كيف تقتلُ شعباً مسلماً.. تحت ستار من الشرعية الدولية؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تقتلُ شعباً مسلماً..
تحت ستار من الشرعية الدولية؟!
لقد عرف العالم قديمه وحديثه مجازر عديدة،ومذابح شنيعة،ارتكبتها بعض الأمم أو القوميات تجاه شعب من الشعوب،أو أمة من الأمم،ولكن مايحدث الآن في البوسنة والهرسك من مجازر ومذابح،قد تجاوز البعيد والقريب،لأن هذه المجازر تحدث ولأول مرة في التاريخ تحت سمع العالم وبصره،وتحت ستار من الشرعية الدولية،وتحت رعاية القانون الدولي!!
نعم،مذابح ومجازر تُشارك بها كل شعوب العالم المُسمى بالعالم”المتقدّم”و”المتحضر” وتُنفذ هذه المذابح بقرارات من هيئة الأمم المتحدة وبتوقيع الأمين العام للأمم المتحدة.
إنَّ المسلمين في البوسنة والهرسك،شعبٌ مُسلم مُسالم صغير،يعيش في أواسط أوروبا النصرانية والعلمانية،وأراد هذا الشعب كغيره من شعوب أوروبا….أن ينال استقلاله وحريته فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة هي أن الإنسان الأوروبي المعاصر،حفيد أجداده الرومان واليونان والسلافيين والجرمانيين ـ وما أدراك بهؤلاء الأجداد ـ والذي رفع حوله شعارات:الديمقراطية،والحرية،والمساواة،وحقّ تقرير المصير،…وجد نفسه أمام شعب مسلم يريد أن يقيم لنفسه كياناً مستقلاً في وسط أوروبا يشترك فيه مع آخرين،في العيش والوئام والسلام المشترك.
وكان جواب هؤلاء الأوروبيين “المتحضرين” كيف السبيل إلى افتراس هذا الحمل الصغير؟والذئب المغطى بقناع الشعارات البراقة،والمربوط إلى الدساتير برسن الديمقراطية والحرية،كيف السبيل إلى الإفتراس بدون تأنيب ضمير،أو تأديب كبير؟!
هنا تفتّقت العقول الماكرة،عن أفكار مبتكرة،جمعتها تجارب عديدة في الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي في عهد الشيوعية وستالين،وفي الهند الصينية،وفي الجزائر،وأفغانستان،وفلسطين والعراق…وانصبّت هذه التجارب في بوتقة واحدة،في البوسنة والهرسك فتمّ إبادة شعب مسلم صغير في وسط أوروبا”الحضارة”وأوروبا “العدالة” وتحت سمع العالم وبصره،وبناء على توصيات الأمم المتحدة،وتمّت هذه الجريمة بدون أن يُعاقب الجاني،بل قُلّد أرفع الأوسمة،ومُنح الأراضي والمساعدات،وبدون أن يتأسى أحد على المجني عليه،أو يترّحم عليه أحد.
إن الجريمة،إذا تعدّد الجناة فيها،قلّ فيهم من يشعر بتأنيب الضمير،وإذا كان الجناة يُلاقون دعماً أو حماية من القانون،فإنّهم يظنون أن مايقومون به كان شيئاً ضرورياً ولمصلحة عليا.وهذا يُذّكرني بإخوة يوسف عليه السلام،الذين أرادوا قتله والقضاء عليه،وهم يظنون أنهم يفعلون ذلك لمصلحة عليا وهي أنهم سيكونون من بعده قوماً صالحين{اقتلوا يوسفَ أو اطرحوهُ أرضاً يخلُ لكم وجهُ أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين}[يوسف 9].فهم من خلال قتل يوسف يحققون حسب ظنهم مصلحة،وقتل الشعب المسلم في البوسنة والهرسك،حسب ظنهم وتقديراتهم مصلحة قومية ومصلحة دينية عليا،وهكذا تتحوّل الجريمة إلى مصلحة عليا،ويتحول الجاني إلى مُدافع عن الحقوق والمصالح،ويتحول المجني عليه إلى متهم ومخرب ومتطرف….نعم،هذه شريعة الديمقراطية والحرية كما يراها أهل الغرب!!
لقد تمّت المجزرة بشتّى الوسائل وأعنف الأساليب،وبكل ماتفتقت عنه عقول الأبالسة والشياطين:
ـ تمّ قتل أكبر عدد ممكن من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.قلّة قليلة منهم قُتلوا بالنار والرصاص.والأكثرية قُتلت بعد تدمير المساجد والمنازل والمشافي فوق الرؤوس،ومن خلال الذبح والتدمير،طبعاً بعد أن سبق ذلك جدع الأنوف،وتقطيع الرؤوس والأطراف،وبعد أن تعرضوا لأبشع تمثيل،وكل هذا يقع تحت سمع العالم وبصره،وعلى علم وإدراك من هيئاته الدولية!!
ـ وأما من بقي على قيد الحياة من الأطفال والنساء،فلقد شُردوا ووزعوا على كل أنحاء العالم،وحتى هنا لم يسمحوا للأم المسكينة التي فارقت زوجها بمصاحبة أطفالها، فالأمهات وُزعن هنا والأطفال هناك،فلا يجوز الجمع بينهم،لأن إمكانية الدول المضيفة لا تتحمل هذا.نعم هذا ما تقوله القوانين الدولية والشرعية الدولية!!
ـ وأما من بقي على قيد الحياة من الرجال فأكثرهم قد استوعبتهم معسكرات الإعتقال،حيث التجويع والتعذيب،والموت الزؤام البطيء.وكل هذا يقع تحت سمع العالم”المتحضر” وبصره،وتحت علم وإدراك النظام الدولي الجديد!!
ـ والقلّة القليلة من الرجال المحاربين،سمح لهم بحق اللجوء السياسي في بعض بلدان اوروبا،ولكن بشرط ترك العائلات والزوجات والأطفال،فالرجال يحق لهم اللجوء السياسي لأنهم حاربوا،أما النساء والأطفال فلا يحق لهم ذلك.نعم هذا ماتقوله قوانين الشرعية الدولية والنظام الدولي الجديد!!
ـ وأما البقية الباقية الصامدة التي تدافع عن الأرض والعرض،وتتحمل القصف والتدمير صبحاً مساءً،فهؤلاء تُركوا لرحمة الصرب وأتباعهم،يرمونهم من قريب وبعيد بأسلحة القنص والدمار الشامل،ومن نجا منهم من سلاح القنص والتدمير،استعانوا بالقضاء عليه بالشتاء القارص،والجوع الكافر،وبالطبع لا يمكن إرسال الوقود والغذاء،لأنه يُخشى على رجال”القبعات الزرقاء” من نيران القناصة!!هذا ما تقوله قرارات هيئة الأمم المتحدة وأمينها العام!!
ـ ومن أراد من هؤلاء الأبطال الصامدين الشهادة فوق تراب الوطن الجريح،فليس له حق في هذا،ويُمنع عنه السلاح والعتاد لأنهم لايريدون تصعيداً للقتال وتزميناً للأزمة!!أما المعتدي والجاني فتُسّهل له كل الامكانيات،ويُزود بكل أنواع السلاح،هذا ماارتأه القانون الجديد!!
نعم، هذا مايحدث اليوم في البوسنة والهرسك،وما حدث بالأمس في العراق،وغداً،سيكون الدور أيضاً على دولة مسلمة أيضاً،هل هي في أفريقيا مثلاً؟أو في إحدى دول المواجهة في الجهة الشرقية،أو في إحدى “الجمهوريات الإسلامية” التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي المنهار؟!
يا إخواننا في البوسنة والهرسك!
لقد كانت صدمتكم مضاعفة،فلقد صدمكم الأوربيون الذين عشتم معهم،وتعلمتم قوانينهم ودساتيرهم عن الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير،وصدمكم العرب والمسلمون الذين ارتبطتم بهم ديناً وعقيدة،فتنكروا لكم وتركوكم وحدكم لأنياب الذئاب المفترسين.
أما الأوربيون فقد عرفتموهم الآن،كما عرفهم غيركم من عقلاء المسلمين من قبل،يزينون بميزانين،ويقيسون بمقياسين:
ـ فإذا أُسر أو أُختطف أوروبي أو أمريكي أثاروا من أجله العالم ولم يقعدوه،واستنفروا الجيوش،وحرّكوا هيئة الأمم فهذه جريمة لا تغتفر،وأما إذا أبيد شعب مسلم مُسالم يطالب بحقوقه في فلسطين أو كشمير أو البوسنة فليس هناك من مُلبٍ أو مجيب.
ـ وإذا خُرّبت مقبرة يهودية،خرجوا رؤوساء ومرؤوسين،يتوعدون الفاعلين،ويطلبون رضى ومغفرة الصهاينة المجرمين،أما إذا حوّلت قرى مسالمة آمنة إلى مقابر،وامتلأ باطن الأرض وظاهرها بأشلاء الضحايا،وضجّت الأرض بحملهم،فلا من مُلبٍ أو من مجيب.
ـ وإذا خرجت مظاهرة تمنع إقامة مبنى أو منشآت على أنقاض مقبرة يهودية قديمة قد باعها أصحابها واستلموا ثمنها،استنكر العالم وضجت به العواطف لهذا الإستبداد وعدم التسامح الديني،وإذا خرج ألوف من الأطفال المساكين في فلسطين يطالبون بأدنى الحقوق والحريات ويدفعون بالحجارة عنهم ظلم الرصاص والدبابات،ومات منهم العشرات وجرح الألوف منهم…فليس هناك من ملبٍ أو من مجيب.
ـ وإذا خرج بعض الطلبة في الصين ينادون بالحريات،وقفتم معهم،وتوعدّتم الحكام،وقطعتم العلاقات,وأقمتم الحواجز.وأما إذا خرج مئات الألوف في الجزائر ينادون بالحريات،ويطالبون بالحقوق،وبالسماح لمن انتخبوهم أن يتقلدوا أمورهم،واجههم الحكام بالرصاص وبالتعذيب والسجن في الصحراء حيث البرد القارس ليلاً،ولهيب الشمس نهاراً،كنتم عوناً مع الظالمين على المظلومين.
ـ وإذا طالب الناس بالحريات والإستقلال في سلوفينيا وكرواتيا دعمتوهم بالمال والعسكر،وكنتم يداً على المعتدي،أما إذا أراد نفس الشيء أهل البوسنة والهرسك،كنتم يداً مع المعتدي!!
ـ وإذا ضلّ حوت طريقه في البحر ولم يهتد،تساندتم شرقاً وغرباً لإعادته إلى حوضه،وحين تُشرّد أمّة كاملة من شعوب المسلمين فأنتم أول من يدعم هذا التشريد!!
ـ وإذا مرضت أو تأذت بعض الطيور البحرية من جراء تلوث البيئة ـ الذي كنتم السبب فيه ـ جمعتم الأموال وطهرتم البحار بأسرع من لمع البرق،أما أن يموت شعب بأكمله في الصومال الجريح،فالإذن بإرسال بعض الإمدادات،يحتاج إلى ترخيص،وهذا لم يوقع عليه الأمين العام لأمم المتحدة!!
وأما صدمتكم بالعرب والمسلمين فكانت أشدّ من صدمتكم بالأوروبيين:
لقد تركوكم للجراحات والآلام،ولم تجدوا فيهم حزم أبي بكر الصديق يساعدكم في الشدّة،ويمنعكم عن الردّة،ولم تجدوا فيهم نصرة صلاح الدين،قد حرّكه تهديم المساجد،وتدنيس المعابد،ولم تجدوا فيهم نخوة المعتصم،قد حرّكه صريخ الحرائر المسغيثات،وصراخ المغتصبات.
يا حكام العالم “المتحضر”!
ماذا دهاكم؟
هل ماتت الضمائر،أم تبلدّت المشاعر؟
تتألمون لحوت في البحر قد ضلّ السبيل،ولا تتحركون للصور تُعرض أمامكم صُبحاً ومساءً عن آلاف الجثث المشوهة،وصرخات الرضع يُعانون كل أنواع الآلام،وصيحات النساء الثكالى الحيارى،وذهول الشاردين المُشردين.
ويحكم! هل قست القلوب ،أم جفت المآقي،أم شاهت الفطرة،أم استولت عليكم روح الصليبية والعنصرية،أم اجتمع كل ذلك فيكم؟!
وياحكام المسلمين!
إن كثيرين منكم عملاء مأجورون،وأذناب جبابرة متكبرون ،وأزلام طواغيت مستهترون،وطراطير يتقوّل لهم ما يقولون.
ثقوا تماماً: إنكم إن رضيتم بمنزلة الأذناب،فإن سادتكم لا يعاملونكم إلا معاملة الأظلاف،تُستخدمون ثم تُداسون.
ويا إخواننا في البوسنة والهرسك!
فدتكم نفوس المحبين من إخوانكم المسلمين.
لقد خسرتم الأرض….ولكنكم صُنتم العرض.
وكنتم مثلاً للشهامة والبطولة….في عالم ساد فيه الأقزام…وماتت الرجولة.
قدّمتم الشهداء،وقرنتم الأقوال بالافعال،وقاسيتم الآلام…في زمن عمّت فيه الثرثرة وعلم الكلام.وأحييتم بعض أمجاد الإسلام في أوروبا…بعد أن نُكست أعلامه في أرض مهده.
ويا أخوة الدين والعقيدة في كل مكان:
عودوا إلى الله قلوباً وعقولاً،سلوكاً ومنهاجاً،وانصروا الله ينصركم،ولاتيأسوا،فإنه لا يجتمع يأس وإيمان في قلب مؤمن،وثقوا بوعد الله فهو خير ناصر وخير مُعين.
وثقوا تماماً:أن بغداد التي دمرها المغول…عادت فتحاً في استانبول،وأن بغداد التي دمرها بوش…عادت فتحاً في كابول،وأن البوسنة كالقدس إذا دنستها عبيد العجل والصليب،فإنها ستُطّهر من جديد،فصلاح الدين قد غفى…ولكنه سيستيقظ من جديد.
(نشر المقال في مجلة الرائد العدد 147 بتاريخ كانون الأول عام 1992)
قصائد في الملاحم والمجازرالتي تعرض لها المسلمون على طور العصور
أبو البقاء الرُّندي
لكُلِّ شىءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطيبِ العيشِ إنسانُ
هي الامورُ كما شاهدتها دُوَلٌ
مَنْ سَرّهُ زمنٌ ساءتهُ أزمانُ
وهذه الدارُ لا تُبقي على أحدٍ
ولا يدومُ على حالٍ لها شانُ
يُمزّقُ الدهرُ حتماً كلَّ سابغةٍ
إذا نَبَتْ مَشرفيّاتٌ وخرصانُ
ويُنتضى كلُّ سيفٍ للفناء،ولو
كان ابن ذي يزنٍ والغمدُ غَمدانُ
أينَ الملوكُ ذوو التيجانِ من يَمنٍ
وأينَ منهم أكاليلٌ وتيجانُ
وأينَ ما شادهُ شدّادُ في إرمٍ؟
وأينَ ما ساسهُ في الفرسِ ساسانُ؟
وأين ماحازهُ قارونُ من ذهبٍ؟
وأينَ عادٌ وشدّادٌ وقحطانُ؟
أتى على الكُلِّ أمرٌ لا مردَّ له
حتى قضوا فكأنَ القوم ما كانوا
وصارَ ما كان من مُلكٍ ومن مَلك
كما حكى عن خيالِ الطيفِ وسنانُ
دارَ الزمانُ على دارا وقاتَله
وأمّ كسرى فما آواهُ إيوانُ
كأنّما الصّعبُ لم يسهل له سببٌ
يوماً،ولم يملكِ الدنيا سليمانُ
فجائعُ الدهرِ أنواعٌ مُنوّعةٌ
وللزمانِ مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادثِ سُلوانٌ يُهوّنها
وما لما حلَّ بالإسلامِ سُلوانُ
دهى الجزيرةَ أمرٌ لا عزاءَ لهُ
هوى لهُ أُحدٌ وانهدَّ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلامِ فارتزأتْ
حتى خلتْ منهُ أقطارٌ وبُلدانُ
فاسأل بَلَنسيةً:ما شأنُ مُرسيةٍ؟
وأينَ شاطبةٌ أم أينَ جَيّانُ؟
وأينَ قُرطبةٌ دارُ العلوم فكم
من عالمٍ قد سما فيها له شانُ؟
وأينَ حِمصٌ وما تحويه من نُزَهٍ
ونهرُها العذبُ فيّاضٌ وملآنُ؟
قواعدٌ كُنَّ أركانَ البلادِ،فما
عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ؟
تبكي الحنيفيّةُ البيضاءُ من أسفٍ
كما بكى لِفراقِ الإلفِ هَيمانُ
على ديارٍ من الإسلامِ خاليةٍ
قد أقفرتْ ولها بالكفرِ عُمرانُ
حيثُ المساجدُ قد صارتْ كنائسَ ما
فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
حيثُ المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ
حيثُ المنابرُ ترثي وهي عِيدانُ
يا غافلاً ،ولهُ في الدهرِ موعظةٌ
إن كُنتَ في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
وماشياً مرحاً يُلهيهِ موطنُهُ
أبعدَ حِمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ؟
تلكَ المصيبةُ أنستْ ما تقدّمها
وما لها مع طوالِ الدهرِ نسيانُ
يا أيها المَلكُ البيضاءُ رايتُهُ
أدركْ بسيفكَ أهلَ الكفرِ،لا كانوا
يا راكبينَ عِتاقَ الخيلِ ضامرةً
كأنها في مجالِ السّبقِ عُقبانُ
وحاملينَ سيوفَ الهندِ مُرهفةً
كأنها في ظلامِ النّقعِ نيرانُ
وراتعينَ وراءَ البحرِ في دَعةٍ
لهمُ بأوطانهم عزّ وسلطانُ
أعندكم نبأٌ من أهلِ أندَلُسٍ؟
فقد سرى بحديثِ القوم ركبانُ
كم يستغيثُ بنو المستضعفين،وهمْ
أسرى وقتلى، فما يهتزُّ إنسانُ
ماذا التقاطعُ في الإسلام بينكمُ
وأنتمُ ـ يا عبادَ الله ـ إخوانُ!
ألا نفوسٌ أبيّاتٌ لها هِممٌ
أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا مَنْ لذِلّةِ قومٍ،بعد عزّتهم
أحالَ حالهُمُ كفرٌ وطغيانُ
بالأمسِ كانوا ملوكاً في منازلهم
واليومَ هم في بلادِ الكفرِ عُبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليلَ لهم
عليهم من ثيابِ الذُّلِّ ألوانُ
ولو رأيتَ بُكاهم عند بيعهمُ
لَهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا رُبَّ أمٍّ وطفلٍ حيلَ بينهما
كما تُفَرَّقُ أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةٍ مثلَ حُسنِ الشمسِ إذ برزت
كأنّما هيَ ياقوتٌ ومَرجانُ
يقودُها العِلجُ للمكروهِ مُكرهةً
والعينُ باكيةٌ والقلبُ حيرانُ
لِمثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمدٍ
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
ابن الرومي في رثاء البصرة
ذادَ عن مُقلتي لذيذَ المنامِ
شُغلها عنهُ بالدموعِ السِجامِ
أيُّ نومٍ من بعدِ ما حلَ بالبص
رةِ من تلكم الهناتِ العظامِ
أيُّ نومٍ من بعد ما انتهكَ الزن
جُ جهاراً محارمَ الإسلام
إنّ هذا من الأمورِ لأمرٌ
كادَ أن لا يقومَ في الأوهام
لرأينا مُستيقظينَ أموراً
حسبُنا أن تكونَ رؤيا منامِ
أقدم الخائنُ اللعينُ عليها
وعلى الله أيّما إقدامِ
وتسمّى بغيرِ حقٍّ إماماً
لا هدى الله سعيهُ من إمامِ
لهفَ نفسي عليكِ أيتها البص
رةُ لهفاً كمثلِ لَفحِ الضِّرامِ
لهفَ نفسي عليك يا معدن الخي
راتِ لهفاً يُعضُّني إبهامي
لهف نفسي يا قُبّةَ الإس
لامِ لهفاً يطولُ منهُ غرامي
لهفَ نفسي عليكِ يا فُرضةَ البل
دانِ لهفاً يبقى على الأعوام
لهفَ نفسي لِجمعكِ المتفاني
لهفَ نفسي لِعزّكِ المُستضامِ
بينما أهلُها بأحسنِ حالٍ
إذ رماهم عبيدهم بإصطلامِ
دخلوها كأنّهم قِطع اللي
الي إذا راحَ مُدْلَهمَّ الظلامِ
طلعوا بالمُهنّداتِ جهراً فألقتْ
حملها الحاملات قبل التّمامِ
وحقيقٌ بأن يُراعَ أناسٌ
غوفصوا من عدوهم باقتحام
أيَّ هول رأوا بهمْ أيّ هولٍ
حُقَّ منهُ تشيبُ رأسُ الغلامِ
إذ رموهم بدارهم من يمينٍ
وشمالٍ وخلفهم وأمامِ
كم أغصّوا من شاربٍ بشراب
كم أغصّوا من طاعمٍ بطعامِ
كم ضنينٍ بنفسهِ رامَ منجىً
فتلقوا جبينهُ بالحسامِ
كم أخٍ قد رأةى أخاهُ صريعاً
تِربَ الخدِّ بينَ صرعى كِرامِ
كمْ أبٍ قد رأى عزيزَ بنيهِ
وهو يُعلى بصارمٍ صمصامِ
كمْ مُفدىً في أهلهِ أسلموه
حين لم يُحمهِ هنالكَ حامي
كم رضيعٍ هناكَ قد فطموهُ
بشبا السيفِ قبل حينِ الفطامِ
كم فتاةٍ بخاتمِ الله بكرٍ
فضحوها جهراً بغيرِ اكتتامِ
كم فتاةٍ مصونةٍ قد سبوها
بارزاً وجهها بغيرِ لثامِ
صبحوهم فكابدَ القومُ منهم
طولَ يومٍ كأنّهُ ألفُ عامِ
ألفُ ألفٍ في ساعةٍ قتلوهم
ثم ساقوا السباءَ كالأغنامِ
من رآهنَّ في المساقِ سبايا
دامياتِ الوجوهِ للأقدامِ
من رآهنَّ في المقاسمِ وسطَ ال
زنج يُقسمنَ بينهم بالسهام
من رآهنَّ يُتخذنَ إماءً
بعد ملكِ الإماءِ والخُدّامِ
ما تذكرتُ ما أتى الزنجُ إلا
أضرمَ القلبُ أيّما إضرامِ
ما تذكرتُ ما أتى الزنجُ إلا
أوجعتني مرارةُ الإرغامِ
رُبَّ بيعٍ هناكَ قد أرخصوهُ
طال ما قد غلا على السّوامِ
رُبَّ قصرٍ هناكَ قد دخلوهُ
كانَ من قبل ذاك صعبَ المرامِ
رُبَّ ذي نعمةٍ هناك ومالٍ
تركوهُ مُحالفَ الإعدام
رُبَّ قوم باتوا بأجمعِ شملٍ
تركوا شملهم بغيرِ نظامِ
عَرِّجا صاحبيَّ بالبصرةِ الزه
راء تعريجَ مُدنفٍ ذي سَقام
فاسألاها ولا جوابَ لديها
لسؤال ومن لها بالكلامِ
أينَ ضوضاءُ ذلك الخلق فيها
أينَ أسواقُها ذواتُ الزحام
أينَ فُلكٌ فيها وفُلكٌ إليها
مُنشآتٌ في البحرِ كالأعلامِ
أينَ تلكَ القصورُ والدورُ فيها
أينَ ذاكَ البنيانُ ذو الإحكامِ
بُدّلت تلكمُ القصورُ تلالاً
من رمادٍ ومن تُرابِ ركامِ
سُلِطَ البثقُ والحريقُ عليهم
فتداعت أركانها بإنهدامِ
وخلتْ من حُلولها فهي قفرٌ
لا ترى العين بين تلك الأكام
غيرَ أيدٍ وأرجلٍ بائناتٍ
نُبذت بينهنَّ أفلاقُ هامِ
ووجوهٌ قد رمّلتها دماءٌ
بأبي تلكمُ الوجوه الدوامي
وطئتْ بالهوانِ والذلِّ قسراً
بعد طولِ التبجيلِ والإعظامِ
فتراها تَسفي الرياحُ عليها
جارياتٍ بهبوةٍ وقتامِ
خاشعاتٍ كأنّها باكياتٌ
باديات الثغور لا لابتسام
بل ألّما بساحةِ المسجدِ الجا
معِ إن كنتما ذوي إلمامِ
فاسألاهُ ولا جوابَ لديه
أين عُبّادهُ الطوالُ القيام
أينَ عُمّارهُ الألى عمروهُ
دهرهم في تلاوةٍ وصيامِ
أينَ فتيانهُ الحسانُ وجوهاً
أينَ أشياخهُ أولو الأحلام
أيُّ خطبٍ وأيُّ رزء جليلٍ
نالنا في أولئك الأعمام
كم خذلنا من ناسكٍ ذي اجتهادٍ
وفقيهٍ في دينهِ هلّامِ
واندمي على التخلّفِ عنهم
وقليلٌ عنهم غناء نِدامي
واحيائي منهم إذا ما التقينا
وهمُ عند حاكمِ الحُكّامِ
أيُّ عُذرٍ لنا وأيُّ جوابٍ
حينَ نُدعى على رؤوسِ الأنامٍ
يا عبادي أما غضبتم لوجهي
ذي الجلالِ العظيم والإكرام
أخذلتم إخوانكم وقعدتم
عنهمُ ويحكم قُعودِ اللئام
كيفَ لم تعطفوا على أخواتٍ
في حبالِ العبيدِ من آلِ حامِ
لم تغاروا لغيرتي فتركتم
حُرماتي لمن أحلَّ حرامي
إن من لم يَغرْ على حرماتي
غيرُ كفءٍ لقاصراتِ الخيام
كيفَ ترضى الحوراء بالمرءِ بعلاً
وهو من دونِ حُرمةِ لا يُحامي
واحيائي من النبيِّ إذا ما
لامني فيهم أشدَّ الملامِ
وانقطاعي إذا همُ خاصموني
وتولّى النبيُّ عنهم خصامي
مثلوا قولهُ لكم أيها النا
سُ إذا لامكم مع اللّوام
أمّتي أين كنتمُ إذ دعتني
حُرّةٌ من كرائمِ الأقوامِ
صرختْ يا محمداه فهلّا
قام فيها رعاةُ حقي مقامي
لم أجبها إذ كنتُ ميتاً فلولا
كان حيّ أجابها عن عظامي
بأبي تلكمُ العظامُ عظاماً
وسقتها السماءُ صوبَ الغمامِ
وعليها من المليك صلاةٌ
وسلامٌ مؤّكدٌ بسلام
انفروا أيها الكرامُ خِفافاً
وثِقالاً إلى العبيدِ الطّغامِ
أبرموا أمرَهُم وأنتم نيامٌ
سوءةً سوءةً لنومِ النيام
صدّقوا ظنَّ إخوة أمّلوكم
ورجوكم لنبوةِ الأيام
أدركوا ثأرهم فذاك لديهم
مثلُ ردَّ الأرواح في الأجسام
لم تُقرّوا العيونَ منهم بنصرٍ
فأقرّوا عيونهم بانتقام
أنقذوا سَبيهم وقلَّ لهم ذا
كَ حفاظاً زرعيةً للذمام
عارُهم لازمٌ لكم أيها النا
سُ لأنَّ الأديان كالأرحام
إن قعدتم عن اللعينِ فأنتم
شركاءُ اللعينِ في الآثام
بادروهُ قبلَ الرويّةِ بالعز
مِ وقبلَ الإسراجِ بالإلجام
من غدا سرجُهُ على ظهرِ طِرفٍ
فحرامٌ عليهِ شدُّ الحزام
لا تُطيلوا المقام عن جنّةِ الخل
دِ فأنتم في غيرِ دار مُقام
فاشتروا الباقيات بالعِرضِ الأد
نى وبيعوا انقطاعه بالدّوام
أبو يعقوب الخريمي في رثاء بغداد
قالوا:ولم يلعبِ الزمانُ ببغ
دادَ وتَعثرْ بها عواثرها
إذ هي مثلُ العروسِ باطنها
مشوّقٌ للفتى وظاهرها
جنّةُ خُلدٍ ودارُ مَغبطةٍ
قلَّ من النائباتِ واترها
دَرّتْ خُلوفُ الدنيا لساكنها
وقلَّ معسورها وعاسرُها
وانفرجتْ بالنعيمِ وانتجعت
فيها بلذاتها حواضرُها
فالقومُ منها في روضةٍ أُنُفٍ
أشرقَ غِبّ القِطارِ زاهرُها
من غرّهُ العيشُ في بُلهنيّةٍ
لو أنّ دنيا يدومُ عامرُها
دارُ ملوكٍ رست قواعدُها
فيها وقرّتْ بها منابرُها
أهلُ العلا والندى وأنديةُ ال
فخرِ إذا عُدّدتْ مفاخرُها
أفراحُ نُعمى في إرثِ مملكةٍ
شدَّ عُراها لها أكابرُها
فلمْ يزلْ والزمانُ ذو غِيرٍ
يقدحُ في ملكها أصاغرُها
حتى تساقت كأساً مُثَمّلةً
من فتنةٍ لا يُقال عاثرها
وافترقت بعدَ أُفةٍ شِيعاً
مقطوعةً بينها أواصرُها
يا هاْ رأيتَ الأملاكَ ما صنعت
إذ لم يرعها بالنصحِ زاجرُها
أوردَ أملاكنُا نفوسهمُ
هُوّةَ غيٍّ أعيت مصادرها
ما ضرها لو وفتْ بموثقها
واستحكمت في التُّقى بصائرها
ولم تسافك دماء شيعتها
وتبتعث فتيةً تكابرها
وأقنعتها الدنيا التيي جُمعت
لها ورُعبُ النفوسِ ضائرها
مازالَ حوض الأملاك يحفره
مسجورها بالهوى وساجرُها
تبغي فضولَ الدنيا مكاثرةً
حتى أبيحت كُرهاً ذخائرُها
تبيعُ ما جمّعَ الأبوة للأ
بناءِ لا أربحت متاجرُها
يا هل رأيت الجنان زاهرةً
يروقُ عينُ البصيرِ زاهرُها
وهل رأيتَ القصورَ شارعةً
تُكنُّ مثلَ الدُّمى مقاصرها
وهل رأيت القُرى التي غرسَ ال
أملاك مخضّرةً دساكرُها
محفوفةً بالكرومِ والنخل والر
يحانِ ما يستغلُّ طائرها
فإنها أصبحت خلايا من ال
إنسان قد أُدميت محاجرها
وأصبحَ البؤسُ ما يفارقها
إلفاً لها والسرورُ هاجرها
كأنّما أصبحت بساحتهم
عادٌ ومستهم صراصرها
يا بؤسَ بغداد دار مملكةٍ
دارت على أهلها دوائرها
أمهلها الله ثم عاقبها
لمّا أحاطت بها كبائرها
بالخسفِ والقذفِ والحريق وبال
حربِ التي أصبحت تساورها
كم قد رأينا من المعاصي ببغدا
د فهل ذو الجلال غافرها
حلّت ببغدادَ وهي آمنةٌ
داهيةٌ لم تكن تُحاذرها
طالعها السوءُ من مطالعهِ
وأدركت أهلها جرائرها
رقَّ بها الدينُ واستخفَ بذي ال
فضلِ وعزّ النُساكِ فاجرُها
وخطمَ العبدُ أنفَ سيدهِ
بالرَغم واستُعبدت حرائرها
وصارَ ربُّ الجيرانِ فاسقَهم
وابتزَّ أمرَ الدروبِ ذاعرُها
من يرَ بغدادَ والجنودُ بها
قد ربّقت حولها عساكرُها
تُلقى بغيِّ الرّدى أوانسها
يُرهقها للقاءِ طاهرُها
يُحرّقها ذا وذاكَ يهدمها
ويشتفى بالنهابِ شاطرُها
بل هل رايتَ السيوفَ مُصلتةٌ
أشهرَها في الاسواقِ شاهرُها
والنّهبُ تعدو به الرجالُ وقد
أبدتْ خلاخيلها حرائرُها
يا هلْ رأيتَ الثكلى مُولولةً
في الطرقِ تسعى والجَهدُ باهرها
في إثرِ نعشٍ عليهِ واحدُها
في صدرهِ طعنةٌ يُساورها
وقد رأيتُ الفتيان في عَرصةِ ال
معركِ معفورة مناخرها
كلّ فتىً مانعٌ حقيقتهُ
تشقى به في الوغى مساعرها
باتت عليهِ الكلابُ تنهشهُ
مخضوبةً من دمٍ أظافرُها
أما رأيت النساءَ تحتَ المجا
تنيقِ تعادى شُعثاً ضفائرُها
يحملن قوتاً من الطحينِ على ال
أكتافِ معصوبةً مهاجرُها
يا ليتَ شعري والدهرُ ذو دُولٍ
يُرجَى وأخرى تُخشى بوادرها
هل ترجعنْ أرضنا كما غنيت
وقد تناهت بنا مصايرُها
شمس الدين الكوفي في رثاء بغداد بعد أن حرّقها المغول
عندي لأجلِ فراقكم آلامُ
فإلامَ أعذل فيكم وألامُ
من كان مثلي للحبيبِ مفارقاً
لاتعذلوهُ فالكلامُ كلامُ
ويُذيبُ روحي نوح كلّ حمامة
فكأنّما نوحُ الحمامِ حِمامُ
إن كنتَ مثلي للأحبّةِ فاقداً
أو في فؤادكَ لوعةٌ وغرامُ
قفْ في ديارِ الظاعنين ونادها
يا دارُ ما صنعت بكِ الأيامُ
يادارُ أين الساكنون وأين ذياك
البهاءُ وذلك الإعظام
يا دارُ أين زمان ربعك مونقاً
وشعاركَ الإجلالُ والإكرامُ
يا دارُ مذ أفلت نجومك عمّنا
والله من بعد الضياء ظلامُ
يا سادتي أما الفؤادُ فشيّق
قلق وأما أدمعي فسجام
والدارُ ماعدمت جمال وجوهكم
لم يبق في ذاك المقام مقام
وحياتكم إنّي على عهد الهوى
باقٍ ولم يخفر لدي ذمامُ
فدمي حلال إن أردت سواكم
والعيشُ بعدكم عليّ حرامُ
يا غائبينَ وفي الفؤادِ لبعدهم
نارٌ لها بين الضلوعِ ضرامُ
لا كتبكم تأتي ولا أخباركم
تروى ولا تُدنيكمُ الأحلامُ
نغصتم الدنيا علي وكلما
جدَّ النوى لعبت بي الأسقامُ
ولقيتُ من صَرف الومانِ وجوره
ما لم تخيله لي الأوهام
يا ليتَ شعري كيف حالُ أحبّتي
وبأيِّ أرضٍ خيموا وأقاموا
مالي أنيس غير بيت قاله
صبّ رمته من الفراق سهام
والله ما اخترتُ الفراقَ وإنّما
حكمت عليّ بذلك الأيامُ
وقال في قصيدة أخرى في نفس المناسبة:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني
من بعدِ بُعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم
ما راقهُ نظرٌ إلى إنسانِ
يا ليتني قد متُّ قبل فراقكم
ولساعة التوديعِ لا أحياني
مالي وللأيام شتّتْ صرفها
حالي وخلّني بلا خلانِ
ما للمنازلِ أصبحت لا أهلها
أهلي ولا جيرانها جيراني
وحياتكم ما حلّها من بعدكم
غيرَ البِلى والهدم والنيران
ولقد قصدتُ الدارَ بعد رحيلكم
ووقفتُ فيها وقفة الحيران
وسألتها لكن بغيرِ تكلمٍ
فتكلمتْ لكن بغيرِ لسان
ناديتها يا دار ما صنع الألى
كانوا هم الأوطار في الأوطان
أين الذين عهدتهم ولعزهم
ذلا تخرّ معاقد التيجان
كانوا نجوم من اقتدى فعليهم
يبكي الهدى وشعائر الإيمان
قالت غدوا لما تبدّد شملهم
وتبدلوا من عزّهم بهوان
كَدمِ الفصادِ يراق أرذل موضع
أبداً ويخرج من أعزِّ مكانِ
أفنتهم غِير الحوادثِ مثلما
أفنت قديماً صاحب الإيوان
لما رأيتُ الدارَ بعد فراقهم
أضحت معطلة من السكان
مازلتُ أبكيهم وألثم وحشةً
لجمالهم مستهدم الأركان
حتى رثى لي كل من لا وجده
وجدي ولا أشجانه أشجاني
أترى تعود الدار تجمعنا كما
كنا بكلّ مسرةٍ وتهاني
إذ نحنُ نغتنم الزمان ونجتني
بيدِ الأمان قطوف كلّ أماني
والدهرُ تخدمنا جميع صروفه
والوقت يعدينا على العدوان
والعيشُ غضّ والدنو ممزق
بيد الوصال ملابس الهجران
هيهاتَ قد عزّ اللقاء وسددت
طرق المزار طوارق الحدثان
مالي أردد ناظري ولا أرى ال
أحباب بين جماعة الإخوان
والهفي وا وحدتي واحيرتي
وا وحشتي وأحرّ قلبي العاني
سرتم فلا سرت النسيم ولا زها
زهر ولا ماست غصون البان
مالي أنيس بعدكم إلا البكا
والنوح مالحسرات والأحزان
يا ليت شعري أين سارت عيسكم
أم أين موطنكم من البلدان
شهاب الدين يعقوب بن المجاور يرثي سقوط القدس والأقصى في أيدي الفرنج
أعينيَّ لا ترقَي من العبرات
صِلي في البكا الآصالَ بالبكرات
لعلّ سيول الدّمعِ يُطفىء فيضُها
توقد ما في القلب من جمرات
ويا قلبُ أسعِرْ نارَ وجدكَ كلّما
خَبتْ بادّكار يبعث الحسرات
ويا فمُ بُحْ بالشّجوِ منكَ لعلّهُ
يُروِّحُ ما ألقى من الكربات
على المسجدِ الأقصى الذي جَلَّ قدرهُ
على موطن الإخباتِ والصلوات
على منزلِ الأملاك والوحي والهدى
على مشهدِ الأبدال والبدلات
على سلّم المعراجِ والصخرة التي
تفاخر ما في الأرض من صخرات
على القبلة الأولى التي اتجهت لها
صلاة البريا في اختلاف جهات
وما زال فيه للنبيين معبد
يوالون في أرجائه السجدات
على المسجد الأقصى المبارك حوله ال
رفيع العماد العالي الشّرفات
لتبكي على القدس البلاد بأسرها
وتعلن بالأحزان والترحات
لتبكي عليها مكة فهي أختها
وتشكو الذي لاقت إلى عرفات
لتبكي على ما حلّ بالقدس طيبة
وتشرحهُ في أكرم الحُجرات
لقد أشمتوا عكا وصورا بهدمها
ويا طالما غادتهما بشمات
لقد شتتوا عنها جماعة أهلها
وكلّ اجتماع مُؤذن بشتات
وقد هدموا مجد الصلاح بهدمها
وقد كان مجداً باذخَ الغرفات
وقد أخمدوا صوتاً وصيتاً أثاره
لهم عظم ما والوا من الغزوات
أما علمتْ أبناء أيوبَ أنهم
بمسعاته غدوا من السروات
وأن افتتاح القدس زهرة ملكهم
وهل ثمر إلا من الزهرات
أحد الشعراء بعد سقوط طليطلة في يد الإسبان:
لثكلك كيف تبتسم الثغور
سروراً بعد ما سبيت ثغور
أما وأبي مصاب هد منه
ثبير الدين فاتصل الثبور
لقد قصمت ظهور حين قالوا
أمير الكافرين لهُ ظهور
ترى في الدهر مسروراً بعيش
مضى عنا لطيته السرور
أليس بها أبيّ النفسِ شهم
يدير على الدوائر إذ تدور
لقد خضعت رقاب كن غلبا
وزال عتوها ومضى النفور
وهان على عزيز القوم ذل
وسامح في الحريم فتى غيور
طليطلة أباحَ الكفرُ منها
حِماها ،إنّ ذا نبأُ كبير
فليس مثالها إيوان كسرى
ولا منها الخورنق والسدير
محصنة محسنة بعيد
تناولها ومطلبها عسير
ألم تكُ معقلاً للدينِ صعباً
فذلله كما شاء القدير
وأخرج أهلها منها جميعاً
فصاروا حيث شاء بهم مصير
وكانت دار إيمان وعلم
معالمها التي طمست تنير
فعادت دار كفر مصطفاة
قد اضطربت بأهليها الامور
مساجدُها كنائسُ أيُّ قلبٍ
على هذا يقِرُّ ولا يطيرُ
فيا أسفاه ،يا أسفاه حزناً
يكرر ما تكررت الدهور
وينشر كل حسن ليس يطوى
إلى يوم يكون به النشور
أُذيلت قاصراتُ الطرّفِ كانت
مصوناتٍ مساكنها القصور
وأدركها فتور في انتظار
لسرب في لواحظه فتور
وكان بنا وبالقينات أولى
لو انضمت على الكلِّ القبور
لقد سخنت بحالتهن عين
وكيف يصح مغلوب قرير
لئن غبنا عن الإخوان إنا
بأحزان وأشجان حضور
نذور كان للأيام فيهم
بمهلكهم فقد وفت النذور
فإن قلنا العقوبة أدركتهم
وجاءهم من الله النكير
فأنا مثلهم وأشدّ منهم
نجورُ وكيفَ يسلم من يجور
أنأمن أن يحلّ بنا انتقام
وفينا الفسق أجمع والفجور
وأكل للحرام ولا اضطرار
إليه فيسهل الأمر العسير
ولكن جرأة في عقر دار
كذلك يفعل الكلب العقور
يزول الستر عن قوم إذا ما
على العصيان أرخيت الستور
يطول على ليلي ربّ خطب
يطول لهوله الليل القصير
خذوا ثأر الديانة وانصروها
فقد حامت على القتلى النسور
ولا تهنوا وسلّوا كل عضب
تهاب مضاربا منه النحور
وموتوا كلكم فالموت أولى
بكم من أن تُجاروا أو تجوروا
أصبراً بعد سبيٍّ وامتحان
يلامُ عليهما القلب الصبور
فأمّ الثكل مذكار ولود
وأم الصقر مقلات نزور
نخور إذا دهينا بالرزايا
وليس بمعجب بقر يخور
ونجبن ليس نزأر لو شجعنا
ولم نجبن لكان لنا زئير
لقد ساءت بنا الاخبار حتى
أمات المخبرين بها الخبير
أتتنا الكتب فيها كلّ شر
وبشرنا بأنحسنا البشير
وقيل تجمعوا لفراق شمل
طليطلة تملكها الكفور
فقل في خطة فيها صغار
بشيب لكربها الطفل الصغير
لقد صمّ السميع فلم يعول
على نباٍ كما عميَ البصير
تجاذبنا الأعادي باصطناع
فينجذب المخول والفقير
فباق في الديانة تحت خزي
تثبطه الشويهة والبعير
وآخر مارق هانت عليه
مصائب دينه فله السعير
كفى حزناً بأن الناس قالوا
إلى أين التحول والمسير
أنترك دورنا ونفرّ عنها
وليسَ لنا وراء البحر دور
ولا ثمّ الضياع تروق حسناً
نباكرها فيعجبنا البكور
وظلّ وارف وخرير ماء
فلا قرّ هناك ولا حرور
ويؤكل من فواكهها طري
ويشرب من جداولها نمير
يؤدى مغرم في كلّ شهر
ويؤخذ كل صائفة عشور
فهم أحمى لحوزتنا وأولى
بنا وهم الموالي والعشير
لقد ذهب اليقين فلا يقين
وغرّ القوم بالله الغرور
فلا دين ولا دنيا ولكن
غرور بالمعيشة ما غرور
رضوا بالرقِّ يالله ماذا
رآه وما أشار به مشير
مضى الإسلام فبك دماً عليه
فما ينفي الجوى الدمع الغزير
ونُحْ واندب رفاقاً في فلاة
حيارى لا تحطّ ولا تسير
ولاتجنح إلى سلمٍ وحاربْ
عسى أن يجبر العظم الكسير
أنعمى عن مراشدنا جميعاً
وما إن منهم إلا بصير
ونلقى واحداً ويفرُّ جمع
كما عن قانص فرت حمير
ولو أنا ثبتنا كان خيراً
ولكن مالنا كرم وخير
إذا ما لم يكن صبرٌ جميل
فليسَ بنافعٍ عدد كثير
ألا رجل له رأي أصيل
به مما نحاذر نستجير
يكرّ إذا السيوف تناولته
وأين بنا إذا ولّت كرور
ويطعن بالقنا الخطار حتى
يقول الرمح ماهذا الخطير
عظيم أن يكون الناس طرا
باندلس قتيل أو أسير
أذكر بالقراع الليث حرصا
على أن يقرع البيض الذكور
يبادر خرقها قبل اتساع يوسع للذي يلقاه صدرا
لخطب منه تنخسف البدور فقد ضاقت بما تلقى صدور
تنغصت الحياة فلا حياة فليل فيه همّ مستكين
وودع جيرة إذ لا مجير ويوم فيه شر مستطير
ونرجو أن يتيح الله نصراً
عليهم إنهُ نعمَ النصير
أبو جعفر بن خاتمة الأندلسي في رثاء مدينةرُندة في الأندلس وغيرها:
أحقاً خبا من جو رندة نورها
وقد كسفت بعد الشموس بدورها
وقد أظلمت أرجاؤها وتزلزلت
منازلها ذات العسلا وقصورها
فيا ساكني تلك الديار كريمة
سقى عهدكم مزن يصوب نميرها
أحقاً أخلائي القضاء أبادكم
ودارت عليكم بالصروف دهورها
فقتل وأسر لا يُفادى وفرقة
لدى عرصات الحشر يأتي سفيرها
فواحسرتا كم من مساجد حوّلت
وكانت إلى البيت الحرام شطورها
فمحرابها يشكو لمنبرها الجوى
وآياتها تشكو الفراق وسورها
وكم طفلة حسناء فيها مصونة
إذا أسفرت يسبي العقول سفورها
فأضحت بأيدي الكافرين رهينة
وقد هتكت بالرغم من ستورها
وكم فيهم من مهجة ذات ضجة
ترد لو انضمت عليها قبورها
لها روعة من وقعة البين دائم
أساها وعينٌ لا يكفّ هديرها
وكم من صغيرٍ في حِجر أمه
فأكبادها حراء لفح هجيرها
وكم من صغير بدّل الدهر دينه
وهل يتبع الشيطان إلا صغيرها
لأندلس ارتجت لها وتضعضعت
وحقّ لديها محوها ودثورها
منازلها مصدورة وبطاحها
مدائنها موتورة وثغورها
تهامها مفجوعة ونجودها
وأحجارها مصدوعة وصخورها
وقد لبست ثوب الحداد ومزقت
ملابس حسن كان بزهو حبورها
فأحياؤها تبدى الأسى وجمادها
يكاد لفرط الحزن يبدو ضميرها
فمالقة الحسناء ثكلى أسيفة
قد استفرغت ذبحاً وقتلاً حجورها
وجزت نواصيها وشلت يمينها
وبدل الويل المبين سرورها
وبالله إن جئت المنكّب فاعتبر
فقد خفّ ناديها وجفّ نضيرها
ألا ولتقف ركب الاسى بمعالم
قد ارتجَّ باديها وضجّ حضورها
بدار العلا حيث الصفات كأنها
من الخلد والمأوى غدت تستطيرها
محل قرار الملك غرناطة التي
هي الحضرة العليا زهتها زهورها
ترى الاسى أعلامها وهي خُشّع
ومنبرها مستعير وسريرها
ومأمومها ساهى الحجج وإمامها
وزائرها في مأتم ومزورها
وما أنسَ لا أنسَ المريّة إنها
قتيلة أوجال أزيل عذارها
منازل آبائي الكرام ومنشىء
وأولى أوطان غذائي خيرها
وجاءت إلى استئصال شأفة ديننا
جيوش كموج هبت دبورها
علامات أخذ ما لنا قبل بها
جنايات أخذ قد جناها مثيرها
فلا تنمحى إلا بمحو أصولها
ولا تتجلى حتى تخط أصورها
معاشر أهل الدين هبّوا لصعقة
وصاعقة وارى الجسوم ظهورها
أصابت منار الدين فانهدّ ركنه
وزعزع من أكنافه مستطيرها
ألا واستعدوا للجهاد عزائما
يلوح على ليل الوغى مستنيرها
بأنفس صدق موقنات بأنها
إلى الله من تحت السيوف مصيرها
تروم إلى دار السلام عرائساً
على الله في ذاك النعيم مهورها
ابن الأبار البلنسي(يخاطب السلطان أبو زكريا ابن أبي جعفر صاحب أفريقية)
أدركْ بخيلكَ خيلِ الله أندلساً
إنّ السبيلَ إلى منجاتها دَرَسا
وهَبْ لها من عزيزِ النصرِ ما التمستْ
فلم يزلْ منكَ عزُّ النصرِ مُلتمسا
وحاش مما تُعانيهِ حُشاشَتها
فطالما ذاقت البلوى صباحَ مسا
يا للجزيرةِ أضحى أهلُها جَزَراً
للحادثاتِ وأمسى جَدُّها تَعَسا
في كلِّ شارقةٍ إلمامُ بائقةٍ
يعود مأتمها عند العِدى عرسا
وكلِّ غاربةٍ إجحافُ نائبةٍ
تثني الأمانَ حِذاراً والسرورَ أسى
تقاسمَ الرومُ لا نالت مقاسمهم
إلا عقائلها المحجوبةَ الأُنسا
وفي بلنسةٍ منها وقرطبةٍ
ما ينسفُ النفسَ أو ما يَنزفُ النَّفسا
مدائنٌ حلّها الإشراكُ مبتسماً
جذلانَ وارتحلَ الإيمانُ مبتئسا
وصيّرتها العوادي العابثاتُ بها
يستوحشُ الطّرفُ منها ضعفَ ما أنسا
فمن دساكر كانت دونها حَرسا
ومن كنائسَ كانت قبلها كُنُسا
يا للمساجدِ عادتْ للِعدى بيعاً
وللنداءِ غدا أثناءها جَرسا
لهفي عليها إلى استرجاعِ فائتها
مدارساً للمثاني أصبحت دُرُسا
وأربعاً نمنمت يُمنى الربيع لها
ما شئت من خِلعٍ موشيّةٍ وكُسى
كانت حدائقَ للأحداقِ مؤنقةً
فصوَّحَ النَّضرُ من أدواحها وعَسا
وحالَ ما حولها من منظرٍ عجبٍ
يستجلسُ الرّكبُ أو يستركبُ الجلسا
سُرعانَ ما عاثَ جيشُ الكفرِ واحربا
غيثُ الدّبى في مغانيها التي كبسا
وابتزّ بِزتها مما تحيّفها
تحيفَ الاسدِ الضاري لما افترسا
فأينَ عيشٌ جنيناهُ بها خَضراً
وأينَ غصنُ جنيناهُ بها سلسا
محا محاسنها طاغٍ أُتيحَ لها
ما نامَ عن هضمها حيناً ولا نعسا
ورجَّ أرجاءها لمّا أحاطَ بها
فغادرَ الشُمَّ من أعلامها خُنُسا
خلا لهُ الجوُّ فامتدت يداهُ إلى
إدراك ما لم تطأ رجلاهُ مختلسا
وأكثرَ الزّعمَ بالتثليث منفرداً
ولو رأى رايةَ التوحيدِ ما نبسا
صِلْ حبلها أيها المولى الرحيم فما
أبقى المِراسُ لها حبلاً ولا مرسا
وأحي ما طمستْ منهُ العُداة كما
أحييتَ من دعوة المهدي ما طُمسا
أيامَ سرتَ لنصرِ الحقِّ مُستبقاً
وبتَّ من نور ذاك الهدي مقتبسا
وقمتَ فيها بأمرِ الله منتصراً
كالصّارمِ اهتزَّ أو كالعارضِ انبجسا
تمحو الذي كتبَ التجسيمَ من ظلمٍ
والصبحُ ماحيةٌ أنوارهُ الغلسا
وتقتضي الملكَ الجبارَ مهجتهُ
يوم الوغى جهرةً لا ترقبُ الخلسا
هذي وسائلها تدعوكَ من كثبٍ
وأنتَ أفضل مرجوٍ لمن يئسا
ابن خفاجة يرثي بلنسية بعد استيلاء الإسبان عليها:
عاثتْ بساحتكِ الظّبا يادارُ
ومحا محاسنكِ البِلى والنارُ
فإذا ترددَ في جنابكِ ناظرٌ
طالَ اعتبارٌ فيكِ واستعبارُ
أرضٌ تقاذفتِ الخطوبُ بأهلها
وتمخضّت بخرابها الأقدار
كتبتْ يدُّ الحدثانِ في عرصاتها
“لا أنتِ أنتِ ولا الديارُ ديارُ”
ابن عبدون في قصيدته”البشامة”:
الدهرُ يَفجعُ بعد العين بالأثر
فما البكاءُ على الأشباحِ والصور
أنهاك أنهاك ـ لا آلوكَ موعظةً ـ
عن نومةٍ بينَ نابِ الليثِ والظُفر
فالدهرُ حربٌ،وإن أبدى مُسالمة
فالبيضُ والسّمرُ مثلُ البيضِ والسّمر
فلا تغرّنكَ من دنياكَ نومتُها
فما صناعةُ عينيها سوى السهر
ما لليالي؟ أقال الله عثرتنا
من الليالي وخانتها يدُ الغِيرِ
تسرُّ بالشىء لكن كي تَغرَّ به
كالايمِ ثارَ إلى الجاني من الزهر
كم دولةٍ وليت بالنصر خِدمتها
لم تُبقِ منها ـ وسل ذِكراك ـ من خبر
هوت بدارا،وفلّتْ غربَ قاتله
وكان عضباً على الاملاكِ ذا أثر
واسترجعت من بني ساسان ما وهبت
ولم تدعْ لبني يونانَ من أثر
وألحقتْ أختها طَسماً،وعاد على
عادٍ وجُرهمَ منها ناقضُ المِرر
ومزّقت سبا في كلِّ قاصيةٍ
فما التقى رائحٌ منهم بِمُبتكر
وأنفذت في كليبِ حُكمها ورمتْ
مُهلهلاً بين سمعِ الأرضِ والبصرِ
ولم تَرُدَّ على الضِليلِ صحتهُ
ولا ثنتْ أسداً عن ربّها حُجر
ودوّخت آل ذُبيانٍ وإخوتهم
عبساً وغصّت بني يبدرٍ على النّهرِ
وأهلكتْ إبرويزاً بابنهِ ورمتْ
بيزدَجُردَ إلى مرو فلم يَجُر
ومزقت جعفراً بالبيضِ واختلست
من غِلهِ حمزةَ الظلام للجُزرِ
وخضبت شيبَ عثمان دماً وخطتْ
إلى الزبير ولم تستحي منعمرِ
وأجزرت سيفَ أشقاها أبا حسن
وأمكنت من حُسين راحتي شَمر
وليتها،إذ فدت عَمراً بخارجةٍ
فدت علياً بمن شاءت من البشر
وفي ابنِ هندٍ وفي ابن المصطفى حسن
جاءت بمعضلة الألباب والفكر
فبعضنا قائلٌ:ما اغتالهُ أحدٌ
وبعضنا ساكتٌ لم يُؤتَ من حَصر
ولم تُراقب مكان ابن الزبير ولا
راعت عياذته بالبيت والحَجر
ولم تعُدْ قُضبُ السّفاح نائيةً
عن رأسِ مروان أو أشياعه الفُجُر
بني المظفر والأيامُ مابرحت
مراحلا والورى منها على سفر
سحقاً ليومكمُ يوماً ولا حملتْ
بمثله ليلةٌ في مقبل العمر
من للأسرَّة أو من للأعنّة أو
من للسماحةِ أو للنفعِ والضرر
أو دفع كارثة أو ردع آزفة
أو قمع حادثة تعيا على القدر؟
ويحَ السّماحِ وويح البأس لوسلما
وحسرةُ الدينِ والدنيا على عمر
سقت ثرى الفضل والعباس هاميةٌ
تُعزى إليهم سماحاً لا إلى المطر
ثلاثة ما رأى العصران مثلهم
فضلاً ولو عُزّز بالشمس والقمر
ابن حمديس الصقلي بعد احتلال النورمان لموطنه الأصلي في صقلية:
أعاذلُ،دعني أطلقِ العبرةَ التي
عدمتُ لها من أجملِ الصبر حابسا
لقدّرتُ أرضي أن تعودَ لقومها
فساءت ظنوني ثم أصبحتُ يائسا
وكيف،وقد سيمتْ هواناً،وصيّرت
مساجدها أيدي النصارى كنائسا
إذا شاءت الرهبانُ بالضربِ أنطقت
مع الصبحِ والإمساءِ فيها النواقسا
صقلّيةٌ كادَ الزمانُ بلادها
وكانت على أهل الزمانِ محارسا
فكم أعين بالخوفِ أمستْ سواهراً
وكانتْ بطيبِ الأمن منهم نواعسا
أرى بلدي قد سامهُ الرومُ ذلّةً
وكانَ بقومي عزّهُ متقاعسا
وكانت بلدُ الكفر تلبس خوفهُ عدمتُ أسوداً منهمُ عربيّةً
فأضحى لذاكَ الخوفِ منهنّ لابسا ترى بين أيديها العلوجَ فرائسا
همُ فتحوا أغلاقها بسيوفهم
وهم تركوا الأنوارَ فيها حنادسا
يخوضونَ بحراً كلّ حينِ إليهمُ
ببحرٍ يكونُ الوجُ فيه فوارسا
وحربيةٍ ترمي بِمحرقِ نِفطها
فيغشى سُعوطُ الموت فيها المعاطسا
تَراهنَّ في حُمرِ اللّبود وصفرها
كمثلِ بناتِ الزّنج زُفت عرائسا
إذا عثننت فيها التنانيرُ خلتها
تُفتّحُ للبركان عنها منافسا
أفي قصر ينّي رُقعةٌ يعمرونها
ورسمٌ من الإسلامِ أصبحَ دارسا
ومن عجبٍ أنّ الشياطينَ صيّرت
بروجَ النجوم المُحرقات مجالسا
وأضحت لهم سَرقوسةٌ دارَ مِنعةٍ
يزورون بالديرين فيها النواوسا
مشوا في بلادٍ أهلُها تحتَ أرضها
وما مارسوا منهم أبيّاً ممارسا
ولو شُقّقت تلكَ القبورُ لأنهضت
إليهم من الأجداثِ أُسداً عوابسا
ولكن رأيتُ الغيلَ إن غابَ ليثهُ
تبخترَ في أرجائه الذئبُ مائسا
أبو المظفر الأبيوردي بعد احتلال الفرنج الصليبيين للقدس وقتل أهلها:
مزجنا دماءً بالدّموعِ السّواجمِ
فلم يبقَ منّا عَرصة للمراحمِ
وشرُّ سلاحِ المرءِ دمعٌ يُفيضهُ
إذا الحربُ شبّت نارُها بالصوارمِ
فإيهاً بني الإسلامِ إنّ وراءكم
وقائعَ يُلحقنَ الذُّرا بالمناسمِ
أتهويمةً في ظلِّ أمنٍ وغبطةٍ
وعيشٍ كَنُّوارِ الخميلةِ ناعمِ
وكيفَ تنامُ العينُ ملءَ جفونها
على هفواتٍ أيقظت كلّ نائم
وإخوانكم بالشّامِ يُضحي مَقيلُهم
ظهورَ المذاكي أو بطونَ القشاعمِ
تسومهمُ الرّومُ الهوانَ وأنتمُ
تجرّونَ ذيلَ الخفضِ فِعلَ المُسالمِ
وكم من دماءٍ قد أُبيحت ومن دُمىً
تواري حياءً حُسنها بالمعاصمِ
بحيثُ السيوفُ البيضُ مُحمرّةُ الظُّبا
وسمرُ العوالي دامياتُ اللهاذم
وبينَ اختلاسِ الطّعنِ والضربِ وَقفةٌ
تظلُّ لها الولدانُ شيبَ القوادمِ
وتلكَ حروبٌ من يَغبْ عن غِمارها
ليسلمَ يَقرعْ بعدها سنَّ نادمِ
سللنَ بأيدي المشركينَ قواضباً
ستُغمدُ منهم في الطُّلى والجماجمِ
يكادُ لهُنَّ المُستجنُّ بطيبةٍ
يُنادي بأعلى الصوتِ يا آلَ هاشمِ
أرى أمّتي لا يُشرعونَ إلى العدا
رماحهُمُ والدينُ واهي الدّعائمِ
ويجتنبونَ النارَ خوفاً من الردى
ولا يحسبونَ العارَ ضربةَ لازمِ
أترضى صناديدُ الأعاريبُ بالأذى
ويُغضي على ذلٍّ كُماةُ الأعاجمِ
فليتهمُ إذ لم يذودوا حُميّةً
عن الدينِ ضنّوا غيرةً بالمحارمِ
وإن زهدوا في الأجرِ إذ حَمسَ الوغى
فهلّا أتوهُ رَغبةً في الغنائمِ
لئن أذعنت تلكَ الخياشيمُ للبُرى
فلا عطسوا إلا بأجدعَ راغمِ
دعوناكم والحربُ ترنو مُلحةً
إلينا بألحاظِ النسور القشاعم
تراقبُ فينا غارةً عربيّةً
تُطيلُ عليها الرومُ عضَّ الأباهمِ
فإن أنتمُ لم تغضبوا بعدَ هذهِ
رمينا إلى أعدائنا بالجرائم
قصيدة أحمد شوقي”اختلاف النهار والليل ينسي”:
اختلافُ النهارِ والليلِ يُنسي
أُذكرا ليَ الصِبا وأيامَ أُنسي
وصِفا لي مُلاوةً من شبابٍ
صُوّرت من تصوُّراتٍ ومَسِّ
عصفت كالصَّبا اللعوبِ ومرّتْ
سِنةً حلوةً ولذَّةُ خَلسِ
وسَلا مصرَ هل سلا القلبُ عنها
أو أسا جرحَهُ الزمانَ المُؤَسّي
كلّما مرّتِ الليالي عليهِ
رقَّ والعهدُ في الليالي تُقَسّي
مُستطارٌ إذا البواخرُ رنّتْ
أوّلَ الليلِ أو عوت بعدَ جَرسِ
راهبٌ في الضلوعِ للسفنِ فَطنُ
كلّما ثُرنَ شاعهُنَّ بنقسِ
يا ابنةَ اليمِّ ما أبوكِ بخيلٌ
ما لهُ مولعاً بمنعٍ وحبسِ
أحرامٌ على بلابلهِ الدو
حُ حلالٌ للطيرِ من كلّ جنسِ
كلُّ دارٍ أحقُّ بالأهلِ إلا
في خبيثٍ من المذاهبِ رِجسِ
نفسي مِرجلٌ وقلبي شراعٌ
بهما في الدموعِ سيري وأرسي
واجعلي وجهكِ الفنارَ ومجرا
كِ يدَ الثغرِ بينَ رملٍ ومَكسِ
وطني لو شُغلتُ بالخلدِ عنهُ
نازعتني إليهِ في الخلدِ نفسي
وهفا بالفؤادِ في سلسبيلٍ
ظمأٌ للسوادِ من عينِ شمسِ
شهدَ الله لم يغبْ عن جفوني
شخصهُ ساعةً ولم يخلُ حِسّي
يُصبحُ الفكرُ والمسَلّةُ ناديهِ
وبالسَرحةِ الزكيّةِ يُمسي
وكأنّي أرى الجزيرةَ أيكاً
نغمتْ طيرهُ بأرخمِ جَرسِ
هيَ بلقيسُ في الخمائلِ صرحٌ
من عُبابٍ وصاحتْ غيرَ نُكسِ
حسبها أن تكونَ للنيلِ عرساً
قبلها لم يُجَنَّ يوماً بعرسِ
لبست بالأصيلِ حُلّةَ وشىٍ
بين صنعاءَ في الثيابِ وقَسِّ
قدّها النيلُ فاستحت فتوارت
منهُ بالجسرِ بينَ عُريٍ ولُبسِ
وأرى النيلَ كالعقيقِ بواديه
وإن كانَ كوثرَ المُتحسي
ابنُ ماءِ السماءِ ذو الموكبِ الفخمِ
الذي يحسرُ العيونَ ويُخسي
لاترى في ركابه غير مُثنٍ
بخميلٍ وشاكرٍ فضلَ عُرسِ
وأرى الجيزةَ الحزينةَ ثكلى
لم تُفقْ بعدُ من مناحةِ رَمسي
أكثرت ضجّةُ السواقي عليه
وسؤالَ الراعِ عنهُ بهمسِ
وقيامَ النخيل ضفّرنَ شِعراً
وتجردنَ غيرَ طوقٍ وسَلسِ
وكأنّ الأهرامَ ميزانُ فرعو
نَ بيومٍ على الجبابرِ نحسِ
أو قناطيرُهُ تأنّقَ فيها
ألفُ جابٍ وألفُ صاحبِ مَكسِ
روعةٌ في الضحى ملاعبُ جنٍّ
حينَ يغشى الدجى حماها ويُغسي
ورهينُ الرمالِ لأفطسُ إلا
أنّهُ صُنعُ جِنَّةٍ غيرُ فُطسِ
تتجلى حقيقةُ الناسِ فيه
سَبُعُ الخَلقِ في أساريرِ إنسي
لعبَ الدهرُ في ثراهُ صبياً
والليالي كواعباً غيرَ عُنسِ
ركبت صُيّدُ المقاديرِ عينيهِ
لنقدٍ ومخلبيهِ لِفَرس
فأصابتْ بهِ الممالكَ كسرى
وهرقلاً والعبقريُّ الفرنسي
يا فؤادي لكلِّ أمرٍ قرارٌ
فيهِ يبدو وينجلي بعد لَبسِ
عقلتْ لُجّةُ الأمورِ عُقولاً
طالت الحوتَ طولَ سبحٍ وغَسِّ
غرقتْ حيثُ لا يُصاحُ بطافٍ
أو غريقٍ ولا يُصاخُ لِحسِّ
فلكٌ يكسفُ الشموسَ نهاراً
ويسومُ البدورَ ليلةَ وَكسِ
ومواقيتُ للأمورِ إذا ما
بلغتها الأمورُ صارت لِعكسِ
دولٌ كالرجالِ مُرتهناتٌ
بقيامٍ من الجدودِ وتَعسِ
وليالٍ من كلِّ ذاتِ سِوارٍ
لطمت كلَّ ربِّ رومٍ وفرسِ
سدّدت بالهلالِ قوساً وسلّت
خِنجراً ينفذانِ من كلِّ تُرسِ
حكمت في القرونِ خوفو ودارا
وعفتْ وائلاً وألوتْ بعبسِ
أينَ مروانُ في المشارقِ عرشٌ
أمويٌّ وفي المغاربِ كرسي
سقمت شمسهمُ فردَّ عليها
نورها كلُّ ثاقبِ الرأي نَطسِ
ثم غابت وكلُّ شمسٍ سوى هاتيك
تبلى وتنطوي تحتَ رمسِ
وعظَ البحتريَّ إيوانُ كسرى
وشفتني القصورُ من عبدِ شمسِ
رُبَّ ليلٍ سريتُ والبرقُ طِرفي
وبساطٍ طويتُ والريحُ عَنسي
أنظمُ الشرقَ في الجزيرةِ بالغربِ
وأطوي البلادَ حَزناً لدهسِ
في ديارٍ من الخلائفِ درسٍ
ومنارٍ ومن الطوائفِ طَمسِ
ورُبى كالجِنانِ في كَنَفِ الزيتون
خُضرٍ وفي ذَرا الكرمِ طُلسِ
لم يَرُعني سوى ثرىً قُرطبيٍّ
لمست فيه عبرةَ الدهر خَمسي
يا وقى الله ما أُصبِّحُ منهُ
وسقى صَفوةَ الحيا ما أُمسّي
قريةٌ لا تُعدُّ في الأرضِ كانت
تُمسكُ الأرضَ أن تميدَ وتُرسي
غشيت ساحلَ المحيطِ وغطّت
لُجّةَ الرومِ من شراعٍ وقلسِ
ركبَ الدهرُ خاطري في ثراها
فأتى ذلكَ الحمى بعد حَدسِ
فتجلّت ليَ القصورُ ومن فيها
من العزِّ في منازلَ قُعسِ
ما ضَفت قطُّ في الملوكِ على نذلِ
المعالي ولا تردّت بنجسِ
وكأنّي بلغتُ للعلمِ بيتاً
فيه ما للعقولِ من كلِّ درس
قُدُساً في البلادِ شرقاً وغرباً
حجّةُ القوم من فقيهٍ وقَسِّ
وعلى الجمعةِ الجلالةُ والنا
صرُ نورُ الخميسِ تحتَ الدَرَفسِ
يُنزلُ التاجَ عن مفارقِ دونٍ
ويُحلّى به جبينَ البِرنسِ
سِنةٌ من كرى وطيفُ أمانٍ
وصحا القلبُ من ضلالٍ وهجسِ
وإذا الدارُ مابها من أنيسٍ
وإذا القومُ مالهم من مُحِسِّ
ورقيقٍ من البيوتِ عتيقٌ
جاوزَ الألفَ غير مذموم حَرسِ
أثرٌ من محمدٍ وتراثٌ
صارَ للروحِ ذي الولاءِ الأمس
بلغَ النجمَ ذِروةً وتناهى
بين ثهلانَ في الأساسِ وقُدسِ
مرمرٌ تسبحُ النواظرُ فيه
ويطولُ المدى عليها فتُرسي
وسَوارٍ كأنّها في استواءٍ
ألِفاتُ الوزيرِ في عَرضِ طِرسِ
فترةُ الدهرِ قد كست سطريها
ما اكتسى الهُدبُ من فتورٍ ونَعسِ
ويحها كم تزيّنت لعليمٍ
واحدِ الدهرِ واستعدَت لخمس
وكأنَّ الرفيفَ في مسرح العينِ
مُلاءٌ مُدَنَّراتُ الدِمقسِ
وكأنّ الآياتِ في جانبيهِ
يتنزلّنَ في معارجِ قُدسِ
منبرٌ تحتَ مُنذرٍ من جلالٍ
لم يزل يكتسيه أو تحتَ قُسِّ
ومكانُ الكتابِ يُغريكَ ريّا
وردهِ غائباً فتدنو للِمسِ
صنعةُ الداخلِ المباركِ في الغربِ
وآلٍ لهُ ميامينَ شُمسِ
من لَحمراءَ جُلّلت بغبارِ ال
دهرِ كالجرحِ بينَ بُرءٍ ونُكسِ
كَسنا البرقِ لو محا الضوءُ لحظاً
لمحتها العيونُ من طولِ قَبسِ
حصنُ غرناطةَ ودارُ بني الأح
مرِ من غافلٍ ويقظانَ نَدسِ
جلّلَ الثلجُ دونها رأسَ شيرى
فبدا منهُ في عصائبَ بِرسِ
سرمدٌ شيبهُ ولم أرَ شيباً
قبلهُ يُرجى البقاءَ ويُنسي
مشتِ الحادثاتُ في غُرفِ الحم
راءِ مشيَ النعيِّ في دارِ عُرسِ
هتكتْ عزّةَ الحجابِ وفضّت
سُدّةَ البابِ من سميرٍ وأُنسِ
عَرصاتٌ تخلّتْ الخيلُ عنها
واستراحتْ من احتراسٍ وعَسِّ
ومغانٍ على الليالي وِضاءٌ
لم تجد للعشيِّ تكرارَ مسِّ
لا ترى غيرَ وافدينَ على التا
ريخِ ساعينَ في خشوعٍ ونَكسِ
نقلوا الطرفَ في نضارةِ آسٍ
من نقوشٍ وفي عصارةِ وَرسِ
وقبابٍ من لازوردٍ وتبرٍ
كالرُبى الشُمِّ بينِ ظلٍّ وشمسِ
وخطوطٍ تكفلّت للمعاني
ولألفاظها بأزينَ لَبسِ
وترى مجلسَ السباعِ خلاءً
مقفرَ القاعِ من ظباءٍ وخَنسِ
لا الثريا ولا جواري الثريا
يتنزلنَ فيهِ أقمارَ إنسِ
مرمرٌ قامتِ الأسودُ عليه
كلّةَ الظُفرِ ليناتِ المجّسِ
تنثرُ الماءَ في الحياضِ جُماناً
يتنّزى على ترائبَ مُلسِ
آخرَ العهدِ بالجزيرةِ كانت
بعد عركٍ من الزمانِ وضَرسِ
فتراها تقولُ رايةُ جيشٍ
بادَ بالأمسِ بينَ أسرٍ وحَسِّ
ومفاتيحها مقاليدُ مُلكٍ
باعها الوارثُ المُضيعُ ببخسِ
خرجَ القومُ في كتائبَ صُمٍّ
عن حفاظٍ كموكبِ الدفنِ خُرسِ
ركبوا بالبحارِ نعشاً وكانت
تحتَ آبائهم هي العرشُ أمسِ
رُبّ بانٍ لهادمٍ وجَموعٍ
لِمُشتٍّ ومُحسنٍ لمُخسِ
إمرةُ الناسِ هِمّةٌ لا تأنّى
لجبانٍ ولا تسنّى لِجِبسِ
وإذا ما أصابَ بنيانَ قومٍ
وهيُ خُلقٍ فإنّهُ وهيُ أُسِ
يا دياراً نزلتُ كالخلدِ ظِلاً
وجنىً دانياً وسلسالَ أُنسِ
مُحسناتِ الفصولِ لا ناجر فيها
بقيظٍ ولا جُمادى بِقرسِ
لا تَحِشَ العيونُ فوق رُباها
غيرَ حورٍ حُوِّ المراشفِ لُعسِ
كُسيت أفرُخي بظلّلكِ ريشاً
وربا في رُباكِ واشتدَّ غَرسي
هم بنو مصرَ لا الجميلُ لديهم
بمضاعٍ ولا الصنيعُ بِمنسي
من لسانٍ على ثنائكِ وقفٌ
وجنانٍ على ولائكِ حَبسِ
حسبهم هذه الطلولُ عِظاتٍ
من جديدٍ على الدهورِ ودرسِ
وإذا فاتكَ التفاتٌ إلى الما
ضي فقد غابَ عنكَ وجهُ التأسّي
أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة”نكبة بيروت” بعد أن ضرب الطليان بيروت
يا ربِّ أمرُكَ في الممالكِ نافذٌ
والحكمُ حُكمُكَ في الدمِ المسفوكِ
إن شئتَ أهرِقهُ وإن شئتَ احمِهِ
هو لم يكن لسواكَ بالمملوكِ
واحكمْ بعدلكَ إنّ عدلكَ لم يكنْ
بالمُمترى فيهِ ولا المشكوكِ
ألأجلِ آجالٍ دنتْ وتهيأت
قدّرتَ ضربَ الشاطىءِ المتروكِ
ما كانَ يحميه ولا يُحمى به
فُلكانِ أنعَمُ من بوخرِ كوكِ
هذي بجانبها الكسيرِ غريقةٌ
تهوي وتلكَ بركنها المدكوكِ
بيروتُ ماتَ الأُسدُ حتفَ أنوفهم
لم يُشهروا سيفاً ولم يحموكِ
سبعونَ ليثاً أُحرقوا أو أُغرقوا
يا ليتهم قُتلوا على طبروكِ
كلٌّ يصيدُ الليثَ وهوَ مُقيّدٌ
ويعزُّ صيدَ الضيغمِ المفكوكِ
يا مَضربَ الخِيم المنيفةِ للقِرى
ما أنصفَ العُجمُ الألى ضربوك
ماكنتِ يوماً للقنابلِ موضعاً
ولو أنّها من عَسجدٍ مسبوكِ
بيروتُ يا راحَ النزيلِ وأُنسه
يمضي الزمانُ عليَّ لا أسلوكِ
الحسنُ لفظٌ في المدائنِ كُلّها
ووجدتهُ لفظاً ومعنىً فيك
نادمتُ يوماً في ظِلالكِ فتيةً
وسموا الملائكَ في جلالِ مُلوكِ
تالله ما أحدثتِ شراً أو أذىً
حتى تُراعي أو يُراعَ بنوكِ
أنتِ التي يحمي ويمنعُ عِرضها
سيفُ الشريفِ وخنجرُ الصعلوكِ
إن يجهلوكِ فإنّ أمكَ سوريا
والأبلقُ الفردُ الأشمُّ أبوكِ
والسابقينَ إلى المفاخرِ والعلا
بَلهُ المكارمَ والندى أهلوكِ
سالت دماءٌ فيكِ حولَ مساجدٍ
وكنائسٍ ومدارسٍ وبنوكِ
كُنّا نؤملُ أن يُمدَّ بقاؤها لكِ في ربى النيلِ المباركِ جيرةٌ
حتى تبِلَّ صدى القنا المشبوكِ لو يقدرونَ بدمعهم غسلوكِ
أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة”دمشق” عندما ضربها الفرنسيون بالمدافع وأحرقوها
سلامٌ من صَبا بردى أرَقُّ
ودمعٌ لا يُكفكفُ يا دمشقُ
ومعذرةُ اليراعةِ والقوافي
جلالُ الرُزءِ عن وصفٍ يَدِقُّ
وذكرى عن خواطرها لقلبي
إليكِ تلُّفتٌّ أبداً وخفقُ
وبي ممّا رمتكِ بهِ الليالي
جراحاتٌ لها في القلبِ عُمقُ
دخلتُكِ والأصيلُ لهُ ائتلاقٌ
ووجهُكِ ضاحكُ القسماتِ طلقُ
وتحتَ جِنانكِ الأنهارُ تجري
وملءُ رُباكِ أوراقٌ ووُرقُ
وحولي فتيةٌ غُرُّ صِباحٌ
لهم في الفضلِ غاياتٌ وسَبقُ
على لهواتهم شعراءُ لُسنٌ
وفي أعطافهم خُطباءُ شُدقُ
رواةُ قصائدي فاعجب لشعرٍ
بكلِّ مَحلَّةٍ يرويه خلقُ
غمزتُ إباءهم حتى تلّظتْ
أنوفُ الأسدِ واضطرمَ المَدَقٌّ
وضجَّ من الشكيمةِ كلُّ حُرٍّ
أبيّ من أميّةَ فيهِ عتقُ
لحاها الله أنباءً توالتْ
على سمعِ الوليِّ بما يشِقُّ
يُفَصّلُها إلى الدنيا بريدٌ
ويُجملها إلى الآفاقِ برقُ
تكادُ لروعةِ الأحداثِ فيها
تُخالُ من الخُرافةِ وهيَ صِدقُ
وقيلَ معالمُ التاريخِ دُكّتْ
وقيلَ أصابها تلفٌ وحرقُ
ألستِ دمشقُ للإسلامِ ظِئراً
ومُرضعةُ الأُبوةِ لا تُعَقُّ
صلاحُ الدين تاجُكِ لم يُجمّلْ
ولم يوسم بأزينَ منهُ فَرقُ
وكلُّ حضارةٍ في الأرضِ طالت
لها من سَرحِكِ العلويِّ عرقُ
سماؤكِ من حُلى الماضي كتابٌ
وأرضُكِ من حُلى التاريخِ رَقُّ
بنيتِ الدولةَ الكبرى وملكاً
غُبارُ حضارتيهِ لا يُشقُّ
لهُ بالشامِ أعلامٌ وعُرسٌ
بشائرهُ بأندلسٍ تدُقُّ
رُباعُ الخلدِ ويحكِ ما دهاها
لأحقٌّ أنها درست أحَقُّ
وهل غُرفُ الجِنانِ منضّداتٌ
وهل لنعيمهنَّ كأمسِ نسقُ
وأينَ دُمى المقاصرِ من حِجالٍ
مُهتكةٍ وأستارٍ تُشقُّ
برزنَ وفي نواحي الأيك نارٌ
وخلفَ الأيكِ أفراخٌ تُزَقُّ
إذا رُمنَ السلامة من طريقٍ
أتت من دونهِ للموتِ طُرقُ
بليلٍ للقذائفِ والمنايا
وراءَ سمائهِ خطفٌ وصعقُ
إذا عصفَ الحديدُ احمرَّ أفقٌ
على جنباتهِ واسودَّ أفقُ
سَلي من راعَ غيدكِ بعد وهنٍ
أبينَ فؤادِهِ والصخرِ فرقُ
وللمستعمرينَ وإن ألانوا
قلوبٌ كالحجارةِ لا ترِقُّ
رماكِ بطيشهِ ورمى فرنسا
أخو حربٍ بهِ صَلَفٌ وحُمقُ
إذا ما جاءهُ طُلّابُ حقٍّ
يقولُ عصابةٌ خرجوا وشقّوا
دمُ الثوارِ تعرفهُ فرنسا
وتعلمُ أنّهُ نورٌ وحقُّ
جرى في أرضها فيهِ حياةٌ
كمنهلِّ السماءِ وفيهِ رزقُ
بلادٌ مات فتيتها لتحيا
وزالوا دونَ قومهم ليبقوا
وحُرّرت الشعوبُ على قناها
فكيفَ على قناها تُسترَقُ
بني سوريةَ اطّرحوا الأماني
وألقوا عنكم الأحلامَ ألقوا
فمن خِدعِ الساسة أن تُغَرّوا
بألقابِ الإمارةِ وهيَ رِقُّ
وكم صيدٍ بدا لك من ذليلٍ
كما مالتْ من المصلوبِ عُنقُ
فُتوقُ المُلكِ تَحدثُ ثم تمضي
ولا تمضي لمختلفينَ فتقُ
نصحتُ ونحنُ مختلفونَ داراً
ولكن كُلّنا في الهمِّ شرقُ
ويجمعنا إذا اختلفت بلادٌ
بيانٌ غيرُ مختلفٍ ونُطقُ
وقفتم بينَ موتٍ أو حياةٍ
فإن رُمتمْ نعيمَ الدهرِ فاشقوا
وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ
يدٌ سلفتْ ودَينٌ مُستحقُ
ومن يسقى ويشربُ بالمنايا
إذا الأحرارُ لم يُسقوا ويَسقوا
ولا يبني الممالكَ كالضحايا
ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحقُّ
ففي القتلى لأجيالٍ حياةٌ
وفي الأسرى فِدىً لهم وعِتقُ
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مُضرّجةٍ يُدَقُ
جزاكم ذو الجلالِ بني دمشقٍ
وعزُّ الشرقِ أوّلهُ دمشقُ
نصرتم يوم محنتهِ أخاكم
وكلُّ لأخٍ بنصرِ أخيهِ حقُّ
أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة”يا أخت أندلس عليك سلام” بعد سقوط عاصمة الخلافة العثمانية متذكراً ضياع الأندلس:
يا أُختَ أندَلُسٍ عليكِ سلامُ
هوتِ الخلافةُ عنكِ والإسلامُ
نزلَ الهلالُ عن السماءِ فليتها
طُويت وعمَّ العالمينَ ظلامُ
أزرى بهِ وأزالهُ عن أوجِهِ
قدرٌ يحطُّ البدرَ وهو تمامُ
جُرحانِ تمضي الأمتانِ عليهما
هذا يسيلُ وذاكَ لا يلتامُ
بكما أُصيبَ المسلمونَ وفيكما
دُفنَ البراعُ وغُيّبَ الصمصامُ
لم يُطوَ مأتمهما وهذا مأتمٌ
لبسوا السوادَ عليكِ فيهِ وقاموا
ما بينَ مصرعها ومصرعكِ انقضت
فيمت نُحبُّ ونكرهُ الأيامُ
خلتِ القرونُ كليلةٍ وتصرّمت
دولُ الفتوحِ كأنها أحلامُ
والدهرُ لا يألو الممالكَ منذراً
فإذا غفلنَ فما عليهِ ملامُ
مقدونيا والمسلمونَ عشيرةٌ
كيفَ الخئولةُ فيكِ والأعمامُ
أترينهم هانوا وكانَ بعزّهم
وعلوهم يتخايلُ الإسلامُ
إذ أنتِ نابُ الليثِ كلُّ كتيبةٍ
طلعتْ عليكِ فريسةٌ وطعامُ
مازالتِ الأيامُ حتى بُدّلت
وتغيّرَ الساقي وحالَ الجامُ
أرأيتِ كيفَ أُديلَ من أُسدِ الشرى
وشهدتِ كيفَ أُبيحتِ الآجامُ
زعموكِ هَمّاً للخلافةِ ناصباً
وهل الممالكُ راحةٌ ومنامُ
ويقولُ قومٌ كنتِ أشأمَ موردٍ
وأراكِ سائغةً عليكِ زحامُ
ويراكِ داءَ المُلكُ ناسُ جهالةٍ
بالمُلكِ منهم علّةٌ وسَقامُ
لو آثروا الإصلاحَ كنتِ لعرشهم
رُكناً على هامِ النجومِ يُقامُ
وهمٌ يُقيّدُ بعضهم بعضاً بهِ
وقيودُ هذا العالمِ الأوهامُ
صوَرُ العمى شتّى وأقبحها إذا
نظرتْ بغيرِ عيونهنَّ الهامُ
ولقد يُقامُ من السيوفِ وليسَ من
عثراتِ أخلاقِ الشعوبِ قيامُ
ومُبشّرٍ بالصلحِ قلتُ لعلّهُ
خيرٌ عسى أن تصدقَ الأحلامُ
تركَ الفريقانِ القتالَ وهذه
سِلمٌ أمرُّ من القتالِ عُقامُ
ينعى إلينا المَلكَ ناعٍ لم يطأ
أرضاً ولا انتقلت بهِ أقدامُ
برقٌ جوائبُهُ صواعقُ كلُّها
ومن البروقِ صواعقٌ وغمامُ
إن كانَ شرٌّ زارَ غيرَ مُفارقٍ
أو كانَ خيرٌ فالمزارُ لِمامُ
بالأمسِ أفريقا تولّت وانقضى
مُلكٌ على جيدِ الخضّمِ جسامُ
نظمَ الهلالُ بهِ ممالكَ أربعاً
أصبحنَ ليسَ لِعقدهنَّ نظامُ
من فَتحِ هاشمَ أو أميّةَ لم يُضعْ
آساسها تترٌّ ولا أعجامُ
واليومَ حكمُ الله في مقدونيا
لا نقضَ فيهِ لنا ولا إبرامُ
كانتْ من الغربِ البثيّةُ فانقضت
فعلى بني عثمانَ فيهِ سلامُ
أخذَ المدائنَ والقُرى بِخناقها
جيشٌ من المتحالفينَ لُهامُ
غطّتْ به الأرضُ الفضاءَ وجوّها
وكستْ مناكبها بهِ الآكامُ
تمشي المناكرُ بين أيدي خيلهِ
آنّى مشى والبغيُ والإجرامُ
ويحثُّهُ باسمِ الكتابِ أقسَّةٌ
نشطوا لما هو في الكتابِ حرامُ
ومُسيطرونَ على الممالكِ سُخرّت
لهمُ الشعوبُ كأنّها أنعامُ
من كلِّ جزّارٍ يرومُ الصدرَ في
نادي الملوكِ وجدّهُ غنّامُ
سِكينهُ ويمينهُ وحِزامهُ
والصولجانُ جميعها آثامُ
عيسى سبيلُكَ رحمةٌ ومحبّةٌ
في العالمينَ وعصمةٌ وسلامُ
ما كُنتَ سفّاكَ الدماءِ ولا امرأً
هانَ الضِعافُ عليهِ والأيتامُ
يا حاملَ الآلامِ عن هذا الورى
كثرت عليهِ باسمكِ الآلامُ
أنتَ الذي جعلَ العبادَ جميعهم
رَحماً وباسمكَ تُقطعُ الأرحامُ
أتتِ القيامةُ في ولايةِ يوسُفٍ
واليومَ باسمكَ مرتينِ تُقامُ
كم هاجهُ صيدُ الملوكِ وهاجهم
وتكافأ الفرسان والأعلامُ
البغيُ في دينِ الجميعِ دنيّةٌ
والسَلمُ عهدٌ والقتالُ زِمامُ
واليومَ يَهتفُ بالصليبِ عصائبٌ
هم للإلهِ وروحِهِ ظُلّام
خلطوا صليبكَ والخناجرَ والمُدى
كلٌّ أداةٌ للأذى وحِمامُ
أو ما تراهم ذبّحوا جيرانهم
بينَ البيوتِ كأنّهم أغنامُ
كم مُرضَعٍ في حِجرِ نعمتهِ غدا
ولهُ على حدِّ السيوفِ فِطامُ
وصَبيّةٍ هُتكت خميلةُ طُهرها
وتناثرتْ عن نَورهِ الأكمامُ
وأخي ثمانينَ استبيحَ وقارُهُ
لم يُغنِ عنهُ الضعفُ والأعوامُ
وجريحِ حربٍ ظامىءٍ وأدوهُ لم
يَعطفهمُ جرحُ دمٍ وأُوامُ
ومهاجرينَ تنكرّت أوطانهم
ضلّوا السبيلَ من الذهولِ وهاموا
السيفُ إن ركبوا الفِرارَ سبيلهم
والنِطعُ إن طلبوا القرارَ مُقامُ
يتلّفتونَ مُودّعينَ ديارهم
واللحظُ ماءٌ والديارُ ضِرامُ
يا أُمّةً بفروقَ فَرِّق بينهم
قدرٌ تطيشُ إذا أتى الاحلامُ
فيمَ التخاذلُ بينكم ووراءكم
أممٌ تُضاعُ حقوقُها وتُضامُ
الله يشهدُ لم أكنْ مُتحزّباً
في الرُزءِ لا شِيَعٌ ولا أحزامُ
وإذا دعوتُ إلى الوئامِ فشاعرٌ
أقصى مناهُ محبّةٌ ووئامُ
من يضجرُ البلوى فغايةُ جَهدهِ
رُجعى إلى الاقدارِ واستسلامُ
لا يأخذَنَّ على العواقبِ بعضكم
بعضاً فقِدماً جارتِ الأحكامُ
تقضي على المرءِ الليالي أو لهُ
فالحمدُ من سلطانها والذّامُ
من عادةِ التاريخِ ملءُ قضائهِ
عدلٌ وملءُ كنانتيهِ سهامُ
ماليسَ يدفعُهُ المهنّدُ مُصلتاً
لا الكتبُ تدفعهُ ولا الأقلامُ
إنّ الأُلى فتحوا الفتوحَ جلائلاً
دخلوا على الاُسدِ الغياضَ وناموا
هذا جناهُ عليكمُ آباؤكم
صبراً وصفحاً فالجناةُ كِرامُ
رفعوا على السيفِ البناءَ فلم يَدُم
ما للبناءِ على السيوفِ دوامُ
أبقى الممالكَ ما المعارفُ أُسُّهُ
والعدلُ فيهِ حائطٌ ودِعامُ
فإذا جرى رَشداً ويُمناً أمرُكم
فامشوا بنورِ العلمِ فهو زِمامُ
ودعوا التفاخُرَ بالتُراثِ وإن غلا
فالمجدُ كسبٌ والزمانُ عِصامُ
إنَّ الغرورَ إذا تملّكَ أمّةً
كالزهرِ يُخفي الموتَ وهو زؤامُ
لا يعدلنَّ المُلكَ في شهواتكم
عَرَضٌ من الدنيا بدا وحُطامُ
ومناصبٌ في غيرِ موضعها كما
حلّتْ محلَّ القُدوةِ الأصنامُ
المُلكُ مرتبةُ الشعوبِ فإن يَفُتْ
عزُّ السيادةِ فالشعوبُ سَوامُ
ومن البهائمِ مُشبعٌ ومُدلّلٌ
ومن الحريرِ شكيمةٌ ولجامُ
وقفَ الزمانُ بكم كموقفِ طارقٍ
اليأسُ خَلفٌ والرجاءُ أمامُ
الصبرُ واللإقدامُ فيهِ إذا هما
قُتلا فأقتلُ منهما الإحجامُ
يُحصي الدليلُ مدى مطالبهِ ولا
يَحصي مدى المستقبلِ المِقدامُ
هذي البقيّةُ لو حرصتم دولة
صالَ الرشيدُ بها وطالَ هشامُ
قِسمُ الأئمةِ والخلائفِ قبلكم
في الارضِ لم تُعدل بهِ الأقسام
سرتِ النُبوّةُ في طَهورِ فضائهِ
ومشى عليه الوحيُ والإلهامُ
وتدفقَ النهرانِ فيهِ وأزهرت
بغدادُ تحت ظلالهِ والشامُ
أثرَتْ سواحلُهُ وطابتْ أرضُهُ
فالدرُّ لُجٌّ والنُضارُ رَغامُ
شَرفاً أدِرنَةُ هكذا يقفُ الحمى
للغاضبينَ وتثبتُ الأقدامُ
وتُرَدُّ بالدمِ بُقعةٌ أُخذت بهِ
ويموتُ دونَ عرينهِ الضرغامُ
والمُلكُ يُؤخذُ أو يُرَدُّ ولم يزل
يَرثُ الحسامَ على البلادِ حسامُ
عِرضُ الخلافةِ ذادَ عنهُ مجاهدٌ
في الله غازٍ في الرسولِ هُمامُ
تستعصمُ الأوطانُ خلفَ ظُباتهِ
وتعزُّ حولَ قناتهِ الأعلامُ
عُثمانُ في بُرديهِ يمنعُ جيشهُ
وابنُ الوليدِ على الحمة قوَّامُ
عَلمَ الزمانُ مكانَ شُكري وانتهى
شكرُ الزمانِ إليهِ والإعظامُ
صبراً أدِرنةُ كلُّ مُلكٍ زائلٌ
يوماً ويبقى المالكُ العلّامُ
خَفتِ الأذانُ فما عليكِ مُوحدٌ
يسعى ولا الجُمَعُ الحِسانُ تُقامُ
وخبت مساجدُ كنَّ نوراً جامعاً
تمشي إليهِ الأُسدُ والآرامُ
يدرُجنَ في حَرمِ الصلاةِ قوانتاً
بيضَ الإزارِ كأنهُنَّ حَمامُ
وعفتْ قبورُ الفاتحينَ وفُضَّ عن
حُفرِ الخلائفِ جندلٌ ورِجامُ
نُبشتْ على قَعساء عزّتها كما
نُبشت على استعلائها الأهرامُ
في ذِمّةِ التاريخِ خمسةُ أشهرٍ
طالتْ عليكِ فكلُّ يومٍ عامُ
السيفُ عارٍ والوباءُ مُسلّطٌ
والسيلُ خوفُ والثلوجُ رُكامُ
والجوعُ فتاكٌ وفيهِ صحابةٌ
لو لم يجوعوا في الجهادِ لصاموا
ضَنّوا بِعرضكِ أن يُباعَ ويُشترى
عِرضُ الحرائرِ ليسَ فيهِ سُوامُ
ضاقَ الحِصارُ كأنّما حلقاتُهُ
فَلكٌ ومقذوفاتُها أجرامُ
ورمى العِدى ورميتهِم بجهنّمٍ
مما يَصُبُّ الله لا الاقوامُ
بِعتِ العدوَّ بكلِّ شِبرٍ مُهجةً
وكذا يُباعُ المُلكُ حينَ يُرامُ
مازالَ بينَكِ في الحصارِ وبينَهُ
شُمُّ الحصونِ ومثلهُنَّ عطامُ
حتى حواكِ مقابراً وحويتهِ
جثثاً فلا غَبنٌ ولا استذمامُ
شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة” طمع ألقى عن الغرب اللثاما” بعدما هاجم الطليان طرابلس الغرب:
طمعٌ ألقى عن الغربِ اللثاما
فاستفقْ يا شرقُ واحذرْ أن تناما
واحملي أيتها الشمسُ إلى
كُلِّ من يسكنُ في الشرقِ السلاما
واشهدي يومَ التنادي أننا
في سبيلِ الحقِّ قد متنا كراما
مادتِ الأرضُ بنا حين انتشتْ
من دمِ القتلى حلالاً وحراما
عجزَ الطليانُ عن أبطالنا
فأعلوا من ذرارينا الحساما
كبّلوهم قتلوهم مثَّلوا
بذواتِ الخِدرِ طاحوا باليتامى
ذبحوا الأشياخَ والزَمنى ولم
يرحموا طفلاً ولم يُبقوا غلاما
أحرقوا الدورَ استحلّوا كلَّ ما
حرّمت لاهاي في العهدِ احتراما
باركَ المَطرانُ في أعمالهم
فسلوهُ باركَ القومَ عَلاما
أبهذا جاءهم إنجيلهم
آمراً يُلقي على الأرضِ سلاما
كشفوا عن نيّةِ الغربِ لنا
وجلوا عن أُفقِ الشرق الظلاما
فقرأناها سطوراً من دمٍ
أقسمت تلتهمُ الشرقَ التهاما
أطلقوا الأسطولَ في البحرِ كما
يُطلقُ الزاجلُ في الجوِّ الحماما
فمضى غيرَ بعيدٍ وانثنى
يحملُ الأنباءَ شؤماً وانهزاما
قد ملأنا البرَّ من أشلائهم
فدعوهم يملئوا الدنيا كلاما
أعلنوا الحربَ وأضمرنا لهم
أينما حلّوا هلاكاً واختراما
خَبّروا فكتورَ عنّا أنّهُ
أدهشَ العالمَ حرباً ونظاما
أدهشَ العالم لمّا أن رأوا
جيشهُ يسبقُ في الجري النعاما
لم يقفْ في البرِّ إلا ريثما
يُسلمُ الأرواحَ أو يُلقي الزماما
حاتمَ الطُليانِ قد قلّدتنا
مِنّةً نذكرها عاماً فعاما
أنتَ أهديتَ لنا عُدّةً
ولباساً وشراباً وطعاما
وسلاحاً كان في أيديكمُ
ذا كلالٍ فغدا يفري العظاما
أكثروا النزهةَ في أحيائنا
ورُبانا إنّها تشفي السَقاما
وأقيموا كلَّ عامٍ موسماً
يُشبعُ الأيتامَ منا والأيامى
لستُ أدري بتَّ ترعى أمّةٍ
من بني التَليانِ أم ترعى سَواما
ما لهم والنصرُ من عاداتهم
لزموا الساحلَ خوفاً واعتصاما
أفلتوا من نارِ فيزوفَ إلى
نارِ حربٍ لم تكن أدنى ضِراما
لم يكن فيزوفُ أدهى حِمماً
من كُراتٍ تنفثُ الموتَ الزؤاما
إيهِ يا فيزوفُ نم عنهم فقد
نفضت إفريقيا عنها المناما
فهي بركانٌ لهم سَخرّهُ
مالكُ المُلكِ جزاءً وانتقاما
لو دروا ما خبأ الشرقُ لهم
آثروا فيزوفَ واختاروا المُقاما
تلكَ عُقبى أمّةٍ غادرةٍ
تنكثُ العهدَ ولا ترعى الذماما
تلكَ عقبى كلِّ جبارٍ طغى
أو تعالى أو عنِ الحقِّ تعامى
لو درت رومة ما قد نابها
في طرابلسَ أبت إلا انقساما
وأبى كلُّ اشتراكيٍ بها
أن يرى التاجَ على رأسٍ أقاما
أعلنوا ضمَّ مغانينا إلى
مُلكِ فكتورَ ولم يخشوا الملاما
أعلنوا الضمَّ ولمّا يفتحوا
قيدَ أُظفورٍ وراءً أو أماما
فاعجبوا من فاتحٍ ذي مِرّةٍ
يحسبُ النزهةَ في البحرِ صِداما
ويرى الفتحَ ادّعاءً باطلاً
وافتراءً وإحتجاجاً واحتكاما
أيها الحائرُ في البحرِ اقترب
من حِمى البُسفورِ إن كنتَ هُماما
كم سمعنا عن لسانِ البرقِ ما
يُزعجُ الدنيا إذا الاسطولُ عاما
عامَ شهرين ولم يفتح سوى
هُوّةٍ فيها الملايين ترامى
دفنوا تاريخهم في قاعها
ورموا في إثرهِ المجدَ غلاما
فاطمئني أممَ الشرقِ ولا
تقنطي اليومَ فإنّ الجدَّ قاما
إنّ في أضلاعنا أفئدةً
تعشقُ المجدَ وتأبى أن تُضاما
محمود غنيم في قصيدة”وقفة على طلل” عندما زار الأندلس:
مالي وللنجمِ يرعاني وأرعاهُ
أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جفناهُ
لي فيكَ يا ليلُ آهاتٌ أردّدها
أوّاهُ لو أجدتْ المحزونَ أواهُ
لا تحسبنّي محباً يشتكي وصباً
أهونْ بما في سبيلِ الحبِّ ألقاهُ
إنّي تذكرتُ والذكرى مُؤرقةٌ
مجداً تليداً بأيدينا أضعناهُ
ويحَ العروبة كان الكونُ مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياهُ
أنّى اتجهت إلى الإسلامِ في بلد
تجدهُ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ
كم صرفتنا يدٌ كنّا نُصرّفها
وباتَ يملكنا شعبٌ ملكناهُ
كم بالعراقِ وكم بالهندِ ذو شجنٍ
شكا فردّدت الأهرامُ شكواهُ
بني العمومةِ إن القُرحَ مسّكموا
ومسّنا نحن في الآلام أشباهُ
يا أهلَ يثرب أدمت مقلتي يدٌ
بدريةٌ تسألُ المصريَّ جدواهُ
الدينُ والضادُ من مغناكم انبعثا
فطبّقا الشرقَ أقصاهُ وأدناهُ
لسنا نمدُّ لكم أيماننا صلةً
لكنما هو دّين ما قضيناهُ
هل كان دين ابنِ عدنانٍ سوى فلق
شقَّ الوجود وليلُ الجهلِ يغشاهُ
هيَ الحنيفةُ عينُ الله تكلؤها
فكلما حاولوا تشويهها شاهوا
هل تطلبون من المختارِ معجزةً
يكفيهِ شعبٌ من الأجداثِ أحياهُ
سنّوا المساواة لا عُربٌ ولا عجمٌ
ما لامرىء شرفٌ إلا بتقواهُ
يا من رأى عُمراً تكسوهُ بردتهُ
والزيتُ أدمٌ له والكوخُ مأواهُ
يهتزُّ كسرى على كرسيه فرَقاً
من بأسهِ وملوكُ الرومِ تخشاهُ
استرشدَ الغربُ بالماضي فأرشده
ونحنُ كان لنا ماضٍ نسيناهُ
إنا مشينا وراءَ الغربِ نقبسُ من
ضيائهِ فأصابتنا شظاياهُ
بالله سل خلف بحر الروم عن عربٍ
بالأمسِ كانوا هنا واليوم قد تاهوا
فإن تراءت لك الحمراء عن كَثبٍ
فسائلِ الصرحَ أينَ العز والجاهُ
وانزل دمشق وسائل صخر مسجدها
عمّن بناهُ لعلّ الصخرَ ينعاهُ
وطُفْ ببغداد وابحث في مقابرها
علّ امرأً من بني العباسِ تلقاهُ
هذى معالم خرسٌ كلّ واحدة
منهنّ قامتْ خطيباً فاغراً فاهُ
الله يعلمُ ما قلّبت سيرتهم
يوماً وأخطأ دمعُ العينِ مجراهُ
أين الرشيد وقد طافَ الغمامُ بهِ
فحين جاوز بغداداً تحداهُ
ماضٍ تعيشُ على أنقاضهِ أممٌ
وتستمدّ القوى من وحي ذكراهُ
ما بال شمل شعوب الضاد منصدعاً
رباه أدرك شعوب الضاد رباهُ
عهد الخلافة في البسفور قد درست
آثارهُ طيب الرحمن مثواهُ
لا هُمَّ قد أصبحت أهواؤنا شيعاً
فامننْ علينا براعٍ أنت ترضاهُ
راعٍ يعيد إلى الإسلام سيرتهُ
يرعى بنيه وعينُ الله ترعاهُ
محمود غنيم في قصيدة”يا أخت عمورية” بمناسبة إعلان قيام إسرائيل عام 1948:
قُلنا، وأصغى السامعون طويلاً
خلّوا المنابرَ للسيوفِ قليلا
سُقنا الأدلّة كالصباح لهم،فما
أغنت عن الحقِّ الصُّراحِ فتيلا
من يستدِلَّ على الحقوق،فلن يرى
مثل الحسامِ على الحقوقِ دليلا
إن صَمّت الآذانُ،لن تسمع سوى
قصفِ المدافعِ منطِقاً معقولا
لغةُ الخصوم من الرجومِ حروفها
فليقرءوا منها الغداةَ فصولا
لما أبوا أن يفهموا إلا بها
رُحنا نرتلها لهم ترتيلا
أدّت رسالتها المنابرُ،وانبرى
حدُّ السلاحِ بدورهِ ليقولا
ولقد بحثتُ عن السلام،فلم أجد
كإراقةِ الدمِ بالسلامِ كفيلا
يا آلَ إسرائيلَ،أينَ المُلكُ؟ هل
مضتْ الرياحُ بملكِ إسرائيلا؟
أتحققت آمالكم في دولةٍ
تمتدُ عرضاً في البلادِ وطولا؟
خدعتكم الأحلامُ في سِنة الكرى
ما أكذبَ الأحلامَ والتأويلا
يا بانياً بالرملِ حائطَ مُلكهِ
فوقَ العُبابِ،أرى البناءَ مهيلا
ليس الثرى للشاردين بمسكنٍ
رحبٍ ولا للمتعبينَ مقيلا
ولقد يصيرُ لنابِ ليثٍ طُعمةً
من باتَ في غابِ الليوثِ نزيلا
“حيفا” فديتُك! ما لجفنك ساهداً
وللحنكِ الشادي استحالَ عويلا؟
ما بالُ أهلك شُردوا،وشَراكِ قد
أمسى بغيرِ ليوثهِ مأهولا؟
أعززْ على أبناءِ يعرب أن يروا
علماً يرفُّ على حماكِ دخيلا
الجوُّ يرقبُ خفقهُ مستنكراً
والطيرُ ينظرُ نحوه مذهولا
لأجادهُ الغيثُ الهتونُ،ولا هفا
ليلاً برقعته النسيمُ عليلا
يا أختَ”عمورية” لبيكِ! قد
دقّت حماتك للحروبِ طبولا
ناديتِ”معتصماً” فكانَ غياثُهُ
جيشاً شروباً للدماءِ،أكولا
ما كانَ بالألفاظ جرسُ جوابهِ
بل كانَ قعقعةً،وكان صليلا
وأزيزُ أسرابٍ تصبُّ شُواظَها
فوقَ الحصون، فتستحيلُ طلولا
لن يغفرَ العربُ الأباةُ لغادر
هتك الحرائرَ والدمَ المطلولا
غضبَ الأباةُ لعرضهم فتخضّبي
يا أرضُ،واجري يا دماءُ سيولا
إنّا لقوم ليسَ يُمحى عارهم
حتى يُرى بدمائهم مغسولا
إنّا جعلنا أرضنا للمعتدي
قبراً،وظلاً للنزيلِ ظليلا
فلتطلب الأوطانُ ما شاءته من
دمنا،تجدهُ مُرخصاً مبذولا
وليشهد التاريخ”لليرموك” أو
“ذي قار” في العصر الحديثِ مثيلا
وليعلم الثقلان:أنا لم نزل
نحمي،كما حمتِ الجدودُ الغيلا
الصارمُ العضبُ الذي فتح الورى
مازالَ في يدِ أهلهِ مسلولا
النيلُ لا يرضى هوانَ أخ،ولو
أجرى الدماءَ بكل قطر نيلا
لما رأيتُ النيل عبأَ جيشهُ
أتبعتهُ التكبيرَ والتهليلا
وذكرت”ركن الدين” في حملاته
إذ كان يحدو الجيش والأسطولا
فلطالما دكَّ القلاع بعزمه
ولطالما ردَّ الجيوشَ فلولا
جيشُ الصلاحيين سار، كأنني
أبصرتُ بين صفوفهِ جبريلا
وكأنني”بابن الوليد” و”طارق”
“وأبي عبيدة” يركبون خيولا
قلبت طرفي في الجنود،فلم أجد
إلا فروعاً يتبعون أصولا
يتسابقون إلى اللقاء،كأنما
هو نزهةٌ بين الرياضِ أصيلا
ويُسارعونَ إلى الحِمام،كأنهم
يجدون مرَّ مذاقهِ معسولا
الطعنةُ النجلاءُ تحكي عندهم
طَرفاً غضيضاً جفنهُ مكحولا
ويكادُ يحسبها الجريحُ بجسمهِ
ثغراً،فيومىء نحوها تقبيلا
يا مصرُ،جيشُكِ جال في ساح الوغى
لا واهناً عزماً، ولا مخذولا
داوى جراحَ الشرقِ حدُّ سلاحهِ
وحمى الذِمارَ،وحققَّ المأمولا
ولا زلتِ حصناً للعروبةِ شامخاً
يرتدُّ طرفُ الدهرِ عنهُ كليلا
جورج صيدح وقصيدته في مذبحة دير ياسين:
تحتَ سترِ الليلِ سترِ المجرمين
طرقَ الفجّارُ بيتَ المقدس
يا فلسطينُ على من تعتبين
إن تكن نامت عيونُ الحرسِ
رفرفَ الشرُّ على مهدِ الصلاح
ورمى فيه الجناة السفلة
يا ذئاباً لبسوا جلد الأسود
ثمّ ولّوا وجههم شطرَ الغنم
وجنوداً يتحامون الجنود
ويغيرونَ على الخدرِ الحرم
مديةُ الجزارِ ميراثُ الجدود
ما لكم لم ترسموها في العلم
إنها رمزٌ لشعبٍ يستكين
رابضاً للفتكِ تحت الغلس
كلّما عفرَ في التربِ الجبين
رمق النصل بطرف شرس
قسماً ما هدرت تلك الدماء
وهي في ذمّةِ عيسى والنبي
قد هززنا عرشَ ربِّ العالمين ربِّ هب أبطالنا النصرَ المبين
بدعاء من قرارِ الأنفس وقِنا ثانيةَ الأندلس
قصيدة بدوي الجبل”من وحي الهزيمة”:
رملُ سَيناءَ قبرُنا المحفور
وعلى القبرِ مُنكرٌ ونكيرُ
كبرياءُ الصحراءِ مرّغها الذلّ
فغابَ الضحى وغارَ الزئير
لا شهيدٌ يُرضي الصحارى،وجَلّى
هاربٌ في رمالها وأسيرُ
أيها المُستعيرُ ألفَ عتادٍ
لأعاديكَ كلُّ ما تستعيرُ
هدّكَ الذُعرُ لا الحديدُ ولا النارُ
وعبءٌ على الوغى المذعورُ
أغَرورٌ على الفرار؟لقد ذابَ
حياءً من الغرورِ الغرورُ!
ألقلاعُ المحصناتُ ـ إذا الجبنُ
حماها ـ خورنقٌ وسديرُ!
لم يُعانِ الوغى لواء،ولا عانى
فريقٌ أهوالها ومشيرُ
رُتبٌ صُنعةُ الدواوين…ما شارك
فيها قرُّ الوغى والهجيرُ
وتطيرُ النسورُ من زحمةِ النجمِ
وفي عشّهِ البغاثُ يطيرُ
جَبُنَ القادةُ الكبارُ وفرّوا
وبكى للفِرارِ جيشٌ جسورُ
تركوهُ فوضى إلى الدور، فيحاء
لقد ضمّتِ النساءَ الخدورُ
هُزمَ الحاكمون،والشعبُ في
الأصفادِ،فالحكمُ وحدهُ المكسورُ
هُزمَ الحاكمون…لم يحزن الشعبُ
عليهم،ولا انتخى الجمهورُ
يستجيرونَ والكريمُ لدى الغمرة
يلقى الردى ولا يستجيرُ!
لا تسلْ عن نميرها غُوطة الشام
ألحّ الصدى وغاضَ النميرُ
وانسَ عطرَ الشام حيثُ يقيمُ
الظلمُ تنأى…ولا تقيمُ العطورُ
أطبقوا…لا ترى الضياءَ جفوني
فجفوني عن الضياء ستورُ
بعض حريتي السماوات والأنجم
والشمسُ والضحى والبدورُ
بعض حريتي الملائك والجنة
والراحُ والشذا والحبورُ
بعض حريتي الجمالُ الإلهي
ومنهُ المكشوفُ والمستورُ
بعض حريتي ويكتحلُ العقل
بنور الإلهام،والتفكيرُ
بعض حريتي، من الصبحِ أطياب
ومن رقّةِ النسيم حريرُ
نحن أسرى ولو شَمسنا على القيدِ
لما نالنا العدوُّ المغيرُ
لاقتحمنا على الغزاة لهيبها
وعبرنا وما استحال العبورُ
سألوني عن الغزاة فجاوبت
رمال تسفى ونحن الصخورُ
سألوني عن الغزاة فجاوبت:
ليال تمضي ونحن الدهور
هل درتْ عدن أن مسجدها الأقصى
مكان من أهله مهجور
أين مسرى البراق والقدس والمهد
وبيت مقدّس معمور؟
لم يرتل قرآن أحمد فيه
ويزار المبكى ويتلى الزبور
طوي المصحف الكريم ،وراحت
تتشاكى آياته والسطور
تستبى المدن والقرى هاتفات
أين…أين الرشيد والمنصور
يا لذلّ الإسلام…إرث أبي
حفص بديد مضيّع مغمور
يا لذلّ الإسلام لا الجمعة الزه
راء نعمى،ولا الآذان جهير
كل دنيا المسلمين مناحات
وويل لأهلها وثبور
لبست مكة السّواد،وأبكت
مشهد المرتضى ودكّ الطور
هل درى جعفر؟ فرفّ جناحاه
إلى المسجد الحزين يطير!
ناجت المسجد الطهور وحنّت
سدرة المنتهى وظلّ طهور
أين آي القرآن تتلى على الجمع
وأين التهليلُ والتكبيرُ
أين آي الإنجيل؟فاح من الإنجيل
عطر وضوّا الكون نور
أين روما؟وجلّ حبر روما
مهد عيسى يشكو ويشكو البخور
ألنصارى والمسلمون أسارى
وحبيبٌ إلى الأسير الأسيرُ
يا لذلّ الإسلام والقدس نهب
هتكت أرضهُ فأين الغيور
قد تطولُ الأعمار لا مجد فيها
ويضم الأمجاد يوم قصير
من عذولي على الدموع؟وفي المروة
والركن والصفا لي عذيرُ
وحرام عليّ أن ينزل البشر
بقلبي وأن يلمّ الحبور
كحلت بالثرى الخصيب جفون
وهفت للثرى الحبيب ثغورُ
لا تشقّ الجيوب في محنة القدس
ولكنّها تُشقُّ الصدورُ
حبست أدمع الأباة من الخوف
ويبكي الشذا وتبكي الطيور
أنا حزن شخص يروح ويغدو
ومسائي مع الاسى والبكورُ
أنا حزنٌ يمرُّ في كلّ باب
سائل مثقل الخطى منهور
طردتني الأكواخ،والبؤس قربى
وتعالت على شقائي القصور
يحتويني الهجيرُ حيناً،ولا يرحم
أسمال فقري الزمهرير
وعلى الجوع والضنى والرزايا
في دروبي أسيرُ ثم أسيرُ
نقلتني الصحراءُ حيناً..وحينا
نقلتني إلى الشعوب البحور
حاملاً محنتي أوزعها في
كل دنيا وشرها مستطير
محنتي الغيث إن أرادوا وإلا
فهديرُ البركان والتدمير
حاملاً محنة الخيام،فتزور
وجوه عنّي وتغلق دور
الخيام الممزقات وأمّ
في الزوايا وكسرة وحصير
وفتاة أذلها العرى والجوع
ويلهو بالرمل الطفل الصغير
كلما أنّ في الخيام شريد
خجل القصر والفراش الوثير
خجل الحاكمون شرقاً وغرباً
ورئيس مسيطر ووزير
هيئة للشعوب تمعن في الذنب
ولا توبة ولا تكفير
شاركَ القوم كلّهم في أذانا
ومن القوم غيّب وحضور
من قوانينها المداراة للظلم
ومنها التغريب والتهجير
ويقام الدستور أضحوكة الساخر
منا ويوأد الدستور
كل علم يغزو النجوم ويغزو
بالمنايا الشعوب علم حقير
والحضارات بعضهنّ بشير
يتهادى وبعضهنّ نذير
نعميات الشعوب شتى،فنعمى
حمدت ربها ونعمى كفور
لن يعيش الغازي وفي الأنفس
الحقد عليه،وفي النفوسِ السعير
يحرق المدن،والعذارى سبايا
وصغير لذبحه وكبير
دينه الحرق والإبادة والحقد
وشتم الأعراض والتشهير
من طباعِ الحروب كرّ وفر
والمجلّي هو الشجاع الصبور
ليس يبنى على الفجاءات فتح
علمي في غد هو المنشور
تنتخي للوغى سيوف معدّ
ويقوم الموتى وتمشي القبور
عربيّ فلا حمايَ مباح
عند حقدي،ولا دمي مهدور
نحن أسرى وحين ضيم حمانا
كاد يقضي من حزنه المأسور
كلّ فرد من الرعية عبد
ومن الحكم كلّ فرد وأمير
ومع الأسر نحن نستشرف الأفلاك
والدائرات كيف تدور
نحن موتى! وشرُّ ما ابتدع الطغيان
موتى على الدروب تسير
نحن موتى! وإن غدونا ورحنا
والبيوت المزوّقات قبور
نحن موتى! يسرّ جار لجار
مستريباً:متى يكون النشور؟
بقيت سبّة الزمان على الطاغي
ويبقى لنا العلى والضمير
سألوا عن ضناي،محض تشفّ
هل يصحَ المعذّب الموتور
أمن العدل أيها الشاتم التاريخ
أن تلعن العصور العصور؟
أمن النبل أيها الشاتم الأباء
أن يشتم الكبير الصغير
وإذا رفّت الغصون اخضراراً
فالذي أبدع الغصون الجذور
اشتراكية؟! وكنز من الدرّ
وزهو ومنبر وسرير
إشتراكية تعاليمها الإثراء
والظلم والخنا والفجور
إشتراكية! فإنّ مرّ طاغ
صفّ جند له ودوّى نفير
كلُّ وغد مصعّر الخدّ لا سابور
في زهوه ولا أزدشير
يغضب القاهر المسلح بالنار
إذا أنَّ أو شكا المقهور
ينكر الطبع فلسفات عقول
شأنهنَّ التعقيد والتعسير
كل شىء متمم لسواه
ليس فينا مستأجر وأجير
بارك الله في الحنيفية السمحاء
فيها التسهيل والتيسير
ورقيب على الخيال…فهل يسلم
منه المسموع والمنظور؟
عازف عن حقائق الأمر لوما
وكفى أن يلفق التقرير
فيجافي أخ أخاه ويشقى
بالجواسيس زائر ومزور
لصغار النفوس كانت صغيرات
الأماني وللخطير الخطير
يندر المجد والدرب إلى المجد
صعاب ويكثر التزوير
علموا أنه عسير فهابوه
ولا بدع فالنفيس عسير
محنة الحاكمين جهل ودعوى
جبن فاضح ومجد عثور
نهبوا الشعب،واستباح حمى المال
جنون النعيم والتبذير
كيف يغشى الوغى ويظفر فيها
حاكم مترف وشعب فقير
مزّقوه،ولن يمزّق، فالشعب
عليم بما أرادوا خبير
حكموه بالنار فالسيف مصقول
على الشعب حدّه مشهور
محنة العرب أمة لم تهادن
فاتحيها وحاكم مأجور
هتكوا حرمة المساجد لا جنكيز
باراهم ولا تيمور
قحموها على المصلين بالنار
فشلوا يعلو وشلو يغور
أمعنوا في مصاحف الله تمزيقاً
ويبدو على الوجوه السرور
فقئت أعينُ المصلين تعذيباً
وديست مناكبٌ وصدور
ثم سيقوا إلى السجون ولا تسأل
فسجّانها عنيف مرير
يشبع السوط من لحوم الضحايا
وتأبى دموعهم والزفير
مؤمن بين آلتين من الفولاذ
دام،ممزّق معصور
هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات
عطر وفي الأسارير نور
هتفوا باسم أحمد فالسياط الحمر
نعمى وجنة وحرير
طرف أتباع أحمد في السماوات
وطرف الطاغي كليل حسير
عبرة للطغاة مصرع طاغٍ
وانتقام من عادل لا يجور
ألمصلون في حمى الله يرديهم
مدّل بجنده مخمور
جامع شاده في حمى الله يرديهم
أمويّ معرق منصور
لم ترع فيه قبل حكم الطواغيت
طيور ولا استبيحت وكور
مطلق النار فيه،في الجمعة الزهراء
شلو دام وعظم كسير
والذي عذب الأباة رأى التعذيب
حتى استجارَ من لا يُجير
قدماه لم تحملاه إلى الموت
فزحف على الثرى لا مسير
وخزته الحراب وهو مسوق
لرداه،محطّم مجرور
ويجيل العينين في إخوة الحكم
وأين الحاني وأين النصير؟
كل فرد منهم لقتل أخيه
يصدر الرأي منه والتدبير
وإذا يذبح الرفيق رفيق
منهم والعشير فيهم عشير
يأكل الذئب،حين يردى ،أخوه
ويعضُّ العقور كلب عقور
إرجعوا للشعوب يا حاكميها
لن يفيد التهويل والتغرير
صارحوها فقد تبدّلت الدنيا
وجدّت بعد الأمور أمورُ
لا يقود الشعوب ظلم وفقر
وسباب مكرّر مسعور
والإذاعات!هل تخلّعت العاهر؟
أم هل تقيّا السكير؟!
صارحوها..ولا يغطِّ على الصدق
ضجيج مزوّر وهدير
واتقوا ساعةَ الحسابِ إذا دقّت
فيوم الحساب يوم عسير
يقف المتهمان وجهاً لوجه
حاكم ظالمٌ وشعبٌ صبور
كل حكم له وإن طالت
الأيام يومان:أوّل وأخير
كلّ طاغٍ مهما استبدّ ضعيف
كلّ شعبٍ مهما استكانَ قدير
وهب الله بعض أسمائه
للشعب،فهو القدير وهو الغفور
يبغض الظلم ناصحيه،وإنّي
لملومٌ في نصحكم معذور!
يشهد الله ما بقلبي حقد
شفّ قلبي كما يشفّ الغدير
وجراحي ينطقن شهداً وعطراً
أدمعي رحمةٌ وشعوري شعور
يرشفُ النورُ من بياني فإن
غنيت فهو المدلّه المخمور
وطباعي على ازدحامِ الرزايا
لم ينلها التبديل والتغيير
مسلم…كلما سجدتُ لربّي
فاحَ من سجدتي الهدى والعبير
ومع الشيب والكهولة قلبي
كعهود الصبا برىء غرير
بي حريتي وإيماني السمح لم أهادن ظلماً وتدري الليالي
فحلمي هان وجفني قرير في غدٍ أينّا هو المدحور
قصيدة عمر أبو ريشة”أمتي” بعد هزيمة حزيران:
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي…مطرق
خجلاً من أمسكِ المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثاً
ببقايا….كبرياء….الألم
أين دنياكِ التي أوحت إلى
وتري كل يتيم النغم
كم تخطيت على أصدائه
ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديتُ كأنّي…ساحب
مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصّة دامية
خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرحٍ في إبائي راعفٌ
فاتهُ الآسي فلم يلتئم
ألاسرائيل …تعلو …راية
في حمى المهد وظلِّ الحرم!؟
كيفَ أغضيتِ على الذلِّ ولم
تنفضي عنكِ غبار التهم؟
أو ما كنتِ إذا البغي اعتدى
موجة من لهب أو من دم!؟
كيفَ أقدمتِ وأحجمتِ ولم
يشتف الثأرُ ولم تنتقمي؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي
وانظري دمع اليتامى وابسمي
ودعي القادة في أهوائها
تتفانى في خسيسِ المغنمِ
رُبّ وامعتصماهُ انطلقت
ملءأفواهِ الصبايا اليتمِ
لامست أسماعهم…لكنها
لم تلامس نخوةَ المعتصم
أمتي كم صنمٍ مجدته
لم يكن يحملُ طهر الصنمِ
لا يلام الذئبُ في عدوانه
إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ
فاحبسي الشكوى فلولاك لما أيها الجندي يا كبش الفدا
كانَ في الحكمِ عبيدُ الدرهم يا شعاعَ الأمل المبتسم