من أجل الله…لا من أجل المال

بسم الله الرحمن الرحيم

من أجل الله…لا من أجل المال

نشرت المجلة الطبية الألمانية الأسبوعية في عددها الرابع من عام 1989 م نقلاً عن الجريدة الإسرائيلية”جيروزاليم بوست”(الصادر بتاريخ الرابع من كانون الثاني عام 1989) مايلي:

“كان لابد من توفر قلب من أحد المتبرعين وخلال بضعة ساعات في مستشفى هاداسا لنقله للإسرائيلي “ياهيل إسرائيل”وعمره 46 سنة،والذي يعاني من قصور القلب الشديد والذي لم تفد فيه المعالجة الدوائية ولا الجراحية.وفي الوقت نفسه وصلت الأخبار أن شاباً عربياً في مشفى المقاصد في جبل الزيتون وعمره 18 سنة موجود هناك في حالة سبات عميق بسبب موت الدماغ بعد إصابته برصاصة في رأسه،في حين مايزال قلبه نابضاً وهو في حالة جيدة.

وجد الجراح الإسرائيلي نفسه في حيرة شديدة،ترى هل يطلب من “زملاءه”العرب المساعدة من أجل نقل قلب هذا الشاب العربي إلى المريض “الإسرائيلي”؟…كيف يتجرأ على ذلك،وهذا الشاب العربي قد أصيب في رأسه برصاصة من جندي”إسرائيلي”عندما كان يشارك في إحدى المظاهرات احتجاجاً على مقتل أحد الفلسطينيين بيد الجنود الإسرائيليين بالقرب من مدينة نابلس؟!

بعد وفاة المريض الإسرائيلي بمرض القلب وتشييع جثمان الشاب الفلسطيني من مشفى المقاصد،تكلمت الجريدة الإسرائيلية مع والد الشاب العربي الذي مات بطلقة رصاص وسألته إن كان سيوافق ـ لو طلب منه ـ على نقل قلب ابنه إلى المريض الإسرائيلي؟فقال الأب:إنني لم أدرِ بهذا الأمر إلا بعد تشييع جثمان ابني ومواراته في التراب،ولو كنت علمت بذلك مُسبقاً لكنت على الأرجح سأوافق على نقل قلب ابني للمريض الإسرائيلي،وإنني عندما أفعل ذلك إنما أفعله من وجهة نظر إنسانية راجياً ثواب الله،ولا يمكن أن أفعل ذلك من أجل المال”انتهت الترجمة.

لا أريد أن أعلق بعد هذه الترجمة على الأمر من الناحية الشرعية أو من الناحية الطبية،ولكن أحبّ أن أبدي رأياً في هذا الموضوع من الناحية الإنسانية:

ابن شاب من الضفة الغربية المحتلة واجه الموت بل القتل بطلقة رصاص جبانة من جندي إسرائيلي أقل ما يُقال في هذا الأمر أنه رمز للجبن والجريمة،وكيف لا،والمواجهة هنا بين شاب أعزل من كل سلاح مادي إلا من الإيمان بربه ثم قضية شعبه،وبين جندي مُدجج بالسلاح والقيم الزائفة،أضف إلى ذلك رصيده الذي ورثه عن شعبه  المُحبّ للجريمة والقتل والإضطهاد.

وهناك على الطرف المقابل والد هذا الشاب،الذي شيّع جثمان ابنه المقتول ثم صرّح للسائل عن استعداده للتبرع بقلب ابنه إلى مواطن إسرائيلي مريض يالقلب قائلاً:إنني على استعداد لفعل ذلك لهدفٍ إنساني ولايمكن أن أفعله لمنفعة مادية.

إن موقف هذا الأب الصابر ونظرته الإنسانية هي امتداد للنظرة الإنسانية الشاملة التي ورثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُواجه  كفار قريش ـ الذين أذاقوه العنت والاضطهاد عدة سنوات ـ بعد فتح مكة ويقول لهم صلى الله عليه وسلم بعد أن تمكّن منهم “ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟” فيقولون:أخ كريم وابن أخٍ كريم.فيقول لهم:”اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

وهو امتداد للنظرة الإنسانية الشاملة التي ورثها عن الناصر صلاح الدين مُحرّر القدس وهو يواجه الصليبيين بعد انتصاره عليهم ـ وما أدراك ما الصليبيون الذين سفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض  وقتلوا عشرات الألوف وذبحوا النساء والأطفال والشيوخ بأقوال مؤرخيهم ـ ومع ذلك وبعد الانتصار أظهر العفو والتسامح وسمح لهم بأن يغادروا القدس مُحملين  بأموالهم وأمتعتهم وعفا عنهم.

إنّ شعباً فيه هذه الخصال الإنسانية التي لم تتوفر للشعوب الأخرى قُدّر له أن يحكم ويسود..وسوف يحكم ويسود، وإ ن طالت سنين الإضطهاد والعذاب.

(نشر في الرائد العدد 118بيتاريخ نيسان عام 1989)


بسم الله الرحمن الرحيم

علماء الإسلام والحضارة

الإسلام والعلم:

يقول الدكتور زغلول النجار في مقالة له بعنوان”الجيل القرآني وبناؤه العلمي”:

“تعرف العلوم لغة بأنها مجموع ما علمه الإنسان من معارف وأخبار تجمعت له عبر الزمن في مختلف الأماكن والعصور مرتبة حسب ما تتعلق به من أمور،ويشمل ذلك كلاً من المعارف الموهوبة التي علمها الله تعالى لأبينا آدم عليه السلام لحظة خلقه،وورثها لبنيه من بعده،وأنزلها على عدد من أنبيائه ورسله،كما يشمل المعارف المكتسبة والتي جمعها الإنسان عبر العصور من تجاربه في هذه الحياة ومن استقرائه لسنن الله في الكون،ومحاكاته لما أوجد الله تعالى فيه من خلق،ويشمل ذلك هداية الله سبحانه وتعالى التي أنزلها على سلسلة طويلة من أنبيائه ورسله،وأكملها وأتمها في القرآن الكريم وفي سنّة خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.كما يشمل كل المعارف المكتسبة وميراث البشرية من هذه المصادر جميعاً عبر التاريخ.

ولكن ساد بين الناس اليوم قصر لفظة”العلم” على العلوم البحتة والتطبيقية القائمة على الملاحظة والاستنتاج،أو على التجربة والملاحظة والاستنتاج والمطبقة على الكون ومكوناته وظواهره المتعلقة بمختلف صور المادة والطاقة والجمادات والأحياء فيه.

و”العلم” بهذا التحديد بدأ مع الإنسان منذ اللحظة الأولى لوجوده على هذه الارض،ثم تزايد بالتدريج في عمليات من المد والجزر، ولكنه نما في الحضارة الإسلامية نمواً متوازناً جمع بين وحي السماء والعلوم المكتسبة في تكامل وانسجام.ثم انتقل هذا العلم الإسلامي بمنهجه التجريبي إلى الغرب عبر دولة الإسلام في الأندلس،وعبر احتكاك مع المسلمين في كل من صقلية وجنوب إيطاليا وشمال أفريقيا وبلاد الشام خاصة خلال الحروب الصليبية،ولكن المنهج العلمي الإسلامي عندما انتقل إلى الغرب كانت الكنيسة مهيمنة على الحياة فيه هيمنة كاملة،فرضت خلالها سِفر التكوين على المعارف الإنسانية،وعندما اصطدمت نتائج المنهج التجريبي مع تفسيرات الكنيسة بدت الصراع بين العلماء والكنيسة وحُسم لصالح العلوم المكتسبة،فبدأت تلك العلوم من منطلقات مادية بحتة منكرة كل ما هو غير مدرك أو محسوس بما في ذلك الدين،فانطلقت كل المعارف المكتسبة في الغرب من منطلقات معادية للدين،منكرة للغيب،دائرة في حدود المادة وحدها متجاوزة لكل ما هو فوق ذلك.

من هنا آثر أهل القرآن الكريم وحفظته البعد عن هذه المعارف المعارضة للأصول الإسلامية الثابتة،فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من تخلف علمي وتقني أفقر شعوبنا وجعلنا في حاجة إلى غيرنا من الأمم.ولكن المعطيات الكلية للعلوم المكتسبة في العقود المتأخرة من القرن العشرين ـ وعلى الرغم من أصحابها ـ بدأت في تأييد كل ما جاءت به الهداية الربانية التي تكاملت في بعثة النبي والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، ومن مقومات استكمال البناء العلمي لجيل القرآن الكريم الإلمام بهذه المعطيات الكلية للعلوم.

بلغت المعارف بالكون المادي في هذه الأيام مستوى لم تبلغه البشرية من قبل،وأصبحت الاستنتاجات الكلية لتلك المعارف تؤكد كل ما جاء به الدين من إيمان بالله الخالق البارىء المصور،وتنزيه له سبحانه وتعالى عن الشريك والشبيه والمنازع والصاحبة والولد،وعن جميع صفات خلقه،وعن كل وصف لا يليق بجلاله،كما تؤكد ضرورة الإيمان بالغيب وبالوحي وبالبعث والحساب،ويمكن إيجاز المعطيات الكلية للعلوم فيما يأتي:

ـ إن هذا الكون الذي نحيا فيه كون محدود،ولكنهكون متناه في أبعاده،مذهل في دقة بنائه وانتظام حركاته،وإحكام ترابطه،مما يشهد لخالقه بالألوهية والربوبية،وبطلاقة القدرة وبداعة الصنعة وإحكام الخلق.

ـ إن هذا الكون مبني على زوجية واضحة من اللبنات الأولية للمادة إلى الإنسان،ومبني في الوقت ذاته على نفس النظام من أدق دقائقه إلى أكبر وحداته مما يشهد لخالقه بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه.

ـ إن هذا الكون دائم التساع إلى نهاية لا تستطيع العلوم المكتسبة إدراكها وإن أمكنها قياس معدلات هذا التوسع.

ـ الكون على قِدمه مستحدث مخلوق،كانت له بداية في الماضي السحيق تقدر بحوالي أربعة عشر بليون سنة مضت. وكل مستحدث عارض لابدوأن تكون له في يوم من الأيام نهاية تؤكدها كل الظواهر الكونية من حولنا،وإن عجز الإنسان عن تحديد وقتها.

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله في مقال تحت عنوان”تجديد الإيمان”:

“يعتقد كثير من الغيورين من أهل العلم والفكر،أن الذي ينقصنا لكي نسعد ونرقى أفراداً وجماعات،إنما هو التقدم العلمي والتكنولوجي،الذي يساعد مجتمعاتنا على أن تنمو وتتطور،وتلحق بركب العالم المتحضر،الذي حطم الذرة،وغزا الفضاء،وصنع الكومبيوتر وأصبح على أبواب ثورة بيولوجية لاندري ماذا تصنع بالإنسان.

ومن حسن حظنا نحن المسلمين أن ديننا لا يضيق بالدعوة إلى العلم والتقدم،كما قد يتوهم الذين لايعرفون الإسلام ويريدون أن يُجروا عليه ماجرى على الأديان الأخرى.

نحن نعتبر التقدم العلمي ومايثمره في الحياة من استخدامات تكنولوجية نافعةـ  تيسر على الإنسان حياته وتوفر عليه جهده البدني والعقلي ـ  عبادة بالنسبة للفرد المسلم،يتقرب بمعرفتها وإتقانها إلى ربه،كما يتقرب بالصلاة والصيام،وهي ـ بالنسبة للمجتمع ـ فريضة كفائية يأثم المجتمع كله إذا لم يقم من أبنائه عدد كاف يسد كل الثغرات،ويلبي كل الحاجات،التي يتطلبها المجتمع في كل مجالاته المدنية والعسكرية.

ولكن الذي نؤكده هنا هو حاجة مجتمعاتنا ـ وكل المجتمعات البشرية ـ إلى العلم والإيمان جميعاً،فالإنسان جسم وروح،وعقل وقلب،ولابد من رعايته كله،وإمداده بما يغذى كل جوانبه وطاقاته،مما ينبت من الأرض، ومما ينزل من السماء.

وهذا هو التوازن أو التكامل الذي تميز به الإسلام.

فمن مظاهر التكامل في نظام الإسلام أن التقى به العلم والإيمان جنباً إلى جنب ولم يقم في مجتمعه ما قام في المجتمعات الأخرى من نزاع بين العلم والدين،راح ضحيته الألوف من أهل العلم والفكر ومن رأى رأيهم أو سار على دربهم…وتاريخ أوروبا في العصور الوسطى حافل بالمجازر البشرية الرهيبة التي سيق إليها العلماء والدارسون في ظل محاكم التفتيش وغيرها.

إن الشىء الذي تميز به الإسلام من غيره هو احترامه للعقل،ودعوته إلى النظر والتفكير،وحثه على العلم وإشادته بالعلماء وأصحاب العقول،وحملته على الجمود والجهل،وتمجيده للقراءة والكتابة والقلم،منذ أول آيات أنزلت من القرآن.

لقد شاع في تاريخ الكنيسة طوال العصور الوسطى عندهم:أن العقل ضد الوحي،وأن العلم عدو الدين،وأن الفكر خصم الإيمان،وأن الشريعة نقيض الحكمة.أما الإسلام فلم يعرف هذه المشكلة ،فالعقل والوحي عنده أثران من آثار الألوهية،لا يتعارضان ولا يتناقضان،ولهذا نرى الوحي يمجد العقل،ويحث على الانتفاع به،ونرى العقل هو الدليل على صدق الوحي،وهو الأداة لفهمه وشرحه.

ومن هنا قرر المحققون من أئمة الإسلام:أنه لا تعارض أبداً بين صحيح المنقول وصريح المعقول،وما ظنه بعض الناس من تعارض،فلابد أنه نتيجة خطأ في فهم ما هو من العقل أو ما هو من الدين.

ولقد مضت أربعة عشر قرناً على نزول القرآن الكريم،نشأ فيها كثير من المعارف والأفكار،ورغم هذا لم تخالف آية من آياته حقيقة ثابتة،وهذا من دلائل الإعجاز في هذا الكتاب العظيم.

ومع أن القرآن ليس كتاب(علم) بالمعنى الإصطلاحي للعلم الآن،فقد تضمن إشارات كثيرة إلى حقائق علمية،لم تكن تخطر على بال أحد في عصر نزوله ولا بعد عصره بقرون،وألفت في ذلك كتب كثيرة كشفت عن لون جديد من إعجاز القرآن،يمكن تسميتها (الإعجاز العلمي).

وأكثر من ذلك أن القرآن ينشىء بتعاليمه(العقلية العلمية)التي تنكر الخرافة،وترفض اتباع الظنون والأهواء ،وتستعصي على التبعية والتقليد،وتؤمن بالبرهان في العقليات،وتعتمد على الملاحظة والتجربة في الماديات،وتعتقد أن العقل منحة مُنحها الإنسان،لينظر بها، ويفكر في الانتفاع بالكون ومافيه والاستفادة من سير التاريخ،وما يجري فيه من سنن الله لا تتبدل.ففيه آيات(لقوم يعقلون)و(لقوم يتفكرون)و(لقوم يعلمون)و(لأولي الألباب) و(أولي النهى).

ويشيد القرآن بالعلماء في آيات كثيرة من سوره:(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).ويجعلهم وحدهم أهلاً لخشية الله ومخافته:(إنما يخشى الله من عباده العلماء).وقد ذكر القرآن العلماء هنا بعد ذكر السماء والماء والنبات والجبال والحيوان والإنسان،مما يشير إلى أن العلماء هم الراسخون في العلوم الكونية والحيوية وما يتعلق بها،فغن علمهم هذا يعرّفهم بقدر الله عز وجل،وعظيم نعمته،وواسع رحمته.

وذكر القرآن من قصص النبيين والصالحين ما يلفت الأنظار ـ بقوة ـ إلى قيمة العلم ومنزلته،في إعانة الإنسان على وظيفته في خلافة الله في الأرض واستخدامه في كثير من الأمور النافعة.كما في قصة سيدنا آدم وتفوقه على الملائكة بالعلم،وقصة سيدنايوسف،وتدبيره أمر مصر في المجاعة بالعلم،وقصة سيدنا سليمان وإحضاره عرش بلقيس بالعلم،وغيرها من قصص النبيين والمؤمنين.

العلم لا يغني بغير الإيمان:

ومع هذا فليس العقل كل شىء في الإنسان،ولا العلم كل شىء في الحياة.

إن العقل له ميدانه الذي لا يتجاوزه،والعلم له مجاله الذي لا يتعداه،وبعد ذلك يقف العقل والعلم حائرين.فسرّ الوجود،وغاية الحياة،ومبدأ الكون ومصيره،وقضية الموت والحياة،وما يتصل بذلك من قضايا الوجود الكبرى،لا يستطيع العقل أن يدركها وحده،ولا يستطيع العلم أن يمد إليها سلطانه،لان سلطانه فيما يخضع للملاحظة والتجربة،أي في الماديات والمحسوسات.

فكان لابد من معرفة أخرى تنبع من مصدر آخر لتحديد مركز الإنسان وغايته،ومهمته في هذه الأرض،وعلاقته بالكون والحياة،وخالق الكون والحياة،وليس هذا المصدر إلا الوحي الإلهي،ولا سبيل إلى التلقى عنه إلا بالإيمان.وقد حاول بعض مفكري البشر في مختلف العصور أن يصلوا إلى الحقائق الكبرى بعقولهم،وأن يحلوا مشكلات الوجود بأفكارهم،فلم يستطيعوا،وخرجوا بنتائج متناقضة،لا يطمئن بها القلب،ولا تستقيم بها الحياة. إن الإيمان وحده هو الطريق المأمون.

إن الإيمان هو الذي يفسر قضايا الوجود الكبرى،ويصل الإنسان بالوجود الكبير وبالأزل والأبد،ويجعل لحياته طعماً وهدفاً ورسالة.

وهو ـ مع ذلك ـ يعصم العلم من الانحراف،ويحول دون استخدامه في الشر والعدوان،ولهذا رأينا سليمان عليه السلام حين أحضر إليه عرش بلقيس بواسطة(الذي عنده علم في الكتاب) يُرجع الفضل إلى الله ولا يطغى أو يغتر،بل قال ماقصه القرآن:(فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم).

وفي قصة ذي القرنين بعد أن أتمَّ بناء السد،يقول في تواضع المؤمنين:(هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً وكان وعد ربي حقا).

ورأينا العلم الذي قام بتوجيه الإيمان في ظل الحضارة الإسلامية يبني ويعمر،ويعمل لخدمة الإنسان،وتزكية الإنسان، وإسعاد الإنسان.

ورأينا حين قام العلم في الغربـ لظروفه التاريخية مع الكنيسة ـ بعيداً عن هدى الله،مقطوعاً من الإيمان باللله ،كانت نتيجته الأسلحة الكيماوية والجرثومية وآلات الفتك والدمار،التي جعلت البشرية تبيت على أحلام مزعجة،وتصحو على مخاوف مفزعة،لقد أعطاها العلم الوسائل،ولكنه لم يحقق لها السكينة النفسية. انتصرت به على الطبيعة،ولكن لم تنتصر به على نفسها وشهواتها.

ومن هنا كان لابد من إيمان العلماء،وعلم المؤمنين،وهذا ما تقوم عليه الحياة الإسلامية المتكاملة.

ولهذا جمعت أول آية نزلت من القرآن بين العلم والإيمان،وهي قوله تعالى:(اقرأ باسم ربك الذي خلق)فالقراءة ـ وهي مفتاح العلم ـ إنما يريدها الإسلام قراءة باسم الله الخالق،وإذا كان مفتاح الإسلام هو العلم والفهم، فإن جوهر الإسلام هو الإيمان،وجوهر الإيمان هو التوحيد.بل هو جوهر الرسالات السماوية كلها. ولهذا كان النداء الأول في كل رسالة:(يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره).

ويقول الاستاذ الدكتور يوسف القرضاوي رحمه الله في مقال آخر بعنوان”فضل العلم على العبادة”:

“من فضائل العلم ماثبت في الأحاديث أنه أفضل من العبادة،وأن العالم مقدم على العابد.ففي حديث أبي الدرداء المشهور:”فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب”.وكذلك جاء في حديث معاذ بن جبل.وفي حديث أبي أمامة”فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم”.وفي حديث حذيفة وسعد:”فضل العلم أحب إلي منفضل العبادة، وخير دينكم الورع”.

وذلك لأن العلم يسبق العمل، ويدل عليه،ويرشد إليه،فهو دليل له من ناحية،وشرط لقبوله من ناحية أخرى،فلا عمل بلا علم،وقد يوجد علم بلا عمل، والمعنى: أنه كلما وجد العمل لزم وجود العلم،بخلاف عكسه،ولهذا قيل:العلم بدون عمل جنون، والعمل بدون علم لا يكون.

ومن ناحية أخرى فضل العلم على العبادة،لأن نفع العلم متعد،ونفع العبادة قاصر، فالعبادة إنما تنفع صاحبها، والعلم ينفع الكافة.

ثم إن نفع العبادة ـ غالباً ـ ينتهي بالفراغ منها،ولكن نفع العلم يبقى إلى ما شاء الله،ولهذا عد في الأمور الباقية لللإنسان بعد موته،فإذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من أشياء معروفة منها: علم ينتفع به من بعده.وعلى قدر المنتفعين بعلمه يكون أجره،فكلما اهتدى به مهتد إلى طريق الخير،واسترشد به مسترشد في معرفة الحلال من الحرام، والهدى من الضلال،كان له أجره،كما جاء في الحديث:”من دل على خير فله مثل أجر فاعله”.

ولان العلم إما فرض عين، وإما فرض كفاية،وكلاهما أفضل من الاشتغال بالنوافل.

ولان العلم من صفات الله تعالى،والعمل من صفات المخلوقين،فهو هنا يتخلق بخلق من أخلاق الله تعالى،إن صح التعبير،أو يتصف بصفة من صفاته،واسم من أسمائه الحسنى.

ولأن العلم هو الذي يكشف الغوامض من المسائل، ويفصل في دقائق الأمور،كما رأينا في حديث الذي قتل تسعة وتسعين نفساً،فسأل رجلاً عابداً هو أعبد أهل الأرض في زمنه،:هل له من توبة؟فقال له: لا توبة لك،فقتله،وأكمل به المائة،ثم سأل رجلاً عالماً،هو أعلم أهل الأرض في زمنه:هل له من توبة؟فقال له :نعم،وأمره أن ينتقل من القرية الظالمة الفاسدة إلى قرية أخرى صالحة.

ولأان العلم هو الذي يبين الحق من الباطل في الاعتقادات،والصواب من الخطأ في المقولات،والمسنون من المبتدع في العبادات،والحلال من الحرام في التصرفات،والصحيح من الفاسد في المعاملات،والفضيلة من الرزيلة في السلوكيات،والمقبول من المردود في المعايير،والراجح من المرجوح في الأقوال والأعمال.

وبدون العلم يمكن أن يعتقد المرء الباطل وهو يحسبه حقاً،ويرتكب البدعة وهو يظنها سنة،ويتورط في الحرام وهو يتوهمه حلالاً،ويسقط في حمأة الرزيلة وهو يتصورها فضيلة،ولهذا كان من الأدعية المأثورة:”اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه،وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه”.حتى لايكون المرء ممن(زين له سوء عمله فرآه حسنا).

وذكر الإمام البخاري في كتاب “العلم” :أن العلم يسبق العمل، واستدل لذلك بالقرآن والحديث.

وقال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:”من عمل على غير علم،كان ما يفسد أكثر مما يصلح”.

وقال الإمام الشافعي رحمه الله:”ليس شىء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم.”

ويقول الأستاذ الدكتور محمد هيثم الخياط رحمه الله(ندوة العلوم في الإسلام ـ الكويت 2001):

“ولم يكن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تابعوهم بإحسان يصنفون العلوم إلى علوم شرعية وعلوم كونية،وإنما كانوا يقتدون بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم العلم إلى علم نافع وعلم لاينفع.وقد صحّ عنه صلوات الله عليه وسلم أنه كان يسأل الله علماً نافعاً،وأنه كان يستعيذ بالله من علم لاينفع.وقد ضرب القرآن الكريم مثلاً للعلم الذي لاينفع في قصة هاروت وماروت:(ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)(البقرة 102).

فكل علم ينفع الناس هو علم إسلامي،وهو علم مشروع،وهو علم حق.فالحق غاية العلم..

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم طلب هذا العلم النافع فريضة على كل مسلم،ذكراً كان أم أنثى،ولو أن منه ما هو فرض عين ومنه ماهو فرض كفاية.وانظر إلى قوله صلوات الله عليه”طلب العلم ...،لتعرف لماذا أجهد المسلمون أنفسهم في تطبه،ولماذا بحثوا عنه في كل مكان ولم يجدوا حرجاً في أخذه من أيّ وعاء خرج،ولماذا اتجهت أمة الإسلام بعد عصر الراشدين،الذي فتح على الإسلام قلوب الناس،تتفتح على العالم من حولها تتلمس كل علم ينفع الناس.

ولكن الذي يلفت النظر ويثير الدهشة،أن هذه الأمة بعد أن قضت فترة الحضانة العلمية في أيام الراشدين إن صح التعبير،قد انفتحت على العالم وهي في مرحلة نضج ثقافي وعلمي ظاهرين.وهذا النضج العلمي والثقافي مكن هذه الأمة من ابتكار علوم خاصة ،ابتدعت أصولها ومناهجها،وأرست لها أركان النهج الفكري المستقيم،ونواظم إعمال العقل إعمالاً ليس له حدود..

ويتابع الدكتور الخياط رحمه الله:”هذه العلوم الخاصة الأصيلة أعدّت هذه الأمة لاستقبال العلوم التي لم يكن لها بها عهد.وتلك الثقافة التي كانت تهيمن على الضمائر والمواقف،جعلت الأمة تتفتح على الثقافات الأخرى بلا حرج ولا عقد.ولكنها جعلتها كذلك تقف منها موقف العالم المتبصر،وموقف الناقد المستنير.فلم تأخذ من الحضارة اليونانية مثلاً من أدب اليونان ولا شعرهم ولا فنهم ولا دراماهم ولا ميثولوجيتهم،ولكنها اغترفت من هذه الحضارة ما استطاعت من علوم الطب والطبيعة،وتخيرت وانتقت ما شاءت من الحكمة والفلسفة.

ويتابع الدكتور الخياط رحمه الله:”وقد كان عجباً من العجب،لم يشهده التاريخ من قبل أو بعد،أن أمة فاتحة ،تملي شروط الصلح على المغلوبين،فتطلب إليهم أن يقدموا لها كتب العلم والفلسفة غرامة حربية…هذا ما فعله العرب في صلحهم مع الروم،وهذا وحده دليل قاطع،على أنهم كانوا على استعداد لقبول هذه العلوم،وأنهم كانوا في قدر من التقدم الفكري يسمح لهم باستيعاب هذه العلوم،بل غربلتها وانتخالها،بل تثوير أعماقها والخروج منها بمبتكرات لم تخطر على البال.

ويمكن أن نلاحظ أن الحركة العلمية في الإسلام سبقت الدراسات الفلسفية،ويوم أن استقر العرب في بلاد فارس ومصر،لفتت أنظارهم حركات علمية في جُنديسابور وحرّان والإسكندرية.فحاولوا أن يُفيدوا منها،وشُغلوا أولاً بما تقتضيه ظروف الحياة.وإنك لترى خالد بن يزيد الأموي يُعنى في عهد مبكر بالكيمياء والطب والفلك،ويأمر بعض المتخصصين بمصر بترجمة رسائل فيها عن اليونانية أو القبطية. ثم ترى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يأمر”ابن ماسرجُويه” بترجمة كتاب أهرُن القس في الطب.ويوم أن اتجه المنصور نحو مدرسة جُنديسابور التي أسسها كسرى أنو شروان،إنما كان يبحث عن أطباء لا عن فلاسفو،وقد اهتدى إلى بني بختيشوع الذين كان لهم شأن في نشأة الدراسات الطبية العربية،وإسهامٌ في حركة الترجمة الكبرى.كما قام في أيامه عبد الله بن المقفع بنقل كتب في المنطق والطب كان الفرس قد نقلوها من اليونانية،كما نقل يحيى بن البطريق كتباً كثبرة لبقراط زجالينوس، أمره المنصور بنقلها.

وللمرء أن يتساءل: لماذا وصل المسلمون إلى هذا النضج العلمي الباهر في مثل هذه الحقبة الوجيزة؟والجواب في القرآن المجيد نفسه،الذي علم الناس أصول المنهج العلمي تعليماً..لم يضعها في فصل مستقل عنوانه”المنهج العلمي” وإنما بثها في تضاعيف آي القرآن الحكيم وثناياه،

بحيث تشرّبها الذين يتلونه حق تلاوته،وهيمنت على تفكيرهم من حيث لايشعرون.

ـ فالعلم لا يقول عن شىء أنه حق إلا إذا قام عليه البرهان اليقيني القاطع.وقد أخذ المسلمون هذا المبدأ من مثل قوله تعالى:(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)(البقرة 11).

ـ والعلم يحاذر كل المحاذرة أن ينزل الظن منزلة اليقين،أو أن ينزل الخَرص والتخمين منزلة الترجيح،وذلك مأخوذ من مثل قوله تعالى:(إن هيَ إلا أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤُكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظنَّ وماتهوى الأنفسُ ولقد جاءهم من ربهم الهدى)(النجم 23).

ـ والعلم يمنع التقليد من غير وقوف على الدليل والاقتناع به،ولا يهمه أن يكون فلان أو فلان من كبار العلماء قد قال به إن لم يبرهن عليه،وهو مأخوذ من مثل قوله عز وجل:(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبّعُ ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)(البقرة 170).

ـ والعلم ينطلق في تطبيقه قوانين التفكير المنطقي من أصلين اثنين: أحدهما أنه لا تناقض مطلقاً بين الحقائق.والثاني: أصل اطرّاد الفطرة واستقلالها،فما ثبت أنه حق في وقت ما سيكون دائماً حقاً،إذ الحق مستقل عن الزمان والمكان.

وهذان الأصلان هما أصلان قرآنيان،تجد الأول في قوله تعالى:(ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت)(الملك 3)وتجد الثاني في قوله سبحانه:(ولن تجد لسنو الله تبديلا)(الأحزاب62)وقوله:(قل لن تجد لسنّة الله تبديلاً ولن تجد لسنّة الله تحويلاً)(فاطر 43)وقوله 🙁لا تبديل لخلق الله)(الروم 30).

ـ والعلم يعتمد طريق المشاهدة الصحيحة سبيلاً للبحث عن الحقيقة.والقرآن الحكيم هو الذي يوجه كثيراً إلى استعمال الحواس كع العقل،يقول تعالى:(ولاتقفُ ماليسَ لكَ به علمٌ إنَّ السمع والبصر والفؤادَ كل أولئك كان عنه مسئولاً)(الإسراء 36).

وفي هذه الآية وحدها ثلاثة أصول هي جماع أول النظر العلمي،أولها:أن لا يتبع الإنسان إلا الحق المعلوم يقيناً،وثانيها: أن طريق الوصول إلى الحق هو المشاهدة الصحيحة والتفكير الصحيح،وثالثها: إن على الإنسانأن يستمسك بما يصل إليه من الحق عن طريق المشاهدة والتفكير، لأنه عن ذلك مسؤول.

هكذا إذن،ومنذ النصف الثاني من القرن الهجري الأول،بادر المسلمون إلى طلب العلم قياماً بالفريضة،ورجاءً بأن تضع الملائكة أجنحتها لهم رضىً بما ينعون،وبذلك أخذ العلم في العالم كله ينطبع بطابع علماء الحضارة الإسلامية ويصطبغ بصبغتهم.وإذا كان جورج سارتون في كتابه المشهور”تاريخ العلم” يقسّم العلم إلى عصور يمتد كل منها نصف قرن،ويسمي كل عصر منها باسم شخصية علمية فرضت وجودها عليه،فإن حقبة القرون الثلاثة ونصف القرن التي تمتد من عام 750 إلى 1100م،تمثل حقبة لا تحمل أي اسم غير إسلامي،وهي على التوالي عصور: جابر بن حيان،فالخوارزمي،فالرازي،فالمسعودي،فأبي الوفا،فالبيروني،فعمر الخيام،وجميعهم من العرب والترك والأفغان والفرس المسلمين،ومنهم علماء الكيمياء والجبر والطب والجغرافية والرياضيات والطبيعيات والفلك وغيرها.ولم يظهر في كتاب سارتون أي اسم غير إسلامي في مجال العلوم إلا بعد ألف ومئة حيث ذكر أول اسمين غربيين هما: جيرار ورودجر بيكون،ولكن ظل انتساب العصور شركة بين أسماء العلماء الغربيين والمسلمين على مدى قرنين ونصف من الزمن بعدئذ حيث ظهرت أسماء ابن رشد ونصير الدين الطوسي وابن النفيس.

وليس من غرض هذا الحديث أن نتحدث عما قدمه رواد العلم من علماء الحضارة الإسلامية للعالم فالبحث في ذلك يتشعب ويطول. فمن ذا الذي يستطيع أن ينكر أثر ابن سينا وابن الهيثم والخازن وقطب الدين الشيرازي وتلميذه كمال الدين في الفيزياء؟أو فضل محمد بن موسى الخوارزمي وأبي كامل وقسطا بن لوقا وسنان بن أبي الفتح والقلصادي وبهاء الدين العاملي وغياث الدين جمشيد الكاشي وابن الهيثم وثابت بن قرة والقوهي والخيام في الرياضيات،أو فضل ابن الهيثن ونصير الدين الطوسي والبيروني وثابت بن قرة وبني موسى والبوزجاني وابن يونس في الهندسة،أو فضل البوزجاني والطوسي والبيروني والخازن وجابر بن الأفلح والتبريزي في علم المثلثات،أو فضل ثابت بن قرة والبلخي وحنين بن اسحاق والبتاني وسهل بن بشار وقسطا البعلبكي والكندي والبوزجاني وابن يونس والصاغاني والقوهي والبيروني والخازن والطوسي وجمشيد الكاشي والفرغاني والفزاري والبطروجي وابن رستم القوهي في علم الفلك،أو فضل آل بختيشوع ويوحنا بن ماسويه وحنين بن اسحاق وثابت ابن قرة وابنه سنان بن ثابت وعلي بن ربّن والقمري والرازي وعلي بن العباس وابن سينا وابن زهر والزهراوي وابن رشد وابن النفيس في الطب،أو فضل ابن البيطار والدينوري وداود الأنطاكي في النبات والعقاقير،أو فضل ابن ماجد وابن خرداذابة وابن رستة والمسعودي والخوارزمي والبلخي وبني شاكر في الجغرافية وغيرهم كثير.

ويقول الدكتور عبد الوهاب عزام رحمه الله(مجلة الرسالة العدد574 بتاريخ الثالث من تموز عام 1944م):

“وفي تاريخ الإسلام ما يحير القارىء من الحث على العلم والدأب على تحصيله والولع به واحتمال المشقة في سبيله والرحلة إلى الأقطار البعيدة من أجله،والتنافس فيه،فقد جاء الإسلام داعياً إلى العلم حاثاً على النظر في ملكوت السموات والأرض وسمى دستوره الكتاب والقرآن،وكانت أول كلمة نزلت من القرآن(اقرأ).وحمل العرب أمانة الإسلام ورعوا سنن القرآن،فاجتمعت الأمم في رعايتهم على حب العلم وطلبه،والكد فيه والدأب عليه حتى صار العلم الإسلامي كله كمدرسة واحدة يجد معلموها ومتعلموها في التعليم والتعلم.ويقوم عليها خلفاء وأمراء وكبراء يبذلون من جاههم ومالهم لأولي العلم.وقد بلغ الخلفاء بالعلم والعلماء منزلة التقديس.هذا هارون الرشيد يصب الماء على يد عالم ضرير ويقول إنه يفعله إكراماً للعلم،وولداه الأمين والمأمون يتنافسان في تقديم النعلين لأستاذهما الكسائي.والخليفة المعتضد بالله كان يوماً يطوف في بستانه وهو آخذ بيد ثابت بن قرة الحراني، فجذبها دفعة واحدة وخلاها، فقال ثابت ما بدا يا أمير المؤمنين؟قال: كانت يدي فوق يديك والعلم يعلى ولا يعلى عليه”.