بسم الله الرحمن الرحيم
من أجل الله…لا من أجل المال
نشرت المجلة الطبية الألمانية الأسبوعية في عددها الرابع من عام 1989 م نقلاً عن الجريدة الإسرائيلية”جيروزاليم بوست”(الصادر بتاريخ الرابع من كانون الثاني عام 1989) مايلي:
“كان لابد من توفر قلب من أحد المتبرعين وخلال بضعة ساعات في مستشفى هاداسا لنقله للإسرائيلي “ياهيل إسرائيل”وعمره 46 سنة،والذي يعاني من قصور القلب الشديد والذي لم تفد فيه المعالجة الدوائية ولا الجراحية.وفي الوقت نفسه وصلت الأخبار أن شاباً عربياً في مشفى المقاصد في جبل الزيتون وعمره 18 سنة موجود هناك في حالة سبات عميق بسبب موت الدماغ بعد إصابته برصاصة في رأسه،في حين مايزال قلبه نابضاً وهو في حالة جيدة.
وجد الجراح الإسرائيلي نفسه في حيرة شديدة،ترى هل يطلب من “زملاءه”العرب المساعدة من أجل نقل قلب هذا الشاب العربي إلى المريض “الإسرائيلي”؟…كيف يتجرأ على ذلك،وهذا الشاب العربي قد أصيب في رأسه برصاصة من جندي”إسرائيلي”عندما كان يشارك في إحدى المظاهرات احتجاجاً على مقتل أحد الفلسطينيين بيد الجنود الإسرائيليين بالقرب من مدينة نابلس؟!
بعد وفاة المريض الإسرائيلي بمرض القلب وتشييع جثمان الشاب الفلسطيني من مشفى المقاصد،تكلمت الجريدة الإسرائيلية مع والد الشاب العربي الذي مات بطلقة رصاص وسألته إن كان سيوافق ـ لو طلب منه ـ على نقل قلب ابنه إلى المريض الإسرائيلي؟فقال الأب:إنني لم أدرِ بهذا الأمر إلا بعد تشييع جثمان ابني ومواراته في التراب،ولو كنت علمت بذلك مُسبقاً لكنت على الأرجح سأوافق على نقل قلب ابني للمريض الإسرائيلي،وإنني عندما أفعل ذلك إنما أفعله من وجهة نظر إنسانية راجياً ثواب الله،ولا يمكن أن أفعل ذلك من أجل المال”انتهت الترجمة.
لا أريد أن أعلق بعد هذه الترجمة على الأمر من الناحية الشرعية أو من الناحية الطبية،ولكن أحبّ أن أبدي رأياً في هذا الموضوع من الناحية الإنسانية:
ابن شاب من الضفة الغربية المحتلة واجه الموت بل القتل بطلقة رصاص جبانة من جندي إسرائيلي أقل ما يُقال في هذا الأمر أنه رمز للجبن والجريمة،وكيف لا،والمواجهة هنا بين شاب أعزل من كل سلاح مادي إلا من الإيمان بربه ثم قضية شعبه،وبين جندي مُدجج بالسلاح والقيم الزائفة،أضف إلى ذلك رصيده الذي ورثه عن شعبه المُحبّ للجريمة والقتل والإضطهاد.
وهناك على الطرف المقابل والد هذا الشاب،الذي شيّع جثمان ابنه المقتول ثم صرّح للسائل عن استعداده للتبرع بقلب ابنه إلى مواطن إسرائيلي مريض يالقلب قائلاً:إنني على استعداد لفعل ذلك لهدفٍ إنساني ولايمكن أن أفعله لمنفعة مادية.
إن موقف هذا الأب الصابر ونظرته الإنسانية هي امتداد للنظرة الإنسانية الشاملة التي ورثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُواجه كفار قريش ـ الذين أذاقوه العنت والاضطهاد عدة سنوات ـ بعد فتح مكة ويقول لهم صلى الله عليه وسلم بعد أن تمكّن منهم “ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟” فيقولون:أخ كريم وابن أخٍ كريم.فيقول لهم:”اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
وهو امتداد للنظرة الإنسانية الشاملة التي ورثها عن الناصر صلاح الدين مُحرّر القدس وهو يواجه الصليبيين بعد انتصاره عليهم ـ وما أدراك ما الصليبيون الذين سفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض وقتلوا عشرات الألوف وذبحوا النساء والأطفال والشيوخ بأقوال مؤرخيهم ـ ومع ذلك وبعد الانتصار أظهر العفو والتسامح وسمح لهم بأن يغادروا القدس مُحملين بأموالهم وأمتعتهم وعفا عنهم.
إنّ شعباً فيه هذه الخصال الإنسانية التي لم تتوفر للشعوب الأخرى قُدّر له أن يحكم ويسود..وسوف يحكم ويسود، وإ ن طالت سنين الإضطهاد والعذاب.
(نشر في الرائد العدد 118بيتاريخ نيسان عام 1989)