بسم الله الرحمن الرحيم
رفقاً بنا أيُّها الأمير
تبرع أحد ملوك العرب بمبلغ 150 ألف جنيه استرليني من أجل أن تُجرى عملية معقدة لفتاة انجليزية صغبرة،وتبلغ تكاليف العملية حوالي 250 ألف جنيه تبرع منها الشعب الإنجليزي بمبلغ 100 ألف جنيه وتبرع بالباقي صاحب الجلالة،بعد أن وصلته أخبار هذه الفتاة الصغيرة وتأثر لما سمع وحزن حزناً جديداً لوضعها الصحي.وقد تمَّ بالفعل إجراء العملية للفتاة الصغيرة،وشكر والداها صاحب الجلالة على كرمه وجوده وعطفه!!
وتبرع أمير إحدى الإمارات العربية بمبلغ مليون جنيه استرليني،بعد أن وصلت إلى مسامعه أخبارٌ مَفادها أن حديقة الحيوان في لندن سوف تغلق أبوابها للأبد لوقوع عجز مالي كبير،لم تستطع الحكومة الإنجليزية أو الشعب الإنكليزي مد يدّ العون فيه،فتبرع سموه بهذا المبلغ لإبقاء الحديقة،ومن أجل أن ينعم أطفال الإنجليز وأهلهم برؤية الحيوانات وقضاء أسعد الأوقات!!ولم أدر هل أُرسل لسمو الأمير رسالة شكر على هذا؟وإذا أُرسلت فمن أرسلها؟!
شاهدت هذين الخبرين على إحدى القنوات العربية التي تبث برامجها من لندن وسألت نفسي:
ـ ترى ألم يصل إلى مسامع صاحب الجلالة ـ الذي تأثر وحزن للفتاة الإنجليزية ووضعها الصحي ـ ألم تصل إليه أخبار عشرات ومئات ألوف المسلمين المحاصرين في قطاع غزة المحتل،وفي البوسنة والهرسك،ألم يتأثر بأخبار مئات الجرحى من أطفال الإنتفاضة،وآلاف الجرحى من مسلمي البوسنة والهرسك؟
ألم تصل مسامعه أخبار مئات بل الآلاف من أطفال العراق يموتون بأتفه الأمراض،والسبب هو نقص بل انعدام الدواء ـ أبسط الدواءـ !!
ألم تصل مسامعه أخبار مئات بل آلاف الجرحى من مسلمي البوسنة والهرسك يموتون بسبب أبسط الجروح والأذيات لعدم توفر إجراء بعض العمليات ـ أبسط العمليات ـ لنقص بل انعدام توفر الأجهزة الطبية ـ أبسط الأجهزة ـ !!
ألم يصل مسامع صاحب سمو الأميرـ الذي تأثر لإغلاق حديقة الحيوان ـ كم من المساجد والمنازل والمشافي هُدمت فوق رؤوس ساكنيها وقاطنيها في جنوب لبنان وفي البوسنة والهرسك،وكم من المساجد والمشافي حُكم عليها بالإغلاق في كثير من ديار المسلمين لأنها لم تجد من يقدم لها يد العون.هل تأثر سمو الأمير بإخبار إغلاق الحديقة ولم يتأثر لصور الحرب والدم والنزيف في كل مكان من أوطان المسلمين؟!!
أما أنتم يا أطفال الإنجليز ـ وما أدراك ما الإنجليز ـ فبشرى لكم إبقاء حديقة الحيوان،وتَنّعموا فيها أيام العطل مع أهاليكم وتمتعوا برؤية الأسود والثعالب والأفاعي:وتعلّموا منها عندما تكبرون كيف تنقضون على أطفال ونساء وشيوخ المسلمين وتنشبون فيهم الأنياب والمخالب،وتعاملونهم بالمكر والخداع فعل الثعالب،وتنفثون فيهم السموم والأحقاد.
وأما أنتم ياحكام المسلمين:فتمتعوا بمال الله الذي استودعكم إياه،وتبرعوا بأموال المسلمين تنفقونها ذات الشمال وذات اليمين،على أعداء المسلمين،فما أوصلنا والله إلى ماوصلنا إليه إلا بعدكم عن الإسلام والدين،وبُعد علمائنا عن قول كلمة الحق ومناصحة الظالمين،ووهن شعوبنا وحرصهم على الحياة وخوفهم من اليقين(الموت).
ورفقاً بنا أيها الأمير،فإن لم يُرفق بنا، فمن يرفق بكم يوم الدين.
(نشر في الرائد العدد 145 بتاريخ آب عام 1992).