من شوارد الشواهد ـ أمير الشعراء أحمد شوقي

من شوار الشواهد

الجزء الثاني

أحمد شوقي

شوقي يرثي والدته:

لكِ اللهُ من مطعونةٍ بقنا النّوى
شهيدةِ حربٍ لم تُعارِفْ لها إنما
مُدَلّهةٍ أزكى من النارِ زفرةً
وأنزهِ من دمعِ الحيا عبرة سَحما
أستْ جُرحها الأنباءُ غير رفيقةٍ
وكم نازعٍ سهماً فكان هو السهما
فيا حسرتا ألا تراهم أهلّةً
إذا أقصرَ البدرُ التمامُ مضوا قدما

مماتٌ في المواكب،أم حياةُ
ونعشٌ في المناكب،أم عظاتُ؟
يَجلُّ الخطبُ في رجلٍ جليل
وتكبرُ في الكبيرِ النائبات
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليهِ النائحاتُ
بنو الدنيا على سَفرٍ عظيمٍ
وأسفارُ النوابغِ مُرجعاتُ
أرى الأمواتَ يجمعهم نشورٌ
وكم بُعثَ النوابغُ يوم ماتوا
لي فيك مدحٌ ليس فيهِ تكلفٌ
أملاهُ حبٌّ ليسَ فيه تملقُ

فقبّلتُ كفّاً كان بالسيفِ ضارباً
وقبلّتُ سيفاً كان بالكفِّ يضربُ
المُلكُ بين يديكَ في إقبالهِ
عوّذتُ مُلككَ بالنبي وآلهِ
حرٌّ وأنتَ الحرُّ في تاريخهِ
سَمحٌ وأنتَ السّمحُ في إقبالهِ

هل البأسُ إلا بأسُهُمْ وثباتهمْ
أو العزمُ إلا عزمهُمْ والتلبُّبُ
أو الدينُ إلا ما رأتْ من جهادهم
أو المُلكُ إلا ما أعزّوا وهيبّوا
ذو هِمّةٍ كفؤادِ الدّهرِ لو نظرت
إلى بعيد دنا،أو جامح لانا
باني المآثر يعجزن الملوك بنى
بكلِّ أرض لكسرى العلم إيوانا
مدَّ الكنانة أطرافاً ووسّعها
ملكاً وأترعها خيلاً وفرسانا
وفجرَّ الماءَ في جنباتها فسقى
ما كانَ بين عيون النيل ظمآنا
ونص في ثبجِ الصحراء رايتها
كالنجمِ يهدي بأقصى الليل حيرانا

رحالةَ الشّرقِ إن البيدَ قد علمتْ
بأنّكَ الليثُ لم يُخلق لهُ الفزعُ
وهلْ مررت بأقوامٍ كفطرتهم
من عهدِ آدمَ لا خبثٌ ولا طَبعُ
جزتكَ مصرُ ثناءً أنتَ موضعهُ
فلا تذب من حياءٍ حينَ تستمعُ
ملائكةٌ إذا حَفوكَ يوماً
أحَبَّكَ كلُّ من تلقى وهابا
وإن حملتكَ أيديهم بُحورا
بلغتَ على أكفّهمُ السحابا
تَلّقوني بِكلِّ أغرّ زاهٍ
كأنَّ على أسِرّتهِ شهابا
ترى الإيمانُ مؤتلقاً عليهِ
ونورَ العلمِ والكرمِ اللبابا
وتلمحُ من وضاءةِ صفحتيهِ
مُحيّا مصرَ رائعة كعابا

يجلّ الخطب في رجلٍ جليلٍ
وتكبرُ في الكبير النائباتُ
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليه النائحاتُ

أكبرتُ من حسنين هِمّة طمحتْ
ترومُ ما لا يرومُ الفتية القُنعُ
بيضُ الوجوهِ ووجهُ الدّهرِ ذو حَلكٍ
شمُّ الأنوفِ وأنفُ الحادثاتِ حمي

الصابرينَ ونفسُ الأرض واجفةٌ
الضاحكينَ إلى الأخطارِ والقُحمِ
سل العصر،والأيام،والناس:هل نبا
نبأ لرأيك فيهم أو لسيفك مَضرِبُ

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فليرثِ من هذا الورى من شاءَ
فجعَ المكارمَ فاجعٌ في ربّها
والمجدَ في بانيهِ والعلياء
ونعى النعاةُ إلى المروءة كنزها
وإلى الفضائلِ نجمها الوّضاء
واستبكِ هذا الناسَ دمعاً أو دماً
فاليومُ يومُ مدامع ودماء

شوقي يرثي حافظ إبراهيم:

قد كنتُ أؤثر أن تقولَ رثائي
يا مُنصفَ الموتى من الأحياءِ
لكن سيقتَ،وكلُّ طولِ سلامةٍ
قدرٌ،وكلُّ منيّة بقضاءِ

الرافعونَ إلى الضحى آباءَهم
فالشمسُ أصلهم الوضىء المُعرِقُ
وكأنّما بين البِلى وقبورهم
عهدٌ على أن لا مِساسَ وموثِقُ
قسماً بمذهبكَ الجميل وقديم عهد لا ضئي
ووجه صُحبتك القسيم ل في الوداد ولا ذميم
ما كنت يوماً للكنا لما تلاحى الناس لم
نةِ بالعدوِّ ولا الخصيم تنزل إلى المرعى الوخيم
كم شاتمٍ قابلته
بترفعِ الأسد الشتيم
وشغلتَ نفسك بالخصيب
من الجهودِ عن العقيم
فخدمتَ بالعلم البلا
د ولم تزل أوفى خديم

أيها اليائس مُتْ قبلَ الممات
أو إذا شئتَ حياةً فالرّجا
لا يضيقُ ذرعُكَ عند الأزمات
إن هيَ اشتدّتْ فأملْ فَرجا
كأنَّ يراعي في مديحكَ ساجِدٌ
مدامعهُ من خشيّةِ الله تذرِفُ
كأنّكَ والآمالُ حولكَ حُوَّمٌ نميرُ
على عطفيهِ طيرٌ تُرفرِفُ
وأزهرَ في طِرسي يراعي وأنملي
ولفظي فباتَ الطِرسُ يجنى ويقطفُ
وجمّعَ من أنوارِ مدحكَ طاقةً
يُطالعها طرفُ الربيع فيطّرفُ
تهادى بها الأرواحُ في كلِّ سَحرةٍ
وتمشي على وجهِ الرياضِ فتعرفُ

ليسَ اليتيمُ من انتهى أبواه
من هَمِّ الحياةِ وخلّفاهُ ذليلا
إنَّ اليتيمَ من تجد لهُ أمّاً
تخلّتْ وأباً مشغولا
فرِضى البعضِ فيهِ للبعضِ سُخط
ورضى الكُلِّ مطلبٌ لا يُنال

والمالُ لا تجني ثمار رؤوسه
حتى يصيب من الرؤوسِ مدبراً
والملكُ بالأموالِ أمنعُ جانباً
وأعزّ سلطاناً وأصدق مظهراً

هل ترى كالتُرابِ أحسن عدلاً
وقياماً على حقوقِ العبادِ
نزلَ الأقوياءُ فيهِ على الضعفى
وحلَّ الملوكُ بالزّهادِ
إنَّ البنات ذخائرٌ من رحمةٍ
وكنوزُ حبّ صادق ووفاء
والساهراتُ لعلّةٍ أو كبرةٍ
والصابراتُ لِشدّةٍ وبلاء

والمرءُ ليسَ بصادقٍ في قولهِ
حتى يؤيدَ قولهُ بِفعاله
المالُ حَلّلَ كلَّ غيرِ مُحَلّلٍ
حتى زواجَ الشّيبِ بالأبكارِ
ما زُوجّتْ تلكَ الفتاةُ وإنّما
بيعَ الصِّبا والحسنُ بالدينارِ
فتشتُ لم أرَ في الزواجِ كفاءةً
ككفاءةِ الأزواجِ في الأعمارِ

إذا لم يكن للمرءِ عن عيشةٍ غنىً
فلا بُدّ من يُسر ولا بدّ من عُسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو،والحلوَ في المرِّ
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ
فَمنْ لجليلِ الأمرِ أو مُعضلِ الحال؟
ولولا معانٍ في الفدى لم تعانهِ
نفوسُ الحواريين أو مهجُ الآلِ
فغنوا بهاتيك المصارع بينكم
ترنُّمَ أبطالٍ بأيامِ أبطالِ
ألستم بني القوم الذين تكبروا
على الضربات السبع في الأبدِ الخالي؟
رُددتمُ إلى فرعونَ جَدّاً، ورُبّما
رجعتم لعمٍّ في القبائلِ أو خالِ

هل سألنا أبا العلاء وإن قَلّبَ
عيناً في عالمِ الكونِ وسَنى
كيف يهزأ بخالقِ الطير من لم
يعلم الطير،هل بكى أو تغنّى؟
بانَ الأحبّةُ يومَ بينِكِ كُلّهمُ
وذهبتِ بالماضي وبالمُتوّقعِ

آذنتها بِنوى فقالت ليت لم
تصلِ الحبالَ وليتها لم تقطعِ
ورداءُ جُثمانٍ لبستِ مُرّقمٍ
بيد الشّبابِ على المشيبِ مُرّقعِ
والمؤمنُ المعصومُ في أخلاقهِ أبداً يراهُ الله في غَلَسِ الدُّجى
من كلِّ شانئةٍ،وفي آدابهِ من صحن مسجدهِ وحول كتابهِ
ويرى اليتامى لائذينَ بظلّهِ
ويرى الأراملَ يعتصمنَ ببابهِ
ويراهُ قد أدّى الحقوق جميعها
لم ينسَ منها غير حقِّ شبابهِ
أدّى من المعروفِ حصةَ أهلهِ
وقضى من الأحسابِ حقّ صحابهِ

هذا زمان لا توسط عنده
يبغي المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه،أو ابق بمعزل
ليسَ التوسط للنبوغِ سبيلا
وعِصابةٍ بالخيرِ أُلِفَّ شَملُهم
والخيرُ أفضلُ عُصبةً ورِفاقا
جعلوا التعاونَ والبنايةَ هَمّهم
واستنهضوا الآدابَ والأخلاقا

فأشرِقْ على تلك النفوس لعلّها
ترقُّ غذا أشرقت فيها وتلطفُ
فأنتَ بهم كالشّمس بالبحر إنّها
تَرُدُّ الأجاجَ المِلحَ عذباً فيرشَفُ
كثيرُ الأيادي حاضرَ الصّفحِ مُنصفٌ
كثيرُ الأعادي غائبُ الحقدِ مُشعفُ
لهُ كل يوم في رضى الله موقفٌ
وفي ساحةِ الإحسانِ والبرِّ موقفُ
تجلّى جمال الدين في نور وجههِ
وأشرقَ في أثناءِ بُرديهِ أحنفُ

حمد شوقي في عبد الخالق ثروت الذي مات في فرنسا:

يموتُ في الغابِ أو في غيرهِ الأسدُ
كلُّ البلادِ وسادٌ حينَ تُتسَّدُ
قد غيّبَ المغربُ شمساً لا سَقامَ بها
كانت على جنباتِ الشّرقِ تتقّدُ
حدا بها الأجلُ المحتومُ فاغتربتْ
إنّ النفوسَ إلى آجالها تَفِدُ
كلُّ اغترابٍ متاعٌ في الحياةِ سوى
يومٍ يُفارِقُ فيهِ المُهجةَ الجسدُ
نعى الغمامَ إلى الوادي وساكنهِ
برقٌ تمايلَ منهُ السهلُ والجَلدُ
برقُ الفجيعةِ لما ثارَ ثائرهُ
كادت كأمسٍ لهُ الأحزابُ تتحِدُ
قام الرجالُ حيارى مُنصتينَ لهُ
حتى إذا هدَّ من آمالهم قعدوا
علا الصعيدَ نهارٌ كلّهُ شجنٌ
وجلّلَ الريفَ ليلٌ كلّهُ سُهدُ
لم يُبقِ للضاحكينَ الموتُ ما وجدوا
ولم يَرُدَّ على الباكينَ ما فقدوا
وراءَ رَيبِ الليالي أو فُجاءتها
دمعٌ لُكلِّ شماتٍ ضاحكٍ رصَدُ
مشتْ على جانبيهِ مصرُ تنشدُهُ
كما تدلّهتْ الثكلى،وتفتقِدُ
وقد يموتُ كثيرٌ لا تُحسّهمُ
كأنّهم من هوانِ الخطبِ ما وُجدوا
لكلِّ يومٍ غدٌ يمضي بروعتهِ
وما ليومكَ يا خيرَ اللِّداتِ غدُ

يا أيُّها الدّمعُ الوفيُّ،بدارِ
نقضي حقوقَ الرفقة الأخيارِ
أنا إن أهنتك في ثراهم فالهوى
والعهدُ أن يُبكوا بدمعٍ جاري
هانوا وكانوا الأكرمينَ،وغُودروا
بالقفرِ بعد منازلٍ وديارِ
لهفي عليهم،أُسكنوا دورَ الثرى
من بعدِ سُكنى السّمعِ والأبصارِ
عطفاً عليهم بالبكاءِ وبالأسى
فتعهدُ الموتى من الإيثارِ
يا غائبينَ وفي الجوانحِ طيفهم
أبكيكمُ من غيّبٍ حُضّارِ
بيني وبينكم وإن طالَ المدى
سفرٌ سأزمعهُ من الأسفارِ
إني أكادُ أرى محليَ بينكم
هذا قراركم،وذاكَ قراري

خفضتُ لِعزّةِ الموتِ اليراعا
وجدَّ جلالُ منطقهِ،فراعا
كفى بالموتِ للنُّذرِ ارتجالاً
وللعبراتِ والعِبرِ اختراعا

شوقي في إسماعيل صبري:

نَمْ ملءَ جفنِكَ فالغدّوّ غوافلٌ
عمّا يروُعكَ،والعشيُّ غوافي
في مضجع يكفيكَ من حسناته
أن ليسَ جنبُكَ عنهُ بالمُتجافي
واضحك من الأقدارِ غير معَجّز
فاليوم لست لها من الأهداف
والموتُ كنتَ تخافهُ بكَ ظافراً
حتى ظفرت به،فدعهُ كفاف
قُلْ لي بسابقةِ الودادِ:أقاتلٌ
هو حينَ ينزلُ بالفتى،أم شافي؟
غلبَ الحياة فتىً يسدُّ مكانها
بالذكرِ،فهو لها بديلٌ وافي

مُقيلَ الصديقِ إذا ما هفا
مُقيلَ الكريمِ إذا ما عثرْ
حييتَ فكُنتَ فخارَ الحياةِ
ومُتّ فكنتَ فخارَ السيّر

أحمد شوقي في ذكرى وفاة محمد فريد:

نُجَدِّدُ ذكرى عهدكم ونُعيدُ
ونُدني خيالَ الأمسِ وهو بعيدُ
وللناسِ في الماضي بصائرُ يهتدي
عليهنَّ غاوٍ،أو يسيرُ رشيدُ
إذا الميتُ لم يَكرُمْ بأرضٍ ثناؤُهُ
تحيّرَ فيها الحيُّ كيفَ يسودُ

ونحنُ قضاةُ الحقِّ،نرعى قديمَهُ
وإن لم يَفُتنا في الحقوقِ جديدُ
ونعلمُ أنّا في البناءِ دعائمٌ
وأنتم أساسٌ في البناءِ وطيدُ
فريدُ ضحايانا كثيرٌ،وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريدُ
فما خلفُ ما كابدتَ في الحقِّ غايةٌ
ولا فوقَ ما قاسيتَ فيهِ مزيدُ
تغرّبتَ عشراً أنتَ فيهنَّ بائسٌ
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريدُ

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فَليرثِ من هذا الورى من شاءَ
فجع المكارمَ فاجعٌ في ربّها
والمجدُ في بانيه والعلياء
ونعى النُعاةُ إلى المروءةِ كنزها
وإلى الفضائلِ نجمها الوّضاء
ولقد عهدتُكَ لا تُضيِّعُ راجياً
واليومَ ضاعَ الكلُّ فيك رجاء
وذكرتُ سعيكَ لي مريضاً فانياً
فجعلتُ سعيَ بالرثاءِ جزاءَ
والمرءُ يُذكرُ بالجمائلِ بعده
فارفع لذكركَ بالجميلِ بناءَ
واعلمْ بأنّكَ سوفَ تُذكر مرةً
فيقُالُ:أحسنَ،أو يقال: أساءَ

يقولون
:
يرثي كلَّ خِلٍّ وصاحبٍ
أجلْ،إنّما أقضي حقوقَ صِحابي
جزيتهمُ دمعي،فلما جرى المدى
جعلتُ عيونَ الشّعرِ حُسنَ ثوابي
مُصابُ بني الدنيا عظيمٌ (بأدهم)
وأعظمُ منه حَيرةُ الشّعر في فمي
أأنطقُ والأنباءُ تترى بِطيّبٍ
وأسكتُ والأنباءُ تترى بمؤلم؟
أتيتُ بغالٍ في الثناء مُنَضَّدٍ
فمنْ لي بغالٍ في الرثاءِ مُنَظَّمِ؟

أرحتَ بالكَ من دنيا بلا خُلقٍ
أليس في الموتِ أقصى راحةِ البال؟

شوقي يرثي والدته:

إلى الله أشكو من عوادي النّوى سهماً
أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمى
من الهاتكات القلبَ أوّلَ وهلةٍ
وما دخلتْ لحماً،ولا لامست عظما
تواردَ والناعي،فأوجستُ رنّةً
كلاماً على سمعي،وفي كبدي كَلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوى
فيا ويحَ جنبي كم يسلُ؟ وكم يدمى؟

قبرَ الزير تحيةً وسلاما
الحلمُ والمعروفُ فيكَ أقاما
ومحاسنُ الأخلاقِ فيك تغيّبتْ
عاماً،وسوف تغيّب الأعواما

شوقي في رثاء عبد العزيز جاويش:

أصابَ المُجاهدُ عُقبى الشهيد
وألقى عصاهُ المضافُ الشّريد
وأمسى جماداً عدوُّ الجمودِ
وباتَ على القيدِ خصمُ القيودِ
فيا لكَ قبراً أكنَّ الكنوزَ
وساجَ الحقوقَ،وحاطَ العهود
لقد غيّبوا فيك أمضى السيوفِ
فهل أنت يا قبرُ أوفى الغمود؟

وبعضُ المنايا تُنزلُ الشّهدَ في الثرى
ويحططنَ في التُربِ الجبالَ الرواسيا
عزاءً جميلاً إمامَ الحِمى
وهَوِّنْ جليلَ الرزايا يَهُنْ
وأنتَ المُعانُ بإيمانهِ
وظنُّكَ في الله ظنٌّ حسْ
ولكن متى رقَّ قلبُ القضاء؟
ومن أينَ للموتِ عقلٌ يَزن؟

عجيبٌ رداكَ،وأعجبُ منهُ
حياتُكَ في طولها والقِصر
فما قبلها سمعَ العالمون
ولا علموا مُصحفاً يُختصر
دفنّا التجاربَ في حفرةٍ
إليها انتهى بك طول السفر
جاذبتني جنبي عشيّةَ نعيهِ
وخفقت خفقةَ مُوجعٍ أوّاه
ولو أنّ قلباً ذابَ إثر حبيبهِ
لهوى بك الركنُ الضعيف الواهي
فعليكَ من حُسنِ المروءةِ ’مرٌ
وعليكَ من حُسنِ التجلّدِ ناه

ولقد يُداوونَ الجراحَ ببِرِّهم
ويقاتلونَ البؤسَ والإملاقا
قُمْ ترَ الدنيا كما غادرتها
منزلَ الغدرِ وماءَ الخادعين
وترَ الحقَّ عزيزاً في القنا
هَيّناً في العُزْل المستضعفين
وترَ الأمرَ يداً فوقَ يدٍ
وترَ الناسَ ذئاباً وضئين
وترَ العزَّ لسيفٍ نَزِقٍ
في بناءِ الملكِ،أو رأيٍ رزين
سُنَنٌ كانت،ونَظمٌ لم يزل
وفسادٌ فوق باعِ المصلحين

البِرُّ من شُعبِ الإيمانِ أفضلهُا
لا يقبل الله دونَ البرِّ إيمانا
فمن يغترُّ بالدنيا فإنّيلبستُ فيها فأبليتُ الثيابا
جنيتُ بروضها ورداً وشوكاًوذقتُ بكأسها شهداً وصابا

يا طالباً لمعالي الملك مجتهداً
خُذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلمِ والمالِ يبني الناسُ مُلكهمُ
لم يُبنَ ملكٌ على جهلٍ وإقلالِ
إنّما يَقدُرُ الكرامَ كريمٌ
ويُقيمُ الرجالُ وزن الرجال
وإذا عَظّمَ البلادَ بَنوها
أنزلتهم منازلَ الإجلالِ

إذا الأحلامُ في قومٍ تولّتْ
أتى الكبراءُ أفعالَ الطّغامِ
ولم يتكلف قومكَ الأسد أهبةً
ولكن خلقاً في السباعِ التأهبِ
كذا الناس:بالأخلاق يبقى صلاحهم
ويذهبُ عنهم أمرهم حين يذهب

خلقَ الناسُ للقويِّ المزايا
وتجنّوا على الضعيفِ الذنوبا
وقد يموتُ كثيرٌ لا تُحِسُّهم
كأنّهم من هوانِ الخطبِ ما وُجدوا

ولا المصائب إذ يرمى الرجال بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصبِ
ما أصعبَ الفضلَ لمن رامهُ
وأسهل القول على من أراد

والجهلُ موت فإن أوتيتَ معجزة
فابعث الجهل أو فابعث من الرجم
أنا من بدَّلَ بالكُتبِ الصِّحابا
لم أجدْ لي وافياً إلا الكتابا

كمْ ساهرٍ خائفٍ والدّهرُ في سِنةٍ
وراقدٍ آمنٍ والدّهرُ في سهر
فلا تبيتنَّ مُحتالاً ولا ضَجراً
إنّ التدابيرَ لا تُغني من القدر
اليوم يوم السابقين،فكن فتى
لم يبغِ من قصبِ الرهانِ بديلا
وإذا جريت مع السوابقِ فاقتحمْ
غرراً تسيلُ إلى المدى وحجولا
حتى يراك الجمع أول طالع
ويروا على أعرافك المنديلا

إن ملكتَ النفوسَ فابغِ رِضاها
فلها ثورةٌ،وفيها مَضاءُ
يسكنُ الوحشُ للوثوبِ من الأس
رِ فكيفَ الخلائقُ العقلاءُ
قُلْ للِمُدِل بمالهِ وبجاههِ
وبما يُحِلُّ الناسُ من أنسابهِ
هذا الأديمُ يصدُّ عن حُضَّارهِ
وينامُ ملءَ الجفنِ عن غُيّابهِ
والفردُ يؤَمنُ شرُّهُ في قبرهِ
كالسيفِ نامَ الشرُّ خلفَ قِرابهِ

عظيمُ النّاسِ من يبكي العظاما
ويندبهم ولو كانوا عِظاما
وأكرم من غمام عند مَحْل
فتىً يحيى بمدحته الكراما
المجدُ والشرفُ الرفيعُ صحيفةٌ
جُعِلتْ لها الأخلاقُ كالعنوانِ

وإذا أرادَ الله أمراً لم تجدْ
لقضائهِ ردّاً ولا تحويلا
ورُبَّ مُعاتب كالعيش يشكي
وملءُ النفسِ منه هوى وعتبى

إن ملكتَ النفوسَ فابغِ رضاها
فلها ثورةٌ وفيها مَضاءُ
يسكنُ الوحشُ للوثوبِ من الأس
رِ فكيفَ الخلائقُ العقلاء
وكلُّ بُنيانُ قومٍ لا يقومُ على
دعائم العصرِ من ركنيهِ منصدِعُ
شريفُ مكة حرٌّ في ممالكهِ
فهل ترى القومُ بالحريّةِ انتفعوا
كم في الحياةِ من الصحراءِ من شَبَهٍ
كلتاهما في مفاجأة الغنى شَرَعُ

ينالُ باللين الفتى بعض ما
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
في الصبر للدّهرِ وفي عتبهْ
وفي احتشامِ الأُسدِ دون القذى
إذا هي اضطرت إلى شربهْ
الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ
يشقى له الرّحماءُ وهو الهاني
ومُنَعّمٌ لم يلقَ إلا لذّةً
في طَيّها شَجنٌ من الأشجانِ
فاصبِرْ على نُعمى الحياةِ وبؤسها
نُعمى الحياةِ وبؤُسها سِيّانِ

قد تقومُ النفوسُ في الضّيم حتى
لترى الضّيمَ أنها لا تُضام
فَصفحاً للزمانِ لِصُبح يومٍ
بهِ أضحى الزمانُ إليَّ ثابا
وحيّا الله فتياناً سِماحاً
كَسوا عطفي من فخرٍ ثيابا

لو كانَ يفدى هالكٌ لفداكم
في الجو نسرٌ بالحياةِ بخيل
فيا لكَ ضيغماً سهر الليالي
وناضلَ دون غايتهِ ولاحى
ولا حطمتْ لك الأيامُ ناباً
ولا غضَت لك الدنيا صياحا

فما بالها نكرتها الأمورُ
وطول المدى ،وانتقال الجدود؟
لقد نسيَ القوم أمس القريب
فهل لأحاديثه من معيد؟
ومن كانَ يعزو بالتعلاتِ فقره
فإني وجدتُ الكدَّ اقتلَ للفقرِ
ومن يستعن في أمره غير نفسه
يخنهُ الرفيقُ العون في المسلك الوعر
ومن لم يقم ستراً على عيبِ غيره
يعشْ مستباحَ العرضِ،منهتكَ السترِ
ومن لم يُجمّل بالتواضعِ فضله
بين فضلهُ عنهُ،ويَعطلْ من الفخرِ

ولولا البِلى في زوايا القبور
لما ظهرتْ جدّةٌ للمهودِ
ومن طلبَ الخُلقَ من كنزه
فإنَّ العقيدةَ كنزٌ عتيد
تعلمَ بالصبرِ أو بالثبات
جليدُ الرجال وغيرُ الجليد
هذا زمانٌ لا توسط عنده
يبغي المغامرُ عالياً وجليلاً
كن سابقاً فيه أو ابقَ بمعزلٍ
ليسَ التوسطُ للنبوغِ سبيلا

شرفاً محمدُ،هكذا تُبنى العلا
:
بالصّبرِ آونةً وبالإقدام
هِممُ الرجالِ غذا مضتْ لم يُثنها
خدعُ الثناءِ ولا عوادي الذّام
وتمام فضلك أن يعيبُك حسدٌ
يجدون نقصاً عند كلِّ تمام
البلبل الغرد الذي هزَّ الربى
وشجى الغصون،وحرّكَ الأوراقا
خلف البهاء على القريض وكأسه
فسقى بعذب نسيبه العشاقا
في القيد ممتنع الخُطى وخيالهُ
يطوي البلاد وينشر الآفاقا
سباق غايات البيان جرى بلا
ساق فكيف إذا استرد الساقا؟
لو يطعم الطبّ الصناع بيانه
أو لم يسيغ لما يقول مذاقا
غالي بقيمته فلم يصنع له
إلا الجناح محلقاً خفاقا

إذا الفتنة اضطرمت في البلاد
ورُمت النجاة فكُن إمعة
لم تبقَ منا ـ يافؤاد ـ بقيّةٌ
لِفتوةٍ أو فَضلةٌ لِعراكِ

قد فتح الله أبواباً لعلّ لنا
وراءها فسح الآمال والرحبا
لا تعدم الهِمّة الكبرى جوائزها
سِيّانِ من غلب الأيام أو غُلبا
وكل سعي سيجزي الله ساعيه
هيهاتَ يذهبُ سعي المحسنين هبا

أحمد شوقي في رثاء مصطفى كامل:

المشرقانِ عليكَ ينتحبانِ
قاصيهما في مأتمٍ والداني
يا خادمَ الإسلامِ أجرُ مجاهدٍ
في الله،من خلد ومن رضوان
الله يشهدُ أن موتكَ بالحِجا
والجد،والإقدام والعرفان
إن كانَ للأخلاقِ ركن قائم
في هذه الدنيا،فأنتَ الباني
بالله فتش عن فؤادك في الثرى
هل فيهٍِ آمال وفيه أماني؟
وجدانكَ الحيّ المُقيم على المدى
ولّرُبّ حيّ ميت الوجدان
الناسُ ب جارٍ في الحياةِ لغايةٍ
ومضللٌ يجري بغير عنانِ

من شوه الدنيا إليك فلم تجد
في الملك غير مُعذبين جياع
يا أخي ـ والذخرُ في الدنيا أخٌ ـ
حاضرُ الخيرِ على الخيرِ أعانا
لك عند ابنيَ ـ أو عندي ـ يدٌ
لستُ آلوها ادكاراً وصيانا
حَسُنتْ مني ومنهُ موقعاً هل ترى أنت؟فإني لم أجد
فجعلنا حرزها الشكر الحُسانا كجميل الصنعِ بالشكر اقترانا
وإذا الدنيا خلتْ من خيرٍ
وخلت من شاكر هانت هوانا

رَبِّ إن شئتَ فالفضاءُ مضيقٌ
وإذا شئتَ فالمضيقُ فضاءُ
أنتَ أُنسٌ لنا إذا بَعُدَ الإنسُ
وأنتَ الحياةُ والإحياءُ
فاعذرْ الحاسدينَ فيها إذا لا
موا فصعبٌ على الحسودِ الثناءُ
إذا لم يكن للمرءِ عن عيشة غنى
فلا بدَّ من يُسر ولا بُدَّ من عُسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلو في المُرِّ
ومن كان يغزو بالتعلات فقره
فإني وجدت الكدَّ أقتل للفقر
ومن يستعن في أمره غير نفسهِ
يخنه الرفيق العون في المسلك الوعرِ

ما ضَرّني أن ليس أفقُكَ مطلعي
وعلى كواكبهِ تعلمتُ السُّرى
شرُّ الحكومةِ أن يُساسَ بواحدٍ
في المُلكِ أقوامٌ عِدادُ رمالِ
لا تسمعوا للِمرجفينَ وجهلهم
فمصيبةُ الإسلامِ من جُهّاله
والمرءُ ليسَ بصادقٍ في قولهِ
حتى يؤيد قوله بفعالهِ
والشعبُ إن رامَ الحياةَ كبيرةً
خاضَ الغمارَ دماً إلى آمالهِ

يرون رأياً وأرى خِلافه
الكأس لا تقوم السلافة
وكونوا حائطاً لا صدعَ فيه
وصفّاً لا يُرَّقعُ بالكُسالى

رفعوا على السيفِ البناء فلم يدم
ما للبناءِ على السيوف دوامُ
خلطوا صليبكَ والخناجرَ والمُدى
كلُّ أداةٌ للأذى وحِمام

قد تفسد المرعى على أخواتها
شاة تندُّ من القطيعِ وتمرقُ
لا الصعبُ عندهم بالصعبِ مركبهُ
ولا المُحال بمستعصٍ على الطلبِ
ولا المصائبُ إذ يُرمى الرجالُ بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصَبِ

إنّ الحياةَ نهارٌ أو سحابتَهُ

فَعِشْ نهاركَ من دنياكَ إنسانا
أرى الكريمَ بوجدانٍ وعاطفةٍ
ولا أرى لبخيلِ القومِ وجدانا
والناسُ مَبكيٌّ وباكٍ إثرهُ
وبكا الشعوبِ إذا النوابغُ طاحوا
لما بلغنا بالأحبّةِ والمنى
بابَ السرورِ تغيّبَ المفتاحُ

إنّما الهِمّةُ البعيدةُ غَرْسٌ
مُتانّى الجَنى،بطيء الكمائم
رُبّما غابَ عن يدٍ غرستهُ
وحوتهُ على المدى يدُ قادم

المنايا نوازلُ الشّعرِ الأبيضِ
جاراتُ كلِّ أسودَ فاحمِ
ما الليالي إلا قصارٌ،ولا الدّنيا
سوى ما رأيتَ أحلام نائمِ
انحسارُ الشِّفاهِ عن سنِّ جَذلا
نَ وراء الكرى إلى سنِّ نادمِ
سنةٌ أفرَحتْ،وأخرى أساءتْ
لم يَدُمْ في النعيمِ والكربِ حالمِ
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ زَجَرْتُ تصاريفَ الزمان،فما يقعْ
ولا المتُ إلا الرُّوحُ فارقتِ الجسما لي اليومَ منها كان بالأمسِ لي وهما
شربتُ الأسى مصروفةً لو تعرضتْ
بأنفاسها بالفمِّ لم يستفِقْ غمّا
فأترِعْ وناوِلْ يا زمانُ،فإنّما
نديمُكَ(سُقراطُ) الذي ابتدعَ السُّما
قتلتُكَ،حتى ما أبالي،أدرتَ لي وكنتُ على نهج من الرأي واضحٍ
بكأسكَ نجماً،أم أدرتَ بها رجما؟ أرى الناسَ صنفين:الذئابَ أو البهما
وما الحكمُ إلا أولى البأسِ دولةً
ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحُكما

وكُنْ في الطريقِ عفيفَ الخُطا
شريفَ السَّماعِ،كريمَ النظرْ
يزيدُ الشّيبُ نفسكَ من حياةٍ وتملؤكَ السِّنونَ قوىً وعزماً
إذا نقصتْ مع الشّيبِ الحياة إذا قيل:السّنون مثبطات
إذا الثقةُ اضمحلّت بين قومٍ
تمزّقتْ الروابطُ والصّلاتُ
فَثِقْ،فعسى الذين ارتبت فيهم
على الأيام إخوانٌ ثقاتُ
ورُبَّ مُحَبّبٍ لا صبرَ عنه
بدتْ لكَ في محبّتهِ بَداةُ
ومكروهٍ على أخذاتِ ظنٍّ
تُحَبّبهُ إليك التجرباتُ

ولا تَخْلُ من عملٍ فوقه
تعشْ غيرَ عبدٍ،ولا مُحتقرْ
وكن رجلاً إن أتوا بعده
يقولون
:
مرَّ وهذا الاثرْ
يا شباباً حنفاءً ضَمّهم
منزلٌ ليسَ بمذمومِ النزيلْ
يَصرِفُ الشّبان عن وِردِ القذى
ويُنحيهمْ عن المرعى الوبيلْ
اذهبوا فيه وجيئوا إخوةً
بعضكم خِدْنٌ لبعضٍ وخليلْ
لا يَضُرِّنكموا قلّتهِ
كلُّ مولودٍ وإن جلَّ ضئيلْ
أرجفتْ في أمركم طائفةٌ
تُبَّعُ الظنِّ عن الإنصافِ مِيلْ


اجعلوا الصبرَ لهم حيلتكم
قَلَّتِ الحيلةُ في قالَ وقيل
أيريدونَ بكم أن تجمعوا
رِقّةَ الدينِ إلى الخُلقِ الهزيلْ؟
لا تكونوا السَّيلَ جَهماً خشناً
كُلّما عَبَّ،وكونوا السلسبيلْ
أيها الأجوادُ لا نجزيكمو
لذّةُ الخيرِ من الخيرِ بديلْ

قضاءٌ،ومقدارٌ،وآجالُ أنفُسٍ
إذا هي حانت لم تؤخرْ ثوانيا
نبيدُ كما بادتْ قبائلُ قبلنا
ويبقى الأنامُ اثنين
:
ميتاً،وناعياً
أقدِمْ،فليسَ على الإقدامِ مُمتنع للناسِ في كلِ يومٍ من عجائبه
واصنع به المجدَ،فهو البارعُ الصَّنعُ ما لم يكن لإمرىءٍ في خاطر يقعُ
هل تنهضون عساكم وتلحقون به؟
فليس يلحق أهل السيرِ مُضطجعُ
لا يُعجبّنكمُ ساعٍ بتفرقةٍ
إنَّ المقصّ خفيفٌ حين يقتطعُ
وأجملوا الصبرَ في جدٍّ وفي عمل
فالصبرُ ينفعُ ما لا ينفعُ الجزعُ
وما الحياةُ إذا أظمت،وإن خدعتْ
إلا سرابٌ على صحراء يلتمعُ



شوقي في رثاء سعد زغلول:

شيّعوا الشمس ومالوا بضحاها
وانحنى الشّرقُ عليها فبكاها
ليتني في الركب لما أفلت
جلّلَ الصبحَ سواداً يومُها
انظروا تلقوا عليها شفقاً
وتروا بين يديها عبرةً
آذن الحقُّ ضحاياها بها
يوشعٌ ،همَّت، فنادى، فثناها
فكأنَّ الأرض لم تخلع دُجاها
من جراحاتِ الضحايا ودماها
من شهيدٍ يقطرُ الورد شذاها
ويحه
!!
حتى إلى الموتى نعاها
كفّنوها حُرّة عُلوية
ً
كستِ الموتَ جلالاً، وكساها
ليسَ في أكفانها إلا الهدى
لحمة الأكفانِ حقٌّ وسداها
خطر النعشُ على الأرض بها
يحسرُ الأبصار في النعش سناها
جاءها الحقّ، ومن عادتها
تؤثر الحقّ سبيلاً واتجاها
ما درتْ مصر
:
بدفن صُبِحت؟
أم على البعثِ أفاقت من كراها؟
صرخت تحسبها بنت الشّرى
وكأن الناس لما نَسلوا
طلبت من مِخلب الموتِ أباها
شُعبُ السيلِ طغتْ في ملتقاها
وضعوا الراح على النعش كما
خفضوا في يوم سعد هامهم
يلمسون الركن، فارتدّت نزاها
وبسعدٍ رفعوا أمس الجباها
سائلوا زحلة عن أعراسها
هل مشى الناعي عليها فمحاها؟
عطّلَ المصطاف من سمّارهِ
وجلا عن ضفة الوادي دماها
فتحَ الأبوابَ ليلاً ديرها
وإلى الناقوسِ قامت بيعتاها
صدعَ البرقُ الدُّجى،تنشرهُ
أرضُ سوريا،وتطويه سماها
يحملُ الأنباء تسري موهناً
كعوادي الثكل في حرِّ سراها
عرضَ الشكُّ لها فاضطربت
تطأُ الآذان همساً والشفاها
قلتُ:يا قوم اجمعوا أحلامكم
كلُّ نفسٍ في وريديها رداها

يا عدوَّ القيد لم يلمح له
شبحاً في خطةٍ إلا أباها
لا يضق ذرعك بالقيد الذي
حزَّ في سوق الأوالي وبراها
وقع الرسلُ عليه،والتوت
أرجلُ الأحرار فيه فعفاها
يا رُفاتاً مثلَ ريحانِ الضحى
كلّلت عدنٌ بها هامَ رباها
وبقايا هيكل من كرمٍ
وحياة أترعَ الأرض حياها
ودّعَ العدلُ بها أعلامه
وبكت أنظمة الشورى صواها
حضنتْ نعشك،والتفّتْ به
راية كنت من الذلّ فداها
ضمّتْ الصدرَ الذي قد ضمّه
وتلقّى الهمَّ عنها فوقاها
عجبي منها ومن قائدها
!
كيفَ يحمي الأعزلُ الشيخُ حِماها؟
مِنبرُ الوادي ذوتْ أعوادُهُ
من أواسيها وجفّتْ من ذُراها
من رمى الفارس عن صهوتها
ودعا الفصحى بما ألجمَ فاها؟
قدرٌ بالمدن ألوى والقرى
ودها الأجبالَ منه ما دهاها
غال بسطورا وأردى عصبةً
لمست جرثومة الموت يداها
طافت الكأسُ بساقي أمّةٍ
من رحيقِ الوطنيات سقاها
عطلتْ آذانها من وترٍ
ساحرٍ رنَّ مليّاً فشجاها
أرغنٌ هامَ به وجدانها
وأذانٌ عشقتهُ أذناها
كلَّ يومٍ خطبةٌ روحيةٌ
كالمزامير وأنغامٍ لغاها
دلّهت مصراً ولو أنَّ بها
فلواتٍ دلّهت وحش فلاها
ذائدُ الحقِّ وحامي حوضه
أنفذتْ فيهِ المقاديرُ مُناها
أخذتْ سعداً من البيتِ يدٌ
تأخذُ الآسادَ من أصل شراها
لو أصابت غيرَ ذي روحٍ لما
سلمت منها الثريا وسهاها
تتحدى الطبَّ في قفازها
علّة الدهرِ التي أعيا دواها
من وراءِ الإذن نالت ضيغماً
لم ينل أقرانه إلا وجاها
لم تصارح أصرحَ الناس يداً
ولساناً،ورُقاداً،وانتباها
هذه الأعوادُ من آدمَ لم
يهدَ خفّاها،ولم يعز مطاها
نقلت خوفو ومالت بِمنا
لم يفت حياً نصيبٌ من خطاها
تخلِطُ العمرين:شيباً،وصِباً
والحياتين:شقاءً،ورفاها
زورقٌ في الدمعِ يطفو أبداً
عزفَ الضّفةَ إلا ما تلاها
تهلع الثكلى على آثاره
فإذا خفّ بها يوماً شفاها
تسكبُ الدمعَ على سعدٍ دما
أمةٌ من صخرةِ الحقِّ بناها
من ليانٍ هو في ينبوعها
وإباءٍ هو في صمِّ صفاها
لُقِّنَ الحق عليه كهلها
واستقى الإيمانَ بالحقِّ فتاها
بذلت مالاً،وأمناً،ودما
وعلى قائدها ألقتْ رجاها
حمّلتهُ ذمّةً أوفى بها
وابتلتهُ بحقوقٍ فقضاها
ابن سبعينَ تلقّى دونها
غربةَ الأسرِ،ووعثاءَ نواها
سفرٌ من عدن الأرض،إلى
منزلٍ أقربُ منه قُطباها
قاهرٌ ألقى به في صخرةٍ
دفعَ النسرَ إليها فأواها
كرهتْ منزلها في تاجه
ذرة في البحرِ والبر نفاها
اسألوها،واسألوا شانئها
لِمَ لمْ ينفِ من الدّرِّ سواها؟
ولدَ الثورة سعدٌ حرّةً
بحياتي ماجد حرٍّ نماها
ما تمنّى غيرها نسلاً،ومنْ
يلدِ الزهراءَ يزهد في سواها
سالت الغابةُ من أشبالها
بين عينيه وماجت بلباها
بارك الله لها في فرعها
وقضى الخيرَ لمصرٍ في جناها
أو لم يكتب لها دستورها
بالدمِ الحرِّ،ويرفع منتداها؟
قد كتبانها،فكانت صورةً
صدرها حقٌّ وحقٌّ منهاها
رقد الثائرُ إلا ثورةً
في سبيلِ الحقِّ لم تخمد جذاها
قد تولاها صبياً فكوتْ
راحتيه،وفتيّا فرعاها
جالَ فيهما قلماً مستنهضاً
ولساناً كلّما أعيتْ حَداها
ورمى بالنفسِ في بركانها
فتلقّى أولَ الناسِ لظاها
أعلمتم بعد موسى من يدٍ
قذفت في وجهِ فرعونَ عصاها؟

وطئتْ نادبةً صارخةً
شاهَ وجهُ الرِّقِّ ـ يا قوم ـ وشاها
ظفرت بالكبرِ من مستكبرٍ
وسيوفُ الهندِ لم تصحُ ظباها
أينَ من عينيَّ نفسٌ حرّةٌ
كنتُ بالأمسِ بعينيَّ أراها؟
كلما أقبلت هزّت نفسها
وتواصى بشرها بي ونداها
وجرى الماضي،فماذا ادّكرتْ
وادّكارُ النفسِ شىءٌ من وفاها؟
ألمحُ الأيامَ فيها،وأرى
من وراءِ السنِّ تمثالَ صباها

لستُ أدري حينَ تندى نضرةً
علَتِ الشّيبُ،أم الشّيبُ علاها؟
حلّت السبعون في هيكلها
فتداعى وهي موفورٌ بناها
روعةُ النادي إذا جدّتْ، فإن
مزحت لم يذهب المزحُ بهاها
يظفرُ العذرُ بأقصى سُخطها
وينالُ الودُّ غايات رضاها
ولها صبرٌ على حُسّادها
يشبهُ الصفح،وحلمٌ عن عداها
لستُ أنسى صفحةً ضاحكةً
تأخذُ النفسَ وتجري في هواها
وحديثاً كرواياتِ الهوى
جدّ للصبِّ حنينٌ فرواها
وقناةً صعدةً لو وهبت
للسَّماكِ الأعزل اختالَ وتاها

أين مني قلمٌ كنتُ إذا
سمته أن يرثي الشمس رثاها؟
خانني في يوم سعدٍ،وجرى
في المراثي فكبا دون مداها
في نعيم الله نفسٌ أوتيت
أنعمَ الدنيا فلم تنسَ تقاها
لا الحِجى لمّا تناهى غرّها
بالمقادير،ولا العلمُ زهاها
ذهبت أوّابةً مؤمنةً
خالصاً من حيرة الشك هداها
آنست خلقاً ضعيفاً ورأتْ
من وراء العالم الفاني إلها
ما دعاها الحقُّ إلا سارعت
ليته يوموصيفما دعاها

حين ضاق البر والبحر بهم
أسرجو الجو وساموه اللجاما
أملاكُ مصرَ القاهرون على الورى
المنزلون منازلَ الأقمارِ
هتكَ الزمانُ حجابَهم وأزالهم
بعد الصِّيانِ إزالةَ الأسرارِ
هيهاتَ!لم يلمسْ جلالهمو البِلى
إلا بأيدٍ في الرَّغامِ قصارِ
كانوا وطَرْفُ الدهر لا يسمو لهم
ما بالهم عُرضوا على النُّظارِ؟
لو أمهلوا حتى النشورِ بِدُورِهم
قاموا لخالقهم بغيرِ غُبارِ

أبكيكَ إسماعيلَ مصرَ وفي البُكا
بعد التذكرِ راحةُ المستعبرِ
أيها النفس،تجدّين سُدىً
هل رأيت العيشَ إلا لَعبا
جَرّبي الدنيا تَهُنْ عندكِ ،ما
أهونَ الدنيا على من جرّبا

نلتِ فيما نلتِ من مظهرها
ومُنحتِ الخلدَ ذكراً ونبا
وجدتُ الحياة طريقَ الزُّمَرْ
إلى بعثةٍ وشئون أخر
وما باطلاً ينزلُ النازلون
ولا عبثاً يُزمعون السفر
فلا تحتقرْ عالماً أنتَ فيه
ولا تجحدْ الآخرَ المُنتظرْ
وخُذْ لكَ زادين:من سيرةٍ
ومن عملٍ صالحٍ يُدّخرْ
وإذا أتونا بالصفوفِ كثيرة
جئنا بصف واحد لن يكسرا

بالله يا نسماتِ النيل في السّحرِ
هل عندكنَّ عن الأحبابِ من خبر؟
عرفتُكنَّ بِعَرْفٍ لا أُكَتِّفهُ
لا في الغوالي،ولا في النّورِ والزهرِ
من بعض ما مسح الحسنُ الوجوهَ به
بين الجبين،وبينَ الفَرْقِ والشّعرِ
كلُّ حَيٍّ على المنيّة غادي
تتوالى الركابُ والموتُ حادي
ذهبَ الأولون قرناً فَقرناً
لم يَدُمْ حاضرٌ،ولم يبقَ بادي
هل ترى منهمُ وتسمعُ عنهم
غير باقي مآثرٍ وأيادي
هل رَجعتُنَّ في الحياةِ لفهمٍ؟
إن فهمَ الأمورِ نصفُ السّدادِ
سَقَمٌ من سلامةٍ، وعزاءٌ
من هناءِ،وفرقةٌ من ودادِ

سُدِلَ الستارُ،وهل شهدِتَ روايةً
لم يعترضها في الفصولِ ستارُ؟
وجَرتْ فما استولت على الأمد المنى
وعَدتْ فما حوتْ المدى الأوطارُ
سكن الزمانُ،ولانت الأقدارُ أرخى الأعنّةَ للخطوبِ وردّها
ولِكُلِّ أمرٍ غايةٌ وقرارُ فلَكٌ بكلِّ فُجاءة دوّارُ
يجري بأمرٍ أو يدور بضدِّهِ
لا النقصُ يُعجزهُ،ولا الإمرارُ
هل آذنتنا الحادثاتُ بهدنة؟
وهل استجابَ،فسالمَ المقدارُ؟

وقف الزمانُ بكم كموقف

طارق

اليأسُ خلفٌ،والرجاءُ أمامُ
الصبرُ والإقدامُ فيه إذا هما
قُتلا فأقتلُ منهما الإحجامُ
والملكُ يؤخذ،أو يُرَدُّ،ولم يزل
يرثُ الحسامَ على البلادِ حسامُ
تعبتْ بأمتك الخطوبُ فأقصرتْ لبثتْ تنوشهمُ الحوادثُ حقبةً
والدهرُ يُقصر والخطوبُ تنامُ وتصدُّها الأخلاقُ والأحلامُ
ولقد يُداسُ الذئبُ في فلواتهِ أعلمتَ ما أهدى إليكَ عصابةُ
ويهابُ بين قيوده الضرغامُ غرُّ المآثرِ من نبيك كرامُ
نشروا حديثكَ في البرية بعدما
همّتْ بِطيِّ حديثكَ الأيامُ
ما ماتَ من نبل الرجالِ وفضلهم
يحيا لدى التاريخ وهو عظامُ
يمضي ويُنسى العالمون ،وإنّما
تبقى السيوفُ،وتَخلدُ الأقلامُ

يؤلِّفُ إيلامُ الحوادثِ بيننا
ويجمعنا في الله دينٌ ومذهبُ
نما الوُدُّ حتى مَهّدَ السبلَ للهوى
فما في سبيلِ الوصلِ ما يتُصّعبُ
أسأتم وكان السوءُ منكم إليكم
إلى خيرِ جارٍ عندهُ الخيرُ يُطلَبُ
إلى ذي انتقامٍ،لا ينامُ غريمهُ
ولو أنه شخصُ المنام المحجّبُ

إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما
أصابَ سُويداءَ الفؤادِ وما أصمى
من الهاتكاتِ القلبَ أوّلَ وهلةٍ
وما دخلت لحماً ولا لامست عظما
تواردَ والناعي فأوجستُ رنّةً
كلاماً على سمعي وفي كبدي كَلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوى
فيا ويحَ جنبي كم يسيلُ وكم يدمى
طوى الشرقَ نحو الغربِ والماءَ للثرى
إليَّ ولم يركب بساطاً ولا يّما
أبانَ ولم ينبسْ وأدّى ولم يَفُه
وأدمى وما داوى وأوهى وما رمّا
إذا طُويت بالشُهبِ والدُهمِ شَقَّةٌ
طوى الشهبَ أو جابَ الغُدافيَّةَ الدُهما
ولم أرَ كالأحداثِ سهماً إذا جرت
ولا كالليالي رامياً يُبعدُ المرمى
ولم أرَ حُكماً كالمقاديرِ نافِذاً
ولا كلقاءِ الموتِ من بينها حتما
إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى
سبيلٌ يدينُ العالمونَ بها قِدما
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ
ولا الموتُ إلا الروحُ فارقتِ الجسما
ولا خُلدَ حتى تملأَ الدهرَ حكمةً
على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما
زجرتُ تصاريفَ الزمانِ فما يقع
ليَ اليومَ منها كانَ بالأمسِ لي وهما
وقدّرتُ للنعمانِ يوماً وضِدَّهُ
فما اغترّتِ البؤسى ولبا غرَّتِ النعمى
شربتُ الأسى مصروفةً لو تعرّضت
بأنفاسها بالفمِّ لم يستفِق غمّا
فأترع وناوِل يا زمانُ فإنّما
نديمُكَ سُقراطُ الذي ابتدعَ السُمّا
قتلتُكَ حتى ما أُبالي أدرتَ لي
بكأسِكَ نجماً أم أدرتَ بها رَجما
لكِ اللهُ من مطعونةٍ بِقنا النوى
شهيدةَ حربٍ لم تُقارفْ لها إثما
مُدَلَّهةٍ أزكى من النارِ زفرةً
وأنزهِ من دمعِ الحيا عبرةَ سَحما
سقاها بشيري وهي تبكي صبابةً
فلم يقوَ مغناها على صوبهِ رسما
أسَتْ جُرحها الأنباءُ غيرَ رفيقةٍ
وكم نازعٍ سهماً فكانَ هوَ السهما
تغارُ الحُمّى الفضائلُ والعلا
لِما قبّلت منها وما ضَمّتِ الحُمى
أكانتْ تمنّاها وتهوى لقاءها
إذا هي سمّها بذي الأرضِ من سمّى
ألمّت عليها واتّقت ثمراتها
فلما وُقوا الأسواءَ لم ترها ذَمّا
فيا حسرتا ألا تراهم أهلّةً
إذا أقصرَ البدرُ التمامُ مضوا قُدما
وألا يطوفوا خُشعاً حولَ نعشها
ولا يُشبعوا الرُكنَ استلاماً ولا لثما

حلفتُ بما أسلفتِ في المهدِ من يدٍ
وأوليتِ جُثماني من المِنّة العظمى
وقبرٍ منوطٍ بالجلالِ مُقلّدٍ
تليدَ الخِلالِ الكُثرَ والطارفِ الجمّا
وبالغادياتِ الساقياتِ نزيلَهُ
من الصلواتِ الخمس والآي والأسما
لما كانَ لي في الحربِ رأيٌ ولا هوىً
ولا رُمتُ هذا الثُكلَ للناسِ واليُتما
ولم يكُ ظلمُ الطيرِ بالرِقِّ لي رِضاً
فكيفَ رِضائي أن يرى البَشرُ الظلما
ولم آلُ شبانَ البريّةِ رِقّةً
كأنَّ ثمارَ القلبِ من ولدي ثمّا
وكنتُ على نهجٍ من الرأي واضحٍ
أرى الناسَ صنفينِ الذئابَ أو البَهما
وما الحكمُ إلا أولي البأسِ دولةً
ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحُكما
نزلتُ رُبى الدنيا وجنّاتِ عدنِها
فما وجدت نفسي لأنهارِها طَعما
أَريحُ أريجَ المسكِ في عرصاتها
وإن لم أُرِحْ مروانَ فيها ولا لَخما
إذا ضحكت زهواً إليَّ سماوها
بكيتُ الندى في الأرضِ والبأسَ والحزما
أُطيفُ برسمٍ أو أُلِمُّ بِدمنةٍ
أخالُ القصورَ الزُهرَ والغُرفَ الشُمّا
فما برحت من خاطري مصرُ ساعةً
ولا أنتِ في ذى الدارِ زايلتِ لي همّا
إذا جَنّني الليلُ اهتززتُ إليكما
فجنحا إلى سُعدى وجنحا إلى سلمى
فلما بدا للناسِ صبحٌ من المنى
وأبصرَ فيه ذو البصيرةِ والأعمى
وقرّت سيوفُ الهندِ وارتكز القنا
وأقلعتِ البلوى وأقشعتِ الغُمّى
وحنّت نواقيسٌ ورنّت مآذنٌ
ورفّتْ وجوهُ الأرضِ تستقبلُ السُلمى
أتى الدهرُ من دونِ الهناءِ ولم يزلْ
وَلوعاً ببنيانِ الرجاءِ إذا تمّا
إذا جالَ في الأعياد حلَّ نظامها
أو العُرسِ أبلى في معالمهِ هدما
لئن فاتَ ما أمّلتهِ من مواكبٍ
فدونكِ هذا الحشدَ والموكبَ الضخما
رَئيتُ بهِ ذات لبتقى ونظمتُهُ
لعنصرهِ الأزكى وجوهرهِ الأسمى
نمتكِ مناجيبُ العلا ونَميتِها
فلم تُلحقي بنتاً ولم تُسبقي أمّا
وكنتِ إذا هذي السماءُ تخايلت
تواضعتِ ولكن بعد ما فُتها نجما
أتيتِ بهِ لم يَنظمِ الشعرَ مثلَهُ
وجئتِ لأخلاق الكرامِ بهِ نظما
ولو نهضت عنهُ السماءُ ومخّضت
به الأرضُ كانَ المُزنَ والتِبرَ والكرما
فما زلتُ بالأهوالِ حتى اقتحمتها
وقد تُركبُ الحاجاتُ ما ليسَ يُرْكَبُ
رؤى إن تكنْ حقاً يكنْ من ورائها
ملائكةُ الله الذي ليس يُغلَبُ

من كان منسوباً إلى دولةِ القنا
فليسَ إلى شيءٍ سوى العزِّ يُنسَبُ
كُنَّ الرجاءَ،وكُنَّ اليأسَ ثم محا
نورُ اليقينِ ظلامَ الشكِّ والريبِ
كَربٌ تغشاهم من رأي ساستهم
وأشأمُ الرأي ما ألقاكَ في الكُرَبِ

جَدَثٌ حوى ما ضاقَ غُمدانٌ بهِ
من هالةِ المُلكِ الجسيمِ وغابه
بنيانُ عمران وصرحُ حضارة
في القبر يلتقيان في أطنابه
إذا خانَ عبدُ السوءِ مولاهُ معْتقاً
فما يفعلُ المولى الكريمُ المهذّبُ

وكيفَ تلقى نجاحاً أُمّةٌ ذهبتْ
حزبينِ ضدينِ عند الحادثِ الحزبِ
لا خيرَ في منبر حتى يكون له
عودٌ من السُّمْرِ،أو عودٌ من القُضُبِ
وما السلاحُ لقوم كلُّ عُدّتهم
حتى يكونوا من الأخلاق في أُهُبِ
لو كانَ في النابِ دون الخُلقِ مَنبهةٌ
تساوتْ الأسدُ والذؤبانُ في الرُّتبِ

الصابرينَ إذا حلَّ البلاءُ بهم
كالليثِ عضَّ على نابيهِ في النُوّبِ
لا الصعبُ عندهمُ بالصعبِ مركبهُ
ولا المحالُ بِمستعصٍ على الطلّبِ
ولا المصائبُ إذ يرمى الرجالُ بها
بقاتلاتٍ إذا الأخلاقُ لم تُصَبِ
وما أثنيتُ إلا بعد علمٍ
وكم من جاهلٍ أثنى فعابا
وليسَ بعامرٍ بُنيانُ قومٍ
إذا أخلاقهُم كانت خرابا
جرى كدراً لهم صفو الليالي
وغايةُ كلِّ صفو أن يُشابا

ينال باللين الفتى بعضَ ما
يعجزُ بالشدّة عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
في الصبر للدهر،وفي عتبه
وفي احتشامِ الأُسدِ دون القذى
إذا هي اضطرت إلى شُربه
واليأسُ لا يجملُ من مؤمن
ما دام هذا الغيبُ في حُجبه
في الأمر ما فيه من جِد،فلا تقفوا
من واقع جزعاً،أو طائر طربا
لا تثبتُ العينُ شيئاً، أو تحققه
إذا تحيّر فيها الدمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلمُ في عينيك ناصعُهُ
إذا سدلتَ عليكَ الشكّ والريبا
إذا طلبتَ عظيماً فاصبرنَّ له
إو فاحشدنَّ رماحَ الخطِّ والقُضُبا

ولا تعدَّ صغيراتِ الأمورِ له
إنَّ الصغائرَ ليست للِعلا أُهبا
ولن ترى صُحبةً تُرضى عواقبها
كالحقِّ والصبر في أمر إذا اصطحبا
إنَّ الرجالَ إذا ما أُلجئوا لجئوا
إلى التعاون فيما جَلَّ أو حَزبا
لا ريبَ أن خُطا الآمالِ واسعةٌ
وأنَ ليلَ سُراها صُبحه اقتربا

قد فتح اللهُ أبواباً،لعل لنا
وراءَها فُسحَ الآمالِ والرحبا
لولا يدُ الله لم ندفع مناكبها
ولم نعالج على مصراعيها الأربا
لا تعدمُ الهمّةُ الكبرى جوائزها
سِيّانِ من غلبَ الأيام أو غلبا
أيُّها الساكنُ في ظلِّ المنى يَذرُ المرءُ ويأتي ما اشتهى
نَمْ طويلاً،قد توسّدتَ الزّهر وقضاءُ الله يأتي ويَذرْ
كلُّ محمولٍ على النعشِ أخٌ إن تكن سِلْماً له لم ينتفع
لك صافٍ ودُّهُ بعد الكدرْ أو تكنْ حرباً فقد فاتَ الضرر
وإذا الموتُ إلى النفسِ مشى
وركبتَ النجمَ بالموتِ عثر
رُبَّ ثاوٍ في الظُبى مُمتنعٍ
سلّهُ المقدارُ من جفنِ الحَذر

وبعضُ المنايا تنزلُ الشّهدَ في الثرى
ويخططن في التُربِ الجبالَ الرواسيا

أحمد شوقي في رثاء مصطفى كامل:

والخلقُ حولك خاشعون كعهدهم يتساءلون بأيِّ قلب ترتُقى
إذ يُنصتون لخطبة وبيانِ بعدُ المنابرِ أم بأيِّ لسانِ
لو أنّ أوطاناً تُصوّرُ هيكلاً
دفنوكَ بين جوانحِ الأوطانِ
أو كان يُحملُ في الجوارحِ ميّتٌ
حملوكَ في الأسماعِ والأجفانِ
أو صيغ من غُرِّ الفضائل والعلا
كفنٌ لبستَ أحاسنَ الأكفانِ
عُوفيتَ من حَرَبِ الحياةِ وحِربها
فهل استرحت أم استراح الشاني
يا صَبَّ مصرَ ويا شهيدَ غرامها
هذا ثرى مصرٍ فنمْ بأمانِ
إخلعْ على مصرٍ شبابكَ عالياً
والبسْ شباب الحور والولدان
أقسمت أنك في الترابِ طهارةٌ
مَلكٌ يهابُ سؤالهُ الملكانِ

وإذا فاتكَ التفات إلى الما
ضي فقد غابَ عنكَ وجهُ التأسي
فريدُ!ضحايانا كثيرٌ وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريد
فما خلف ما كابدتَ في الحقِّ غايةٌ
ولا فوقَ ما قاسيتَ فيه مزيد
تغرّبتَ عشراً أنتَ فيهنَّ بائس
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريد
تجوعُ ببلدانٍ وتعرى بغيرها
وترزح تحت الداءِ وهو عتيد
ألا في سبيلِ الله والحقِّ طارفٌ
من المالِ لم تبخل به وتليد
وجودُكَ بعد المالِ بالنفسِ صابراً
إذا جزعَ المحضور وهو يجودُ
فلا زلتَ تمثالاً من الحقِّ خالصاً
على سرِّهِ نبني العلا ونُشيد
يعلم نشءُ الحيِّ كيفَ هوى الحِمى
وكيفَ يُحامي دونهُ ويذودُ

يا فؤادي،لِكُلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعد لَبسِ
رُبَّ بانٍ لهادمٍ ،وجَموعٍ
لِمشتٍ،ومُحسن لِمُخسِ
إمرةُ الناس هِمّةٌ،لا تأنى
لجبانٍ،ولا تسنى لِجبسِ
رُبَّ حُرٍّ صنعتُ فيه ثناءً
عجزَ الناحتونَ عن تمثاله

وكم من شُجاعٍ في العِداةِ مُكرَّمٍ
وكم من جبانٍ في اللِّداتِ مُذَمّمِ
فمنْ سرقَ الخليفةَ وهو حيّ
يَعِفُّ عن المُلوكِ مُكفنينا؟

إن الذي خلقَ الحياةَ وضدَّها
جعل البقاءَ لوجههِ إكراما
ولم أرَ كالأحداثِ سهماً إذا جَرتْ
ولا كالليالي رامياً يُبعدُ المرمى
ولم أرض حُكماً كالمقاديرِ نافذاً
ولا كلقاءِ الموت من بينها صَما
إلى حيثُ آباء الفتى يذهبُ الفتى
سبيلٌ يدينُ العالمون بها قِدما

ورُبَّ حديثِ خيرٍ هاجَ خيراً
وذكرِ شجاعةٍ بعث الشجاعا
ذهبَ الكِرامُ الجامعونَ لأمرهم
وبقيتُ في خَلَفٍ بغيرِ خَلاقِ

لكَ نُصحي وما عليكَ جِدالي
آفةُ النصحِ أن يكون جدالا
آفةُ النصحِ ان يكون جدالا
وأذى النصحِ أن يكون جهارا

كلُّ حَيٍّ ـ وإن تراختْ منايا
هُ ـ قضاءٌ عن الحياةِ انقطاعه
والذي تحرصُ النفوسُ عليه
عالمٌ باطلٌ قليلٌ متاعه
والنفسُ عاكفةٌ على شهواتها
تأوي إلى أحقادها وتثورُ
والعيشُ آمالٌ تجدُّ وتنقضي
والموتُ أصدقُ،والحياةُ غرورُ

قليلَ المساوي في زمانٍ يرى العلا
ذنوباً ونايٍ يخلقون المساويا
عليكم لواءَ العلم،فالفوزُ تحتَهُ
وليسَ إذا الأعلام خانت بِخذّالِ
ولا يصلحُ الفتيانُ لا علمَ عندَهم
ولا يجمعون الأمرَ أنصافَ جُهّالِ
إذا جزعَ الفتيانُ في وقعِ حادثٍ
فَمنْ لجليلِ الأمرِ أو مُعضلِ الحالِ؟

من ضاقَ بالدُّنيا فليسَ حكيمها
إنَّ الحكيمَ بها رحيبُ الباعِ
ولَرُبَّ بؤسٍ في الحياةِ مُقِنّعٍ
أربى على بؤسٍ بغير قناعِ
والجهدُ موت في الحياةِ ثِمارَهُ
والجهدُ بعدَ الموتِ غيرُ مُضاعِ
خُلِقنا للحياةِ وللماتِ ومن يولدْ يَعشْ ويَمُتْ كأن لم

ومن هذينِ كلُّ الحادثاتِ يمرُ خيالهُ بالكائناتِ
ومهدُ المرءِ في أيدي الرواقي
كنعشِ المرءِ بين النائحاتِ
وما سَلِمَ الوليدُ من اشتكاء
فهل يخلو المُعمَّرُ من أذاة
هي الدنيا قتالٌ نحن فيه
مقاصِدُ للحسامِ وللقناة

نعيشُ ونمضي في عذابٍ كلذّةٍ
من العيشِ،أو في لذّةٍ كعذابِ
ذهبنا من الأحلام في كُلِّ مذهبٍ
فلما انتهينا فُسِّرتْ بذهابِ
وكلُّ أخي عيشٍ وإن طالَ عيشهُ
ترابٌ لعمرُ الموتِ وابنُ ترابِ
والناسُ صنفان:موتى في حياتِهُمُ
وآخرونَ ببطنِ الأرضِ أحياءُ
تأبى المواهبُ،فالأحياءُ بينهمُ
لا يستوونَ،ولا الأمواتُ أكفاءُ

إن من يحملُ الخطوبَ كباراً
لا يُبالي بحملهنَّ صغارا
لولا نفوسٌ زُلْنَ ي سُبُلِ العلا
لم يَهْدِ فيها السلكينَ دليلُ
والناسُ باذلٌ روحهِ،أو مالهِ
أو علمهِ،والآخرونَ فضولُ
ومن العجائبِ في زمانك أن يفي
لكَ في الحياةِ وفي المماتِ خليلُ

بيتٌ على أرض الهدى وسمائهِ
الحقُّ حائطهُ وأُسُّ بنائهِ
الفتحُ من أعلامه،والطُّهرُ من
أوصافهِ،والقُدْسُ من أسمائهِ
سماؤكِ يا دنيا خِداعُ سرابِ وما أنتِ إلا جيفةٌ طالَ حولها
وأرضُكِ عُمرانٌ وشيكُ خرابِ قيامُ ضِباعٍ،أو قعودُ ذئابِ
وكم ألجأ الجوعُ الأسودَ فأقبلتْ
عليك بظفرٍ لم يقِفْ ونابِ
قعدتِ من الأظعانِ في مقطعِ السُّرى
ومروراً ركاباً في غُبا ركابِ
أقاموا،فلم يؤانسكِ حاضرُ صحبةٍ
وما لوا فلم تستوحش لغيابِ

إنَّ الجواهرَ أسناها وأكرمها
ما يقذِفُ المهدُ،لا ما يقذِفُ الزَّبَدٌ
نقموا عليه رأيَهُ وصَنيعَهُ
والحكمُ للتاريخِ في الأراءِ
والرأيُ إن أخلصتَ فيه سريرةٌ
مثلُ العقيدةِ فوقَ كلِّ مِراءِ
وإذا الرجالُ على الأمورِ تعاقبوا
كشفَ الزمانُ مواقفَ النظراءِ

والشعرُ دمعٌ،ووجدانٌ،وعاطفةٌ
يا ليتَ شعري هل قلتُ الذي أجِدُ
ذي هِمّة دونها في شأوها الهِممُ
لم تتخذلاولم تكذب لهانعمُ
بلغتني أملاً ما كنتُ بالغَهُ
لولا وفاؤكَ ت يا مظلومُ ـ والكرمُ
وِدادُكَ العزُّ والنعمى لخاطبهِ
وودُّ غيركَ ضحكُ السِّنِّ والكَلمُ
تُجِلُّ في قلم الأوطانِ حاملهُ
فكيفَ يصبرُ عن إجلالكَ القلمُ؟

قَدّمتُ بين يديَّ نفساً أذنبتْ
وأتيتُ بينَ الخوفِ والإقرارِ
وجعلتُ أسترُ عن سواك ذنوبها
حتى عَييتُ ،فمن لي بستارِ
لا تجعلي حُبَّ القديمِ وذكرَهُ
حسراتٍ مضياعٍ،ودفعَ مُبدّدِ
إنَّ القديمَ ذخيرةٌ من صالحٍ
تبنى المُقَصِّرَ،أو تحثُّ المقتدي

وما علمتُ رفيقاً غير مؤتمنٍ
كالموتِ للمرءِ في حِلٍّ وترحالِ
إذا لم يكن للمرءِ عن عيشةٍ غنىً ومن يَخبر الدنيا ويشرب بكأسها
فلا بُدَّ من يُسر،ولا بدّ من عُسرِ يجد مُرّها في الحلو والحلوَ في المُرِّ
ومن كان يغزو بالتَّعلاتِ فقره ومن يستعن في أمرهِ غيرَ نفسهِ
فإني وجدتُ الكَدَّ أقتلَ للفقرِ يَخنهُ الرفيقُ العون في المسلكِ الوعرِ
ومن لم يُقم ستراً على عيبِ غيره
يعش مُستباح العِرضِ مُنهتكَ السّترِ
ومن لم يُجَمِّل بالتواضع فضله
يَبِنْ فضلهُ عنهُ ،ويَعطل من الفخرِ

لعلّكَ تُخفي الوجدَ،أو تكتمُ الجوى
فقد تُمسِكُ العينانِ والقلبُ يدمعُ
إذا كانَ في الآجالِ طولٌ وفسحةٌ
فما البينُ إلا حادثٌ مُتَوّقعُ
وما الأهلُ والأحبابُ إلا لالىء
تفرقها الأيام،والسِّمطُ يجمعُ
لقيتِ عليماً بالغواني،وإنّما
هو القلبُ،كالإنسانِ يُغرى ويُخدعُ
وأعلمُ أن الغدرَ في الناسِ شائعٌ
وأن خليلَ الغانياتِ مُضيّعُ
وأن نزاعَ الرُّشدِ والغيِّ حالةٌ
تجىء بأحلامِ الرجال وترجعُ
وأنَّ أمانيَّ النفوسِ قواتلٌ
وكثرتُها من كثرةِ الزهرِ أصرعُ
وأن دُعاةَ الخيرِ والحقِّ حربهم
زمانٌ بهم من عهدِ سُقراطَ مُولعُ

لم يَمُتْ من لهُ أثَرْ
وحياةٌ منَ السيّرْ
إنّما الميتُ من مشى
ميتَ الخيرِ والخَبر
من إذا عاشَ لم يُفِدْ
وإذا مات لم يَضِرْ
ليس في الجاه والغنى
منه ظلٌّ ولا ثمرْ
كم هِمّةٍ دفعت جيلاً ذُرا شرفٍ
ونومةٍ هدمتْ بنيانَ أجيالِ
والعلمُ في فضله،أو في مفاخرهِ
ركنُ الممالك،صدرُ الدولة الحالي
إذا مشتْ أمّةٌ في العالمينَ بهِ
أبى لها اللهُ أن تمشي بأغلالِ
يَقِلُّ للعلم عندَ العارفينَ به
ما تقدرُ النفسُ من حُبٍّ وإجلالِ

فَقِفْ على أهلهِ واطلبْ جواهره
كناقدٍ مُمعنٍ في كفِّ لآلِ
فالعلمُ يفعل في الأرواح فاسدُه
ما ليس يفعل فيها طِبُّ دجّالِ
ورُبَّ صاحبِ درسٍ لو وقفتَ بهِ
رأيتَ شِبه عليم بين جُهّالِ
يا شبابَ الغدِ،وأبناء الفِدى
لكُمُ،أكرِمْ وأعزِزْ بالفداء
هل يمدُّ الله لي العيشَ،عسى
أن أراكمْ في الفريقِ السّعداء؟
هل علمتمْ أمّةً في جهلها
ظهرتْ في المجدِ حسناءَ الرداء؟
باطنُ الأمةِ في ظاهرها
إنّما السائلُ من لونِ الإناءِ

أجَلٌ وإن طالَ الزمانُ مُوافي
أخلى يديكَ من الخليلِ الوافي
داعٍ إلى حقٍّ أهابَ بخاشعٍ
لبس النذيرَ على هُدىً وعفافِ
ذهبَ الشبابُ فلم يكن رزئي به
دونَ المصابِ بصفوةِ الألآفِ
جَلَلٌ من الأرزاءِ في أمثالهِ
هِمَمُ العزاءِ قليلةُ الإسعافِ
خَفّتْ له العبراتُ،وهي آبيّةٌ
في حادثاتِ الدهر،غير خفاف
ما أنتِ يا دُنيا؟أرؤيا نائمٍ
أم ليلُ عُرْسٍ،أم بساطُ سُلافِ؟
نعماؤكِ الرّيحانُ،إلا أنّهُ
مسّتْ حواشيه نقيعَ زُعافِ
ما زلتُ أصبحتُ فيكِ خُلْقاً ثابتاً
حتى ظفرتُ بخُلقكِ المتنافي

ولِكُلِّ نفسٍ ساعةٌ،منْ لم يَمُتْ
فيها عزيزاً مات وهو ذليلُ
أإلى الحياةِ سكنتَ وهي مَصارِعٌ
وإلى الأماني يسكنُ المسلول؟
لا تَجفلنَّ ببؤسها ونعيمها
نُعمى الحياةِ وبؤسها تضليلُ
ما بينَ نضرتها وبينَ ذُبولها
عمرُ الورودِ،وإنهُ لقليلُ
إذا الشعوبُ بنوا حقيقة مُلكهم
جعلوا المآتمَ حائطَ الأفراحِ
التامتِ الأحزابُ بعد تصدُّع
وتصافتِ الأقلامُ بعد تلاحي
سُحِبتْ على الأحقادِ أذيالُ الهوى
ومشى على الضّغنِ الودادُ الماحي
وجرت أحاديثُ العِتابِ كأنّها
سَمَرٌ على الأوتارِ والأقداحِ

هذا الزمانُ تناديكم حوادثهُ
يا دولةَ السيف كوني دولة القلمِ
فالسيفُ يهدمُ فجراً ما بنى سَحَراً
وكلُّ بنيانِ علم غيرُ مُنهدمِ
قد ماتَ في السِّلم من لا رأي يعصمهُ
وسوّتْ الحرب بين البَهمِ والبُهمِ
وأصبحَ العلمُ ركنَ الآخذين به
من لا يُقِمْ ركنهُ العرفانُ لم يَقُمِ
كم واثقٍ بالنفسِ،نهاضٍ بها
ساد البرية فيه وهو عصام

وبنينا فلم نُخَلِّ لبانٍ
وعلونا فلم يَجُرنا علاءُ
أمرتُكَ الخير لكنْ ما ائتمرتُ به
وما استقمت فما قولي لك استقمْ

إذا كان الرّماةُ رماةَ سوءٍ
أحلّوا غيرَ مرماها السهاما
ومن يَعدلْ بحبِّ الله شيئاً
كَحُبِّ المال،ضلَّ هوىً وخابا

سِرْ مع العمرِ حيث شئت تَئُوبن
وافقد العمر لا تؤب من رقاد
ذلكَ الحقُّ لا الذي زعموه
في قديم من الحديث معاد
كلُّ حيٍّ على المنيّة غادِ
تتوالى الركاب والموتُ حادِ
ذهبَ الأولون قرناً فَقرناً
لم يدم حاضر ولم يبق بادِ
هل ترى منهم وتسمع عنهم
غير باقي مآثر وأيادي

كلُّ قبر من جانب القفر يبدو
علم الحق أو منار المعادِ
إن جلّ ذنبي عن الغفران لي أمل
في الله يجعلني في خير معتصم
والمرءُ يُذكرُ بالجمائل بعده
فارفع لذكرك بالجميلِ بناء
واعلم بأنكَ سوف تُذكرُ مرة
فيقالُ أحسن أو يقال أساء

بصرتُ بأخلاقِ الرجال فلم أجد
وإن جلّت الأخلاقُ للعزم ثانيا
كذا الناسُ بالأخلاق يبقى صلاحهم
ويذهبُ عنهم أمرهم حين تذهب

تسامح النفس معنىً من مروءتها
بل المروءة في أسمى معانيها
تخلّق الصفح تسعد في الحياة به
فالنفسُ يُسعدها خُلقٌ ويشقيها
وإنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وإذا أُصيبَ القوم في أخلاقهم
فَأَقِمْ عليهم مأتماً وعويلا
رضعَ الأخلاقُ من ألبانها
إنّ للأخلاقِ وقعاً في الصّغرْ

سيطرَ الحبُّ على دنياكمُ
كل شيء ما خلا الحبَّ عبث
أصمُّ يسمع سرّ الكائدين له
ولا يضيقُ بجهر المحنق الصخب

وكم في طريقِ الشرِّ خيرٌ ونعمةٌ
وكم في طريقِ الطيباتِ شرورُ
يا سوء سنتهم وقبح غلّوهم
إنّ العقائدَ بالغلّوِ تُضارُ

ولا أزيدُكَ بالإسلامِ معرفةً
كلُّ المروءةِ في الإسلامِ والحَسَبِ
من شكَّ فيه فنظرةٌ في صنعهِ
تمحو أثيمَ الشّكِ والإنكارِ

جعلوا الهوى لك والوقارَ عبادةً
لإنَّ العبادةَ خشيةٌ وتعلُّقُ
الدين لله من شاء الإله هدى
لِكلِّ نفس هوى في الدين داعيها
ما كان مختلف الأديان داعية
إلى اختلاف البرايا أو تعاديها

كمْ في الحياةِ من الصحراءِ من شَبهٍ
كلتاهما في مفاجأة الفتى شرعُ
وراءَ كل سبيل فيهما قدَرٌ
لا تعلم النفس ما يأتي وما يدعُ
ولستَ تأمنْ عند الصحو فاجئة
من العواصفِ فيها الخوفُ والهلعُ
ولستَ تدري وأن قدرت مجتهداً
متى تحطُّ رحالاً أو متى تضعُ
ولستَ تملكُ من أمرِ الدليلِ سوى
أن الدليل وإن أرداك متبعُ

أليسَ الحقَّ أنّ العيش فان
وأنَّ الحيّ غايتهُ الممات
إنّما الدنيا شجونٌ تلتقي
وحزينٌ يتأسى بحزين

ضَحِكُ الدنيا احتشاد للبكا
وأغانيها معدات الأنين
كلُّ تعليمٍ نراهُ ناقصاً
سُلّمٌ رَثٌّ إذا استعمل خانا
دَرَكٌ مُستحدثٌ من دَرَجٍ
ومن الرَّفعةِ ما حطَّ الدخانا

ابتغوا ناصيةَ الشمسِ مكانا
وخذوا القمّة علماً وبيانا
واطلبوا بالعبقريات المدى
ليس كلُّ الخيلِ يشهدون الرّهانا
ابعثوها سابقاتٍ نُجُباً
تملأ المضمارَ معنىً وعيانا
إنّ الشجاع هو الجبانُ عن الاذى
وأرى الجرىء على الشرور جبانا

وأشهد ما آذيتُ نفساً ولم أضر
ولم أبلغ في جهري وفي خطراتي
ولا بتُّ إلا كإبن مريم مُشفقاً
على حُسّدي مُستغفراً لِعداتي
إن ملكت النفوس فاتّبع رضاها
فلها ثورة،وفيها مضاء
يسكن الوحش للوثوبِ من الأسر
فكيف الخلائق العقلاء؟

لم تبعِ دُنيا طالما أغضى لها
حُمسُ الرّعاة وطأطئوا العِرنينا
نراوَح بالحوادثِ أو نُغادى
وننكرها ونعطيها القيادا
ونحمدها وما رعت الضحايا
ولا جزتْ المواقف والجهادا
لحاها الله! باعتنا خيالاً
من الأحلام واشترت اتحادا

والمال،مذ كان تمثال يطاف به
والناس مُذْ خلقوا عُبّادَ تمثال
إذا جفا الدور فانعِ النازلين بها
أو الممالك فاندبها كأطلالِ
يا طالباً لمعالي المُلك مجتهداً
خذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ

وإباء الرجال أمضى من السي
فِ على كفِّ فارسٍ مسلولا
ربَّ قلبٍ أصاره الخلقُ ضرغا
ماً وصدرٍ أصاره الحقُّ غيلا
ذكريات من الأحبة تُمحى
بيدٍ للزمان تمحو الطُلولا
كلُّ رسمٍ من منزلٍ أو حبيبٍ
سوف يمشي البِلى عليه مُحيلا
رُبَّ ثُكلٍ أساكَ من قرحةِ الثك
لِ ورزءٍ مسّاك رزءاً جليلا

هِمَمُ الرجالِ إذا مضتْ لم يثنها
خدعُ الثناءِ ولا عَوادي الذّامِ
وتمامُ فضلِكَ
!
أن يَعيبُكَ حُسَدٌ
يجدون نقصاً عند كلِّ تمامِ
تأكلُ الهِرّةُ الصغارَ إذا جا
عت،ولا تأكلُ اللباة الشبولا
قيلَ:غالٍ في الرأي قلت:هَبوه
قد يكون الغُلّو رأياً أصيلا
وقديماً بنى الغلو نفوساً
وقديماً بنى الغلو عقولا
وكم استنهضَ الشيوخَ وأذكى
في الشبابِ الطّماح والتأميلا

ومن الرأي ما يكونُ نفاقاً
أو يكونُ اتجاههُ التضليلا
ومن النقدِ والجدالِ كلامٌ
يُشبهُ البغيَ،والخنا والفضولا
وأرى الصدق ديدناً لسليل ال
رافعييّنَ والعفافَ سبيلا
كل يوم آية دلت على
أن للعلم القوى والغَلبا
لو بنوا فوق السّها مملكةً
لوجدت العلم فيها الطنبا
سلم الناس إلى المجد إذا
طلبوا سلمه والسببا

نظمَ اللهُ مُلكهُ بعبادٍ
عبقريين أورثوا المُلكَ حُسنا
شغلتهم عن الحسود المعالي
إنما يحُسدُ العظيمُ ويُشنا
من ذكيِّ الفؤادِ يُورِثُ علماً
أو بديعِ الخيالِ يخلقُ فنا

رُتبُ الشجاعةِ في الرّجالِ جلائلُ
وأجلهُنَّ شجاعةُ الآراءِ
وغداً سيذكرُكَ الزمانُ،ولم يزلْ
للدهرِ إنصافٌ وحسنُ جزاءِ
وإذا بُناةُ المجدِ راموا خطة
جعلوا الزمان مُحققاً ومنيلا
وإذا أراد الله أمراً لم تجدْ
لقضائهِ ردّاً ولا تبديلا

رُبَّ بانٍ لهادمٍ وجَموعٍ
لِمُشتٍ ومُحسنٍ لِمُخسِ
إمرةُ الناسِ هِمّةٌ لا تأتي
وإذا ما أصابَ بنيان قومٍ
لجبانٍ ولا تَسنّى لِجبسِ
وهيُ خُلق فإنّهُ وهيُ أُسِ
هم بنو مصر
:
لا الجميلُ لديهم
بِمُضاعٍ ولا الصنيعُ بِمنسي
وإذا فاتكَ التفاتٌ إلى الما
ضي فقد غابَ عنكَ وجهُ التأسي
يا ناشرَ العلم بهذي البلاد
وُفّقتَ،نشرُ العلم مثلُ الجهادِ
بانيَ صرحِ المجدِ،أنتَ الذي
تبني بيوت العلمِ في كل نادِ
بالعلم سادَ الناسُ في عصرهم
واخترقوا السبعَ الطباقَ الشِداد
أيطلبُ المجدَ ويبغي العلا
قومٌ لسوقِ العلم فيهم كساد؟

يا أهل مصر كِلوا الأمور لربّكم
فاللهُ خيرٌ موئلاً وكفيلا
جرت الأمور مع القضاء لغايةٍ
وأقرها من يملك التحويلا
أخذت عِناناً منه غير عِنانها
سبحانه متصرِّقاً ومُديلا
نقّاد أعمالكَ مُغلٍ لها
إذا غلا الدُّرُّ غلا الانتقاد
ما أصعبَ الفعلَ لمن رامَه
وأسهلَ القولَ على من أراد
سمعاً لشكواي،فإن لم تجد
منكَ قبولاً،فالشكوى تعاد
عدلاً على ما كان من فضلكم
فالفضلُ إن وُزِّعَ بالعدل زاد

فتية الوادي عرفنا صوتكم
مرحباً بالطائرِ الشادي الغرد
هو صوتُ الحقّ لم يبغ ولم
يحمل الحقد ولم يُخفِ الحسد
وخلا من شهوةٍ ما خالطت
صالحاً من عمل إلا فسد
صَدفتُ عن الأهواءِ والحرُّ يصدِفُ
وأنصفتُ من نفسي وذو اللبِّ ينصِفُ
فرحتُ وفي نفسي من اليأسِ صارمٌ
وعُدتُ وفي صدري من الحلم مُصحفُ
كأنّ فؤادي إبرةٌ قد تمغطست
بِحُبّكَ أنّى حُرِفّت عنكَ تَعطفُ
كأن يراعي في مديحكَ ساجدٌ
مدامعهُ من خشية الله تذرِفُ

والعدلُ يرفعُ للممالك حائطاً
لا الجيشُ يرفعه ولا الأسطولُ
لا تَحذ حذو عصابة مفتونة
يجدون كلّ قديم أمرٍ منكرا!
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من مات من آبائهم أو عُمّرا
من كلِّ ساع في القديم وهدمه
وإذا تقدّم للبناية قصّرا

خلت القرونُ كليلةٍ،وتصرّمتْ
دولُ الفتوحِ كأنّها أحلام
والدهرُ لا يألو الممالكَ مُنذراً
فإذا غفلنَ فما عليهِ ملام
صورُ العمى شتّى،وأقبحُها إذا
نظرتْ بغيرِ عيونهنَّ الهامُ
ولقد يُقامُ من السيوفِ،وليس من
عثراتِ أخلاقِ الشعوب قيام

ونبئهم عبثَ الهوى بتراثهم
من كل مُلقٍ للهوى بقيادِ
ونُبينُ كيف تفرّقَ الإخوانُ في
وقتِ البلاءِ تَفرُّقَ الأضدادِ
إن المغالِطَ في الحقيقةِ نفسَهُ
باغٍ على النفسِ الضعيفةِ عادِ
فَدعِ الأقدار تجري واستعد
فلك بالسعد والنحس يدور
لا تعارض أبداً مجرى الأمور
قُلْ إذا شئت:صروف وغير!
وإذا شئت :قضاء وقدر

واعمل الخير،فإن عشت لقى من يمت عن منّة عند يتيم
طيب الحمد،وإن مت بقى فرحيم سوف يحزن من رحيم
كن كريماً إن رأى جرحاً أسا
وتعهد وتولَّ البؤسا

وكلُّ سَعيٍّ سيجزي اللهُ ساعيَهُ
هيهاتَ يذهبُ سعيُ المُحسنينَ هَبا
لم يُبرَمِ الأمرُ حتى يستبينَ لكم
أساءَ عاقبةً،أم سَرَّ مُنقلبا
ما أصعبَ الفِعلَ لمن رامهُ
وأسهلَ القولَ على من أراد
سمعاً لشكوايَ،فإن لم تجد
منك قبولاً،فالشكاوى تُعاد

وبعضُ المنايا تنزلُ الشُّهدَ في الثرى
ويخططن في التُّرب الجبال الرواسيا
إذا أنتَ لم ترعَ العهودَ لهالكٍ
فلستَ لحيٍّ حافظ العهد راعيا
ومن يُعطَ من جاهِ الملوكِ وسيلةً
فلا يصنعُ الخيرات لم يُعطَ غاليا
لا يُبطِرَّنكَ من حريرٍ موطىءٌ
فَلرُبَّ ماشٍ في الحريرِ تعثّرا
وإذا الزمانُ تنكّرتْ أحداثُهُ
لأخيكَ،فاذكرهُ عسى أن تُذْكرا

هِمَمُ الرِّجالِ إذا مضَتْ لم يَثنِها
خُدَعُ الثناءِ ولا عواديَ الذّمِ
وتمامُ فضلكَ أن يعيبُكَ حُسَّدٌ
يجدونَ نقصاً عندَ كلِّ تمامِ
ولم يَبعدُ على نَفسٍ مرامٌ
إذا ركبتْ له الهِممَ البعادا
ولم أرَ بعد قدرته تعالى
كمقدرةِ ابنِ آدمَ إن أرادا

لا يُقيمَنَّ على الضَيمِ الأسدْ
نزعَ الشّبلُ من الغابِ الوتدْ
كبرَ الشّبلُ وشبّتْ نابهُ
وتغطّى مَنكباهُ باللِّبدْ
اتركوهُ يمشي في آجامهِ
ودعوهُ عن حِمى الغابِ يَذُدْ
واعرضوا الدنيا على أظفارهِ
وابعثوه في صحاراها يَصدْ
يا فؤادي لِكُلِّ أمرٍ قرارٌ
فيه يبدو وينجلي بعد لَبْسِ
فلكٌ يكسِفُ الشموسَ نهاراً
ويسوم البدور ليلة وكسِ
ومواقيتُ للأمورِ إذا ما
بلغتها الأمور صارت لعكسِ

ولست تأمن عند الصحة فاجئة
من العواصف فيها الخوف والهلع
ولست تدري وإن قدرت مجتهداً
متى تحطُّ رحالاً أو متى تَضَعْ
ولست تملك من أمر الدليل سوى
أن الدليل وإن أرداك متبعْ
وما الحياةُ إذا أظمت وإن خدعت
إلا سرابٌ على صحراء يلتمعْ
من خانهُ الدّهرُ خانته صنائعه
وعاد ذنباً له ما كانَ إحسانا
ولا ترى الناس إلا حرب مضطهد
وجالبين على المخذول خذلانا
والحظ يبني لك الدنيا بلا عمد
ويهدم الدِّعمَ الطولى إذا خانا

والمجدُ عندَ الغانياتِ رغيبةٌ
يُبقى كما يُبغى الجمالُ ويعشقُ
لا يقرب اليأسُ في البأساء أنفسهم
والنفسُ إن قنطتْ فاليأسُ مُرديها
قومٌ على الحبِّ والإخلاصِ قد ملكوا
وحسبُ نفسكَ إخلاصٌ يُزكيها
وإنّما هي شورى الله،جاء بها
كتابهُ الحقّ،يُعليها ويُغليها
حقنتَ عند مناداة الجيوشِ بها
دمّ البريّةِ إرضاءً لباريها
ولو منعتَ أريقت للعبادِ دماً
وطاحَ من مُهجِ الأجنادِ غاليها
أتى ثلاثون حولاً لم تذُقْ سنةً
ولا استخفّكَ للذّاتِ داعيها
مُسَهّد الجفنِ،مكدودَ الفؤادِ بما
تُضني القلوبَ،شجيّ النفسِ عانيها
تكادُ من صحبةِ الدنيا وخبرتها
تُسىءُ ظنّكَ بالدنيا وما فيها

تَخلّق الصفحَ تسعدْ في الحياة به
فالنفسُ يسعدها خلق ويشقيها
كيفَ تشقى يِحبِّ حلمي بلادٌ
نحنُ أسيافُها وأنت المَضاءُ؟

إذا لم يكنْ للمرءِ من عيشه غنى
فلابدّ من يسر ولابدّ من عسرِ
ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلو في المُرِّ
هل كلام الأنام في الشمس إلا
أنها الشمس،ليس فيها كلام

يا ساريَ البرقِ يرمي عن جوانحنا
بعد الهدوء،ويرمي عن مآقينا
ترقرقَ الماءُ في دمع السماءِ دماً
غاضَ الأسى فخضبنا الأرض باكينا
ولو أن انتقامه لهوى النفس
لدامت قطيعة وجفاء

لا يَلُمْ بعضكم على الخطب بعضاً
إيها القوم،كلكم أبرياء
صوتُ الشعوبِ من الزئيرِ مجّمعاً
فإذا تفرّقَ كان بعضَ نباحِ

لا يعجبنّكم ساعٍ بتفرقةٍ
إنَّ المِقصَّ خفيفٌ حينَ يقتطِعُ
هل علمتم أمّةً في جهلها باطنُ الأمّة من ظاهرها
ظهرتْ في المجدِ حسناءَ الرداء إنّما السائلُ من لون الإناء
فخذوا العلم على أعلامه
واطلبوا الحكمة عند الحكماء
واحكموا الدنيا بسلطان فما
خُلِقت نضرتها للضعفاء
واقرأوا تاريخكم واحتفظوا
بفيحٍ جاءكم من فصحاء

الناسُ ذو فقرٍ يروم الغنى
وآخرٌ للناسِ ما يقتني
ويستوي هذا وهذا غداً
يا وارثَ العالم أنت الغني
إن أسأنا لكم أو لم نسىء
نحن هلكى فلكم طولُ البقاء
هل يمدُّ الله لي العيش،عسى
أن أراكم في الفريق السعداء

الناسُ غادٍ في الشقاءِ ورائحٌ
يشقى له الرُّحماءُ وهو الهاني
في الأمرِ ما فيه من جِدٍّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أو طائرٍ طربا
ضُموا الجهودَ وخلّوها منكْرةً
لا تملأوا الشدقَ من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورَحى الهيجاءِ دائرةٌ
تُحصونَ من ماتَ أو تُحصونَ ما سُلبا

ومنْ لم يُقم ستراً على عَيبِ غيرهِ
يَعشْ مستباحَ العرِضِ مُنتهك السِّترِ
ومن تضحكِ الدنيا إليه فيغتررْ
يمتْ كقتيلِ الغيدِ بالبسماتِ
فَقُلْ ربِّ وفقّ للعظائمِ أمتي
وزيّن لها الأفعالَ والعزماتِ

ومن العقولِ جداولٌ وجلامدٌ
ومن النفوسِ حرائر وإماءُ
رُبَّ ثاوٍ في الظُبى ممتنعٍ
سلّهُ المقدارُ من جفن القَدَرْ

تدولُ أحاديث الرجال وتنقضي
ويبقى حديث الفضل والحسنات
دائر الدولاب بالناس على
جانبيهِ المرتقى والمُنحدر

وإنّ للمجدِ آفاتٍ إذا جُمعتْ
وجدتهُنَّ اثنتين
:
الحِقدَ والغضبا
سعتْ لك صورتي وأتاكَ شخصي
وسارَ الظلُّ نحوكَ والجهاتُ
لأن الروح عندكَ وهي أصل
وحيثُ الأصل تسعى الملحقات

أيها الساكِنُ في ظلِّ المنى
نَمْ طويلاً قد توسدّت الزَهرِ
شجرٌ نامٍ ،وظلٌ سابِغٍ
بيدَ أنَّ الصلَّ في أصل الشجر
ومنْ لم يجمل بالتواضعِ فضله
يَبِنْ فضله عنه ويعطل من الفخر

وصابرٍ تَلهجُ الدّنيا بنكبتهِ
تَخالهُ من جميلِ الصّبرِ ما نُكبا
وما أثنيتُ إلا بعد عِلْمٍ
وكمْ من جاهلٍ أثنى فَعابا

كم صَعَّبَ اليومُ من سَهلٍ همتَ بهِ
وسَهَّلَ الغدُ في الأشياءِ ما صَعُبا
يُنبيكَ مصرعهُ وكلُّ زائلُ
أنَّ الحياةَ كَغدوةٍ ورواحِ

هي الدّنيا قتالٌ نحن فيه
مقاصِدُ للحُسامِ وللقناةِ
وكلُّ الناسِ مدفوعٌ إليه
ما دُفِعَ الجبانُ إلى الثباتِ
وإنّ المجدَ في الدّنيا رحيقٌ
إذا طالَ الزمانُ عليه طابا

وأحمِلُ نوائبَ قومٍ أنتَ سيدهُم
وسيّدُ القومِ أقضاهم لما وجبا
لقد بدأتَ فاتمِمْ غيرَ مُدّخر
جهداً ولا هِمّةً لا تعرفُ التعبا
إذا رأيتَ الهوى في أمّة حكما
فاحكم هنالك أنّ العقل قد ذهبا

وإذا جَلّت الذنوبُ وهالتْ
فمن العدلِ أن يهولَ الجزاءُ
عالمٌ قُلَّبٌ وأحلامُ خلقٍ
تتبارى غباوة وفطانة

وما أدبي لما أسدوهُ أهلٌ
ولكن من أحبَّ الشيء حابى
لا تَعدمُ الهِمّةُ الكبرى جوائزها
سِيّان من غلبَ الأيام أو غُلبا

وكُنْ رجلاً إن أتوا بعدَهُ
يقولونَ مَرَّ وهذا الأثر
وللناسِ في الماضي بصائر يهتدي
عليهنَّ غادٍ أو يسير رشيد
إذا الميتُ لم يكرم بأرضٍ ثناؤهُ
تحيّرَ فيها الحيُّ كيف يسود

لا ريب أن خُطى الآمالِ واسعةٌ
وأنَّ ليل سُراها صُبحهُ اقتربا
قد فَتَّحَ الله أبواباً لعلَّ لنا
وراءها فُسحُ الآمالِ والرُّحبا
لولا يدُ الله لم ندفعْ مناكبها
ولم نعالج على مصراعها الأربا
خُلقتُ كأنني (عيسى) حرام
على قلبي الضغينة والشمات
ولا بِتُّ إلا كابن مريم مشفقاً
على حُسّدي ،مستغفراً لِعداتي

في الأمرِ ما فيه من جدّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أز طائرٍ طَرِبا
ضُموا الجهودَ وخلوها منكرة
لا تملأوا الشّدق من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرة
تحصون من مات أو تحصون ما سُلبا
أقدِمْ فليسَ على الإقدامِ مُمتنِعُ
واصنع به المجدَ فهو البارعُ الصَنَعُ
للناسِ في كلِّ يومٍ من عجائبهِ
ما لم يكن لامرىءٍ في خاطرٍ يقعُ

بعضُ الزواجِ مُذَمَّمٌ ما بالزنا
والرِقِّ إن قِيسا به من عارِ
فتشتُ لم أرَ في الزواجِ كفاءةً
ككفاءةِ الأزواجِ في الأعمارِ
أسفي على تلك المحاسنِ كُلّما
نقلت من البالي إلى الدّوارِ
أُناسٌ كما تدري ودنيا بحالها
ودهرٌ رَخيٌّ تارةً وعسيرُ
وأحوال خلقٍ غابرٍ مُتَجدِّدٍ
تشابهَ فيها أوَّلٌ وأخيرُ
تَمرُ تباعاً في الحياةِ كأنّها
ملاعبُ لا تُرخى لهنَّ ستورُ
وحِرصٌ على الدُّنيا وميلٌ مع الهوى
وغِشٌ وإفكٌ في الحياةِ وزورُ

الناسُ جارٍ في الحياةِ لغايةٍ
ومُضَلَّلٍ يسعى بغيرِ عنانِ
والخُلدُ في الدّنيا ـ وليسَ بهيّنٍ ـ
عُليا المراتب لم تُتحْ لجبانِ
للمرءِ في الدّنيا وجَمِّ شؤونها
ما شاءَ من ربحٍ ومن خسرانِ
فهي الفضاءُ لراعبٍ مُتطّلعٍ
وهي المضيق لمؤثرِ السُّلوانِ

ما آبَ جبّارُ القرونِ، وإنّما
يومُ الحسابِ يكونُ يومَ إيابهْ
المُستبدُّ يُطاقُ في ناووسهِ
لا تحتَ تاجيهِ وفوقَ وثابه
والفردُ يؤمنُ شرُّه في قبره
كالسيفِ نامَ الشرُّ خلفَ قِرابه
فظلت عيونُ الحرب حيرى لما ترى
نواظرَ ما تأتي الليوثُ وتُغربُ
تبالغ بالرامي،وتزهو بما رمى
وتعجب القواد،والجندُ أعجبُ

كم في الحياةِ من الصحراءِ من شبه
كلتاهما في مناجاةِ الفتى شرعُ
ربّوا على الإنصافِ فتيان الحِمى فهو الذي يبني العقول قويمة
تجدوهم كهفَ الحقوقِ كهولا وهو الذي يبني النفوس عدولا
ويُقيمُ منطق كلِّ أعوج منطق
ويريه رأياً في الأمورِ أصيلا
وإذا المعلم لم يكن عدلاً مشى
روحُ العدالةِ في الشّباب ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يده البصائرُ حولا
وإذا أتى الإرشادُ من سبب الهوى
ومن الغرورِ فسِّمهِ التضليلا

وتراهُ في صخبِ الحوادثِ صامتاً
كالصخرِ في عَصفِ الرياحِ النوكِ
خرزاتُهُ دم أمّةٍ مهضومةٍ
وجهودُ شعبٍ مُجهدٍ منهوكِ
بالواجبِ التمسَ الحقوقَ وخابَ من
طلبَ الحقوق بواجبٍ متروكِ
وراء كل سبيل فيهما قدر
لا تعلم النفس ما يأتي وما يدعُ

نالت منابر وادي النيل حصتها
مني،ومن قبل نال اللهو والطرب
يا ويلتاهُ لنفسي راعها وَدَها
مُسوَّدةُ الصُحفِ في مُبيضّةِ اللممِ
ركضتُها في مَربعِ المعصياتِ وما
أخذتُ من حِمية الطاعاتِ للتُخمِ
هامتْ على إثرِ اللذّاتِ تطلبُها
والنفسُ إن يَدعُها داعي الصِّبا تَهِمِ

في الموتِ ما أعيا وفي أسبابهِ
كل امرىءٍ رهنٌ بطيِّ كتابهِ
كم صَعَّبَ اليومُ من سهل هممتَ به ضموا الجهودَ،وخلوها منكرّةً
وسهّل الغدُّ في الأشياءِ ما صَعُبا لا تمائوا الشدق من تعريفها عجبا
أفي الوغى ورحى الهيجاء دائرةٌ
تُحصونَ من ماتَ أو تُحصون ما سُلبا؟
إذا رأيتَ الهوى في أمّةٍ حكماً
فاحكمْ هنالك أن العقلَ قد ذهبا

إن أسأنا لكم أو لم نُسىء
نحن هلكى فلكم طول البقاء
هل يَمدُّ الله لي العيش،عسى
أن أراكم في الفريق السعداء
يا نفسُ دُنياكِ تُخفي كُلَّ مُبكيةٍ
وإن بدا لكِ منها حُسنُ مُبتَسَمِ
فُضّي بتقواكِ فاهاً كُلّما ضحكتْ
كما يفضُّ أذى الرقشاءِ بالثَرمِ
مخطوبةٌ منذُ كانَ الناسُ خاطبةٌ
من أوّلِ الدّهرِ لم تُرمِل ولم تَئِمِ

يفنى الزمانُ ويبقى من إساءتها
جُرْحٌ بآدمَ يبكي منهُ في الأدَمِ
لا تَحفلي بِجناها أو جنايتها
الموتُ بالزهرِ مثلُ الموتِ بالفَحمِ
كم نائمٍ لا يراها وهي ساهرةٌ
لولا الأمانيُّ والأحلامُ لم يَنمِ
طَوراً يَمُدُّكِ في نُعمى وعافيةٍ
وتارةً في قرارِ البؤسِ والوَصَمِ
كم ضَلّلتكَ ومن تُحجب بصيرتَهُ
إن يلقَ صاباً يرد أو علقماً يَسُمِ

تبرأ عيسى منهمُ وصحابهِ
أأتباعُ عيسى ذي الحنان جُفاةُ
يُعادونَ ديناً لا يُعادونَ دولة
لقد كذبت دعوى لهم وشكاةُ
ولا خيرَ في الدنيا ولا في حقوقها
إذا قيلَ طلابُ الحقوقِ بُغاةُ
أمَنْ أكلَ اليتيمَ لهُ عقابٌ
ومن أكلَ الفقيرَ فلا عقابا
أُصيبَ من التجار بكلِّ ضارٍ
أشدَّ من الزمانِ عليهِ نابا
يكادُ إذا غَذاهُ أو كساهُ
يُنازعهُ الحَشاشةَ والإهابا
وتسمعُ رحمةً في كلِّ نادٍ
ولستَ تُحِسُّ للِبرِّ انتدابا

في الشموس الزُّهر بالشام انتمى
ونمى الأقمار بالأندلس
قعد الشرق عليهم مأتماً
وانتشى الغربُ بهم في عُرس
يا شباب الشرق عنوانَ الشّبابِ
ثمراتِ الحَسبِ الزاكي النميرْ
حسبكمُ في الكرم المحض اللباب
سيرة تبقى بقاءَ ابنى سمير
في كتاب الفخر للداخل باب
لم يلجهُ من بني الملكِ أمير

صحب الداخلُ من إخوتهِ
حدثاً خاضَ الغمارَ ابنَ ثمان
وإذا بالشطِّ من شقوتهِ
صائحاً صاح به
:
نلتَ الأمان
والمجدُ عند الغانياتِ رَغيبةٌ
يُبغى كما يُبغى الجمالُ ويُعشقُ
إن زوجوكَ بهنَّ فهي عقيدةٌ
ومن العقائدِ ما يَلبُّ ويحمقُ
ما أجملَ الإيمان! لولا ضَلّةٌ
في كلِّ دينٍ بالهدايةُ تُلصقُ

إنَّ الشمائلَ إن رقت يكادُ بها
يُغزى الجمادُ ويُغزى كلُّ ذي نَسَمِ
رُزِقتَ أسمحَ ما في الناسِ من خُلُقٍ
إذا رُزقتَ التماسَ العُذرِ في الشِيَمِ
لقد أنلتُكَ أُذناً غيرَ واعيةٍ
ورُبَّ مُنتصتٍ والقلبُ في صَممِ

رَضيّةٌ نفسُهُ لا تشتكي سأماً
وما معَ الحُبِّ إن أخلصتَ من سأمِ
مديحهُ فيك حُبٌّ خالِصٌ وهوىً
وصادِقُ الحُبِّ يُملي صادِقَ الكَلمِ

الله يشهدُ أني لا أُعارِضهُ
وإنّما أنا بعضُ الغابطينَ ومن
من ذا يُعارِضُ صوتَ العارِضِ العَرمِ
يغبط ولَيّكَ لا يُذمم ولا يُلَمِ

أحمد شوقي مخاطباً نابوليون:

يا كثيرَ الصَيدِ للصيدِ العلا قُمْ ترَ الدنيا كما غادرتها
قُمْ تأمل كيفَ صادتكَ المنونْ منزل الغدرِ وماءُ الخادعين
وترَ الحقَّ عزيزاُ في القنا وترَ الأمرَ يداً فوقَ يدٍ
هيناً في العُزْلِ المستضعفينْ وترَ الناسَ ذئاباً وضئين
وترَ العزَّ لسيفٍ نزق
في بناءِ الملك أو رأي رزين
سننٌ كانت ونظمٌ لم تزلْ
وفسادٌ فوقَ باع المضحكين

ويجلسونَ إلى علمٍ ومعرفةٍ
فلا يُدانونَ في عقلٍ ولا فَهمِ
يُطاطىءُ العلماءُ الهامَ إن نَبسوا
من هيبةِ العلمِ لا من هيبةِ الحُكُمِ
صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعهُ
فَقوِّمِ النفسَ بالأخلاقِ تستقمِ
والنفسُ من خَيرها في خيرِ عافيةٍ
والنفسُ من شرِّها في مرتعٍ وخمِ
تطغى إذا مُكّنتْ من لذةٍ وهوىً
طغيَ الجيادِ إذا عضَّتْ على الشُّكُمِ
إن جلَّ ذنبي عن الغفران لي أملٌ
في الله يجعلُني في خيرِ مُعتصمِ

خلعت عليكَ حياءَها وحياتها
أأعزُّ من هذين شيءٌ يُنفقُ؟
وإذا تناهى الحبُّ واتفق الفِدى
فالروحُ في بابِ الضحيةِ أليَقُ
نَعُدُّ بها على الأممِ الليالي
وما تدري السّنينَ ولا الحسابا

وإن تقدّمَ ذو تقوى بصالحةٍ
قدّمتُ بين يديهِ عبرةَ الندَمِ
لا تحذو حذو عصابة مفتونة
يجدون كلّ قديم أمراً منكرا
ولو استطاعوا في المجامع أنكروا
من ماتَ من آبائهم أو عمّرا
من كلِّ ساعٍ في القديمِ وهدمه
وإذا تقدّم للنيابة قصّرا

ما أنتِ يا دنيا أرؤيا نائمٍ؟
أم ليلُ عُرس؟أم بساطُ سلافِ
نعماؤكِ الرّيحانُ إلا أنهُ
مستْ حواشيهِ نقيعُ زُعافِ
يا بنتَ مخضوبِ الصوارمِ والقنا
برئت بنانكِ من سلاحِ أبيكِ
فخضاب تلك من العيون وقاية
وخضابُ ذاك من الدمِ المسفوكِ

يا عصامياً حوى المجد سوى
فضلةٍ قد قسّمت في المعرقين
أمُّكَ النفسُ قديماً أكرمت
وأبوكَ الفضل خير المنجبين
لا تلوموها،أليست حرّة
وهوى الأوطان للأحرارِ دينُ

قسماً لو قدروا ما احتشموا
لا يعفُّ الناسُ إلا عاجزين
وإذا الخُلْقُ كان عِقْدَ ودادٍ وأرى العلمَ كالعبادةِ في أبعد
لم ينلْ منهُ منْ وَشى وتَجنّى غاياتهِ :إلى الله أدنى
انظر الناس،هل ترى لحياةٍ


عُطلّتْ من نباهةِ الذكرِ معنى؟

لا الغنى في الرجالِ ناب عن الفضلِ
وسلطانهِ،ولا الجاهُ أغنى
رُبَّ عاثٍ في الأرضِ لم تجعل الأر
ضُ له إن أقامَ أو سارَ وزنا
عاش لم ترمِهِ بعينٍ وأودى
هَمَلاً لم تهب لناعيهِ اذنا

قِفْ ناجِ أهرامَ الجلالِ ونادِ
هل من بُناتكَ مجلسٌ أو نادِ
نشكو ونفزعُ فبهِ بينَ عُيونهم
إنَّ الأبوَّةَ مفزِعُ الأولادِ
ونبئهم عبثَ الهوى بتراثهم
من كُلِّ مُلقٍ للهوى بقيادِ
ونبينُ كيف تفرَّقَ الإخوانُ في
وقت البلاء تفرُّقَ الأضداد
بيتٌ على أرض الهدى وسمائهِ
الحقُّ حائطه وأُسُّ بنائه
الفتحُ من أعلامه،والطهرُ من
أوصافه،والقدس من أسمائه
تحنو مناكبهُ على شعب الهدى
وتطل سدتهُ على سينائه
من ذا ينازعنا مقالد بابه
وجلال سدته وطهر فنائه

قُلْ للشّبابِ اليوم بُوركَ غرسكُمْ
دنتِ القطوفُ وذُلّلتْ تذليلا
حَيّوا من الشهداءِ كُلَّ مُغيّبٍ
وضعوا على أحجارهِ إكليلا
ليكونَ حظَّ الحيِّ من شُكرانِكُم
جَمّاً وحظُّ الميتِ منهُ جزيلا
ناشدتُكم تلك الدماء زكيةً
لا تبعثوا للبرلمان جهولا
فليسألن عن الأرائك سائلٌ
أحملنَ فضلاً أم حملنَ فُضولا
إن أنتَ أطعت المُمثلَ ناقصاً
لم تلقَ عند كمالهِ التمثيلا

فادعوا لها أهل الأمانة واجعلوا
لأولى البصائر منهم التفضيلا
إنَّ المُقَصِّرَ قد يحولُ ولن ترى
لجهالةِ الطبعِ الغبي مُحيلا
فلَرُبَّ قولٍ في الرجالِ سمعتُم
ثم انقضى فكأنّهُ ما قيلا
ولكم نصرتُم بالكرامةِ والهوى
من كان عندكمُ هو المخذولا
كرمٌ وصَفحٌ في الشّبابِ وطالما
كَرُمَ الشّبابُ شمائلاً ومُيولا

كبير السابقين من الكرام
برغمي أن أنالكَ بالملام
مَقامُكَ فوق ما زعموا،ولكن
رأيتُ الحقَّ فوقكَ والمقام
أُمّةٌ ينتهي البيانُ إليها
وتؤول العلومُ والعلماءُ
جازتِ النجمَ واطمأنت بأفقٍ
مطمئن بهِ السَنا والسناء
وعلا الحقُّ بينهم وسما الفض
لُ ونالت حقوقها الضعفاء
تحملُ النجمَ والوسيلة والمي
زانَ من دينها إلى من تشاءُ

وتُنيلُ الوجودَ منهُ نظاماً
هوَ طِبُّ الوجودِ وهو الدواءُ
هكذا المُسلمونَ والعرب الخا
لدون لا مالا يقوله الأعداءُ
فَبهم في الزمانِ نلنا الليالي
وبهم في الورى لنا أنباء
ليسَ للِذلِّ حيلةٌ في نفوس
يستوي الموتُ عندها والبقاءُ

شوقي في رثاء حافظ إبراهيم:

ووددتُ لو أني فداك من الردى الناطقونَ عن الضغينة ِ والهوى
والكاذبونَ المرجفون فدائي الموغروا الموتى على الأحياءِ
من كلِّ هدّامٍ ويبني مجدهُ ما حطّموكَ وإنّما بك حُطموا
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاءِ من ذا يُحطمُ رفرفَ الجوزاء

من كلِّ هدّامٍ ويبني مجدهُ
ما حطّموكَ وإنّما بك حُطموا
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاءِ
من ذا يُحطمُ رفرفَ الجوزاء
انظر فأنتَ كأمس شأنك باذخٌ
في الشرقِّ واسمُكَ أرفعُ الأسماء
بالأمسِ قد حلّيتني بقصيدة
غيظ الحسود لها وقمتُ بشكرها
غرّاء تُحفظُ كاليدِ البيضاء
وكما علمتَ مودّتي ووفائي
لا يُقيمنَّ على الضَيمِ الأسدْ
نزعَ الشبلُ من الغابِ الوتدْ
كبرَ الشّبلُ،وشبَّتْ نابهُ
وتغطّى مَنكباهُ باللّبدْ
اتركوهُ يمشي في آجامهِ
ودعوهُ عن حِمى الغابِ يذُدْ
واعرضوا الدنيا على أظفارهِ
وابعثوه في صحراها يصدْ

غَدوا يبنون ما يبقى،وراحوا
وراءَ الآبداتِ مخلدينا
إذا عَمدوا لمأثرةٍ أعدّوا
لها الإتقانَ والخلقَ المتينا
وليسَ الخلدُ مرتبةٌ تلقّى
وتؤخذُ من شفاهِ الجاهلينا
ولكن منتهى هِمم كبارٍ
إذا ذهبتْ مصادرها بقينا
وآثار الرجال إذا تناهت
إلى التاريخِ خير الحاكمينا
وأخذُكَ من فم الدنيا ثناء
وتركُكَ في مسامعها طنينا
فإنا لم نُوقَ النقصَ حتى
نُطالبَ بالكمالِ الأوّلينا
وجدتَ مذاقَ كل تليد مجدٍ
فكيفَ وجحدتَ مجدَ الكاسبينا

جلالُ الملكِ أيام وتمضي
ولا يمضي جلال الخالدينا
يُحبُّ المرءُ نبشَ أخيهِ حيّاً
وينبشهُ ولو كان في الهالكينا
ولو يعصموكَ لكان خيراً
كفى بالموتِ مُعتصماً حصينا
يُضَرُّ أخو الحياة،وليس شيء
بضائرهِ غذا صحبَ المنونا

نحنو عليكم،ولا ننسى لنا وطناً
ولا سريراً،ولا تاجاً،ولا علما
هذي كرائمُ أشياء الشعوب،فإن
ماتت فكلُّ وجود يُشبهُ العدما
أبا الهولِ،طالَ عليكَ العُصُرْ
وبُلِّغتَ في الأرضِ أقصى العُمُرْ
فيا لِدةَ الدّهر،لا الدّهرُ شَبَّ
ولا أنتَ جاوزتَ حدَّ الصِّغرْ
إلامَ رُكوبكَ متنَ الزما
نِ لِطيِّ الأصيلِ وجَوْبِ السحرْ؟
تُسافِرُ منتقلاً في القرو
نِ،فأيّانَ تُلقى غُبارَ السفرْ؟
أبينكَ عهدٌ وبينَ الجبال
لِ،تزولان في الموعدِ المنتظرْ؟
أبا الهول،ماذا وراءَ البقا
ء إذا ما تطاولَ غيرُ الضجرْ؟
عجبتُ للِقمانَ في حِرصهِ
على لُبدَ والنسور الأُخرْ
وشكوى لبيدٍ لطولِ الحيا
ةِ،ولو لم تَطُلْ لتشكّى القصرْ
ولو وُجدتْ فيكَ يابنَ الصَّفا
ةِ لحقتَ بصانعِكَ المقتدرْ
فإنَّ الحياةَ تَفُلُّ الحدي
دَ إذا لبستهُ،وتُبلى الحجرْ
أبا الهول،ما أنت في المُعضلا
تِ؟لقد ضلّتْ السُبلَ فيك الفِكر؟
تَحيّرتِ البدوُ ماذا تكو
نُ،وضلّت بوادي الظنونِ الحضرْ
فكنتَ لهم صورةَ العنفوا
ن،وكنت مِثالَ الحِجى والبصرْ
وسِرُّكَ في حُجبه كلّما
أطلّت عليه الظنونُ استتر
وما راعهم غيرُ رأس الرجا
لِ على هيكلٍ من ذواتِ الظُّفرْ
ولو صُوِّروا من نواحي الطِّبا
ع توالوا عليك سِباع الصُوّرْ
فيا رُبَّ وجهٍ كصافي النميرِ
تشابهَ حامِلهُ والنّمرْ
أبا الهول،ويحكَ لا يُستق
لُ مع الدّهرِ شيءٌ ولا يُحتقرْ
تهزأتَ دهراً بديكِ الصبا
حِ فنقَّرَ عينَ فيما نقرْ
أسال البياضَ وسلَّ السّوادَ
وأوغلَ منقارُهُ في الحَفرْ
فَعُدتَ كأنّكَ ذو المحبسينِ
قطيعَ القيام،سليبَ البصرْ
كأن الرمالَ على جانبي
كَ وبينَ يديكَ ذنوبُ البشرْ

أبا الهول،أنتَ نديمُ الزما
نِ،نجيُّ الأوانِ،سميرُ العُصُرْ
بسطتَ ذراعيكَ من آدمٍ
وولّيتَ وجهكَ شطرَ الزُّمرْ
تُطلُّ على عالمٍ يسته
لُ وتُوفي على عالم مُحتَضرْ
فعينٌ إلى من بدا للوجو
دِ وأخرى مُشيّعةٌ من عبرْ
فَحَدِّثْ،فقد يُهتدى بالحدي
ثِ،وخَبِّرْ فقد يؤتى بالخبرْ
فَدعْ كلَّ طاغيةٍ للزما
نِ،فإنَّ الزمانَ يُقيمُ الصَّعرْ
فهل من يُبلّغ عنا الأصو
لَ بأنَّ الفروعَ اقتدت بالسيرْ؟
وأنا خطبنا حِسانَ العلا
وسقنا لها الغاليَ المدخرْ
وأنا ركبنا غمارَ الامو
ر،وأنا نزلنا إلى المؤتمر
بُكلِّ مبينٍ شديد اللدا
د،وكلَّ أريبٍ بعيد النظر
تطالب بالحقِّ في أمّة
جرى دَمها دونهُ وانتشرْ
ولم تفتخر بأساطيلها
ولكن بدستورها تفتخرْ
فلم يبقَ غيرُكَ من لم يحفِ
ولم يبقَ غيرُكَ من لم يطرْ
تحرّك أبا الهول،هذا الزما
نُ تحرّك ما فيهِ،حتى الحجر

أأقولُ من أحيا الجماعةَ مُلحِدٌ
وأقولُ من ردَّ الحقوقَ إباحي؟
أدُّوا إلى الغازي النصيحةَ ينتصِحْ
إنَّ الجوادَ يثوبُ بعدَ جِماحِ
إنَّ الغرورَ سقى الرئيسَ براحهِ
كيفَ احتيالُكَ في صريعِ الراحِ؟
عاد الزمانُ،فأعطى بعدما حَرما
وتابَ في أُذُنِ المحزونِ،فابتسما
والناسُ باني بناءٍ،أو مُتمِّمهُ
وثالث يتلافى منه ما انهدما
يا آل عثمانَ أبناء العمومةِ،هل
تشكون جرحاً ولا نشكو له ألما؟
إذا حزنتم حزناً في القلوبِ لكم
كالأم تحملُ من همِّ ابنها سَقما
وكم نظرنا بكم نُعمى فَجسّمها
لنا السرورُ،فكانت عندنا نِعما
ونبذلُ المال لم نُحمل عليه،كما
يقضي الكريمُ حقوقَ الأهلِ والذِمّما
صبراً على الدّهرِ إن جلّت مصائبهُ
إنَّ المصائبَ مما يُوقظُ الأمما
إذا المقاتِلُ أخلاقهم سلمتْ
فكلُّ شىءٍ على آثارها سلما
وإنما الأمم الأخلاقُ ما بقيت
فإن تولّت مضوا في إثرها قُدُما

ماضياً في الجهادِ لم تتأخر
تزن الصف أو تُقيم الرعيلا
ما تُبالي مضيت وحدك تحمي
حوزة الحقّ أم مضيتَ قبيلا
جَلَّ عن مُنشدٍ سوى الدهر يُلقي
هِ على الغابرين جيلاً فجيلا

أحمد شوقي في رثاء أمين بك الرافعي:

مال أحبابهُ خليلاً خليلا
وتولّى اللِداتُ إلا قليلا
تَضلوا أمسِ من غبارِ الليالي
مضى وحدهُ يحبُّ الرحيلا
سكنتْ منهمُ الركابُ كأن لم
تضطربْ ساعةً ولم تمضِ ميلا
طرحوا عندهُ الهمومَ وقالوا
إنّ عبءَ الحياةِ كان ثقيلا
ذكرياتٌ من الأحبّة تمحى
بيد الزمانِ تمحو الطلولا
كلُّ رسم من منزلٍ أو حبيبٍ
سوفَ يمشي البِلى عليهِ مُحيلا
رُبَّ ثكل أساك من قرحة الثكل
ورزءٍ نسّاكَ رزءاً جليلا
يا بناتِ القريضِ قُمن مناحا
تٍ وأرسلن لوعةً وعويلا
إنّ دمعاً تذرفن إثرَ رفاقي
سوف يبكي به الخليلُ الخليلا
رُبَّ يومٍ يُناحُ فيهِ علينا
لو نحسُّ النواحَ والترتيلا
بِمراثٍ كتبنَ بالدمع عنا
أسطراً من جوىً وأخرى غليلا
يجدُ القائلونَ فيها المعاني
يوم لا يأذنُ البِلى أن نقولا
أخذ الموت من يدِّ الحقِّ سيفاً
خالديِّ الغرارِ عضباً صقيلا
من سيوفِ الجهادِ فولاذه الح
قّ فهل كان قينه جبريلا؟
رُبَّ قلبٍ أصارهُ الخُلقُ ضِرغا
ماً وصدرٍ أصارهُ الحقُّ غيلا
جاعَ حيناً فكان كالليثِ أبى
ما تلاقيهِ يوم جوعٍ هزيلا
تأكلُ الهرةُ الصغار إذا جا
عت ولا تأكلُ اللباةُ الشبولا
عاشَ لم يغتبِ الرجال ولم يجع
لْ شؤونَ النفوسِ قالاً وقيلا

أما الخلافة فهي حائط بيتكم
حتى تبين الحشر عن أهوالهِ
لا تسمعوا للمرجفينَ وجهلهم
فمصيبةُ الإسلام من جُهّالهِ
شوقي في رثاء أبيه:

سألوني لمَ لم أرثِ أبي
ورثاءُ الأبِ دَينٌ أيُّ دين
أيُّها اللُوامُ ما أظلمكم
أينَ لي العقلُ الذي يُسعدُ أين
يا أبي ما أنتَ في ذا أوّلٌ
كلُّ نفسٍ للمنايا فرضُ عين
هلكت قبلكَ ناسٌ وقُرى
ونعى الناعونَ خيرَ الثِقلين
غايةُ المرءِ وإن طالَ المدى
آخذٌ يأخذهُ بالأصغرين
وطبيبٌ يتولّى عاجزاً
نافضاً من طِبَّهُ خُفَّي حُنين
إنَّ للموتِ يداً إن ضربت
أوشكت تصدعُ شملَ الفرقدين
تنفذُ الجوَّ على عِقبانهِ
وتُلاقي الليثَ بين الجبلين
وتَحُطُّ الفرخَ من أيكتهِ
وتنالُ البَبغا في المئتين
أنا من ماتَ ومن ماتَ أنا
لقيَ الموتَ كلانا مرتين
نحنُ كنّا مُهجةً في بدنٍ
ثمَّ نُلقى جُثةً في كفنين
ثمَّ نحيا في عليٍّ بعدنا
وبهِ نُبعثُ أولى البعثتين
انظرِ الكونَ وقلْ في وصفهِ
كلُّ هذا أصلهُ من أبوين
فإذا ما قيلَ ما أصلُهما
قلْ هما الرحمةُ في مرحمتين
فقدا الجنةَ في إيجادنا
ونَعمنا منهما في جنتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضبا
وهما الصفحُ لنا مُسترضِيين

ليت شِعري أيُّ حيٍّ لم يَدِن
وقفَ الله بنا حيثُ هما
بالذي دانا بهِ مُبتدأين
وأماتَ الرُسلَ إلا الوالدين
ما أبي إلا أخٌ فارقتهُ
طالما قُمنا إلى مائدةٍ
وُدُّهُ الصدقُ وودُّ الناسِ مَين
كانتِ الكِسرةُ فيها كِسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ
وغسلنا بعدَ ذا فيهِ اليدين
وتمشّينا يدي في يده
من رآنا قالَ عنا أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرةً
سَوّتِ الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مرّةٌ
لا تذوقُ النفسُ منها مرّتين
كيفَ كانت ساعةٌ قضّيتها أشرِبتَ الموتَ فيها جُرعةً
كلُّ شىءٍ قبلها أو بعدُ هين أم شربتَ الموتَ فيها جُرعتين
لا تخفْ بعدكَ حزناً أو بُكاً أنتَ قد علمتني تركَ الاسى
جمدتْ منّي ومنكَ اليومَ عين كلُّ زَينٍ مُنتهاهُ الموتُ شَين
ليتَ شعري هل لنا أن نلتقي
مرّةً أم ذا افتراقُ الملَوين
وإذا متُّ وأودعتُ الثرى
أنلقى حفرةً أو حفرتين

فإن شئت فامضِ وإن شئت دَعْ
فأنت الحقوقُ وميزانها
أرادَ الله بالفقراءِ بِراً
وبالأيتامِ حُبّاً وارتبابا
فَرُبَّ صغيرِ قومٍ علّموه
سما وحمى المُسوِّمةَ العِرابا
وكان لقومه نفعاً وفخراً
ولو تركوهُ كان أذىً وعابا
فَعلّم ما استطعت،لعلَّ جيلاً
سيأتي يُحدثُ العجبَ العُجابا
ولا تُرهق شبابَ الحيِّ يأساً
فإن اليأسَ يخترِمُ الشبابا
يريدُ الخالقُ الرزقَ اشتراكاً
وإن يكُ خصَّ أقواماً وحابى
فما حرمَ المُجدَّ جنى يديه
ولا نسيَ الشقيَّ،ولا المُصابا
ولولا البخلُ لم يهلِك فريقٌ
على الأقدارِ تلقاهم غضابا
تعبتُ بأهلهِ لوماً،وقبلي
دُعاةُ البِرِّ قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبتُ على جمادٍ
فجّرتُ به الينابيعَ العِذابا
وسوّى الله بينكمُ المنايا
ووسّدكم مع الرسلِ الترابا

بنيتَ لهم من الأخلاقِ ركناً
فخانوا الركن،فانهدمَ اضطرابا
فلولاها لساوى الليثُ ذئباً
وساوى الصارمُ الماضي قِرابا
فإن قُرنت مكارِمها بعلمٍ
تذلّلتِ العلا بهما صعابا
وفي هذا الزمانُ مسيخُ علم
يرد على نبي الأمم الشبابا
علّمتَ يوناناً ومصرَ،فزالتا
عن كلِّ شمسٍ ما تريدُ أُفولا
واليومَ أصبحتا بحالِ طُفولةٍ
في العلم،تلتمسانهُ تطفيلا
يا أرضُ،مذ فقدَ المعلّمُ ؤنفسَهُ
بين الشموسِ وبينَ شرقك حيلا
ذهب الذينَ حَموا حقيقةَ علمهم
واستعذبوا فيها العذابَ وبيلا
في عالمٍ صحبَ الحياةَ مقيداً
بالفردِ،مخزوماً بهِ،مغلولا
صرعتهُ دنيا المستبد،كما هوت
من ضربةِ الشمسِ الرؤوسُ ذُهولا
الجهلُ لا تحيا عليهِ جماعةٌ
كيفَ الحياةُ على يدي عزريلا؟
ربّوا على الإنصافِ فتيان الحِمى
تجدوهمُ كهفَ الحقوقِ كهولا
فهو الذي يبني الطباعَ قويمةً
وهو الذي يبني النفوسَ عدولا
ويُقيمُ منطقَ كلِّ أعوجِ منطقٍ
ويُريهِ رأياً في الأمورِ أصيلا
وإذا المُعلّمُ لم يكن عدلاً،مشى
روحُ العدالةِ في الشّبابِ ضئيلا
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يده البصائرُ حُولا
وإذا أتى الإرشادُ من سبب الهوى
ومن الغرورِ ،فَسّمهِ التضليلا
قُلْ للشباب:اليومَ بُورِكَ غرسكُم
دنت القطوفُ،وذُللّت تذليلا
حيّوا من الشهداءِ كلَّ مُغيّبٍ
وضعوا على أحجارهِ إكليلا
ليكونَ حظُّ الحيِّ من شُكرانكم
جمّاً،وحظُّ الميتِ منه جزيلا
إنَّ المقصّرَ قد يحولُ ،ولن ترى
لجهالةِ الطبعِ الغبيِّ محيلا
فَلُربَّ قولٍ في الرجالِ سمعتُمُ
ثم انقضى،فكأنّهُ ما قيلا
ولكم نصرتم بالكرامة والهوى
من كان عندكمُ هو المخذولا
ما أبعدَ الغاياتِ إلا أنني
أجدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيلا
فَكِلوا إلى الله النجاحَ،وثابروا
فاللهُ خيرٌ كافلاً ووكيلا




كم نستعيرُ الآخرين ونجتدي
هيهات
!
ما للعاريات دوامُ
وقال: صافي الأديم،أغرَّ،أبلجَ لم يزدْ
في الشّيبِ غيرَ جلالةٍ ورُواءِ
مُتَجّنبِ الخيلاءِ إلا عزّةً
في العزِّ حسنٌ ليسَ في الخيلاء
عفِّ السرائر والملاحظ والخُطا
نزِهِ الخلائقِ طاهرِ الأهواء
مُتدرِّعٍ صبرَ الكرامِ على الأذى
إنَّ الكرامَ مشاغلُ السفهاءِ

يا من أراني الدهرُ صحّةَ ودّهِ
والودُّ في الدنيا حديثٌ مفترى
وسمعتُ بالخُلُقِ العظيم روايةً
فأراني الخلقَ العظيمَ مُصوّراً
أخا الدنيا أرى دُنياكَ أفعى
تُبدّلُ كلّ آونة إهابا
وإنَّ الرُّقطَ أيقظ هاجعات
وأترع في ظلالِ السلم نابا
ومن عجبٍ تُشيب عاشقيها
وتفنيهم،وما برحت كِعابا
فمن يغترّ بالدنيا فإني
لبستُ بها فأبليتُ الشّبابا
لها ضحِكُ القيان إلى غبي
ولي ضحكُ اللبيبِ إذا تغابى
جنيتُ بروضها ورداً وشوكاً
وذقتُ بكأسها شهداً وصابا
فلم أرَ غير حُكم الله حكماً
ولم أرَ دونَ بابِ الله بابا
ولا عظّمتُ في الأشياءِ إلا
صحيحَ العلم،والأدب اللبابا
ولا كرّمتُ إلا وجه حر
يُقلد قومه المنن الرِغابا
ولم أرَ مثل جمع المالِ داء
ولا مثل البخيل به مُصابا
فلا تقتُلكَ شهوته ،وزنها
كما تزِن الطعام أو الشرابا
وخُذْ لِبنيكَ والأيام ذُخراً
وأعطِ الله حصتهُ احتسابا
فلو طالعتَ أحداثَ الليالي
وجدتَ الفقرَ أقربها انتيابا
وإنّ البرّ خير في حياة
وأبقى بعد صاحبهِ ثوابا
وإنَّ الشرَّ يصدع فاعليه
ولم أرَ خيراً بالشرِّ آبا
فرفقاً بالبنينِ إذا الليالي
على الأعقابِ أوقعت العقابا
ولم يتقلدوا شكرَ اليتامى
ولا ادّرعوا الدعاءَ المُستجابا
عجبتُ لِمعشرٍ صلّوا وصاموا
ظواهرَ خشيّة وتقىً كِذابا
وتلفيهم حيالَ المالِ صُمّاً
إذا داعي الزكاةِ بهم أهابا
لقد كتموا نصيب الله منه
كأنَّ الله لم يُحصِ النصابا
ومن يعدل بِحبِّ الله شيئاً
كُحُبِّ المال،ضلَ هوىً وخابا
أراد الله بالفقراءِ براً
وبالأيتامِ حبّاً وارتيابا
فَرُبَّ صغير قوم علّموهُ
سما وحمى المسّومة العرابا
وكان لقومهِ نفعاً وفخراً
ولو تركوهُ كانَ أذى وعابا
فَعلِّمْ ما استطعت،لعلّ جيلاً
سيأتي يُحدث العجب العجابا
ولا تُرهق شبابَ الحيِّ يأساً
فإنّ اليأسَ يخترمُ الشّبابا
ولولا البخلُ لم يهلك فريقٌ
على الأقدارِ تلقاهم غضابا
تعبت بأهله لوماً،وقبلي
دعاةُ البرِّ قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبتُ على جماد
فجرّتُ به الينابيعَ العِذابا
ألم ترَ للهواء جرى فأفضى
إلى الأكواخِ واخترقَ القبابا
وأن الشمسَ في الآفاقِ تغشى
حِمى كسرى كما تغشى اليبابا
وأنَّ الماءَ تروى الأُسد منه
ويشفي من تلعلعها الكِلابا
أحمد شوقي الثعلب والديك“:

برز الثعلب يوماً
في شعار الواعظينا
فمشى في الأرضِ يهذي
ويسبّ الماكرينا
ويقول الحمد لله
إله العالمينا
يا عباد الله توبوا
فهو كهف التائبينا
وازهدوا في الطير إن
العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن
لصلاة الصبحِ فينا
فأتى الديك رسول
من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه
وهو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عُذراً
يا أضلَّ المهتدينا
بلّغ الثعلب عني
عن جدودي الصالحينا
عن ذوي التيجان ممن
دخل البطن اللعينا
إنهم قالوا وخير القول
قول العارفينا
مُخطىء من ظنَّ يوماً
أنَّ للثعلبِ دينا
أحمد شوقي:

نُراوِحُ بالحوادثِ،أو نُعادى
وننكرها،ونُعطيها القِيادا
ونحمدها وما رعتِ الضحايا
ولا جزتِ المواقفَ والجهادا
لحاها الله،باعتنا خيالاً
من الأحلامِ،واشترتِ اتحادا
مشينا أمسِ نلقاها جميعاً
ونحنُ اليوم نلقاها فُرادى
تُلاقينا،فلا نجدُ الصياصي
ونلقاها ،فلا نجدُ العتادا
ومن لقيَ السّباعَ بغير ظفرٍ
ولا نابٍ تمزّقَ أو تفادى
خفضنا من عُلُوِّ الحقِّ حتى
توهمنا السيادة أن نُسادا
ولمّا لم ننلْ للسيفِ ردّاً
تنازعنا الحمائلَ والنجادا
وأقبلنا على أقوالِ زورٍ
تجىءُ الغَيِّ تقلبهُ رشادا
ولو عُدنا إليها بعد قرنٍ
رَحمنا الطِّرسَ منها والمِدادا
وكم سحرٍ سمعنا منذُ حينٍ
تضاءلَ بين أعيننا ونادى
هنيئاً للعدوِّ بكلِّ أرضٍ
إذا هو حلَّ في بلدٍ تعادى
وبُعداً للسيادةِ والمعالي
إذا قطعَ القرابةَ والوِدادا
ورُبَّ حقيقةٍ لا بُدَّ منها
خدعنا النشءَ عنها والسّوادا
ولو طلعوا عليها عالجوها
بِهمّةِ أنفسٍ عظُمتْ مُرادا
تُعِدُّ لحادثِ الأيامِ صَبراً
وآونةً تُعِدُّ له عِنادا
لمحنا الحظَّ ناحيةً،فلما
بلغناها أحسَّ بنا،فحادا
وليسَ الحظُّ إلا عبقريّاً
يحبُّ الأريحيّةَ،والسّدادا
ونحنُ بنو زمانٍ حُوَّلى
تَنقَّلَ تاجراً،ومشى ورادا
إذا قعد العبادُ له بسوقٍ
شرى في السوق،أو باع العِبادا
وتعجبهُ العواطِفُ في كتابٍ
وفي دمعِ المُشَخِّصِ ما أجادا
فيا داراً من الهِممِ العوالي
سُقيتِ التبرَ،لا أرضى العهاد
ولا تُرجى المتانةُ في بناءٍ
إذا البنَّاءُ لم يُعطِ اتئادا
ولم يَبْعُدْ على نفسٍ مرامٌ
إذا ركبتْ له الهِمم البعادا
ولم أرَ بعد قدرتهِ تعالى
كَمقدرةِ ابنِ آدمَ إن أرادا
جرى والناسُ في ريب وشك
يرومُ السَّبقَ،فاخترقَ الجيادا
وعُوديَ دونها حتى بناها
ومن شأنِ المُجدِّدِ أن يُعادى
يهونُ الكيدُ من أعدى عدوٍّ
عليكَ إذا الوليُّ من سعى وكادا

ليضيفَ شاهدهم إلى أيامه
ويرى ويسمع كيفَ عادَ حقيقةً
يوماً أغرَّ مُلّمحَ الأعلام
ما كانَ ممُتنعاً على الأوهام
عبستْ إلينا الحادثاتُ،وطالما
نزلتْ فلم نُغلبْ على الأحلام
وثبتْ بقومٍ يضمدون جراحهم
ويُرَقِّدونَ نوازيَ الآلامِ
الحقُّ كلُّ سلاحِهم وكفاحهم
والحقُّ نِعمَ مُثّبتُ الأقدام
أين الوفودُ المُلتقونَ على القِرى
المنزلونَ منازلَ الإكرامِ
الوارثونَ القُدْسَ عن أحبارهِ
والخالفونَ أُميّةً في الشام؟
الحاملو الفُصحى ونورِ بيانِها
يبنونَ فيه حضارةَ الإسلام؟
تاقوا إلى أوطانهم فتحملّوا
وهوى الديار وراءَ كل غرام
ما ضرَّ لو حبسوا الركائبَ ساعةً
وثنوا إلى الفُسطاطِ فضلَ زِمام؟



شوقي مخاطباً هوغو:

الحالُ باقية كما صورتها
من عهدِ آدم ما بها تغيير
البؤس والنعمى على حاليهما
والحظ يعدل تارة ويجور
ومن القوي على الضعيفِ سيطر
والنفس عاكفة على شهواتها
ومن الغني على الفقيرِ أمير
تأوي إلى أحقادها وتثور
والعيش آمال تجد وتنقضي
والموتُ أصدق والحياة غرور
ويكادونَ من طربٍ لعادته الندى
يَنسَلُّ للفقراءِ من أثوابه
الطيّبُ ابنُ الطيّبينَ،وربما
نضح الفتى فأبان عن أحسابه
أبداً يراهُ الله في غَلسِ الدُّجى ويرى اليتامى لائذينَ بِظلّهِ
من صحنِ مسجده،وحول كتابه ويرى الأراملَ يعتصمنَ ببابه
ويراهُ قد أدّى الحقوقَ جميعها
لم ينسَ منها غيرَ حقِّ شبابه

أوفى الرجالِ لعهدهِ ولرأيهِ
وأبرّهم بصديقهِ والجار
وأشدّهم صبراً لمعتقداتهِ
وتأدباً لمجادلٍ وممارى
يسقى القرائحَ هادئاً مُتواضعاً
كالجدولِ المُترقرقِ المتواري
لبّى أذانَ الصُّلحِ أولَ قائمٍ
والصلحُ خمس قواعدِ الإصلاحِ
سبقَ الرجالَ مُصافحاً ومُعانقاً
يمنى السّماحِ وهيكلَ الإسجاحِ
حلوُ السّجيّةِ في قناةٍ مُرّةٍ
ثمِلُ الشمائلِ في وقارٍ صاح

يُظهِرُ المدحُ رونقَ الرجلِ الما
جدِ كالسيفِ يزدهي بالصقالِ
رُبَّ مدحٍ أذاعَ في الناسِ فضلاً
وأتاهم بقدوةٍ ومثالِ
وثناء على فتى عَمَّ قوماً
قيمةُ العقدِ حُسنُ بعضِ الآلي
مَثلُ القومِ نَسوا تاريخَهُم
كلقيطٍ عَيَّ في الناسِ انتسابا
أو كمغلوبٍ على ذاكرةٍ
يشتكي من صِلةِ الماضي انتضابا

ما كانَ قُساً ولا زياداً
ولا بسحرِ البيانِ جاءَ
لكن إذا قامَ قالَ صِدقاً
وجانبَ الزُّورَ والرّياءَ
سلِ العصر والأيام والناس:هل
نبا لرأيك فيهم أو لسيفكَ مضرَبُ
يقودُ سراياها،ويحمي لواءها
حوائر،مايدرون ماذا تخرّب؟

ما باتَ يُثني على علياكَ إنسانُ
إلا وأنتَ لعينِ الدّهرِ إنسانُ
وما تَهللّتَ إذ وافاك ذو أملٍ
إلا وأدهشهُ حُسنٌ وإحسانُ
لله ساحتُكَ المسعودُ قاصدُها
فإنّما ظلّها أمن وإيمانُ
فتىً عافَ المشارِبَ من دنايا
وصانَ عن القذى ماءَ المُحيّا
أبيُّ النفسِ في زمن إذا ما
عجمتَ بنيهِ لم تجد الأبيّا

تعود أن يراهُ الناسُ رأساً
وليسَ يرونهُ الذنبَ الذنبا

أحمد شوقي في نجاة السلطان العثماني:

بأيِّ فؤاد تلتقي الهول ثابتاً
وما لقلوبِ العالمينَ ثبات؟
إذا زلزلت من حولك الأرض رادها
وقارك حتى تسكن الجنبات
وإن خرجت نار فكانت جهنماً
تغذي بأجساد الورى وتقات
وترتجّ منها لجّة ومدينة
وتصلى نواح حرّها وجهات
تمشيت في برد الخليل فخضتها وسرت وملء الأرض حولك أدرع
سلاماً وبرداً حولك الغمرات ودرعكَ قلب خاشع وصلاة
ضحوكاً وأصناف المنايا عوابس يحوطكَ أن خان الحماة انتباههم
وقوراً وأنواع الحتوف .. ملأتك من عند الإله حماة.
تشير بوجه أحمدي منوّر
عيون البرايا فيه منحسرات
يحيى الرعايا والقضاء مهلل
يحييه والأقدار معتذرات

شوقي:

وأُفّ على العلم الذي تدعونه
إذا كانَ في علمِ النفوسِ رداها

فآمنتُ بالله الذي عزَّ شأنه
وآمنتُ بالعلمِ الذي عزّ طالبه
أيطلبُ المجدَ ويبغي العلا
قومٌ لسوقِ العلم فيهم كساد؟

تركُ النفوسِ بلا علمٍ ولا أدبٍ
تركُ المريضِ بلا طبٍّ ولا آسِ
عرفتُ القبورَ بِعَرفِ الرّياحِ
ودلَّ على نفسهِ الموضعُ
كَثكلى تلمسُ قبرَ ابنها
إلى القبرِ من نفسها تُدفَعُ
هداها خيالُ ابنها فاهتدتْ
وليلى الخيال الذي أتبعُ
لنا الله يا قلبُ،ليلاك
لا تُجيبُ وليلايَ لا تسمعُ
فُجعنا بليلى ولم نكُ نحسبُ
يا قلبُ أنا بها نُفجعُ

فلا خيرَ في الحبِّ حتى يذيع
ولا خيرَ في الزّهرِ حتى ينمّ
ودعوا التفاخرَ بالتراثِ وإن غلا
فالمجدُ كسب والزمانُ عصام
إنَّ الغرورَ إذا تملّكَ أمّة
كالزهرِ يخفى الموت وهو زؤام

بذلَ الجهودَ الصالحات عصابة
لا يسألونَ عن الجهودِ جزاء
دفعوا العوائقَ بالثباتِ وجاوزوا
ما سُرَّ من قدر الأمورِ وساء
إن التعاون قوّةٌ علويةٌ
تبني الرجالَ وتُبدعُ الأشياء
لا تكونوا السّيلَ جهماً خشناً
كُلّما عبر وكونوا السلسبيل
رُبَّ عين سمحة خاشعة
روت العشب ولم تنس النخيل

يَجلُّ الخطبُ في رجلٍ جليلٍ
وتكبرُ في الكبيرِ النائباتُ
وليسَ الميتُ تبكيه بلادٌ
كمن تبكي عليه النائحاتُ
بالعلمِ والمالِ يبني الناسُ مُلكهمُ
لم يُبنَ مُلْكٌ على جهلٍ وإقلالِ

ومن يستعنْ في أمرهِ غيرَ نفسهِ
يخنهُ الرفيقُ العون في المسلكِ الوعرِ
ولم أرَ مثلَ جمعِ المالِ داءً
ولا مثلَ البخيلِ به مصابا
فلا تقتُلكَ شهوتهُ،وزِنها
كما تزنُ الطعامَ أو الشرابا

لا تعشق الأذان إلا نغمة
كانت عليهم في المهودِ تُدارُ
وحوادثُ تجري لغايتها غدا
ولكلِّ جارٍ غايةٌ وقرار
ومدارسٍ لا تنهضُ الأخلا
قَ دراسةِ الرسومِ
يمشي الفسادُ بينها
مشي الشرارةِ بالهشيمِ

الأسد تزأرُ في الحديد ولن ترى
في السجنِ ضرغاماً بكى استخذاءَ
وسوّى الله بينكمُ المنايا
ووسدّكم مع الرسلِ الترابا

شرُّ الحكومةِ أن يُساسَ بواحدٍ
في المُلكِ أقوامٌ عِدادُ رمالهِ
أما الخلافة فهي حائط بيتكم
حتى يُبينَ الحشرُ عن أهوالهِ
أخذِتْ بحدِّ المشرفيِّ وحازها
لكم القنا بقصارهِ وطوالهِ
وما اعتراضُ الحظِّ دونَ المُنى
من هفوةِ المحسنِ أو ذنبهِ

فَبينا سبيلُ القومِ أمنٌ إلى المُنى
إذا هوَ خوفٌ في الظنونِ مذاهبه


ينالُ باللينِ الفتى بعضَ ما
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبهِ
فإن أنستمُ فليكن أنسكم
في الصبرِ للدهرِ وفي عتبهِ
وفي احتشامِ الأُسدِ دونَ القذى
إذا هيَ اضطرت إلى شربهِ

ولا عظّمتُ في الأشياءِ إلا
صحيحَ العلمِ والأدب اللبابا
ولا كرّمتُ إلا وجهَ حرٍّ
يُقلّدُ قومهُ المننَ الرغابا

لا تثبتُ العينُ شيئاً أو تُحققهُ
إذا تحيّرَ فيها الدمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلمُ في عينيكَ ناصعهُ
إذا سدلتَ عليكَ الشّكَ والريبا
إذا طلبتَ عظيماً فاصبرنَّ لهُ
أو فاحشدنَّ رماحَ الخطِّ والقُضبا
ولا تُعِدَّ صغيراتِ الأمورِ لهُ
إنَّ الصغائرَ ليست للعلا أُهبا
ولن ترى صُحبةً تُرضي عواقبُها
كالحقِّ والصّبرِ في أمرٍ إذا اصطحبا

يا مصرُ أشبال العرينِ ترعرعت
ومشت إليك من السجونِ أسودا
قاضي السياسة نالهم بعقابهِ
خشنَ الحكومة في الشباب عنيدا
أتتِ الحوادثُ دونَ عقدِ قضائه
فانهارَ بينه ودُكَ شهيدا

كم صَعَّبَ اليومُ من سهلٍ هَممتَ بهِ
وسهّلَ الغدُ في الأشياءِ ما صَعُبا
ضُموا الجهودَ وخلوها منكرةً
لا تملؤوا الشّدق من تعريفها عجبا

لا تسمعوا للمُرجفينَ وجهلهم
فمصيبةُ الإسلامِ من جُهّالهِ
طمعُ القريبِ أو البعيدِ بنيلها
طمعُ الفتى من دهرهِ بمحالهِ
ما الذئبُ مُجترئاً على ليثِ الشّرى
في الغالبِ مُعتدياً على أشبالهِ
بأضلَّ عقلاً وهيَ في أيمانكم
ممن يُحاولُ آخذها بشمالهِ

كُلّما هَمَّ مجدُهُ بزوالِ
قام فحلٌ فحالَ دونَ الزوال

يا فتيّة النيلِ السعيدِ خذوا المدى
واستأنفوا نفسَ الجهادِ مديدا
وتنكّبوا العدوانَ واجتنبوا الأذى
وقِفوا بمصرَ الموقفَ المحمودا

فَعفواً أميرَ المؤمنين لأمّةٍ
دعتْ قادراً ما زالَ في العفوِ يرغبُ
ضربتَ على آمالها ومآلها
وأنتَ على استقلالها اليوم تضربُ
إذا خانَ عبدُ السوءِ مولاهُ مُعتقاً
فما يفعلُ الكريمُ المُهذبُ

إذا لم يسترِ الأدبُ الغواني
فلا يُغني الحريرُ ولا الدّمقسُ

اليوم أصعدُ دون قبركَ منبراً
وأقلد الدنيا رثاءَكَ جوهرا

شوقي:
يرثي فوزي الغزي واضع الدستور في سوريا:
يا واضعَ الدستور أمسى كَخلقه
ما فيهِ من عوج ولا هو ضيّق
نظم من الشورى وحكم راشد
أدب الحضارة فيهما والمنطق
يا

فوز

تلك دمشق خلف سوادها
ترمي مكانك بالعيون وترمق
ذكرت ليالي بدرها فتلفتت
فعساك تطلع أو لعلك تشرق
ركن الزعامة حين تطلب رأيه
فيرى وتسأله الخطاب فينطق
من مبلغٌ عني شبولة جِلّق
قولاً يمرّ على الزمان ويصدقُ
بالله جلّ جلاله ،بمحمد،
بيسوع،

بالغزي

لا تتفرّقوا


سلامي عن هذا المقام مُقصّر
عليكَ سلامُ الله والبركات


أيها البحرُ ألقِّ في مصرَ
أملاحكَ حتى تُرابُها يتسبّخْ
كلُّ من ضاقتِ الحياة عليهِ
جاءَ مصراً وباضَ فيها وفرّخْ

قوّةُ الله إن تولّت ضعيفاً
تعبتْ في مراسهِ الأقوياء

واعلمْ أن الغدرَ في الناسِ شائعٌ
وأنَّ خليلَ الغانياتِ مُضيّعُ

إنَّ المُقصّرَ قد يحولُ ولن ترى
لجهالة الطبعِ الغبيِّ محيلا

سُلّتْ سيوفُ الحيِّ إلا واحداً
إفرندهُ في جفنهِ يحميكِ
جردتهُ في غيرِ حقّ كالألى
سلوا سيوفهمُ على أهليكِ
والحربُ لا عقل لها فتسومها
ما ينبغي من خطّةٍ وسلوكِ
دكت حصون القومِ إلا معقلاً
من نخوةٍ وحميةٍ وفتوكِ
وإذا احتمى الأقوام باستقلالهم
لاذوا بركن ليس بالمدكوكِ

وإن هَمَّ بالعفوِ الكريمِ رجاؤُهم
فمن كرمِ الأخلاقِ أن لا يُخيّبوا

وخذ لبنيكَ والأيامُ ذخراً
وأعطِ الله حصّتهُ احتسابا
فلو طالعت أحداث الليالي
وجدتَ الفقرَ أقربها انتيابا

ولا تضربنَّ بالرأي مُنحلَّ مُلكهمْ
فما يفعلُ المولى الكريمُ المُهذّبُ
لقد فنيت أرزاقُهم ورجالهم
وليسَ بفانٍ طيشهم والتقلُّبُ
فإن يجدوا للنفسِ بالعودِ راحة
فقد يشتهي الموتَ المريضُ المُعذّبُ
وإن همَّ بالعفوِ الكريم رجاؤُهم
فمن كرمِ الأخلاقِ أن لا يخيبوا
فما زلتَ جارَ البرِّ والسيدَ الذي
إلى فضلهِ من عدلهِ الجارُ يهربُ


إنما العاقلُ من يجعلُ
للدهرِ حسابا
فاذكروا يومَ مشيبٍ
فيهِ تبكون الشّبابا
إنَّ للسِنِّ لهماً
حين تعلو وعذابا
فاجعلوا من مالكم
للشيبِ والضعفِ نصابا
واذكروا في الصحة الداءَ
إذا ما السقمُ نابا
واجمعوا المالَ ليومٍ
فيهِ تلقونَ اغتصابا
قد دعاكم ذنبَ الهينةِ
داعٍ فأصابا
هي طاووسٌ وهل أحسنهُ
إلا الذُّنابى

واطلبا العلمَ لذاتِ العلمِ لا
لشهاداتٍ وآرابٍ أُخر
كم غُلامٍ خاملٍ في درسهِ
صارَ بحر العلم أستاذ العُصُر
ومُجدٍّ فيهِ أمسى خاملاً
ليسَ فيمن غابَ أو فيمن حضر


إنَّ الشبابَ غدٌ فليهدهم لغدٍ
وللمسالكِ فيهِ الناصحُ الورِعُ
لا يمنعنكمُ برُّ الأُبوّةِ أن
يكونَ صُنعكمْ غير الذي صنعوا
لا يُعجبنكم الجاهُ الذي بلغوا
من الولايةٍ والمالُ الذي جمعوا
عليكم بخيال المجد فالتفوا
حيالهُ وعلى تمثاله اجتمعوا
وأجملوا الصبرَ في جدٍّ وفي عملٍ
فالصبرُ ينفعُ ما لا ينفعُ الجزعُ
وإن نبغتم ففي علمٍ وفي أدبٍ
وفي صناعاتِ عصرٍ ناسهُ صُنعُ

وليسَ بالفاضلِ في نفسهِ
من يُنكرُ الفضلَ على ربّهِ
ما بالُ قومي اختلفوا بينَهُم
في مِدحةِ المشروعِ أو ثلبهِ
كأنّهم أسرى أحاديثهم
في ليِّن القيدِ أو في صُلبهِ

لا تبذلوا بُردَ النبيِّ لعاجزٍ
عُزُلٍ يُدافعُ دونهُ بالراحِ
بالأمسِ أوهى المسلمينَ جراحةً
واليومَ مدَّ لهم يدَ الجراحِ
فلتسمعُنَّ بكلِّ أرض داعياً
يدعو إلى الكذّابِ أو لِسجاحِ
ولتشهدنَّ بكلِّ أرض فتنةٍ
فيها يُباعُ تالدينُ بيعَ سَماحِ
يُفتى على ذهبِ المُعزِّ وسيفهِ

رُبَّ واهي الجأشِ فيهِ قَصَفٌ
ماتَ بالجُبنِ وأودى بالحذر
لامهُ الناسُ وما أظلمهمْ
وقليلٌ من تغاضى أو عذرْ
ولقد أبلاكَ عُذراً حسناً
مُرتدي الأكفانِ مُلقىً في الحُفرْ

قال ناسٌ صرعةٌ من قدر
وقديماً ظلم الناسُ القدر
ويقولُ الطبُّ بل من جَنّةٍ
ورأيتُ العقلَ في الناسِ ندرْ
ويقولونَ جفاءٌ راعَهُ
من أبٍ أغلظَ قلباً من حجرْ
وامتحانٌ صعبتهُ وطأةٌ
شدّها في العلمِ أستاذٌ نكرْ

كلٌّ يصيدُ الليثَ وهوَ مُقيّدٌ
ويَعزُّ صيدَ الضيغمِ المفكوكِ

ويا ربِّ هل تُغني عن العبدِ حَجّةٌ
وفي العمرِ ما فيهِ من الهفواتِ
وتشهدُ ما آذيتُ نفساً ولم أضر
ولم أبغِ في جهري ولا خطراتي
ولا غلبتني شِقوةٌ أو سعادةٌ
على حكمةٍ آتيتني وآناةِ
ولا جالَ إلا الخيرُ بين سرائري
لدى سُدّةٍ خيريّةِ الرغباتِ
ولا بتُّ إلا كابنِ مريمَ مُشفقاً
على حُسّدي مستغفراً لِعداتي
ولا حُملّت نفسٌ هوى لبلادها
كنفسي في فعلي وفي نفثاتي
وهوى النفوس وحقدها الملحاحِ

تعبتُ بأهلهِ لوماً وقبلي
دُعاةُ البرِّ قد سئموا الخطابا
ولو أني خطبتُ على جمادٍ
فجرتُ بهِ الينابيعَ العذابا

نما الوُدُّ حتى مهّدَ السُبلَ للهوى
فما في سبيلِ الوصل ما يُتصّعبُ

وما هيَ إلا دعوةٌ وإجابةٌ
إن التحمت والحربُ بكرٌ وتغلِبُ

وهل يستوي القِرنانُ هذا مُنعَّمٌ
عزيزٌ وهذا ذو تجاريبَ قُلّبُ

فما في القوى أنَّ السماواتِ تُرتقى
بجيشٍ وأنَّ النجمَ يُغشى فيُغضب

وإذا سبى الفردُ المُسلّطُ مجلساً
ألفيتَ أحرارَ الرجالِ عبيدا
ورأيتَ في صدرِ النديِّ مُنوّماً
في عُصبةٍ يتحركون رُقودا

فترى الزمانَ هناكَ عند مشيبهِ
مثلَ الزمان اليومَ بعد شبابهِ
وتُحسُّ ثمَّ العلمَ عند عُبابهِ
تحت الثرى والفنُّ عند عُجابه

أسأتم وكانَ السوءُ منك إليكمُ
إلى خيرِ جارٍ عندهُ الخيرُ يُطلبُ

إذا حلِمتَ فالشرُّ وسنانُ حالمٌ
وإن غضبتَ فالشرُّ يقظانُ مُغضبُ

تقضي السياسةُ غير مالكةٍ لما
حكمتَ بهِ نقضاً ولا توكيدا

مجدُ الأمورِ زوالهُ في زلّةٍ
لا ترجُ لإسمكَ بالأمور خلودا

الأرضُ أليقُ منزلاً بجماعةٍ
يبغونَ أسبابَ السماءِ قُعودا

رمى واستردَّ السهمَ والخلقُ غافل
فهل يتقيهِ خلَقُهُ أو يُراقبه

إلى ذي انتقامٍ لا ينامُ غريمهُ
ولو أنّهُ شخصُ المنامِ المُحَجّبُ
شقيتُم بها من حيلةٍ مُستحيلةٍ
وأينَ من المحتالِ عنقاءُ مُغرِبُ
فلولا سيوفُ التركِ جَرّبَ غيرُكم
ولكن من الأشياءِ ما لا يُجرّبُ

قد أسقطَ الطفرةَ في مُلكهِ
من ليسَ بالعاجزِ عن قلبهِ
يا رُبَّ قيدٍ لا تُحبونَهُ
زمانكم لم يتقيّد بهِ
ومطلبٍ في الظنِّ مُستبعدٍ
كالصُبحِ للناظرِ في قُربهِ
واليأسُ لا يَجملُ من مؤمنٍ
مادامَ هذا الغيب في حُجبهِ

ليس يدري أحدٌ منكم بما
كانَ يُعطى لو تأنّى وانتظر
رُبَّ طفلٍ برّحَ البؤسُ بهِ
مُطِرَ الخيرَ فتيّاً ومَطَر
وصبيٍّ أزرتِ الدنيا بهِ
شبَّ بين العزِّ فيها والخطر
ورفيعٍ لم يُسوِّدُ أبٌّ
من أبو الشّمس ومن جَدُّ القمر
فلكٌ جارٍ ودنيا لم يَدُمْ
عندها السّعدُ ولا النحسُ استمر

رأى الفتنةَ الكبرى فوالى انهمالهُ
فبادتْ وكانت جمرة تتلّهبُ
فما زلت بالأهوال حتى اقتحمتها
وقد تُركبُ الحاجاتُ ما ليسَ يُركبُ
أخوضُ الليالي من عُبابٍ ومن دُجىً
إلى أفقٍ فيهِ الخليقةُ كوكبُ


يا قوم هذا زمنٌ قد رمى
بالقيدِ واستكبرَ عن سَحبهِ
لو أنَّ قيداً جاءَهُ من عَل
خشيتُ أن يأتي على ربّهِ
وهذه الضجةُ من ناسهِ
جنازةُ الرِقِّ إلى تُربهِ
من يخلعُ النيرَ يعشْ بُرهةً
في أثرِ الغيرِ وفي ندبهِ

إني نظرتُ إلى الشعوبِ فلم أجدْ
كالجهلِ داءً للشعوبِ مُبيدا
الجهلُ لا يلدُ الحياة مواتهُ
إلا كما تلدُ الرِمامُ الدودا
لم يخلُ من صورِ الحياةِ وإنّما
أخطأهُ عُنصرُها فماتَ وليدا

جُبنٌ أقلَّ وحطَّ من قدريهما
والمرءُ إن يجبُنْ يعش مرذولا

ومن تضحكِ الدنيا إليه فيغترر
يَمتْ كقتيلِ الغيدِ بالبسماتِ
وركبٍ كإقبالِ الزمانِ مُحجّلٍ
كريم الحواشي كابر الخطواتِ
يسيرُ بأرضٍ أخرجتْ خير أمّةٍ
وتحتَ سماء الوحي والسوراتِ
يُفيضُ عليها اليُمنَ في غدواته
ويُضفي عليها الأمنَ في الروحاتِ

يا صاحبَ الأخرى بلغت محلة
هيَ من أخي الدنيا مُناخُ رِكابه
نُزُلٌ أفاقَ بجانبيه من الهوى
من لا يُفيقُ وجدَّ من تلعابه
نامَ العدوُّ لديهِ عن أحقادهِ
وسلا الصديقُ به هوى أحبابه
الراحةُ الكبرى مِلاكُ أديمهِ
والسلوةُ الطولى قِوامُ ترابه

أدّوا إلى الغازي النصيحة ينتصحْ
إنَّ الجوادَ يثوبُ بعد جماحِ
إنَّ الغرورَ سقى الرئيسَ براحهِ
كيفَ احتيالُكَ في صريعِ الراحِ

ما رأى في العيشِ شيئاً سرَّهُ
وأخفُّ العيشَ ما ساءَ وسرّ
نزلَ العيشَ فلم ينزل سوى
شُعبةِ الهمِّ وبيداءِ الفِكر

حمدنا بلاءكم في النضالِ
وأمس حمدنا بلاءَ السلف

عالجوا الحكمةَ واستشفوا بها
وانشدوا ما ضلَّ منها في السير
واقرأوا آدابَ مَنْ قبلكم
رُبّما علّمَ حيّاً من غبرْ
واغنموا ما سخرّ الله لكم
من جمالٍ في المعاني والصور

أيها الغادون كالنحلِ
ارتياداً وطلابا
في بكورِ الطيرِ للرزقِ
مجيئاً وذهابا
اطلبوا الحقّ برفق
واجعلوا الواجبَ دابا
واستقيموا يفتح الله
لكم باباً فبابا

لا أرى الأيامَ إلا معتركاً
وأرى الصنديدَ فيه من صبرْ

يُريدُ الخالقُ الرزقَ اشتراكاً
وإن يكُ خصَّ أقواماً وحابى
فما حرمَ المُجدَّ جنى يديهِ
ولا نسيَ الشقيَّ ولا المُصابا
ولولا البخلُ لم يهلك فريقٌ
على الأقدارِ تلقاهُمُ غضابا

قُلْ للِمُدلِّ بمالهِ وبجاههِ
وبما يُجلُّ الناسُ من أنسابهِ
هذا الأديمُ يَصدُّ عن حُضّارهِ
وينامُ ملء الجفنِ عن غُيّابه
إلا فتىً يمشي عليه مُجدِّداً
ديباجتيه مُعمراً بخرابهِ

فمن يغترُّ بالدنيا فإنّي
لبستُ بها فأبليتُ الثيابا
لها ضحكُ القيان إلى غبيٍّ
ولي ضحِكُ اللبيبِ إذا تغابى
جنيتُ بروضها ورداَ وشوكاً
وذقتُ بكأسها شُهداً وصابا

فأينَ اللواءُ وربُّ اللواءِ
إمامُ الشّبابِ مثالُ الشرف
وأينَ الذي بينكمْ شِبلهُ
على غايةِ الحقّ نِعمَ الخلف
ولا بُدَّ للغرسِ من نقلهِ
إلى من تعهّدَ أو من قطف
فلا تجحدنَّ يدَ الغارسينَ
وهذا الجَنى في يديك اعترف
أولئكَ مرّوا كدودِ الحريرِ
شجاها النَفاعُ وفيهِ التلف

لا ريبَ أنَّ خُطا الآمالِ واسعةٌ
وأنَّ ليلَ سُراها صُبحهُ اقتربا
وأنَّ في راحتي مصر وصاحبها
عهداً وعقداً بحقٍّ كان مغتصبا
قد فتحَ اللهُ أبواباً لعلَّ لنا
وراءها فُسحَ الآمال والرُحبا
لولا يدُ الله لم ندفع مناكبها
ولم نعالج على مصراعها الأربا
لا تعدَمُ الهمّةُ الكبرى جوائزها
سيّان من غلبَ الأيام أو غُلبا

أو كانَ يجزيكَ الرّدى عن صُحبةٍ
وهوَ القديمُ وفاؤُهُ لصحابهِ
تاللهِ لو أهدى لك الهرمين من
ذهبٍ لكانَ اقلَّ ما تُجزى بهِ

في الموتِ ما أعيا وفي أسبابهِ
كلُّ امرىءٍ رَهنٌ بطيِّ كتابهِ
أسدٌ لَعمرُكَ من يموتُ بظفرهِ
عند اللقاءِ كمن يموتُ بنابهِ
إن نامَ عنكَ فكلُّ طبٍّ نافعٌ
أو لم ينْ فالطبُّ من أذنابهِ
داءُ النفوسِ وكلُّ داءٍ قبلهُ
هَمٌ نسينَ مجيئهُ بذهابهِ

لم يُبرمِ الأمرَ حتى يستبينَ لكم
أساءَ عاقبة أم سرَّ مُنقلبا
نِلتُمْ جليلاً ولا تُعطونَ خردلةً
إلا الذي دفعَ الدستورَ أو جلبا
تمهدّتْ عقباتٌ غيرُ هَنيّةٍ
تلقى رُكابُ السُّرى من مثلها نصبا
وأقبلتْ عقباتٌ لا يُذللها
في موقفِ الفصل إلا الشعبُ مُنتخبا
لهُ غداً رأيهُ فيها وحمتهُ
إذا تمهلَ فوقَ الشوكِ أو وثبا

يا ربِّ أمرُكَ في الممالكِ نافذٌ
والحكمُ حُكمكَ في الدمِ المسفوكِ
إن شئتَ اهرِقهُ وإن شئتَ احمهِ
هوَ لم يكن لسواكَ بالمملوكِ
واحكم بعدلكَ إنَّ عدلكَ لم يكن
بالمُمترى فيهِ ولا المشكوكِ

ولولا البرُّ لم يُبعثْ رسولٌ
ولم يحمل إلى قومٍ كتاب

إني أنا المصباحُ لستُ بضائعٍ
حتى أكونَ فراشةَ المصباحِ

إن حدّثوا نطقوا بِخرسِ كتائبٍ
أو خُوطبوا سَمعوا بِصُمِّ رماحِ
أستغفرُ الأخلاقَ لستُ بجاحدٍ
من كنتُ أدفعُ دونهُ وأُلاحي
مالي أطوّقهُ الملامَ وطالما
قلدتهُ المأثورَ من أمداحي
هو ركنُ مملكةٍ وحائط دولةٍ
وقريعُ شهباءٍ وكبشُ نطاحِ
اأقولُ من أحيا الجماعة مُلحدٌ
وأقولُ من ردَّ الحقوقَ إباحي
الحقُّ أولّى من وليّكَ حرمة
وأحقُّ منكَ بنصرةٍ وكفاحِ

وأنَّ البرَّ خيرٌ في حياةٍ
وأبقى بعد صاحبهِ ثوابا
وأنَّ الشرَّ يصدعُ فاعليهِ
ولم أرَ خيراً بالشرِّ آبا
وكلُّ سعي سيجزي اللهُ ساعيهُ
هيهاتَ يذهبُ سعيَ المحسنينَ هَبا

إن أنسَ لا أنسَ الشّبيبة والهوى
وسوالِفَ اللذاتِ في ناديكِ
وليالياً لم تدرِ أينَ عِشاؤها
من فجرها لولا صياحُ الديكِ

من سَرَّهُ ألا يموتَ فبالعُلا
خلدَ الرجالُ وبالفعالِ النابهِ
ما ماتَ من حازَ الثرى آثارهُ
واستولتِ الدنيا على آدابهِ

ألا هكذا الدنيا وذلكَ وُدُّها
فهلا تأتى في الأماني خاطبهْ

خذوا القصدَ واقتنعوا بالكفافِ
وخلّوا الفضول يَغلها السَرفُ
وروموا النبوغَ فمن نالهُ
تلقى من الحظ أسنى التُحفُ
وما الرزقُ مُجتنبٌ حِرفة
إذا الحظُّ لم يُهجرِ المحترفُ

هل كان في الوهمِ أنَّ الطيرَ يخلفها
على السماءِ لطيفُ الصُنعِ مُخترعُ
وأنّ أدراجها في الجوِّ يسلكها
جنٌ جنودُ سليمان لها تبعُ
أعيال العُقابَ مداهم في السماء وما
راموا من القبة الكبرى وما فرعوا

وراء كلّ سبيلٍ فيهما قَدَرٌ
لا تعلمُ النفسُ ما يأتي وما يدعُ
فلستَ تدري وإن كنتَ الحريصَ متى
تهبُّ ريحاهما أو يطلعُ السُبع
ولستَ تأمنُ عند الصحوِّ فاجئةً
من العواصفِ فيها الخوفُ والهلعُ
ولستَ تدري وإن قدّرتَ مُجتهداً
متى تَحطُّ رحالاً أو متى تضعُ
ولستَ تملكُ من أمرِ الدليلِ سوى
أنَّ الدليلَ وإن أرداكَ مُتّبعُ
وما الحياةُ إذا أظمت وإن خدعتْ
إلا سرابٌ على صحراءٍ يلتمعُ
وما البطولةُ إلا النفسُ تتدفعها
فيما يُبلّغها حمداً فتندفعُ
ولا يُبالي لها أهلٌ إذا وصلوا
طاحوا على جَنباتِ الحمدِ أم رجعوا

وقفتُ بها كما شاءت وشاؤوا
لها حقٌّ وللأحبابِ حقٌّ
وقوفاً علمَ الصبرَ الذهابا
رشفتُ وصالهمُ فيها حَبابا
ومن شكرَ المناجمَ مُحسناتٍ
إذا التِبرُ انجلى شكرَ الترابا

يا دولةَ الخُلق التي تاهت على
بيني وبينكِ ملةٌ وكتابها
رُكنِ السِماكِ بركنها المسموكِ
والشرقُ يَنميني كما ينميكِ
قد ظنني اللاحي نطقتُ عن الهوى
وركبتُ متن الجهلِ إذ أطريكِ

وإذا المُعلمُ لم يكنْ عدلاً مشى
روحُ العدالةِ في الشّبابِ ضئيلا
وإذا المعلمُ ساء لحظ بصيرةٍ
جاءت على يدهِ البصائرُ حولا

رأيتُ الديانات في نظمها
وحينَ وهى سلكها وانتثرْ
تُشادُ البيوتُ لها كالبروجِ
إذا أخذ الطرفُ فيها انحسرْ
تلاقى أساساً وشمَّ الجبالِ
كما تتلاقى أصولُ الشجر

لا يحزننّكِ من حُماتك خطّةٌ
كانت هي المثلى وإن ساؤوكِ
أيُقالُ فتيانُ الحمى بكِ قصّروا
أم ضيّعوا الحُرماتِ أم خانوكِ
وهُمُ الخفافُ إليكِ كالأنصارِ إذ
قلَّ النصيرُ وعزَّ من يفديكِ
المُشتروكِ بمالهم ودمائهم
حين الشيوخُ بِجُبّةِ باعوكِ
هدروا دماءَ الذائدينَ عن الحمى
بلسان مُفتي النارِ لا مُفتيكِ
شربوا على سرِّ العدوِّ وغرّدوا
كالبومِ خلفَ جداركِ المدكوكِ

أمرُ الرجالِ إليهِ لا إلى نفرٍ
من بينكم سَبقَ الأنباءَ والكُتبا
أملى عليهِ الهوى والحقدُ فاندفعتْ
يداهُ ترتحلان الماء واللّهبا
إذا رأيتَ الهوى في أمّةٍ حكما
فاحكم هُنالكَ أن العقلَ قد ذهبا

فيا ليت شِعري أين كانت جنودَهُ
وكيفَ تراخت في الفِداءِ قواضبهْ
ورُدَّتْ على أعقابهنَّ سفينُهُ
وما ردّها في البحرِ يوماً مُحاربهْ
وكيفَ أفاتَتهُ الحوادثُ طلبه
وما عوّدتهُ أن تفوتَ رغائبهْ

ذهبَ الذينَ حموا حقيقة علمهم
واستعذبوا فيها العذابَ وبيلا
في عالم صحبَ الحياة مُقيدا
بالفردِ مخزوماً بهِ مغلولا
صرعتهُ دنيا المُستبد كما هوت
من ضربةِ الشمسِ الرؤوس ذهولا

ومن نسي الفضلَ للسابقين
فما عرفَ الفضلَ فيما عرف
أليسَ إليهم صلاحُ البناء
إذا ما الأساسُ سما بالغُرف
فهل تأذنونَ لذي خلّةٍ
يفُضُّ الرياحينَ فوق الجيف

إني لأعذركم وأحسبُ عبئكم
من بينِ أعباءِ الرجالِ ثقيلا
وجدَ المُساعدَ غيركمُ وحُرمتمُ
في مصر عونَ الأمهاتِ جليلا

فدعْ كلَّ طاغيةٍ للزمانِ
فإنَّ الزمانَ يُقيمُ الصَعَر

ولن ترى صُحبةً تُرضى عواقبها
كالحقِّ والصبرِ في أمر إذا اصطحبا

أحمد شوقي في رثاء محمد تيمور:
ضربوا القِبابَ على الشباب
وثووا إلى يومِ الحسابِ
همدوا وكلُّ مُحَرك
يوماً سيسكن في التراب
نزلوا على ذئب البلى
فتضيعوا شرّ الذئاب
وكأنهم صرعى كرى
بالقاعِ أو صرعى شراب
فإذا صحوا وتنبهوا
فاللهى أعلمُ بالمآب
الصابرينَ إذا حلَّ البلاءُ بهم
كالليثِ عضَّ على نابيهِ في النُّوبِ

تجري العقولُ بأهلها فإذا جرى
كبت العقول وزلّت الأحلام

دُنياكَ من عاداتها
ألا تكونَ لأعزلِ
أو للغبيِّ وإن تعلّلَ
بالزمانِ المُقبلِ
جُعلت لِحرٍّ يُبتلى
في ذي الحياةِ ويبتلي
يرمي ويُرمى في جهادِ
العيشِ غير مُغفّلِ
مُستجمعٍ كالليثِ إن
يُجهلْ عليهِ يجهلِ

ولا يُنبيكَ عن خُلقِ الليالي
كَمنْ فقدَ الأحبّةَ والصحابا
أخا الدنيا أرى دُنياكَ أفعى
تُبدِّلُ كلَّ آونةٍ إهابا
وأنَّ الرُقط أيقظ هاجعاتٍ
وأترَع في ظلالِ السلمِ تابا
ومن يعدِلْ بِحُبِّ الله شيئاً
كَحُبِّ المالِ ضلَّ هوىً وخابا
وشافي النفس من نزعاتِ شرٍّ
كَشافٍ من طبائعها الذئابا

إنَّ الرجالَ إذا ما ألجئوا لجئوا
إلى التعاونِ فيما جلَّ أو حزبا

إذا جاءت الأعيادُ في كلِّ مسمعٍ
تجوبُ الثرى شرقاً وغرباً جوانبه
رجاءٌ فلم يلبث فخوفٌ فلم يَدُم
سل الدهر أيُّ الحادثين عجائبه

وإذا العنايةُ لاحظتكَ عيونها
نَمْ فالحوادثُ كُلهنَّ أمانُ

يا طالباً لمعالي المُلكِ مجتهداً
خذها من العلم أو خذها من المالِ
بالعلم والمال يبني الناس مُلكهمُ
لم يُبنَ مُلكٌ على جهلٍ وإقلالِ
سراةَ مصر عهدناكم إذا بُسطتْ
يدُ الدعاءِ سِراعاً غير بُخّالِ
تبينَ الصِدقُ من بينِ الأمورِ لكمُ
فامضوا إلى الماءِ لا تلووا على الآلِ
لا يذهبِ الدّهرُ بينَ الترهاتِ بكم
وبينَ زهرٍ من الأحلامِ قتالِ
هاتوا الرجال وهاتوا المال واحتشدوا
رأياً لرأي ومثقالاً لمثقالِ
فابنوا على بركاتِ الله واغتنموا
ما هيأ الله من حظٍّ وإقبالِ


انظرْ إلى الأقمارِ كيفَ تزولُ
وإلى وجوهِ السعدِ كيفَ تحولُ


قُمْ نادِ أنقرةَ وقل يَهنيكِ
مُلكٌ بَنيتِ على سيوفِ بنيكِ
وأقمتِ بالدّمِ جانبيهِ ولم تزلْ
تُبنى الممالكُ بالدمِ المسفوكِ
تاجٌ ترى فيهِ إذا قلبتهُ
جهدَ الشريفِ وهِمّة الصعلوكِ
وترى الضحايا من معاقدِ غارهِ
وعلى جوانبِ تبرهِ المسبوكِ

قِفْ بالممالكِ وانظر دولةَ المالِ
واذكر رجالاً أدالوها بإجمالِ
وانقلْ رُكابَ القوافي في جوانبها
لا في جوانبِ رسمِ المنزلِ البالي
ما هيكلُ الهرمِ الجيزيِّ من ذهبٍ
في العينِ أزينَ من بُنيانها الحالي
علا بها الحِرصُ أركاناً وأخرجها
على مثالٍ من الدنيا ومنوالِ
فيها الشقاءُ لقومٍ والنعيمُ لهم
وبؤسُ ساعٍ ونُعمى قاعدٍ سالي

أيامَ كانَ الناسُ في جهلاتهم
مثلَ البهائمِ أُرسلت إرسالا
من جهلهم بالدين والدنيا معاً
عبدوا الأصنمَّ وألّهوا التمثالا
ضلّوا عقولاً بعد عِرفان الهدى
والعقلُ إن هو ضلَّ كانَ عِقالا
حتى إذا انقسموا تقوَّضَ مُلكهم
والمُلكُ إن بطلَ التعاونُ زالا

أدارَ محمّدٍ وتراثُ عيسى
لقد رضيناكِ بينهما مَشاعا
فهل نبذ التعصبُ فيكِ قومٌ
يمدُّ الجهلُ بينهمُ النزاعا

فهل من يُبلغُ عنا الأصولَ
بأنَّ الفروعَ اقتدتْ بالسيرِ
وأنا خطبنا حِسانَ العُلا
وسُقنا لها الغاليَ المُدّخر

هذا هلالكمْ تكفّل بالهدى
هل تعلمونَ مع الهلال ضلالا
سرتِ الحضارة حُقبةً في ضوئه
ومشى الزمانُ بنورهِ مُختالا
وبنى له العربُ الأجاودُ دولةً
كالشمسِ عرشاً والنجوم رجالا
رفعوا له فوقَ السِماكِ دعائماً
من علمهم ومن البيانِ طِوالا
الله جلَّ ثناؤهُ بلسانهم
خلقَ البيانَ وعلّمَ الأمثالا
وتخيّرَ الأخلاقَ أحسنها لهم
ومكارمُ الأخلاقِ منهُ تعالى
كالرُسلِ عزماً والملائكِ رحمةً
والأسدِ بأساً والغُيوثِ نوالا

وصَلِ صلاةَ من يرجو ويخشى
وقبل الصومِ صمْ عن كلِّ فحشا
ولا تحسب بأنَّ الله يرشى
وأن مزكياً أمن الجحيما
لكلِّ جنى زكاة في الحياة
ومعنى البرِّ في لفظ الزكاة
وما لله فينا من جباة
ولا هو لامرىء زكّى غريما

وإن تخرج لحرب أو سلام
فأقدِمْ قبل إقدامِ الأنام
وكنْ كالليثِ يأتي من أمام
فيملأ كل ناطقة وجوما
وكن شعب الخصائص والمزايا
ولا تكُ ضائعاً بين البرايا
وكنْ كالنحلِ والدنيا الخلايا
يمرُّ بها،ولا يمضي عقيماً

إنَّ الأهلّة إن سرتْ
سارت على نهجِ البدور

فلما استللت السيف أخلب برقهم
وما كنت ـ يا برق المنيّة ـ تخلبُ
ويرمي بها كالبحر من كلِّ جانبٍ
فكلُّ خميس لجّةٌ تتضربُ
أخذتهم،لا مالكين لحوضهم
من الذودِ إلا ما أطالوا وأسهبوا
ولم يتكلّف قومك الأسد أهبةً
ولكن خلقاً في السباعِ التأهبُ

سعت لكَ صورتي وأتاكَ شخصي
وسارَ الظلُّ نحوكَ والجهاتُ
لأنّ الروحَ عندكَ وهي أصل
وحيثُ الأصلُ تسعى الملحقاتُ
وهبّها صورةٌ من غيرِ روح
أليسَ من القبول لها حياة

أتذكر إذ أنت تحتَ اللواءِ
نبيهَ المكانة،جمَّ العديد؟
إذا ما تطلّعتَ في الشاطئين
ربا الريف،وافتنَّ فيكَ الصعيد
وهزَّ النديُّ لكَ المنكبينِ
وراحَ الثرى من زحام يميد
رسائل تذري بسجع البديع
وتُنسي رسائلَ عبد الحميد
يَعيها شيوخُ الحمى كالحديثِ
وتحفظها النشء حفظَ النشيد

وإن ترم المظاهر في الحياة
فرُمها باجتهادكَ والثابت
وخذها بالمساعي باهرات
تُنافس في جلالتها النجوما

اتخذتِ السماءَ يا دارُ ركنا
وأويتِ الكواكب الزّهرَ سَكنا
وجمعتِ السعادتين،فباتت
فيكِ دنيا الصلاح للدين خِدنا
نادما الدهر في ذراكِ وقضّا
من سُلفِ الودادِ دنّاً فدّنا
وإذا الخلقُ كان عقدَ ودادٍ
لم ينلْ منه من وشى وتجنّى

قُلْ لي نصير وأنت برّ صادق
أحملت إنساناً عليكَ ثقيلا؟
أحملت دنيا في حياتكَ مرّة؟
أحملت يوماً في الضلوعِ غليلا؟
أحملت ظلماً من قريبٍ غادر
أو كاشح بالأمس كان خليلا
أحملت منّاً بالنهار مُكرراً
والليل،من مُسدٍ إليكَ جميل؟
أحملت طغيان اللئيم إذا اغتنى
أو نال من جاهِ الأمورِ قليلا؟
أحملت في النادي الغبي إذا التقى
من سامعيهِ الحمدَ والتبجيلا؟
تلك الحياة،وهذه أثقالها
وزنَ الحديدُ بها فعاد ضئيلا

نشدتُكَ بالمنيّة وهيَ حقٌّ
ألم يكُ زُخرفُ الدنيا قريا
عرفتَ الموتَ معنىً بعد لفظٍ
تكلّم،واكشفْ المعنى الخبيّا
أتاكَ من الحياةِ الموتُ فانظر
أكنتَ تموت لو لم تُلفَ حيّا؟
وللأشياءِ أضدادٌ إليها
تصيرُ إذا صبرتَ لها مليّا
ومنقلبُ النجومِ إلى سكونِ
من الدورانِ يطويهنَّ طيّاً
فخبرّني عن الماضين،إني
شددتُ الرحلَ أنتظرُ المضيّا
وصفْ لي منزلاً حُملوا إليه
وما لمحوا الطريقَ ولا المُطيّا
وكيف أتى الغنيُّ له فقيراً
وكيفَ ثوى الفقيرُ بهِ غنيّا؟

قلْ للحوادث
:
أقدمي، أو أحجمي
إنا بنو الإقدامِ والإحجام
نحنُ النيامُ إذا الليالي سالمتْ
فإذا وثبنَ فنحنُ غيرُ نيامِ
فينا من الصبر الجميل بقيّةٌ
لحوادثٍ خلفَ العيوبِ جسامِ

في مجمع هزّ البيان لواءه
بك فيه،واعتزت بكَ الأقلام
ابن الملوك تلا الثناء مخلداً
هيهاتَ يذهبُ للملوكِ كلام

ومن شرفِ الأوطانِ ألا يفوتها
حسامٌ مُعِزٌّ أو يراعٌ مهذّبُ
أمنَّا الليالي أن نُراعَ بحادثٍ
ومُلهمها فيما تنالُ وتكسبُ
وما الملكُ إلا الجيشُ شأناً ومظهراً
ولا الجيشُ إلا ربّهُ حينَ يُنسبُ

ومنْ يُفجعْ بِحُرٍّ عبقريٍّ
يجد ظُلمَ المنيّة عبقريّا
ومن تتراخَ مُدّتهُ فيُكثرْ
من الأحبابِ لا يُحصي النعيّا

أخي،أقبلْ عليَّ من المنايا
وهاتِ حديثكَ العذبَ الشهيّا
فلمْ أعدم إذا ما الدورُ نامتْ
سميراً بالمقابرِ أو نجيّا
يُذكرني الدُّجى لِدةً حميماً
هنالكَ باتَ أو خِلاً وفيّا

أحقٌّ أنّهم دفنوا عليّاً
وحطّوا في الثرى المرءَ الزكيّا؟
فما تركوا من الأخلاقِ سمحاً
على وجهِ الترابِ ولا رضيّا؟
مضوا بالضاحكِ الماضي وألقوا
إلى الحفر الخفيفَ السّمهريّا
فمن عَونُ اللغاتِ على مُلّم
أصابَ فصيحُها والأعجميا
ومن ينظر يرَ الفسطاط تبكي
بفائضةٍ من العبراتِ ريّا

أحمد شوقي يرثي محمد فريد:
فريد ضحايانا كثير،وإنّما
مجالُ الضحايا أنتَ فيهِ فريد
فما خلف ما كابدت في الحق غاية
ولا فوق ما قاسيت فيهِ مزيد
تغرّبتَ عشراً وأنتَ فيهنّ بائس
وأنتَ بآفاقِ البلادِ شريد
تجوعُ ببلدان،وتعرى بغيرها
وترزح تحت الداء،وهو عتيد

زين الشّبابِ قضى،ولم تتزودي
منه ولم تتمتعي بقرابه


اسكندرية،كيف صبركِ عن فتىً
الصبرُ لم يُخلق لمثلِ مُصابه
عطلت سماؤك من بريق سحابها
وخبا قضاؤكِ من شعاعِ شهابه

أرأيتَ زينَ العابدينَ مُجهزاً
من دار توأمهِ وصِنو حياته
نقلوهُ نقل الوردِ من محرابهِ
والأولِ المألوفِ من أترابه
ساروا به من باطل الدنيا إلى
ومضوا لسبيلِ آدم قبله
بحبوحة الحقّ المُبينِ وغابهِ
ومصاير الأقوامِ من أعقابه
تحنو السماءُ على زكي سريره
ويمسُّ جيدَ الأرضِ طيبُ ركابه
وتطيبُ هامُ الحاملينَ وراحهم
من طيبِ محملهِ وطيبِ ثيابه
وكأنَّ مصرَ بجانبيهِ ربوةٌ
آذارُ آذنها بوشك ذهابه

لئن فاتَ مصراً أن يموتوا بأرضها
وما شغلتهم عن هواها قيامةٌ
لقد ظفروا بالبعثِ من تُربها الغالي
إذا اعتلَّ رهنُ المحسين بأشغالِ
حملتم من الغربِ الشّموسِ لمشرقٍ
عواثرَ لم تبلغ صباها،ولم تنلْ
تلقّى سناها مظلماً كاسفَ البالِ
مداها،ولم توصل ضحاها بآصالِ
يطافُ في الأعناقِ تترى زكيةً
كتابوتِ موسى في مناكب إسرال
أظلَّ جلالُ العلمِ والموتِ وفدها
فلم تلقَ إلا في خشوعٍ وإجلالِ
تفارقُ داراً من غرورٍ وباطلٍ
إلى منزل من جيرةِ الحقّ محلالِ

فامضِ في ذمّةِ الشّبابِ نقياً
طاهراً ما ثنيتْ من أذياله
إن للعصرِ والحياة للؤماً
لست من أهلهِ ولا من مجاله

آل زغلول،حسبُكم من عزاءٍ
سُنّةُ الموتِ في النبيِّ وآلهِ
في خلالِ الخطوبِ ما راع إلا
أنها دون صبركم وجمالهِ
حمل الرزءَ عنكم في سعيدٍ
وبكى ما بكيتم من خلاله

سلامٌ عليهِ في الحياة،وهامداً
وفي العُصر الخالي،وفي العالم التالي

إثنِ عنانَ القلبِ واسلم بهِ
من ربربِ الرَملِ ومن سربهِ
ومن تثنّي الغيدِ عن بانهِ
مُرتجّةَ الأردافِ عن كُثبهِ
ظباؤُهُ المُنكسراتُ الظُبا
يغلبنَ ذا اللُبِّ على لبّهِ
بيضٌ رِقاقُ الحسنِ في لمحةٍ
من ناعمِ الدُرِّ ومن رَطبهِ
ذوابلُ النرجسِ في أصلهِ
يوانِعُ الوردِ على قُضبهِ
زِنَّ على الأرضِ سماءَ الدجى
وزِدنَ في الحسنِ على شُهبهِ
يمشينَ أسراباً على هينَةٍ
مشيَ القَطا الآمنِ في سربهِ
من كلِّ وسنان بغيرِ الكرى
تنتبهُ الآجالُ من هُدبهِ
جفنٌ تلّقى ملكا بابلٍ
غرائبَ السِحرِ على غَربه
يا ظبيةَ الرملِ وُقيتِ الهوى
وإن سمعت عيناكِ في جلبهِ
ولا ذَرفتِ الدمعَ يوماً وإن
أسرفتِ في الدمعِ وفي سكبه
هذي الشواكي النُحلُ صدنَ امرأً
ملقى الصِبا أعزلَ من غَربهِ
صيّادَ آرامٍ رماهُ الهوى
بشادنٍ لا بُرءَ من ىحُبّهِ
شابٌ وفي أضلعهِ صاحبٌ
خِلوٌ من الشيبِ ومن خطبهِ
واهٍ بجنبي خافقٌ كلّما
قلتُ تناهى لجَّ في وثبهِ
لا تنثني الآرامُ عن قاعهِ
ولا بناتُ الشوقِ عن شِعبهِ
حمّلتهُ في الحبِّ ما لم يكن
لِيحملَ الحبُّ على قلبهِ
ما خفَّ إلا للهوى والعلا
أو لجلالِ الوفدِ في ركبهِ
أربعةٌ تجمعهُم هِمّةٌ
ينقلها الجيلُ إلى عَقبهِ
قطارُهم كالقَطرِ هزَّ الثرى
وزادهُ خِصباً على خِصبهِ
لولا استلامُ الخلقِ أرسانَهُ
شبَّ فنالَ الشمسَ من عُجبهِ
كُلُّهمُ أغيرُ من وائلٍ
على حِماهُ وعلى شَعبهِ
لو قدروا جاؤوكم بالثرى
من قُطبهِ مُلكاً إلى قُطبهِ
وما اعتراضُ الحظِّ دونَ المنى
من هفوةِ المُحسنِ أو ذنبهِ
وليسَ بالفاضلِ في نفسهِ
من يُنكرُ الفضلَ على ربّهِ
ما بالُ قومي اختلفوا بينهم
في مِدحةِ المشروعِ أو ثلبهِ
كأنّهم أسرى أحاديثُهم
في لينِ القيدِ وفي صُلبهِ
يا قومِ هذا زمنٌ قد رمى
بالقيدِ واستكبر عن سحبهِ
لو أنَّ قيداً جاءَهُ من علٍ
وهذه الضجةُ من ناسهِ
خشيتُ أن يأتي على ربِّهِ
جنازةُ الرِقِّ إلى تُربه
من يخلعُ النيرَ يعش بُرهةً
يا نشأ الحيِّ شبابَ الحِمى
في أثرِ النيرِ وفي ندبهِ
سُلالةَ المشرقِ من نُجبهِ
بني الألى أصبحَ إحسانهم
موسى وعيسى نشآ بينهم
دارت رحى الفنِّ على قطبهِ
في سعةِ الفكرِ وفي رُحبهِ
وعالجا أوّلَ ما عالجا
ما نسيت مصرُ لكم برّها
من عللِ العالمِ أو طِبّهِ
في حازبِ الامرِ وفي صعبهِ
مزّقتمُ الوهمَ وألفتمُ
حتى بنيتم هرماً رابعاً
أهلّة
!
الله على صُلبهِ
من فئةِ الحقِّ ومن حزبه
يوم لكم يبقى كبدرٍ على
قد صارتِ الحالُ إلى جِدّها
أنصارِ سعدٍ وعلى صحبهِ
وانتبه الغافلُ من لُعبه
الليثُ والعالمُ من شرقهِ
قضى بأن نبني على نابهِ
في هيبةِ الليثِ إلى غربهِ
مُلكَ بنينا وعلى خِلبهِ
ونبلغُ المجدَ على عينهِ
وندخلُ العصرَ إلى جنبهِ
ونصلَ النازلَ في سِلمهِ
ونصرفُ النيلَ إلى رأيهِ
ونقطعَ الداخلَ في حربهِ
يقسمهُ بالعدلِ في شِربهِ
يُبيحُ أو يحمي على قُدرةٍ
أمرُّ عليكم أو لكم في غدٍ
حقَّ القُرى والناسُ في عَذبهِ
ما ساءَ أو ما سرَّ من غَبِّهِ
لا تستقلّوهُ فما دهركم
نسمعُ بالحقِّ ولم نطّلعْ
ينالُ باللينِ الفتى بعض ما
بحاتمِ الجودِ ولا كعبهِ
على قنا الحقِّ ولا قُضبهِ
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبه
فإن أنستم فليكن أُنسكم
وفي احتشامِ الأُسدِ دونَ القذى
قد أسقطَ الطفرةَ في مُلكهِ
في الصبرِ للدهرِ وفي عتبهِ
إذا هيَ اضطُرت إلى شُربهِ
من ليسَ بالعاجزِ عن قلبهِ
يا رُبَّ قيدٍ لا تُحبّونهُ
ومَطلبٍ في الظنِّ مُستبعدٍ
واليأسُ لا يجملُ من مؤمنٍ
زمانُكم لم يتقيّد به
كالصبحِ للناظرِ في قُربهِ
ما دام هذا الغيبُ في حُجبه


فيالكَ قبراً أكنَّ الكنوز
وساجَ الحقوق وحاطَ العهود
لقد غيّبوا فيكَ أمضى السيوفِ
فهل أنتَ يا قبرُ أوفى الغمود؟
ثلاثُ عقائدَ في حفرةٍ
تدُّكَ الجبالَ وتُوهي الحديد
فعدنَ فكنَّ الأساس المتين
وقام عليها البناءُ المشيد
فلا تنسى أمس وآلاءَهُ
ألا إنَّ أمس أساسُ الوجود

أبولو مرحباً بك يا أبولو
فإنّكَ من عكاظِ الشعرِ ظل
عكاظُ وأنتِ ببلغاءِ سوقٌ
على جنباتها رحلوا وحلّوا
وينبوعٌ من الإنشادِ صاف
صدى المتأدبينَ بهِ يُقَلُّ
ومضمارٌ يسوقُ إلى القوافي
سوابقُها إذا الشعراءُ قلّوا
يقولُ الشعرَ قائلُهم رصيناً
ويُحسنُ حينَ يُكثرُ أو يُقلُّ
ولولا المُحسنونَ بكلِّ أرضٍ
لما سادَ الشعوبُ ولا استقلّوا
عسى تأتينا بِمعلقاتٍ
نروحُ على القديمِ بها نُدلُّ
لعلَّ مواهباً خفيت وضاعت
تُذاعُ على يديكِ وتُستغلُ
صحائفُكِ المُدَبجّةُ الحواشي
رُبى الوردِ المُفَتّحِ أو أجلُّ
رياحينُ الرياضِ يُملُّ منها
ورَيحانُ القرائِحُ لا يُملُّ
يُمهِّدُ عبقريُّ الشعرِ فيها
لكلِّ ذخيرةٍ فيها مَحَلُّ
وليسَ الحقُّ بالمنقوصِ فيها
ولا الأعراضُ فيها تُستحلُّ
وليست بالمجالِ لنقدِ باغٍ
وراءَ يراعِهِ حسدٌ وغِلُّ


سلامٌ أبا ناصر في الترابِ
يعيرُ الترابَ رفيفَ الورود
بعدتَ وعزَّ إليك البريد
وهل بينَ حيٍّ وميتٍ بريد؟

شوقي في ذكرى محمد فريد:
نجدد في ذكرى عهدكم ونعيد
ونُني خيال الأمس وهو بعيد
وللناسِ في الماضي بصائر يهتدي
عليهنّ غاوٍ أو يسير رشيد
إذا الميت لم يكرم بأرض ثناؤه
تحيّر فيها الحيّ كيفَ يسود


لو أنَّ أبطال الحروبِ تفرّقوا
غلبَ الجبانُ على القنا الأبطالا


ساءت ظنونُ الناس حتى أحدثوا
للشكِ في النورِ المُبينِ مجالا
والظنُّ يأخذُ في ضميرك مأخذا
حتى يُريكَ المستقيمَ مُحالا


عدلوا فكانوا الغيثَ وقعاً كلّما
ذهبوا يميناً في الورى وشمالا
والعدلُ في الدُولاتِ أُسٌ ثابتٌ
يُفنى الزمانَ ويُنفدُ الأجيالا

سألتُ القلبَ عن تلكَ الليالي
أكُنَّ لياليا أم كُنَّ ساعا
فقال القلبُ بل مرّت عِجالا
كَدقاتي لذكراها سِراعا


أما العِتابُ فبالأحبّةِ أخلقُ
والحبُّ يصلحُ بالعتابِ ويصدُقُ
يا منْ أحبُّ ومن أُجلُّ وحسبَهُ
في الغيدِ منزلة يُجلُّ ويُعشقُ
البعدُ أدناني إليكَ فهل تُرى
تقسو وتنفرُ أم تلينُ وترفقُ
في جاهِ حُسنكَ ذلّتي وضراعتي
فاعطِفْ فذاكَ بجاهِ حُسنكَ أليقُ


والمالُ مذ كانَ تمثالٌ يُطافُ به
والناسُ مذ خُلقوا عُبّادُ تمثالِ
إذا جفا الدورَ فانعَ النازلينَ بها
أو الممالكَ فاندبها كأطلالِ


سديد المرامي قد رماه مسدد
وداهية السواس لاقى الدواهيا

إنّا نعظم فيك ألوية على
جنباتها حشد يروح ويغتدي
وإذا طعمت من الخليّة شهدها
فاشهد لقائدها وللمتجند
لا تمنح المحبوب شكرك كلّه
واقرن بهِ شكراً الأجير المجهدِ


ويا جيل الأمير إذا نشأتا
وشاءَ الجدّ أن تعطي وشئتا
فَخُذْ سُبلاً إلى العلياءِ شتّى
وخلِّ دليلكَ الدين القويما


ورُبَّ حقيقة لا بُدَّ منها
ولو طلعوا عليها عالجوها
خدعنا النشىء عنها والسوادا
بِهَمّة أنفس عظمت مُرادا
تعدّ لحادثِ الأيام صبراً
وآونة تعدله عنادا
وتخلف بالنهي البيض المواضي
وبالخلق المُثقفة الصعادا


صباحك كان إقبالاً وسعداً
فيا يوم الرسالة،عمّ صباحا
وما تألو نهارك ذكريات
ولا برهان عزّتك التماحا
تكاد حلاك في صفحات مصر
بها التاريخ يفتتح افتتاحا


ولم أر بعد قدرته تعالى
كَمقدرةِ ابن آدم إن أرادَ
جرى والناسُ في ريب وشك
يروم السيف،فاخترق الجيادا
وعودي دونها حتى بناها
ومن شأن المجدد أن يُعادى
يهون الكيد من أعادي عدو
عليك إذا الولي سعى وكادا


سيرى الناسُ عجيباً في غد
يغرس القرش ويبني ويلد
ينهض الله الصناعات به
من عثار ليثبت فيه الأبد
أو يزيد البرّ داراً قعدت
لكفاح السّل أو حرب الرمد
وهو في الأيدي وفي قدرتها
لم يضق عنه،ولم يعجز أحد


وضنْ به،فإنَّ الخير فيه
وخذه من الكتاب وما يليه
ولا تأخذهُ من شفتي فقيه
ولا تهجر مع الدين العلوما


أين الوفودُ الملتقونَ على القِرى
المُنزلونَ منازل الإكرام
الوارثونَ القُدْسَ عن أحبارهِ
والخالفونَ أميّةَ في الشامِ
الحاملو الفصحى ونور بيانها
يبنون فيه حضارة الإسلام؟
ويؤلفون الشرق في برهانها
لمَّ الضياءِ حواشيَ الإظلام؟


أرجفتْ في أمركم طائفة
تبع الظن عن الإنصاف ميل
اجعلوا الصبر لهم حيلتكم
قلّت الحيلة في قال وقيل
أيريدون بكم أن تجمعوا
رقّةَ الدين إلى الخلق الهزيل؟
خلت الأرض من الهدى ومن
مرشد للنشء بالهدى كفيل
فترى الأسرة فوضى،وترى
نشأ عن سنّة البرّ يميل


حق رجونا الخيرَ من إقبالهِ
عاثَ المُفرقُ فيهِ حتى أدبرا

أحمد شوقي:
في الجامعة المصرية
قد زدتها هرماً يحجّ فناؤه
ويشد للدنيا إليه حزام
تقف القرون غداً على درجاته
تملي الثناء وتكتب الأيام
أعوام جهد في الشّباب وراءها
من جهد خير كهولة أعوام
بلغ البناء على يديك تمامه


يا شباباً حنفاء ضمّهم
منزل ليس بمذمومِ النزيل
يصرفُ الشّبان عن ورد القذى
وينحيهم عن المرعى الوبيل
اذهبوا فيه،وجيئوا إخوة
بعضكم خدن لبعض وخليل
لا يضرنكمُ قلته
كلّ مولود وإن جلّ ضئيل
ولكل ما تبني يداك تمام


إذا أقبلت يا زمن البنينا
وشبوا فيك واجتازوا السنينا
فدرْ من بعدنا لهمُ يمينا
وكن لورودك الماء الحميما


وصنْ لغة يحقّ لها الصيان
فخيرُ مظاهرِ الأمم البيان
وكان الشعب ليس له لسان
غريباً في مواطنه مضيما
ألم نرها تنال بكلّ ضير
وكان الخير إذ كانت بخير؟
أينطق في المشارقِ كل طير
ويبقى أهلها رخماً وبوما؟


يميناً بالتي يسعى إليها
غدوا بالندامةِ،أو رواحا
وتعبق في أنوف الحج ركناً
وتحت جباههم رحباً،وساحا
وبالدستور وهو لنا حياة
نرى فيه السلامة والفلاحا


ذي همّة دونها في شأوها الهِمم


لم تتخذ

لا

ولم تكذب لها

نعم

بلغتني أملاً ما كنتُ بالغهُ
لولا وفاؤُكَ ـ يا مظلوم ـ والكرمُ
ودادك العزّ والنعمى لخاطبه
وودّ غيرك ضحك السن والكلمُ
أكلما قعدت بي عنك معذرة
مشت إليّ الأيادي منكَ والنعمُ؟
تجل في قلم الأوطان حامله
فكيف يصبر عن إجلالك القلم؟


وجدت الحياة طريق الزمر
إلى بعثة وشئون أخر
وما باطلاً ينزل النازلون
ولا عبثاً يزمعون السفر
فلا تحتقر عالماً أنت فيه
ولا تجحد الآخر المنتظر
وخذ لك زادين
:
من سيرة
ومن عمل صالح يدخر


دع المواعيدَ،إنّي متُّ من ظمأٍ
وللمواعيدِ ماءٌ لا يَبُلّ صدى
تدعو،ومن لي أن أسعى بال كبدٍ؟
فمن معيري من هذا الورى كبدا؟


أبكيك اسماعيل مصر،وفي البكا
بعد التذكر راحة المستعبر
ومن القيام ببعض حقّك أنني
أرقى لعزّك والنعيم المدبر
هذى بيوت الردم كيف سكنتها
بعد القصور المزريات بقيصر؟
ومن العجائب أن نفسك أقصرت
والدهر في إحراجها لم يقصر
ما زال يخلى منك كل محلة
حتى دفعت إلى المكان الأقفر
نظر الزمان إلى ديارك كلها
نظر الرشيد إلى منازل جعفر


على قدر الهوى يأتي العتاب
ومن عاتبت يفديه الصحاب
ألوم معذبي فألوم نفسي
وأغضبها ويرضيها العذاب


ونبلغُ المجدَ على عينهِ
وندخلُ العصرَ إلى جنبهِ

والصُبحُ يُظلم في عينيكَ ناصعهُ
إذا سدلتَ عليهِ الشكَّ والريبا


قوموا إجمعوا شعبَ الأبوّةِ وارفعوا
صوتَ الشّبابِ مُحبباً مقبولا
ما أبعدَ الغايات إلا أنني
أجدُ الثباتَ لكم بهنَّ كفيلا
فكِلوا إلى الله النجاحَ وثابروا
فاللهُ خيرٌ كافلاً ووكيلا


إنَّ البطولةَ أن تموتَ من الظمأ
ليسَ البطولة أن تعبّ الماء

لا تحذو حذو عصابة مفتونة
يجدونَ كلّ قديم أمراً مُنكرا
ولو استطاعوا في المجامعِ أنكروا
من مات من آبائهم أو عمّرا
من كلِّ ساعٍ في القديمِ وهدمهِ
إذا تقدّمَ للبنايةِ قصّرا


يا حامل الآلام عن هذا الورى
كثرت عليه باسمك الآلام


هي الدنيا،قتالٌ نحن فيه
مقاصدُ للحُسامِ وللقناةِ
وكلُّ الناس مدفوعٌ إليه
كما دُفِعَ الجبانُ إلى الثباتِ
نُروَّعُ ما نروّعُ ثم نُرمى
بسهمٍ من يدِ المقدورِ آتِ

خُلقنا للحياةِ وللمماتِ
ومن هذينِ كلُّ الحادثاتِ
ومن يُولد يعش ويمُتْ كأن لم
يُمرَّ خيالهُ بالكائنات
ومهدُ المرءِ في أيدي الرّواقي
كَنعشِ المرءِ بين النائحات
وما سلِمَ الوليدُ من اشتكاءِ
فهل يخلو المُعمَّرُ من أذاة
هي الدنيا قتالٌ نحنُ فيه
مقاصِدُ للحُسامِ وللقناة
وكلُ الناسِ مدفوعٌ إليهِ
كما دُفِعَ الجبانُ إلى الثباتِ
نُروّعُ ما نروّعُ ثم نُرمى
بسهمٍ من يدِ المقدورِ آتِ

ظلمَ الرجالُ نساءَهُم وتعسفوا
هلْ للنساءِ بِمصر من أنصارِ
يا معشرَ الكتاب أين بلاؤُكم
أينَ البيان وصائبُ الأفكارِ
أيهمكم عبث،وليس يهمكم
بنيان أخلاقٍ بغيرِ جدارِ

يومي بأيام،لكثرةِ ما مشتْ
فيهِ الحياة،وليلتي بليالي

صورُ العمى شتّى،وأقبحها إذا
نظرتْ بغيرِ عيونهن إلهام

فأجملوا الصّبرَ في جدٍّ وفي عملٍ
فالصبرُ ينفعُ ما لا ينفعُ الجزعُ

مظلومة في جوارِ الخوف ظالمة
والنفسُ مؤذية من راح يؤذيها
رثت لها وبكت من رقة دولٌ
كالبومِ يبكي ربوعاً عزَّ باكيها

كم صَعّبَ اليومُ من سهلٍ همتَ به
وسهّلَ الغدُ في الأشياءِ ما صَعبا

ما ليسَ يدفعهُ المُهنّدُ مُصلتاً
لا الكتبُ تدفعهُ ولا الأقلامُ

لا تحفلنَّ من الجراحِ بقيّةً
إن البقيّة في غدٍ تلتام
ولقد يُداسُ الذئبُ في فلواته
ويُهابُ بين قيودهِ الضرغامُ

سِنون تعادُ ودهرٌ يُعيد
لَعمرُكَ ما في الليالي جديد
يقولون يا عام قد عُدت لي
فيا ليتَ شعري بماذا تعود؟
تغابيتُ حتى صحبتُ الجهول
وداريتُ حتى صحبتُ الحسود

فجرِّدِ السيفَ في وقتٍ يفيدُ بهِ
فإنَّ للسيفِ يوماً،ثم ينصرِمُ

اسكبْ دموعكَ لا أقولُ استبقها
فأخو الهوى يبكي على أحبابه

إنّما الموتُ منتهى كلِّ حَيٍّ
لم يُصبْ مالكٌ من المُلكِ خلداً

ينالُ باللينِ الفتى بعض ما
يعجزُ بالشدّةِ عن غصبه

هلّا ترفع عن لهوٍ وعن لعبٍ
إنَّ الصغائرَ تُغري النفسَ بالصِغرِ

وإذا الدنيا خلتْ من خيرٍ
وخلتْ من شاكرٍ هانت هوانا

وإذا الرجالُ على الأمورِ تعاقبوا
كشفَ الزمانُ مواقفَ النظراءِ

الحقُّ سهمٌ لا ترشهُ بباطلٍ
ما كانَ سهمُ المُبطلينَ سديدا
والعبْ بغيرِ سلاحهِ فلرُبما
قتلَ الرجالَ سلاحهُ مردودا

وما في الشّجاعة حتفُ الشّجاعِ
وما مدَّ عمرَ الجبانِ الجبُنْ
ولكنْ إذا حانَ حَينُ الفتى
قضى ويعيشُ إذا لم يَحِنْ

ومن يخبر الدنيا ويشرب بكأسها
يجد مُرّها في الحلو والحلوَ في المُرِّ

فكبيرٌ ألا يُصان كبيرُ
وعظيمٌ أن يُنبذ العظماءُ

ولم تضقْ الحياةُ بنا ولكن
زحامُ السوءِ ضيّقها مجالا
ولم تقتل براحتها بنيها
ولكن سابقوا الموت اقتتالا

وليسَ الخُلدُ مرتبةً تُلَقّى
وتؤخذ من شِفاهِ الجاهلينا
ولكن مُنتهى هِممٍ كبارٍ
إذا ذهبت مصادرها بقينا
وسرُّ العبقرية حين يسري
فينتظمُ الصنائعَ والفنونا
وآثارُ الرجالِ إذا تناهت
إلى التاريخِ خيرُ الحاكمينا
وأخذُكَ من فمِّ الدنيا ثناءً
وترُككَ في مسامعها طنينا

إذا فعلوا فخيرُ الناسِ فعلا
وإن قالوا فأكرمهم مقالا
وإن سألتهم الأوطانُ أعطوا
دماً حُرّاً وأبناءً ومالا

لا يُظهر الكبراء آية عزّهم
حتى يُعزّوا آية الأفكار

ولو زاد الحياةَ الناسُ سعيا
وإخلاصاً لزادتهم جمالا

نصيحةٌ ملؤها الإخلاص صادقة
والنصحُ خالصهُ دينٌ وإيمانُ

ومع المُجددِ بالأناةِ سلامةٌ
ومع المجدد بالحجاج عثارُ

والغربُ يؤمن شرّهُ في قبرهِ
كالسيفِ نام الشرُّ خلفَ قِرابه

الأماني حلمٌ في يقظةٍ
والمنايا يقظةٌ من حُلمِ

ليسَ للذُلِّ حيلةٌ في نفوسٍ
يستوي الموتُ عندها والبقاءُ

وإذا جلّت الذنوب وهالت
فمن العدلِ أن يهولَ الجزاء

لا تلتمس غلباً للحقِّ في أممٍ
الحقُّ عندهم معنىً من الغلبِ

ثِقْ بما شئتَ من زمانك إلا
صحبةَ العيشِ أو جوارَ السلامة

حياةٌ ما نريدُ لها زِيالا
ودنيا ما نودُّ لها انتقالا
وعيشٌ في أصولِ الموت سُمٌّ
عصارتهُ،وإن بسطَ الظلالا
وأيامٌ تطيرُ بنا سحابٌ
وإن خيلت تدِبُّ بنا نَمالا


هل قامَ قبلُكَ في المدائنِ فاتِحٌ
غازٍ بغيرِ مهنّدٍ وسِنانِ
يا صبَّ مصرَ ويا شهيدَ غرامها
هذا ثرى مصرٍ فَنمْ بأمانِ

نشأتَ في جبهةِ الدنيا وفي فمها
يجورُ حيثُ تدورُ المجدُ والحسدُ

نصرتم يوم محنتهِ أخاكم
وكلُّ أخٍ بنصرِ أخيهِ حقّ

وبعدُ فالمعروف بين الصّحبِ
أنَّ التهادي من دواعي الحُبِّ

نُريها في الضميرِ هوىً وحبّاً
ونسمعها التبرم والملالا
قِصارٌ حين نجري اللهوَ فيها
طوالٌ حين نقطفها فَعالا

يا بناتِ القريض،قُمْنَ مناحاتٍ
وأرسانَ لوعةً وعويلا
إنّ دمعاً تذرفنَ إثرَ رفاقي
سوفَ يبكي بهِ الخليلُ الخليلا
رُبَّ يومٍ يُناحُ فيهِ علينا
لو نُحِسُّ النُواحَ والترتيلا
أخذ الموتُ من يدِ الحقِّ سيفاً
خالديَّ الغرار،عَضباً،صقيلا
من سيوفِ الجهادِ فولاذهُ الحقُّ
فهل كان قَينهُ جبريلا
لمستهُ يدُ السماء،فكان الب
رقَ والرعدَ خفقةً وصليلا
عاشَ لم يَغتبِ الرجالَ،ولم يج
علْ شئونَ النفوسِ قالاً وقيلا
قد فقدنا بهِ بقيّةَ رهطٍ
أيقظَ النيلَ وادياً ونزيلا
يا أمينَ الحقوقِ أدّيت حتى
لستُ أنياكَ قابعاً بين دُرجيكَ
لم تَخُن مصرَ في الحقوقِ فتيلا
مُكبّاً عليهما مشغولا


رثيتُكَ لا مالكاً خاطري
من الحزنِ إلا قليلاً خطرْ
سقتك الدموع فإن لم
يدمن كعادتهن سقاك المطر

شوقي في رثاء الخديوي توفيق(
الرسالة العدد 998):
بينَ ماضي الأسى وآتي الهناء
قام غدر النعاة والبشراء
نبأ معذر نفي بعضه بع
ضاً فكان السفيه في الأنباء
سِرْ من حيث شاء كل مصاف
ساء من حيث سرّ كل مراء
ما نظرنا محمداً في فتاه
إن غفرنا الضراء للسراء
هابنا الدهر فيه حياً وميتاً
فأتانا من دائنا بالدواء
وعزاءُ البلاد أن يخلد الم
لك ويحيى الآباءُ في الأبناء
لهفَ نفسي على نظام نعيم
حلّه الدهر باليدِ العسراء
كلّ شىءٍ إلى شتات ويبقى
في التئام جماعة الجوزاء
بئست الدارُ دارنا أبكت المو
لود من قبل علّة البكاء
حسنت نارها وساء قراها
هل رأيت المجوس في الظلماء
بينما القوم موقودها صباحاً
إذا تراهم وقودها في المساء
وتراها بينا يرى المرء منه
ذا وطاء حتى يرى ذا غطاء
عاذت الطير منه بالجو لكن
علقت من حبالها بهباء
ود
(
لازار
)
يوم أحياه عيسى
لو تذوق المنون طعم الفناء
وهوى يوم عاود لموت لو لم
يحيه للردى فتى العذراء
ولو أن القرار في وسع نفس
لزم العرش صاحب الإسراء
إن سرّ الحِمام في النفس سار
وقصارى الطبيب في الإفشاء
فهو الداء واحد ورثته الناس
عن آدم وعن حواء
والذي ارتاحت العقول إليه
زخرف من وساوس الحكماء
(
في أمان النعيم توفيق مصر
)
فرع خير الولاة والأولياء
يا أميري أبا أميري المُفدى
من لشعري بذلك الإصغاء
أسهرتني النون فيك ونامت
لا خلت عينها من الأقذاء
وأطارت عن المضاجع جنبي
أسكن الله جنبها كل داء
أعجلت منك مصدر العدل والإح
سان والحكم والتقى والسخاء
ليس للناس بعد خطبك رأي
يا مبيد الخطوبِ بالآراء
أمسك النعش منك سيفاً مهيباً
طاهر النصل زاهداً في الداء
وذوى فيه منك روض كريم ال
غرس داني مواقع الأفناء
وانطوت فيه منك شمس تجلى
عند تهطال خمسة الأنواء
ملأ النعش منك والكفن الأط
هر ملء السرير ملء الرداء
ما همنا بأن نفديك حتى
نقض الدهر فيك عهد الفداء
وبعثنا لك الرجاء طبيباً
فنعوه إليك قبل اللقاء
لا جزى الله قصر حلوان خيراً
وجزى عابدين خير الجزاء
ذاك أخفى عنا سناك وهذا
بفتاك السامي العلي في ازدهاء

أحمد شوقي في رثاء حافظ إبراهيم:
قد كنتُ أوثرُ أن تقولَ رِثائي


يا مُنصفَ الموتى من الأحياء
لكن سبقتَ،وكلّ طولِ سلامةٍ
قدرٌ،وكلُّ منيّةٍ بقضاءِ
الحقُّ نادى فاستجبتَ،ولم تزل
بالحقِّ تحفِلُ عند كلّ نداءِ
وأتيتَ صحراءَ الإمام تذوب من
طولِ الحنينِ لساكن الصحراء
فلقيتُ في الدارِ الإمام محمّداً
في زمرةِ الأبرارِ والحنفاء
أثرُ النعيمِ على كريمِ جبينه
ومراشدُ التفسير والإفتاء
فشكوتما الشوق القديم وذُقتما
طيبَ التداني بعد طولِ تنائي
إن كانت الألى منازلَ فُرقةٍ
فالسمحةُ الأخرى ديارُ لقاء
وودِتُ لو أني فِداك من الرّدى
والكاذبونَ المرجفونَ فدائي
الناطقونَ عن الضغينةِ والهوى
الموغرو الموتى على الأحياء
من كلِّ هدّامٍ ويبني مجده
بكرائمِ الأنقاضِ والأشلاء
ما حَطّموكَ،وإنّما حُطّموا
من ذا يُحطّمُ رفرفَ الجوزاء
أنظرُهُ فأنتَ كأمسِ شأنكَ باذخٌ
في الشرق،واسمكَ أرفعُ الأسماء
بالأمسِ قد حَليّتني بقصيدةٍ
غراءَ تحفظ كاليدِ البيضاء
غيظَ الحسودُ لها وقمتُ بشُكرها
وكما علمتَ مودّتي ووفائي
في محفلٍ بَشرّتُ آمالي به
يا مانِحَ السودانِ شرخَ شبابهِ
لمّا نزلتَ على خمائلهِ ثوى
قلّدتهُ السيفَ الحُسامَ وزُدتهُ
قلمٌ جرى الحِقبَ الطوالَ فما جرى
يكسو بِمدحتهِ الكرامَ جلالةً
إسكندريةُ يا عروس الماء
نشأت بشاطئك الفنونُ جميلةً
جاءتكِ كالطيرِ الكرامِ غرائباً
قد جمّلوكِ فصرتِ ونبقةَ الثرى
غرسوا رُباكِ على خمائلِ بابلٍ
واستحدثوا طُرقاً مُنوّرة الهدى
فخذي كأمسِ من الثقافةِ زينةً
وتقلّدي لغةَ الكتابِ فإنها
بنتِ الحضارةَ مرتينِ ومهّدت
وسمتْ بِقُرطبةَ ومصرَ فحلّتا
لمّا رفعتَ إلى السماءِ لوائي
ووليّهُ في السلمِ والهيجاء
نبعُ البيانِ وراءَ نبعِ الماء
قلماً كصدرِ الصعدةِ السمراء
يوماً بفاحشةٍ ولا بِهجاءِ
ويُشيّعُ الموتى بِحسنِ ثناءِ
وخميلةَ الحكماء والشعراءِ
وترعرت بسمائكِ الزهراء
فجمعتها كالربوةِ الغنّاء
للوافدينَ ودُرّةَ الدأماء
وبنوا قُصوركِ في سنا الحمراءِ
كسبيلِ عيسى في فِجاجِ الماءِ
وتجملّي بشبابكِ النُجباءِ
حجرُ البناءِ وعُدّةُ الإنشاءِ
للمُلكِ في بغدادَ والفيحاءِ
بين الممالكِ ذ
~
روةَ العلياءِ

ماذا حشدتِ من الدموع

لحافظٍ

وذخرتِ من حزنٍ لهُ وبكاءِ
ووجدتِ من وقعِ البلاءِ بفقدهِ
إنّ البلاءَ مصارعُ العظماءِ
اللهُ يشهدُ قد وفيتِ سخيّةً
بالدمعِ غيرَ بخيلةِ الخُطَباءِ
وأخذتِ قِسطاً من مناحةِ ماجدٍ
جمِّ المآثرِ،طيّبَ الأنباء
هتفَ الرّواةُ الحاضرون بشعرهِ
وحذا به البادونَ في البيداءِ
لبنانُ يبكيهِ وتبكي الضادُ من
حَلبٍ إلى الفيحاء إلى صنعاء
عربُ الوفاءِ وفَوا بذمّةِ شاعرٍ
باني الصفوفِ،مُؤلفِ الأجزاء
يا حافظَ الفصحى،وحارسَ مجدها
ما زلتَ تهتفُ بالقديمِ وفضلهِ
جدّدتَ أسلوبَ الوليدِ ولفظهِ
وجريتَ في طلبِ الجديدِ إلى المدى
وإمامَ من نَجلَت من البلغاء
حتى حميتَ أمانةَ القدماء
وأتيتَ للدنيا بسحرِ الطاءِ
حتى لقترنتَ يصاحبِ البؤساء
ماذا وراءَ الموتِ من سلوى،ومن
دَعةٍ،ومن كرمٍ،ومن إغضاء
اشرحْ حقائِقَ ما رأيت،َولم تزل
رُتبُ الشجاعةِ في الرجالِ جلائلٌ
أهلاً لشرحِ حقائقِ الأشياء
وأجلُّهنَّ شجاعةُ الآراءِ
كم ضِقتَ ذرعاً بالحياةِ وكيدِها
وهتفتَ بالشكوى من الضرّاء
فَهلّمَ فارقْ يأسَ نفسكَ ساعةً
واطلُع على الوادي شُعاعَ رجاء
وأشرْ إلى الدنيا بوجهٍ ضاحكٍ
خُلِقتْ أسرّتهُ من السرّاء
يا طالما ملأ النّدِيَّ بشاشةً
وهدى إليك حوائجَ الفقراء
اليومَ هادنتَ الحوادثَ،فاطّرِحْ
عبءَ السنين،وألقِ عِبءَ الداء
خلّفتَ في الدنيا بياناً خالداً
وتركتَ أجيالاً من الأبناء
وغداً سيذكرُكَ الزمانُ،ولم يزل
للدّهرِ إنصافٌ وحسنُ جزاء

كذا الناسُ بالأخلاقِ يبقى صلاحهمْ
ويذهبُ عنهم أمرُهم حين تذهب
والله لولا ألسنٌ وقرائحٌ
دارتْ على فِطنِ الشّبابِ شَمولا
وتعهدت من أربعينَ نفوسهمْ
تغزو القنوط وتغرسُ التأميلا
عرفت مواضع جَدبهم فتتابعت
كالعين فيضاً والغمامُ مسيلا
تُسدي الجميلَ إلى البلادِ وتستحي
من أن تكافأ بالثناءِ جميلا

مُتلطِفٍ في النُصحِ غير مُجادلٍ
والنُصحُ أضيعُ ما يكونُ جدالا
من عادةِ الإسلام يرفعُ عاملاً
ويُسوِّدُ المقدامَ والفّعالا
ظلمتهُ ألسنةٌ تؤاخذهُ بكم
وظلمتموهُ مُفرطين كُسالى
أجل، بيننا رسل الذكريات
وماض يطيفُ،ودمعٌ يجودُ
وفكر وإن عقلتهُ الحياة
يظل بوادي المنايا يرودُ
أجل ،بيننا الخشبُ الدائباتُ
وإن كان راكبها لا يعودُ

مضى الدّهرُ وهي وراء الدموع
قيامٌ بملكِ الصحارى قعودُ
وكم حملت من صديدٍ يسيلُ
وكم وضعت من حناشٍ ودود
نشدتُكَ بالموت ألا أبنتَ
أأنتَ شقيٌّ بهِ أم سعيدُ؟
وكيفَ يُسمى الغريبُ امرؤٌ
نزيلُ الأبوّة،ضيفُ الجدود؟
وكيفَ يُقالُ لجارِ الاوائلِ
جارُ الأواخرِ
:
ناءٍ وحيد؟

إن تفقدوا الآسادَ أو أشبالَها
فالغابُ من أمثالها مأهولُ
صبراً،فأجرُ المسلمين وأجركم
عند الإلهِ،وإنّهُ لجزيلُ

الأزمةُ اشتدّتْ ورانَ بلاؤها
فاصدم بركنكَ ركنها ليميلا
شمشون أنت،وقد رستْ أركانها
فتمشّى في أركانها لتزولا

إني أخافُ على السماءِ من الأذى
كانت مطهرة الأديم،نقيّةً
في يوم يفسد في السماءِ الجيل
لا آدمٌ فيها ، ولا قابيلُ
يتوجّهُ العاني إلى رحماتها
ويرى بها برقَ الرجاءِ عليلُ
ويُشيرُ بالرأسِ المُكلّلِ نحوها
شيخٌ،وباللحظِ البرىءِ بتولُ
واليومَ للشهواتِ فيها والهوى
سيلٌ،وللدّمِ والدموعِ مسيلُ
أضحت ومن سفن الجواءِ طوائفٌ
فيها،ومن خيلِ الهواءِ رعيلُ
وازيل هيكلها المصون وسرُّهُ
والدهرُ للسرِّ المصون مذيلُ

الله ثبّتَ أرضَهُ بدعائمٍ
هم حائطُ الدنيا وركنُ المجمعِ
لو أنَّ كلَّ أخي يراعٍ بالغٌ
شأوَ الرئيسِ وكلَّ صاحبِ مِبضعِ

ولا تجعل تودّدُكَ ابتذالا
ولا تسمح بحلمكَ أن يُذالا
وكن ما بين ذاك وذاكَ حالا
فلن ترضي العدو ولا الحميما

أسئمتِ من ديباجهِ فنزعتهِ
والخزُّ أكفانٌ إذا لم يُنزعِ
فزعتْ وما خفيتْ عليها غايةٌ
لكنَّ من يردِ القيامة يفزعِ
ضرعتْ بأدمعُها إليكِ وما درتْ
أنَّ السفينةَ أقلعتْ في الأدمعِ

مولايَ،للنفس أن تُبدي بشائرها
بما رزقتَ،وأن تهديب تهانيها
الشّمسُ قدرها،بل الجوزاء منزلةً
بل الثريا،بل الدنيا وما فيها
أمُّ البنين إذا الأوطانُ أعوزها
مدبرٌ حازمٌ أو قلَّ حاميها
من الإناث سوى أنَّ الزمان لها
عبدٌ،وأن الملأ خُدّام ناديها
وأنها سرُّ عباس وبضعته
فهيَ الفضيلةُ،ما لي لا أسميّها؟

لا تعجلن وفي الشّبابِ بقيّة
حرب،وليلُ النائمين سلام
كانت أنابتكم المريبة سلوة
نُسجت على جرحٍ بجنبيك دامي
إن الذي جعل القلوب أعنّةً
قادَ الشّبيبة للهوى بزمامِ


وأكرم من غمام عند محل
فتى يحيى بمدحته الكراما
وما عذرُ المقصر عن جزاء
وما يجزيهمو إلا كلاما؟

قضاء،ومقدار،وآجال أنفس
إذا هي حانت لم تؤخر ثوانيا
نبيد كما بادت قبائل قبلنا
ويبقى الأنام
:
ميتاً،وناعيا

إنَّ العناية لما جاملتْ وعدتْ
ألا تكفَّ وأن تترى أياديها
بكلِّ عالٍ من الأنجالِ تحسبهُ
من الفراقدِ لو هشّتْ لرائيها
يقومُ بالعهدِ عن أوفى الجدودِ بهِ
عن والدٍ أبلج الذّماتِ عاليها
ويأخذ المجدَ عن مصر وصاحبها
عن السّراةِ الأعالي من مواليها
الناهضينَ على كرسي سؤددها
والقابضينَ على تاجي معاليها
والساهرينَ على النيلِ الحفي بها
وكأسها وحميّاها وساقيها

فإن تسألوا ما مكانُ الفنونِ
فكم شرفٍ فوق هذا الشرف
أريكةُ مولييرَ فيما مضى
وعرشُ شكسبيرَ فيما سلف
وعودُ ابن ساعدةٍ في عكاظ
إذا سالَ خادرُهُ بالطُرف
فلا يرقينَ فيه إلا فتىً
إلى درجاتِ النبوغ انصرف
تُعلّمُ حكمتهُ الحاضرينَ

أيها ألنفسُ تجدين سُدّىً
هل رأيتِ العيش إلا لعِبا
جَرّبي الدنيا تَهُنْ عندكِ ،ما
أهونَ الدنيا على من جرّبا
نلتِ فيما نلتِ من مظهرها
ومُنحتِ الخلدَ ذكراً ونبا

الصارخونَ إذا أُسىءَ إلى الحِمى
والزائرونَ إذا أُغيرَ على الشرى
لا الجاهلونَ العاجزونَ ولا الألى
يمشونَ في ذهبِ القيودِ تبخترا

هنيئاً للعدوِّ بكلِّ أرضٍ
إذا هوَ حلَّ في بلد تعادى
وبُعداً للسيادةِ والمعالي
إذا قطعَ القرابةَ والودادا

حب غرست براحتيك ولم يزل
يسقيه من كلتا يديك غمام
حتى أنافَ على قوائم سوقهِ
ثراً تنوءُ وراءه الأكمام
فقريبهُ للحاضرين وليمة
وبعيده للغابرين طعام

إني لأعذركم وأحسبُ عبئكمُ
وجدَ المُساعدَ غيركم وحُرمتم
من بينِ أعباءِ الرجالِ ثقيلا
في مصر عونَ الأمهات جليلا
وإذا النساءُ نشأنَ في أميّة
رضع الرجالَ جهالةً وخمولا


آيةُ الحُسنِ للقلوبِ تجلّت
كيفَ لا تعشقُ العيون امتثالا؟

أرحتَ بالك من دنيا بلا خُلُقٍ
أليس؟ والموت أقصى راحة البال
كذلك الأرضُ تبكي فقد عالمها
كالأم تبكي ذهابَ النافع الغالي

صدفتُ عن الأهواءِ والحرُّ يصدِفُ
وأنصفتُ من نفسي وذو اللبِّ يُنصِفُ
فرحتُ وفي نفسي من اليأسِ صارمٌ
وعدتُ وفي صدري من الحلمِ مُصحفُ

لو كان يسمع يومذاك بكاهما
ردّت إليه الروح من إشفاقه

سرّنا أنكَ ارتقيت وترقى
فكأنا نحوز ما أنت حائز

أقسمتُ لو أمر الزمان سماءه
فسعت لصدرك شمسها ونجومها
لينيل قدرك في المالي حقه
شكت المعالي أنه مظلومها

الجهل لا تحيا عليه جماعة
كيف الحياة على يدي عزريلا
والله لولا ألسنٌ وقرائحٌ
دارت على فِطن الشّبابِ شمولا
وتعهدت من أربعين نفوسَهم
تغزو القنوط وتغرس التأميلا
عرفت مواضع جدبهم فتتابعت
كالعين فيضاً والغمام مسيلا
تُسدي الجميل إلى البلاد وتستحي
من أن تكافأ بالثناء جميلا
ما كان

دنلوب

ولا تعليمه
عند الشدائد يُغنيان فتيلا

فيا رعى الله وفداً بين أعيننا
ويرحم الله ذاك الوفد ما رحما

تُشيرُ بوجهٍ أحمديٍّ مُنوّرٍ
عيونُ البرايا فيه منحسرات

تجوسُ بعين خلال الديا
رِ وترمي بأخرى فضاءَ النهر

ولم تقعْ العيونُ عليه إلا
أثارَ الحزنَ أو بعثَ البكاء

الخدُّ من دمعي ومن فيضهِ
يشربُ من عين ومن جدول

كيفَ تُهدى لما تشيد عيونٌ
في الثرى ملؤها حصىً ورغام

ودفنتها ودفنتُ خيرَ قصائدي
معها وطالَ بقبرها إنشادي

غنيّتها لحناً تغلغل في البكا
يا رُبَّ باكٍ في ظواهرِ شادي

بعدت

وعزّ إليك البريد
وهل بين حي وميت بريد؟
أجل
!
بيننا رسل الذكريات
وماض يطيف،ودمع يجود

حتى اتهِمتُ فقيلَ تركي الهوى
صدقوا،هوى الأبطال ملء فؤادي

أيُّها العمال أفنوا
العمرَ كَدّاً واكتسابا
واعمروا الأرضَ فلولا
سعيكم أمست يبابا
إنَّ لي نصحاً إليكم
إن أذنتم وعتابا
في زمانٍ غبيَ الناصحُ
فيهِ أو تغابى
أينَ أنتم من جدودٍ
خلّدوا هذا الترابا
قلّدوهُ الأثرَ المُع
جزَ والفنِّ العُجابا
وكسوهُ أبدَ الدهرِ
من الفخرِ ثيابا
أتقنوا الصَنعةَ حتى
أخذوا الخُلدَ اغتصابا
إنَّ للمُتقنِ عند
الله والناس ثوابا
أتقنوا يُحببكم الله
ويرفعكم جنابا
أرضيتم أن تُرى مصر
من الفنِّ خرابا
بعد ما كانت سماءً
للصناعاتِ وغابا
أيها الجمعُ لقد صرتَ
من المجلس قابا
فكُنِ الحرَّ اختياراً
وكنِ الحرَّ انتخابا
إنّ للقومِ لَعيناً
ليسَ تألوكَ ارتقابا
فتوّقع أن يقولوا
من عن العمالِ نابا
ليسَ بالأمرِ جديراً
كلُّ من ألقى خطابا
أو سخا بالمالِ أو قد
مَ جاهاً وانتسابا
أو رأى أُميّةً فاخ
تلبَ الجهل اختلابا
فتخيّر كلّ من شبب
على الصدقِ وشابا
واذكرِ الأنصارَ بالأمسِ
ولا تنسَ الصحابا
أيها الغادونَ كالنحلِ
ارتياداً وطلابا
في بُكورِ الطيرِ للرزقِ
مجيئاً وذهابا
اطلبوا الحقَّ برفقٍ
واجعلوا الواجبَ دابا
واستقيموا يفتحِ الله
لكم باباً فَبابا
اهجروا الخمرَ تُطيعوا الله
أو تُرضوا الكتابا
إنها رجسٌ فطوبى
لأمرىءٍ كفَّ وتابا
تُرعشُ الأيدي ومن يُرعش
من الصُنّاعِ خابا
إنّما العاقلُ من يجعلُ
للدهرِ حسابا
فاذكروا يومَ مشيبٍ
فيهِ تبكونَ الشبابا
إنَّ للِسنِّ لَهَماً
حينَ تعلو وعذابا
فاجعلوا من مالكم
للشيبِ والضعفِ نِصابا
واذكروا في الصحةِ الداءَ
إذا ما السُّقمُ نابا
واجمعوا المالَ ليومٍ
فيه تلقونَ اغتصابا
قد دعاكم ذنبَ الهيئةِ
داعٍ فأصابا
هيَ طاووسٌ وهل أحسنهُ
إلا الذُنابى

تعشّقتها شمطاءَ شابَ وليدها
وللناسِ فيما يعشقونَ مذاهب

أنا من بدّلَ بالكتُبِ الصّحابا
لم أجد لي وافياً إلا الكتابا
صاحبٌ إن عبته أو لم تعب
ليس بالواجدِ للصاحبِ عابا
كُلّما أخلقتهُ جدّدني
وكساني من حلي الفضل ثيابا
صحبتهُ لم أشك منها ريبة
وودادٌ لم يكلّفني عتابا

ركن الزعامة حين تطلب رأيه
فيرى،وتسألهُ الخطاب فينطق

يا لائمي في هواهُ والهوى قَدرُ
لو مسّكَ الشوقُ لم تعذِلْ ولم تَلُمِ

إنّي رأيتُ يدَ الحضارةِ أولعت
بالحقِّ هدماً تارةً وبناءَ
شرعت حقوق الناس في أوطانهم
إلا أُباةَ الضيمِ والضعفاء

وما ضرّ لو جعلوا العلاقة في غدٍ
بينَ الشعوبِ مودّةً وإخاءِ

إن كان للأخلاق ركن قائم
في هذه الدنيا،فأنت الباني
وجدانك الحي المُقيم على المدى
ولَرُبَّ حي ميت الوجدان
الناس
:
جارٍ في الحياة لغاية
ومضللٌ يجري بغيرِ عنان

إنّي أُجِلُّ عن القتالِ سرائري
إلا قتالَ البؤسِ والإملاقِ
وأرى سُمومَ العالمينَ كثيرةً
وأرى التعاونَ أنجع التّرياقِ
إنَّ القلوبَ وأنتَ ملءُ صميمها
بعثتْ تهانيها من الأعماقِ


أحمد شوقي:
يتحدث عن الدنيا
مشيتُ على الشّبابِ شواظ نار
ودرتُ على المشّيبِ رحى طحونا
تعينين الموالد والمنايا
وتبنين الحياة وتهدمينا
فيالك من هرّة أكلت بنيها
وما ولدوا وتنتظر الجنينا


يا أمينَ الحقوق أدّيتَ حتى
لم تَخُنْ مصرَ في الحقوقِ فتيلا
لستُ أنساكَ بين دُرْجَيك
مُكباً عليهما مشغولا
تُنشد الناسَ في القضية لحناً
كالحواريِّ رتلَ الإنجيلا
ماضياً في الجهاد لم تتأخر
تزن الصفّ أو تقيم الرعيلا
ما تبالي مضيت وحدك تحمي
حوذةَ الحق أم مضيت قبيلا

وكلُّ بساطِ عيشٍ سوف يُطوى
وإن طالَ الزمانُ بهِ وطابا

ولم أرَ مثل سوقِ الخيرِ كسباً
ولا كتجارةِ السوءِ اكتسابا

ومن لم يُقم ستراً على عيبِ غيرهِ
يعِشْ مُستباحَ العِرضِ مُنتهك السَّترِ

وإباءُ الرجالِ أمضى من السيفِ
على كفِّ فارس مسلولا
رُبَّ قلب أصارهُ الخُلق ضرغاماً
وخُلق أصارهُ الحقُّ غيلا

نعيشُ ونمضي في عذابٍ كَلذّةٍ
من العيشِ أو في لذّةٍ كَعذابِ
ذهبنا من الأحلام في كلِّ مذهب
فلما انتهينا فُسرِّتْ بذهابِ
وكلُّ أخي عيش وإن طالَ عيشهُ
ترابٌ لعمر الموت وابن ترابِ

وقد أنسى الإساءةَ من حسودٍ
ولا أنسى الصنيعةَ والفِعالا

اخارتَ يوم الهول يوم وداع
ونعاكَ في عصفِ الرياحِ الناعي
من مات في فزعِ القيامة لم يجد
قدماً تشيع أو حفاوة ساعي

من سرّهُ ألا يموت فبالعلا
خُلدَ الرجالُ وبالفعالِ النّابهِ
ما مات من حاز الثرى آثاره
واستولتِ الدنيا على آدابهِ

ومنْ يعدم الظُّفر بين الذئابِ
فإنَّ الذئابَ بهِ تظفر

لو عاشَ كانَ مؤملاً لمواقفٍ
يرجو لها الوادي كرام شبابه
يجلو على الألباب همّةَ فكرهِ
ويُناولُ الأسناعَ سحرَ خطابه
ويفي كَديدنهِ بحقِّ بلاده
ويفي بعهدِ المسلمين كَدأبه

أناسٌ كما تدري ودنيا بحالها
ودهرٌ رَخيٌّ تارةً وعسيرُ

وأحوال خَلْقٍ غابرٍ مُتجدّدٍ
تشابهَ فيها أوّلُ وأخيرُ

كأنَّ الله إذ قسمَ المعالي
لأهلِ الواجبِ ادّخرَ الكمالا
ترى جداً ولست ترى عليهم
ولوعاً بالصغائرِ واشتغالا
وليسوا أرغدَ الأحياءِ عيشاً
ولكن أنعمَ الأحياءِ بالا
إذا فعلوا فخيرُ الناسِ فعلا
وإن قالوا فأكرمهم مقالا
وإن سألتهمو الأوطانُ أعطوا
دماً حُرّاً وأبناءً ومالا

كم ساهرٍ خائفٌ والدّهرُ في سِنَةٍ
وراقدٍ آمنٌ والدّهرُ في سَهرِ
فلا تبينَّ محتالاً ولا ضجرا
إنَّ التدابيرَ لا تُغني من القَدَرِ

حياةٌ في أصولِ الموتِ سُمٌّ
عصارته،وإن بسطَ الظلالا

وأيامٌ تطيرُ بنا سحاباً
وإن خُيلّت تدبُّ بنا نمالا
نُريها في الضميرِ هوى وحُبّا
ونسمعها التبرم والملالا
قِصارٌ حين نجري اللّهوَ فيها
طِوالٌ حين نقطّعها فِعالا

ولم تضِقْ الحياةُ بنا ولكنْ
زحامُ السّوءِ ضيّقها مجالا
ولم تقتل براحتها بنيها
ولن سابقوا الموتَ اقتتالا
ولو راد الحياة الناسُ سعياً
وإخلاصاً لزادتهم جمالا

في الأمرِ ما فيهِ من جِدٍّ فلا تقفوا
من واقع جزعاً أو طائرٍ طربا
لا تثبتُ العين شيئاً أو تحققه
إذا تحيّرَ فيها الدّمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلِمُ في عينيكَ ناصعُهُ
إذا سدلتَ عليهِ الشكَّ والرِّيبا
إذا طابتَ عظيماً فاصبرن له
أو فاحشدنَّ رماحَ الخطِّ والقُضُبا
ولا تعدّ صغيرات الأمورِ له
إنَّ الصغائرَ ليست للعلا أُهبا
لا ريب أن خُطا الآمالِ واسعةٌ
وأنَّ ليل سراها صُبُحهُ اقتربا
الا تعدمُ الهِمّةُ الكبرى جوائزَها
سِيّان من غلبَ الأيام أو غُلبا

يا نفسُ دُنياكِ تُخفي كُلَّ مبكية
وإن بدا لك منها حسن مُبتسم
لا تحفلي بِجناها أو جنايتها
الموتُ بالزهرِ مثل الموت بالفحمِ
يا ويلتاه لِنفسي راعها وَدَها
مسودةَ الصحفِ في مبيضة اللممِ
هامتْ على أثرِ اللّذاتِ تطلبها
والنفسُ إن يَدعها داعي الصِّبا تَهِمِ

ومن يتجرّعِ الآلام حياً
تسغ عند الممات له اجتراعا

والجهدُ موتٍ في الحياة ثماره
والجهدُ بعد الموتِ غير مُضاعِ
والجبنُ في قلمِ البليغِ نظيرهُ
في السيفِ،منقصةٌ وسوء سماعِ

نومةُ السيفِ قد تكون حياةً
ورأيتُ اليراعَ إن نامَ أردى
خلق الله ذاك صاحبَ غِمدٍ
وبرا ذا لا يعرفُ الدهر غِمدا

والصدقُ أرفعُ ما اهتز الملوكُ له
وخيرُ ما عوّدَ لبناً في الحياة أبُ

سألوني لم

لم أرثِ أبي؟
ورثاءُ الأبِ دين أيّ دين




سألوني لم

لم أرثِ أبي؟
ورثاءُ الأبِ دين أيّ دين
أيها اللّوام ما أظلمكم
أينَ لي العقلُ الذي يسعف أين؟
يا أبي،ما أنت في ذا أوّل
كلّ نفسٍ للمنايا فرض عين
أنا من مات ومن مات أنا
لقي الموتُ كلانا مرتين
نحنُ كنّا مهجةً في بدن
ثم صرنا مهجةً في بدنين
ثم عدنا مهجةً في بدن
ثم نلقى جثة في كفنين

أحمد شوقي في المنفلوطي:
اخترت يوم الهول يوم وداع
ونعاكَ في عصفٍ الرياح الناعي
سِرْ في لواءِ العبقرية وانتظم
شتى المواكبِ فيه والأتباع
واصعد سماء الذكر من أسبابها
واظهر بفضل كالنهار مُذاع

من ظنَّ بعدكَ أن يقولَ رثاءَ
فليرثِ من هذا الورى من شاءَ

طُويَ البساطُ وجفّتِ الأقداحُ
وغدتْ عواطِلَ بعدكَ الأفراحُ

ألا حبذا صحبة المكتب
وأحببْ بأيامها أحبِبِ
ويا حبذا صبيةٌ يلعبون
عنانُ الحياة عليهم صبي
كأنّهم بسمات الحياة
وأنفاسُ ريحانها الطيّب
مقاعدهم من جناح الزمان
وما علموا خطر المركب
عصافيرُ عند تهجّي الدروس
مهارٌ عرابيد في الملعب
لهم جَرسٌ مُطربٌ في السراح
وليسَ إذا جدَّ بالمطربِ
جنونُ الحداثة من حولهم
تضيقُ بهِ سَعةُ المذهب
عدا فاستبدَّ بعقل الصبي
وأعدى المؤدب حتى صبي
فيا ويحهم هل أحسوا الحياة
لقد لعبوا وهي لم تلعب




































ا




















ا














.

\

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *