني منكم على مثلهِ فتىً
ففي الحيِّ قومٌ عاكفونَ على لظىً

خلعتُ عليهِ ما يشاءُ جزاءَ
تُذيبهم البلوى صباحَ مساءَ
يخالهم الرائي سكارى من الأسى
فيبكي عليهم رحمةً ووفاءَ

إسماعيل صبري:
ألا إنّما الدنيا هباءٌ،وأهلها
هباءٌ،وهل يبكي الهباءُ هباءَ؟
مُصابُكَ إسماعيلُ أودى بأسرةٍ
تكلّفت الصبرَ الجميلَ حياءَ
وقلّصَ آمالاً كباراً كأنها
مدى الدّهرِ لم تعقدْ عليكَ لواءَ
على قبركَ الممطورِ منّي تحيّةً
فقد ضمَّ غصناً ناضراً وفتاءَ

إسماعيل صبري
يا نازلاً بينَ وفودِ البِلى
آنستهم يا مُوحش الأربُعِ
عيني فيك اليومَ قبطيةٌ
تروى الأسى عن مُسلمٍ مُوجعِ
يهيمُ من وجدٍ ومن لوعةٍ
في الجانبِ الأيسرِ من أضلعي
ويأخذُ البرَّ وآيَ الوفا
عن الكتابِ الطيّبِ المَشرعِ
يا منْ سقاني الجمَّ من وُدِّهِ
هذا ودادي كلّه فأكرعِ
يا حاملَ القلبِ الكبيرِ الذي
لم ينقُضِ الميثاقَ قُمْ واسمعِ

أناعيَ ماهرٍ لم تدرِ ماذا
أثرتَ من الشّجونِ الكامناتِ
نعيتَ إليَّ أياماً تقضّتْ
بإسماعيلَ غرّاً صافيات
أجل أنا من أرضاكَ خِلاً مُوافياً
ويُرضيكَ في الباكينِ لو كنتَ واعيا
وقلبي ذاك المَورِدُ العذبُ لم يزل
كما ذُقتَ منهُ الحبّ والودَّ صافيا
سوى أنهُ يعتادهُ الحزنُ كلّما
رآكَ عن الحوضِ المهدّدِ نائيا

مقابرُ من ماتوا مواطنُ راحةٍ
فلا تكُ إثرَ الهالكينَ جزوعا
وإن تبكِ ميتاً ضمّهُ القبرُ فادّخرْ
لميتٍ على قيدِ الحياةِ دموعا
(أبا الفتوحِ) ومن ناداكَ جاوبَهُ
من جانبِ اسمكَ نفحُ الوردِ والآسِ
إذا غدت مصرُ منكَ اليوم خاليةً
فما لعهدكَ فيها الدّهرِ من ناسي
هل كانَ يومُكَ فينا غيرَ يومِ مُنىً
كانت كباراً فأمستْ طيَّ أرماسِ

لا مرحباً بك أيهذا العامً
لم يُرْعَ عندكَ للأُساةِ ذمام
في مُستَهَلِّكَ رُعتنا بمآتمٍ
للنافعين من الرجالِ تقامُ
لهفَ الرّياساتِ على راحلٍ
لهفَ العلا قد عُطلّتْ من سنا

قد كانَ ملىء العينِ والمَسمعِ
بدرٍ هوى من أوجها الأرفعُ
تبكي المروءاتُ علىبطرسٍ
ذاكَ الهمامِ الماجدِ الأروعِ
فتشّتُ ـ لمّا لم أجدْ مقلتي
كُفؤاً ـ على الفضلِ ليبكي معي
فقيلَ لي: قد سارَ في إثرهِ
يومَ دفنّاهُ ولم يرجعِ
يا مُجرياً دمعَ الملأ أبحراً
أدركهمُ يا مُرقىءَ الأدمعِ

عَزِّ الكرامَ وشاطرهم رزيّتهمْ
فإنهم بالتعازي أخلقُ الناسِ
وألقِ دمعكَ في تيارِ أدمعهم
ووحِّدِ الرزءَ في مصرٍ و

بُلقاس

إسماعيل صبري في رثاء الشيخ محمد عبده:

تدفق دموعاً أو دماً أو قوافيا
مآتمُ أولى الناس بالحزنِ ها هيا
أيجمُلُ أن تُنعى الفضائلُ للورى (محمدُ)
دورُ العلمِ كانتْ أواهلاً

ولم تكُ في الباكين ويحكَ باكيا
بفضلِكَ ما بينَ الأنامِ زواهيا
فصبَّحها إلا من الحزنِ والأسى
عليكَ القضاءُ المستبدُّ خواليا
فما للرّدى ـ لا باركَ الله في الرّدى ـ
أحالَ بشيرَ الأمسِ في الكونِ ناعيا
برغمِ الحِجا والمجدِ أن مسَّكَ البِلى
بسوءٍ فأضحى عودُكَ الصلب ذاويا

إسماعيل صبري في رثاء الشيخ محمد عبده:
وأن أُقفلَ البابُ الذي كنتَ عندَهُ
تقابلُ ملهوفاً وترصدُ شاكيا
(محمدُ) من للدينِ يحرسُ حوضهُ
ويدرأ بين الناسِ عنهُ العواديا؟
هنيئاً لهم فليحملوا حملاتهم
فقد أصبحَ الميدانُ بعدكَ خاليا
ألا نمْ مع الأبرارِ في الخلدِ ناعماً
فكم بتَّ فينا ساهرَ العزمِ عانيا
جُزيتَ عن الإسلام ما أنتَ أهلُهُ
فقد كنتَ سيفاً في يدِ الحقِّ ماضيا

إسماعيل صبري:
أتعلمُ عينُ الرّدى من تُصيبُ
وتدري يدُ الموتِ من تضربُ
ألمّا تكاملَ نورُ الأمينِ
وتاهَ بهِ الشّرقُ والمغربُ
وأوفى المكارمَ ما أملّتْ
وأعطى الفضائلَ ما تطلبُ
ودانَ لهُ أملٌ في الحياة
وتمَّ لهُ في العلا مأربُ
طواهُ الرّدى كَلماً فانطوى
بهِ أملٌ مقبلٌ نرقبُ

إسماعيل صبري:
قد فقدنا منا ومنكم كبيراً
كان بالأمسِ زينةَ الكبراءِ
فأقمنا عليهِ في كلِّ نادٍ
مأتماً داوياً بصوتِ البكاءِ
ومزجنا دموعنا بدموعٍ
بذلتها عيونكم عن سخاءِ
ورأينا فتكَ الرزيئةِ بالعقلِ
وفعلَ المُصابِ بالعقلاء

إسماعيل صبري:
يرثي عبد الله فكري
أبعدَ أن ماتَ عبدُ الله ـ مُرتهناً
يا ويحَ من أودعوهُ القبرَ،هل علموا

تحتَ الثرى ـ يُرتجى صفوةٌ ويُنتظرُ
أنّ المكارمَ كانت بعض ما قبروا؟
قد غيّبوا ماجداً كانت مناقبهُ
بها الزمانُ إذا ما زلَّ يعتذرُ
وعطلّوا من ربوعِ العلمِ أنديةً
كانت بعلياهُ يوم الفخرِ تفتخرُ
مضى وخلّفَ فينا من فضائله
بدائعاً يجتليها السّمعُ والبصرُ

إسماعيل صبري:
يرثي سليم تقلا صاحب الأهرام
برغمي أن يُدعى تراباً وأعظُماً
فتىً كان يُدعى قبلُ أكتبَ كاتبِ
فتىً كانت الأقلامُ تشهدُ أنّهُ
يُجلُّ مقامَ الكتبِ فوق الكتائبِ
هوى كوكباً ما البدرُ ليلةَ تِمّهِ
بـفتكَ من لآلائهِ بالغياهبِ
فتىً طبعهُ قد كانَ كالماءِ رقّةً
فلو صُبّ في كأسٍ لساغَ لشاربِ

إسماعيل صبري:
نحنُ لله ما لِحيٍّ بقاءُ
وقُصارى سوى الإلهِ فناءُ
نحنُ لله راجعونَ فمن مات
ومن عاشَ ألفَ عامٍ سواءُ
يفرحُ المرءُ في الصباحِ وما
يعلمُ ماذا يُكنّهُ الإمساءُ

إسماعيل صبري:
وهبتُكَ يا دهرُ من تطلبُ
أبعدَ أمينٍ أخٌ يُصحبُ؟
طويت المودّةَ في شخصهِ
فأيّ ودادِ امرىءٍ أخطبُ؟
وأيِّ بديلٍ له أرتضي
وأيّ شمائلهِ أندبُ

إسماعيل صبري:
حسبتُ بأنّكَ لي خالدٌ
فكانَ الذي لم أكنْ أحسبُ
أفي ذا الشّباب وهذا الإهابِ
يموتُ الفتى الطاهرُ الطيّبُ
ويُودي الذكاءُ ويقضي الوفاءُ
وتردى الفضيلةُ أو تُعطبُ

قضيتَ فكنتَ أسرعنا مسيراً
إلى غُرفِ الجِنانِ العالياتِ
فيا راحلاً قد غابَ عنا،ومن تكنْ
كذكراكَ ذكراهُ فليسَ بغائبِ
سلبتَ النهى حياً بباهرِ حكمةٍ
وعاطرِ أخلاقٍ ورقّةِ جانبِ
عليكَ من الفضل السّلامُ فإنّهُ
بفقدكَ أمسى فاقداً خيرَ صاحبِ
ولا زالَ منهلُ الدموعِ مُلازماً
ثراكَ يُجاري قيهِ فيضَ السحائبِ

إسماعيل صبري:
يرثي إسماعيل ماهر
أماهرُ!إنَّ وعدَ اللهِ حقٌ
وما جزعي عليكَ من النُقاةِ
فما لي والأناةُ ملاكُ نفسي
هلعتُ ولم تجملّني أناتي
وما لي إن أُمرتُ ببعضِ صبرٍ
رأيتُ الصبرَ إحدى المعجزات؟

إسماعيل صبري:
اهجرِ النومَ في طِلابِ العلاءِ
والتمسْ بالمسيرِ في كلِّ قطر

وصِلِ الصُبحَ دائباً بالمساء
رتبة العارفين والحكماء
إن غضَّ الشّباب فقّههُ الترحالُ
شيخٌ في أعينِ العقلاء
ومُقامُ الحُسامِ في الغمدِ يُزري
بالذي حازَ متنهُ من جلاء
فدعِ الغمدَ يبدُ للعينِ من فضلكَ
ما كانَ في زوايا الخفاء

إسماعيل صبري في الشيخ محمد عبده:
تعرَّضَ قومٌ للكتاب وأثخنوا
صراحتهُ شرحاً عن القصدِ نائيا
فأرسلتَ فيهِ نظرةٌ نفذتْ إلى
صميمِ مُرادِ الله إذ قُمتَ هاديا
ووفقتَ بين الشرعِ والعقلِ بعدما
قد اعتقدَ الإلفان ألا تلاقيا
ورُبَّ أناسٍ حاربوا دينَ أحمدٍ
فثُرتَ عليهِ ثورةَ الليثِ عاديا

إسماعيل صبري في الشيخ محمد عبده:
وقفتَ وأقلامُ الغَوايةِ شُرَّعٌ
وأقلامُ أهلِ الحقِّ ترنو سواهيا
وأفحمتَ بالبرهانِ كلَّ مناضلٍ
لو أنّكَ لم تغضب لزادَ تماديا
ففاءَ إلى الحُسنى ولو لم تحججهمْ
لعادت زئيرً صيحةُ القومِ داويا

إسماعيل صبري في الشيخ محمد عبده:
محمدوفيّتَ المروءاتِ حقّها
وقُمتَ إليها في حياتك داعيا
وعلّمتَ أهلَ العُرفِ في العُرفِ أوجهاً
لها غُررٌ مشهورةٌ ومعانيا
وعالجتَ أمراض القلوبِ بِحكمةٍ
ترى ظاهراً من خلفها البرُءَ صافيا
مناقبُ إن عُدّتْ تَضوَّعُ بيننا
كأنّا اتخذنا ساحة الروض ناديا

إسماعيل صبري:
إن سئمتَ الحياة فارجعْ إلى الأر
ضِ تنمْ آمناً من الأوصابِ
تلكَ أمٌّ أحنى عليك من الأمِ
التي خلّفتكَ للأتعابِ
لا تَخفْ فالمماتُ ليسَ بماحٍ
منكَ إلا ما تشتكي من عذابِ
وحياةُ المرءِ اغترابٌ فإن ما
تَ فقد عاد سالماً للترابِ

والناسُ إن قام يستسقي الكريمُ لهم
سحائبُ الفضل،بشّرهم فقد مطروا
إنّ منا من يَنصِبُ البيتَ فخاً
لاقتناصِ القصر الرّفيعِ البناء
فإذا ما مدَّ للسماءِ يميناً
سلَّ منها كواكبَ الجوزاء
بعضُنا لا يزالُ في إثرِ بعضٍ
ناهباً سالباً بلا استحياء
فتعوّذ من هؤلاء وحاذرْ
لا تكنْ ـ إن عُددتَ ـ من هؤلاء

شدّة ، وتأتي شدّة
تقتفيها شُدّة، هل من رجاء
غاضَ ماءُ الحياة في كلِّ وجه
فغدا كالح الجوانبِ قفرا
وتفشى العقوق في الناس حتى
كان رد السلام يحسب برا

عِبَرٌ كلّها الليالي ولكن
أين من يفتح الكتابَ ويقرا
لَكسرةٌ من رغيفِ خُبزٍ
تُؤدَمُ بالملحِ والكرامهْ
أشهى إلى الحُرِّ من طعامٍ
يُؤدَمُ بالشُهدِ والملامهْ

أيُّها التائهُ المُدِلُّ علينا
ويكَ؟قل لي
:
من أنتَ؟إني نسيتُ
مقابِرُ من ماتوا مواطِنُ راحةٍ
فلا تكُ إثرَ الهالكينَ جزوعا
وإن تبكِ ميتاً ضَمّهُ القبر فادّخرْ
لميتٍ على قيد الحياةِ دموعا

يا مَورداً كنت أغنى ما أكون به
عن كُلِّ صافٍ إذا ما باتَ يُرويني
عندي لمائكَ والأقداحُ طوعُ يدي
ملأى من الماءِ شوقٌ كاد يُرويني
أغَرَّكَ من بعضِ الليالي سُكونها
فبتَّ قريراً ناعِمَ البالِ هانيا
لقد سكنتْ لكنْ لِتُرهفَ للوغى
دقائقَ من ساعاتها وثوانيا
ألا إنَّ بين الكأسِ والفمِ فُرْجةً
لركضِ عظاتٍ تُشيبُ النواصيا
فَنبِّهْ رقيباً من حِذارِكَ كلّما
رأيتَ بأطرافِ الفؤادِ أمانيا

إسماعيل صبري:
فيا نائياً والهوى ما نأى
هنيئاً لدارٍ تَيمّمتها

وذِكراهُ في البالِ لا تَغرُبُ
لقد زارها الملِكُ الأطيبُ
تَنعمّتَ فيها وخلّفتني
لدى منزلٍ برقُهُ خُلَّبُ
وِدادُ الصديقِ به خوّلٌ
وقلبُ الصديقِ بهِ قُلّبُ
وصعبٌ على الحُرِّ فيه المُقام
ولكنَّ هِجرانَهُ أصعبُ

كان يجلو دُجى الكوارِثِ إن جَلّتْ
برأيٍّ تعنو له الآراء
كان أدرى الملأ بِكسبِ ثناءٍ
آه لو خَلَّدَ النفوسَ ثناء
هيَ الدنيا وإن جادتْ بخيلهْ
يدُ الحرمانِ في يدها المُنيلهْ
سواءٌ من يعيشُ الألفَ فيها
ومن أيّامهُ فيها قليلهْ
لئن قَصُرَتْ بمن تهوى الليالي
فإنَّ فُتوحَ والدها طويلهْ

والرزايا في بعضها يُطلَقُ القو
لُ وتعيا في بعضها البلغاء
إذا كانَ وردُ الموتِ ضربةَ لازبِ
فطولُ سرورِ المرءِ موعِدُ كاذبِ
فلا تغترِرْ بالعيشِ واحذرْ فإنّما
صفاءُ الليالي هُدنةٌ من مُحاربِ
يبيتُ الفتى خِلوَ الفؤادِ كأنّهُ
رأى بينَهُ سداً وبينَ النوائبِ

ومتاعُ الدنيا قليلٌ وما يلهو
به المرءُ من حُطامٍ هباء
عجيبٌ من الموتِ أفعالهُ
وعتبي على فعلهِ أعجَبُ
بذا حكم الله في خلقهِ
لِكُلِّ امرىءٍ أجلٌ يُكتبُ

باركَ الله فيكمُ أنتمُ الناسُ
وفاءً إن عُدَّ أهلُ الوفاء
سَمحٌ تراهُ إذا حللتَ بحيّهِ
أبداً يحنُّ إلى خصالِ الجودِ
طبعاً يميلُ إلى السّماحِ وأهلهِ
كتمايل الأغصان بالتأويدِ
عن رِفدهِ حَدِّثْ فكم في رفدهِ
إنعام بحر وافرٍ ومديد

والعدلُ يُعلي المُلكَ فوقَ السّها
ويُلبسُ الدنيا ثيابَ الأمانِ
غاضَ ماءُ الحياءِ من كُلِّ وجهٍ
فغدا كالِحَ الجوانبِ قفرا
وتَفشّى العقوقُ في الناسِ حتى
كادَ ردُّ السلامِ يُحسَبُ بِرا
أوجهٌ مثلما نثرتَ على الأجداثِ
ورداً إن هُنَّ أبدينَ بِشرا
وشفاهٌ يَقُلنَ:أهلاً ولو أدَّينَ
ما في الحشا لما قُلنَ خيرا

عَمْرَكَ الله،هل سلامُ ودادٍ
ذاكَ أم حاولَ المُسلِّمُ أمرا
عميتْ عن طريقها أم تعامتْ
أُمَمٌ في مفاوزِ الجهلِ حيرى
غرّها سَعدُها ومن عادةِ السّعدِ
يُؤاتي يوماً ويخذلُ دهرا
أين الألى سَجلوا في الصخرِ سيرتهُمْ
وصغرُّوا كُلِّ ذي مُلكٍ وسلطانِ
بادوا وبادتْ على آثارهمْ دُولٌ
وأدرجوا طيَّ أخبارٍ وأكفانِ
وخلفوا بعدَهُمْ حرباً مُخلّدةً
في الكونِ ما بينَ أحجارٍ وأزمانِ

أدمعٌ جاوزتْ مدى كلِّ حُزْنٍ
وتَخطّتْ حدودَ كُلِّ عزاءِ
وعديدٌ وراءَ كُلِّ خيالٍ
وعويلٌ في إثرِ كُلِّ هناءِ
إذا ما دعا داعٍ إلى الشرِّ مرّةً
وهزَّتْ رياحُ الحادثاتِ قناتي
ركبتُ إليهِ الحِلْمَ خيرَ مطيّةٍ
وسِرتُ إليه من طريقِ أناتي

كُنْ راعياً يرعى الأسودَ فمن رعى
غنماً يبت
}
يخشى الذئابَ ويَفرَقُ
ألا مَنْ للضعيفِ إذا تقاضى
ولم يرَ شخصه بين القضاةِ
ومن للعدلِ إن رفعتْ بُناةٌ
دعائمهُ ولم يكُ في البُناةِ

ورأيٌ يُجلّي اليأسَ واليأسُ ضارِبٌ
على الأفقِ ليلاً فاحمَ اللونِ داجيا
إذا ما تقاضينا ولم تكُ بيننا
ذكرناهما حتى نجيدَ التقاضيا
إنّ اللياليَ من أخلاقها الكدَرُ
فَكُنْ على حذرٍ مما تَغُرُّ بهِ

وإن بدا لكَ منها منظرٌ نَضِرُ
إن كان ينفعُ من غِرّاتها الحذرُ
قد أسمعتكَ الليالي من حوادثها
ما فيه رُشدكَ لكن لستَ تعتبرُ
إن كنتَ ذا أُذنٍ ليست بواعيةٍ
قُلْ لي بعيشكَ ماذا تنفعُ العِبَرُ
للدّهرِ لو كنتَ تدري هَولَ منطِقهِ
وعظٌ تُردِّدهُ الآصالُ والبُكرُ

عُمُرٌ إذا ما العُمرُ قِيسَ بما جرى
فيه فعامٌ منهُ يعدِلُ جيلا
لهفَ ساري الدُّجى لقد أفلَ البد
رُ وطالَ السُّرى وغابَ الهادي
لهفَ راجي القِرى وحاتِمُ طيٍّ
قد خبتْ نارهُ بهذا الوادي

واصبرْ فكم من جَزَعٍ آكلٍ
من صحة المرءِ ومن فضلهِ
فالليثُ لا تُنسيهِ أحزانُهُ
مقامه إن ضيمَ في شِبلهِ
وجدتُ الحياةَ طريقَ المماتِ
ويعثرُ فيها الفتى بالشّبابِ

وكلُّ إلى حتفهِ يَسْرُبُ
ويدلِفُ بالعلّةِ الأشيبُ
ويتعبُ بالزّادِ فيها الفقيرُ
وأهلُ الغنى بالغنى أتعبُ
ويشقى أخو الجهلِ في جهلهِ
ويَحرجُ بالعالمِ المذهبُ
موارِدُ مشروعةٌ للحياةِ
فايُّ مواردها الأعذبُ

كلُّ نفسٍ لها كِتابٌ وميعا
دٌ إذا جاءَ لا يُرَدُّ قضاء
سُنّةُ الله في البريّةِ لم
يُستثنَ منها المُلوكُ والأنبياء
يا منْ يُغَرُّ بدُنياهُ وزُخرفِها
تالله يُوشِكُ أن يُودي بكَ الغَررُ
ويا مُدلاً بِحُسنٍ راقَ منظرَهُ
للقبرِ ويحكَ هذا الدّلُ والخَفرُ
تهوى الحياة ولا ترضى تُفارِقُها
كمن يُحاوِلُ ورداً ما لهُ صَدرُ
كلُّ امرىءٍ صائِرٌ إلى جَدَثٍ
وإن أطالَ مدى آمالهِ العُمرُ

لو أنَّ قُلوبَ الناسِ طوعَ إرادتي
أحلتُ الأسى في بعضهن هناء
ولو طاوعتني كلُّ عينٍ قريحةٍ
لما ذابَ بعضَ الثاكلين بكاء
واخلعْ عِذاركَ فالأشجانُ آمرةٌ
وما على من يُطيعُ الأمرَ من باسِ
ولا يَغرَّكَ في البلوى ثباتُهمُ
كم من رفيعِ الذُّرا فوق اللظى راسي

نِعمَ الحليفُ يَشدُّ أزرَ حليفهِ
في الخَطبِ إن خذلَ الخليلُ خليلا
والعلمُ في الحُكّامِ عند
الجاهلينَ أجلُّ جُرْمِ
عُوفيتَ من قومٍ إذا
قدروا خَلّوا من كلِّ حِلْمِ

من ذا يُجاري أخمصيك إلى مدىً
وهواك سبّاقٌ وعزمُكَ أسبَقُ
إن يُرتَجلْ عُرْفٌ فأنتَ إلى الذين
لم يرتجلهُ المالكون مُوّفقُ
يابنَ الذين سَموا لأبعدِ غايةٍ
وتولَّ تذليلَ الصّعابِ فإنّها

فَتسّنموا القُنَنَ الشوامخَ والذُّرا
مرهونةٌ حتى تقول وتامُرا
إن الذي جعلَ العزائمَ بعضَ ما
أوتيتَ قدَّرَ أن تُعانَ وتُنصرا
لم يخلُق الله الشّهامةَ في امرىءٍ
إلا لخير قد أرادَ ودّبرا

إسماعيل صبري:
للهِ ما أهدى يمينُكَ للنّدى
أرضيتَ ربّكَ واعتصمتَ بأمرهِ

وأخفُّ في طُرُقِ الفخارِ خُطاكا
وتبعتَ هدى نبيّهُ فهداكا
وقسمتَ هَمّكَ بينَ رعي عهودهِ
ورعاية الملك الذي استرعاكا
وسننتَ في بذلِ النوالِ بدائعاً
حتى اجتنينا العدلَ من جدواكا
وظلِلتَ في أعداءِ مجدكَ فاتكاً
حتى عددنا الظُلمَ من قتلاكا

إسماعيل صبري يودع أصحابه:/
شُكراً على ما بدا من صِدقِ ودّكمُ
والله ما بعتُكم حُبّاً بغيركمُ

فإنّني من صميمِ القلبِ ممنونُ
ولو فعلتُ إذاً إنّي لمغبونُ
وإنّما قد قضى أمرُ المليكِ بذا
وكلُّ عبدٍ بأمرِ المَلكِ مرهونُ
وبعدُ فالقلبُ إن أجسامنا افترقت
مُقيّدٌ بحبالِ الودِّ مقرونُ
فأسالُ الله إبقاءَ الهناءِ لكم
إنَّ الهناءَ بحمدِ الله مضمونُ

إسماعيل صبري:
يا وامضَ البرقِ كم نبّهتَ من شَجنٍ
في أضلُعٍ ذهلتْ عن دائها حينا
فالماءُ في مُقلٍ،والنارُ في مُهجٍ
قد حارَ بينهما أمرُ المُحبينا
لولا تذكُّرُ أيامٍ لنا سلفتْ
ما باتِ يبكي دماً في الحيِّ باكينا
يا آلَ ودّي عُودوا لا عَدمتكمُ
وشاهدوا ويحكم فعلَ النّوى فينا

إسماعيل صبري:
لبيبُ بُشركَ فالأيام قد رضيت
ولليالي صفاءٌ بعد أن كدرتْ

وللمسراتِ أفراحٌ وتغريدُ
ترجوكَ صفحاً وسيفُ الغدر مغمودُ
فاهنأ بنجلك إن السعد أرّخه
لبيبُ دام لك المحفوظ محمودُ

إسماعيل صبري:
يا ألى الفضل والكمالِ ويا قُرّة
عين الوفا وعين الودادِ
بالذي زانكم وميّزكم بالعلمِ
أنصفوني من لطفكم فلقد غادرني

والحلمِ والهدى والرشادِ
راحلاً بغيرِ فؤادِ
واحفظوا عهدي القديم فإني
حافظٌ عهدكم لرغمِ البعادِ
فإذا قرّب النفوس ائتلافٌ
هان عندي تفرُّقُ الأجسادِ

يا سرحة بجوارِ الماء ناضرة
سقاك دمعي إذا لم يُوفِ ساقيكِ
عار عليك وهذا الظلّ منتشر
فتكَ الهجيرِ بمثلي في نواحيكِ
إنَّ أمضى الرجالِ من كان سهماً
واللبيبُ اللبيبُ من دارَ في

نافذاً في حُشاشةِ الغبراءِ
الأرضِ لعلمٍ ينالهُ أو ثراء
إنّما الأرضُ والفضاءُ كتابٌ
فاقرأوه معاشرَ الأذكياء
وأقرنوا العلمَ بالسُّرى رُبَّ علم
لم تحزهُ قرائحُ العلماء
وأطيلوا ما كان من قِصر العيش
بحثِّ الركابِ في الأنحاء

إسماعيل صبري في رثاء مصطفى كامل:
أجلْ أنا من أرضاكَ خلاً مُوافياً
وقلبيَ ذاكَ المردُ العذبُ لم يزلْ

ويُرضيكَ في الباكينَ لو كنتَ واعيا
كما ذُقتَ منهُ الحبَّ والودَّ صافيا
ألا عللّاني بالتعازي وأقنعا
فؤاديَ أن يرضى بهنَّ تعازيا
وإلا أعيناني على النوحِ والبُكا
فشأنكما شأني وما بكما بيا
وما نافعي أن تبكيا غير أنني
أحبّ دموعَ البرِّ والمرءَ وافيا
أيا مصطفى تالله نومُكَ رابنا
أمثلُكَ يرضى أن ينامَ اللياليا؟
تكّلمْ فإنّ القوم حولكَ أطرقوا
وقلْ يا خطيبَ الحيِّ رأيكَ عاليا

أخي
!
ما حيلتي إلا سلامٌ
وإلا الدمعُ أنثرهُ عقيقاً
يزورك في المساءِ وفي الغداة
على ذكرى حُلاكَ الغائبات
برغمي أن تقلص منكَ ظلّ
وقاني حقبة لفح الحياة
وأن نضبت خلال كنت منها
أعبّ لديك في عذب فرات
وأن صفرت يميني من وداد
غنيت به ليالي خاليات

ألا يا تجار العصر هل فيكم امرؤ
يبيعُ على صرعى الهموم عزاء
إذا دلني منكم على مثله فتى
خلعت عليه ما يشاء جزاء
ففي الحيِّ قوم عاكفون على لظى
تذيبهم البلوى صباح مساء
يخالهم الرائي سكارى من الأنس
فيبكي عليهم رحمة ووفاء
لو أن قلوب الناس طوع إرادتي
قلبتُ الأسى في بعضهن هناء
ولو طاوعتني كل عين قريحة
لما ذابَ بعض الثاكلين بكاء

إسماعيل صبري:في مصطفى كامل

ألا عللّاني بالتعازي وأقنعا
فؤاديَ أن يرضى بهنَّ تعازيا
وإلا أعيناني على النوحِ والبُكا وما نافعي أن تبكيا غيرَ أنني


فشأنكما شأني وما بكما بيا أحبُّ دموعَ البرِّ والمرءَ وافيا
أيا مصطفى تالله نومُكَ رابنا
أمثلُكَ يرضى أن ينام اللياليا؟
تكلّمْ فإنَّ القومَ حولكَ أطرقوا
وقُلْ يا خطيبَ الحيِّ رأيكَ عاليا
فقدناكَ فُقدانَ الكميِّ سلاحَهُ
وبتنا ودمعُ العينِ أندى خمائلاً
ولولا تُراثٌ من أمانيكَ عندنا



وساري الدّياجي كوكبَ القطبِ هاديا
وأكثرُ إسعافاً من الغيثِ هاميا
كريمٌ بكينا إذ بكينا الأمانيا
طواكَ الرّدى طيَّ الكتابِ تضّمنتْ
مضاءٌ إذا البيضُ انتمت لأصولها



صحائفهُ من كلِّ فجرٍ معانيا
غضبنا إذا سمّاكَ قومٌ يمانيا

إسماعيل صبري في قصيدة”
شكوى الحياة”
:
كم ساعةٍ آلمني مسّها
وأزعجتني يدُها القاسيهْ
فتَّشتُ فيها جاهداً لم أجدْ
هُنيهةً واحدةً صافيهْ
وكم سقتني المُرَّ أختٌ لها
فرحتُ أشكوها إلى التاليهْ
فأسلمتني هذه عَنوةً
لساعةٍ أخرى وبي ما بيهْ
ويحكَ يا مسكينُ هل تشتكي
جارحةَ الظفرِ إلى ضاريه؟
حاذرْ من الساعات ويلٌ لمن
يأمنُ تلكَ الفئة الطاغيهْ
وإن تجد من بينها ساعةً
جَعبتها من غصصٍ خاليهْ
فالهُ بها لهوَ الحكيم الذي
لم يُنسه حاضرهُ ماضيهْ
وامرحْ كما يمرحُ ذو نشوةٍ
في قُلّةٍ من تحتها الهاويهْ
فهي وإن بشّت وإن داعبت
محتالةٌ ختالةٌ عاديهْ
عناقُها خَنقٌ وتقبيلُها
هذا هو العيشُ فقلْ للذي

كما تعضُّ الحيّةُ الباغيهْ
تجرحهُ الساعةُ والثانيهْ
يا شاكيَ الساعات،أسمع،عسى
تُنجيكَ منها الساعةُ القاضيهْ

يا ربّ أهلني لفضلك واكفني
شطط العقول وفتنة الأفكار
ومر الوجود يشفّ عنك لكي أرى
غضب اللطيفِ ورحمة الجبار

إبراهيم ناجي يرثي شوقي:

وكأنّ يومك في فجيعته
هو أول الأيام في الشّجن
وكأنّما الباكي بدمعته
ما ذاقَ قبلكَ لوعةُ الحزن
فاذهبْ كما ذهبَ النهارُ ومضى
قد شيّعتهُ مدامع الشفق
واغربْ كما غرب الشعاع قضى
رفت عليه جوانح الغسق
ما كنتَ إلا أمّةٍ ذهبت
والعبقرية أمّة الأمم
أو شعلة أبصارنا خبت
ومنارة نُصبت على علم
يا راقداً قد باتَ في مثوى
بعدتْ بهِ الدنيا وما بعدا
أين النجوم أصوغ ما أهوى
شعراً كشعركَ خالداً أبدا
لكنّ حزني لو علمت بهِ
لم يُبقِ لي صبراً ولا جهدا
فاعذر إلى يوم نعيك به
حقّ النبوغ ونذكر المجدا

لستُ أرثيك أيُرثى خالد
في رِحابِ الخلدِ موفور الجزاء
كيفَ أرثيك أيرثى فاضل
عاش بالخيرات موصول الدعاء
يا نازلَ الصحراءِ موحشةً
ريّانة بالصّمتِ والعَدمْ
سالت بها العبراتُ مجهشة
وجرت بها الأحزان من قدمْ
هذا طريقٌ قد ألفناه
نمشي وراء مشيّع غالِ
كم من حبيبٍ قد بكيناهُ
لم يمح من خلد ولا بالِ

ذهبَ الموتُ بأغلى صاحب
وثوى في التربِ أوفى الأوفياء
أيها الشاكي من الدهر استرح
كلنا أيها الشاكي سواء

إبراهيم ناجي :تحية مصر لفلسطين:

أهِب ببيانك الصافي تدفّق
وقفْ بالقدسِ واهتف في رباه
وقم نقضى الحقوق إذا دُعينا
أليسَ الشرقُ يجمعنا حماهُ؟
سلامُ الله من أبناءِ مصر
إلى أرضِ البسالة والفتوّة
من المهد الذي هزّ البرايا
إلى مهدِ القداسة والنبوّة
من الوطن الكريم على الليالي
إلى الوطن الكريم على الجوار
من الوادي الخصيب بلا نظير
إلى الوادي المكلل بالوقار
وقد رقّت حواشيه إلى أن
رأيت الطود يخضرّ اخضرارا
لقد فاض الجلال عليه حتى
كأنّ عليه من نورٍ إزارا
تهبّ به النسائم ساحراتٍ
كأنّ أريجها أنفاسُ موسى
وتأتلق الحياة على الروابي
كأنّ على الروابي كفُّ عيسى
وتنظر روعةَ الإسلام فيه
وقد غمر المدائن واليبابا
فحيث تدير في الأنحاء عيناً
فنورُ محمدٍ ملأ الرحابا
حللنا في ذراكم يوم عيد
بعدنا فيه عن مصر مزارا
فألفينا لديكم ألف عيد
تُنسّينا الأحبّة والديارا
وكم عبرت بلا فرح ليالٍ
وكم بالله أعيادٌ تمرُّ
وكيف تطيبُ أعيادٌ وتحلو
لصادٍ والفمُ المحروم مرُّ!
وكيف تطيبُ أعيادٌ وتحلو
إذا عزَّ التعاهدُ واللقاء
فإنّ العيد عيدٌ يوم ندنو
ويجمعنا التفاهم والإخاء
بني القدس التفتُّ فسرَّ قلبي
جهودٌ بالشدائد لا تبالي
أرى روح الحياة تفيض فيكم
وعزمكمو يفيض على الليالي
أرى أملاً وقلباً حيث أمشي
وأعثر بالحياة إذا التقيتُ
إلى أن قال قائلكم لديكم
بأقصى الأرض

إبراهيم ناجي في رثاء أحمد شوقي:
قلْ للذينَ بكوا على شوقي
النادبين مصارع الشّهبِ
والهفتاهُ لمصر والشّرقِ
ولدولةِ الأشعارِ والأدبِ
دنيا تقرُّ اليومَ في لحدٍ
وصحيفةٌ طُويت من المجدِ
ومسافرٌ ماضٍ إلى الخلدِ
سبقتهُ آلاءٌ بلا عدِّ
هذا ثرى مصرَ الكريمُ وكم
أكرمتهُ وأشدتَ بالذكرِ
يلقاك في عطفِ الحبيبِ فَنمْ
في النورِ لا في ظلمةِ القبرِ
كم من دفينٍ رحتَ تحييه
وبعثتهُ وكففتَ غربتهُ
فاحلُلْ عليهِ مكرّماً فيه
يا طالما قدّست تربتهُ
يا نازلَ الصحراء موحشةً
ريّانةً بالصمتِ والعدمِ
سالت بها العبرات مجهشةً
وجرت بها الأحزان من قدمِ
هذا طريق قد ألفناه
نمشي وراءَ مُشيَّعٍ غالِ
كم من حبيبٍ قد بكيناهُ
لم يُمحَ من خلدٍ ولا بالِ
وكأنَّ يومك في فجيعتهِ
هو أول الأيام في الشّجنِ
وكأنما الباكي بدمعتهِ
ما ذاق قبلك لوعة الحزنِ
فاذهب كما ذهب النهار مضى
قد شيّعته مدامعُ الشفق
واغرب كما غرب الشعاع قضى
رفّت عليه جوانح الغسق
ما كنت إلا أمّةً ذهبت
والعبقرية أمّة الأمم
أو شعلة أبصارنا خلبت
ومنارة نُصبت على عَلم
يا راقداً قد بات في مثوىً
بعُدتْ به الدنيا وما بعُدا
أين النجوم أصوغ ما أهوى
شعراً كشعرك خالداً أبدا
لكنَّ حزني لو علمت به
لم يُبقِ لي صبراً ولا جُهدا
فاعذر إلى يومٍ نفيك به
حقّ النبوغ ونذكر المجدا
إ براهيم ناجي:

راحوا بأرواحٍ ظماء
يتهافتون على الفناء
جفّت حلوقٌ بعدهم
لم تلق دونهمُ رواء
واهاً لكأسٍ كالخلو
طِ ومنهلٍ فيه الشفاء
كنّا إذا ضجَّ الفؤا
دُ وضاق بالدنيا وناء
نمضي إليه فنستقي
ونعُبُّ منه كما نشاء
فاليومَ إذ شطَّ المزا
رُ بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتُمُ بُخلَ الضّني
ن فحسبُنا قطراتُ ماء
أين الأمين على الإما
رة والحريصُ على اللواء
قبسٌ أضاءَ العالمي
ن كما تُضىءُ لهم ذكاء
ثم اختفى خلف الغيو
بِ مخلِّفاً ظلمَ المساء

فكأنّما هبة السّما
ءِ قد استردتها السّماء
جزع الرياض لطائرٍ
غنّى فأبدعَ في الغناء
حتى إذا خلب العقو
لَ وقيل سِحرٌ لا مراء
ولّى عن الأيكِ الفخو
ر به إلى عرضِ القضاء
فكأنّهُ والسّحبُ تط
ويهِ فيمعن في الخفاء
دنيا من الأملِ الجمي
لِ قد استبدَّ بها العَفاء
ووراءها شفقٌ من الذ
كرى كجرحٍ ذي دماء
وتُسائلُ الدنيا التي
ناطت بهِ كلَّ الرجاء
عن أيِّ سرٍ طار عن
هذي الرُّبى وعلامَ جاء
قُم يا فقيدَ الشعرِ وان
ظر أيّ حفلٍ للرثاء
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضها
بعضاً وهيهات العزاء
هذي الجموع الباكيا
تُ الساخطاتُ على القضاء
قاسمتها أشجانها
ووفيت ما شاءَ الوفاء
أو لم تجدكَ لسانها الش
اكي إذا احتدم البلاء
أو لم تكن غِرِّيدها
ونديمها عند الصفاء
لم لا تُوفيك الجمي
ل وتستقلّ لك الفداء
ومُنَعّمٍ بين القصو
ما بالهُ حملَ الهمو

رِ قد استتمَ له الثراء
مَ وجشّم القلبَ العناء
وينوءُ بالعبءِ الذي
ويحَ الذكاءِ وما يُكل

هو عن أذاه في غَناء
فهُ من الثّمنِ الذَّكاء

إبراهيم ناجي:
أضنى قواه ولم يدع
والمجدُ يوغلُ في حنا
صرحٌ من الأدبِ الصمي
الدّهرُ يحمي ركنه
شوقي على رغم التف

من جسمهِ إلا ذماء
يا روحه والمجدُ داء
مِ له على الدنيا البقاء
والفنُ في روح البناء
ردِ والتفوقِ والعلاء
ذاك الرقادُ بساحةٍ
وبرغم ذهن كالفرا
مثواك لا تشكو السكو

كلّ الرجالِ بها سواء
شةِ حول مصباح أضاء
نَ ولا تمل من الثواء

إبراهيم ناجي:
أمسي يُعذبني ويضنيني
شوقٌ طغى طغيان مجنون
أين الشفاءُ ولم يعد بيدي
إلا أضاليل تُداويني
أبغي الهدوءَ ولا هدوء وفي
صدري عبابٌ غير مأمون
يهتاج أن لجَّ الحنين به
ويئن فيه أنينَ مطعون
ويظل يضرب في أضالعه
وكأنها قضبان مسجون
ويح الحنين وما يُجرّعني
من مُرهِ ويبيتُ يسقيني
ربيتهُ طفلاً بذلت له
ما شاءَ من خفضٍ ومن لينِ
فاليومَ لمّا اشتدّ ساعده
وربا كنوار البساتين
لم يرضَ غير شبيبتي ودمي
زاداً يعيشُ به ويفنيني
كم ليلةٍ ليلاء لازمني
لا يرتضي خلاً له دوني
ألفي له همساً يخاطبني
وأرى له طفلاً يماشيني
متنفساً لهباً يهبُّ على
وجهي كأنفاسِ البراكين
ويضمنا الليل العظيم وما
كالليل مأوى للمساكين
إبراهيم ناجي:

مكانيَ الهادىء البعيد
كُنْ لي مجيراً من الأنام
قد أمَّكَ الهارب الطريد
فآوهِ أنت والظلام
يا حسنها ساعة انفصال
لا ضنك فيها ولا نكد
يا حقبة الوهم والخيال
هلا تمهلتِ للأبد
يا أيها العالم الأخير
ماذا ترى فيك من نصيب
أراحةٌ فيك للضمير
أم موعدٌ فيك من حبيب
كم يعذُب الموت لو نراهُ
أو كان فيك اللقاءُ يُرجى
ينفض عن عينه كراهُ
ويقبل الراقد المسجّى
لكن شكا بما تجن
خيّم فوق العقول جمعا
عجبتُ للمرءِ كم يئن
ويستطيبُ الحياة مرعى
قد صار حبُّ الحياة منا
يقنع بالجيفة السباع
وعلم السمحَ أن يضنّا
وثّبت الجبن في الطباع
يا عالم الضيم والقيود
برّحت بالطائرِ الأسير
هربتُ من عالمٍ أضرّا
وجئتُ يا كعبتي أزورُ

إبراهيم ناجي
أشرب من روعة السماء
شعراً وأسقي الفؤادَ وحيا
مللتُ في هاتهِ العوالم
مهزلةَ الموت والحياه
وصورة القيد في المعاصم
ووصمةَ الذل في الجباه
هياكلٌ تعبرُ السنين
واحدة العيش والنظام
واحدة السخط والأنين
واحدة الحقد والخصام
وواحد ذلك الطلاء
يسترُ خزياً من الطباع
أفنى البلى أوجه الرياء
ولم يذُب ذلك القناع

ابراهيم ناجي:
بعينها كذبة الدموع
بعينها ضحكة الخداع
ومنحنى هاته الضلوع
على صوادٍ بها جياع
كأن صدر الظلام ضاق
من كثرةِ البثِّ كل حين
يا ويحه كيف قد أطاق
شكوى البرايا على السنين
كأنما ينفث الشهب
تخفيف كربٍ يئن نتهُ
كالقلب إن ضاق واكتأب
تخفف الذكريات عنهُ
كم زفرةٍ في الضلوعِ
قرّت مبيدة حيثما استقرت

يحوطها هيكلٌ مريض
فإن نبح سميت قريض

ابراهيم ناجي:
كم في الدجى آهة تطول
لو يفهم النجم ما نقول

تسري إلى أذنه وشعر
أو يفهم الليل ما نُسر
ما بالها أعين الفلك تطل من قاتم الحلك
منتثرات على الفضاء بغير فهمٍ ولاذكاء
ألا وفيّ ألا معين وكلّما جدَّ لي أنين
في مدلهم بلا صباح تسخر بي أنّة الرياح
هبنا شكونا بلا انقطاع وحظِ شعرٍ إذا أطاع
ما حظُّ شاكٍ بلا سميع يا ليته عاش لا يطيع
يضيع في لجّة الزمن ولن ترى في الوجود مَنْ
مبدداً في الورى صداه يدري عذاب الذي تلاه
يا أيها النهر بي حسد أكلُّ راجٍ كما يود
لكل جارٍ عليك رف يروي ظماه ويرتشف
ومن حبيبٍ إلى حبيب وكلُّ غادٍ له نصيب
ترنو حناناً وتبتسم من مائك البارد الشبم

ابراهيم ناجي:
يا نهرُ روّيت كلّ ظامي
فكن رحيماً على أوامي

فراحَ ريّان إن يذُق
فلي فمٌ بات يحترق
يا نهر لي جذوة بجنبي
فإن دنا الليلُ برّحت بي

هادئة الجمر بالنهار
وساكن الليل كم أثار
وقفت حرّان في إزائك
وددت ألقي بها لمائك

فهل ترى منك مسعدُ
لعلها فيك تبرد
عالج لظاها فإن سكن
وإن عصت نارها فكن

فرحمةٌ منك لا تحد
قبراً لها آخر الأبد
ترينيَ الهاجرُ الشتيت
وكلّما خلتني نسيت

وقربه ليس لي ببال
مرَّ أمامي له خيال

تمرُ ذكرى وراء ذكرى
وكل ذكرى لها دموع
وتعبر المشجيات تترى
من كل ماضٍ بلا رجوع
ماضٍ وكم فيه من عثار
كم قلت لا يرفع الستار

ومن عذابٍ قد انقضى
ولا ادكارٌ لما مضى
يا من أرى الآن نصب عيني
بالله ما تبتغيه مني

خياله عطّر النسم
ولم تدع لي سوى الألم
في ذمة الله ما أضعتم
لم نجزكم بالذي صنعتم

من مهجٍ أصبحت هباء
إنّا غفرنا لمن أساء
لا تحسبوا البرء قد ألَمّ
يخدعنا أنّه التأم

فلم يزل جرحنا جديد
ولم يزل يخبأ الصديد
يا أيها الليل جئت أبكي
طال عذابي وطال شكي

وجئتُ أسلو وجئت أنسى
ومات قلبي وما تأسّى

ابراهيم ناجي:
أيخيفني العشب الضعيف أنا الذي
أسلمتُ للشوكِ الممضّ أديمي
وإذا ونى قلبي يدقُّ مكانه
شممي وتخفق كبرياء همومي
ورجعت أحمل جعبتي متحدياً
زمني بها وحواسدي وخصومي
ورفعت نحو الله رأساً ما انحنى
بالذل يوماً في رحابٍ عظيمِ

رُبَّ قولٍ كنتُ قد أعددتهُ
لكَ إذ ألقاكَ يأبى أن يُطيعا
وحبيسٍ من عتاب في فمي
قد عصاني فتفجرّتُ دموعا
قلتُ للنفسِ وقد جزنا الوصيدا
عَجلّي لا ينفعُ الحزمُ وئيدا
ودعي الهيكل شبّتْ نارُهُ
تأكلُ الرّكعَ فيه والسجودا
يتمنى لي وفائي عودةً
والهوى المجروحُ يأبى أن نعودا
لي نحو اللهبِ الذاكي به
لفتة العود إذا صار وقودا

أيها الشاعر كم من زهرةٍ
عُوقبتْ لم تدرِ يوماً ذنبها
يا رياحاً ليس يهدأ عصفها
نضبَ الزيتُ ومصباحي انطفا
وأنا أقتاتُ من وهم عفا
وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلّبتُ على خنجرهِ
لا الهوى مال ولا الجفن غفا
وإذا القلبُ على غفرانهِ
كلّما غارَ بهِ النصلُ عفا

ثلاث سنين أم ثلاث ليالِ
هي البرق أم مرّت كلمحِ خيال؟
وما كان هذا العمرُ إلا صحائفاً
تلاشت ظلالاً رُحنَ إثر ظلالِ
إن الوفاء بضاعة كسدتْ
إفلاس أرواح ومَضيعةٌ

ومآل صاحبها لإملاق
لقلوبنا في شرِّ أسواق
إن كنتُ لم أغنم فقد ظفروا
لكنني والجرحُ يُلهب لي
هيهات أنسى أنهم عبثوا



مني بمغفرتي وإشفاقي
حسّي ويكون لي إحراقِ
ووفيتُ لم أعبث بميثاقِ

وفي سبيل الزاد والمأكل
نملأ صدرَ الأرضِ إعوالا

إبراهيم ناجي(الرسالة العدد347):

من أيِّ أكوان وأيِّ زمان
يا ساعة بسطت ظلال أمان
هل كنتِ حين هبطتِ غير ثواني
ومداك فوق الظنِّ والحسبان!
العمرُ أكثرهُ سدى وأقلّه
صفو يُتاح كأنّه عمران
كم لحظة قصُرت ومدت ظلها
بعد المغيبِ كدوحة البستان

إبراهيم ناجي(
الرسالة العدد347):
وتمرُ في الذكرى خيال شبابها
فكأنَّ يقظتها شباب ثان
والناسُ مُستبقون كلٌّ يبتغي
غرضاً يكافح دونه ويعاني
حُمى مقدرة على الإنسان
تبقى بقاء الأرض في الدوران
وكأنما هذي الحياة بضوئها
وضجيجها ضربٌ من الهذيان

إبراهيم ناجي:
حان حرماني وناداني النذير
ما الذي أعددتُ لي قبل المسيرْ
زمني ضاع وما أنصفتني
زاديَ الأول كالزادِ الأخير
ريّ عمري من أكاذيب المنى
وطعامي من عفافٍ وضمير
وعلى كفّك قلبٌ ودمٌ
وعلى بابك قيدٌ واسير

إبراهيم ناجي:
هي محنةٌ وزمان ضيقْ جرّبتُ أشواكَ الأذى
وتكّشفتْ عن لا صديق وبلوتُ أحجار الطريق
وكأنَّ أيامي التي
من مصرع ليست تفيق
زرعٌ على ظُلل فذا
أبداً لصاحبهِ رفيق
هذالا الذي سقت الدموع
وذاك ما أبقى الحريق

يا شفاء الروح،روحي تشتكي
ظلم آسيها،إلى بارئها
كلُّ شىءٍ صارَ مُراً في فمي
بعدما أصبحتُ بالدنيا عليما
آه من يأخذُ عمري كلّه
ويعيدُ الطفلَ والجهلَ القديما

سجنٌ على سجنٍ وحرقةُ نار
من مُسعدي في ساعة التذكار
وكأنَّ القضاءَ يسخرُ مني
حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
أبتغي عندكَ التأسي وما تملك
ردّاً ولا تجيبُ نداءَ
ويحَ دمعي وويحَ ذلّة نفسي
لم تدعْ لي أحداثهُ كبرياء

يا ربّ غفرانك إنا صغارْ
ندبُّ في الدنيا دبيبَ الغرورْ
نسحبُ في الأرض ذيول الصغارْ
والشيبُ تأديبٌ لنا والقبور
وسألتَ ما صمتي وما اطراقتي
وعلامَ ظلّتْ حيرةُ المرتابِ
أقبل أذقني ما اليقين وهاته
خُلّوا من الآلام والأوصابِ
أقبلْ لأُقِسمَ في حياتي مرةً
أن الذي أُسقاهُ ليسَ بصابِ
لهفي على هذا اليقين!وطعمه
بفمي وتكذيبي شهيَّ شرابي

إبراهيم ناجي:
الهوى مصرعي وكم من حِمام
كان باباً إلى الخلودِ الدائمِ
آهِ من رُبّما ومن أمل يُمس
كُ نفسي رجاءَ يوم قادمِ
قد تجىء الأنباءُ من شاطىء الني
لِ غداً والمبشراتُ النسائم
وتكون النجاةُ في القمر السا
ري على زورق من النور حالم

إبراهيم ناجي:
يرثي شوقي
قلْ للذينَ بكوا على شوقي والهفتاه لمصر والشّرق
النادبينَ مصارعَ الشّهبِ ولدولةِ الأشعارِ والأدبِ
دنيا تقر اليوم في لحد
وصحيفة طويت من المجدِ
هذا ثرى مصر الكريم وكم
أكرمته وأشدت بالذكر
يلقاكَ في عطفِ الحبيبِ فنمْ
في النور لا في ظلمةِ القبر
كم من دفين رحتَ تحييه
وبعثته وكففت غربته
فاحللْ عليه مكرماً فيه
يا طالما قدست تربته

والدهرُ يقذفُ بالمنايا دفقاً
فمضيتَ في متدفق التيار
حان حرماني وناداني النذير
ما الذي أعددتُ لي قبلَ المسيرْ
زمني ضاع وما أنصفني
زاديَ الأولُ كالزادِ الأخيرْ
ريّ عمري من أكاذيب المنى
وطعامي من عفافٍ وضمير

فاليومَ إذ شطَّ المزا
رُ بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتم بُخلَ الضَّنينِ
فحسبُنا قطراتُ ماء
يا ربّ غفرانكَ إنا صِغارُ
ندبُّ في الدنيا دبيبَ الغرور
نسحبُ في الأرضِ ذيولَ الصغار
والشّيبُ تأديبٌ لنا والقبور

دَينٌ

وهذا اليوم يومُ وفاءِ
كم منّةٍ للميتِ في الأحياءِ
إن لم يكنْ يُجزى الجزاءَ جميعَهُ
فلعلَّ في التذكارِ بعضَ جزاءِ
شجنٌ على شجنٍ وحرقةُ نارِ
من مُسعدي في ساعةِ التذكارِ
قُمْ يا أميرُ!أفضِ عليَّ خواطراً
وابعثْ خيالكَ في النسيمِ الساري

إبراهيم ناجي:
أيها الشاكي من الدّهرِ استرحْ
كلنا يا أيها الشاكي سواء
الجراحاتُ التي عانيتها
لم تدع أرواحنا إلا ذماء
برم العيشُ بها لم يشفها
وتولى الدهر سأمان وجاء
أذن الموت لها فالتأمت
وشفاها بعدما استعصى الشفاء

إبراهيم ناجي:
جلت الحياة له حقيقتها فما
في ظلّها لبسٌ ولا أوهامُ
ولهُ مع القدرِ الرهيبِ وقائعٌ
ولهُ مع الموتِ المُلّم صدامُ
ووراء ذلك قوةٌ أزلية
خرساءَ عنها ما أُميط لِثامُ
أيّ الأساة هو المُدل بفنهِ
سبحان من تحنى لديه الهامُ

إبراهيم ناجي يرثي شوقي:
راحوا بأرواحٍ ظماءْ
يتهافتونَ على الفناءْ
جفّتْ حلوقٌ بعدهم
لم تلقَ دونهم رَواءْ
واماً لكأسٍ كالخلودِ
ومنهلٍ فيهِ الشفاءْ
كُنّا إذا ضجَّ الفؤادُ
وضاقَ بالدنيا وناء
نمضي إليهِ فنستقي
ونعبُّ منهُ كما نشاء
فاليومَ إذ شطَّ المزارُ
بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتم بُخلَ الضّنينِ
فحسبنا قطراتُ ماء

إبراهيم ناجي:
هذه الكعبةُ كنا طائفيها
والمُصلين صباحاً ومساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها
كيف بالله رجعنا غرباء
دار أحلامي وحبي لقيتنا
في جمود مثلما تلقى الجديد
أنكرتنا وهي كانت إن رأتنا
يضحك النور إلينا من بعيد
رفرف القلب بجنبي كالذبيح
وأنا أهتف يا قلب اتئد
فيجيبُ الدمعُ والماضي الجريح
لِم عدنا ليت أنا لم نعد
لِم عدنا أو لم نطوِ الغرام
وفرغنا من حنينٍ وألم
ورضينا بسكونٍ وسلام
وانتهينا لفراغٍ كالعدم
أيها الوكر إذا طار الأليف
لا يرى الآخر معنى للسماء
ويرى الأيام صفراً كالخريف
نائحات كرياحِ الصحراء
أه مما صنع الدهر بنا
أو هذا الطلل العابس أنت
والخيال المطرق الرأس أنا
شدّ ما بتنا على الضنكِ وبت

إبراهيم ناجي:
أين ناديك وأين السمرُ
أين أهلوك بساطاً وندامى
كلما أرسلت عيني تنظر
وثب الدمع إلى عيني وغاما
موطن الحسن ثوى فيه السأم
وسرت أنفاسه في جوّهِ
وأناخ الليل فيه وجثم
وجرت أشباحه في بهوه
والبلى أبصرته رأي العيان
ويداه تنسجان العنكبوت
صحت يا ويحك تبدو في مكان
كل شىء فيه حيٌّ لا يموت
كل شىء من سرور وحَزن
وأنا أسمع أقدامَ الزمن

والليالي من بهيجٍ وشجيٍّ
وخُطى الوحدة فوق الدرج

إبراهيم ناجي:
ركني الحاني ومغنايَ الشفيق
وظلال الخلد للعاني الطليح
علم الله لقد طال الطريق
وأنا جئتك كيما أستريح
وعلى بابك ألقي جَعبتي
كغريبٍ آبَ من وادي المحن
فيك كف الله عنى غربتي
ورسا رحلي على أرض الوطن
وطني أنتَ ولكني طريد
أبديُّ النفي في عالم بؤسي
فإذا عدت فللنجوى أعود
ثم أمضي بعدما أفرغ كأسي

ومسافرٌ ماضٍ إلى الخلدِ

سبقتهُ آلاءٌ بلا عدِّ
إنّما الدنيا فتى عاش لكم
باذلاً من قوتهِ حتى الفناء

مصطفى عبد الرحمن في قصيدة آهة تثور مجلة الثقافة العدد 210:
تطوف بي الآلام ثائرة تترى
محطمة قلباً،ممزقة صدرا
تحارب آمالي وتحطم خاطري
وتقذف في الأحشاء من هولها جمرا
وما أنا بالشاكي ولا أنا بالذي
تزعزعه الأيام أو يرهب الدهرا
مشيت على هول الأسى غير عابىء
ولست أبالي الخطب قد حلّ والضرا
صمدت لأحداث الزمان بعزيمة
لدى داهم الأرزاء ما وقفت حيرى
وما ضرّني أن ينكر الناس …..
وتعبس أيامي وترمقني شزرا
فما ضحكت للحر يوماً ولا رأى
أخو النيل إلا الضيم والظلم والغدرا
سأصبر حتى يمحى ليل محنتي
وأرقب خلف الداجيات له فجرا

مصطفى عبد الرحمن(
الرسالة العدد 626):
عادَنا فَعودي لأغاريدك عُودي
وابعثي من الأنغام في سمع الليالي من جديدِ
من نشيدٍ عبقري خالدٍ إثر نشيد
يوقظُ الفرحة والآمال في هذا الوجود
أشرق الصبحُ وولّت ظلمة الليل الرهيب
وأفاق الكون مما طاف من هول الحروب
وانطوت صفحة إثم عابس الوجه مريب
وليالٍ هزّت الدنيا بنارٍ وحديد
هو ليلٌ طال ما أقساهُ بتناهُ حيارى
طالَ حتى لم نعد نحسبُ لليل نهارا
كم تداعى فيهِ للآمالِ صرحٌ وتوارى
روّع الدنيا بما يزجيهِ من خطبٍ شديد
هو ليلٌ ما أقساهُ في عمر الزمان
مُعرّقٌ في الظلمِ لا يعرفُ معنىً لحنان
قد قضيناهُ على مُرٍ نُعاني ما نُعاني
من وعيدٍ منكرٍ يصدقُ من بعدِ وعيدِ
ذكرياتٌ يا لها في خاطري من ذكريات
كلّما طافت بعينيَّ استباحت عبراتي
وأشاعت في رحاب النفس شتّى الحسرات
آه مما لقي الأحرارُ من ذلِّ القيود
ظالم لا يعرف الرحمة قد ضلَّ وتاها
أشعلَ الحربَ فباتَ الكونُ يشقى بلظاها
كم أسالت من دماءٍ أينما دارت رحاها
في سبيل الحقِّ ما أزهقَ من روح شهيدِ
هللي للصبحِ سيا أطيارُ فالصبحُ أتانا
رائعاً يملأ دنيانا أماناً وحنانا
رفرفَ السّلم منى تُشرقُ في ليل أسانا
وتُشيعُ الأنسَ والفرحة فينا من جديد

هاشم رفاعي:
أهاجَ لنا الحزنُ العيونَ البواكيا
وأسهدَ موتُ الشيخِ منا المآقيا
بكيناهُ بالآلام ملءَ نفوسنا
وبالحزنِ قتّالاً،وبالدمعِ جاريا
أحقاً إمامَ الخيرِ أن لستَ عائداً
إلينا،وأن لا نلتقي بك ثانيا

فقد تورقُ الأغصانُ بعد ذبولها
ويبدو ضياء البدر في ظلمة الوهن
خُلِقتُ أبياً أعشقُ المجدَ يافعاً
ومني غداً يهوى طريقَ العلا كهلُ
وعِشتُ بدفعِ الضَّيمِ والذلِّ مغرماً
وأبذلُ فيه الروحَ لو وجبَ البذلُ
إذا أنا لم أعرف لذي الحقِّ حقّهُ
فلا زانني حسنُ المكارمِ والأصلُ

وأهونُ حيٍّ من يُرى ذا عزيمةٍ
ويسكتُ يوماً إن أساءَ لهُ نَذل
نفوسٌ هي الإيمان والطهرُ أبلت
يفيضُ بها حبٌّ ويملؤها ودّ
وأفئدةٌ من كلِّ صوبٍ تجمعت
على طاعةِ الرحمن يمسكها عهدُ

وذو الظمأِ المشتاقُ لا يعرفُ الونى
ولا الضعفَ حتى يستبينَ له الوِردُ
أعوذُ بالله ربِّ الخلقِ والنَّسم
من محنةٍ أقبلت في حلكةِ الظُّلم
هذي النوائبُ يا للناس قد نُصبتْ
فوقَ الرؤوسِ كأبراجٍ من الغمم

أظهرتَ عند جدالي سيءَ الأدبِ
فرُحتَ بالنارِ تبغي أخطرَ اللعبِ
مازالَ ذا الدّهرُ يُبدي من غرائبهِ
حتى غدا الرأسُ مذموماً من الذَّنبِ
كذلكَ شأنُ الحُرِّ إن ضاعَ حقّهُ
أناةً،فإن لم تُغنهِ قام غازيا
فمن مثلُهُ في الناس يوماً وقد مضى
يؤدبُ جباراً،ويكبحُ عاتيا
ويا رُبَّ شرٍّ كانَ للشرِّ حاسماً
ويا رُبَّ داءٍ كانَ للداءِ شافيا

هيَ الأيامُ لا تُبقي عزيزاً
وساعاتُ السرورِ بها قليله
إذا نشر الضياءُ عليكَ نجمٌ
وأشرقَ فارتقب يوماً أفوله
هو السؤددُ الماضي تدقُّ بشائرهْ
وتَغمرُنا أمجادُ ومفاخرهْ
ذكرتُ به التاريخَ يزخرُ نهضةً
أضاءت لها في الشرقِ عُزاً منابرهْ
غداةَ سما بالدين في مصر صرحهُ
تفيضُ على الأكوانِ علماً زواخرهْ

هاشم رفاعي(
ذكريات عام ضائع):
خيالٌ تمرُّ عليهِ الصورْ
يعيدُ من الدّهرِ ما قدْ عبرْ
ويضرِبُ في لُجج الذكريات
فترجعُ ماثلةً للنظرْ
تُصوِّرها عينهُ حيّةً
كأنَّ عهودي بها لم تَمرْ
ويحملني اليومَ عبرَ السّنينِ
لماضٍ بأحداثهِ قد ذَخَرْ

هاشم رفاعي(
ذكريات عام ضائع):
أُطالِعُ في سِفرِ أيّامهِ ما يسوءُ
على أنَّ في بعضها ما يُسِّرْ
سُقيتُ الهزيمةَ من كفِّها
وذُقتُ بها نشوةَ المُنتصِرْ
ومرَّ بي اليأسُ مثلَ الظّلامِ
بلوتُ بها خُلقَ الأصدقاء

وأدنتْ ليَ الأملَ المُزدهرْ
فكم كنتُ مُستخلصاً للِعبرْ
وما خنتُ عهداً لمن قد وفى
ولا صُنتُ ودّاً لمن قد غدرْ

هاشم رفاعي:
فمدَّ يد الإرهاب كل مُضلل
غويٍّ بأحضانِ الشقاءِ قد ارتمى
يريدُ لدينِ الحقِّ وأداً وضَيعةً
ألا بُترتْ يُمناهُ كفاً ومعصما
عقولٌ يُريها الحقدُ في الهدي سُبّةٌ
ويُملي عليها أن تثور وتنعما
قلوبٌ عليها للضلالِ غشاوةٌ
فأنّى لها أن تستجيبَ وتفهما

هاشم رفاعي:
هم أوغلوا في إفكهم وعنادهم
هو الحقُّ لكن كيف يهدي لنورهِ

وكان الذي قالوهُ وهماً مُرّجما
وإن كان مثلَ الشمسِ من بات ذا عمى
أبى الكفرُ إلا شقوةً وسفاهةً
فباتَ امتشاقُ السيفِ أمراً مُحتّما
وذو الحلمِ إن يغضب فغضبةُ ثائرٍ
رأى العارَ في أن يستكينَ ويكظما
هو الحقُّ قد أرسى الإلهُ بناءَهُ
وأكملهُ القرآنُ نوراً وتَمّما

هاشم رفاعي:
وسِرْ بالقوافي نحو قومٍ أعزّةٍ
ومَجِّدْ بذكرِ الأكرمينَ القوافيا
رجالٌ إذا ما المزنُ ضَنّتْ بمائها
همُ القَطرُ ،كلا بل همُ الغيثُ هاميا
متى تأتهم تلقَ السماحةً والندى
وإن عدتَ من دارٍ لهم عدت راضيا

هاشم رفاعي:
أمّي غرستِ الحُبَّ في أحنائنا
وملاتِ بالمُثلِ الرفيعة أضلعا
أمي وقد علّمتِ كلَّ حميدةٍ
وهدى شربناهُ غذاء مرضعا
فإذا فرحنا تُظهرينَ بشاشةً
وإذا مرضنا تذرفين الأدمعا
لو أنَّ غيرُ اللهِ يعبد بيننا
لوجدتِ أقواماً أمامك رُكّعا

هاشم رفاعي:
يا منْ سهرتِ الليلَ في تمريضنا
تهدينَ كأساً للحنانِ مشعشعاً
أمي العزيزة أنت بيتُ قصيدنا
إن نحنُ أنشدناهُ ،زنتِ المطلعا
إن الفؤاد لقد أضاءَ بحبّها
وروابطُ الإخلاصِ لن تتقطعا

هاشم رفاعي:
رُحنا نُشيّعُ منكَ بحراً للتُّقى
في ضفتيهِ الجودُ والإكرامُ
نمشي وراءكَ والقلوبُ من الأسى
تدمى،وملءُ نفوسِنا آلامُ
حرُّ الأسى بين الضلوعِ كأنّهُ
في القلبِ من هولِ المُصابِ ضِرامُ
والعينُ تهمي والدموعُ ذوارفٌ
لمن العزاءُ أسوقهُ والكلُّ في

والناسُ خلفكَ شفّها الإيلامُ
جنبيهِ للخطبِ الأليم سهامُ
بكتِ المروءةُ بعد موتكَ سيّداً
وهوى بفقدِكَ للوفاءِ إمامُ
بجوارِ ربِّكَ نمْ فقد أسهدتنا
وأخو الأسى والحزنِ كيفَ ينامُ
واحملْ إلى الأحبابِ عطرَ تحيّةٍ
إذ ما أقمتَ هناكَ حيثُ أقاموا

هاشم رفاعي:
أمّا المصابُ فكانَ شرَّ مصابِ
يا بهجةَ الأقرانِ والأترابِ
تلك المنيّةُ لا تزالُ على الورى
تسطو بظفرٍ لا يفلّ ونابِ
في كلِّ يومٍ بالفؤادِ مرارةٌ
لفراقِ من يمضي من الأحبابِ
ويُفتّتُ الأكبادَ أنَّ فراقهم
ورحيلهم عنا لغيرِ إياب

هاشم رفاعي:
قِفْ أيها الغادي..عليكَ سلامُ
بأولي المكارمِ تذهبُ الأيام
إنّي رأيتُ غداةَ فقدِكَ موكباً
قد سارَ فيهِ مرارةٌ وزحامُ
يمضي بأروعِ ماجدٍ لا يُرتجى
من بعدهِ للطيباتِ قيامُ

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
رحاب الهدى يا منار الضياء
سمعتُك في ساحة من صفاءِ
تقول:أنا البيتُ ظلُّ الإله
وركنُ الخليل أبي الأنبياء
أنا البيتُ قبلتكم للصلاة
أنا البيتُ كعبتكم للرجاء
فضموا الصفوفَ وولّوا الوجوه
إلى مشرقِ النورِ عند الدعاء

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
وسيروا إلى هدف واحد
وقدموا إلى دعوة للبناء
يرى بها الله إيمانكم
ويرفعُ هاماتكم للسماء
يا عطاء الروح من عند النبي
وعبيراً من ثنايا يثرب
يا حديث الحرم الطهر الذي
يطلع النور به في اللهب

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
قُمْ وبشر بالمساواة التي
ألفت بين قلوب العرب
والإخاء الحق والحب الذي
وحد الخطو لسير الموكب
والجهاد المؤمن الحر الذي
وصل الفتح به للمغرب
أمة علّمها حبُّ السماء
كيف يبني ثم تعلو بالبناء

صالح جودت(
الثلاثية المقدسة):
فمضت ترفل في وحدتها
وتباهي في طريق الكبرياء
بيد توسع في أرزاقها
ويد تدفع كيد الأشقياء
سادت الأيام لما آمنت
أن بالإيمان يسمو الأقوياء
فإذا استشهد منهم بطل
كانت الجنة وعد الشهداء

أحمد زكي أبو شادي:
عمرٌ ينقضي بِرُشدٍ وغيّ
وحياةٌ تشرّبتْ كلَّ حيّ
يا أخي أنتَ بعضُ نفسي فرفقاً
لا تحاول إرهاق قلبي الأبيّ
أو تلمني على وفائي للحقِّ
وذودي عن الغبين الشقيّ
ذا كياني،وذا شعوري،فما لي
حيلةٌ في شعور قلبي الوفيّ

لم يبق إلا أن يُكّفنَ بعضنا
بعضاً وأن تتسابق الأموات
ماذا يرجى بعد أن طعن الهوى
روحَ الإخاءِ وسادت الشهوات

أحمد زكي أبو شادي:الرسالة العدد 668:زوجتي…وفاء ورثاء

ماذا تُفيدكِ لوعتي وبكائي؟
هذا فناؤُكِ مُؤذنٌ بفنائي!
أسديتِ عمرك للحياة فما وفت
ومضيت للأبرارِ والشهداءِ
لهفي عليكِ وقد أتيتُ مُودِّعاً
فبكيتُ فوقَ جبينُكِ الوّضاءِ
زاد المماتُ جمالهُ وتناثرتْ
مني الدموعُ عليكِ كالأنداءِ
كانت حشاشتي المذابة حرقة
وبقيّة المكنوزِ من نعمائي
فترنحتْ بفجيعتي،وتضوّعتْ
بسريرتي،وتلألأت بوفائي
وروتْ مُحيّاً كان جنة نعمتي
وملاذ تفكيري ووحي ذكائي
وطرحتِ آلام الحياة عزيزة
فبدوتِ بين سماحةٍ وصفاءِ
وأقبلُ الوجه الحبيب،وطالما
أودعتُ فيه صبابتي ورجائي

وما زلت تغزوني المآسي كأننا
صحاب، وتهواني شراباً ومطعما
بلا كلفة تحيا على بر مهجتي
فآثرت أن أفنى وأن أتبسّما

أحمد زكي أبو شادي في رثاء حافظ إبراهيم:

الشعرُ بعدك لن يعيش يتيما
والنظمُ دونك لن يهون نظيما
وزعت روحك في الحياة فأطلعت
عمراً،وصيرت الممات عديما
طُبعت بها الآياتُ للأدب الذي
ما زلت فيه على البعاد زعيما
أدب تسيرُ الشمس بين ركابه
في الخافقين وتحفظ التعليما
يحيا على كرّ الزمان ولم يكن
ليموت لو غاب الشعاع رميما
من طينمصرنما ومن أنفاسها
والأرض لا تنمي الشعور ذميما
نختُ الحياة وتارة تمثيلها
عاشا مثالا من نداه وسيما
ما كان رمزاً للقسامة مظهراً
كالكنز خبّأ حالياً وقسيما
لا يستخفّ بما يصوغ كيانه
فيجىء معجزة الجرىء قويما
إن كان تنقصه الرشاقة تارة
فمن الرشاقة ما يكون سقيما
يلقيه في الحفل العظيم رسالة
فيهزّ صحبا إذ يهزّ خصيما
كالأنبياء يفيض عن إيمانه
باللفظ شهداً والبيان شميما
في جوهريِّ الصوت يدوي عالياً
حتى إذا أشجاك عاد حليما
خضعت له المُهج العزيزة وانثنى
بالرّاحِ يشفي عانياً وكليما
فترى الحياة تدبّ في ألفاظه
والصوتُ ينهض بالحروف رخيما
وتراه في المعنى وفي المبنى سما
فوق النبوغِ إذا التفوقُ رِيما
وينالُ بالإلقاءِ عُمراً آخراً
من رُوحهِ ويزيده تفخيما
ولكم يموتُ الشعرُ من مُتعثرٍ
فتراهُ في أبهى الجمالِ هشيما
جزعت نفائسه لِفقدك حينما
موتٌ كموتك يشبه التكريما
تمضي إلى دنيا الخلودِ وقبلها
ملك الخيال مرحت فيه نسيما
رُوحُ شباةُ السيف حِدّةُ خاطر
فيه،ووحي الفن فيه أُقيما

أحمد زكي أبو شادي في رثاء حافظ إبراهيم:
لاقى الحروبَ ودام في حرب المنى
ومضى ولم يعرف بها التسليما
غلبت بسالته الزمان وأشرقت
منهُ البشاشةُ سالماً وسليما
يتميزُ القدرُ العتيُّ بنظمه
ويقصُّ أسرار القضاءِ رحيما
جمع الشبابَ مع المشيبِ فأطلعا
حِكماً وآياتٍ تزينُ حكيما
ويصوغُ للوطنِ العزيز مآثراً
وهي الصوامعُ للجمالِ سليما
حلوُّ الدعابة والحديث فما انتهى
متذوقٌ منه نُهى ونديما
ينسى مراراتِ الحياةِ بقربهِ
والحظُّ ختلاً والزمانُ لئيما
صافي الفؤاد فليسَ ينبض مرّةً
إلا صفيّاً للنفوسِ حميما
علمٌ بقامتهِ ونخوةِ قلبهِ
كم صان للأدبِ الصميم صميما
يحنو على البؤساء حين استعذبوا
منه الشفاءَ بشعرهِ ترنيما
نشرَ المحبّةَ والسلامَ ولم يذُقْ
إلا أليماً للورى وأليما
كم من أيادٍ للمروءةِ حُجبت
حتى العليمُ بهنّ ليسَ عليما
حفظَ الوفاءُ كَحفظهِ لغةَ العلى
وأشعّ سحراً للعقولِ جسيما
هيهاتَ أنسى من نداه محبّةً
قد كان يسبغها عليَّ كريما

لولا المحبّة فاضت الدنيا أسىً
وغدا شقاءُ الهالكين جحيما
يبكيك وجدانُ العروبةِ مُنقذاً
والجهلُ قد نشرَ الظلام بهيما
يبكيك من عبدوا الوفاء،وكلنا
ذاك الوفيُّ المُرتجيك قديما
أمّا أنا فأردُّ دمعي،طائراً
فوقَ الأثيرِ لكي أراك نعيما
وأعافُ من شعرِ الرثاءِ مناحةً
وأراهُ ذكراً شاملاً ومقيما
ربح الذين رثوكَ شأو مفاخرٍ
وغدا الذي أغفلته التعظيما
لكن وددتُكَ من يصوغ لي الرُثا
عن أن أصوغ لك الرثاءُ كليما
شعرٌ تُقاسُ به الحياةُ ومجدُها
ويخلدُ الظل السريع رسوما
ولكم تمناهُ الأديبُ كنوزَهُ
عن أن تدوم له الحياة خديما
وتُعدُّ من نِعمِ الحياةِ وبرّها
نفسٌ كنفسِكَ لا تُسىء خصيما
طُبعت على الزهدِ النقيِّ وقدّرت
في الجاه غبناً واليسارَ غريما
ما الحيُّ إلا نفحةٌ علويةٌ
ما الميتُ إلا من يعيشُ أثيما
فلكَ البقاءُ السرمديّ فإنما
خُلِقَ البقاءُ لمن يموتَ عظيما

أحمد زكي أبو شادي:
أهاجَ دويّ البحرِ صرخةَ آمالي
وبدّدَ أحلامي وبلبلَ بلبالي
رأيتُ بهِ الأمواجَ ملءَ اصطخابها
تقاتلُ مثلَ الحظِّ في عمري البالي
وتلتهمُ الصخرَ الأشمّ أمامها
كما طوّحَ الدهرُ الخئون بآمالي
تأملتهُ في حيرةٍ بعد حيرةٍ
وفي وجلٍ تالٍ على وجل تالِ
وقد جدّد الحزن الذي نال مهجتي
سنين كأني حالٌ همّ أجيالِ
رأيتُ به عقبى الحياة ومنتهى
مطامحها العليا من الحبِّ والمالِ
هشيمٌ من الأمواج قتلى وكم بها
عواطفُ ضاقت بالحياةِ وأمثالي

أحمد زكي أبو شادي:
أطلُّ عليها في وجومٍ ولوعةٍ
كأني أرى الأخرى أمامي وأهوالي
وقد نسيت نفسي وجودي وأُشعرت
وجوداً من الآلام في روعة الحال
فيا حزن قلبٍ كالغريبِ بعالمٍ
غريب لأهليه الأبرين والآل
دفنتُ أسيفاً عزمتي ومواهبي
لدن عدّ من ذنبي همومي وأعمالي
وحيّا أخلائي جهودي وما دروا
جهودي التي ماتت لحزني وإقلالي
فيا موجُ متْ حولي فموتُكَ راحةٌ
وموتُكَ مرآة لموتي وإذلالي
وإن كان لي في الفكرِ دنيا جديدة
تعالت عن الدنيا بإحساسها الغالي
غنمت بها روح الجمالِ التي سمت
عن الجسمِ واستولت على حبي الغالي

محمود غنيم:
بتنا نعيشُ على حسابِ جدودنا
هيهاتَ ليسَ الحرُّ كالمُستعَبدِ
كان الجدودُ لهم شرعاً يأؤونهُ
ولنا وكورٌ من يردها يصطدِ
كانوا مغاورَ يعتدون على الورى
فإذا بنوهم عرضة للمعتدي
صالوا برمحٍ ذابلٍ ومُهَنّدٍ
عضبٍ ونعجزُ أن نصولَ بِمبردِ
قد كانَ همّهم الفتوحُ وهمّنا
أن نغتذي أو نرتوي أو نرتدي
إرثٌ على يدنا تبدّدَ شملهُ
يا ليتَ هذا الإرث لم يتبدّدِ
مالي أرى الشّرقَ المهيضَ جناحهُ
رغم اتحادِ الهَمِّ غيرَ مُوَّحدِ
ولقد تُهان أمامنا جاراتنا
وشكاتُهنَّ تُذيبُ قلبَ الجلمدِ
فنرى ونسمعُ صامتين كأننا
لم نستمع وكأننا لم نشهدٍِ
فإذا تحمسّنا مددنا نحوهم
كفَّ الدعاءِ وغيرها لم نَمدُدِ

محمود غنيم وقصيدة الركب المقدس:
أي ركب دبّ في جوف الفلاة
يقتفى التاريخ في شوق خطاه؟
تحت جنح الليل يسرى خفية
في سبيل الله والحق سراه
يقطع الليل مسيراً فإذا
وشت الشمس به ألقى عصاه
وقريش خلفه لاهثة
تسأل الركبان عنه والمشاة
فكأنّ البرق في خطفته
أعين شزراء ودّت لو تراه
وكأنّ الطود في إطراقه
ستمع تنصت منه أذناه
وكأنّ الرمل يحصى خطوه
وكأنّ النجم من بعض الوشاة
غير أن الركب يمضي ثابتاً
وشعاراه اتئاد وأناة
ويقين بالذي يحرسه
من يلذ بالله لم يخش سواه
في سبيل الله يمشي آمناً
كيف يخشى وهو يمشي في حماه؟
قلة لكنها في عزمة
لا قليل ذرعها أو متناه
ما نجوم الليل إن قيست بها
ما رمال البيد ما قَطر المياه؟
عزّ من قوته أيمانه
أرأيتم مؤمنلً خارت قواه.
لا دروع سابغات لا قَنا
مشرعات لا سيوف منتضاه
قوة الإيمان تغني ربها
عن غرار السيف أو شن القناة

محمود غنيم في رثاء محمود الخفيف:
فديتك راحلاً(
مجلة الثقافة العدد 1028)
علام تشدُّ رحلك غير واني؟
فديتُكَ راحلاً قبلَ الأوانِ
رويدك يا خفيف فلست تدري
بقيرك ـ بعد بعدك ـ ما أُعاني
بربّكَ كيفَ تلقى الموت دوني؟
وكيفَ به دعاكَ وما دعاني؟
وإني من كيانكَ كنت جزءاً
كما قد كنتَ جزءاً من كياني
وكنتُ أعدّ دمع العين ضعفاً
فسالَ عليكَ منطلق العنانِ
وقالوا إن سكب الدمع يشفي
فما للدمعِ بعدكَ ما شفاني؟
وما هذي الحياة سوى طريق
ونحن على الطريق مسافرانِ
فكيفَ تركتني في الدربِ فرداً
ومالي بالسرى فرداً يدان
وآخى بيننا الأدب المصفى
فظن الناس أنا توأمان
فكنت إذا فرحت فرحت قبلي
وتشجى أنت إن همّ شجاني
أحقاً أنّ محموداً تولّى
وأنّي لن أراهُ ولن يراني
وكيفَ وصوتهُ ما زال يسري
إلى سمعي كما تسري الأغاني
وذلك سمتهُ طلق المُحيّا
وذاكَ شبابهُ في عنفوان؟
كذلك أنتِ يا دنيا سراب
لحاكِ الله مالكِ أمانِ
يطالعني الخفيف بكلِّ أفق
وألمحُ وجههُ في كلِّ آنِ
أكادُ أراه حين أسيغ مائي
وزادي في الكئوسِ وفي الأواني
أرى وجه الخفيف خبا سناء
فأعجب كيف يبدو النيران؟
كأنّي ما جفوت سواه خِلاً
ولا خلّ سواه قد جفاني
كأنّي ما جلستُ إليهِ يوماً
ليطرفني بأبكار المعاني
فأنساني الجلوس إليه نفسي
وما ألقاهُ من عنتِ الزمانِ
يطيبُ بيان محمود بسمعي
ومحمود يطيبُ له بياني
ويطرب حين يهجوه غنيم
وأطربُ للخفيفِ إذا هجاني
كلانا شاعر يهجو أخاه
بلا حقد عليه ولا اصطغان
سرت أبياتها بين الندامى
فأنستهم معتقة الدنان
يعطرها الوفاء بنفح طيب
ويكسوها الصفاء بطيلسان
وكم مدح يفيض به نفاقاً
لسان مثل ناب الأفعوان
وقال الطبّ سكتة نبض قلب
عرته فقلت:أفناهُ التفاني
سجل خطّ في خمسين عاما
طوتهُ يد المنية في ثوانِ

محمود غنيم في رثاء محمود الخفيف:
فديتك راحلاً(
مجلة الثقافة العدد 1028)
ولكن بعد أن أضحى نشيداً
يردّد مثل ترديد الأذان
أعنّي يا خفيف على المراثي
رأيت الشعر بعدكَ قد عصاني
فكم عاونتني في مدحِ خلٍّ
وكم ساعدتني في هجو شاني
وما ترجمت على حزني بشعري
فهلّا كان شعرك ترجماني
عهدتكَ ناطقاً بالشعر دُرّا
كأنّكَ صدت شعرك من عان
تفرد كل ذي قلم بحسنى
وتمّت للخفيف الحسنيان
بكت فيكَ الكتابة والقوافي
نبوغ ابن المقفع وابن هاني
ليهنك أن موتك في مكان
طهور الأرض قدسي المغاني
صريع العلم أشجع من صريع
بضرب السيف أو طعن السنان
ودور العلم ميدان فسيح
يموت به الشهيد بلا طعان
ولما أن سقطت على ثراها
كما سقط الكمي عن الحصان
تفزع سقفها علماً وضجت
صحائفها وأعولت المباني
دمان:دم الشهادة منك يجري
وآخر من دموع العين قاني
وزاغت حولك الأبصار حتى
كأنّ الأفق غشي بالدخان
وريع جنان كل فتى جليد
يخوض لظى الوغى ثبت الجنان
عيون بنيك حولك ناضحات
بدمع أو ب….أو حنان
يود فداك كل أغرّ منهم
كان قوامه من خيزران
وما فقدوا بفقدك غير دنيا
مطلقة عليك من الاماني
وما حملوا على الأعناق إلا
ملاكاً من ملائكة الجنان
تخذت العالم العلوي داراً
وعفتَ العيش في دار الهوان
وليسَ النجمُ يمكث في مدار
وليسَ الطيرُ يلبث في مكان
فما تسعى إلى أحد ويسعى
إليكَ مهرولاً قاصٍ وداني
ولا ترجو سوى المولى معيناً
وأكرِم بالمُعينِ وبالمُعانِ
ضمنت بعبقريتك الأماني
وما كالعبقرية من ضمان
وما أعقبت يا محمود نسلاً
سوى أبكار أفكار حسانِ
إذا خطبت تساق لها الدراري
مهوراً،لا اليتيم من الجمان
ولولا الفن كنت أبا وجدا
ولكن لست بالرجل الأناني
كفى بالفن للفنان ديراً
يعوقُ عن التناسلِ والقِران

لقد ربيت للأوطان جيلاً
لأشمَّ الأنف منطلق اللسان
فكل أب بمصر يراك قبلا
أبا لبنيه أول وهو ثاني
سباب الجيل يسأل عن أبيه
فيومىء نحو قبرك بالبنانِ

محمود غنيم في قصيدة دمعة على العقاد (الرسالة العدد 1053) عام 1964م

جزع الشرق وأجرى أدمعه
ليت شعري أيّ خطب روّعه؟
لا تلوموه على تذرافها
فيلسوف الشرق خلّى موضعه
شيّع الفجر لعمري باسماً
والضحى في رأده من شيّعه
كفّنوا العقاد في أسفاره
وادفنوا المرقم والطرس معه
لست أدري أشهاباً كان أم
علماً أم راهباً في صومعه؟
عالم بل عالم في رجل
ليت شعري أيّ قبر وسعه؟
سائلوا العلّة هل أودت به
رغم سبعين وخمس مسرعة؟
لا تقيسوا بالليالي عمره
بل سلوا في أيّ شىء قطعه؟
لم يسله سائل عن معضل
حيّر الأفهام إلا أقنعه
ماله اليوم طويلاً صمته
أيّ شىء عن جوابي منعه؟
صرع الموت فتى لم يستطع
خصمه في حلبة أن يصرعه
لست تدري أهو يحشو طرسه
أحرفاً أم هو يحشو مدفعه؟
وسلاحاه يراع مرهف
ودليل بيّن ما أنصعه
ذو يراع حين يأسو علّة
يزدري كل طبيب مبضعه
دولة الألفاظ في خدمته
إن دعا اللفظة جاءت طيّعه
نافذ الطعنة إن شاك به
أضلع الجبار تقصف أضلعه
إن سلّطه على نجم هوى
أو على أركان طود صدعه
ربّ حقّ صانه أو بائس
ذاد عنه أو سفيه دعه
ربّ غر رام منه لفتة
فرماه بالنعوت المقذعه
قلم العقاد سيف باتر
لم يجرده ابتغاء المنفعه
لم يجرعه كؤوس الشهد بل
كم كؤوس من زعاف جرّعه
العصامي الذي يأبى سوى
كفّه نحو العلا أن تدفعه
العيوف النفس لو ألبسه
غيره ثوب خلود خلعه
يابس بل شامس لم تستطع
رغبة أو رهبة أن تخضعه
لا تلوموه على أخلاقه
هكذا ربّ البرايا طبعه
يجد الأعداء فيه لددا
والأخلاء صفاءً ودعه
شامخ الرأس إذا الرأس انحنى
أبغض الناس إليه الإمعه
ليست العزّة ديناً تبعه
إنما العزة ديناً شرعه



عبقري العبقريات قضى
فهي من حزن عليه جزعه
إن بكته العبقريات دماً
فهي من أوصافه مترعه
خالد خلّد أبطال الورى
أي معنى بهمو قد جمعه
ادفنوه بين دور العلم أو
بين دور الكتب خطوا مضجعه
طلّق الدنيا ثلاثاً واصطفى
من بنات الفكر حوراً أربعه
مات عباس وتبقى أمم
تجتني من بعده ما زرعه
مات عباس جزاه ربه
رحمة عن كل معنى أبدعه



محمود غنيم(الرسالة 930):

نضو السّهاد أطال من إغفائهِ
وشفاه شافي الموت من برحائه
ألقى عصاهُ واستراحَ بمرفأ
يلقى المجاهد فيه حسنَ جزائه
ماتَ الذي لم ينسَ مصراً والرّدى
يمشي بطىء الخطوِ في أعضائه
ما زالَ في الميدان يحمل سيفهُ
ويصولُ حتى خرَّ من إعيائهِ
كان الهتافُ لمصر كلّ أنينه
فوقَ الفراشِ وكان بعض دوائهِ
عبد العزيز خلا بمصر مكانه
في طول ساحته وعرض فضائهِ

محمود غنيم
(
الرسالة
930)
كونٌ بِرمتهِ خلا من أهلهِ
يا منْ لهذا الكون بعد خلائهِ
هبة الهبات سخا الزمان بها على
هذا الوجود وضنّ بعد سخائه
لهفي عليه وألف لهفي ما خبتْ
شمسُ الضحى وخبا شعاع ذكائهِ
الموتُ أطفأ ذلك الذهن الذي
عجز الضفا والشّيب عن إطفائه
جسم نحيل غيرَ أن وراءه
أفقاً يتيهُ الظنُّ في أرجائه
وقريحةٌ نفّاذة لو وكلت
بالغيبِ ما عيتْ بكشفِ غطائهِ
لما نعى شيخا القضاة نعاته
قلنا قضاة الله فوق قضائه
حكم مضى كالسهم فيمن حكمه
قد كان مثا السهم عند مضائه
مات الذي اشترك الأحبّةُ والعِدا
بقلوبهم في نعيهِ وبكائه
لا تنثروا الأزهارَ حولَ ضريحهِ
فخِلالهُ ينفحن في أنحائهِ
هتفت شمائلهُ بملء لهاتها
ترثيهِ قبل هتافنا برثائه
والله ما نظم الرثاء لراحل
كَلسان ما أسداهُ من آلائه
ومن الثناءِ ممحض ومُموه
لكن صدق القولِ غير ريائه
هذا الذي ولّى نقي الثوبِ ما
من شبيهة علقت بذيل ردائه
قد كان أرفع قيمة من دهرهِ
وأجلّ من حرمانه وعطائه
النفي لم يقدر على إخضاعه
والحكمُ لم يقدر على إغرائه
هذا الرفات سجل أكبر ثورة
عبد العزيز ولا أزيدك خبرة

بالله لا تطووه عن قرائه
بالموت كل شارب بإنائه
قد كنت تبقى لو تكفلت العلا لكن
عدوي الموت عدوي لم تزل

والمكرمات لربذها ببقائه
من آدم تسري إلى أبنائه
يهني سماء الله أنك جارها
والخلد أنكَ نازل بفنائه
أقسمت لو جزع الصباح على امرىء
ما لاحَ بعدكَ مشرقاً بضيائه

محمود غنيم:
ما ضرَّ أعظمه تواضع قبره
يا سيد الشهداء غرسك لم يزل

فالدرُّ درّ وهو في الأصداف
نسقيه من دمنا ليوم قطاف
وتراثك الوطني في دم معشر
لا واهن عزماً ولا وقاف

محمود غنيم(
الرسالة العدد261)
:
أمر به سبقَ القضاءُ الجاري
لا تأخذوا بالذنب غيرَ جُناتهِ

ما حيلةُ الإنسانِ في الأقدارِ
إنَّ الصوابَ تَلمُّسُ الأعذارِ
الرزءُ يذهب بالعقول جلاله
فحذارِ من شَططِ المقالِ حذارِ
وهو الودادُ إذا عُراهُ توثّقتْ
أضفى على الآثامِ كلَّ ستارِ
إحسانُ من عاديتَ إساءةً
وكبارُ من صافيتَ غيرُ كبارِ

محمود غنيم(
الرسالة العدد 117):
لكَ اللهُ لا تشكو ولا تَتبّرمْ
فؤادُكَ فيّاضٌ وثغرُكَ مُلجَمُ
يفيضُ لسانُ المرءِ إن ضاقَ صدرهُ
ويطفحُ زيتُ الكيل والكيلُ مُفعمُ
تعلّلتُ دهراً بالمنى فإذا بها
قواريرُ من مسِّ الصَّبا تتحطّمُ

والحرُّ يُدرك المنى غلابا
لا يُمنح الحر ولا يُحابى
إني أرى الناس ما زادوا رفاهية
في العيش زاده تعقيداً وإشكالاً
كم هانَ أمر فقلدناه طائفة
من الحواشي وحملناهُ أثقالا
تجاوز العرفُ والعاداتُ حدها
فأصبحا في رقاب الناس أغلالا

لولا نيوب الأسد الضرغام
لكانَ من فصيلة النعام
خليليَّ هل للمجدِ حدُّ فأنتهي
إليهِ لقد طال العبورُ ولم أرسِ
مآربُ تترى،كلما نلتُ مأرباً
تُنازعني عنه إلى غيرهِ نفسي
فلا النفسُ إن أبلغْ تقف عند غايةٍ
ولا هي إن أخفقْ تُرحني باليأسِ
كذلك أشقى ما حييتُ فإن أمتْ
فيا ليت شعري ما ورائي في رمسي

تشابهت الأيام عندي كأنّما
مضى العمر يوماً واحداً متعاقبا
يا طالما حدّثنني النفسُ قائلةً:
أنحنُ أنعَمُ أم أسلافنا بالا؟
قالوا:تألق نو العلم،قلت لهم:
بل نارهُ أصبحت تزدادُ إشعالا
عهدُ الحسام بفضل العلم قد درست
آثارهُ وزمان الرمحِ قد دالا
يا رُبَّ حربٍ بغير العلم ما اتقدت
ورُبَّ جيشٍ بغير العلمِ ما صالا

محمود غنيم:
مدمرات وغازاتٌ مسممة
تصوِّرُ الموتَ ألواناً وأشكالا
لنا جرائم لم يسبق بها زمن
باتت تُزلزلُ ركنَ الأمنِ زلزالا
كم وضّحَ العلمُ منهاجاً لِمختلسٍ
وباتَ يحمي من القانون مغتالا
ابنُ الحضارةِ جسمٌ دونَ عاطفة
يكادُ يحسبهُ رائيه تمثالا

وبرقها خلّب يغريك بارقهُ
حتى إذا شِمتهُ ألفيتهُ آلا
رسالة الغربِ لا كانت رسالتهُ
كم سامنا باسمها خسفاً وإذلالا

محمود غنيم(العام الجديد ـ الرسالة العدد146):

شُقَّ الفضاء بنورك المُتجدّدِ
يا ليتَ شعري ما تخبيءُ في غدِ
ولقد مضى عامٌ عرفتُ صروفه
وعَييتُ بالغيبِ الذي لم يُوجدِ
يا ابن الظلام أما تعبت من السُّرى
أبداً تروحُ على الأنامِ وتغتدي
شيبتَ ناصية القرونِ ولم تزل
طفلاً تُطالعنا بوجهٍ أمردِ

محمود غنيم(
العام الجديد ـ الرسالة العدد146):
تمضي الحياةُ فلا تعودُ إذا مضت
وأراك تختتم الحياة وتبتدي
حتّام تضربُ في الدياجي هائماً
تهدي الأنامَ ولا إخالكَ تهتدي
رقدَ الأنامُ خليّهم وشجيّهم
وظللتَ وحدكَ ساهراً لم ترقدِ
ولقد حسبتُكَ بالسلامِ مُبشراً
فبرزتَ مثل الخنجرِ المُتجردِ

محمود غنيم(
العام الجديد ـ الرسالة العدد146):
الشرقُ مُضطرمُ الجوانحِ ثائرٌ
والغربُ يهدرُ كالخضمِّ المزبدِ
إني أرى ناراُ أُعِدَّ هشيمها
وثقابها لكنها لم توقدِ
الشرقُ يأملُ أن تحلَّ وثاقه
جرتِ الشعوب وارَ سير المُقعدِ
لهفي عليه مُنسَّباً لم يُجدِهِ
طيبُ النجارِ ولا كريمُ المحتد

محمود غنيم:
وإذا أحبّ فلن تراهُ مُحابياً
يهوى ويقلي وهو في كلتيهما

شتان بين حبيبه وحبائه
بالعقل مغلوب على أهوائهِ
وينالُ بالإسفافِ منه غريمه
وبغيرِ ذلك ينالُ من غرمائه
خصم شريف إذ يصول وربما
أغضى فكان القتلُ في إغضائهِ
حرّ حمي الانف إن سيمَ الأذى
فالموتُ دون رضائه
أنف لو أن الخلد شيب هواؤه
بغبارِ ضيم عاف شمّ هوائه
وصراحة في الرأي يبديه وإن
لم يرض ذو الجبروت عن إبدائه

ما الضعفُ إلا ما توهمُ الفتى
ضعفاً وبئسَ توهُّمُ المتوهمِ

محمود غنيم يرثي علي الجارم:

عرشٌ ينوحُ أسى على سلطانه
قد غابَ كسرى الشعر عن إيوانه
طوت المنون من الفصاحة دولةً
ما شادها هارون في بغدانه
لمّا تهامست الصفوف بنعيّهِ
كاد الفؤادُ يكفّ عن خفقانه
لا تعجبوا من موتهِ في حفلهِ
إن خانهُ ضعف المشيبِ فطالما



إنّ الشجاعَ يموتُ في ميدانه
جهرَ المنابرَ وهو في ريعانه

الشيخ محمد عبد المطلب:
للهِ أيامنا والدهرُ معتمل
يسعى إلى ما أردنا سعي محتدم
للهِ أيام كنّا والوجود لنا
يجري القضاءُ بما شئنا على الأمم
إذ يرفعُ الله بالدين الحنيف لنا
على الذرى دولةً خفاقة العلم

حسن كامل الصيرفي يرثي عزيز فهمي(
الرسالة العدد 989):
خَلِّ العزاء فما يفيد عزاء
سادَ الظلامُ وغامت الأضواء
الشعلةُ انطفأت،وكان وراءها
للمُدلجينَ الحائرينَ رجاءُ
خلِّ العزاء ودعْ لدمعكَ سيله
متدفقاً،فهنا يطيبُ بكاء
خلِّ العزاء فلست تملك منطقاً
متماسكاً إن هبّت النكباء
الشعلةُ انطفأت،وأية شعلة
كانت،تبارك نورها الوضاء
للحقِّ عاش،وفي سبيلِ قيامه
ماتَ المنافِحُ عنه وهو فداء

أحمد فتحي(
الرسالة العدد336):
جهلتُ حقائق الآمال،لكن
قنعت بها من الزمن اللئيم
وحسبي من أعاجيب الأماني
رضاها بالخسيس وبالكريم
تكفكف من مدامع كل شاك
وتحفزُ هِمّة الباغي الظلوم
ويزجيها خيالٌ كالليالي
فلا هو بالصحيحِ ولا السقيمِ

أحمد فتحي(
الرسالة العدد336):
فكم يهوى إلى قاعٍ سحيق
وكم يغري فؤادي بالدّنايا

وكم يسمو إلى هام النجوم
وكم يُغريه بالشأوِ العظيم
وما ألقاهُ يأسو من جراحي
ولا ألقاهُ يجلو من غيومي
ومن عجبٍ وصلتُ به حياتي
كما اتصل الشرابُ إلى النديم
إذا أزمعتُ من أملٍ فراراً
فررتُ من الجحيمِ إلى الجحيمِ

باحثة البادية:
أعملتُ أقلامي وحيناً منطقي
في النصحِ والمأمول لم يتحققِ
وظننتُ إخلاصي يفيد وهِمّتي
تفضي بمن أشقى لهن إلى الرقي
أكبرتُ نفسي أن يُقال تملقت
لا كان عيشي يرتجى بِتملقِ

باحثة البادية:
ليبكِ العلمُ والإسلام ما سلما
وليبعث الفضل في منعاك روح أسى

وليذرفا الدمع، أو فليمزجاه دما
كما بعثت إلى تحصيله الأمما
غالتكَ غائلةُ الموت التي صدعت
من الهدى علماً تعشوا له العُلما
مددت للعلمِ في مصر جداوله
فلم تدعْ في نفوسِ الواردين ظما
والدين طهرته من بدعة عرضت
عليه في سالفِ العصر الذي انصرما

باحثة البادية:
لهفي على طرق الإصلاحِ قد تركت
يا حجّة الدين من يبني دعائمه

بلا مناد وأمسى نورها ظلما
للمسلمين إذا بنيانه انهدما
عَدتْ عليك عوادي الدهر فاقتلعت
واحسرتا على العافين من لهم

من بيننا برداك:العلم والكرما
يسدّ إعوازهم إن حادث دهما
حملت من خطط الأعمالِ أصعبها
إنّ العظائمَ في الدنيا لمن عظُما

باحثة البادية:
ترثي عائشة التيمورية
يا موت ويحكَ لم تراع
حقوقاً للطرس ولا اليراع
تركت الكتب باكية بكاء
يشيب الطفل في مهد الرضاع
ولم تهب الفضائل والمعالي
وطول السعي في خير المساعي
ولم يمنعك مما رمت نثر
ولا شعر ولا حسن ابتداع
نراك تجود بالأرزاء حتى
عددنا البخل من كرم الطباع
فذب يا قلب لا تكُ في جمود
وزد يا دمع لا تكُ في امتناع
ولا تبخل عليّ وكن جموحاً
فكنز العلم أمسى في ضياع
سنبقى بعد عائشة حيارى
كسرب في الفلاة بغير راع
هي الدرُّ المصونُ ببطن أرض
وقد كانت كذلك في قناع
هي البحر الخضم وما سمعنا
بأن البحر يُدفن في التلاع
وكانت للمكارم خير عون
وللخيراتِ كانت خير داعِ

باحثة البادية:
ترثي عائشة التيمورية
لها القدح المعلى في العوالي
وفي نشر المعارف طول باع
فيا شمس المحامد غبتِ عنا
وخلّفت البكاء لكل ناعِ
ويا خيرَ النساءِ بلا خلاف
وقدوتنا بلا أدنى نزاع
لقد أحييت ذكر نساء مصر
وجدّدتِ العلا بعد انقطاع
وشدت صروح طهر باذخات
محصنة كتحصين القلاع
بني تيمور خطبكمو جليل
له وجه الفضيلة في امتقاع
وصبركمو أجل ومن سواكم
من الأقوام أولى باتباع

عبد الرحمن شكري(
الرسالة العدد 141):
أتظل موهون الجنان مروّعاً
قلِقاً من الآفاتِ والأقدارِ
تخشى الحياة ولست تخشى ميتة
هبها نصيب الموت في الإصغار
قلقاً تُطلُّ على الحياةِ كأنّما
منها وقفت على الشفيرِ الهاري
تخشى الحياة وكذبها وسَفالها
وصيالها في قسوة الغدّارِ
والحي يأكل من حياة مثيله
لحسن الضواري للدم المدرار
وتطاول المغمور ينحو نابها
كتطاول الغرقان في التيار
مُتشبثاً منه بِعطفي سابح
ليجره لمهالك وبوار
كل يخال الدهر إن هو عاقه
خطب الجميع بقاصم الأعمار
والموت يعصف بالدهور وأهلها
فكأنّها صور الخيال الساري
فعلام تخضع للتناكص والأسى
وتخاف حكم الله في المقدار
والقلب يلمسه الأسى فيهزه
وكأنّهُ وتر من الأوتار
وعلام ترتقب الزمان وصرفه
والغيب وهو مُحَجّبٌ متواري
عمري لو أن الغيب عاجل وانقضى
لقرأته سِفرٌ من الأسفارِ
لا إنها أمر تزاول صرفه
وتظل تعدو منه في مضمار
أو تغتدي بين الأنام مغامراً
تسعى على سنن لهم وشعار
فإذا أسيت أسيت طرفة ناظر
وإذا نسيت نسيت كل عثار
وكذبت ما كذب الأنام ولم تجد
في قسوة من خسّة وشنار
ونسيت ما جلبَ الزمان لأهله
من محنة أو مهلك ودمار
فتقول للقلب المروع إذا نزا
حذر الحياة وصولة الأشرار:
يا هارباً من صولة المقدار
أتراك تفلت من يد الأقدار
اهرب إذا ما اسطعتَ في أزل الدُّنى
أو في مدى الآباد والأدهار
أو في الممات وما تلاقي خلفه
بين الفناء ومعقل الأسرار
تعدو ويدركك الذي خلّفته
كالليل ليس يفر منه الساري
كلُّ من العيش المروَّع هارب
لو فاز خلقٌ في الدُّنى بِفرارِ

عبد الرحمن شكري(
الرسالة العدد 141):
فإذا القضاء مآلهم ونفاذه
كحصاد كل وسائل المختار
سل صفحة التاريخ كم قوم به
أجراه مجرى الدهر في مضمار
أقوام أدهر مضت بعض لها
ذكرى وبعض مالها من داري
قد أبدلوا طبع السَّفال بأنفس
من طبعها المتصاعد السّوار
صاروا إذا اغضبوا وإن سُروا وإن
درجوا لأمرٍ ثالثٍ بمدارِ
يتمرغون مجانة فنفوسهم
وجسومهم كمزابل الأقذار
وصموا الشباب ولم يكن من طبعه
خلق اللئيم العاجز الغدّار
إن الشباب مروءة وسذاجة
وترفعٌ ينبو عن الأوضار
نبذوا الحياء وكيف ترجو أمة
للنائبات مجانة العُهار
قد خِيلَ في فقد الحياء رجولة
فقد الحياء رجولة الدُّعار
طبع المجانة عمّ حتى خلته
كيداً يحاك عليهمُ بِسَرار
واستمرأوا مرعى الغباوة والخنا
إلفَ السجون لطولِ عهد إسار
درجوا على دَرج الحياة إلى الردى
من بعد جهلٍ راقهم وصَغار

عبد الرحمن شكري(
الرسالة العدد 110):
عصرَ السلام تحيّة وسلام
خلعت عليك رجاءها الأقوام
حسب الورى من حسن عهدك قدوة
علياء ما إن شانها استبهام
ما فاتهم طبّ الطبيب وإنّما
تتباين الأرواح والأفهام
ولقد يتوب أخو المجانة بغتة
من بعد عيش كلّه آثام
ويتوب هذا الخلق من شرّ ومن
إثم فتحمد خيرك الأيام
وإذا العبيد تحكموا في فتنةٍ
ساروا على نهج الظلوم وضاموا
والطبع في غدد الجسوم فعلّها
يوماً تصحّ فلا يكون أثام
لولا جهاد في الشرور تعطلت
سبل المكارم واستنام أنام
إن لم يكن نقص ففيم رجاحة
وبضدّها تتميزُ الأقوام
لا يطعم السعدُ الشهيُّ شهدهُ
من لا ترود فؤاده الآلام

ألا لا أبيح العيش مدحاً ولا ذماً
سكتُّ قلا عذراً نطقتُ ولا لوما
حلمتُ بحسن العيش والصدق والنهي
أمانيُّ لا صُمّاً تبدت ولا بُكما
وإن لم يكن عيش الفتى حلم حالم
فما عذري قولي إن حسبت الدُّنى حلما

عبد الرحمن شكري(الرسالة العدد116):

ألا عِدْ واخلفْ أنت بالوعد مانح
فَمُطلكَ مغفور وخيرُكَ راجحْ
ولم تكُ مثلَ الآلِ فالآلُ مهلك
ووحيك أسخى ما تضمُّ الجوانح
اقحوكم ناقمٍ من خلف وعدك لا غنىً
له عنك أو تُغني المنايا اللواقح

كدت أنسى دواعيَ الرفق مما
قد أرتني نذالة التعساء
أعالجُ صرف الدّهرِ في غيرِ مطمعٍ
ولكنني أرجو من الموتِ راحةً

وأفعلُ ما تُملي عليَّ المقادرُ
ويفزعني وقع لهُ وخواطرُ
وما العيشُ إلا الذئب تدمى نيوبه
وللعيشِ نابٌ قاتلٌ وأظافرُ
ولكنه كالخمرِ تحلو لشاربٍ
وإن سلبت منه النُّهى والسرائرُ
فها أنا بين العيشِ والموتِ واقفٌ
فهل مخبر يدري متى أنا سائر؟

ولكنَّ مثلي ليسَ تكبو بهِ المنى
ولو كانَ في أيدي الخطوبِ عناني
وعاقروا الخمرَ والأفيونَ في دعةٍ
واستخبروا عن هوى اللذاتِ قاطبةً

فعيشكم مثل ظلِّ سوفَ يرتحلُ
أما عن العزِّ والعليا فلا تسلوا
وملءُ أشداقكم ضحكٌ أأسكركم
من حسنِ حالكم خمرٌ هي الجذلُ؟
أم ضحكةُ الرجلِ المجنونِ من حَزنٍ
لشدَّ ما نالَ منكَ البؤسُ يا رجلُ؟
أم ضحكة الخنثِ الموهون أضحكهُ
أمرٌ معيب فلا تقوى ولا خجلُ؟

ومن كانت الدنيا هواهُ وهَمّهُ
سبتهُ المنى واستعبدتهُ المطامعُ
خَلِّ الهوينى فهذا أمرنا جللُ
لا اليأسُ فينا بمحمودٍ ولا الأملُ
كم أمّةٍ هلكت من قبل ما عرفت
أنَّ الهلاكَ إليها عامد عجلُ
تعللُ النفس بالأحلام تنظرها
والهلك حتم ويخفى سيره المهلُ

يرى الناس أن النوم أمٌّ رحيمةٌ
ولكنّ نوم الجارمين عقابُ
يسلُّ على الحلم أسيافَ نقمةٍ
فأحلامُ نومي كالجحيمِ عذابُ
ما زادَ مَرُّ حياتي غيرَ أشجاني
فزودتني رجحاناً كنقصانِ
يا دهرُ لا تُنسني في ضيق عادية
محاسن العيش من صبر وغفران
وقوّني بتجاريب أزوالها
فإنها لم تزدني غير عرفانِ
وكيف يُلهَمُ خُبرٌ صبرَ مصطبر
يمري له الخُبرُ عرفاناً بإيهانِ
يزيده العمر من وهي ومن كبرٍ
ما زاده العمر من خُبرٍ بحدثان
فكيف ينفعُ تجريبٌ ومانحهُ
يوهي جلادة أعصاب وجثمانِ
بعض التجاربِ يُنسي بعضها زمناً
إذا تعاورَ لبَّ المرءِ ضدانِ
فإن تيقّظَ في تجريبِ طارقةٍ
فإنما هو يقظان كَوسنانِ
ضرورة العيش أن ينسى ليذكر ما
يغدو يعالج من أمرٍ له ثانِ
فالمرءُ ما عاشَ من حالٍ لثانية
مُنّقلٌ بين نسيانٍ ونسيانِ




حفني ناصف:
ليدعِ المدّعون العلم والأدبا
فقد تغيّب عبد الله واحتجبا
وليفخر اليوم قومٌ باليراعِ ولا
خوفٌ عليهم فمن يخشونه ذهبا
وليرقَ من شاءَ أعواد المنابر إذ
ماتَ الذي يتقيه كل من خطبا
لو عاش لم يطرق الأسماع ذكرهمُ
في طلعة الشمس من ذا يبصر الشّهبا
قضى الحياة ونصرُ الحق ديدنه
لا ينثني رهباً عنه ولا رغبا
سارت جنازته والعلم في جزع
والفضل يندبه في ضمن من ندبا

أحمد الزين(
الرسالة العدد750):
ذكرى على صدق الوفاء دليل
يمضي بها جيل ويقبل جيل
لا تبكِ من عاش عمراً واحداً
إنّ التراب على الترابِ مهيلُ
هل عاشَ أو هل ماتَ لا تسأل بهِ
فمماتهُ بحياته موصولُ
ما زادَ عن تعب الولاد لامه
والناس وهو إلى الثرى محمولُ

ومن البليّة أن أكثر من نرى
في الناس ذاك العائش المتكولُ
فاملأ موازين الزمان فلن ترى
في الناس ميزان الزمان يميلُ
تقضي العصور على الرجال بحكمها
والباقيات الصالحات عدولُ

أحمد الزين(الرسالة العدد152):

يا للعزائم يثني من مواضيها
أنّ الكفايات يُقضى بالهوى فيها
وللمواهبِ بالأغراض يقتلها
من يستمدّ حياةً من أياديها
وللجهودِ بأعشى الرأي يطفئها
ماضٍ على ضوئها سارٍ بهاديها
وللنوابغِ يقضي في مواهبهم
بما يشاء هواه غيرُ قاضيها

والنفسُ إن ملئت بالودِّ فاض على
نفوسِ أعدائها بالودِّ صافيها
لا تلحَ طالب رزق في نقائصه
إنّ الضرورات من أقوى دواعيها

أحمد الزين(الرسالة العدد 50):

أدّكاراً بعد ما ولّى الشّباب
ومن الذكرى نعيمٌ وعذاب
لا تقلْ تعزيةٌ عن فائت
كم عزاءٍ في ثناياه المصاب
وإذا الدار جفاها أُنسها
فمغانيها مع التُرْبِ تراب
إنّما الذكرى شجونٌ وجوىً
يسكن القلبُ لها وهي حِراب

أحمد الزين(
الرسالة العدد 50):
رُبَّ نفسٍ عشقت مصرعها
كفراشِ النارِ يُغريهِ الشّهاب
ولكم أُنس وفيه وحشةٌ
واقترابٍ هو نأيٌّ واغتراب
عالي القلب بذكراكِ وإن
كان لا يُغني عن الماءِ السّراب
وصِلينا في الكرى أو في المنى
من أباهُ الصدقُ أرضاهُ الكِذاب

أحمد الزين(
الرسالة العدد 50):
أو عِدينا عِدةِ ممطولة
كم تمنينا عقيمات المُتى

قد يُشامُ البرقُ إن ضنَّ السّحاب
ودعونا وصدى الصوت جواب
ورضينا بقليلٍ منك لو
أن مشتاقاً على الشّوق يُثاب
يا زماناً صَفرتْ منهُ يدي
غير ما تُبقي الأماني الكِذاب
ليتَ نفسي ذهبتْ في إثرهِ
فذهاب الصفو للمرءِ ذهاب

أحمد الزين في رثاء حافظ إبراهيم(
الرسالة العدد 193):
أفي كلِّ حين وقفة إثرَ ذاهبِ
وصوغ دم أقضي به حقَّ صاحبِ
أُودِّعُ صحبي واحداً بعدَ واحد
فأفقدُ قلبي جانباً بعدَ جانبِ
تساقطُ نفسي كلّ يوم فبعضها
بجوفِ الثرى والبعضُ رهنُ النوائبِ
فيا دهر دعْ لي من فؤادي بقيّة
لوصلِ ودود أو تذكر غائبِ
ودعْ لي من ماءِ الجفون صُبابة
أُجيبُ بها في البينِ صيحة ناعبِ
وهل صيغ قلبي أو ذخرت مدامعي
فقارب أخاكَ الدهر والعيشُ مسعف

لغيرِ وفاء أو قضاء لواجب
فسوفَ تُرى بالموتِ غير مقاربِ
حياةُ الفتى بعد الأخلاء زفرة
تردّدُ ما بينَ الحشا والترائب

أحمد الزين:
هاتِ كأسَ السلوّ تشفِ فؤادي
وأرحني من مدمعٍ وسهادِ
حسبُ نفسي ما حُملّت من وفاءٍ
وودادٍ لغيرِ أهلِ الودادِ
طالما جادت العيونُ بدمعٍ
ليتها في النوى عيونُ جمادِ
ليتني صنتُ مدمعي لزمانٍ
بالرزايا مُراوح ومُغادي
كنتُ كالطفلِ يبذل الدمعَ،لايد
ري بأن الدموع خيرُعتادِ
قادني حبّكم إلى الحزن فاليو
م عصيتُ الهوى وعزّ قيادي
ونسينا عهودكم فدعوا ذك
رَ عهودٍ عدتْ عليها العوادي
وامنعوا الطيفَ أن يُلمَّ بعينٍ
نعمتْ بعد بينكم بالرقادِ
مرحباً بالسلوِّ يُنعمُ نفساً
أنِستْ بعدكم بعيشِ الوحاد
فليالي السلوِّ أشهى لقلبي
يا زمانَ الهوى أضعتكَ في الغيِّ

من ليالي الوصالِ بعد البِعادِ
فياليتني أطعت رشادي
لاَ حينَ الأحباب يا نسمة الليل
فاحملي سلوتي تفوزي بشكرٍ

فقد أصلدَ الجفاء زنادي
من وفي لم ينس بيضَ الأيادي
إن تكن سلوةُ المحبينَ زُهداً
فاشهدي أنني من الزهادِ

أحمد الزين في قصيدة الضمير(
الرسالة العدد35)


لا تسلني عن صاحبي ونصيري
لم أجد في الدهرِ غير ضميري
صاحبٌ أمرهُ لديّ مطاعٌ
يا لهُ من مصاحب وأمير
هو صوت السماء في عالم الأر
ض وروحٌ من اللطيف الخبير
وشعاعٌ تذوبُ تحت سناه
خدعُ العيش من رياءٍ وزور
مبلغُ العلم أنه روحُ خير
باطنُ الشخص ظاهرُ التأثير
كلّ حيّ عليه منه رقيب
حلَّ من قلبهِ مكانَ الشعور
حلّ حيث الأهواء تنزو إلى الإث
م وتهفو إلى مهاوى الشرور
جامحاتٍ أعيت على الدين كبحاً
رغم إنذارها بسوءِ المصير
ثم صاح الضميرُ فيها نذيراً

فأصاخت إلى صياح النذير
هو روحٌ من الملائك يسمو
بسليل الثرى لعالم نور

قد تولت بالأنبياء عصورٌ
وهو باقٍ على توالي العصور
حافظاً في الزمان ما خلّفوه
قائماً في الصدور بالتذكير
حاملاً من شرائع الخيرِ كتباً
قدّست من صحائف وسطور
ليس يعفو عن الهناة وإن ها
نت ملحٌّ في اللوم والتعذير
هو إن شئت كان جنة خلدٍ
وإذا شئت كان نار السعير
عاجلُ الشرِّ وهو يأمر بالخير
قديرٌ لم يعفُ عفوَ القدير
فتحصّن ما شئت منه فلا ين
جيك حصنٌ من شرّه المستطير
هو مثلُ القضاء يغشاك لا تع

يه لو كنت في خوافي النسور
وتضرع بما تشاء فلن تج
دي نفعاً ضراعة المستجير
لا تحاول خداعه بالمعاذي
ر فليسَ المُسىء بالمعذور

لا تجادل في حكمه فهو حتم
لا يُردّ الذي قضى من أمور
لا يداري ولا يُداجي صديقاً
ناقدٌ للأمور نقد بصير
مرهف الحسّ ليس يُعييه غيبٌ
يسمع الهمسَ في حنايا الصدور
يبذلُ النصحَ لا يمنّ بما يُس
دي ولا يبتغي ثناء شكور
لم يدعنى إلى هوى النفس في الأمر
ولم يستعن برأي مُشير
ليس لي دونه من الرأي إلا
ما يراهُ الهوى بعين الغرور
كم حملتُ الآلام فيه وسخط الن
اس حتى فقدتُ ودّ عشيري
ليس يزكو غرسُ المودة في النا
س بغير النفاق والتغرير
لم يدعْ لي صدقُ المقال صديقاً
فلأهش قانعاً بودّ ضميري


أحمد الزين في قصيدة وصف القلب(
الرسالة العدد27)

منْ لقلبٍ بين الجوانحِ عانى
جمعَ اليأسَ والمنى في مكان
شاعر في الضلوع يخفق بالمع
نى فيعيا عنهُ بيانُ اللسان
كم خيالٍ له يضيق به اللفظ
فيسمو إليه بالخفقان
وأمانيَّ فيه كالزهر منها
ماذوى والقليلُ في ريعان
فهو راثٍ لما ذوى من أمانيه
ومستبشرٌ بباقي الأماني
باكياً شجوه وآناً نراه
يتغنّى بأعذب الألحان
فهو كالعود في يد الدهر يشدو
بالذي شاء دهره من أغاني
قطعَ العيشَ بين خوفٍ وأمن
ورجاءٍ ناءٍ وآخر داني
فتراه حيناً يلجّ به الوجدُ
وحيناً يلوذ بالسّلوان
وتراه يسيل كالماء لطفاً
وتراهُ كالنار في الثوران

صامتٌ وهو لا يني عن حديثٍ
مطمئنٌ في ثورة البركان
يا لسلطانه القويّ ولاشىء
عليه في الأرض ذو سلطان
لا تلمني إذا تبعتُ هواه
هو بعضي وآخذٌ بِعناني
كم حداني إلى هوىً لم يدعني

فيه أصغي لفكرتي وجناني
قادني للهوى ولو كان يدري
ما يلاقيه في الهوى لنهاني
لجّ فيه فكانَ شراً عليه
ليتني قد عصيته إذ عصاني
عصفَ الحبُّ بالقلوب فقلب ال
ليث في حربه كقلب الجبان
مضغةٌ في الضلوع يؤلمها المسّ
غدت نهبةً لصرف الزمان
فوق موج الألم تذهب حيرى
كسفين تسري بلا ربان
فهي بين الأحزان تفنى ويحييها
خيالُ التعليل والنسيان

جلّ من صاغها ميولاً وأهواءً
ولم يعدُ طينة الإنسان
وبرها من الملائك نورا
تتراءى في صورة الجثمان
فهي بين الضلوع لا تملأ الكفّ
وفيها صحيفة الأكوان



عبد الحميد الديب:
أرى الحوادثَ آساداً مقذفة
على دون الورى تعدو وتقتتل
فكم تصوّح عودي بعد نضرته
وكم خبا في دياجي عمري الأملُ
كأن حظّي رحيق الدّهر يشربها
إذا تطلبت عيشي مت من كمد

بكراً مُعتّقة،فالدهرُ بي ثملُ
وإن تطلّبت حيني يبعد الأجل
جوى، يا محنة أربت على جَلدي
كأن ليلي بيومِ البعثِ مُُصلُ

عبد الحميد الديب (
الرسالة العدد 519):
حظّي ومصرعه في لينِ أخلاقي
وفيض عطفي على قومي وإشفاقي
ومن حبتهُ الطلى أخلاق نشوتها
عدا على الكأسِ طوراً أو على الساقي
بين النجومِ أناس قد رفقتهمو
إلى السماءِ فسدّوا باب أرزاقي
وكنت نوح سفين أنشئت حرماً
للعالمين فجازوني بإغراقِ
وكم وقيت الردى من بات مضطرباً
في أسره المرّ لم أظفر بإطلاقِ
يا أمة جهلتني وهي عالمة
أن الكواكبَ من نوري وإشراقي
أعيشُ فيكم بلا أهل ولا وطن
كعيش منتجع المعروف أفاق
وليس لي من حبيب في ربوعكمو
إلا الحبيبين:أقلمي وأوراقي
ريشت لحظي سهام من نميمتكم
فصارعتني ومالي دونها واقِ
لم أدرِ ماذا طعمتم في موائدكم
لحم الذبيحة أم احمي وأخلاقي
قالوا: غويٌّ شقيٌّ قلت: يا عجباً
قد امتحنت بكفار وفسّاق

عبد الحميد الديب (
الرسالة العدد 519):
وما تألمت من خطب ضحكت له
كما تألمت من خطبي بعشّاقي
أنا على القرب منهم كل متعتهم
وإن نأيت حبوني فيض أشواقي
فمالهم قد أشاعوا كل مخجلة
عني،وقد أعلنوا بؤسي بأبواقِ
كصاحب الطير لا ينفك يسجنه
سجنين من قفص مضن وأطواق
حظي هو الأيكة الخرساء ذابلة
هو النسيم سموحاً غير خفّاقِ
هو السحابُ جهاماً والندى أسفاً
هو الضياء لهيباً حين إحراقي
كأنّه أذرع شلاء راحتها
أو أنه أعين من غير أحداق
لا تسألوني عن بؤسي وعلته
سلوا به الحظ ميتاً فوق أعناق!

زكي مبارك:
لا تحسبوا هجركم خطباً يُروِّعني
إنّي بوأدْ بناتِ الدّهرِ مُضطلعُ

عبد الله نديم:
سيوف الثنا تصدا ومعولي الغمد
ومن سار في نصري تكلفه الحمد
ومن عجبِ الأيام شهم أخو حِجا
يُعارضهُ غرّ ويفحمه وغد
ومن غرر الأخلاق أن تهدر الدما
لتحفظ أعراض تكفلها المجد

عباس محمود العقاد:
يرثي مي زيادة
أينَ في المحفل مي يا صحاب؟
عوّدتنا ههنا فصل الخطاب
عرشها المنبر مرفوع الجناب
مستجيب حين يدعى،مستجاب

عباس محمود العقاد:
كلما ناديتني هيّا بنا
قلتُ هيّا،وأنا في موضعي

طه حسين:
أفي الحق ما أسمعتنا أم توهما
تبين فقد بدلت أدمعنا دما

أحمد رامي:
أيها الرّاحلونَ عنّا سلاماً
قد صحونا ومالبثتم نياما
أصبحَ الصُّبحُ والخواطرُ حيرى
كيفَ نمتمُ،با ساكنينَ الرَّغاما
صاحبٌ بعدَ صاحبٍ يتوارى
في صِباهُ،ويسبقُ الأياما
وحبيبٌ إليَّ كان معي بالأمسِ
يُسَقِّي سمعي رحيقَ الندامى

يا دعاةَ الحقِّ هذا يومنا
لاحَ في آفاقهِ نورُ الرجاء
واصلوا السيرَ على وقعِ المنى
في قلوبٍ عامراتٍ بالإخاء

أحمد رامي في رثاء محمد تيمور:

كيف أرثيك يا رفيق شبابي
يا نجيّ من شيعةِ الأحبابِ
بدمعي؟الدمعُ أرخص ما يبكى
به صاحب على الأصحابِ
أنت أولى بأن يبلل مثواك
بنضح من الفؤاد مذاب
طار لبّي لمّا نعيت وضاقت
بي دنيا كثيرة الأسباب
تلك حالي، فكيف حالك يا تي
مور لما غدوت في الغياب
خلت الدار منك يا بهجة العمر
وأقوت من سرحها المخضاب

أحمد رامي:
أحنُّ إلى الماضي كما يذكر الحمى
طليح نوى ترمي به الفلوات
وأندبُ أيامي اللواتي تصرّمت
لشعري إذا ضمتني الخلوات
وفي الشعرِ تأساء وفيه رفاهة
وفيه لقلب ياقظ نشوات
أنيم به حزني كما يبعث الكرى
إلى عين طفل صارخ نغمات
وأكذب نفسي أنني إن صدقتها
أغارُ عليها الهمّ والحسرات
لقد ألفت نفسي الشقاء وإن يكن
أليماً فمن آلامه الخطرات
وما يحسن الأشعار إلا معذب
تضرّم في أحنائه الحرقات
ولو كان كل ناعماً في حياته
لما بهرتكم هذه النفحات

أحمد مخيمر في رثاء الشهيد عبد القادر الحسيني:
يا حامي القدس من كيد يُرادُ به
خلا العرين ومات الضيغم البطل
أغناكَ عزمكَ عن نظم،ومن خطب
فلم تزل بلسان السيف ترتحل
أرسلتها كلمات منه دامية
حمرا آذانها الأخلاد والعلل
بكى فأبكى،ولم تبرح مدامعه
لما قضيت مع الباكين تنهمل
يرنو لشبليك محزوناً،ونائحة
وراء نعشك ثكلى شفّها الخبل
قد أذهلتها المنايا فهي حاسرة
بين الحشود فلا خدر ولا كلل
لم يبُق في قلبها التوديع من جلد
إنّ الفراقَ بغيض ليس يحتملُ لُ
يا حامي القدس،دعهم يشمتون فما
يستأخر العمر يوماً إن دنا الأجلُ
في حومة المجدِ والأرماح مشرعة
لقيت حتفك،والأبطال تنتضل
فما جبنت على يأس،كما جبنوا
ولا خذلت على روع كما خذلوا
ولا أدرت وجوه الخيل مدبرة
في الموقف الضنك من خوف وقد فعلوا
وليس أشرف من موت حظيت به
والنصرُ دان إلى عينيك مقتبلُ
يا ابن الحسين تحيات نرددها
ما أشرف الصبح،أوما ابيضت الأصلُ
غامرت في الشرف الأعلى ففزت به
وجاذباك إليه الحب والأملُ
ونلت من حومة الهيجاء ما طمحت
يوماً إلى مثله آباؤك الأُولُ
جناتُ عدن إلى لقياك ظامئة
والسابقون لدار الخلد والرسل
فانعم بخلدك في أبهائه فرحاً
إنّ الخلود جزاء أيها البطل

أحمد مخيمر(
الرسالة 662):
يا صديقي العزاء لا تبعثِ السخر
عنيداً من الزمانِ العنيدِ
إنما الوالد الكريم سيبقى
خالد الذكر،باقي التمجيد
زودته الحياة بالحكمة الأولى
وبالسرِّ أيما تزويد
وأتاحت لقلبه نبعها الأسمى
ليحظى هنيهة بالورود
وتعالى عن الدنايا،وصفى
قلبه من عداوة وحقود
فهو ناهيك من صفاء وحلم
وهو ناهيك من عفاف وجود
تشتكي الأرض من طولِ ما عفّر
في التربِ وجهه بالسجود
فطرة ذلك الحنان،وهذا ال
عطف في ذلك الأبيّ المجيد

عبد الرحمن صدقي يرثي زوجته الرسالة العدد 612:
أيا غرفة مرموقة لِصقَ غرفتي
مطفأةَ الأنوارِ رهناً بظلمةِ
أرى بابكَ المطروقَ أمسى موصداً
ومخدعُ زوجي أنتِ،بل أنتِ جنتي
فأدعو بزوجي وهي جِدُّ سميعةٍ
لأمري،ولكن الصدى رجعُ دعوتي
لقد كُنتِ يا زوجي لدى الصبحِ موقظي
وكنتِ حسيبي في خروجي وأوبتي
فماليَ لا ألقاك يومي وليلتي
وبابُكِ من بابي على قيد خطوةِ
أرى من خلال السجف نوراً مشعشعاً
من الشمس،لكن لا أرى شمس مهجتي
ألا تسأليني كيفَ أصبحتُ؟في الضحى
وترجين لي طيب الكرى في العشيّة
شريكة عيشي،أسفر الصبح فاطلعي
أعدّي فطوري وانتقي لي حُلّتي
مكانُكِ خالٍ في الخوان فأقبلي
فيهنأ طعامي من حديث وطلعة
وإني لغادٍ للخروجِ كعادتي
فأين وداعي بالوصيد وقبلتي
نأى بك عني للمنيّة غائلٌ
ولولا المنايا ما سكنتِ لفرقتي
فأعدمني بيتي وعيشي وجنتي
وكانت هنا في غرفة لِصق غرفتي
أمرُّ أزوي الطرفَ عنها تألماً
وكان إليها ما مررتُ تلفتي
أطامن صوتي ـ إن همست ـ محاذراً
وأحبس أنفاسي وأخلس مشيتي
وما بي حذارٌ أن أُنبّه هاجعاً
ويا ليت يصحو الميتُ من بعد هجعةِ
ولكن مزيجٌ تارة من تهيّب
وخوف،وطوراً من خشوعِ وحرمةِ

محمود محمد شاكر (
الرسالة العدد 163):
أشابَ القلبُ أم كرهَ الشبابا؟
وبانَ الأنسُ أم نسيَ الإيابا؟
وغالبني الأسى أم غالبتني
حياةٌ تجعل الفوزَ اغتصابا؟
أتعصِبُني الدموعُ الصبرَ حتى
أرى الدنيا أنيناً وانتحابا!
ويُبدلني الزمانُ من التصابي
ومن طربي وجوماً واكتئابا!
وأسأمُ لذّةَ الدنيا،ولمّا
أذقْ من لذّةٍ إلا حِبابا!
فأزجرُ لدتي زجرَ اليتامى
إذا ما الدهرُ أمَّ بهم ذئابا
أفي وهج الشباب أعود هِمّاً
يذودُ بضعفهِ النُّوبَ الصِّعابا؟
وأطرقُ للحوادثِ مستكيناً
كجاني الشرِّ ينتظرُ العقابا!
وأصبحُ في يدِ الدنيا أسيراً
إذا رام الفِكاكَ وهى وخابا!
كما عَلِقَ الحبالة ذو جناح
ولم ينفعهُ أن صحِبَ السحابا

محمود محمد شاكر (
الرسالة العدد 163):
فصفقَ ثم رَنَّقَ ثم أعي
يحِنُّ لدارهِ جوّاً وغابا
أمنْ عدلِ الحوادثِ أن أضرَّى
لأُطعمَ إثرَ لدتِهنَّ صابا!
وأن أستقبل الغدَ مُستثيباً
فَيُقبل،لا أفادَ ولا أثابا!
وأحملَ من بناتِ الهمِّ قلباً
إذا نهنهنهُ زاد اضطرابا!
جزاكِ الله من دنيا ختولٍ
غذوتِ القلبَ شكاً وارتيابا
أتنهاني عن الجزعِ الليالي
وما تنفكُّ تتركني مصابا!!
فتسلبني الأحبّة عن عيان
وتمتحني بذكراهم عذابا
وتسألني اختداعاً:أينَ بانوا؟
ومن يُجرم توقح أو تغابى
سَلي ما شئت،واستمعي شكاتي
كمثل الدمع تنسكب انسكابا
أعدلٌ منكِ أن أجَّجت قلبي؟
فلولا الصبرُ يُمسكه لذابا
فصارعتُ الشجون وصارعتني
إلى أن فُزتُ بالبقيا غلابا
فإن الدهر يُنصفُ من تأبّى
ويمنع يائساً من أن يُجابا
ومن يُعط التجلد للرزايا
تيقن أن يصيب وأن يُصابا

محمود محمد شاكر (
الرسالة العدد 163):
وسائلةٍ بظهر الغيبِ عني
وعن جللٍ من الأحداثِ نابا
تذكرني الأحبّة ولوا
فزاد الدمعُ والجزعُ انتيابا
أحافظتي،فديتُكِ من صديق
يُسائلُ من مضى عني وآبا
هي الدنيا تُفرِّقُ ساكنيها
وفي الذكرى تزيدهمُ اقترابا
ألا لا تعجبي ليَ من نحيبي
فإن أمامنا العجبَ العُجابا

عبد القادر القط(
الرسالة العدد 687):
أسلمت للوهم أفكاري ووجداني
وذقت في خَدرِ الأوهامِ سلواني
أمضى مع الناس لا عيني بشاهدة
ما يشهدون ولا صوت بآذاني
دنياي عالمُ أحلامٍ مهمومة
تهفو فتمسح آلامي وأشجاني
وأغتدى ورؤاى البيض تبسم لي
وفي خيالي تهويمات وسنان
هجرت ما كان من يأسي موجدتي
وصغت بعد مرير الصمت ألحاني
كم ظلت أضرب في دنياي محتقباً
في الفقر شوقي وآمالي وتحناني
يلوكهن فؤاد جائع بشِمٌ
من الأسى وضميرٌ مُثقل عاني
نوازعُ من رغاب طال ما
لقيت من سوط سجاني

محمود الخفيف(
الرسالة العدد 764):
في وحدة سامرت فيها الأسى
طافت بي الذكرى فلم أهجع
شكوت لليل الضنى والجوى
والوجد والسهد وهذا الدجى
زادت غواشي الهمّ أسدافه
ودلت الوهم على مضجعي
في ليلة غارقة الأنجم
ضل بها الفجر عن المطلع
لكل ألوان الأسى تنتمي
حلكتها من همّي الأقتم
الذئب مقرور بها هاجع
والجن لم تأنس إلى موضعِ
الليل جهم،صرصر ريحه
صفيرها يزداد في مسمعي
أجشّ وحشيّ الصدى نوحه
مرتعش من قرّه دوحه
أطلّ لا تبصر عيني سوى
أشباحهُ في الأفق الأسفع

فخري أبو السعود يرثي أمه(
الرسالة العدد 21):
الحول يا أماه بعدك حالا
والقلب في تحنانه ما زالا
والنفس في أسف عليك وحسرة
تطوى بها الأيام والأحوالا
والفكرُ نهب للتذكر كلّما
بعث الشّجونَ وأطلقَ البلبالا
والودَ لم أرَ فيهِ بعد فراقنا
صفواً كودّكِ سائغاً سلسالا
لا كان يوم قد طوى لك طيّه
صرف الحِمام عن الحياة زيالا

علي الجارم

بسمة للزمان أنت تلتها
كشرة للزمان عن أنيابِ
كلّما رمتُ خدعْ نفسي بنفسي
كشفت لي المرآة وجه الصوابِ
أين تلك الأيام بانت وبنّا
وتولّتْ بشاشةُ الأحبابِ

إن النفوس تضيق وهي صغيرة
ويضيق عنها الكون وهي كبار
ظننتَ الدمع يُسعدُ بالعزاءِ
فهل أجدى بكاؤُكَ أو بكائي
وقلتَ بأنّةِ المحزونِ أُشفى
فأحوجكَ الشفاء
ومن يغسلْ بأدمعهِ جواهُ
أرادَ البرءَ من داءِ بداءِ

يذوبُ مضاءُ السيف عند مضائه
فما هو إلا غمده وحمائله
لا ترى فوق قمة الطود إلا كلُّ
ذات الجناح طير،ولكن

بطلاً لا يهابُ هولَ صعابه
عرف الجو نسره من غرابه
كم رأينا في الناس من يبهر الع
ينين وما فيه غير حسن ثيابه
يملأ الأرض والسماء رياءً
وعيونُ الزمان ملءُ عيابه
قد يغشى الوجدان باصرة العق
ل فيعميه عن طريق صوابه

الدِّينُ طبُّ النفس من آلامها
وهداية الحيران في بيدائه
يكره الظلمُ كلَّ شيء من الضوء
ولو كان في ابتسام الفتاة
إذا امتلكَ الحبُّ النفوسَ هفتْ له
سراعاً وأعطتْ فوقَ ما هو سائلهْ
فلا عينَ إلا وهي ترتقبُ المنى
ولا صدرَ إلا فارِحُ القلبِ جاذلهْ
فإن كان من عينٍ فإنكَ نورُها
وإن كان من قلبٍ فإنكَ آهلهْ
وإن كان من دهرٍ فأنتَ نعيمهُ
وإن كان من فضلٍ فإنكَ باذلهْ

كم جرىء لا يرهب السيف إن سُلّ
ونكِس يخاف مسَّ قرابه
والشجاعُ الذي يجاهرُ بالحقِّ
ولو كانَ فيهِ مرُّ عذابه
يا مليك البيان دعوة خِلٍّ
وجد الصبر بعدكم مستحيلا
قلْ لحسانَ إن مررت عليه
في ظلالِ الفردوس يُطري الرسولا
إنَّ مصراً أحيت موات القوافي
وأقامت عمودها أن يميلا
وأعادت إلى سليلة عدنان
شباباً غضّاً ومجداً أثيلا

إذا لبسَ الربيعَ شبابُ قومٍ
فأسرعُ ما يفاجأُ بالشتاءِ
وهل تهوى ثِمارُ الأرضِ إلا
إذا أدركنَ غاياتِ النماءِ
وإذا النفوسُ تفرّقت نزعاتها
قامت إذا قامت بغير مساك
والسيفُ أظلم ما فزعت لحكمه
والحزمُ خير شمائل الأملاك
ومن الدماءِ طهارةٌ وعدالةٌ
ومن الدماءِ جنايّةُ السّفاك
والعلم ميزانُ الحياةِ فإن هوى
هوت الحياةُ لأسفلِ الأدراك

علي الجارم:
وقد كنتَ في كُلِّ المناصبِ سيّداً
تَزينُكَ في الدنيا خلائقُ أربعُ
فَحزمٌ كما ترضى العُلا وتواضعٌ
وعزمٌ كما ترضى العلا وترفُّعُ
لكَ البسمةُ الزهراءِ تلمعُ كالضحى
وتُدفىء من قلبِ الجبانِ فيشجعُ
حريصٌ على ودِّ الصديقِ كأنّما
مودتهُ العهدُ الذي لا يُضيَّعُ

علي الجارم في سعد زغلول:
نَفسٌ كأنفاسِ الملائِكِ طُهِّرتْ
وشمائلٌ أحلى من السَّلسالِ
وتواضُعُ النُّساكِ فيهِ يَزينهُ
شَمَمُ المُلوكِ وعزَّةُ الأقيالِ
وخلائقٌ كالزّهرِ سارَ عبيرُهُ
ما بينَ أمواهٍ وبينَ ظِلالِ
وعزيمةٌ جبّارةٌ لو حُمّلتْ
أحداً،لما شعرتْ له بِكلالِ
وشجاعةٌ في الله يكلؤها الحِجا
والحزمُ في الإدبارِ والإقبالِ
وعقيدةٌ لو هُزَّتِ الأجبالُ من
ذُعرٍ لما اهتزّت مع الأجبالِ

علي الجارم في محمد عبده:
أطوي الدُّجى فإذا ما اليأسُ أدركني
وفلَّ عزمي بسيفٍ منهُ محدودِ
ذكرتُ عزماً من الأستاذِ فاتجهت
عزيمتي بينَ إقدامٍ وتسديدِ
وسِرتُ مثلَ قضاءِ الله ليس لهُ
نقضٌ ولا سَهمهُ يوماً بِمردودِ
علوتَ فازددتَ بين الناسِ معرفةً
والنجمُ يعلو فيبدو شِبه مفقودِ

علي الجارم:
يذوبُ مضاء السيف عند مضائه
فما هو إلا غمده وحمائلهْ
هوَ الشّمس يدنو في الظهيرة ضوءها
ويصعبُ مرآها على من يحاوله
هوَ الأملُ البسّامُ،رفّ جناحه
فطارت به من كلِّ قلب بلابله
ترى بسمة الآمال في بسماتهِ
وتلمح سراً النبل حين تُقابله
ورأيٍ كأنفاسِ الصباحِ وقد بدا
تشف مجاليه،وتهفو غلائله

علي الجارم:
ملَّ من وجدهِ ومن فرطِ ما بهِ
وأراقَ الشّرابَ من أكوابه
وإذا القلبُ أظمأتهُ الأما
نيّ ،فماذا يريده من شرابه؟
وإذا النفسُ لم تكن منبتَ الأنس
تناءى القريبُ من أسبابه
وأشدُّ الآلام أن تُلزمَ الثغرَ
ابتساماً والقلبُ رهنُ اكتئابه
كلّما اختالَ في الزمانِ شبابٌ
والنبوغ النبوغُ ممضي وتمضي

عصفت ريحهُ بلدن شبابه!
كلُّ آمالِ قومهِ في ركابه
وابتداءُ الكمال في عملِ العا
ملِ بدءُ الشّكاةِ من أوصابه

علي الجارم في رثاء شوقي:
هل نعيتم للبحتري بيانه
أو بكيتم لمعبد ألحانه
أو رأيتم روضَ القريضِ هشيماً
بعدما قصف الرّدى ريحانه
مات يا طير صادح تسجد الطير
إذا رجع الصدى تحنانه
مات شوقي،وكان أنفذ سهم
صائب الرمي من سهام الكنانه
أبك للشمس في السماء أخاها
وأبكِ للدهر قلبه ولسانه
وأبكه للنجوم،كم سامرته
مالئات بوحيها آذانه

عقولٌ من الأحجارِ هامت بمثلها
وكلُّ بكيمٍ للبكيمِ كفاءُ
يقودهم الغازي إلى خيرِ غاية
فأكرِم به ملكاً وأكرِم بهم جندا
كأنَّ غبار السيف في لهواتهم
سلاف من الفردوس مازجت الشّهدا
هم في سجل المجدِ أول صفحة
كفاتحة القرآن قد ملئت حمدا
ومن كتب المجد المبين بسيفه
على جبهة الدنيا فقد كتب الخلدا
مضى الهاشمي السمح زين شبابهم
وأعرقهم خالاً وأكرمهم جدا

والعلمُ ميزانُ الحياة فإن هوى
هوتِ الحياةُ لأسفل الأدراكِ
قد قامَ أهلُ العلمِ فيكِ ودّبروا
كاشفتهم سرَّ العناصرِ فانبروا

برئت يديّ من لإثمهم ويداكِ
يتخيّرونَ أمضّها لِرداكِ
نثروا كنائنهم وكلَّ سهامها
دخلوا على العِقبانِ في أوكارها

للفتكِ والتدميرِ والإهلاكِ
وتسرّبوا لمسابحِ الأسماكِ
فتأملي هل في تُخومكِ مأمنٌ
أم هل هنالكَ معقلٌ بدُراكِ
ظهرُ الليوثِ وذاكَ أصعبُ مركبٍ
أوفى وأكرمُ من أديمِ ثراكِ
ليتَ البحارَ طغت عليكِ وسُجّرتْ
أو أنَّ من يطوي السّماءَ طواكِ

لم يبقَ في الإنسانِ غيرُ ذمائهِ
فدَراكِ يا ربَّ السّماءِ دراكِ
كلامٌ من الله المهيمن روحه
ومن حلل الفصحى عليه رداءُ
كلامٌ أرادتهُ المقاويلُ فالتوى
عليها وضلّت طرقه الحكماءُ
فيا ربّ هىء للرشادِ سبيلنا
إذا جارَ خطبٌ أو ألمَّ بلاءُ
ونصراً وهدياً إن طغى السيل جارفاً
وفاضَ بما يحوي الإناءُ إناءُ
نناجيكَ هذي رايةُ العُربِ فاحمها
فمن حولها أجنادك البسلاءُ

رمينا بكفٍّ أنتَ سدّدتَ رميها
فما طاشَ سهمٌ أو أخلَّ رَماءُ
أعِرنا بحقِّ المصطفى منكَ قوّةً
فليسَ لغيرِ الأقوياءِ بقاءُ
وأسبِغْ علينا دِرعَ لطفكَ إنّها
لنا في قتامِ الحادثاتِ وقاء

علي الجارم يرثي ابنه:

قد كانَ لي أملٌ سقيتُ فروعَهُ
بدمي وغذيت المنى بغذاته
أحنو عليهِ من الهجير يمسسه
من النسيم يهزّ من أسلاته
وأذودُ عنه الطير إن حامت على
زهر يضىء الأفق في عذباته
الليل ينفحه بذائب طلّه
والصبحُ يمنحهُ شعاع إياته
حتى إذا قويت لدان غصونه
واستحصد المرجو من ثمراته
وأخذت أستجلي السّنا من نوره
وأشمُّ ريح الخلدِ من نفحاته
وأفاخر الزراع أن غراسهم
لم تزك مثل زكائه ونباته
عصفت به هوج فخرَّ مُعفراً
وجنى عليه الحين قبل جناته
ووقفتُ أنظرُ للحطامِ مُحطّماً
أهون بدنيا ما لحيّ عندها

متفتتَ الأفلاذ مثل فتاته
وعدُ ينجز غير وعد وفاتهِ


ومن الحفاظِ المُرِّ ما يعيى الفتى
ليست تكاليفُ العلا بمزاحِ
والنفسُ إن عَظمتْ يضيقُ بسعيها
صدرُ الفضاءِ برحبّهِ الفيّاح
رحا المنايا رُويداً
خلطت طحناً بطحنِ
وإنّما الناس ظَعنٌ
يسيرُ في إثرِ ظعنِ
فما حديدٌ بباقٍ
ولا حِذارٌ بِمُغني

إذا لم يكن في الحربِ قلبك باتراً
فماذا يفيدُ المرءَ في الحربِ باتره؟
عابوا السكوت عليه وهو فضيلةٌ
لغطُ الحديثِ مطيّةُ الإسفافِ
صَمتُ الهمام النجدِ أو اطراقُه
خطبٌ مُجلجلةٌ بغير هُتافِ

وأجلُّ ما يلقى الشريفُ ثوابَهُ
إن غسّلتهُ مدامعُ الأشرافِ
وسرُّ العلا نفسٌ كما شاءتِ العلا
طموحٌ ورأيٌ من شبا السيفِ أقطعُ
ومن يتجنّبْ في الحياةِ زحامها
فليسَ لهُ في ساحةِ المجدِ مَشرَعُ

وتريثْ في المقالِ لهُ
قد يكونُ الموتُ في اللّسنْ
والمرءُ يُحيى الأماني
فكمْ تمنيّتُ لكن

والدهرُ يُبلي ويُفني
ماذا أفادَ التمني

أبى الدهرُ أن ينقاد إلا لِعزمةٍ
يخرُّ لها الدهرُ العتيُّ ويخنعُ
أكُلّما مرَّ نعشٌ
أو طافَ نعيٌّ بأذني
طارَ الفؤادُ فلولا
بقيّةٌ،ندَّ عني
لولا التُّقى لم أجده
بجانبي أو يجدني

فكمْ شققتُ فؤادَ البيدِ مُنصلتاً
من يطلبُ المجدَ لا يبخل بِمجهودِ
وإذا النفوسُ تفرّقتْ نزعاتُها
قامتْ إذا قامتْ بغيرِ مَسَاكِ
والسيفُ أظلمُ ما فزِعْتَ لِحكمهِ
والحزمُ خيرُ شمائلِ الأملاكِ
ومن الدماءِ طهارةٌ وعدالةٌ
ومن الدماءِ جنايةُ السُّفاكِ
والعلمُ ميزانُ الحياةِ فإن هوى
هوتِ الحياةُ لأسفلِ الأدراكِ

أعددتُ ألواني لأرسمَ صورةً
أينَ السُّها من ساعدي المكدودِ
إن نبا خدُّك المُصعَّرُ عني
مُذْ نبا هجوي المُبرّحُ عنكا
فبجهل قابلت ما كان مني
وبحلم قابلت ما كان منك
ولو استطعتُ لابتدعتُ كُفوفا
من هجاءٍ تصكُ وجهك صكا
ولفككتُ من أساريرك الكِبرَ
بقول من وخزةِ الموت أنكى
إننا معشر نرى الذلّ في الودِّ
لغيرِ الله المهيمن شركا
قد رأينا في المال والذلِّ فقراً
ورأينا في العزِّ والفقرِ ملكا

من عهدِ قابيلٍ وليسَ أمامنا
في الأرضِ غيرُ تشاكُسٍ وعراكِ
ما بينَ فاتكةٍ تصولُ بقدِّها
وفتىً يصولُ برُمحهِ فتّاكِ
والموتُ أعمى في يديهِ سهامه
والموتُ قد يُخفي حَماهُ بنسمةٍ



رمى البرية من وراءِ سجاف
هفّافةٍ،أو في رحيقٍ سُلاف
يغشى الفتى ولو اطمأن لموئلِ
في الجو أو في غمرة الرجاف

إذا ذهبَ المِسكُ الذكيُّ فإنّهُ
يزولُ ويبقى نشرهُ المتضوِّعُ
أبصرتُ أعمى في الضبابِ بلندن
يمشي فلا يشكو ولا يتأوّه
فأتاهُ يسألهُ الهدايةَ مبصرٌ
حيران يخبط في الظلامِ ويعمه
فاقتاده الأعمى فسار وراءه
أنّى توّجه خطوهُ يتوّجه
وهنا بدا القدرُ المعربد ضاحكاً
ومضى الضباب ولا يزال يقهقه

ونرجع للحسنى كما كان عهدُنا
فلا نشتكي هَمّاً ولا نتوّجعُ
وكلُّ عقلٍ مُضىءٍ
إلى خمودٍ وافَنْ
يكادَ إن مالَ غصنٌ
يشكو الزمانَ لغصنِ
تعساً له،كم نُعزى
حيناً،وحيناً نُهنّي
من اجتماعٍ لِعُرسٍ
إلى اجتماعٍ لِدفنِ

هل الدهرُ إلا ليلةٌ طال سهدها
تنّفس عن يومٍ أحمّ عصيب
وليسَ ترابُ الأرضِ غير ترائبٍ
وغير عقولٍ حُطّمتْ وقلوبُ
وسِرتُ مثلَ قضاءِ الله ليسَ لهُ
نقضٌ ولا سهمهُ يوماً بمردودِ
دعِ الحسودَ أما يكفيكَ أنَّ لهُ
نفساً تفورُ،وحظاً غير مَجدودِ

وأعظمُ أخلاقِ الفتى هِمّة الفتى
وعزمٌ حديدُ النَّصل لا يتزعزعُ
هو الموتُ سهمٌ في يدِ الله قوسُهُ
فلا الحزمُ يُثنيه ولا الكفُّ تدفعُ
نروحُ إلى حاجاتنا وهو راصدٌ
وننثر من آمالنا وهو يجمعُ

ذكرياتٌ ردَّدَ الدهرُ صداها
وعهودٌ يحسدُ المِسكُ شذاها
قد ذهبَ العمرُ في جدالٍ
كُنّا لنيرانهِ وقودا
لا يُدركُ السؤلَ غير عزمٍ
مُثابرٍ يقرعُ الحديدا

وقد يُدركُ الغاياتِ رأيٌّ مُدّرع
إذا ناءَ بالأمرِ الكميُّ المُدّرع
والفتى في الحياةِ رهنُ عَوادٍ
لا يرى دونَ مُلتقاهُنّ بُدا
حكمَ الموتُ في الأنامِ فسوّى
لم يدعْ سيّداً،ولم يُبقِ عبدا

إذا ضيّعَ التاريخَ أبناءُ أمّةٍ
فأنفسهم في شِرعةِ الحقِّ ضَيّعوا
للموت أسلحة يطيح أمامها
حول الجرىء وحيلةَ المحتال
ما كان سعد آية في جيلهِ
سعد المُخلّد آيةُ الأجيال
تفنى أحاديثُ الرجال وذكره
سيظل في الدنيا حديث الرجال

لهم أملٌ لا ينتهي عند مطلبٍ
لقد ذلَّ من يُعطي القليلَ فيقنع
رُبَّ صدرٍ نافسَ الحِلمُ بهِ
كلَّ صحراءَ بعيدٍ مُنتهاها
وخِلالٍ أنبتت الجدبُ بها
عزّةُ البأسِ فما لانت قناها
أبتِ الضّيمَ فما مدّت يداً
لذوي النُّعمى ولم تغفر جباها
تحفظُ العِرضَ مصوناً ناصعاً
وإلى الطُّراقِ مبذولٌ قِراها

إذا لم يكنْ حلمُ الحليمِ بنافعٍ
فإنَّ صدامَ الجهلِ بالجهلِ أنفع
والسيفُ أظلمُ ما فزعتَ لِحكمهِ
والحزمُ خيرُ شمائلِ الأملاكِ
ومن الدماءِ طهارةٌ وعدالةٌ
ومن الدماءِ جنايةُ السُّفالِ

والسّيلُ إن أحكمتَ سدَّ طريقه
دكَّ الحصونَ فَعُدنَ كالأطلالِ
وإذا الماءُ كانَ ناراً فمن ير
جو لنارٍ إذا استطارت خمودا!
إنما الحربُ لعنةُ الله في الأر
ضِ،وشراً بمن عليها أريدا
كيف نصفو ونحنُ عنصرِ الطي
نِ،فساداً وظلمةً وجحودا
قد رأينا الأسودَ تقنعُ بالقو
تِ،فليتَ الرجالَ كانت أسودا

هي الدنيا فليسَ لها ذِمامٌ
وليسَ لها على الأيامِ خِلُّ
نعودُ إلى الترابِ كما بدأنا
فكلُّ حياتنا نقضٌ وغزلُ
تحيّةُ ناءٍ من شذى المِسكِ أطيبُ
وتبريحُ أشواقٍ إذا ما تنفسّتْ

ومن قطراتِ المُزنِ أصفى وأعذبُ
يكادُ لها فحمُ الدّجى يتلّهبُ
وقلبٌ يضيقُ الصدرُ عن نبضاتهِ
فيخفِقُ غيظاً بالجناحِ ويضربُ
تلفتَّ في الأضلاعِ حيرانَ يائساً
وأنَّ كما أنَّ السجينُ المُعذّبُ

إنَّ الشّجاعةَ أن تناضلَ مُصحراً
لا أن تدِبَّ كفاتكِ الأصلالِ
ومن أبصرَ الأيامَ خلفَ قناعها
رأى الدهرَ يلهو،والأماني تكذبُ
عجائبُ أحداثٍ تليها عجائبٌ
وصبري على تلكَ العجائب أعجبُ

علي الجارم يرثي أحمد شوقي:
سكتَ العندليب في وحشة الدو
ح وغنت نواعِقُ الغُربان
فسمعنا من النشوز أفا
نين يرعن صادح الأفنان
أسمعونا برغمنا فصبرنا
ثم ثُرنا غيظاً على الأذان
جلبوا للقريضِ ثوباً من الغر
بِ ولم يجلبوا سوى الأكفانِ
ثم قالوا مجدّدون فأهلاً
بصناديدِ أخريات الزمان
إنّما الشعرُ قطعة منك ليست
من دماءِ اللاتين واليونان
لا يهزّ النخيل إلا حنان النا
ي في صمت ليلة من حنان
وجهة الشرق غيرها وجهة الغر
ب فأنّى وكيفَ يلتقيان

من يشتري حُسنَ الثناءِ فإنّما
بِفعالهِ يشريهِ لا بالمالِ
إذا المجدُ لم يترك وراءكَ صيحةً
مدّويةً فالمجدُ أوهامُ كاذبِ
وأروعُ ما تهفو له العينُ رايةٌ
تُداعبها الأرواحُ في كفِّ غالبِ

جمعَ القلوبَ على الوفاقِ وصانهُ
من وهنِ رِعديدٍ وطيشِ مُغالي
تفنى أحاديثُ الرجالِ وذكرُهٌ
سيظلُّ في الدنيا حديثَ رجالِ
سارٍ كمصباحِ السّماءِ يحثّهُ
كرُّ الضحى وتعاقبُ الآصالِ

عرفوهُ وضّاحَ السريرةِ طاهراً
شرُّ البلاءِ خصومة الأندال
لا الدّمعُ غاضَ،ولا فؤادُكَ سالي
دخلَ الحِمامُ عرينةَ الرئبالِ
وأصابَ في الميدانِ فارسَ أمّةٍ
رفعَ الكنانةَ بعد طولِ نضالِ
رشقتهُ أحداثُ الخطوبِ فأقصدتْ
حربُ الخطوبِ الدّهمِ غيرُ سجالِ
للموتِ أسلحةٌ يطيحُ أمامها
حَولَ الجرىءِ،وحيلةُ المحتالِ
ما كانَ سعدٌ آية في جيلهِ
سعدُ المُخلّدُ آيةُ الأجيالِ

رأها وفي العنقودِ والكرمِ ما اشتهى
وأينَ من العنقودِ أيدي الثعالبِ
بنفسي الراحلينَ مَضوا سِراعاً
لِوردِ الموتِ كالهيمِ الظماءِ
تولّى عُهدُهم وبقيتُ وحدي
أُقلّبُ طرفَ عيني في السماءِ
رثيتهمُ فأدمى الحزنُ قلبي
فهل نَدبٌ يَخِفُّ إلى رثائي

يصلُ الحبُّ حيثُ لا تصلُ الشّمسُ
ويجتازُ شامخاتِ السدود
بنفسي الراحلينَ مَضوا سِراعاً
لِوردِ الموتِ كالهيمِ الظماءِ
تولّى عُهدُهم وبقيتُ وحدي
أُقلّبُ طرفَ عيني في السماءِ
رثيتهمُ فأدمى الحزنُ قلبي
فهل نَدبٌ يَخِفُّ إلى رثائي

إنَّ الشعوبَ تُصابُ في أبطالها
وحياتها في سيرةِ الأبطالِ
جَلَلٌ،هزَّ كلَّ رُكنٍ وهدّا
ومصابٌ،رمى القلوبَ فأردى
كلُّ صدرٍ بهِ أنينٌ ووجدٌ
مُرسلٌ خلفهُ أنيناً ووجدا
عبرات،من ساكبٍ ليس ترقا
ووجيبٌ من خافقٍ ليس يهدا
ونشيجٌ،أقضَّ من مضجعِ الليل
وماجتْ لهُ الكواكبُ سهدا
فزعتْ مصرُ فزعةً طار فيها
كلُّ عقلٍ من الرشادِ وندّا
هرعتْ سلعة الوداعِ تُفيضُ الدمع
بحراً،وترسلُ الشوقَ وقدا

علي الجارم في رثاء الملك فؤاد:
أُمّةٌ هالها المُصابُ فهامت
زُمرٌ تلتقي على الحُزنِ واليأسِ

تستحثُّ الخُطا،شيوخاً ومُردا
وحشدٌ باكٍ يُزاحمُ حشدا
وبحارٌ من الأناسيِّ ماجتْ
مُزبداتٍ،يَجشن جزراً ومدّا
وجبالٌ تسيرُ في يومِ حشرٍ
كلُّ فِندٍ تراهُ يتبعُ فِندا
فوق سطحِ البيوتِ كالنّحلِ فانظر
ثم إياكَ أن تحاولَ عدّا
كلُّ بيتٍ قد عافَ أحجارهُ الصُّمَّ
وأضحى دماً ولحماً وجِلدا
والميادينُ كلّها أُمَمٌ تُزجى
كما تُكدَسُ السحائبُ رُبدا

علي الجارم في رثاء الملك فؤاد:
يا مليكي والحزنُ يطحنُ نفسي
كلّما قلتُ:خفَّ،قال:سأبدأ
قد فقدناهُ والمُصابُ جليلٌ
وجميلُ العزاءِ بالحُرِّ أجدى
نحنُ لله راجعون،وكلٌ
بالغٌ في مجالةِ العمرِ حدّا
غير أن الفتى يغالبهُ الدمعُ
فلا يستطيعُ للدمعِ صدّا
كلُّ مهدٍ يصيرُ من بعدِ حينٍ
قصُرَ العمرُ أو تطاول لحدا

رانَ الذهولُ فكلُّ عقلٍ حائرٍ
وجرى القضاءُ فكلُّ طرفٍ غافي
والموتُ أعمى في يديه سهامهُ
يرمي البرية من وراءِ سِجافِ
رمتني الليالي قبلَ نعيّكَ رَميّةً
عرفتُ بها كيفَ القلوبُ تقطّعُ
نِصالٌ حِدادٌ قد ألمتُ لحملها
وأعلمُ أني هالكٌ حين تُنزعُ
فلما رماني سهمُكَ اليوم وانطوت
عليهِ جُنوبٌ خافقاتٌ وأضلعُ
أمنتُ على قلبي السهام فلم يعُدْ
به بعد خطبِ الأمسِ واليومِ موضعُ

قد عاشَ يحملُ روحَهُ في كفّهِ
ما قالَ في هولِ النضالِ كفافِ
أمينُ،وظلُّ الموتِ يفصلُ بيننا
سبقتَ وإنّي عن قليلٍ سأتبعُ
وما ماتَ من أبقى ثناءً مُخلّداً
وذكراً يُسامي في النيّراتِ ويفرَعُ

أتدري العُلا من شيّعتْ حينَ شيّعوا؟
ومن ودّعتْ يومَ الرحيلِ وودّعوا
هو الموتُ سهمٌ في يدِ اللهِ قوسهُ
فلا الحزمُ يُثنيهِ ولا الكفُّ تدفعُ
سدَّ القضاءُ منافذَ الأسماعِ
ماذا يقولُ إذا نعاكَ الناعي
وتنكّرتْ صورُ البيانِ وعقّني
عن أن أبوحَ كما أشاءُ يراعي
والشعرُ إن عقدَ المُصابُ لسانَهُ
فسكوتهُ ضربٌ من الإبداعِ
فإذا جفاني الشعرُ يوم رثائهِ
فلقد رثتهُ مآثرٌ ومساعي
وإذا فررتُ من الوداعِ وهولهِ
فلقد بعثتُ مع الدموعِ وداعي

قُمْ وانثُرِ الزهرَ على لحدهِ
وابكِ مضاءَ العزمِ من بعدهِ
مقصدهُ ضاقَ بهِ جسمهُ
ونفسهُ أكبرُ من قصدهِ
دموعُ عيونٍ أم دماءُ قلوبِ
على راحلٍ نائي المزارِ قريبِ
نعاهُ لنا الناعي فأفزع مثلما
تُراعُ بصوتٍ في الظلامِ رهيبِ
فقلنا أبِنْ ـ رُحماكَ ـ طارت عقولنا
وكم من يقينٍ في الحياةِ مُريبِ
شككنا وكانَ الشك أمناً وراحةٍ
فلم نستمع من فيكَ غير نعيبِ

وأنّ النوى الحمقاء شدّت رحالها
وأنَّ أمينَ الركبِ للبينِ مُزمعُ
وأنّ المعالي والمكارم والحِجا
سيضمنها قفرٌ من الأرضِ بلقعُ
فيا أيها الناعي،إذا قُلتَ فاتئدْ
فما مخطىءٌ في قولِ كَمصيبِ
حنانكَ،قلْ ما شئتَ إلا فجيعةً
بفقدِ كريمٍ أو فراقِ حبيبِ
فقال: قضى،قلنا:قضى حاجة العلا
فقال:مضى،قلنا: بغيرِ ضريب

فوا حسرتا
!
ماتَ الإمامُ ولم تكن
نهايةُ هذي الشمسِ غيرَ مغيبِ
وغاضَ مَعينٌ كان رِيّاً ورحمةً
وكلُّ مَعينٍ صائرٍ لِنضوبِ
لا الدمعُ غاض،ولا فؤادك سالي
دخل الحِمام عرينة الرئبالِ
وأصابَ في الميدانِ فارس أمّة
رفع (الكنانة) بعد طولِ نضالِ
رشقتهُ أحداث الخطوبِ فأقصدتْ
حربُ الخطوبِ الدُّهم غير سِجال
للموتِ أسلحةٌ يطيحُ أمامَها
حولَ الجرىء وحيلة المحتالِ
ما كانَ سعدٌ آية في جيله
سعدُ المُخلّد آيةُ الأجيال
تفنى أحاديثُ الرجالِ وذكرهُ
سيظل في الدنيا حديث رجال

علي الجارم يرثي سعد زغلول:
وإذا بصوتٍ هزّ مصر زئيره
غضبُ الليوث حمايةُ الأشبال
صوت كصور الحشر جمّع أمة
منحلة الأطراف والأوصال
فتطلعت عين وأصغت بعدها
أذن وهمت ألسنٌ بسؤال
من ذلك الشعشاع طال كأنه
صدر القناة وعاملُ العسال
ومن الذي اخترق الصفوف كأنه
قدرُ الإله يسيرُ غير مبال
سعدٌ،وحسبك من ثلاثة أحرف
وما في البرية من نُهى وكمال
ومن السيوف إرادةٌ مصقولة
طُبعت ليوم كريهة ونزال
ومضى يغبّر لا العسير بخاذل
أملاً ولا نيل السها بمحال
فكأنّهُ سيف المهيمن خالدٌ
وكأنّ دعوته أذان بلال
ما راعه نفيٌ ولا لعبت به
في حبِّ مصر زعازع الأوجال
كالشعلة الحمراء لو نكستها
لأضفتَ إشعالاً إلى إشعال
والسيل إن أحكمتا سدّ طريقه
دكّ الحصون فَعُدن كالأطلال
خصم شريف نال من خصمائه
ما نالَ من إجلال كل موال
عرفوه وضّاح السريرة طاهراً
شرُّ البلاء خصومةُ الأنذال
إن الشجاعة أن تناضل مُصحراً
لا أن تدب كفاتك الأصال

علي الجارم في قصيدة الشريد:
أطَلّتِ الآلامُ من جُحرهِ
ولُفَّتِ الأسقامُ في طِمرهِ
بُردتهُ الليل،على بردهِ
وكِنُّهُ القيظ،على حرّهِ
مُشرّدٌ يأوي إلى همّهِ
إذا أوى الطيرُ إلى وَكرهِ
ما ذاق حلوَ اللثمِ في خدّهِ
ولا حنانَ المسِّ في شعرهِ
ولا حوتهُ الأمُّ في صدرها
ولا أبٌ ناغاهُ في حِجرهِ
قد صيرَ النفسَ على ما بها
وانتظرَ الموعودَ من صبرهِ
البطنُ مهضومٌ،طواهُ الطَّوى
ونامَ أهلُ الأرضِ عن نشرهِ
والوجهُ لليأسِ بهِ نظرةٌ
يقذفها الحقدُ على دهرهِ
جَرّحهُ الدهرُ،فمن نابهِ
تلك الأخاديدُ،ومن ظُفرهِ
قد كتب الله على خدّهِ
خطاً يبينُ البؤسُ في سطرهِ
وغار ضوء الحِسِّ من عينهِ
وفرَّ لمحُ الأنسِ من ثغرهِ
والبِشرُ،أينَ البِشرُ؟ ويحى له!
يا رحمة الله على بِشرهِ
يجرُّ رجليهِ بطىء الخطا
كالجُعلِ المكدودِ من جرِّهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
إن نام أبصرتَ به كتلةً
تجمعُ ساقيهِ إلى نحرهِ
احتبست أواهُفي قلبهِ
واختنقت ويلاهفي صدره
وجفَّ ماءُ العينِ في مُوقها
ماذا أفاد العينَ من همرهِ
سالت به نهراً على لُقمةٍ
فعاد كالسائلِ في نهرهِ
لا يجدُ المأوى،ولو رامه
أحالهُ الدهرُ على قبرهِ
هناك يثوى هادئاً آمناً
من شظفِ العيشِ ومن وعرهِ
فكم بصدر القبر من ضَجعةٍ
أحنى من الدهرِ ومن نُكرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
مَتعبةُ الإنسانِ في حسّهِ
وشقوةُ الإنسانِ من فكرهِ
كيفَ يُرجى الصفوُ من كائنٍ
الحمأ المسنونُ في ذَرِّهِ
لم يَسمُ للأملاكِ في أوجها
ولا هوى للوحشِ في قفرهِ
رام اللبابَ المحضَ من سعيهِ
فلم يتلْ منهُ سوى قشرهِ
يسعى،وما يدري إلى نفعهِ
سعى حثيثاً،أم إلى ضرّهِ
آمنتُ بالله! فكم عالمٍ
أعجزه المحجوبُ من سرِّهِ
الله في طفلٍ غزاهُ الضَّنى
بأدهمِ الخطبِ ومُغبَرِّه
في ظلماتٍ،موجها زاخرٌ
كأنّهُ ذو النون في بحرهِ
والناسُ بالشاطىء،من غافلٍ
أو ساخرٍ،أمعنَ في سُخرهِ
والموجُ كالذؤبان حول الفتى
يسدُّ أُذنَ الأفقِ من زأرهِ
نادى،وما نادى سوى مرّةٍ
حتى طواهُ اليَمُّ في غمرهِ
تظنهُ طفلاً،فإن حقّقتْ
عيناكَ،لم تعثر على عُشرهِ
كأنه الشكُّ إذا ما مشى
أو ما يرى النائمُ في ذعرهِ
طغى به الجوعُ،ففي دمعهِ
ما فعلَ الجوعُ،وفي نبرهِ
واهاً لكفٍّ لصقت بالثرى
وائتدمت بالبؤسِ من عفرهِ
ماذا على الإحسان لو ردَّها
نديةَ الأطرافِ من بِرِّهِ
ماذا على الإحسان لو ردّها
رطيبةَ الألسنِ من شكرهِ
كم بسمةٍ أرسلها محسنٌ
أزهى من الروضِ ومن زهرهِ
ولقمةٍ سدَّت فماً جائعاً
رجّحت الميزانَ في حشرهِ
ومنّةٍ كانت جناحاً له
طارَ بهِ الذائع من ذكرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
ودمعةٍ يُذرفها مشفقاً
أصفى من المذخورِ من دُرّهِ
لا تُزهرُ الجنةُ إلا بما
يسفحهُ الباكي على وزرهِ
لو عرفَ الإنسانُ ما أجرهُ
ما ضنَّ بالنفسِ على أجرهِ
يبقى قليلُ المالِ من بعدهِ
ويذهبُ المالُ على كُثرهِ
بيضُ أيادي المرءِ في قومهِ
أغلى من البيضِ ومن صُفرهِ
والحرُّ،لا ينعمُ في وَفرهِ
حتى ينالَ الناسُ من وفرهِ
والمرءُ،لا يُعرفُ مقدارهُ
أو تُنبىءُ الأحداثُ عن قدرهِ
والناسُ كالماء،فمن ضحضحٍ
ومن عميقٍ،حِرتُ في سبرهِ
ليس الذي يُنفقُ من يُسرهِ
مثلَ الذي ينفقُ من عسرهِ
كم درهمٍ أُلقي في سجنهِ
ولم ينلْ عفواً مدى عمرهِ
لم يرَ حسنَ الصُّبحِ في شمسهِ
ولا جمالَ الليلِ في بدرهِ
يطمعُ وخزُ الجوعِ في وصلهِ
ويرسلُ الزفراتِ من هجرهِ
والمالُ كالخمرِ،إذا ما طغى
ضاقت فِجاجُ الأرضِ عن شرِّهِ
متى يهُبُّ العقلُ من نومه؟
أو يستفيقُ المالُ من سكرهِ؟
متى أرى النفسَ،وقد أُطلقت
من رِبقةِ المالِ ومن أسرهِ؟
متى أرى الحُبَّ كضوء الضحى
كل امرىءٍ يسبحُ في طُهرهِ؟
متى أرى الناسَ،وقد نُزِّهوا
عن شرهِ الذئبِ وعن غدرهِ؟
أُخُوَّةُ الغصنِ إلى صنوهِ
وبسمةُ الزهرِ إلى قَطرهِ
ورحمةٌ،رفّافةٌ لم تدعْ
قلباً يُوارى النارَ في صخرهِ
لا يُحسدُ الجاه على مالهِ
أو يُنهرُ البؤسُ على فقرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
كم شاردٍ في مصرَ،يا كُثره
من عددٍ،يسخرُ من حصرهِ
ذخيرةُ الأمّة أبناؤها
ماذا أفادَ النيلُ من ذخرهِ
ماذا أفادَ النيلُ من ساعدٍ
أسرعَ من ضِغثٍ إلى كسرهِ
وأرجلٍ أوهنَ من همسةٍ
ومن نسيم الصبحِ في مَرِّهِ
ومن فتاةٍ،فجرُها ليلُها
ومن غلامٍ،ضلَّ في فجرهِ
ألقتهُ مصرٌ هملاً ضائعاً
فصالَ يبغي الثأرَ من مِصرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد:
غاصَ من الآثامِ في آسنٍ
يكرعُ ملءَ الفمِ من مُرِّهِ
أسرى من الليل،وأمضى يداً
من عبثِ الليلِ،ومن مكرهِ
كم ضاقَ من شقوتهِ عصرُهُ
وضاقَ بالسُّخطِ على عصرهِ
شجاً بحلقِ الوطنِ المُفتدى
وشوكةٌ كالنّصلِ في ظهرهِ
مدرسةُ النشلِ وسلِّ المُدى
أسسها الشيطانُ في جُحرهِ
إذا هوى الخُلق،وضاع الحِجا
فكلُّ شىءٍ ضاعَ في إثرهِ
من يُصلحُ الأسرةَ يصلح بها
ما دمّرَ الإفسادُ في قُطرهِ
جنايةُ الوالدِ نبذُ ابنهِ
في عُسرهِ،إن كان،أو يُسرهِ
لا تتركُ الذئبةُ أجراءها
ولا يغيبُ الكلبُ عن وجرهِ
البيتُ صحراءُ إذا لم تجد
طفولةً تمرحُ في كِسرهِ
فعاقبوا الآباءَ إن قصّروا
لا بدَّ للسادرِ من زجرهِ
وأنقذوا الطفلَ،فما ذنبهُ
إن جمحَ الوالدُ في خُسرهِ
ربُّوهُ،ينمو ثمراً طيباً
لا ييأسُ الزارعُ من بَذرهِ
وعلِّموهُ عملاً صالحاً
يشدُّ ـ إن كافحَ ـ من أزرهِ

علي الجارم في قصيدة الشريد
:
ربُّوهُ في الريفِ،لعلَّ القرى
تُصلحُ ما أعضلَ من أمرهِ
النفسُ مرآةٌ،وغصنُ النّقا
يطيبُ أو يخبثُ من جذرهِ
لعلّ همسَ الغصنِ في أذنهِ
يُنسيهِ ما أضمر من ثأرهِ
لعلّ أنفاسَ نسيم الرُّبا
في صدرهِ ،تُبردُ من جمرهِ
النيلُ يستنجدُ مُستنصراً
فأسرعوا الخطوَ إلى نصرهِ
لا يذهبُ المعروفُ في لُجّةٍ
ولا يكفُّ المِسكُ عن نشرهِ

في كلِّ يومٍ رثاءٌ
لصاحبٍ أو لِخدنِ
حتى لقد كان شعري
يبكي لضعفي ووهني
فإنما أنا منهُ
وإنما هو مني
الوزنُ من نبضِ قلبي
والبحرُ من ماءِ جفني
اكشفوا الترب عن الكنز الدفين
وارفعوا الستر عن الصبحِ المُبينِ
جدث ضمّ سناء وسنى
ومُصاص الطهر في دنيا ودين
واخشعوا بالصمت في محرابه
أفصح الألسن صمت الخاشعين

علي الجارم في جميل صدقي الزهاوي:
جميل!نداء من أخٍ يقدر النهى
وإن لم يمتع باجتلائك ناظره
لنا نسب في المجد يجمعننا
تعالت أواسيه وشدّت أواصره
صببتُ عليك الدمع سحا ومدمعي
عزيز ولكن أجود الدرّ نادره
عليك سلام الله نوراً ورحمة
وغادتك من سيبِ الإله مواطره

علي الجارم في رثاء شوقي

مات يا طير صادح تسجد الطير
إذا رجع الصدى تحنانه
نبرات تخالها صوت داوود
بلفظ تخاله تبيانه
مات شوقي وكان أنفذ سهم
صائب الرمي من سهام الكنانه
أبك للشمس في السماء أخاها
وإبكِ للدهر قلبه ولسانه
وابكهِ للنجوم كم سامرته
مالئات بوحيها أذانه
وابكِ للروض واصفاً يخجل الروض
إذا هزّ باليراعِ بنانه
وابكهِ للخيال صفواً نقياً
إنه كان في الورى ترجمانه
ملأ الشرق موت من ملأ الشرق
حياة وقوة وزكانه
كان صباً بمصركم هام شوقاً
برباها وبثها أحزانه
دفن اللهو والصِّبا في ثراها
وطوى من شبابهِ عنفوانه
هي بستانه فغرّد فيه
وحبا كل قلبه بستانهْ
يحرس الفن في ظلاله نواحيه
ويرمي عن دوحهِ غربانه
يعشقُ النيل والخمائل تهتز
بِشطيهِ خضرة ولدانه
هكذا كل من يريد خلوداً
يجعل الكون كلّه ميدانه
هكذا فليسر إلى المجد من يشاء
ويرفع بذكره أوطانه
أيها الراحل الكريم لقد كنت
سواد العيون أو إنسانه
نمْ قليلاً في جنّة الخلد وانعمْ
برضا الله واغتنم غفرانه
ورثاء البيان جهد مقل
للذي خلّدَ الزمان بيانه
علي الجارم:

رمتني الليالي قبلَ نعيكَ رَميةً
عرفتُ بها كيفَ القلوبُ تقطّعُ
نصالٌ حِدادٌ قد ألمتُ لحملها
وأعلمُ أني هالكٌ حينَ تُنزعُ

علي الجارم يرثي قاسم أمين:

عصفت صيحة الرّدى بخطيب
وهو لم يَعدُ صفحة من خطابه
سكتة أطفأت منار طريق
كم مشت مصر في ضياءِ شهابه
ومضىقاسم وخلّفَ مجداً
تفرع النجم راسيات قبابه
قد نكرناه حين قام يُنادي
وفهمنا معناه يوم احتسابه
رُبَّ من كنتَ في الحياةِ لهُ حر
باً شققتَ الجيوبَ عند غيابه
وتحدّيت شمسه،فإذا ولّى
تمنيتَ لمحة من ضبابه
لم يفز منكَ مرة بثناء
فنثرت الأزهارَ فوق ترابه
يُعرف الورد حينما ينقضي الص
يفُ ويُبكى النبوغُ بعد ذهابه
كم ندبنا الشّبابَ حين تولّى
وشغفنا بالبدرِ بعد احتجابه

علي الجارم في اللغة العربية:
ماذا طحا بك يا صنّاجةَ الأدبِ
هلّا شدوتَ بأمداحِ ابنةِ العربِ؟
أطارَ نومَكَ أحداثٌ وجمتَ لها
فبتَّ تنفخُ بينَ الهمِّ والوَصبِ
واليعربيّةُ أندى ما بعثتَ بهِ
شجواً من الحزنِ أو شدواً من الطّربِ
روحٌ من الله أحيتْ كلَّ نازعةٍ
من البيانِ وآتتْ كلَّ مُطَّلبِ
أزهى من الأملِ البَسّامِ موقِعُها
وجَرْسُ ألفاظها أحلى من الضَّربِ
وسنى بأخبيةِ الصحراءِ يُوقظها
وحيٌ من الشّمسِ أو همسٌ من الشهبِ

علي الجارم في اللغة العربية:
تُحدى بها اليَعملاتُ الكومُ إن لعبتْ
فلا تُحسُّ بإنضاءٍ ولا لَغَبِ
تهتزُّ فوقَ بحارِ الآلِ راقصةً
والنَّصبُ للنِيبِ يجلو كُربةَ النَّصَبِ
لم تعرِف السَّوطَ إلا صوتَ مُرتجزٍ
كأنَّ في فيهِ مزماراً من القصبِ
تُصغي إلى صوتهِ الأطيارُ صامتةً
إذا تردَّدَ بينَ القُورِ والهِضبِ
كأنّهُ وظلام الليل يكنفهُ
غُثاءةٌ قُذفتْ في مائجٍ لَجبِ
جزيرةٌ أجدبت في كلِّ ناحيةٍ
وأخصبت في نواحي الخُلْقِ والأدبِ
جَدْبٌ بهِ تنبتُ الأحلامُ زاكيةً
إنَّ الحجارةَ قد تنشقُّ عن ذهبِ
تودُّ كلَّ رياضِ الأرضِ لو مُنحتْ
أزهارها قبلةً من خدِّها التَّرِبِ
وترتجى الغيدُ لو كانت لآلئها
نظماً من الشّعرِ أو نثراً من الخُطَبِ
يا جيرةَ الحرمِ المزهوِّ ساكنُهُ
سقى العهودَ الخوالي كلُّ مُنسَكبِ
لي بينكم صِلةٌ عزَّت أواصرُها
لأنّها صِلةُ القرآنِ والنَّسبِ
أرى بعينِ خيالي جاهليتكُم
وللتَّخيُّلِ عينُ القائفِ الدَّربِ
وأشهدُ الحشدَ للشورى قد اجتمعوا
ولستُ أسمعُ من لغوٍ ولا صَخَبِ
منْ كلِّ مُكتهلٍ بالبُردِ مُشتملٍ
للقولِ مُرتجلٍ للِهُجرِ مُجتنبِ
وألمحُ النارَ في الظلماءِ قد نُصبتْ
لِطارقِ الليلِ والحيرانِ والسّغبِ
نارٌ ولكنّها قد صوِّرتْ أملاً
بَرداً إذا خابتِ الآمالُ لم يَخبِ
رمزُ الحياةِ ورمزُ الجودِ ما فَتئتْ
فوقَ الثنيّاتِ ترمى الجوَّ باللّهبِ
يَشبُّها أريحى كلّما هدأتْ
ألقى على جمرها جزلاً من الحطبِ
وأُبصرُ القومَ يومَ الرّوعِ قد حُشدوا
للموتِ يجتاحُ،أو للِنّصرِ والغَلَبِ
يرمونَ بالشرِّ شرا حين يفجؤهم
ورايُهم فوقهم خفّاقةُ العَذَبِ
وأحضُرُ الشعراءَ اللُّسنَ قد وقفوا
وللبيانِ فِعالُ الصّارمِ الذَّربِ
أبو بَصيرٍ لهُ نبْرٌ لو اتُخذت
منهُ السهامُ لكانتْ أسهُمَ النُّوَبٍ
إذا رماها كما يختارُ قافيةً
دارت مع الفلكِ الدّوارِ في قُطُبِ
وأُغمِضُ العينَ حيناً ثم أفتحُها
على جلالٍ بنورِ الحقِّ مؤتَشِبِ
تكَلّمتْ سورُ القرآنِ مُفصِحةً
فأسكتت صخبَ الأرماحِ والقُضُبِ
وقامَ خيرُ قُريشٍ وابنُ سادتها
يدعو إلى الله في عزمٍ وفي دأبِ
بمنطقٍ هاشميِّ الوشى لو نُسجت
منهُ الأصائلُ لم تَنصُلْ ولم تغِبِ
طابتْ بهِ أنفسُ الأيامِ وابتهجت
ومرَّ دهرٌ ودهرٌ وهي لم تَطِبِ

علي الجارم في اللغة العربية:
وهُزَّت الراسياتُ الشمُّ،وارتعدت
لهولهِ الباتراتُ البيضُ في القُرُبِ
وأصبحت بنتُ عدنانٍ بنفحتهِ
تيهاً تُجرِّرُ من أذيالها القُشُبِ
فازت بركنٍ شديدٍ غير منصدعٍ
من البيانِ وحبلٍ غيرِ مُضطربِ
ولم تزل من حمى الإسلامِ في كَنفٍ
سهلٍ ومن عزِّهِ في منزلٍ خصبِ
حتى رمتها الليالي في فرائدِها
وخرَّ سلطانُها ينهارُ من صَببِ
وعاثت العجمةُ الحمقاءُ ثائرةً
على ابنةِ البيدِ في جيشٍ من الرَّهبِ
يقودُهُ كلُّ ولّاغٍ أخى إحنٍ
مُضَمَّخٍ بدماءِ العُربِ مُختضبِ
لم يُبقِ فيها بناءً غيرَ مُنتقضٍ
من الفصيحِ وشملاً غيرَ مُنقضبِ
كأنَّ عدنانَ لم تملأ بدائعهُ
مسامعَ الكونِ من ناءٍ ومُقتربِ
مضتْ بخيرِ كنوزِ الأرض جائحةٌ
وغابتْ الفصحى معَ الغَيَبِ
وردَّ بالمجمعِ المعمورِ غُربتها
وحاطها بكريمِ العطفِ والحدَبِ
يا عُصبةَ الخير للفصحى وشيعتها
حيَّاكِ صوبُ الحيا يا خيرةَ العُصَبِ
هَلمَّ فالوقتُ أنفاسٌ لها أمدٌ
ولا أقولُ بأنَّ الوقتَ من ذهبِ
فإنّما المرءُ في الدنيا إقامتُهُ
إقامةُ الطّيفِ والأزهارِ والحَببِ
الدهرُ يُسرعُ والأيامُ مُعجلَةٌ
ونحنُ لم ندرِ غيرَ الوخدِ والخَببِ
والمُحدثاتُ تسدُّ الشمسَ كثرتُها
ولم تَفُزْ بخيالِ اسمٍ ولا لقبِ
والترجماتُ تشنُّ الحربَ لاقحةً
على الفصيحِ فيا للويلِ والحَرَبِ
نطيرُ للفظِ نستجديه من بلدٍ
ناءٍ وأمثالُهُ منّا على كَثبِ
كَمهرقِ الماء في الصحرءِ حين بدا
لعينهِ بارقٌ من عارضٍ كَذِبِ
أزرى ببنتِ قريشٍ ثمَّ حاربها
من لا يُفرِّقُ بينَ النّبعِ والغَرَبِ
وراحَ في حملةٍ رعناءَ طائشةٍ
يصولُ بالخائبين:الجهلِ والشَّغبِ
أنتُركُ العربيَّ السّمحَ منطقُهُ
إلى دخيلٍ من الألفاظِ مُغتربِ
وفي المعاجمِ كنزٌ لا نفادَ لهُ
لمن يُميّزُ بينَ الدُّرِّ والسُّخُبِ
كم لفظةٍ جُهدتْ مما نُكرِّرها
حتى لقد لهثت من شدّةِ التَّعبِ
ولفظةٍ سُجنت في جوفِ مُظلمةٍ
لم تنظر الشمسُ منها عينَ مرتَقبِ
كأنّما قد تولّى القارظان بها
فلم يؤوبا إلى الدنيا ولم تؤُبِ
يا شِيخةَ الضّادِ والذكرى مخلِّدةٌ
هنا يؤسَّسُ ما تبنونَ للعِقبِ
هنا تخطون مجداً ما جرى قلمٌ
بمثلهِ في مدى الأدهارِ والحِقبِ

صادِحَ الشّرقِ قد سكتَّ طويلاً
وعزيزٌ عليهِ ألا تقولا
أين ذاكَ الشّعرُ الذي كنتَ تزجيه
فيسري في الأرضِ عرضاً وطولا

عباس محمود العقاد
يومَ الظنون صدعتُ فيكَ تجلّدي
وحملت فيك الضيم مغلول اليدِ
وبكيتُ كالطفلِ الذليلِ أنا الذي
ما لانَ في صعبِ الحوادثِ مِقودي
وغصصتُ بالماءِ الذي أعددته
للريِّ في قفرِ الحياةِ المجهدِ
لاقيت أهوال الشدائد كلها
حتى طغت فلقيت ما لم أعهد
نارَ الجحيم إليَّ غير ذميمة
وخذي إليك مصارعي في مرقدي
حيران أنظر في السماءِ وفي الثرى
وأذوقُ طعمَ الموت غير مُصدّدِ
أروى وأظمأ
:
عذبُ ما أنا شارب
في حالتيّ نقيع سمّ الاسودِ
وأجيل في الليل البهيم خواطري
لا شارق فيه ولا من مسعدِ
وتعيدُ لي الذكرات سالف صبوتي
شوهاء بوسم في السعير مخلد

حسن كامل الصيرفي

لم يبقَ لي في طريقِ العمر أحباب
خلا الطريقُ وأحبابُ الرؤى غابوا
كانوا خيالاً،وكان العيشُ حلم كرى
مضى به قدر للعمر نهاب
لم أنسَ آخر لقيانا وقد دمعت
شمسُ الاصيلِ ورقّت منهُ أطيابُ
وأنت في حجرة كان الشفاءُ بها
وهماً،وخلف صراع الطب وثاب




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *