بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى الأحبّة في تل الزهور
مرت على إبعاد الإخوة الأحبّة إلى تل الزهور عدة شهور،ولقد حدثت عُقيب إبعادهم ضجّة كبيرة على المستوى العربي والإسلامي والعالمي،وتناولت قضيتهم معظم صحف العالم بالإستنكار والتنديد،ثمّ بدأت هذه الضجّة تتراجع تدريجياً حتى اختفت تماماً وتلاشت،مع أن الواقع الأليم لم يتغيّر فالظلم واقع،والظالم غير مبالٍ ولا سامع،ولكن هذا ليس بالغريب علينا فيما يتعلق بقضايا الإسلام والمسلمين،فعهدُنا بحكامنا وحكام عالمنا بالنسبة لقضايا المسلمين”أذنٌ من طين وأخرى من عجين”!!
أيها الأخوة الأحبّة في تل الزهور:
ـ يا منْ أحييتُم الأرض البوار بصلاتكم وسجودكم،فاهتزّت وربّت،عندما خالطت تُربتها دموع خشيتكم،فأورقت وأينعت بعد سنوات عِجاف من البوار والموات من جراء دوس أقدام رجال الإحتلال،الذين عُرفوا بقساوة القلوب فكيف الحال بأقدامهم!!
ـ يا من ذرفت عليكم السماء أمطاراً وثلوجاً بعدما وصلتها دعواتكم وصلواتكم،فإذا الأرض تطهر من دَنس الغاصبين وإذا بالأجسام والأبدان تُطهّر أجسام العابدين المُرابطين.
ـ يا من عانيتم قرَّ البرد،فدعوتم ربّكم كما دعا الخليل من قبلكم،فإذا به يتحوّل قُرّة لأعينكم ،ويثلج صدوركم ويُقوّي برد يقينكم.
ـ يامنْ قاومتم العدوّ الغاصب،وتغلّبتم عليه بحرارة إيمانكم،ونور عزائمكم،وشعلة اليقين المُتقدّة في قلوبكم.
ـ يا من سكنتم الخيام،والتحفتم السماء،وافترشتم الأرض،ولكنكم صنعتم ما عجز عنه سكان القصور من الحكام الذين باعوا الأرض واستباحوا العرض.
ـ يامن بثباتكم وصبركم صفعتم الذل في جبين زعمائكم وحكامكم،وصفعتم الصلف والغرور في جبين أعدائكم.
ـ يامن أرسلتموها دعوات مظلومين عقب صلوات الأسحار في ليالي رمضان فإذا بها تتحوّل إلى حجارة وزخات رصاص تنهلّ على الأعداء.
أيها الأحبّة في تل الزهور:
ـ لقد هزمتم،أنتم الفئة القليلة المؤمنة،جيش الغرور والصلف والعدوان،وبدأ لأول مرة مذ احتل الأرض بالتراجع والتنازل،وكان عهدنا فيه أنه لايعرف التنازل والتراجع إلا من قبل حكام المسلمين الذين وجهتم إليهم الصفعات،تلوّ الصفعات،وكان قد اعتاد أن يُرسل الصفعات إلى حكامكم،الذين كانوا يواجهونها بالتنازلات عقب التنازلات!!
ـ نعم،بدأ الباطل بالتراجع،بدأ العدّ التنازلي له..لأنه لأول مرة منذ احتلال الأرض أخذ الحقّ يواجه الباطل…وقبل ذلك كان هناك باطلٌ ضعيف يواجه باطلاً أضعف منه{وقُل جاء الحقُّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}.[الإسراء81].
أيها الغرباء في تل الزهور:
ـ أبعدوكم عن الأرض…فأصبحت كل الأرض ترنو إليكم
ـ أبعدوكم عن الأهل….فإذا بكل المسلمين أصبحوا أهاليكم
وأرادوا بإبعادكم قتل الإنتفاضة،فإذا بها تتحوّل إلى شرارة غضب ونار،ولهيب جهنم و إعصار،يقتلع جذور الظالمين،ويُمزّق نفوس الشامتين،ويُنذر بقرب رحيل الغاصبين.
أيها الغرباء في تل الزهور:
تذكّروا ….أنه ليس لكم إلا الله ناصراً ومعيناً.
فلا تتوجهوا بالنداء إلى حُكامكم…فإن كثيرين منهم،حكام مَحكُومين،أمرهم ليس إليهم،والأوامر تُملى عليهم ،بينهم وبين نور الحق أكنّة فوقها أكنّة،أحاطت بالقلوب إحاطة السوار بالمعصم،فلا ينفذ إليها نور الحق ولا يجد إليها سبيلاً.
ولا تتوجهوا بالنداء إلى حُكام هذا العالم…فمن وراء قناع الديمقراطية والمساواة والعدالة والحرية الذي يتستّرون به تجدون نفوساً قد اشرأب الظلم خلايا أبدانها ،وعَشّشَ الفساد في قلوبها،وسار فيها مجرى الدم في العروق،تُحرّكها المطامع والعصبيات العرقية والقومية والدينية،وهم حربٌ على الإسلام والمسلمين وما تُخفي قلوبهم أكبر.
تذكّروا…أنه ليس لكم إلا الله ناصراً ومُعيناً
تذكّروا…وأنتم تدّقون أوتاد الخيام…أنه مع كلِّ شررٍ يتطاير من كل ضربة فأس على صخرة كؤود أو حجر جلمود،سترون فيها تباشير فتح القدس والأقصى الحبيب،كما أرُيَت رسولكم وحبيبكم تباشير فتح المدائن والشام والقسطنطينية.
تذكّروا…أن حصار الشِعَب في مكة استمر عدّة شهور(ثلاث سنوات)…ولكن عاد المحاصرون بعد عدّة سنوات بالفتح العظيم يُحطّم الأوثان البشرية والحجرية.
وتذكروا قول الله تعالى:{إنّ الله يُدافعُ عن الذينَ آمنوا إنّ الله لايُحبُّ كل خوان كفور*أذنَ للذين يُقاتلونَ بأنّهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير*الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله….}[الحج38 ـ 40]
فاصبروا فالعاقبة للمتقين.
(نشر هذا المقال بمجلة الرائد العدد 151 في شهر آيار عام 1993).
فلسطينيات(أشعار)
محمود درويش
سَجلْ …أنا عربي |
ولونُ الشعر…فحمي…ولون العين بنيُّ |
|
وميزاتي: على رأسي عَقالٌ فوق كوفيهْ |
وكفّي صُلبةٌ كالصخر…تخمش من يلامسها |
|
وعنواني:أنا من قرية عزلاءَ…منسيّهْ |
شوارعها بلا أسماء |
|
وكلُّ رجالها…في الحقل والمحجرْ |
فهل تغضب؟ |
|
سَجّلْ…أنا عربي |
سلبتَ كرومَ أجدادي…وأرضاً كنتُ أفلحها |
|
أنا وجميع أولادي |
ولم تترك لنا …ولكلِّ أحفادي |
|
سوى هذي الصخور |
فهل ستأخذها حكومتكم …كما قيل..إذن! |
|
سَجّلْ…برأس الصفحة الأولى |
أنا لا أكره الناس…ولا أسطو على أحد |
|
ولكنّي…إذا ماجعتُ |
أكلُ لحم مغتصبي |
|
حذارَ ..حذار..من جوعي |
ومن غضبي |
سجل…أنا عربي | ورقم بطاقتي خمسون ألف | |
وأطفالي ثمانية | وتاسعهم سيأتي بعد صيف…فهل تغضب |
سَجّلْ!أنا عربي | وأعملُ مع رفاق الكدح في محجرْ | |
وأطفالي ثمانيهْ | أسلُّ لهم رغيف الخبز | |
والأثواب والدفتر | من الصخرْ | |
ولا أتوسل الصدقات من بابك | ولا أصغر | |
أمام بلاط أعتابكْ | فهل تغضب |
سَجّلْ !أنا عربي | أنا اسمٌ بلا لقبِ | |
صبورٌ في بلادٍ كلُّ مافيها | يعيشُ بفورةِ الغضبِ | |
جذوري …قبل ميلاد الزمان رست | وقبل تفتُّحِ الحقب | |
وقبل السرو والزيتون | وقبل ترعرع العُشب | |
أبي…من أسرة المحراث | لا من سادةٍ نُجُبِ | |
وجدّي كان فلاحاً | بلا حسب…ولا نسب | |
يُعلمني شموخ الشمس | قبل قراءة الكتب | |
وبيتي كوخُ ناطورٍ | من الأعوادِ والقصب | |
فهل تُرضيك منزلتي؟ | أنا اسمٌ بلا لقب! |
سقط القناعُ عن القناع | عن القناع سقط القناع | |
قد أخسر الدنيا….نعم | لكنّي أقول الآن….لا | |
هي آخر الطلقات ….لا | هي ماتبقى من هواء الأرض…لا | |
ماتبقى من حطام الروح | ….لا | |
حاصر حصارك لا مفرّ | سقطت ذراعك فالتقطها | |
وسقطت قربك فالتقطني | واضرب عدوك بي | |
فأنت الآن | حرٌّ وحر وحر | |
قتلاك أو جرحاك فيك ذخيرة | فاضرب بها عدوك | |
أنت الآن | حرٌّ وحر وحر | |
حاصر حصارك بالجنون وبالجنون فإما أن تكون أولا تكون اضرب عدوك لا مفر | ذهي الذين تحبهم …ذهبوا حاصر حصارك لا مفر حرٌّ وحرّ وحرّ |
مازال في صحونكم بقية من العسل | ردّوا الذباب عن صحونكم…لتحفظوا العسل | |
مازال في كرومكم عناقد من العنب | ردّوا بنات آوى يا حارسي الكرم…لينضج العنب | |
مازال في بيوتكم حصيرةٌ وباب | سدّوا طريق الريح عن صغاركم…ليرقد الأطفال | |
الريح برد قارس… | فلتغلقوا الأبواب | |
مازال في قلوبكم دماء..لا تسفحوها أيها الآباء | فإن في أحشائكم جنين… | |
مازال في موقدكم حطب..وقهوة..وحزمة من اللهب | من وراء الظلام شِمتُ صباحه |
حملتك زاد أسفاري | وباسمك صحتُ في الوديان: | |
خيول الروم أعرفها | وإن يتبدّل الميدان | |
خذوا حذراً من البرق | الذي صكّتهُ أغنيتي على الصوّان | |
أنا زينُ الشباب وفارس الفرسان | أنا ،محطّمُ الأوثان | |
حدود الشام أزرعها | قصائد تطلق العقبان |
أغمدتُ في لحم الظلامِ هزيمتي | وغرزتُ في شعرِ الشموسِ أناملي | |
والفاتحون على سطوح منازلي | لم يفتحوا إلا وعود زلازلي | |
لن يبصروا إلا توهج جبهتي | لن يسمعوا إلا صرير سلاسلي |
الزنبقات السود في قلبي | وفي شفتي…اللهب | |
من أي غابٍ جئتي | يا كلّ صلبان الغضب؟ | |
بايعت أحزاني… | وصافحتُ التشرد والسغب | |
غضب يدي…غضب فمي | ودماء أوردتي عصير من غضب | |
يا قارئي! لا ترج مني الهمس | لاترج الطرب…هذا عذابي | |
ضربة في الرمل طائشة | وأخرى في السحب | |
حسبي بأنّي غاضب | والنار أوّلها غضب |
يا صديقي! لن يصبّ النيل في الفولغا | ولا الكونغو ولا الأردن في نهر الفرات | |
كل نهر،وله نبع، | ومجرى وحياة | |
يا صديقي! أرضنا ليست بعاقر | كل أرضٍ ولها ميلادها،كل فجر وله موعد ثائر |
وطني…يا أيها النسرُ | الذي يُغمدُ منقار اللهبْ | |
في عيوني | أين تاريخ العرب؟ | |
كل ما أملكهُ في حضرة الموت: | جبينٌ وغضبْ | |
وأنا أوصيت أن يُزرع قلبي شجرة | وجبيني منزلاً للقُبّرة | |
وطني،إنا وُلدنا وكبرنا بجراحكْ | وأكلنا شجرَ البلوطِ..كي نشهد ميلاد صباحك | |
أيها النسرُ الذي يرسفُ | في الأغلاِ من دونِ سبب | |
إيها الموتُ الخُرافيُّ | الذي كانَ يُحب | |
لم يزل منقارُك الأحمر في عينيَّ | سيفاً من لهب | |
وأنا لستُ جديراً بجناحكْ | كلّ ما أملكهُ في حضرة الموت:جبينٌ وغضب |
لو يذكر الزيتون غارسه | لصار الزيت دمعا! | |
ياحكمة الأجداد | لو من لحمنا نعطيك درعا! | |
لكنّ سهل الريح | لا يعطى عبيد الريح زرعا | |
إنا سنقلع بالرموش | الشوك والأحزان..قلعا | |
وإلام نحمل عارنا وصليبنا | والكون يسعى | |
سنظل في الزيتون خضرته | وحول الأرض درعا | |
إنا نحب الورد…لكنا نحب القمح أكثر | ونحبُّ عطر الورد…لكن السنابل منه أطهر | |
فاحموا سنابلكم من الإعصار…بالصدر المسّمر | هاتوا السياج من الصدور..من الصدور، فكيف يكسر؟! | |
مثلما عانقت خنجر | الأرض والفلاح والإصرار | |
قل لي: كيف تقهر | هذي الأقانيم الثلاثة…كيف تقهر؟ |
أيها المارون بين الكلمات العابرة | احملوا أسماءكم،وانصرفوا | |
واسرقوا ماشئتم من زرقة البحر ورمل الذاكرة | وخذوا ماشئتم من صور،كي تعرفوا،أنكم لن تعرفو | |
كيف يبني حجر من أرضنا | سقف السماء | |
أيها المارون بين الكلمات العابرة | منكم السيف،ومنا دمنا | |
منكم الفولاذ والنار | ومنا لحمنا | |
منكم دبابة أخرى،ومنا حجر | منكم قنبلة الغاز،ومنا المطر | |
وعلينا ما عليكم | من سماء وهواء | |
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا | وادخلوا حفل عشاء راقص…,انصرفوا | |
وعلينا نحن أن نحرس ورد الشهداء | وعلينا ،نحن،أن نحيا كما نحن نشاء |
أيها المارون بين الكلمات العابرة | كالغبار المر،مرّوا أينما شئتم ولكن | |
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة | خلنا في أرضنا ما نعمل | |
ولنا قمح نربيه | ونسقيه ندى أجسادنا | |
ولنا ماليس يرضيكم هنا: | حجر…أو خجل | |
فخذوا الماضي إذا شئتم | إلى سوق التحف | |
وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد | إن شئتم، على صحن خزف | |
فلنا ماليس يرضيكم | لنا المستقبل…ولنا في أرضنا مانعمل |
أيها المارون بين الكلمات العابرة | كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة،وانصرفوا | |
وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس | أو إلى توقيت موسيقى مسدس! | |
فلنا ماليس يرضيكم هنا،فانصرفوا | ولنا ماليس فيكم،وطن ينزف شعباً ينزف | |
وطناً يصلح للنسيان أو للذاكرة | فلنا في أرضنا مانعمل..ولنا الماضي هنا | |
ولنا صوت الحياة الأول | ولنا الحاضر والحاضر والمستقبل | |
ولنا الدنيا هنا والآخرة | فاخرجوا من أرضنا | |
من برنا…من بحرنا | من قمحنا..من ملحنا…من جرحنا | |
من كل شىء واخرجوا | من ذكريات الذاكرة | |
أيها المارون بين الكلمات العابرة | آن أن تنصرفوا | |
وتقيموا أينما شئتم | ولكن لا تموتون بيننا |
وضعوا على فمه السلاسلْ | ربطوا يديه بصخرة الموتى | |
وقالوا: | أنت قاتل! | |
أخذوا طعامه والملابس والبيارقْ | ورموه في زنزانة الموتى | |
وقالوا: | أنت سارق! | |
طردوه من كل المرافىء | أخذوا حبيبته الصغيرة | |
ثم قالوا: | أنت لاجىء! | |
يادامي العينين والكفين | إن الليل زائل | |
لا غرفة التوقيف باقية | ولا زرد السلاسل | |
نيرون مات ولم تمت روما | بعينيها تقاتل | |
وحبوب سنبلة تموت | ستملأ الوادي سنابل |
لا تقل لي :ليتني بائع خبز | في الجزائر…لأغني مع ثائر! | |
لا تقل لي: ليتني راعي مواشي | في اليمن…لأغني لانتفاضات الزمن | |
لا تقل لي: ليتني عامل مقهى | في هافانا…لأغني لانتصارات الحزانى | |
لا تقل لي: ليتني أعمل في | أسوان حمّالاً صغير…لأغني للصخور | |
يا صديقي! لن يصب النيل في الفولغا | ولا الكونغو والا الأردن في نهر الفرات | |
كل نهر، وله نبع..ومجرى…وحياة | يا صديقي! أرضنا ليست بعاقر | |
كل أرض ولها ميلادها | كل فجر، وله موعد ثائر |
مازال في صحونكم بقية من العسل | ردّوا الذباب عن صحونكم…لتحفظوا العسل! | |
مازال في كرومكم عناقد من العنب | ردّوا بنات آوى،يا حارس الكروم لينضج العنب | |
مازال في بيوتكم حصيرة…وباب | سدّوا طريق الريح عن صغاركم…ليرقد الأطفال | |
الريح برد قارس | فلتغلقوا الأبواب | |
مازال في قلوبكم دماء | لا تسفحوها أيها الآباء | |
فإن في | أحشائكم جنين | |
مازال في موقدكم حطب | وقهوة…وحزمة من اللهب |
وطني!يعلمني حديدُ سلاسلي | عنف النسورِ ورقة المتفائلِ | |
ما كنتُ أعرفُ أنّ تحتَ جلودنا | ميلادُ عاصفة…وعرسُ جداولِ | |
سدّوا عليَّ النورَ في زنزانةٍ | فتوهجت في القلبِ شمسُ مشاعلِ | |
كتبوا على الجدران رقم بطاقتي | فنما على الجدرانِ مرجُ سنابلِ | |
رسموا على الجدرانِ صورة قاتلي | فمحتْ ملامحها ظلالُ جدائلِ | |
وحفرتُ بالأسنانِ رسمك دامياً | وكتبتُ أغنية العذابِ الراحل | |
أغمدتُ في لحمِ الظلامِ هزيمتي | وغرزتُ في شعرِ الشموسِ أناملي | |
والفاتحونَ على سطوح منازلي | لم يفتحوا إلا وعودَ زلازلي | |
لن يبصروا إلا توهج جبهتي | لن يسمعوا إلا صرير سلاسلي | |
فإذا احترقتُ على صليب عبادتي | أصبحتُ قديساً بزيِّ مقاتلِ |
لملمت جرحكَ يا أبي | برموش أشعاري | |
فبكت عيون الناس | من حزني…ومن ناري | |
وغمست حيرى في التراب | وما التمست شهامة الجار | |
وزرعت أزهاري…في تربة صماء عارية | بلا غيمٍ…وأمطارِ | |
فترقرقت لما نذرت لها | جرحاً بكى برموش أشعاري | |
عفواً أبي! قلبي موائدهم | وتمزقي…وتيتمي العاري | |
ما حيلة الشعراء يا أبتي | غير الذي أورثت أقداري | |
إن يشرب البؤساء من قدحي | لن يسألوا…من أي كرم خمري الجاري |
فلسطين…عيونك شوكة في القلب | توجعني وأعبدها…وأحميها من الريح | |
وأغمدها وراء الليل والأوجاع…أغمدها | فيشعل جرحها ضوء المصابيح | |
ويجعل حاضري غدها | أعزّ علي من روحي | |
وأنسى بعد حين | في لقاء العين بالعين |
حملت صوتك في قلبي وأوردتي | فما عليك إذا فارقت معركتي | |
أطعمتُ للريح أبياتي وزخرفها | إن لم تكن كسيوف النار قافيتي |
نعم عرب…ولا نخجل | ونعرفُ كيف نمسكُ قبضة المنجل | |
وكيف يقاوم الأعزل | ونعرفُ كيف نبني المصنع العصري والمنزل | |
ومستشفى..ومدرسة…وقنبلة…وصاروخاً…وموسيقى | ونكتبُ أجمل الأشعار |
عيناكِ يا أمي… | وآلاف النجوم…وطفلتان | |
وجذوعُ زيتونٍ… | يُشقّقها التلهفُ والحنان | |
دنيا شرودٍ متعبٍ | ضاقت بها طرقُ الزمان | |
من أجلها صليتُ | حتى الصبحِ أحرقت اللسان | |
آمنتُ يا أمّاهُ بالغدِ | والصباحِ …والكفاح | |
آمنتُ بالزيتون… | يبسمُ بارتياح | |
آمنتُ بالجرحِ الذي | شدَّ الجراح إلى الجراح | |
آمنتُ أن أنصبَّ | بين يديك في نهر الصباح |
وطني لم يُعطني حُبّي لك | غيرَ أخشابِ صليبي | |
وطني يا وطني ما أجملك | خذ عيوني،خذ فؤادي،خذ حبيبي | |
في توابيت أحبائي أُغنّي | لأراجيح أحبائي الصغار | |
دمُ جدّي عائدٌ لي فانتظرني | آخرُ الليل نهار | |
شهوةُ السكين لن يفهمها عطر الزنابق | وحبيبي لا ينام | |
سأغني وليكن منبرُ أشعاري مشانق | وعلى الدنيا سلام | |
أجمل الاشعار ما يحفظه عن ظهر قلب | كلّ قارىء | |
فإذا لم يشرب الناس أناشيدك شرب | قل أنا وحدي خاطىء | |
من ثقوب السجن لاقيت عيون البرتقال | وعناق البحر والأفق الرحيب | |
فإذا اشتد سواد الحزن في إحدى الليالي لا أريد الموت مادامت على الأرض قصائد فإذا جاء ولن يأتي بإذن لن أعاند | أتعزى بجمال الليل في شعر حبيبي وعيون لا تنام بل سأرجو لكي أرثي الختام…لم أجد أين أنام |
يا بلادي ما تمنيت العصور الجاهلية | فغدي أفضل من يومي وأمسي | |
الممر الشائك المنسي مازال ممراً | وستأتيه الخطى في ذات عام | |
عندما يكبر أحفاد الذي عمر دهرا | يقلع الصخر وأنياب الظلام | |
من ثقوب السجن لاقيت عيون البرتقال | وعناق البحر والأفق الرحيب | |
فغذا اشتدَّ سواد الحزن في إحدى الليالي | أتعزى بجمال الليل في شعر حبيبي |
أصواتُ أحبابي تشقُّ | الريح تقتحمُ الحصون | |
يا أُمنا انتظري | أمامَ الباب،إنّا عائدون | |
هذا زمانٌ | لا كما يتخيلون | |
بمشيئة الملاح تجري الرياح | والتيار يغلبهُ السّفين! | |
ماذا طبختِ لنا؟ | فإنّا عائدون | |
نهبوا خوابي الزيت يا أمي | وأكياس الطحين! | |
هاتي بقولَ الحقل! | هاتي العشبّ…إنا عائدون | |
خطوات أحبابي أنين الصخر تحت يدِ الحديد | وأنا مع الأمطار ساهد | |
عبثاً أُحدّقُ في العبيد | سأظلُ فوق الصخر ـ تحت الصخر ـ صامد |
تكبّرْ …تكبر…فمهما يكن من جفاك | ستبقى بعيني ولحمي ،ملاك | |
وتبقى كما شاء لي | حبنا أن أراك | |
نسيمكَ عنبر…وأرضُكَ سكر | وإني أحبك ….أكثر | |
يداك خمائل…ولكنني لا أغنّي | ككل البلابل ..فإن السلاسل | |
تعلّمني أن أقاتل | أقاتل…أقاتل.. | |
لأني أحبك أكثر | غنائي خناجر ورد | |
وصمتي طفولة رعد | وزنبقة من دماء فؤادي | |
وأنت الثرى في السماء…وقلبك أخضر | وجزر الهوى فيك مدّ..فكيف إذن لا أحبك أكثر | |
وأنت كما شاء لي حبنا أن أراك | نسيمك عنبر ,ارضك سكر..وقلبك أخضر | |
وغني طفل هواك | على حضنك الحلو…أنمو وأكبر |
عبد الكريم الكرمي(أبو سلمى)
وحملنا من فلسطين الجراحا | ألسنا في المهرجانات فِصاحا | |
وشظايانا اللواتي انتشرت | قد لبسناها وشاحاً فوشاحا | |
يا فلسطين أتيناكِ على | صهوة الجرحِ رعوداً ورياحا | |
حسبوا أن رماحي تكسرت | إنّ لي في كلّ ميدان رماحا |
بكتِ الأحرارُ في أوطانها | كيفَ لا نبكي حِمانا المُستباحا | |
شرّدوا أهلي وصحبي فعلى | كلّ درب شبحُ النكبةِ لاحا | |
خيّمَ الظلمُ على داراتهم | فكأن الظلم لا يبغي براحا | |
الخيام السود تبكيهم فهل | تسألون اليومَ عن أهلي الرياحا | |
دمهم سال على كلّ ثرى | أترى يُصبحُ ريحاناً وراحا | |
خضبوا آمالهم وانطلقوا | يلهبون الكونَ ثأراً وطماحا | |
ناحتِ الأرض على أربابها | أين من يسمعُ من أرضي النواحا؟ |
هذه الحرية الحمراء ما | عرفت إلا فلسطين مراحا | |
وتقلّبنا على نيرانها | وصهرناها قلوباً وصِفاحا | |
رقص النورُ على ملعبها | والهوى غنّى لها والسفح باحا | |
الروابي عانقت أنجمها | والثريا أهدت المرج السماحا | |
كيف يمشي القلم المأجورُ في | ساحة تجتاحها النار اجتياحا |
الوقت متأخر هذا المساء | فاغفروا وقوفي…على جحافل الطلل | |
فدماء الطفولة | في فلسطين تناثرت | |
وظلال المقالع توهجت | في عيون الصبايا شظايا…تؤاسينا بالقبل | |
الوقت متأخر…وعلي أن أحكي | فالدملء اعتلت غشاوة الأرض | |
ولساني أذاع خبر التهتك | مذ أغوته زرقة البحر | |
فرمى رعاة عراه | أباحوا دماء الحجر | |
الوقت متأخر…فلا وقت للوعيد | فالعدو على مشارف الحبيب | |
صال فأسال | ونحن على موائد النبيذ | |
نسود بياناً للنحيب | يقودنا بين الكرّ والفرّ | |
بين الهجو والنسيب | آه لم تساوى الخليج والمحيط في العدم؟ |
ولم هذى القبائل ما حكمت | بغيرِ السيفِ والمعتقل | |
كيف نرجو زحفها؟ | وهل تردُّ الدبابات بالإبل؟ | |
وهذى القبائل لا يوحدها كتاب | ولا دعوات الصليب | |
فكيف لها أن تردّ الصاع | لمن أرضغها سوء الحليب؟ | |
الوقت متأخر هذا المساء | وبي رغبة أن أجعل كل عبارة حجارة | |
وأعلن جمهورية الحجر | ضد الصمت الأخير | |
وأحرض الماء على الرحيل | وأذود عن الرغيف | |
ليكبر عفيفاً | في يافا وحيفا |
فمن يمنحني قليلاً من دمي | فأغرس الشهادة في حبري | |
وقراطيسي المحتلة | وأجعل من زيتون يافا سيفا؟ | |
من يمنحني صوتي | فأجدد الديانات الثكلى | |
فقد تعبت من الخيانات | ومن الصلوات | |
متعب كقدسي لكن | بي رغبة أن أتلو بعض لهيبي | |
من صبيب القصيد | فمن يشغلني على الأعادي؟ |
لغةُ الدمعِ أم بيانُ الجراحِ | وصدى اليتم أم أنينُ الأضاحي | |
يا فلسطينُ! أين تربتكِ العذ | راءُ؟تفتضها يدُ المجتاحِ | |
خرَّ قلبي على الترابِ خضيباً | بشظايا الأعراضِ والأرواحٍ | |
أيها النازحون! ماذا لقيتم | غير دنيا الآلام والأتراحِ | |
وحملتم ذلّ السؤالِ ثقيلاً | بعد تاريخِ ثورة وكفاحِ | |
قلْ لمن يدّعي المروءة أقصِرْ | وامسحْ اليومَ دمعة التمساح | |
قلْ لم يدّعي المروءى ما كنتَ | عليها إلا يد سفاح |
يا أيها الشسعبُ المُفدّى | قلْ لي بربّكَ كيفَ تهدا؟ | |
أنتَ الذي تهبُ الخلودَ | فيحملونَ إليكَ لحدا | |
وتحطمُ النيرَ الرهيبَ | فيجعلونَ النيرَ عِقدا |
باسمِ أطفال بلادي زحفوا | في الدروب الحمر ذلاً وهوانا | |
بالضحايا كتبوا تاريخنا | بالخيام السود …زمانا | |
باسم خان الشيح والنيرب | والبارد الحاملة العمر أسانا | |
باسم أهلي في بقايا وطني | باسمهم في طرق البؤس حزانى | |
باسمهم في كلِّ أرض مثلوا | شاهداً قد صبّهُ الظلم عيانا | |
واسمهم يهدر في شعري دماً | وجموعاً وسعيراً ودخانا | |
باسمهم نقسم أن لا نلتقي | في غدٍ إلا على طهر ثرانا |
وتحلّون…كلما أقبل الليلُ | خفايا أموركم،باللجان | |
هل تداوون بالبيانات جُرحاً | أو يُزيلُ اجتماعكم ما نُعاني | |
ليتَ شعري!متى يُفجّرُ | شعبي في فلسطين ثورة البركان | |
وفلسطين لن تضيع وأهلوها | يخوضون هولَ كلّ عوان | |
إنّ جيش الشعب المُشرّد | أقوى من جيوشِ الحرير والطيلسان | |
إنّ جيشاً يُرجى لتحرير شعبٍ | غير جيش الكرسي والصولجان |
أترها الأيام فوق السفوح الخضر | ترمي بنا،وفوق الرّعان | |
نتلاقى…رفاقَ دربٍ كما كنّا | ونمضي نجتاز عبر الزمان | |
لن تضىء الدنيا…إذا لم يُطلَّ | الفجرُ من أرضنا مع النيران |
يا أخي أنتَ معي في كلِّ درب | فاحمل الجرحَ وسِرْ جنباً لِجنبِ | |
نحنُ إن لم نحترق فكيف السنا | يملأ الدنيا ويهدي كلّ ركبِ | |
سِرْ معي في طريقِ العمر وقلْ | أين من يحمي الحمى ومن يلبي؟ | |
فهنا الأيتامُ في أدمعهم | وهنا تهوى العذارى مثل شُهبِ | |
وشيوخ حملوا أعوامهم | مُثقلاتٍ بشظايا كلِّ خطبِ | |
هم ضحايا الظلم هل تعرفهم؟ يا رفاق الدهرِ هل شرّدكم زعماء دنسوا تاريخكم وجيوشٌ غفر الله لها دولٌ تحسبها شرقية يوم هزت للوغى راياتها | إنهم أهلي ـ على الدهرِ ـوصحبي في الورى غدرُ عدوٍ أم محب؟ وملوك شردوكم من دون ذنب سلّمت أوطانكم من غيرِ حرب فإذا أمعنت فالحاكم غربي حكمت فيه على تشريد شعب | |
يا فلسطينُ وكيف الملتقى | هل أرى بعد النوى أقدس ترب؟ | |
وأرى قلبي على شاطئها | ناشراً أحلامهُ العذراء قربي | |
وأرى السمراء تلهو بالهوى أيها الباكي وهل يُجدي البكا كفكف الدمعَ وسرْ في أفقٍ حافلٍ ننثرُ الأنجمَ في موكبه موكب يا أخي ما ضاعَ منا وطنٌ خالدٌ | تهبُّ النورَ لعيني كلّ صَبِّ بعدما أصبحتَ في كلِّ مهبِّ بالأملِ الضاحكِ رحبِ الحرية الحمراء يُصبي نحملهُ في كلِّ قلبِ |
زحفتُ ألثمُ الأرضَ وهي باكيةٌ | والقلبُ باكٍ وراحت تنتشي القُبلُ | |
وعدتُ أنشقُ من عطرِ الترابِ هوىً | في ظلّهِ التقت الأجدادُ والرسل | |
أهلي على الدهرِ تُدميني جراحهُمُ خيامهم في مهبِّ الريح مُعولةٌ تقاذفهم ضروب العمر داميةً في كلّ أرضٍ شظاياهم مشردةٌ أطوفُ أحملُ آنّى سرتُ نكبتهم | في حبّهم يتساوى العذرُ والعذلُ ودورهم من وراء الدمعِ تبتهلُ وأنكرتهم ربوعُ الأهل والمللُ وتحت كلّ سماء معشر ذُللُ كأنّني طيف ثأرٍ والحمى طَلل |
هذي فلسطين هل أشجتك تربتها | تبكي الأحباءَ من غابوا ومن رحلوا | |
وهل شجاك الدم المطلول تسفحهُ | أيدي الجناةِ وقد عاهدت من قُتلوا | |
تبكي المروءاتُ مرخاةً غدائرها تبكي العذارى وأذيالاً مطهرّة | وما انحنت للجهاد البيضُ والأسلُ لم يحمِ تلك الذيول الفارس البطل | |
قال الملوك: غداً نحمي دياركم | ليت الأذلاء ما قالوا وما فعلوا | |
وعلّلونا بسلاح المجد ننزلها | إذا همو ساعة الجلّى همُ العللُ | |
قالوا:الكرامة قلنا: أين صاحبها؟ | قالوا: الرجولة قلنا: أيهم رجلُ؟ | |
باعوا فلسطين فلتهنأ ضمائرهم | أما تراها على الدولار تشتعلُ | |
يا فتية الوطن المسلوب هل أملٌ | على جباهكم السمراءُ يكتحلُ؟ | |
تبنون أمجاده والخلد رفرفها | كأنّما هي بالأياد تتصلُ | |
إن الطريقَ إلى العلياء مظلمةٌ | ولن نضلّ وفي أيديكم الشُعلُ |
كلّما حاربتُ من أجلك أحببتُكِ أكثر | أيّ تُربٍ غير هذ التربِ من مسكٍ وعنبر | |
أيّ أفق غير هذا | الأفقٍ في الدنيا مُعطّر | |
كلّما دافعتُ عن أرضك عودُ العمر يخضر يا فلسطين ولا أحلى ولا أغلى وأطهر تشهد السمرةُ في خدّيك أنّ الحسنَ أسمر وعلى شطيهما أمواج عكا تتكسر والحواكير بكت من بعدنا والروضُ أقفر لم تعد تعتنق السفحَ عصافير الصنوبر | وجناحي يا فلسطين على القمة ينشر كلما قاتلتُ من أجلكٍِ أحببتك أكثر لم أزل أقرأ في عينيك انشودة عبقر من بقايا دمعنا هل شجرُ الليمون أزهر وكرومُ العنب الخمري شقّت ألفَ مئزر ونجومُ الليل ماعادت على الكرمل تسهر |
يا فلسطين انظري شعبك في أروعِ منظر | بلظى الثورة والتشريد للعالم يثأر | |
لم يُحرْه وطنٌ | إلا إذا الشعبُ تحرّر | |
كلُّ إنسان له دارٌ وأحلامٌ ومزهر | وأنا الحاملُ تاريخ بلادي أتعثر | |
وعلى كلّ طريقٍ | لم أزلْ أشعثَ أغبر | |
كلما رفَّ عليَّ اسُمكِ كانَ الحرفُ أشعر | وحروفي تزرعُ الأشواق في كلّ معسكر | |
وحروفي شعلٌ | في كلّ صحراءٍ ومهجر |
حرية الإنسان بالدم | تُشترى لا بالوعود | |
طرق الحياة مزينات | بالظُبى لا بالورود | |
إيه فلسطين اقحمي | لجج اللهيب ولا تحيدي | |
لا تصهر الأغلال غير | جهنم الهول الشديد | |
يا من يعزون الحمى | ثوروا على الظلم المبيد | |
بل حرروه من الملوك | وحرروه من العبيد |
أخت صلاح الدين عشت حرّة | تأبى لك العلياء أن تهوّدي | |
دعي عصابة اللصوص جانباً | واعتمدي على نبيك اعتمدي | |
كم وعدوا إن الرصاص وحده | هو الذي ينجز كلّ موعدِ | |
معركة اليرموك هذا نقعها | يروح فوق رأسنا ويغتدي |
من فلسطين ريشتي وبياني | فعلى الخلد والهوى يدرجان | |
من فلسطين ريشتي ومن الرملة | واللّد صغتُ حمرَ الأغاني | |
من شذا برتقال يافا قوافيها | ومن سهل طولكرم المعاني | |
أحرفي من قطاع غزة | والشاطىء تمشي مصبوغة الأردان | |
يوم غابت نابلس مخضلة | العينين،لم تغتمض لنا عينان | |
من فلسطين ريشتي وجناحاها | إلى عالم…الضفتان | |
ومن الأردن الحبيب أرويّها | لتندى شجيّة الألحان | |
ومن الضفة الحزينة لا أنشر | إلا فوق الدُّنى أشجاني |
فلسطينُ يا حلم الثائرين | فلسطينُ يا أرض الخالدين | |
تنام على راحتيك النجوم | وفجرُ الأماني فوق الجبين |
قسماً بالسفوحِ…إنا حملنا | يا فلسطينُ في هواكِ العذابا | |
وإذا ما سألتِ عنا انتسبنا | وأبينا إلا إليكِ انتسابا | |
ما بعدنا عن طيبِ أرضكِ إلا | زادنا البعدُ من ثراكِ اقترابا | |
وزرعنا الأشواقَ في كلِّ أرضٍ | ليتها أنبتت قَناً وحرابا | |
وافترقنا ـ ,انتِ في القلبِ ـ أعوامَ | دهورٍ مذلّةً واغترابا | |
والتقينا على ملاعبكِ السمحة | شيباً بعد النوى وشبابا | |
وسجدنا نقبّلُ الحجرَ الأ | سودَ والرملَ والحصى والترابا |
يا منْ ألمَّ بهِ الربيع وما شدا | لم يبق من أرجِ الهوى إلا الشذا | |
قد كانَ لي وطنٌ وكان ربيعهُ | يهدي إلى العمرِ الأزاهير والندى | |
واليوم من خلل الدموع يهيب بي | ويمدُّ من خلفِ الحدود ليَ اليدا | |
فإذا التفتَّ إلى دياركِ مرّةً | فتلفتي نحو الديار على المدى | |
أشجاكَ أنّكَ بعد طولِ تفرّقٍ | ألفيتَ منزلها بوجهكَ مُوصدا | |
وأنا الذي لم ألقَ داري والحمى | طال السؤال ولم يجب حتى الصدى | |
وسألتُ عن وطني ومن أودى بهِ | هل كان أهلي الأقربون أم العدى؟ | |
وبدا السّرابُ على المشارفِ ظامئاً | وأراهُ مثل اللاجئين مشرداً | |
عجباً،أفي دربي الأريجُ مُضيّعٌ | والنورُ في قلبِ المشوقِ وما اهتدى | |
أهلي!وأين همُ؟وأين ربوعهم؟ | عفى الزمانُ وجال بينهم الردى |
في كلِّ دربٍ من شظاياهم لظىً | يسم الجباهَ مُعفّراً ومسوِّدا | |
تركوا المُشرّدَ في العراءِ فلم يهن | والسيفُ أمضى ما يكونُ مُجردا | |
قالوا العروبة،قلت من روّادها؟ | من بعدنا ذهبت عروبتهم سدى | |
من تربنا انتشرَ اللهيبُ محرراً | وسرى الدمُ العربيُّ فيه معربدا | |
نمشي وفي آثار دامية الخطى | غرسَ التمرد قد زكا وتأوّدا | |
وبنا العروبةُ أشرقت آفاقها | وبنا غدتْ أسمى وأصفى محتدا | |
إنّي أنادي الشعبَ من وادي الأسى | شعبي الشريد !أسامعٌ مني الندا | |
فيه الدماءُ تصيحُ أين عروبتي | وكرامتي،لم ألقَ إلا أعبدا | |
قالوا الروافد،قلت والوطن الذي | قد ضيّعوهُ ،فهل فلسطين الفدا؟ | |
وتوافدوا وتدارسوا أدوارهم | كلّ يمارس دوره المتعددا |
وتجّمعوا فوق الضحايا قمة | كم قمة كانت حضيضاً أوهدا | |
لم يسمعوا منّا الأنين فقد بنوا | ما بيننا صرح الطغاة ممردا | |
لم يحفلوا بالنهر حين بكى ولا | شهدوا هناكَ الدمعَ كيفَ تبدّدا | |
قالوا وقد وقفوا على أشلائنا | سنحررُ الوطنَ السليبَ لكم غدا | |
من ذا يُحرّره؟وكيف؟وشعبه | مازالَ بين الأقربين مُقيّدا | |
قل للذينَ يتاجرونَ بدمعنا | لا تحسبوا درب الدموعِ مُعبّدا | |
قالوا الجراحُ كثيرةٌ فأجبتهم كيفَ السبيلُ إلى شفاء جراحنا | جرحُ الأحبّةِ دونهُ طعنُ المُدى والشارب الدم عندنا من ضمدا | |
أنا لا تزالُ على فمّي أغنيةٌ في عالمِ الصمتِ البليغِ خبأتها | أحلى من النغم الجميلِ مردّدا وأوت إلى خفق القلوب لتخلدا | |
ونسجت من نور العيون غلالةً وجعلت من عطر المروجِ عبيرها | حتى تفيق على الضياءِ وترقدا وتخذّت من ورد السفوح موسدّا | |
روّيتها حبّي وأدمعي والمنى | فمتى أجوز بها بلادي منشدا |
أيها السائلُ عن داري استمعْ | إنّ في أرضِ فلسطين انتحابا | |
بُحَت الأرضُ تنادي شعبها | ثمّ لما تسمع الأرض جوابا | |
جثمَ الأعداءُ ما حولَ الحمى | وعدا أهلي على أهلي ذئابا |
كلما قالت: أطلَّ الفجرُ وغابا | أتُرى نعدْ وفلسطينُ سرابا | |
وإذا الدمعُ روى عنها الهوى | وجلا صورتها ذابت وذابا | |
وإذا ما الدمُ روّى أرضها | حالت الأرضُ به قفراً يبابا | |
وعلى الدربِ إذا لاحت منىً | دامياتٌ ترتجي منها الإيابا | |
مسحَ الأهلُ رسوماتِ الخطى | لم نجد خلف المنى إلا ترابا |
يا فلسطين انظرينا نضطرم | قد صهرنا الأحرف الحمرَ كتابا | |
وهتفنا باسمكِ العذبِ على | كلِّ دربٍ وجعلناهُ حجابا | |
باسمكِ القدسي لا قينا الردى | مثلما تهوين شيباً وشبابا | |
ومن التشريد فجرّنا سنى | ثم أكلقنا مع الفجرِ شهابا | |
وخطانا خضبت كلّ الذرى | سعّرَ الحقدُ خطانا والخضابا | |
نحنُ في النكبة أصفى جوهراً | كلّما اشتدَّ لهيبُ النارِ طابا |
صرختْ منا الجراحاتُ عتابا | كيفَ لا يسمعُ أهلونا العتابا | |
سجنوا أهلي وهمْ من فتحوا | كلّ يومٍ للعلى والمجدِ بابا | |
مزّقوهم وهمُ من وحدّوا | بينهم شعباً وداراً ورغابا | |
ثم قالوا خوفَ أن ننسى ألا | بئسَ ما قالوا افتئاتاً وكذابا | |
كيفَ ننسى وعلى كلِّ ثرى | دمنا يسري سعيراً والتهابا | |
وخيالاتُ بلادي ارتسمت | في الجباهِ السّمر ألواناً عِذابا | |
صورُ النكبةِ في أعيننا | قد حملناها هواناً وعذابا | |
وبها نبصرُ أشلاءَ الحمى | ثم لا نلقى من الأهلِ صحابا | |
دمنا يصرخُ أنّى سرتم | لم يزلْ يطلبُ أهلونا الحسابا | |
نحنُ من حطّمَ أصنامكم | وجعلنا الحكم للشعبِ غِلابا |
أنتم لولا فلسطين لقىً | أنتمُ لولا فلسطين ذنابى | |
نحنُ من نضّرَ قوميتكم | وفي الأعينِ مزّقنا الحجابا | |
أورقت أنفسكم من دمعنا | بعدما جفّت قشوراً ولبابا | |
ومحونا باللظى عاركم | ثم صرنا سُبّةَ الدهرِ وعابا | |
ليت شعري !ما الذي قدّمتمُ | لفلسطين سوى الوأد عقابا |
آفاقكِ الحمرُ انتشت راياتها | قد أقسمت ألا تُظلُّ ذليلا | |
ثوري ولو فرش الذين طغوا على | طرقِ الجهادِ أسنّةً ونصولا | |
لا بأس إن نضحت دماً جنباتها | فاليوم لا يغدو دمٌ مطلولا | |
إيهٍ فلسطين اغضبي وتحرّري | ضاعت حقوقك بين قالَ وقيلا | |
مدّي القلوب على الظُبى وتبّسمي | تجدي على تلك الحدود فلولا | |
أمهلتِ ظالمكَ العتلَّ وما درى | أن التهامسَ يستحيلُ صليلا | |
إيهِ فلسطين المجاهدة اثبتي | فالظلمُ مرتعهُ يكونُ وبيلا | |
هاهم بنوك لووا أعنّات الردى | وأتوك لا يرضون منك بديلا | |
يتزاحفون إلى اللهيبِ كأنّهم | ظمأى وقد عدوا اللهيب النيلا | |
فلّوا حديدَ الظالمينَ بمثله لا مجد إلا حيث يشتجرُ القنا في كلِّ ناحيةٍ شهيدٌ خالدٌ قمْ يا شهيدَ القومِ واخطب في الورى | وبدونهِ لن تبلغي المأمولا فتشيده مجداً أشمَّ أثيلا هو من ينادي: لا نريد دخيلا أصبحت حياً مذ غدوت قتيلا |
جبل المكبر طال نومك فانتبه فكأنّما الفاروقُ دوّى صوته | قُمْ واسمع التكبيرَ والتهليلا فجلا لنا الدنيا وهزّ الجيلا | |
جبل المكبر لن تلين قناتنا | حتى نحطم فوقك الباستيلا |
هذي الدماء من وراءِ الأبدِ | تصيح: أينَ العالم المحمدي | |
لا روحه تلهب آفاق الورى | أو نفسه تغفو على المُهنّدِ | |
تحررَ العبيدُ في أوطانهم | ولا أرى فيه سوى مستعبدِ | |
هذى فلسطين استحالت هَرَماً | مقدّساً فقبلّوا التربَ الندي | |
من كلِّ قطر عربي فتيةٌ | ثائرةٌ ترعى أصولَ المُحتدِ | |
هبّتْ على الوادي وأجرت دمها | متحداً،يا للدم المُتحدِّ! | |
فيه من الخلودِ أزكى طية | وهو يدُ الثورةِ بل أسمى يدِ | |
أخت صلاح الدين عشت حرّة | تأبى لك العلياءُ أن تهوّدي | |
دعي(عصابة اللصوص)جانباً | واعتمدي على بنيكِ اعتمدي | |
كم وعدوا؟إن الرصاص وحدهُ | هو الذي يُنجزُ كلّ موعدِ |
معركةُ اليرموكِ هذا نقعها | يروحُ فوق هامنا ويغتدي | |
يُطلُّ من بينِ العصورِ عاطراً | فيهِ من الماضي عبيرَ السؤددِ | |
كلُّ شعوبِ الأرضِ في جهادها | تمشي على آثارنا وتقتدي | |
أيامنا تطوي دهوراً جمّةً | النارُ فيها تنتهي وتبتدي | |
يا قائدَ الثورة سَعّر نارها | وزُجْ ـ في قاعِ السعير ٍ ـ المعتدي | |
وأخضب لياليها دماً واسمع صدى | قول الزمان:ياكواكبُ اشهدي | |
وأطلع على الأيام وانشرْ وهجاً | فيه سنى الجهاد والتمردِ | |
واخلع على الجبالِ أبراد العلى | حقّ لها يوم اللقا أن ترتدي | |
وقُدْ فلسطين إلى تاريخها | وقُلْ لها سودي وإلا استشهدي | |
أمّ العروبة اضحكي يا أُمّنا | فكلنّا اليوم أبرّ ولدِ |
يهفو إلى بيضِ الصفاحِ باسماً | الخود قبل الشيخ قبل الأمرد | |
تنثر ما فوق الثرى قلوبنا | لينبت استقلالنا بعد غدِ | |
فيا قلوب الثائرين أنشدي | على المدى ويا سفوح ردّدي |
يا وطني لا تأسى إنا على | عهدك مهما طالت الأزمنُ | |
تفنى الزعامات وأشباهُها | والخالدان:الشعبُ والموطنُ |
أرى الحدود دون أهلي وحدهم | ووحدهم جباههم تُعفر | |
هوية صفراء في أيديهمو | كأنّما هي الهواءُ الأصفرُ | |
على جبين كلّ شخص كتبوا | بالنار”هذا لاجىء محتقر” | |
وكلما مرّ بهم صاحوا به | العربي التائه المهجر |
اللاجئون والرمادُ فوقهم | متى متى بركانهم يتفجر | |
هذي فلسطين تنادي شعبها | السفح والربوة والمنحدر |
هل تسألين النجم عن داري | وأين أحبابي وسُماري | |
داري التي أغفت على ربوة | حالمة بالمجد والنار | |
الشمس لا تضحك إلا لها | تهدي إليها وشي أستار |
جبل النارِ دعانا الهوى | هذا الذي هبّ هوانا | |
والنسيمات التي مرّت بنا | حملت من أرضِ حطين شذانا | |
وعلى كلِّ طريق عبقٌ | من صبانا وشعاعٌ من دمانا | |
أيّ سفح لم يسر فيه لظى | من فلسطين ولم يعرف سُرانا | |
أيّ شعب خفقت أعلامه | حرّة إلا على دامي خطانا | |
باسم أهلي في بقايا وطني | باسمهم في طريق البؤس حزانى | |
باسمهم نقسم أن لا نلتقي | في غدٍ إلا على طهر ثرانا |
فلسطينُ الحبيبةُ كيفَ أغفو | وفي عينيَّ أطيافُ العذاب | |
أطهر باسمكِ الدنيا ولو لم | يبرّح بي الهوى لكتمتُ ما بي | |
تمرُّ قوافلُ الأيام تروي | مؤامرةَ الأعادي والصحابِ | |
فلسطينُ الحبيبة…. كيف أحيا | بعيداً عن سهولكِ والهضابِ | |
تناديني السفوحُ مُخضباتٍ | وفي الآفاق آثارُ الخضابِ | |
تناديني الشواطىءُ باكياتٍ | وفي سمعِ الزمانِ صدى انتحابِ | |
تناديني الجداولُ شارداتٍ | تسيرُ غريبةً دونَ اغترابِ | |
تناديني مدائنك اليتامى | تناديني قراكِ مع القبابِ | |
ويسألني الرفاقُ.. ألا لقاءٌ غداً سنعودُ والأجيالُ تُصغي ونحنُ الثائرينَ بكلِّ أرضٍ | وهل من عودةٍ بعد الغيابِ؟ إلى وقعِ الخطى عند الإيابِ سنصهرُ باللّظى نيرَ الرقابِ |
أجلْ…سنقبلُ التربَ المندى | وفوقَ شفاهنا حمرُ الرّغابِ | |
غداً سنعودُ والأجيالُ تصغي | إلى وقعِ الخطى عند الإيابِ | |
نعودُ مع العواصف داوياتٍ | مع البرقِ المقدسِ والشهابِ | |
مع الأملِ المجنح والأغاني | مع النسرِ المحلّق والعقابِ | |
مع الفجرِ الضحوكِ على الصحارى مع الراياتِ داميةِ الحواشي ونحن الثائرين بكلِّ أرضٍ تذيب القلب رنّة كل قيد أجل…ستعودُ آلاف الضحايا | نعودُ مع الصباحِ على العُباب على وهجِ الأسنّة والحراب سنصهرُ باللظى نير الرقاب ويجرح في الجوانحِ كلّ ناب ضحايا الظلم تفتحُ كلّ باب |
أيها الباكي! وهل يُجدي البُكا | بعدما أصبحتَ في كلِّ مهبِ؟ | |
كفكفِ الدمعَ وسِرْ في أفقٍ | حافلٍ بالأمل الضاحكِ رحبِ | |
يا أخي! ما ضاع منا وطنٌ | خالدٌ نحملهُ في كلِّ قلبِ |
يا فلسطين!! مضت عشرٌ وفي | كلّ يوم يسمع الدهر ندانا | |
وحشدنا فيه من خضر المنى | أملاً أنضر من أزهار”قانا” | |
وأتينا واللظى يحرقنا | عرباً…قلباً ووجهاً ولسانا | |
يا أحبائي!مضت عشرٌ ولم | تلثم الترب المفدّى شفتنانا | |
وشظايانا اللواتي وحدّت | بين أهلينا،ولم يبق سوانا | |
لن تتم الوحدة الكبرى إذا | لم يلح في الوحدة الكبرى جمانا |
وطني! أنتَ بقايا أملٍ | خضبتهُ عبراتٌ من فؤادي | |
ما الذي جرّحَ جنبيك أجبْ | كيدُ أبنائكَ أم كيدُ الأعادي؟ | |
لا تقلْ هذا ترابٌ جامدٌ | إنما الأحياءُ في هذا الجمادِ | |
واحفظ الأجيالَ في ذاك الثرى | فالدمُ الحرُّ من التُربِ ينادي |
جبل النار يا أعزَّ الجبال | أنت لا زلتَ معقد الآمال | |
ينبتُ المجدُ فوق سفحك فينان | وتسقيه من دمِ الأبطال | |
يفصح الصخرُ عن شمائل أبنا | ئك فوق اللظى وعند النزال | |
ماذكرنا حماكَ إلا انتسبنا | وانتشت نخوةُ رؤوسِ الرجال | |
يفزعُ(التنكُ) من صياصيك | (والرشاشُ) يخشى حتى من الأدغال | |
أيها الثائرون في جبلِ النارِ | سلاماً يا زينةَ الأجيال | |
لكم الله يا حماة فلسطين | زحمتم مصارعَ الآجال | |
تحملونَ الأرواحَ فوقَ أكفّ | وتبيعونها ولكن غوالي | |
ورصاصاتكم تمرُّ على الأيامِ | حمراً مضيئةً في الليالي | |
تصرعُ الطائرات مثل طيور الجو | تهوى ما فوق تلك التلال |
دمي روى فلتصمت الألسن | أروع شعر القلب لا يعلن | |
ما أبلغ الصمت إذا ماروى | ماسأة شعبي،قلبي المثخنُ | |
يعبق شعري بشذا موطني | لولاه لا يزكو ولا يحسنُ | |
شعري جسر يلتقي فوقهُ | أهلي بما يحلو وما يشجنُ | |
وكلّ شعرٍ لم يصفه الهوى | وتربتي السمراء مستهجن | |
وكلّ حرف لم يكن نوره | مقتبساً من نارنا يلعنُ | |
نقصف كالأرماح لا نثني | في الروعِ أو نخضع أو نذعن | |
ولا نبالي في سبيل اللقا | نُقتلُ أو نُصلبُ أو نُسجنُ | |
يا وطني حتّام لا نلتقي | وأنت في قلوبنا تسكنُ | |
باعوكَ بخساً ليتهم أدركوا | أنّكَ من عالمهم أثمنُ |
وذرّةٌ منك تساوى الدّنى بل | أنت من كلّ الدّنى أوزنُ | |
تغزل للشمس بنياتنا | وشاحها فكيف لا يفتنُ | |
الغار لا يزرع في أرضنا | وزإنّما في أرضنا يقطنُ | |
نحن فلسطين وفينا نمت | عبر الزمن الشام والأردن | |
كرومها نحن وزيتونها | نحن رباها الخضر والأعينُ | |
نحنُ فلسطين وتاريخها | فيهِ سنى ثوراتنا يكمنُ | |
وكلّ شعبٍ ثائرٍ يشتري | حريته بالدمِ لا يغبنُ | |
ضمائر الأمة تحيا على | جراحنا ،وهي التي تحضنُ |
قالوا كتاب النصر جئنا به | يكفي بأن تقرأ ما عنونوا | |
ما شهر”تشرين” إذا لم يعد | لي بيدري والكرم والمسكنُ | |
وأيّ نصر وأنا لم أزل | مشرداً وليسَ لي موطنُ | |
هل لي في الأوراس رجع الصدى | أم انطوى الجوهر والمعدنُ | |
أهلي هنا في السّاح أم غيرهم | حيرني الأغبر والادكنُ | |
همهم التحرير عهدي بهم | فهل تناءى الهمّ والديدنُ | |
دماؤهم مشبوبةٌ ثرّة | لو جمدت دماؤهم تأسنُ | |
ما بالهم؟هل أجبلت أرضهم؟ | أم أظهرت غير الذي تُبطنُ | |
هل خمدت جذوتهم أم خبا | لهيبها؟أم قرّت الأعينُ؟ | |
غابت وراء النار أرض الحمى | والقدس في الدمع و”بومدين” |
سيناء والجولان لن يقبلا | فكهما والأصلُ مسترهنُ | |
إن لم تصل بينهما بلدتي | لا مغرب أو مشرق محصن | |
ما لبني قومي يلوموننا | قالوا: لنا الواقع والممكنُ | |
هل ذنبُ حبّ فلسطيننا | وأهلنا عن ذاك لم ينثنوا | |
يا ظالمي شعبي! ألم تعلموا | أن العدا ظلمهم أهونُ | |
شعبي يكفيه جراحاتهم | وأي جنب فيه لم يطعنوا | |
تبنون من أشلائنا قمة | وشعبنا في قاعها يُدفنُ | |
وكيفَ تدعونَ إلى وحدة | وليس فيها قلبها المؤمنُ | |
فتيان قومي استشهدوا وحدة | ونحن في تمزيقها نُمعنُ | |
يا عصبة “النجار” أنت التي | جعلت أهل الكون أن يؤمنوا |
إن فلسطين لأبنائها | وأنهم على الردى وطنوا | |
أعراسهم تسابق في الفدا | قد انحنى الموتُ ولم ينحنوا | |
نزرع بالموتِ على أرضنا | حياتنا نحن ومن يجبنُ؟ | |
وكيفَ يسقي الدم أرضي ولا | تخضب والاشجار لا تغصنُ | |
على لظى أحرارنا وحدهم | تذوبُ الأغلالُ أو تُطحنُ | |
لا يحطم القيد الزعيم الذي | إن هبط الوحي بدا يرطنُ | |
يحكم باسم الشعب لكنّما | وراءه المستعمرُ المزمنُ | |
الظالم الباغي على شعبه | على العدوِّ، الناعمُ الليّنُ | |
زوّر للناس شعاراتهم | واختلط الغامض والبيّنُ | |
فأيمن ظاهره أيسر | وأيسرُ ظاهرهُ أيمن |
ومحزن باطنه مضحك | ومضحك باطنه محزنُ | |
إن لم يول الشعب حكامه | فالحكم لا يُغني ولا يسمن | |
متى نردّ الليل عن دارنا ويرجع الشحرور ألحانه | ويدلف الصبح ويستوطن وينتشي”المجوز” والأرغن | |
ينتظر السفح خطى أهلنا والمسجدُ الأقصى يناديهم | لينبت الريحان والسوسن غابوا فلا صلّوا ولا أذنوا | |
وكيف نهدي الفجر أعلامه | وجنح هذا الليل لا يظعن | |
كأننا نسيرُ في مَهمة | دليلنا الجاهل والأرعن | |
يا وطني لا تأس إنا على | عهدك ،مهما طالت الازمن | |
تفنى الزعامات وأشباهها | والخالدان:الشعبُ والموطن |
ودِّعْ ظلالك يا حمام الوادي | ألوى الزمان بغصنكِ الميّادِ | |
من بعدِ سرحته وعذب نميره | نمْ في الهجيرِ وأنتَ طاوٍ صادِ | |
أرسل نواحكَ يا حمام وقلْ لنا | هل في حمى الوادي حمام ساد | |
وبك النسيم نديّة أردانه | إنّ البكاء يهونُ عند بعادِ | |
كان الرسول إليك غلب الهوى | يختالُ فوق ربى وفوق وِهادِ | |
حتى إذا وافى الديارَ ترقرقت | عبراته وروى حديث فؤادِ | |
طرفي الفضاء وهل يطيرُ مطوق | قصت جناحيه يد الصياد | |
يا جيرة الوادي الحزين تحيّة | حمراء أنطقها دمُ الأكبادِ | |
تتلمس الماضي فتبصر ظله | خلف الدموع على شفار العادي | |
كانت تزين بروده سمر القنا | فتعي السنون عجائب الأبراد |
ودِّعْ ظلالك يا حمام الوادي | ألوى الزمان بغصنكِ الميّادِ | |
من بعدِ سرحته وعذب نميره | نمْ في الهجيرِ وأنتَ طاوٍ صادِ | |
أرسل نواحكَ يا حمام وقلْ لنا | هل في حمى الوادي حمام ساد | |
وبك النسيم نديّة أردانه | إنّ البكاء يهونُ عند بعادِ | |
كان الرسول إليك غلب الهوى | يختالُ فوق ربى وفوق وِهادِ | |
حتى إذا وافى الديارَ ترقرقت | عبراته وروى حديث فؤادِ | |
طرفي الفضاء وهل يطيرُ مطوق | قصت جناحيه يد الصياد | |
يا جيرة الوادي الحزين تحيّة | حمراء أنطقها دمُ الأكبادِ | |
تتلمس الماضي فتبصر ظله | خلف الدموع على شفار العادي | |
كانت تزين بروده سمر القنا | فتعي السنون عجائب الأبراد |
توفيق زياد
هذه الطفلة في جبهتها | خمسُ رصاصات..وشمسٌ…وشهادة | |
عينها قبرةٌ حمرا | وخدّاها عبادة | |
سقطت زنبقة من ذهب | في شارع الحرية الطالع | |
من قلب المدينة | شارع الحرية الطالع | |
من قلب الزقاقات…ومن قلب | المتاريس الحصينة | |
سقطت تهتف للنصر | كياناً وسيادة | |
فهي في القلب هتاف | وعلى العنق قلادة | |
وهي عنوان كتاب | وهي تاريخ…وولادة |
علقونا أمة كاملة فوق الصليب | علقونا فوقه…حتى نتوب | |
هذه النكسة ليست…آخر الدنيا | ولا نحن عبيد | |
فامسحوا أدمعكم …وادفنوا القتلى | وقوموا من جديد | |
أيها الناس الحزانى | أنتم الدنيا…وأنتم منبع الخير الوحيد | |
أنتمُ التاريخ…والمستقبل الباسم | في هذا الوجود | |
فتعالوا…نشبك الأيدي بالأيدي | ونمشي في اللهيب | |
فغدُ الأحرار إن طال | وإن طال قريب |
بأسناني…سأحمي كلّ شبرٍ من ثرى أوطاني | بأسناني | |
ولن أرضى بديلاً عنه | لو عُلّقتُ…من شريان شرياني | |
أنا باقٍ…أسير محبتي | لسياجِ داري…للندى…للزنبق الحاني | |
أنا باقٍ…ولن تقوى علي | جميعُ صلباني | |
أنا باقٍ…لأخذكم…وأخذكم…وأخذكم | بأحضاني…بأسناني | |
سأحمي كلّ شبرٍ | من ثرى وطني…بأسناني |
أحبائي! أنا بالوردِ والحلوى | وكلّ الحبّ أنتظرُ | |
أنا،والأرضُ،والقمرُ | وعينُ الماء،والزيتون،والزهرُ | |
وبياراتنا العطشى،وسكتنا،وكرم دوال | وألفُ قصيدة خضراء، منها يورقُ الحجرُ | |
أنا بالورد والحلوى | وكلّ الحبِّ أنتظرُ | |
وأرقبُ هبّة الريح التي | تأتي من الشرق | |
لعلّ على جناحِ جناحها | فيما انقضى عهده من سابقِ العصر |
فلتسمعْ كل الدنيا…فلتسمعْ | سنجوعُ…ونعرى…قطعاً…نتقطعْ | |
ونسفّ تراباك | يا أرضاً تتوجعْ | |
ونموت…ولكن…لن يسقط من أيدينا | علمُ الأحرارِ المشرع | |
لكن…لن نركع… | للقوة…للفانتوم…للمدفع..لن نخضع | |
لن يخضع منا.. | حتى طفل يرضع |
من هنا مرّوا إلى الشرقِ غماماً أسودا | يقتلون الزهرَ والأطفالَ والقمحَ وحبات الندى | |
ويبيضون عداواتٍ وحقداً وقبوراً ومُدى | من هنا، سوف يعودون،وإن طال المدى | |
ما الضي خبأتموه لغدِ؟ | يا من سفكتم لي دمي | |
وأخذتم ضوءَ عيني | وصلبتم قلمي | |
واغتصبتم حقَّ شعبٍ | آمنٍ لم يجرم | |
يا من أهنتم علمي | وفتحتم في جراحاتي جراحا | |
وطعنتم حلمي.مالذي خبأتموهُ لغدٍ | إنّ غداً لم يهزم |
إنّ في الأفقِ صوتاً يمور | هتافُ الضحايا يشقُّ القبور | |
هوَ الشعب يذبحهُ المجرمون | ألا اتحدوا أيها الكادحون…ألا اتحدوا أيها المخلصون | |
وضموا الصفوف | وشدّوا العزائم | |
لمحو نظام على الظلمِ قائم | نظام الخنا والدماء والجرائم |
أحبّ لو استطعت بلحظةٍ | أن أقلب الدنيا لكم:رأساً على عقب | |
وأقطع دابرَ الطغيان | أحرقُّ كلّ مغتصب | |
وأوقد تحت عالمنا القديم | جهنماً مشبوبة اللهب | |
وأجعل أفقر الفقراء يأكل في | صحون الماس والذهب | |
ويمشي في سراويل | الحرير الحرّ والقصب | |
وأهدم كوخهُ وأبني له | قصراً على السحب | |
أحبُ لو استطعت بلحظةٍ | أن أقلب الدنيا لكم رأساً على عقب | |
ولكن للأمور طبيعة نفاذ الصبر يأكلكم فهل | أقوى من الرغباتِ والغضب أدّى إلى إرب.صبراً على النوب | |
ضعوا بين العيون الشمسى | والفولاذ في العصب | |
سواعدكم تحقق أجمل الأحلام | تصنعُ أعجب العجب |
يا أخوتي! هذا الترابُ ترابنا | رغم الليالي | |
أرويته بدمعي ودمي | طول أيامي الخوالي | |
ورضعت من ثدي الجبالِ الشّمِ | والقمم العوالي | |
عزمي وإقدامي | وصبري للشدائدِ واحتمالي | |
زيته…من ماء قلبي | زيته…ذرب الآلي | |
ومن الأماني السكرات | عبير زهر البرتقال | |
يا أخوتي! الا{ضُ تهتفُ | بالنساءِ وبالرجالِ | |
هيا نلبي …إننا | شعبٌ أشدّ من المحال |
يا شعبي يا عودَ الندِ | يا أغلى من روحي عندي | |
إنا باقونَ على العهدِ | إنا باقون | |
لن نرضى عذاب الزنزانة | وقيود الظلم وقضبانه | |
ونقاسي الجوع وحرمانه،إلا لنفك وثاق القمر المصلوب | إلونعيد إليكَ الحقّ المسلوب | |
ونطوي الغد من ليل الأطماع | حتى لا تشرى وتباع،حتى لايبقى الزورق من دون شراع | |
يا شعبي يا عودَ الندِ | يا أغلى من روحي عندي،إنا باقون على العهد |
أناديكم…أشدُّ على أياديكم | أبوسُ الأرض تحت نعالكم | |
وأقول: أفديكم | وأهديكم ضيا عيني | |
ودفء القلب أعطيكم | فماسأتي التي أحيا،نصيبي من مآسيكم | |
أناديكم…أشدُّ على أياديكم | أنا ما هنتُ في وطني،ولا صّغرت أكتافي | |
وقفتُ بوجه ظُلّامي | يتيماً،عاريا،حافي | |
حملتُ دمي على كفّي | وما نكستُ أعلامي | |
وصنتُ العشبَ فوق قبورِ أسلافي | أناديكم…وأشدّ على أياديكم |
أحبائي …برمش العين …أفرش | درب عودتكم…برمش العين | |
وأحضن جرحكم…وألمّ | شوك الدرب…بالجفنين | |
وبالكفين…سأبني | جسر عودتكم…على الشطين | |
أطحن صخرة الصوان | بالكفين…ومن لحمي |
هنا على صدوركم …باقون كالجدار | نجوعُ..نعرى..نتحدى…ننشد الأشعار | |
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات | ونصنع الأطفال…جيلاً ثائراً وراء جيل | |
كأننا عشرون مستحيل | في اللد والرملة والجليل | |
إنا هنا باقون | فلتشربوا من البحر | |
نحرس ظلّ التين والزيتون | ونزرع الأفكار كالخميرة في العجين |
سأحفرُ قصتي وفصولَ مأساتي | على بيارتي،وقبور | |
أمواتيسأحفرُ رقم كلّ قسيمةٍ من أرضنا سُلبت | وموقع قريتي،وحدودها وبيوت أهلها التي نُسفت | |
وأشجاري التي أُقتلعت | وكلّ زهيرةٍ بريّةٍ سُحقت | |
سأبقى قائماً أحفر | جميع فصولَ مأساتي | |
وكلّ مراحل النكبة | من الجنة…إلى القبة…على زيتونة في ساحة الدار |
تعالوا أيها الشعراء | نزرع فوق كلّ فم…بنفسجة وقيثارة | |
تعالوا أيها العمال | نجعل هذه الدنيا العجوز…تعود نوّارة | |
تعالوا أيها الأطفال | نحلم بالغدِ الآتي..وكيف نصيدُ أقماره | |
تعالوا كلكم | فالظلمُ ينهي بعد دهرٍ طال…مشواره | |
وأنتم قد ورثتم كل هذا الكون | روعته …وثروته…وأسراره |
برودة الجليد في أعصابنا | وفي قلوبنا جهنم حمرا | |
إذا عطشنا نعصر الصخرا | ونأكل التراب إن جعنا ولا نرحل | |
وبالدم الزكي لا نبخل | لا نبخل، لا نبخل | |
هنا لنا | ماضي وحاضر ومستقبل |
فارفعوا أيديكم عن شعبنا | لا تطعموا النار حطب | |
كيف تحيون على ظهر سفينة | وتعادون محيطاً من لهب!؟ | |
فارفعوا أيديكم عن شعبنا | يا أيها الصمُّ الذين | |
ملأوا آذانهم قطناً وطين | إننا للمرة الألف نقول: | |
نحن لا نأكل لحم الآخرين | نحن لا نذبح أطفالاً ولا | |
نصرع ناساً آمنين | نحن لا ننهب بيتاً | |
أو جنى حقل | ولا نطفي عيون | |
نحن لا نسرق آثاراً قديمة | نحن لا نعرف ما طعم الجريمة | |
نحن لا نحرق أسفاراً | ولا نكسر أقلاماً،ولا نبتز ضعف الآخرين | |
يا أيها الصم الذين ملأوا آذانهم قطناً وطين إننا لن ننحني للنار والفولاذ يوماً | إنا للمرة الالأف نقول: لا وحق الضوء من هذا التراب الحر ..لن نفقد ذره! قيد شعرة |
أهونُ ألف مرة | أن تدخلوا الفيل بثقب إبرة | |
وأن تصيدوا السمك المشوي | في المجرّة | |
أن تشربوا البحرا،أن تنطقوا التمساح | من أن تميتوا باضطهادكم وميض فكرة | |
وتحرفونا عن طريقنا الذي اخترناه | قيد شعرة | |
كأننا عشرون مستحيل | في اللّد والرملة والجليل | |
هنا …على صدوركم باقون كالجدار | وفي حلوقكم..كقطعة الزجاج…كالصبار | |
وفي عيونكم هنا…على صدوركم باقون كالجدار ونملأ الكأس للسادات حتى نسلّ لقمة الصغار هنا على صدوركم | زوبعة من نار ننظف الصحون في الحانات ونمسح البلاط في المطابخ السوداء من أنيابكم الزرقاء باقون كالجدار | |
نجوع،نعرى،نتحدّى | ننشد الأشعار | |
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات | ونملأ السجون كبرياء | |
ونصنع الأطفال جيلاً ناقماً كأننا عشرون مستحيل | وراء جيل في اللد والرملة والجليل |
إنا هنا باقون | فلتشربوا البحرا،نحرس ظل التين والزيتون | |
ونزرع الأفكار يا جذرنا الحي تشبث أفضل أن يراجع المضطد الحساب لكل فعل اقرأوا | كالخميرة في العجين واضربي في القاع يا أصول من قبل أن ينفتل الدولاب ما جاء في الكتاب |
أُحبُّ لو استطعت بلحظةٍ | أن أقلب لكم:رأساً على عقب | |
وأقطع دابر الطغيان | أحرقُ كلّ مغتصب | |
وأوقدُ تحت عالمنا القديم | جهنماً،مشبوبة اللهب | |
وأجعل أفقر الفقراء يأكل في | صحون الماس والذهب | |
ويمشي في سروايل | الحرير الحرّ والقصب | |
وأهدم كوخه…أبني له | قصراً على السُحب | |
أحبُّ لو استطعت بلحظةٍ | أن أقلب الدنيا لكم رأساً على عقب | |
ولكن للأمور طبيعة | أقوى من الرغبات والغضب | |
نفاذ الصبر يأكلكم فهل | أدّى إلى أرب؟؟ | |
صموداً أيها الناس الذين أحبهم ضعوا بين العيون الشمس سواعدكم تحقق أجمل الأحلام | صبراً على النوّب والفولاذ في العصب تصنعُ أعجبَ العجب |
أجيبيني…أنادي جرحك المملوء ملحاً…يا فلسطين | أناديه وأصرخ….ذوبيني فيه…صُبيني | |
أنا ابنكِ،خلقتني هاهنا | الماسأة…عنقاً تحتَ سكينِ | |
أعيشُ على حفيف الشوق | في غابات زيتوني | |
وأكتب للصعايك القصائد | سكراً مُراً…وأكتبُ للمساكين | |
وأغمس ريشتي في قلب | قلبي…في شراييني | |
وآكلُ حائط الفولاذ | أشربُ ريح تشرين | |
وأُدمي وجه مغتصبي وإن كسر الردى ظهري…وضعت | بشعرٍ كالسكاكين مكانهُ صوّانة…من صخر حطين | |
فلسطينية شبابتي…عبأتها | أنفاسي الخضر…وموالي | |
عمود الخيمة السوداء | في الصحرا…وضجة دبكتي | |
شوق التراب لأهله | في الضفة الأخرى |
غير الخبز اليومي،وقلب امرأتي | وحليب الأطفال…أنا لا أملك شيّا | |
وسوى الشعر..وإيقاد النار | وتشخيص الآتي…أنا لا أملك شيّا | |
وسوى أرض بلادي..وسماء بلادي | وزهو بلادي…أنا لا أعبد شيّا | |
وسوى الشعب الكادح…والناس | البسطاء العادين وأيديهم…لست أقدس شيّا | |
لو عشتُ شقيّاً…سأموت سعيداً | لو قدرت كلماتي..أن تفرح بعض الناس | |
لو أمكن أن يقرأها | في المستقبل..طفل…في كراس |
أرضي…أترابي…! | كنزي المنهوب…تاريخي | |
عظام أبي وجدّي | حرمتْ عليَّ،فكيفَ أغفر؟ | |
لو أقاموا لي المشانق | لست غافر | |
هذي قُرانا الخضر | أضحت كلها دمنا،وآثاراً عواثر | |
آحادها بقيت وما زالتْ | تحارب بالأظافر | |
شدّتْ على أعناقها أنيابهم | تمتص من دمها كواثر | |
لا تحكِ لي لا تحكِ لي | حتى المقابر بعثرت..حتى المقابر |
ألا هل أتاك حديثُ الملاحم | وذبح الأناسي ذبحَ البهائم | |
وقصة شعب تسمى: | حصاد الجماجم | |
ومسرحها قرية اسمها: | كفر قاسم | |
ومدّ الردى للضحايا ذراعا | ليقصف خمسين روحاً تباعا | |
فتسقط فوق الثرى الأسمر | لتسقيه خمر الدم الاحمر | |
وخيّمَ صمت ثقيل مديد | على حلبة المجزرة… | |
وتقطعه قهقهات الجنود | ويصرخ ضابطهم صرخة آمرة: | |
“كفى!إنهم سقطوا كالنشارة! | “كفى! فالرصاص فيهم خسارة… | |
إن في الأفق صوتاً يمور هو الشعبُ يذبحه المجرمون | هتاف الضحايا يشقّ القبور ألا اتحدوا أيها الكادحون | |
وضموا الصفوف وشدّوا العزائم نظام الخنا | لمحو نظام على الظلم قائم والدماء والجرائم |
سميح القاسم
أحبابنا…خلف الحدود | ينتظرون في آسى ولهفة مجيئنا | |
أذرعهم مفتوحة لضمنا…لِشمنا | قلوبهم مراجل الألم…تدقُّ …في تمزق أصم | |
تحار في عيونهم…ترجف في شفاههم | أسئلة عن موطن الجدود | |
غارقة في أدمع العذاب | والهوان والندم | |
أحبابنا …خلف الحدود | ينتظرون حبةً من قمحهم | |
كيف حال بيتنا التريك | وكيف وجه الارض…هل يعرفنا إذا نعود؟ | |
يا ويلنا…حطام شعب لاجىء شريد | يا ويلنا…من عيشة العبيد | |
فهل نعود؟ | هل نعود؟ |
دمُ أسلافي القدامى لم يزل يقطر مني | وصهيلُ الخيل مازال، وتقريعُ السيوف | |
وأنا أحملُ شمساً في يميني وأطوف | في مغاليق الدجى…جرحاً يغني |
ربما أفقد ـ ما شئت ـ معاشي | ربما أعرضُ للبيع ثيابي وفراشي | |
ربما أعمل حجاراً…وعتالاً…وكناس شوارع | ربما أبحث في روث المواشي عن حبوب | |
ربما أخمد | عرياناً …وجائع | |
يا عدو الشمس…لكن…لن أساوم | وإلى آخر نبض في عروقي…سا أقاوم | |
ربما تسلبني آخر شبر من ترابي | ربما تطعم للسجن شبابي | |
ربما تسطو على ميراث جدي | ربما تحرق أشعاري وكتبي | |
ربما تطعم لحمي للكلاب | ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب | |
ياعدو الشمس لكن…لن أساوم | وإلى آخر نبض في عروقي سا أقاوم | |
ربما تطفىء في ليلي شعلة | ربما أحرم من أمي قبلة | |
ربما يشتم شعبي وأبي،طفل وطفلة | ربما تغنم من ناطور أحلامي غفلة |
ربما زيف تاريخي جبان | وخرافي قوله | |
ربما تحرم أطفالي | يوم العيد بدله | |
ربما تخدع أصحابي | بوجه مستعار | |
ربما ترفع حولي | جداراً وجداراً وجدار | |
ربما تصلب أيامي | على رؤيا مذله | |
ياعدو الشمس لكن لن أساوم | وإلى آخر نبض في عروقي سا أقاوم |
عودةُ الشمس…وإنساني المهاجر | ولعينيها…وعينيه…يميناً لن أساوم | |
وإلى آخر نبض في عروقي | سأقاوم..سأقاوم…سأقاوم |
هنا…في قرارتنا الجائعة | هنا حفرت كهفها الفاجعة | |
هنا في معالمنا الدارسات | هنا في محاجرنا الدامعة | |
نبوخذ نصر والفاتحون | وأشلاء رايتنا الضائعة | |
فباسمك يا نسلنا المرتجى | وباسمك يا زوجنا الضارعة | |
نردّ الزمان إلى رشده | ونبصق في كأسه السابعة | |
ونرفع في الأفق فجر الدماء | ونلهمه شمسنا الساطعة |
في أكثر من معركةٍ داميةِ الأرجاء | أُشهر هذي الكلمات الحمراء | |
أشهرها…سيفاً من نار | في صفّ الإخوة..في صفّ الأعداء | |
في أكثر من دربٍ وعر | تمضي شامخة…أشعاري | |
وأخاف…أخافُ من الغدرِ | من سكين يُغمد في ظهري | |
لكنّي …يا أغلى صاحب | يا طيبُ…يا بيت الشعر | |
رغم الشك…ورغم الأحزان | لن أعدم إيماني | |
في أن الشمس ستشرق | شمسَ الإنسان | |
ناشرةً ألوية النصر | ناشرة ما تحمل من شوقٍ وأمان | |
كلماتي الحمراء | كلماتي الخضراء |
بعض الأغاني صرخة لا تطرب | فإذا استفزتكم أغاني فاغضبوا | |
يا منشئين على خرائب منزلي | تحت الخرائب نقمة تتقلبُ | |
إن كان جذعي للفؤوس ضحية | جذري آلة في الثرى يتأهبُ | |
هذا أنا! عريان إلا من غد | أرتاحُ في أفيائهِ أو أصلبُ | |
ولأجل عينيه وأعينُ إخواني | أمشي وأعطي الدرب ما يتطلبُ | |
هذا أنا أسرجت كل متاعبي | ودمي على كتفي يغني…فاشربوا |
أنا قبل قرون… | لم أتعود أن أكره…لكنّي مُكره | |
أن أُشرعَ رمحاً لا يعيى | في وجه التنين | |
أن أشهر سيفاً من نار | أشهرها في وجه البعل المأفون | |
أن أصبحَ إيليا | في القرن العشرين | |
أنا قبل قرون | لم أتعود أن أُلحد!لكنّي أجلدْ | |
آلهة …كانت في قلبي | آلهة باعت شعبي…في القرن العشرين | |
أنا قبل قرون | لم أطرد من بابي زائر | |
وفتحت عيوني ذات صباح | فإذا غلاتي مسروقة | |
ورفقة عمري مشنوقة | وإذا في ظهر صغيرتي …حقل جراح | |
وعرفت ضيوفي الغدارين وحلفتُ بآثار السكين | فزرعوا ببابي ألغاماً وخناجر لمن يدخل بيتي منهم زائر!! |
لو حززوني مثل ليمونة | تبقين لي،في الصدر أيقونة | |
تبقين لي،لو نتفت جسدي | أيد من الفولاذ…مأفونة | |
لو نزفوا حتى العظام دمي | تبقين ..في الأعصاب مخزونة | |
تبقين لي،لو فتتوا بدني | فأصير بعض غبار زيتونة | |
وإذا ولجت رئائهم نفساً | تضحين أطيب ما يشمونه | |
بالشمس،ضوء الشمس ملتحم | عبثاً..تشاد حواجز دونه | |
أنا أنت،أنت أنا،وكلّ يدٍ | بيني وبينك …ألف مجنونة |
الخفافيش على نافذتي | تمتص صوتي | |
الخفافيشُ على مدخل بيتي | والخفافيشُ وراءَ الصحفِ | |
في بعضِ الزوايا | تتقصّى خطواتي…والتفاتي | |
والخفافيشُ على المقعد | في الشارع خلفي | |
وعلى واجهة الكتب وسيقان الصبايا | كيف دارت نظراتي | |
الخفافيش على شرفة جاري | والخفافيش جهازٌ ما خُبىء في جدار | |
والخفافيش على وشكِ انتحار | إنني أحفرُ درباً للنهار |
فدوى طوقان
لو بيدي…لو أني | أقدرُ أن أقلبه هذا الكوكبْ | |
أن أفرغه من كلِّ شرور الأرض | أن أقتلع جذورَ البُغضْ | |
أن أقصي قابيل الثعلب | أقصيه إلى أبعد كوكب | |
أن أغسل بالماء الصافي | إخوة يوسف ,أطهر أعماق الإخوة…من دنس الشرّ | |
لو بيدي…أن أمسح عن هذا | الكوكب بصمات الفقر | |
وأحررهُ من | أسرِ القهرْ | |
لو بيدي..أن أجتث شروش الظلم | وأجفف في هذا الكوكب..أنهار الدم | |
لو أني أملك لو بيدي | أن أرفع للإنسان المتعب | |
في درب الحيرة والأحزان | قنديل رخاء واطمئنان | |
أن أمنحهُ العيش الآمن | لكن مابيدي شىء إلا لكن |
لو أني أملك أن أملأ هذا الكوكب | ببذور الحبّ | |
فتعرّش في كلّ الدنيا | أشجار الحبّ | |
ويصير الحب هو الدنيا | ويصير الحب هو الدرب | |
لو بيدي أن أحميه هذا الكوكب | من شرِّ خيار صعب | |
لو أني أملك لو بيدي | أن أرفع عن هذا الكوكب…كابوس الحرب |
يا وطني! مالك يُخني على | روحك معنى الموت،معنى العدم | |
أمَضّكَ الجرح الذي خانه | أُساتهُ في المأزقِ المحتدم؟ | |
جرحُكَ ما أعمق أغواره | كم يتنّزى تحتَ نابِ الألم | |
أينَ الألى استصرختهم ضارعاً | تحسبهم ذراك والمعتصم | |
ما بالهم قد حال من دونهم | ودونَ ماسأتكِ حسٌّ أصم | |
قلبّتَ فيهم طرفَ مستنجد | فعزّك المندفع المقتحم | |
واخجلتا ،حتامَ أهواؤهم | تغرقهم في لُجّها الملتطم! | |
همُ الأنانيون…قد أغلقوا | قلوبهم دونَ البلاءِ المُلّم | |
لا روح يستنهض من عزمهم | لا نخوة تحفزهم، لا هِمم | |
أحنوا رقابَ الذل،يا ضعفهم | واستلموا للقادر المحتكم |
يا هذه الاقدار لا ترحمي | فرائسَ الضعف،بقايا الرمم | |
بالمعول المحمول أهوى على | تلك الجذوع الناخرات الحطم | |
كوني أتيّاً عارماً واجرفي | كلّ ضعيفِ الروحِ واهي القدم | |
كوني كما شئت،لظىً يغتلي | أو عاصفاً يقذفُ حمرَ الحمم | |
واكتسحي أنقاضَ هذا الحمى | من كلِّ ركنٍ خائر،منهدم | |
اكتسحيهاوانفضي أمتي | مما علاها من رماد القِدم | |
ستنجلي الغمرة يا موطني | ويمسحُ الفجر غواشيَ الظلم | |
والأملُ الظامىء مهما ذوى | لسوفَ يروى بلهيب ودم | |
فالجوهرُ الكامنُ في أمتي | ما يأتلي يحمل معنى الضرم | |
هو الشبابُ الحرّ ذخر الحمى | اليقظ المستوفز المنتقم |
غلوا جناحيه وقالوا انطلق | وشارف الأفق وجز بالقمم | |
واستنهضوه لاقتحام اللظى | والقيد،يا للقيد! يُدمي القدم | |
لكن للثأرِ غداً هَبّةٌ | جارفة الهول،عصوفاً عمم | |
فالضربة الصماء قد ألهبت | في كلِّ حرّ جذوة تضطرم | |
لن يقعد الأحرارُ عن ثأرهم | وفي دمِ الحرار تغلي النقم |
على أبواب يافا يا أحبائي | وفي فوضى حطام الدور | |
بين الردم والشوك.. | وقفت وقلتُ للعينين: قفا نبكِ | |
على أطلال من رحلوا وفاتوها | تنادي من بناها الدار | |
وتنعي من بناها الدار | وأنَّ القلبُ منسحقاً…وقال القلبُ:مافعلت؟ | |
بكِ الأيام يادارُ؟ | وأين القاطنون هنا | |
وهل جاءتك بعد النأي،هل | جاءتك أخبار؟ | |
هنا كانوا…هنا حلموا | هنا رسموا …مشاريع الغدِ الآتي | |
فأين الحلم والآتي وأين همو | ولم ينطق حطام الدار | |
ولم ينطق هناك سوى غيابهمو | وصمت الصمت،والهجران | |
وكان هناك جمعُ البوم والأشباح وكان يحوم في حواشيها وكان وكان | غريب الوجه واليد واللسان يمد أصوله فيها.. وكان الآمر الناهي.. وغصّ القلبُ بالأحزان |
أحبائي…مسحت عن الجفون ضبابة الدمع الرمادية | لألقاكم وفي عينيَّ نور الحب والإيمان | |
بكم،بالأرض، بالإنسان | فواخجلي لوأني جئت ألقاكم | |
وجفني راعشٌ مبلول | وقلبي يائسٌ مخذول | |
وها أنا يا أحبائي هنا معكم | لاقبس منكم جمرة | |
لاخذ مصابيح الدجى من زيتكم قطرة لمصباحي | وها أنا يا أحبائي | |
إلى يدكم أمدُّ يدي | وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي | |
وأرفع جبهتي معكم إلى الشمس | وها أنتم كصخر جبالنا قوة | |
كزهر بلادنا الحلوة | فكيف الجرح يسحقني؟ | |
وكيف اليأس يسحقني؟ | وكيف أمامكم أبكي | |
يميناً،بعد هذا اليوم | لن أبكي |
أحبائي حصان الشعب جاوز …كبوة الأمس | وهبّ الشهمُ منتفضاً وراء النهر | |
أصيخوا،ها حصان الشعب يصهل واثق النّهمة | ويفلت من حصار النحس والعتمة | |
ويعدو نحو مرفأه على الشمس | وتلك مواكب الفرسان ملتئمة | |
تباركه وتفديه..ومن ذوب العقيق ومن | دم المرجان تسقيه | |
ومن أشلائها علفاً | وفير الفيض تعطيه | |
وتهتف بالحصان الحر:عدواً | يا حصان الشعب | |
فأنت الرمز والبيرق | ونحن وراءك الفيلق | |
ولن يرتد فينا المدُّ والغليان…والغضب | ولن ينداح في الميدان فوق جباهنا التعب | |
ولن نرتاح،لن نرتاح | حتى نطرد الاشباح..والغربان والظلمة |
أحبائي مصابيح الدجى،يا أخوتي | في الجرح..ويا سرّ الخميرة يابذار القمح | |
يموت هنا ليعطينا..ويعطينا | على طرقاتكم أمضي | |
وأزرع مثلكم قدمي في وطني | وفي أرضي | |
وأزرع مثلكم عينيّ | في دربِ السّنى والشمس |
نزار قباني
سقطت آخر جدران الحياء..وفرحنا..ورقصنا | وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء | |
لم يعد يرعبنا شىء…ولا يخجلنا شىء | فقد يبست فينا عروق الكبرياء | |
سقطت…للمرة الخمسين…عذريتنا | دون أن نهتز…أو نصرخ..أو يرعبنا مرأى الدماء | |
ودخلنا في زمن الهرولة | ووقفنا بالطوابير كأغنام أمام المقصلة | |
وركضنا…ولهثنا… | وتسابقنا لتقبيل حذاء…القتلة | |
جوّعوا أطفالنا خمسين عاماً | ورموا في آخر الصوم إلينا…بصلة | |
سقطت غرناطة…للمرة الخمسين…من أيدي العرب | سقط التاريخ من أيدي العرب | |
سقطت أعمدة الروح وأفخاذ القبيلة | سقطت كل مواويل البطولة | |
سقطت أشبيليا..سقطت أنطاكية | سقطت حطين من غير قتال..سقطت عمورية | |
سقطت مريم في أيدي الميليشيات | فما من رجل ينقذ الرمز السماوى..ولا ثمّ رجولة |
سقطت آخر محظياتنا..في يد الروم…فعن ماذا ندافع؟ | لم يعد في قصرنا جارية واحدة | |
تصنع القهوة…,الجنس | فعن ماذا ندافع؟ | |
لم يعد في يدنا | أندلس واحدة نملكها | |
سرقوا الأبواب…والحيطان | الزوجات …والاولاد | |
والزيتون والزيت | سرقوا عيسى بن مريم…وهو مازال رضيعاً | |
سرقوا ذاكرة الليمون…والمشمش والنعناع منا | وقناديل الجوامع | |
تركوا علبة سردين بأيدينا | تسمة غزة..عظمة يابسة تدعى أريحا | |
فندقاً يدعى فلسطين | بلا سقف ولا أعمدة | |
تركونا جسداً دون عظام | ويداً دون أصابع | |
لم يعد ثمة أطلال لكي نبكي عليها | كيف تبكي أمة..أخذوا منها المدامع؟؟ |
بعد هذا الغزل السري في أوسلو | خرجنا عاقرين | |
وهبونا وطناً أصغر من حبة قمح | وطناً نبلعه من غير ماء…كحبوب الاسبرين!! | |
بعد خمسين سنة | نجلس الآن على الأرض الخراب | |
مالنا مأوى… | كآلاف الكلاب | |
بعد خمسين سنة | ما وجدنا وطناً نسكنه…إلا السراب | |
ليس صلحاً..ذلك الصلح الذي أدخل. | كالخنجر فيان…إنه فعل اغتصاب!! | |
ما تفيد الهرولة…ما تفيد الهرولة | عندما يبقى ضمير الشعب حيا…كفتيل قنبلة | |
كم حلمنا بسلام أخضر | وهلال أبيض…وبحر أزرق | |
وقلوع مرسلة | ووجدنا فجأة أنفسنا في مزبلة!! | |
من تريى يسألهم… | عن سلام الجبناء؟؟ |
لا سلام الأقوياء القادرين | من ترى يسألهم؟ | |
عن سلام البيع بالتقسيط | والتأجير بالتقسيط | |
والصفقات…والتجار…والمستثمرين؟ | من ترى يسألهم؟عن سلام الميتين | |
أسكتوا الشارع…واغتالوا جميع الأسئلة | وجميع السائلين | |
وتزوجنا بلا حب | من الأنثى التي ذات يوم أكلت أولادنا | |
مضغت أكبادنا | وأخذناها إلى شهر العسل | |
وسكرنا…,رقصنا | واستعدنا كل ما نحفظ من شعر الغزل | |
ثم أنجبنا لسوء الحظ أولاداً معاقين | لهم شكل الضفادع | |
وتشردنا على أرصفة الحزن | فلا من بلد نحضنه…أو من ولد!! | |
لم يكن في العرس رقص عربي | أو طعام عربي |
أو غناء عربي | أو حياء عربي | |
فلقد غاب عن الزفة أولاد البلد | لن تساوى كلتوقيعات أوسلو خردلة!! | |
كان نصف المهر بالدولار | كان الخاتم الماسي بالدولار | |
كانت أجرة المأذون بالدولار | والكعكعة كانت هبة من أمريكا | |
وغطاء العرس والازهار والشمع | وموسيقى المارينز…كلها صنعت في أمريكا | |
وانتهى العرس..ولم تحضر فلسطين الفرح | بل رأت صورتها مبثوثة عبر كل الأقنية | |
ورأت دمعتها تعبر أمواج المحيط | نحو شيكاغو..وجيرسي…وميامي | |
وهي مثل الطائر المذبوح تصرخ: | ليس هذا العرس عرسي | |
ليس هذا الثوب ثوبي | ليس هذا العار عاري | |
أبداً…يا أمريكا (قصيدة المهرولون) | أبداً…يا أمريكا |
وجهُ قانا… | شاحبٌ كما وجهُ يسوع | |
وهواءُ البحر في نيسان | أمطارُ دماءٍ ودموع | |
دخلوا قانا على أجسادنا | يرفعون العلم النازيَّ في أرض الجنوبْ | |
ويعيدون فصولَ المحرقة | هتلر أحرقهم في غرفِ الغاز | |
وجاؤوا بعدهُ | كي يحرقونا | |
هتلرٌ هجّرهم من شرق أوروبا | وهم من أرضنا هجّرونا | |
دخلوا قانا كأفواج ذئابٍ جائعة | يشعلون النار في بيت المسيح | |
ويدوسون على ثوبِ الحسين | وعلى أرض الجنوب الغالية | |
قصفوا الحنطة والزيتون والتبغ | وأصوات البلابل.. | |
قصفوا قدموسَ في مركبه | قصفوا البحر وأسرابَ النورس |
قصفوا حتى المشافي والنساء المرضعات | وتلاميذ المدارس | |
قصفوا سحرَ الجنوبيات | واغتالوا بساتين العيون العسلية | |
ورأينا الدمعَ في جفن عليِّ | وسمعنا صوتهُ وهو يصلي..تحت أمطارِ سماءٍ دامية | |
كشفت قانا الستائر | ورأينا أمريكا ترتدي معطف حاخامٍ يهوديٍّ عنيق | |
وتقودُ المجزرة | تطلق النارَ على أطفالنا دون سبب | |
وعلى زوجاتنا دون سبب | وعلى أشجارنا دون سبب | |
وعلى أفكارنا دون سبب | فهل الدستورُ في سيّدة العالم | |
بالعبريِّ مكتوب لإذلال العرب؟؟ | هل على كل رئيس حاكم في أمريكا | |
إذا أراد الفوز في حلم الرئاسة | قتلنا،نحنُ العرب؟؟ |
انتظرنا عربياً واحداً | يسحبُ الخنجرَ من رقبتنا | |
انتظرنا هاشمياً واحداً | انتظرنا قُرشياً واحداً | |
دونكشوتاً واحداً | قبضاياً واحداً لم يقطعوا شاربه | |
انتظرنا خالداً أو طارقاً أو عنترة | فأكلنا ثرثرة…وشربنا ثرثرة | |
أرسلوا فاكساً إلينا…استلمنا نصّهُ | بعد تقديمِ التعازي…وانتهاء المجزرة | |
ما الذي تخشاهُ إسرائيل من صرخاتنا؟؟ | ماالذي تخشاهُ من “فاكساتنا”؟؟ | |
فجهادُ”الفاكس” من أبسط أنواع الجهاد | هو نصٌّ واحدٌ نكتبهُ | |
لجميع الشهداء الراحلين | وجميع الشهداء القادمين!! |
ما الذي تخشاه إسرائيلُ من ابن المقفع؟ | وجرير…والفرزدق؟ | |
ومن الخنساء تلقي شعرها عند باب المقبرة | ما الذي تخشاهُ من حرق الإطارات؟؟ | |
وتوقيع البيانات؟وتحطيم المتاجر؟ | وهي تدري أننا لم نكن يوماً ملوك الحرب…بل كنا ملوك الثرثرة | |
ما الذي تخشاهُ من قرقعةِ الطبل | ومن شقّ الملاءات…ومن لطم الخدود؟ | |
ما الذي تخشاه من | أخبار عادٍ وثمود..؟ | |
نحنُ في غيبوبةٍ قوميةٍ | ما استلمنا منذ أيامِ الفتوحات بريداً | |
نحنُ شعبٌ من عجين | كلما تزدادُ إسرائيل إرهاباً وقتلاً | |
نحنُ نزدادُ | ارتخاءً…وبرودا.. | |
وطنٌ يزدادُ ضيقاً…لغةٌ قطريةٌ تزدادُ قبحاً | وحدةٌ خضراء تزدادُ انفصالا | |
شجرٌ يزدادُ في الصيفِ قعوداً | وحدودٌ كلما شاءَ الهوى تمحو حدودا!! |
كيفَ إسرائيلُ لا تذبحنا؟ | كيف لا تلغي هشاماً،وزياداً،والرشيدا؟ | |
وبنو تغلب مشغولون في نسوانهم | وبنو مازنَ مشغولون في غلمانهم | |
وبنو هاشمَ يرمون السراويلَ على أقدامها | ويبيحونَ شِفاهاً ونهودا؟؟ | |
ما الذي تخشاهُ إسرائيل من بعض العرب | بعدما صاروا يهودا؟ |
أريد بندقية…خاتم أمي بعته | من أجل بندقية | |
محفظتي رهنتها | من أجل بندقية | |
اللغة التي بها درسنا | الكتب التي بها قرأنا | |
قصائد الشعر التي حفظنا | ليست تساوي درهماً..أمام بندقية | |
أصبحَ عندي الآن بندقية.. | إلى فلسطين خذوني معكم | |
إلى ربى حزينةٍ كوجه مجدلية | إلى القباب الخضر…والحجارة النبية | |
عشرون عاماً…وأنا | أبحثُ عن أرضٍ وعن هوية | |
أبحثُ عن بيتي الذي هناك | عن وطني المحاط بالأسلاك | |
أبحث عن طفولتي | وعن رفاق حارتي | |
عن كتبي…عن صوري.. | عن كلّ ركنٍ دافىءٍ ….وكل مزهرية |
أصبح عندي الآن بندقية | إلى فلسطين خذوني معكم | |
يا أيها الرجال.. | أريد أن أعيشَ أو أموتَ كالرجال | |
أريد..أن أنبت في ترابها | زيتونةً،أو حقل برتقال..أو زهرةً شذية | |
قولوا…لمن يسأل عن قضيتي | بارودتي…صارت هي القضية | |
أصبح عندي الآن بندقية | أصبحتُ في قائمة الثوار | |
أفترشُ الأشواك والغبار | وألبسُ المنيّة | |
يا أيها الثوار | في القدس،في الخليل | |
في بيسان،في الأغوار | في بيت لحمٍ،حيث كنتم أيها الأحرار | |
تقدموا..تقدموا | فقصة السلام مسرحية…والعدل مسرحية | |
إلى فلسطين طريقٌ واحدٌ | يمرُّ من فوهة بندقية.. |
شعراء الأرض المحتلة | يا من أوراق دفاتركم | |
بالدمع مغمسةٌ،والطين | يا من نبرات حناجركم | |
تشبه حشرجة المشنوقين | يا من ألوان محابركم | |
تبدو كرقابِ المذبوحين | نتعلم منكم منذ سنين | |
نحنُ الشعراء المهزومين | نحن الغرباء عن التاريخ | |
وعن أحزان المحزونين | نتعلم منكم… | |
كيف الحرفُ يكون | له شكل السكين | |
شعراء الأرض المحتلة | يا أجمل طير يأتينا من ليل الأسر | |
يا حزناً شفّاف العينين،نقياً مثل صلاة الفجر | يا شجر الورد النابت من أحشاء الجمر | |
يا مطراً يسقط…رغم الظلم..ورغم القهر | نتعلم منكم كيف يغني الغارق من أعماق البئر |
نتعلم …كيف يسير على قدميه القبر | نتعلم كيف يكون الشعر | |
فلدينا ..قد مات الشعراء…ومات الشعر | الشعر لدينا درويش…يترنح في حلقات الذكر | |
والشاعر يعمل حوذياً لأمير القصر | الشاعر مخصيُّ الشفتين…بهذا العصر | |
يمسح للحاكم معطفه…ويصبُّ له أقداح الخمر | الشاعر مخصيُّ الكلمات…وما أشقى خصيان الفكر | |
شعراء الأرض المحتلة | يا ضوء الشمس الهارب من ثقبِ الأبواب | |
يا قرع الطبل القادم من أعماق الغاب | يا كلّ الأسماء المحفورة في ريشَ الأهداب | |
ماذا نخبركم يا أحباب؟ | عن أدب النكسة،شعر النكسة،يا أحباب.. | |
مازلنا منذ حزيران…نحنُ الكتّاب | نتمطى فوق وسائدنا…نلهو بالصرفِ وبالإعراب | |
يطأ الإرهاب جماجمنا…ونقبلُ أقدام الإرهاب | نركبُ أحصنةً من خشب…ونقاتل أشباحاً وسراب | |
وننادي:يا ربّ الأرباب نحن الفقراء…وأنت الرزاق الوهاب | نحنُ الضعفاء،وأنت المنتصر الغلّاب نحن الجبناء، وأنت الغفارُ التوّاب |
شعراء الارض المحتلة | ما عاد لأعصابي أعصاب | |
حُرماتُ القدس قد انتهكت | وصلاح الدين من الأسلاب | |
ونسمي أنفسنا | كتاب؟ | |
محمود الدرويش…سلاماً | توفيق الزياد…سلاما | |
يا فدوى طوقان…سلاماً | يا من تبرون على الاضلاع الأقلاما | |
نتعلم منكم،كيف نفجر في | الكلمات ألالغاما | |
شعراء الأرض المحتلة | مازال دراويش الكلمة | |
في الشرق،يكشون حماما | يحتسون الشاي الاخضر…يجترون الأحلاما | |
لو أنّ الشعراء لدينا | يقفون أمام قصائدكم | |
لبدوا…أقزاماً… | أقزاما… |
بكيت…حتى انتهت الدموع | صليت…حتى ذابت الشموع | |
ركعت…حتى ملّني الركوع | سألت عن محمد فيكِ وعن يسوع | |
يا قدسُ،يا مدينة تفوح أنبياء | يا أقصر الدروب بين الارض والسماء | |
يا قدسُ،يا منارة الشرائع | يا طفلة جميلة محروقة الأصابع | |
حزينة عيناكِ،يا مدينة البتول | يا واحة ظليلة مرّ بها الرسول | |
حزينةٌ حجارةُ الشوارع | حزينةٌ مآذنُ الجوامع | |
يا قدسُ،يا جميلةٌ تلتفُّ بالسواد | من يقرعُ الأجراس في كنيسة القيامة؟ | |
صبيحة الآحاد | من يحملُ الألعاب للأولاد؟في ليلة الميلاد | |
يا قدسُ ،يا مدينة الأحزان | يادمعة كبيرة تجولُ في الأجفان | |
من يوقفُ العدوان؟ | عليك، يا لؤلؤة الأديان |
من يغسل الدماء عن حجارة الجدران؟ | من ينقذ الإنجيل؟من ينقذ القرآن؟ | |
يا قدسُ …يا مدينتي | يا قدسُ…يا حبيبتي | |
غداً…غداً…سيزهر الليمون | وتفرح السنابل الخضراء والزيتون | |
وتضحك العيون | وترجعُ الحمائم المهاجرة | |
إلى السقوف الطاهرة | ويرجع الأطفال يلعبون | |
ويلتقي الآباء والبنون | على رباك الزاهرة | |
يا بلدي… | يا بلد السلام والزيتون |
بهروا الدنيا…ومافي يدهم إلا الحجارة | وأضاءوا كالقناديل..وجاءوا كالبشارة | |
قاوموا..وانفجروا…واستشهدوا | وبقينا دبباً قطبية..صفحت أجسادها ضد الحرارة | |
قاتلوا عنا..إلى أن قتلوا | وبقينا في مقاهينا…كبصاق المحارة | |
واحد يبحث منا عن تجارة | واحد يطلب ملياراً جديداً | |
وزواجاً رابعاً | ونهوداً صقلتهن الحضارة | |
واحد يبحث في لندن عن قصر منيف | واحد يعمل سمسار سلاح | |
واحد يطلب في البارات ثأره | يبحث عن عرش وجيش وإمارة | |
آه يا جيل الخيانات | ويا جيل العمولات | |
ويا جيل النفايات | ويا جيل الدعارة | |
سوف يجتاحك مهما أبطأ التاريخ | أطفال الحجارة |
يا تلاميذ غزة…علمونا بعض ما عندكم | فنحن نسينا | |
علمونا بأن نكون رجالا | فلدينا الرجال صاروا عجينا | |
علمونا كيف الحجارة تغدو | بين أيدي الأطفال ماساً ثمينا | |
كيف تغدو دراجة الطفل لغماً | وشريط الحرير يغدو كمينا | |
كيف مصاصة الحليب | إذا ما اعتقلوها..تحولت سكينا | |
يا تلاميذ غزة…لا تبالوا بإذاعاتنا ولاتسمعونا | اضربوا..اضربوا بكل قواكم واحزموا أمركم ولا تسألونا | |
نحن أهل الحساب والجمع والطرح | فخوضوا حروبكم واتركونا | |
إننا الهاربون من خدمة الجيش | فهاتوا حبالكم واشنقونا | |
نحن موتى لا يملكون ضريحاً | ويتامى لا يملكون عيونا | |
قد لزمنا جحورنا | وطلبنا منكم أن تقاتلوا التنينا |
قد صغرنا أمامكم ألف قرن وكبرتم | خلال شهر قرونا | |
يا تلاميذ غزة لا تعودوا لكتاباتنا ولا تقرأونا | نحن آباؤكم فلا تشبهونا | |
نحن أصنامكم فلا تعبدونا | نتعاطى القات السياسي والقمع ونبني مقابراً وسجونا | |
حررونا من عقدة الخوف فينا | واطردوا من رؤوسنا الأفيونا | |
علمونا فن التشبث بالأرض | ولا تتركوا المسيح حزينا | |
يا أحباءنا الصغار سلاماً | جعل الله يومكم ياسمينا | |
من شقوق الأرض الخراب | طلعتم وزرعتم جراحنا نسرينا | |
هذه ثورة الدفاتر والحبر | فكونتوا على الشفاه لحونا | |
أمطرونا بطولة وشموخاً | واغسلونا من قبحنا اغسلونا | |
يا مجانين غزة ألف أهلاً إن عصر العقل السياسي | بالمجانين إن هم حررونا ولى من زمان فعلمونا الجنونا |
يرمي حجراً أو حجرين | يقطع أفعى إسرائيل إلى نصفين | |
يمضغ لحم الدبابات | في لحظات ويولد وطن في العينين | |
في لحظات تظهر حيفا | تظهر يافا تأتي غزة في أمواج البحر | |
تضىء القدس | كمئذنة بين الشفتين | |
يرسم فرساً من ياقوت الفجر | ويدخل كالإسكندر ذي القرنين | |
يخلع أبواب التاريخ | وينهي عصر الحشاشين | |
ويقفل سوق القوادين | ويقطع أيدي المرتزقين | |
يرمي كراسات الرسم | وفرشاة الألوان | |
تصرخ مريم يا ولداه | وتأخذه بين الأحضان | |
يسقط ولد في لحظات | يطلع قمر من بيسان |
يدخل وطن للزنزانة | يولد وطن في العينين | |
ينفض عن نعليه الرمل | ويدخل في مملكة الماء | |
يفتح أفقاً آخر يبدع زمناً آخر | يكتب نصاً آخر | |
يكسر ذاكرة الصحراء | يقتل لغة مستهلكة | |
منذ الهمزة حتى الياء | يفتح ثقباً في القاموس | |
ويعلن موت النحو | وموت قصائدنا العصماء | |
يرمي حجراً | يبدأ وجه فلسطين | |
يتشكل مثل قصيدة شعر | يرمي الحجر الثاني | |
تطفو عكا فوق الماء قصيدة شعر | يرمي الحجر الثالث | |
تطلع رام الله بنفسجة | من ليل القهر |
يدخل وطن للزنزانة | يولد وطن في العينين | |
ينفض عن نعليه الرمل | ويدخل في مملكة الماء | |
يفتح أفقاً آخر يبدع زمناً آخر | يكتب نصاً آخر | |
يكسر ذاكرة الصحراء | يقتل لغة مستهلكة | |
منذ الهمزة حتى الياء | يفتح ثقباً في القاموس | |
ويعلن موت النحو | وموت قصائدنا العصماء | |
يرمي حجراً | يبدأ وجه فلسطين | |
يتشكل مثل قصيدة شعر | يرمي الحجر الثاني | |
تطفو عكا فوق الماء قصيدة شعر | يرمي الحجر الثالث | |
تطلع رام الله بنفسجة | من ليل القهر |
لن تجعلوا من شعبنا | شعب هنودِ حُمر…فنحن باقون هنا | |
في هذه الأرض التي تلبسُ في معصمها | إسوارةً من زهر…فهذه بلادنا | |
فيها وُجدنا منذُ فجرُ العمر | فيها لعبنا،وعشقنا،وكتبنا الشعر..مشرشون نحنُ في خلجانها | |
مثل حشيش البحر…مشرشون نحن | في تاريخها في خبزها المرقوق..في زيتونها | |
في قمحها المصفر | مشرشون نحن في وجدانها | |
باقون في آذارها | باقون في نيسانها | |
باقون في نبيها الكريم | في قرآنها | |
لا تسكروا بالنصر | إذا قتلتم خالداً…فسوف يأتي عمرو | |
وإن سحقتم وردةً | فسوف يبقى العطر | |
المسجد الأقصى شهيدٌ جديد | نضيفهُ إلى الحسابِ العتيق | |
وليست النار،وليسَ الحريق | سوى قناديل تضىء الطريق | |
من قصبِ الغابات | نخرجُ كالجنِّ لكم…من قصب الغابات | |
من رُزم البريد،من مقاعد الباصات | من عُلبِ الدخان،من صفائح البنزين،من شواهد الأموات | |
من الطباشير،من الألواح | من ضفائر البنات | |
من خشب الصلبان،ومن أوعية البخور | من أغطية الصلاة | |
من ورق المصحف نأتيكم | من السطور والآيات | |
فنحن مبثوثون في الريح | وفي الماء وفي النبات | |
ونحن معجونون بالألوان والاصوات | لن تفلتوا…لن تفلتوا..فكل بيتٍ فيه بندقية…من ضفة النيل إلى الفرات | |
لن تستريحوا معنا | كلّ قتيلٍ عندنا..يموتُ آلافاً من المرات |
إنتبهوا…إنتبهوا… | أعمدة النور لها أظافر | |
وللشبابيك عيونٌ عشر | والموتُ في انتظاركم في كلّ وجهٍ عابر | |
يا آل إسرائيل…لا يأخذكم الغرور | عقاربُ الساعات إن توقفت،لابد أن تدور | |
إن اغتصاب الأرض لا يُخيفنا | فالريشُ قد يسقط عن أجنحة النسور | |
والعطش الطويلُ لا يُخيفنا | فالماءُ يبقى دائماً في باطن الصخور | |
هزمتم الجيوش… | إلا أنكم لم تهزموا الشعور | |
قطعتم الأشجار من رؤوسها.. | وظلّت الجذور | |
لقد سرقتم وطناً | فصفق العالم للمغامرة | |
وبعتم الألوف من أطفالنا | فصفق العالم للمغامرة | |
وتنصبون مأتماً | إذا خطفنا طائرة |
تذكروا…تذكروا دائماً | بأنّ أمريكا ـ على شأنها ـ | |
ليست هي الله العزيز القدير | وأن أمريكا ـ على بأسهاـ لن تمنع الطيور أن تطير | |
قد تقتل الكبير…بارودةٌ | صغيرةٌ..في يدِ طفلٍ صغير | |
للحزن أولادٌ سيكبرون | للوجعِ الطويل أولادٌ سيكبرون | |
للأرض،للحارات،للأبواب،أولادٌ سيكبرون | وهؤلاء كلهم…تجمعوا منذ ثلاثين سنة | |
في غرف التحقيق،في مراكز البوليس،في السجون | تجمعوا كالدمع في العيون | |
وهؤلاء كلهم..في أيّ..أيّ لحظةٍ | من كلّ أبوابِ فلسطين سيدخلون | |
ظلّ الفلسطينيُّ أعواماً على الأبواب | يشحذ خبزَ العدلِ من موائد الذئاب | |
ويشتكي عذابه للخالق التوّاب | وعندما ..أخرج من إسطبله حصاناً | |
وزيت البارودة الملقاة في السرداب | أصبح في مقدوره أن يبدأ الحساب |
نحن الذين نرسمُ الخريطة | ونرسم السفوحَ والهضاب | |
نحنُ الذين نبدأ المحاكمة | ونفرض الثواب والعقاب | |
أنا الفلسطينيُّ بعد رحلةالضياع والسراب | أطلعُ كالعشبِ من الخراب | |
أُضىءُ كالبرق على وجوهكم | أهطلُ كالسحاب | |
أطلع كل ليلةٍ | من فسحة الدار،ومن مقابض الأبواب | |
من ورق التوت،ومن شجيرة اللبلاب | من بركة الدار،ومن ثرثرة المزراب | |
أطلعُ من صوت أبي | من وجهِ أمي الطيب الجدّاب | |
أطلع من كلّ العيون السود والأهداب | ومن شبابيك الحبيبات،ومن رسائل الأحباب | |
أفتح بابَ منزلي | أدخله من غير أن أنتظر الجواب | |
لأنني أنا… | السؤال والجواب |
هل من فلسطين مكتوبٌ يطمئنني | عمّنْ كتبتُ إليه…وهو ما كتبا | |
وعن بساتين ليمون،وعن حلم | يزدادُ عني ابتعاداً…كلما اقتربا | |
أيا فلسطينُ…من يهيك زنبقةً | ومن يُعيدُ لك البيتَ الذي خربا | |
شردتِ فوق رصيفِ الدمعِ باحثةً | عن الحنانِ ولكن ما وجدتِ أبا |
بدوي الجبل
مُدنُ القدسِ كالعذارى سبوها | وأرادوا لكلّ عذراء وغدا | |
كالسبايا لطمنَ خدّاً ومزّقنَ | شفوفَ الحرير برداً فبردا | |
ضجّ سوق الرقيق في ندوة القوم | ونُخّاسهُ طغى واستبدا | |
يعرضونَ الشعوب عرضَ الجواري | عُريت للعيون نحراً ونهدا | |
غيرةُ الله! أين قومي وعهدي | بهم ينهدون للشرِّ نهدا |
يا فلسطين هوى مسعر | من ربى الشام ونصر وولاء | |
وتحياتُ الرضا من دجلة | وسلامُ الله من غارِ حراء | |
أين من ثأرك والثأر دم | خالد الفتح وأين الأمراء | |
اليهود استأسدوا فيك فمن | جرأ الضعف وأشلى الضعفاء | |
هان عن شكواي عبدان العصا | أنا أشكو من عهود الحلفاء | |
جنة الفردوس أنتم أهلها | وسواكم في حماها غرباء | |
يا ربى القدس وما أندى الربى | دمنا فيها ربيع ونماء |
عمر أبو ريشة
والقدسُ ما للقدسِ يخترقُ الدّما | وشراعهُ الآثامُ والأوزارُ | |
أيُّ العصور هوى عليه وليس في | جنبيهِ من أنيابهِ آثارُ | |
عهدُ الصليبيين لم يبرح له | في مسمعِ الدنيا صدىً دوّارُ | |
صفَّ الملوك فما استباح إباؤهم | شرفَ القتالِ ولا أُهينَ جوارُ | |
ناموا على الحلمِ الأبيّ فنفرّت | منه الطيوفَ نبوّة فُجّار | |
صلبوا على جشعِ الحياةِ وفاءهم | ومشوا على أخشابهِ وأغاروا | |
ولكلّ كفٍّ غضّةٍ سكينةٌ | ولكلّ عرق نابض مسمارُ | |
مدّوا الأكفَّ إلى شراذم أمّةٍ | ضجّتْ بنتنِ جسومها الأمصارُ | |
ورموا بها البلدَ الحرام كما رمت | بالجيفةِ الشطَّ الحرامَ بحارُ |
وطن عليه من الزمان وقارُ | النورُ ملء شعابه والنار | |
تغفو أساطيرُ البطولة فوقه | ويهزها من مهدها التذكار | |
فتطلّ من أفق الجهاد قوافل | مُضر يشدُّ ركابها ونزار | |
والقدس ما للقدس يخترق الدما | وشراعهُ الآثام والأوزار | |
أيّ العصور هوى عليه وليس في | جنبيه من أنيابه آثار |
أمتي !كم غَصةٍ داميةٍ | خنقت نجوى عُلاكِ في فمي | |
أيُّ جُرحٍ في إبائي راعفٍ | فاتهُ الآسي،فلم يلتئمِ |
ألاسرائيلُ تعلو رايةٌ | في حِمى المهدِ،وظلِّ الحرمِ | |
كيفَ أغضيتِ على الذلِّ ولم | تنفضي عنكِ غبارَ التهمِ | |
فيمَ أقدمتِ وأحجمتِ ولم اسمعي نَوحَ الحزانى واطربي | يشتفِ الثأرُ ولم تنتقمي وانظري دمعَ اليتامى وابسمي |
خليل مردم بك
يا ليت شعري ماذا يستفزكم؟ | حمىً مباح ٌوإذلالٌ وإفقارُ | |
أرى الحجارة أحمى من أنوفكم | كم أرسلت شرراً بالقدح أحجار | |
إخوانكم في فلسطين تنالهم مهد المسيح ومعراج النبي وأولى كم ريع سربٌ بها بغياً،وكم هتكت أين السوابق للجلّى إذا نزلت | بالسوءِ والعسفِ أنيابٌ وأظفار القبلتين بها لم يأمن الجارُ من حرمة الحرم القدسي أستارُ إن الحوازب والأحداث مضمارُ |
خير الدين الزركلي
ماذا أقولُ،وأنتَ تعلمُ أنّها | ذَلَّ الأعزُّ بها وعزَّ ذليل | |
قل(للوليد) وقد تعالى قبره | عن أن تُلِم بهِ فلستَ تقولُ | |
المسجدُ الأقصى وأنتَ أقمتهُ | حرماً،خلا محرابهُ المأهولُ | |
أمستْ فلسطينٌ مناخاً للردى | وترابها بدمائها مجبولُ | |
في كلّ رابية جسومٌ مُزّقت | وبكلِّ نادٍ رنّةٌ وعويلُ | |
ما كان أشأمهُ وأسوأ يومه | (وعداً)فتعذّرَ التعليلُ | |
أيبيدُ قومٌ كي يحلّ محلهُ | قومٌ ويرى القاتلَ المقتول! | |
أما العقولُ فقد أضعتَ رشادها | يا ساخراً من أن يُقالَ عقولُ | |
توراة موسى يشتكيكَ ويحتمي | بالله والقرآن والإنجيلُ |
شفيق جبري
يا أمّة من تراثِ الدهر خالدة | مضت ولم تستبح آثارك الأمم | |
ظنوا اجتاحك مأموناً عواقبه | وما دروا أنهم في ظنّهم وهموا | |
كم غارة لهم في الشام عاصفة | فلم يُصبك على غاراتهم هرمُ | |
في كلِّ غورٍ من الأغوارِ معتركٌ | وكلّ نجد من الأنجادِ مصطدمُ | |
مضوا وخلّوا هشيماً من شبابهم حلّوا بأرضكِ حيناً ثم ما لبثوا | نما به العود والغيطانُ والأكم أن غادروا الأرضَ لم تثبت لهم قدمُ | |
لما رأوكِ وقد أعيتْ جحافلهم | ولّوا وقد أورثوا الغيظَ الذي كظموا | |
كأن أنسالهم من بعدهم حلفوا | أن يبعثوا الحقدَ نيراناً وينتقموا | |
فأقحموا في ديار الغرب شرذمة | من آل صهيون لا عهد ولا ذممُ | |
هذي حضارتهم والشرُّ يملؤها | ماتت على صرحها الأخلاقُ والشيمُ | |
يشردون شيوخاً من ديارهم | كأنهم في صحاري تيههم نعمُ |
فهذي فلسطين تنوحُ من الاذى | فما نضحتْ عنها عيونُ النوائحِ | |
فهل صيحةٌ في العُربِ تبعث مجدَهم | ألا رُبما هبّوا بصيحةِ صائحِ | |
أيعيثُ اليهود في حرمِ القدسِ | فساداً والنوم يأخذ منا؟ | |
لفظتهم جوتنبُ الأرض شُذاذاً | فتاهوا القرونَ قرناً فقرنا | |
ضجرت منهم الشياطينُ والأنس | فأنّى يحنو عليهم آنّى |
أنور العطار
يا دماء على فلسطين سالت | من شبابٍ زكيّة أعواده | |
من جريحٍ يودّ لو برىء الجرح | فخاضَ الوغى نديّاً ضماده | |
وطعينٍ على الثرى يتلوى | غابَ عن نفسهِ وضاعَ رشاده | |
مات لم تشهد الأحبّة بلواه | ولم يحمل الاسى عوّاده | |
هكذا المجدُ أن تموتَ فريداً | يا شهيداً يلذّهُ استشهاده |
فلسطين! يا دنيا المجادة والحبّ | ويا مهبط الإلهام والحلم العذبِ | |
عليك سلام العرب يندى مواجعاً | ويشرب دمع العين غرباً إلى غربِ | |
تطوفُ بك الذكرى ويهفو لك الهوى | كأنّي فيك الجسم خلواً من القلبِ | |
بنفسي وأهلي أرضها وسماءها | ويا لهفي للسهلِ منها وللهضبِ | |
حننا إليها وهي ملءُ ضلوعنا | كأنّ رؤاها حائمات على قربِ | |
فديتُك لم أمعنت في الهجرِ والقِلى | وعشت على صدر وأسرفت في العتبِ | |
ولم رحت لا تلوين إلا على النوى | أمن أمل رحب إلى أمل نهبِ | |
ديار الهوى لازلت مخضرة المنى | ترفُّ على مغناكِ فينانة العشب | |
أراك بعينِ الحبّ طيفاً مجسداً | يقاسمني كربي ويغفر لي ذنبي | |
فهل لفنا الماضي خيالاً على المدى | وألفنا كالهدب يعلق بالهدب |
أيا روضة الأحبابِ لولاك ما ارتوت | جفوني ولا روتك بالهاطلِ الصبِّ | |
ولا طاف بي التذكار حلواً كأنّما | أعيشُ بهِ في عالم مونق رحبِ | |
خيالك في عيني وذكراك في فمي | وبي منك ما يُغري المحبّ وما يُصبي | |
لأنت هوى قلبي الذي مضّه الهوى | وعللّه بالوصلِ كالعاشقِ الصبِّ | |
وما غبت عن طرفي وإن بعد المدى | ولكننا في الحبّ جنباً إلى جنبِ | |
وإن بتذكار الديار علالة | تروح عنها ما تعاني من اللهبِ | |
يهيج جواها الشوق والشوق عاصف | كأنّ على أنفاسه زفرة النحبِ | |
فيالك ذكرى ملؤها الوجد والاسى | مضرجة الأعطافِ بالنوح والندبِ | |
دهتك من الدنيا كوارث جمّة | وألقت بك الويلات في مزلق صعب | |
وما غير الأيام مهما تفاقمت | بأعظم مما ذقت من فادح الخطبِ |
أيغدو مطاف المجدِ نهباً مقسماً | ولا تغضب العرباء للنهبِ والسلبِ | |
وكانت إذا نابت دياراً أذلة | تفجرّت الأرواح بالسمر والقضبِ | |
حنانيك ربي باليعرب لم تفق | وما خلفت إلا من الشب واللهب | |
فما بالها إن هاجها البغي لم تهج | وإن قرعت بالسبِ نامت على السبِّ | |
أحقاً توانت عن منازلة العدا | أصدقاً،وليت الصدق طوعاً على الغضب | |
وهل غصب العادي ديار أحبتي | وقرّت نفوس العرب طوعاً على الغصبِ | |
فصبراً على البلوى وإن جلّ أمرها | وصبراً على الآلام والنوب الغلب | |
فقد ينجلي الليل الطويلُ عن السنا | وتزدهر الأعواد في المَهمة الجدب | |
إذا لم يكن في السلم خير ونعمة | فما الخير إلا في ممارسة الحرب | |
فبعداً لمن قد عاشَ في الضعفِ والونى | وتبعاً لعان لا يطيق من الرعب |
إذادهمته الداهمات تلجلجت | به النفس وانهارت تقول له حسبي | |
ويا فوز من أسقى العدا أكؤس الردى | ولم يعي بالأيام نكباً على نكبِ | |
يظل شديد البأسِ بالحقّ جاهراً | ويختالً في وشي المخيلة والعجبِ |
عصام العطار
فُقتَ القصورَ الشامخاتِ جلالا | وغدوتَ رمزاً خالداً ومثالا | |
أمخيمَ الأبطالِ دُمِّرَ صامداً | كم ذا ستصنعُ بعدكَ الأبطالا | |
أمُخيمَ الأبطالِ ألفُ تحيةٍ | تسمو إليك وتنحني إجلالا | |
إن كانَ بعضُ الناسِ يَحسنُ قولُهُ (مخيم جنين) | فلقد شأوتَ بفعلكَ الأقوالا |
تأتي جراحٌ فتثوي في أضالعنا | على جراحٍ ولا ننسى فلسطينا | |
الدينُ يهتفُ أن هُبّوا لنصرتها | والقدسُ تهتفُ لا تلقى المُجيبينا | |
يُميتنا الحزنُ تفكيراً بحاضرنا | ويبعثُ الغدُ آمالاً فيحيينا |
عمر بهاء الدين الأميري
الله أكبر…دوّت تزلزل الكفارا | هي للغيوب تنادي:إن الزمان استدارا | |
فصحوة تتنامى | قد عمّت الامصارا | |
والله يهدي ويرى | رجالها الأبرارا | |
وفي فلسطين زحفٌ | يشتدُّ…ليل نهارا | |
تلاحمٌ …وامتدادٌ | فالكلُّ جدَّ وثارا | |
بأسٌ عنيدٌ…وطيدٌ | قد وحدّ الأعمارا | |
فرُبَّ طفل غريض | للحقِّ ردّ اعتبارا | |
صار النساءُ رجالاً | قادَ الصغارُ الكبارا | |
من كلِّ فجٍّ …عميق | أفواجهم تتبارى | |
ليس ذلك”انتفاضا” العزمُ فلّ حديداً فكلُّ قذفة زند يا قوم! للقدس شدّوا الرحال | بل الجهاد استطارا والكفُّ ترمي حجارا تصدُّ ثم عيارا وارموا الجمارا |
قد كابروا الله واستعلوا على سفهٍ | مُنىً كواذب،ودعوى غير مُعتنقِ | |
وأعلنوها،وما خاضوا معامعها | ولا أعدوا لها إعدادَ ذي حذقِ | |
فكان من أمرنا ما كان من فشلٍ | هذه جحافلهم مهزومة المِزقِ | |
بهم هُزمنا،وما زلنا،وما اتعظت | عُمي النفوس! إلا أنّ الشقيَّ شقي | |
فيا فجيعة شعبٍ،مدَّ كاهله | ليصعدوا منه،في أبنائهِ العُققِ | |
ويا حبائلهم لفّي الشباكَ على | أعناقهم،واخنقي الطغيان واختنقي | |
جُرْحٌ،وأعمقُ من صبرٍ،ومن جَلدٍ | خرقٌ،وأكبر من عمرٍ ومن رتقِ | |
لقد نُكبنا،بما قد نابَ أمتنا | والخطبُ من قلبنا في أعمقِ العُمقِ | |
لا يأسَ،فالحربُ أقدارٌ ودائرةٌ | وإنّهُ طبقٌ يأتي على طبقِ | |
مُكبلون…ولكن في غدٍ نبأ | يا نجمُ مزّق ظلامَ الليلِ وائتلقِ |
لسنا نُبالي،وللقرآن في دمنا | جُذىً من العزمِ تطوي شقة اللحقِ | |
غداً سيشرقُ بالإسلامِ طالعنا | رغمَ الصعاب،وتجلة غرّةُ الفلقِ | |
والنصرُ بالصبرِ والإيمان معقدهُ | والمجدُ بالعزم والإعداد والسَبقِ | |
ورُبَّ قائلةٍ:أفرطتَ في أملٍ | أما ترى السدَّ سدّاً غيرَ مُخترقِ | |
فقلتُ: من عزمكَ اللهم عزمتنا | ولستُ غيرك في الجُلّى بممتشقِ | |
وطالبُ الحقِّ لا يخشى غوائله | في الله،كم طالبٍ للحقِّ فيه لقي | |
هي الطريقُ،طريق الله،واحدةٌ | وأشقياء غرور العقلِ في طُرُقِ | |
يبلى الجديدان والقرآن جدّتهُ | تنمو هدايتها،كالدِّيمة الطبقِ | |
تحبو الوجود حياةً لا زيوفَ بها | خيرٌ يعمُّ البرايا خالدَ العبقِ |
النواميس أبرمت،فاستجابت | للنواميس حكمةُ الأقدار.. | |
فجرى الأمر في الوجود سويّا | واثق الخطو،نيّرَ الإصدار | |
واستبانت نهج السداد عقولٌ | فجنى سعيها ثمار السداد | |
وتنى فدْمٌ مكابرٌ يسعى | في سفاه الغرور…دون اتئاد | |
خبط عشواء…يا لضيعة جهدٍ | هدرته في خبطها العشواء | |
ركبت رأسها …فأتعبت الأقدام | نالت سدىً وخاب الرجاء!! | |
يا فلسطين!كم وكم من شعارٍ وقرار | ومن لقاءات”قادة” تتوالى | |
لكنها تتوانى وتولى | وتستمر الإبادة! | |
وحروب العناد،تضني …وتغني | ودنى المسلمين تزداد وهنا | |
والشباب الوثاب يُخنق | ظلماً همجياً..شنقاً وسحقاً و… |
يا فلسطين! من ثراك …,لكن | من سماء المعراج | |
من دين طه | طلع الفجر،فالسنا مشمخرٌ | |
طلع البدرُ | وانمحا الكفرُ ..شاها | |
صبية المجد يا فلسطين | صاغ الله منهم للعالمين …بشارة | |
بايعوا الله واستماتوا | وما في يدهم غير عزمهم…والحجارة | |
وسيمضون في جهاد مديد | واثق الخطو…مستنير..عنيد | |
قدرُ الله صاغ منهم قضاءً | وانبلاجاً…لفجرٍعيدٍ مجيد |
وفلسطين قد يرى من يراها | حِطة الذلّ بعد عزِّ الصعود | |
مهبط الروح والرسالات والإنجيل | مهدُ المسيحِ خيرُ المهود | |
معرج الصادق الأمين المفدّ | سيد الخلق طارف وتليد | |
كل شبر فيها حشاشة نفس | كل ركن فيها مقام سجود | |
والصدى رنّ في “المكبر” ف | تكبيرة الزحف شدو كل شهيد | |
أين،أين القوّادُ خاضوا لظاه | ورموا جحفل العدا بالجنود | |
بالجنود المظفرين كلمع البرق | زحفاً،وهم كقصف الرعود؟ | |
ما فلسطين في الحقيقة والتاريخ كيف حالت أحوالنا فشطرنا | إلا إرث الجهاد الجهيد القدس والعيد لم يزل يوم عيد | |
ورمينا “حيفا”و”يافا” و”عكا” ونسيغُ الطعام!والموت سوّى | طعمة الذل للنهوم الحقود بين حتف الشجاع والرعديد؟ | |
من يُجيرُ “ألاٌقصى”ويحمي حمى”المهد” | ويرعى صرح الفخار المشيد |
طفل فلسطين المارد | صائحاً:الله أكبر | |
ضاق بالقمقم…واستعلى عليه | فتكسّر | |
وانبرى من سجنه | مثل شهاب وتحرّر | |
عقد العزم أبيّاً | ومضى لا يتعثر..صائحاً الله أكبر | |
أنِفَ الزيف ووأد الحق | مذ كان وليداَ | |
ونما ..ثم نما في الرفض | جباراً عنيداً | |
يركب الموت ليحيا رافع الرأس | مجيداً | |
لا يبالي …كان حي الجسم | أم حيّاً شهيدا | |
صائحاً :الله أكبر..قهر الصعب | ببأسٍ من حديدٍ..ليس يقهر | |
يتحدى النار كالإعصار | يصلاها ويجار..ضارعاً لا ينثني..يمعن في الزحف المظفر |
عقد العزم …وولى وجهه الله وكرّ | وتخطى عقبات الكفر …لا يرهب كفرا | |
وتلقى الجرح إثرَ الجرح | يعدو مستمرا | |
مقبلاً قد بايع الله | وأبلى مشمخرا | |
كفه اليسرى تضم الجرح | في الصدر المعفر | |
واليد اليمنى بها القرآن | ملء الكون…يزأر | |
وهو يشتد …ولا يرتد | يمضي كالغضنفر | |
إنه ينقض…لا ينفض | مثل الصاعقة | |
من سماوات الهدى والحق | خرّت حارقة | |
ليرد البغي بالقسط | ولا …ليس ليثأر | |
قد تحدته المنايا | فتحداها ..وزمجر…صائحاً:الله أكبر |
يقولون:حلمٌ!! ألا إنها | لرؤيا،ستصدقُ فيها الوعود | |
غداً سوف يظهرُ دينُ الإله | ويُقهر في الكونِ كيدُ اليهود |
وأذكرُ القدسَ والأقصى ونكبتنا | ومن تخيّرهم إبليس من خَولِ | |
يكادُ يحرقهم غيظي بنارِ لظى | ما أورثوا العُربَ من ذلٍ ومن زللِ | |
وهِمّتي لهفة عجلى مكبّلة | تغِذ ـ والدرب من شوك ـ على مهلِ | |
والعقلُ يرتقبُ الأهوالَ في غدّهِ | فأمتي مَزَع في خطبها الجللِ | |
رؤوسها ـ والأنانياتُ تحكمها ـ | فؤوسها،وشعوب خُضن في الوحلِ | |
والصخبُ في غفلات من مشاغلهم | وصفوة القوم في التفنيد والجدلِ | |
وأسرتي مغرب الدنيا ومشرقها | توزعاها ،بما فيها من الخللِ | |
وكاهلي الكهل والأعباءُ ترهقه | وغربتي،والأسى ،والجسم في العللِ | |
ما حيلتي ووطيد العزم يحفزني | والأمرُ أكبر من عزمي ومن حبلي؟ |
جورج صيدح
بنو فلسطين قطعان مشردة وكفُّ صهيون بالأقداسِ عابثةٌ | عن الحياة وملاكُ الموت راعيها كأنّما الله أمرٌ ليسَ يعنيها | |
أما الملوكُ فلا حسٌّ ولا بصرُ | كولا حديثٌ سوى الأسلابِ تحصيها | |
خطيئة العرب لا الأردن يغسلها | ولا صَبا بردى بالنشرِ يطويها | |
يحمّرُ في النيل وجه الماء إن ذكرت | وينحني رأس صنين لراويها | |
أقدارنا صنع أيدينا فما جرحت | إلا بسهم وضعناهُ بأيدينا | |
منا الفداة ومن في الظهر يطعنهم | منا الضحايا ومنا من يُضحيّها | |
منا الخفيرُ ومنا من يغافله | يبيعُ أثواب موتانا ويشريها |
خدعتم فلسطين يوم استجارت بكم | والخداع له آخرُ | |
فلن تلدغوا مؤمناً مرتين | بحجر،لقد أرشدَ القاصرُ | |
وإن كان بعثُ الحمى عن يديكم | دعونا نمت،فالردى ساترُ |
تحت ستر الليلِ،ستر المجرمين | طرقَ الفجّارُ بيتَ المقدسِ | |
يا فلسطينُ على من تعتبين | إن تكن نامت أعينُ الحرسِ؟ | |
ب | ||
ر | و |
رفرف الشرُّ على مهد الصلاح | ورمى فيه الجناة السفلة | |
ليس إسرائيل مشكول السلاح | غير عزرائيل ينضو منجله | |
ندبت في دير ياسين الرياح | أهله،لم يبق غير القتلة | |
ذبحوا ولدانه والوالدين | ما نجا طفل ولا شيخ أُنسي | |
والصبايا في ذمار الفاتحين | كالمها في مخلب المفترسِ | |
يا ذئاباً لبسوا جلد الأسود | ثمّ ولّوا وجههم شطرَ الغنمِ | |
وجنوداً يتحامون الجنود | ويغيرون على الخدر الحرم | |
مدية الجزار،ميراث الجدود | مالكم لم ترسموها في العلم | |
إنها رمزٌ لشعبٍ يستكين | رابضاً للفتكِ تحتَ الغلسِ | |
كلما عفّرَ في الترب الجبين | رمق النصل بطرفٍ شرسِ |
دير ياسين على الدنيا العفاء | إن تكن دنيا الزنيم الأجنبي | |
ثأرُكِ الصارخ في سمعِ السماء | جمرةً تكوي قلوب العربِ | |
قسماً ماهدرت تلك الدماء | وهي في ذمّةِ عيسى والنبي | |
قد هززنا عرش ربِّ العالمين | بدعاء من قرارِ الأنفسِ | |
ربِّ هب أبطالنا النصرَ المبين | وقِنا ثانيةَ الأندلسِ |
ديرُ ياسين على الدنيا العفاء | إن تكن دنيا الزنيم الأجنبي | |
ثأركَ الصارخ في سمعِ السماء | جمرة تكوي قلوبَ العرب | |
قسماً ما هدرت تلك الدماء | وهي في ذمّةِ عيسى والنبي |
عليك سلام العرب يندى مواجعاً | ويشرب دمع العين غرباً إلى غربِ | |
ولم رحت لا تلوين إلا على النوى | أمن أمل رحب إلى أمل نهب؟ | |
ديار الهوى لا زلت مخضرة المنى | ترفُّ على مغناكِ فينانة العشبِ | |
خيالك في عيني وذكركِ في فمي | وبي منك ما يغري المحبّ وما يُصبي | |
وما ذكرتك النفس إلا تولّهت يهيج جواها الشوق والشوق عاصف | وهيمها راح فباتت بلا لب! كأن على أنفاسهِ زفرةُ النحب | |
دهتك من الدنيا كوارث جمّة | وألقت بك الويلان في مسلك صعب | |
فقد ينجلي الليل الطويل عن السنا | وتزدهرُ الأعوادُ في المهَمه الجدب | |
إذا دهمته الداهمات تلجلجت وطوف رباع الخلد تطواف عاشق | به النفسُ وانهارت تقول له حسبي حسير الاماني وابك بالدمع السكب | |
إليك أؤدي بعض ما تستحقه | رفيقاً من التحنان والنغم العذب | |
وأنت جدير بالدراري فليتني (نكبة فلسطين ـ الرسالة العدد 964) | أصوغُ بياني من سنا الأنجم الشهب |
أمجد الطرابلسي
ثارَ فهل تستطيعُ إخمادهُ | عزمٌ أرادَ الله إيقادهُ | |
لا يأتلي مُضطرماً لاهباً | أو يلقف الظلمَ وأجنادهِ | |
ويصرعَ البغيَ وأنصارَهُ | ويحطمَ الذلَّ وأصفادهِ | |
قد وثبَ الشعبُ يردُّ الأذى | وينزعُ الغلَّ الذي آدَهُ | |
يُرخصُ للأوطانِ آمالهُ | طوعاً،ودنياهُ وأولادهُ | |
والدَمَ فواراً يُرّوي الحمى | أغوارهُ العطشى وأنجادَهُ | |
يسكبهُ كلّ فتىً سيّدٍ | لا يرهبُ البغيَ وإيعادهِ | |
الدّمُ في أعراقهِ صارخٌ | يدعوهُ أن يبعثَ أمجادهُ | |
والثأرُ في خَفّاقهِ ثائرٌ | يدعوهُ أن يُطفىءَ أحقادهُ | |
والسيفُ، قبلَ النصرِ،في كفّهِ | أقسمَ لا يسكنُ لأغمادهُ |
بدر الدين الحامد
رانت على أجواءِ يعرب غمّةٌ | ترمي صفاءَ سمائهم بدخانِ | |
يتفرّقون ويلتقون كأنّهم | خيل الحران تُشدّ بالأشطانِ | |
يا ويلنا شاد اليهود حصونهم | في دارنا والعرب في هذيان | |
هم يبتنون ونحن نهدم ملكنا | أنا من ذرا قيسٍ وأنتَ يماني |
عبد المعين الملوحي
هناك،بدت لي فلسطينُ،داري | تُسامُ هواناً،وتلقى وبالا | |
مراحلُ،أولهُنَّ اللجوءُ | رضعناهُ ذلاً سنينَ طِوالا | |
ونأكلُ خبز الإغاثةِ نارا | ونشربُ ماءَ”اللجوء” نصالا | |
صبرنا على حملِ ماسأتنا | فضجّتْ،وكانت أقلَّ احتمالا | |
وثُرنا،نعودُ لارضِ الجدودِ | ونطوي الطريقَ إليها نزالا |
شفيق الكمالي
عُذراً فلسطين أن أستنفرَ الألما | أن أُوقظَ الهمَّ حتى أُوقظَ الهِمما | |
عُذراً لِجرُحكِ أن يحتلَّ ساحتهُ | ما يُورثُ اليأسَ أو ما يُورثُ الندما | |
قالوا انتهى عُرسها وانفضَّ سامرُها | وأسلمت أمرها قسراً لمن دهما | |
وما دروا أنّ حدَّ السفِ مهلكةٌ | أكانَ مُرتهفاً أو كانَ مُنثلما | |
هذا العراقُ…وهذي الشامُ ما عرفتْ | ذؤابةَ المجدِ عزماً كالذي عزما | |
ولا تلاحمَ كفّا ماردٍ غضبٍ | لجرحهِ حولَ سيفٍ مثلما التحما | |
بغدادُ مُذْ شادها المنصورُ ما رفعت | لغيرِ أُمتها فوق الثرى علما | |
والشامُ منها ابتدأنا أمّةً عرفت | سيفاً يصونُ وفكراً مثلهُ جذما | |
تشابكت في الفضاء الرّحبِ خافقةً | راياتنا وهى معراجنا الأمما | |
بعنفوان الهدى هزّت جحافلنا | صرحَ الطواغيتِ في الشرقينِ فانهدما |
واليوم نجمان في آفاقنا التمعا | كَشعبتي ذي الفقارِ انسلّ منتقما | |
يا شفرتي سيف هذي الأمة انتفضا | فأنتما جذوةَ العزِّ الذي انصرما | |
يا حاملي مشعلَ التاريخ غاظتهما | أن الظلامَ طغى في الأرض فاقتحما |
علي محمود طه
أتُغصبُ من أهلها أرضهم | وتُسلم للغيرِ نهباً حلالا؟ | |
أليستْ لهم أرضهم حرّة | يسودون فيها الدهور الطوالا؟ | |
فلسطينُ مالي أرى جرحها | يسيلُ ويأبى الغداة اندمالا | |
تنازعها حيرةُ الزاهدينَ أعزَّت أُساتك أداؤها | وتنهشها شهواتٌ تقالى هو الحقُّ ما كانَ داءً عُضالا |
أخي جاوز الظالمونَ المدى | فَحقّ الجهادُ،وحقَّ الفِدا | |
أنتركهم يغصبونَ العروبة | مجدَ الأبوّةِ والسؤددا؟ | |
وليسوا بغيرِ صليلِ السيوفِ | يُجيبونَ صوتاً لنا أو صدى | |
فجرّدْ حسامكَ من غمدهِ | فليسَ لهُ بعدُ أن يُغمدا | |
أخي،أيها العربيُّ الأبيُّ | أرى اليومَ موعدنا لا الغدا | |
أخي،أقبلَ الشرقُ في أمّةٍ | تردُّ الضلالَ وتُحي الهدى | |
أخي إنّ في القدسِ أختاً لنا | أعدّ لها الذابحونَ المُدى | |
صبرنا على غدرهم قادرينَ | وكنّا لهم قدراً مُرصدا | |
طلعنا عليهم طلوعَ المنونِ | فطاروا هباءً وصاروا سُدى | |
أخي قمْ إلى قبلةِ المشرقينِ | لنحمي الكنيسةَ والمسجدا |
أخي ،قمْ إليها نشقُّ الغمارَ | دماً قانياً ولظىً مُرعدا | |
أخي ظمئت للقتالِ السيوف | فأورِدْ شباها الدمَ المُصعدا | |
أخي إن جرى في ثراها دمي | وشبّ الضرامُ بها مُوقدا | |
ففتشْ على مهجةٍ حُرّةٍ | أبتْ أن يمرًّ عليها العِدا | |
وخذْ رايةَ الحقِّ من قبضةٍ | جلاها الوغى ونماها الندى | |
وقبّلْ شهيداً على أرضها | دعا بإسمها الله واستشهدا | |
فلسطينُ يفدي حماكِ الشبابُ | وجلّ الفدائيُّ والمُفتدى | |
فلسطينُ تحميكِ منا الصدورُ | فأما الحياة وإما الردى |
فلسطينُ لا راعتكِ صيحةُ مُغتالِ | سلمتِ لأجيالٍ، وعشتِ لأبطالِ | |
ولا عَزَّكِ الجيلُ المُفدّى ولا خبت | لقومكِ نارٌ في ذوائبِ أجبالِ | |
صحت بادياتُ الشرقِ تحت غيارهم | على خلجاتِ الرُّوحِ من تُربك الغالي | |
فوارسُ يستهدي أعنّةَ خيلهم | دمُ العربِ الغادينَ والسؤدد العالي | |
بكلِّ طريقٍ منهُ صخرٌ مُنّضرٌ | وكلِّ سماءٍ جمرةٌ ذاتُ إشعالِ | |
هو الشرقُ لم يهدأ بصبحٍ ولم يَطِبْ | رقاداً على ليلٍ رماكِ بزلزالِ |
غداةَ أذاعوا أنك اليوم قسمة | لكلِّ غريب دائم التيه جوّال | |
قضى عمره، جمّ المواطن ـ واسمه | مواطنها ـ مابين حلٍّ وترحال | |
وما حلّ داراً فيك يوماً، ولا هفت | على قلبه ذكراك من عهد إسرالِ | |
وأيها الغرب المواعد لا تزد | كفى الشرقُ زاداً من وعود وأقوال | |
شبعنا وجعنا من خيال منمق ومنه | اكتسينا ثم عدنا بأسمالِ | |
فلا تعذب الضعفى وتغصب حقوقهم | فتلك إذا كانت …شريعة أدغال |
محا الله وعداً خَطّهُ الظالمُ لم يكن | سوى حُلُمٍ من عالمِ الوهمِ ختّالِ | |
حمتهُ القنا كيما يكونَ حقيقةً | فكانَ نذيراً من خطوبٍ وأهوالِ | |
وفتّحَ بين القومِ أبوابَ فتنةٍ | تُطلُّ بأحداثٍ وتُومي يأوجالِ | |
أراد ليمحو آية الله مثلما | أرادَ ليمحو الليلُ نورُ الضحى العالي | |
فيا شمسُ كُفّي عن مداركِ واخمدي | ويا شُهبُ غُوري في دياجيرِ آجالِ | |
ويا أرضُ شُقّي من أديمكِ وارجعي | كما كُنتِ قبل الرُّسلِ في ليلكِ الخالي | |
ضلالاً رأوا أن يسلو الشرق مجده (في وعد بلفور) | وما هو بالغافي وما هو بالسالي |
ألا يا ابنةَ الفتحِ الذي نوّرهُ الثرى | وطهّرَ دنيا من طغاة وضلالِ | |
وأكرم قوماً فيكِ كانوا أذلّة | فحررهم من بعد رقِّ وإذلالِ | |
لك الشرقُ،يا مهد القداسة والهدى | قلوباً تُلبّي في خشوعٍ وإجلالِ | |
لكِ الشرقُ يا أرضَ العروبةِ والعلى | شعوباً تفدّي فيكِ ميراث أجيالِ | |
وما هو من مستعمر جاء بالهوى | ولا هو من مستثمر في قيود وأغلالِ | |
سليه،تهج ما بين عينيك أرضه | مخالب نسر أو براثن رئبالِ | |
سليه،يمج ما بين سمعيك أفقه | زئير أسود أو زماجر أشبال | |
سليه الدم المهراق بذله غالياً | ويضرب به الحق أروع أمثال | |
ألا أيها الشادي الذي طرب الورى | بحلوِّ حديث عن حقوقٍ وآمالِ | |
وقال لنا: في عالم الغدِ جنة | غزيرة أنهار وريفة أظلال |
سمعنا خدعنا،وانتبهنا،فحسبنا | لقد ملّت الأسماع قيثاركَ البالي | |
ويا أيها الغرب المواعد لا تزد | كفى الشرق زاداً من وعود ,اقوالِ | |
شبعنا وجعنا من خيالٍ مُنّمق | منه اكتسينا ثم عدنا بأسمالِ | |
فلا تندب الضعفى وتغصب حقوقهم | فتلك إذا كانت شريعة أدغالِ |
فلسطين مالي أرى جرحها | يسيلُ ويألى الغداة اندمالا | |
تنازعها حيرة الزاهدين | وتنهشها شهوات تقالى | |
أعزّتْ أُساتك أداؤها؟ | هو الحقُّ ما كان داءً عُضالا |
هي الشرق،بل هي من قلبه | وشائج ماض تأبى انفصالا | |
وتاريخ دنيا وأمجادها | بنى ركنها خالد ثم عالى | |
وعى الحقّ للمصطفى دعوة | لنصرتها والعوادي توالى | |
تبارى لها المسلمون احتشادا | وهبّ النصارى إليها احتفالا | |
من الشام والأرز والرافدين هم العرب الصيد لا تحسبن نماهم على البأسِ آباؤهم ألا أيها الشامخُ المطمئن ومالك تنسى على الأمس يوماً | وأقصى الجزيرة صحباً وآلا بهم ضعة أو ضنى أو كلالا قساورة وسيوفاً صقالا رويداً فإنَّ الليالي حبالى بهِ كاد ملكك يلقى زوالا |
ألا يا ابنة الفتحِ الذي نوّرَ الثرى | وطهرَ دنياهُ من طغاةٍ وضُلّالِ | |
وأكرمَ قوماً فيكِ كانوا أذلةً | فحرّرهم بعد رِقٍّ وإذلالِ | |
لكِ الشرقُ،يا مهد القداسةِ والهدى | قلوباً تُلبي في خشوعٍ وإجلالِ | |
لكِ الشرقُ،يا أرضَ العروبةِ والعلى | شعوباً تُفدّي فيك ميراثَ أجيالِ |
يا أيها البطلُ الصنديدُ جئتَ | بما تحدثت عنهُ أدهارٌ وأقوامُ | |
هزّتْ فلسطينَ أنباءٌ يطيرُ بها | برقٌ على جنباتِ الليلِ بسّامُ | |
عادت لها ذكرياتُ الأمسِ وانبعثت | بها صحائفُ من نورٍ وأقلامُ | |
وأنفُسٌ قُرشياتٌ يُطربها | صوتٌ يرنُّ به رمحٌ وصمصامُ | |
قد أقسمتْ لا ينالُ الدارَ مغتصبٌ | حتى وإن شرقتْ بالنارِ أعلامُ | |
في الله، في الحقِّ، في الإسلامِ كلُّ دمٍ | يسيلُ فيها، زجرحٍ ليس يلتامُ | |
ظنوكَ أقصيتَ عنها فهي نائمةٌ (مخاطباً الحاج أمين الحسيني الذي لجأ إلى مصر) | وكيف! وهل في ربوعِ القدسِ نوّامُ |
وتلك أطماعهم في كل ناحية | السيف منهنَّ فوق الخلق قوّامُ | |
قالوا غدرت ولم أفهم لمنطقهم | حكماً ولكنّما للقوم أحكامُ | |
أفي دفاعكَ عن أهلٍ وعن وطنٍ | غدر؟إذن فجهادُ الظلم إجرامُ | |
قالوا: هو الحقّ ما نسعى لنصرته | يا بؤسه كم هوان أهله ساموا | |
يا شرقُ يا شرق لاتخدعكَ دعوتهم | واقبض يداً،فحديثُ الحقِّ أوهامُ | |
يا شرقُ سل بالحسينيّ الذي صنعوا | واسمع لحقّكَ،لا يخدعك هدّامُ | |
سلهم عن الشرف الموعود كم غدروا | به؟كم اجترحت في السّلم آثامُ | |
وأنتَ أيها الفادي عروبته | اسلمْ فديتُك،لا غبن ولا ذامُ | |
جهادُكَ الحقّ مظلوماً ومغترباً | وحي لكلِّ فتى حرّ وإلهام |
حيّتك في الشرقِ آمال وأحلام واستقبلتك على الوادي وضفته وحقبة من جهاد أشرقت وهفت تعانق القائد المنفي في بلد | وقبلتك جراحات وآلامُ عروبة وثبت فرحى وإسلامُ بها ليال من الذكرى وأيام حماه للحرّ إعزازٌ وإكرامُ | |
ديار”فاروق” من يلجأ لساحتها | فقد حمته من الأحداث آجامُ | |
يطيبُ للعربي المستجير بها | معاشه ويرق الماء والجام | |
ويحطم القلم العاني بحومتها | أصفاده ويفك القيد ضرغام | |
وأنت، يا أيها الفادي عروبته | اسلمْ فديتك لا غبن ولا ذامُ | |
جهادكَ الحق مظلوماً ومغترباً | وحي لكلّ فتى حر وإلهامُ |
يا عُصبة الوحدة الكبرى وعصمتها | هذي طوالعكم جلواء غرّاء | |
فاقضوا حقوق إخاءٍ تستجيرُ بهِ طعلمُها من فُتاتِ العيشِ مسغبةٌ حربانِ أثخنتاها أدمعاً ودماً | أختٌ لكم في صراعِ الدهر عزلاء وريُّها منهُ إيلامٌ وإشقاءُ تنزو بها مهجةٌ كلمى وأحشاءُ | |
هذي فلسطينٌ أو هذي روايتُها | ماذا تقولون إن لم يُحسمِ الداءُ | |
تطلّعتْ لكمُ ولهى، أليسَ لها | على يديكمُ من العلّاتِ إبراءُ؟ | |
حملتمُ العهدَ فيها عن أبوّتكم | إنّ البنين لحملِ العهدِ أكفاءُ |
محمود حسن إسماعيل
أنتِ يا مصر واصفحي إن تعتبتُ | وأشجاكِ من نشيدي المُلام | |
قد رعيتِ الجميل في كلِّ شىءٍ | غير ما أحسنت بهِ الأقلامُ | |
من روابيك خفَّ للخلدِ روحٌ | قد نعاهُ لعصركِ الإسلامُ | |
لبست بعدهُ العروبةُ ثوباً | صبغُ أستاره أسىً وقتامُ | |
لم تُفق من شجونها فيهِ بغداد | ولا صابرت أساها الشامُ |
فَقُمِ اليومَ وانظرِ الشرق! ضاعت | من يديهِ مواثقٌ وذِمامُ | |
مزّقت قلبهُ الذئابُ من الفتكِ | ونامَ الرعاةُ والأغنامُ | |
في فلسطين لو علمتَ جراحٌ | مالها في يدِ الطغاةِ التئامُ | |
وطنُ الوحي والنبوّاتِ والإلهامِ | أودى،فعاثَ فيهِ الطغامُ | |
جذوةٌ في جوانحِ الشرقِ تغلي | فيروعُ السماءَ منها اضطرامُ | |
يُذبحُ القوم في المجازر | ـ فرط الظلم فيها ـ كأنّهم أنعامُ | |
ويُهان”المسيحُ” في موطنِ القدسِ | ويشقى بأرضهِ الإسلامُ | |
وحماةُ البيانِ خرسٌ كأنّ | الذودَ عن كعبةِ الجدودِ حرامُ |
أخي! قد مزّقت ريح الدجى بيتي وأيامي | وسأقتني على الأرضِ بهذا الهيكل الدامي | |
وهذا الشبح المطرود في هذا الأسى الطامي | ينادي…أين ملك الله تخبط فيه أقدامي؟ | |
وأين الأرض تحملني وتدفن بعض آلامي؟ | وبعض خطاي في هذا الدجى المتفجر إلهامي | |
هنا في كهوة الأقدارِ بينَ السيلِ والويل | وبين عواء شيطان طريد الجن مختل | |
يقعقع للرعود السود مأخوذاً من الهول | سمعت فحيح ثعبان على رئتي مُنّسل | |
تدفق جسمه المقرور بين ..السل | وبين شتاء بستان يدفء الموت مخضل | |
أخي! قد غال ذئب الجوع أطفالي مع الفجر | وبعثرهم جنون السيل بين مداخل الصخر | |
فلا أدري لهم شجناً على نعش ولا قبر | كما كانوا هنا…عادوا، بلا سكن ولا عمر | |
ظللتُ أنوحُ…يا رُباه!بعض نداك للجمر | فجاء الموتُ يغفر فاه للظلمات والقفر | |
أخي …في عزلة حمراء بين ستار ألحان | وتحت جناح مصباح بغى الضوء نشوان | |
سمعتُ صداك من قدح إلى الشهوات ظمآن | تدور به على جسد بسحر العار ريّان | |
وحولك أمّة سكرى على رشفات الطغيان | يدورُ بها على فلك شقي الخطو حيران | |
ضبابُ الذل غشانا وصوت العار أخزانا | ولم يترك لنا الطاعون شيئاً فوق دنيانا | |
أذاقونا عذاب التيه…والتشريد ألوانا | إذا صحنا من الجوعِ أكلنا القوت حرمانا | |
وإن نخنا من العرى لبسنا الموت أكفانا | وإن رمنا ندى الناس وجدنا الناس ذؤبانا | |
سلوهم…واسألوا ما شئتم الإسلام والعربا | وكيف على ترابِ الذل لم يتمزقوا غضبا | |
وكيف غدت فلسطين بهم تتجرّعُ النوبا | تنوحُ على سياستهم وتشكو القيد واللهبا | |
وهم لمذبح الشهواتِ ساقوا اللهب واللعبا | وقالوا: الشرق! قلتُ:صحا على أفواهكم كذبا |
صوتٌ بأرضِ القدسِ مشتعلُ الصدى | كادتْ لهُ الأكبادُ أن تتوقدا | |
لما تأوّه صارخاً بين الورى | أسيانَ يرزمُ تحتَ نيرانِ العدا | |
جزع”المسيح” له ولولا طهرهُ | ما مدَّ للرحماتِ كفاً أو يدا | |
رهبانهُ في الغرب…منبعُ حكمةٍ | ما غُلّفت يوماً لملتمسِ الهدى | |
رشفوا من “الإنجيل” فيض رشادهِ | وتخشّعوا حول الهياكلِ سُجدّا | |
وشدوا بملحمة السلامِ ورنّموا | مزمورهِ للكون خلّاب الصدى | |
لكنّ شعبهمُ أثار عجاجةً | في الشرقِ طافحةً بأهوال الردى | |
فإذا التعاليمُ التي هتفوا بها | من سورةِ الأطماعِ قد ضاعت سُدى | |
وإذا بلحنِ السِّلمِ بين شفاههم | عصفت به شهواتهم فتبدّدا | |
تخذوا الرصاص شريعةً قدسيّةً | وقذائفَ الأرواحِ نهجاً مُرشدا |
لم يرهبوا التاريخ في استعمارهم | آنّى سطوا وكزوهُ أروع سيدا | |
لطموه في القدس المحرم لطمةً | كادت لها الأجبالُ أن تتهدّدا | |
مهدُ الشرائع من قديمٍ مالهُ | أضحى لأحرارِ البريّة موقدا | |
في كلِّ مرتبعٍ به وحنيةٍ | تلقى صريعاً في الترابِ مُمدّدا | |
هانت على البطلِ المجاهد نفسهُ | فسعى لحوضِ الموتِ يطلبُ موردا | |
ألقى إلى اللهبِ المسعرِ روحهُ | وكذا يكونُ الحرُّ في يومِ الفدا | |
الله في وطن النبوة! نال من | شرِّ الطغاةِ اليوم حظاً أنكدا | |
الفتنة الشعواءُ هاجت قلبهُ | لم تبق فيه كنيسةً أو مسجدا | |
شرعت من الرّقِ البغيضِ سلاحها | تتفزعُ الأقدارُ إما جُردا | |
صرخَ الضعيفُ شكايةً من هولها فتخالهُ والصدرُرينفثُ نارهُ حملاً يدُ الجزارِ دقت عمرهُ محنٌ مرزئةٌ وموتٌ عاصفٌ | فمحى اللهيبُ صُراخهُ فتشردا من كلِّ زافرةٍ تريقُ الأكبدا فقضى بصرختهِ على حدِّ المُدى لم يبق شيخاً في الحمى أو أمردا |
يا يومَ”بلفور” وشؤمُك خالدٌ | ما ضرَّ لو أخلفتَ هذا الموعدا | |
عاهدتَ أعزال الجسوم سلاحهم | ما كانَ إلا الحقّ صاح مقيّدا | |
ثاروا بأرضِ الله ثورةَ عاجزٍ هاجوا على الاصفادِ هيجةَ ناسكٍ | سمعَ القويُّ شكاتهُ فتوعدا زحمتهُ آثامُ الصبا فتمردا | |
ضجوا على”نابلس” حتى كاد من | صخب الاسى والحزن أن يتهدد | |
عجباً! يكادُ الصخرُ يدمعُ رحمةً | لهم !وقلبُ الآدمي تصلدا | |
ومعالم الإسلام بين ربوعهم بسطت إلى قدمِ النزيلِ رحابها | كادت تزمجرُ لهفةً وتوّجدا فبغى على قسماتها وتهددا | |
وهو الذي لولا نعيمُ ظلالها | لمضى على كنفِ الوجودِ مُشردا | |
والشرقُ ويحَ الشرق! نام أسودهُ | عن ثائرٍ في القدسِ ضجَّ وأرعدا | |
شُلّت عزائمهم! ونام جهادهم! | وتصرعوا في كلّ مهدٍ هُجدا |
خذْ أماناً من الشعاعِ المقيّدْ | فهو في القيد جمرةٌ تتوّقدْ | |
ملءُ ذرّاتهِ أناشيدُ مجدٍ | بصداها مُحرّرُ النيلِ أنشد | |
ذرّةٌ ترعبُ الحديدَ على الصمت | وأخرى في الهولِ تُرغي وتزبد | |
غلّلتهُ بالأمسِ كفٌّ ضلولٌ | تنصرُ البغيَ بالحسامِ المُجرّد | |
شَدَّ طغيانها عتيٌّ من الغربِ | على النيلِ طغى وتمرّد | |
ملّكتهُ ـ والملُك لله ـ دنيا فمضى في مسابح الشرقِ كالأق | ظلها عاجلُ الفناءِ مُبدّد دارِ يُشقى كما يشاء ويُسعد! | |
في فلسطين ظلمهُ أقلقَ الد | نيا وما هزُّ الصراخُ المردّد | |
وعلى مصر كم أذلّ! وأردى! | وتمطى على النجومِ وهدّد | |
عبقريٌّ في الخيلِ يُدمي ويرتد | على الجرحِ باكياً يتوّجد | |
كم سقى النيلَ من ضراوته الهونَ | وعيشاً من المذلّة أنكد |
خليل مطران
سلامٌ على القدسِ ومن بهِ | على جامعِ الأضدادِ في إرثِ حُبّهِ | |
على البلدِ الطُّهرِ الذي تحتَ تُربهِ | قلوبٌ غدتْ حباتها بعض تُربهِ | |
حججتَ إليهوالهوى يشغلُ الذي | يحجُّ إليه عن مشقاتِ دربهِ | |
فسبحانَ من أتاهُ حسناً كأنّهُ | به أوتي التنزيهَ عن كلِّ مُشبهِ |
علي الجارم
تألقَّ النصرُ فاهتزت عوالينا | واستقبلت موكبَ البشرى قوافينا | |
أليسَ من أُحجياتِ الدهرِ قُبّرةٌ | رعناءُ، تزحمُ في الوكرِ الشواهينا | |
وتائهٍ مالهُ دارٌ ولا وطنُ | يسطو على دارنا قسراً ويُقصينا | |
فيا جبالُ اقذفي الأحجارَ من حُممٍ ويا كواكبُ آن الرجمُ فانطلقي | ويا سماءُ امطري مُهلاً وغسلينا ما أنت إن أنتِ لم ترمي الشياطينا | |
ويا بحارُ اجعلي الماءَ الأجاجَ دماً | إذا علتْ رايةٌ يوماً لصهيونا |
العهدُ عندهم خلف ومجحدة | فما رأيناهم إلا مُرائينا | |
ماذلك السم في الأبار؟ ويلكم! | ومن نحارب؟ جنداً أم ثعابينا | |
بني العروبة هذا اليوم يومكم | سيروا إلى الموت إنّ الموتَ يُحيينا | |
وخلّفوا للعلا والمجد خالدة | تبقى حديث الليالي في ذرارينا | |
لقد صدئنا ودون الغمد منفسح | فجردوا حدَّ ماضينا لآتينا | |
وقربوهم قرابينا محررة | للسيفِ إن يرضى هاتيك القرابينا | |
ماذا إذا فقدنا إرث أمتنا؟ | وما الذيبعده يبقى بأيدينا؟ | |
يا جيشُ مصر ولا آلوكَ تهنئة وصلت آخر عليانا بأولها | حققت ظن الليالي والمنى فينا فما أواخرنا إلا أوالينا | |
أعدتها وثبة بدرية صرعت | دهاة جيش يهوذا والدهاقينا | |
شجاعة مزقت أحلام ساستهم | وعلمت مترفيهم كيف يصحونا |
مرحى بدولتهم !ماتت لمولدها | فكانَ ميلادُها حزناً وتأبينا | |
أهلاً بهالادولةً ضاقَ الفضاءُ بها | فتحاً وغزواً وإعزازاً وتمكينا | |
لها قوانينُ من عدلٍ ومرحمةٍ | قد نفذوا بعضها في دير ياسينا |
نفسي فداءٌ فلسطينٍ وما لقيتْ | وهل يناجي الهوى إلا فلسطينا | |
ما قيمةُ النفسِ إن هانتْ لطائفةٍ | الله صوّرَ فيها الذلَّ والهونا | |
أتلكَ أندلسٌ أخرى؟ فقد نبشت | من حقدِ ساداتهم ما كانَ مدفونا |
سيد قطب في قصيدة”تحية لأبطال فلسطين”(الرسالة العدد 655):
عهدٌ على الأيام ألا تُهزموا | فالنصرُ ينبتُ حيث يهراق الدمُ | |
في حيث تعتبط الدماء فأيقنوا تبغون الاستقلال؟ تلك طريقه! | أن سوف تحيوا بالدماءِ وتعظُموا ولقد أخذتم بالطريق ،فيمّموا | |
وهو الجهاد حميّة ٌجيّاشةٌ | ما إن تخاف من الردى أو تحجم | |
إن الخلود لمن يطيق مُيسّرٌ وطنٌ يُقسّم للدخيل هدية | فليمضِ طلاب الخلود ويقُدموا فعلام يحجمُ بعد هذا مُحجمُ؟ | |
والشرق.ويحَ الشرق! تلك دماؤهُ الشرق. ويح الشرق! كيف تقحّموا وحشيةٌ كشفَ الزمانُ حجابها الوحشُ يفتكُ جائعاً ويعفُّ عن | والغرب. ويحَ الغرب! يضريه الدم ُ حرماته الكبرى وكيف تهجموا؟ لا بلْ أشدُّ من الوحوشِ وأظلمُ فتكاتهِ إذ ما يَعُبُّ ويَطعمُ | |
غرتهمو سِنةُ الكرى فتوهموا | يا للذكاء !فكيف قد غرتهمو!؟ | |
سِنةٌ ومرّت والنيام ُتيقظّوا اليوم ف قد شربوا الدماءَ وفي غدٍ | فليعلموا من نحنُ أو لا يعلموا! فليندموا عنها …ولاتَ المندمُ | |
أبطالُ الاستقلال تلك تحية إخواننا في الحال والعقبى معاً مصر ا الشقيقة وماتزال فتية وغداً…وما يدري عِداكم ما غداً في كلِّ مطّلع وكلّ ثنيّة والموتُ إن الموت أشرفُ منهلاً | من مصر يبعثها فؤادٌ مفعمُ إخواننا فيما يلذُّ ويؤلمُ يهفو إليكم بالقلوب وتعظم النصرُ يهزجُ حولكم ويُرّنمُ نارُ من الشرق الفتي ستُضرمُ مما نُسامُ به ومما نُوسمُ |
محمود غنيم
يا آل إسرائيل أين الملك هل | مضت الرياح بملك إسرائيلا؟ | |
أتحققت آمالكم في دولة | تمتدُ عرضاً في البلادِ وطولا؟ | |
خدعتكم الأحلامُ في سنة الكرى | ما أكذبَ الأحلام والتأويلا | |
يا بانياً بالماء حائط مُلكه | فوق العباب أرى البناءَ مهيلا | |
هي بنية قامت بغيرِ دعائم | هي دولة قد أنشئت لتزولا | |
طلبوا القوابل إذ دنا ميلادها | فاستقبلتها كفُّ عزرائيلا | |
قل للألى نفخوا بها من روحهم | هيهاتَ قد ولد الجنينُ قتيلا | |
ولقد يصيرُ لنابِ ليث طعمة | من بات في غابِ الليوثِ نزيلا | |
يا أخت عمورية لبيكِ قد | دقت حماتك للحروب طويلا | |
ناديت معتصماً فكان غياثه | جيشاً شروباً للدماءِ أكولا |
ما كانَ بالألفاظ جرس جوابه | بل كان قعقعة وكان صليلا | |
وأزيز أسراب تصبُّ شواظها | فوق الحصون فتستحيل طلولا | |
لن يغفر العرب الأباة لغادر | هتك الحرائر والدم المطلولا | |
غضب الأباة لعرضهم فتخضّبي | يا أرض واجري يا دماء سيولا | |
إنّا لقوم ليس يُمحى عارهم | حتى يرى بدمائهم مغسولا | |
الصارم العضبُ الذي فتح الورى | مازال في يد أهلهِ مسلولا | |
فلتطلب الأوطان ما شاءته من | دمنا تجده مرخصاً مبذولا |
أحمد محرم
في حِمى الحقِّ، ومن حولِ الحرم | أمّةٌ تؤذى وشعبٌ يُهتضم | |
فزع (القدس) وضجّت (مكة) | وبكت( يثرب) من فرط الألم | |
ومضى الظلم خلياً ناعماً | يسحب البُردين من نارٍ ودم |
يأخذ الأرواح ما يعصمها | معقل الحقّ إذا ما تعتصم | |
ويرى الناس إذا أعجبه | أن يبيدوا كأقاطيع البهم | |
بعثه شهوة وحشيّة | تتلّظى مثل أجواف الأطم | |
ما تبالي إن مضت ويلاتها | ما أصابت من شعوبٍ وأمم | |
أهون الأشياء في شرعتها | أمّةٌ تُمحى وشعبٌ يُلتهم | |
أفسدوا العالم مما عبثوا | بالدساتير القدامى والنظم | |
سلبوه العقل مما عربدوا | وسقوه من خيال ولمم | |
الحياة البغي،والدين الهوى | والضعيف الخصم،والسيف الحكم | |
زمان تصدق إن سميّته | (زمن الطاغوت) أو عصر(الصنم) |
هاشم رفاعي
حيفا تئن فهل سمعت أنين حيفا | وشممت عن بعد شذا الليمون صيفا | |
تبكي فإن لمحت وراء الأفق طيفا | سألته عن يوم الخلاص متى وكيفا؟ |
أنا يا بُنيَّ غداً سيطويني الغسق | لم يبقَ من ظلّ الحياة سوى رمق | |
وحطام قلب عاش مشبوب القلق | قد أشرق المصباح يوماً واحترق | |
جفّت به آماله | حتى اختنق | |
فإذا نفضت غبار قبري عن يدك | ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك | |
فاذكر وصية والد تحت التراب | سلبوه آمال الكهولة والشباب | |
مأساتنا مأساة شعب أبرياء | وحكاية يغلي بأسطرها الشقاء | |
حملت إلى الآفاق رائحة الدماء | أنا ما اعتديت ولا ادخرتك لاعتداء | |
لكن لثأر نبعه دام هنا | بين الضلوع جعلته كلّ المنى | |
وصبغت أحلامي بهِ فوق الهضاب | وظمئت عمري ثم متّ بلا شراب | |
كانت لنا دار وكان لنا وطن | ألقت به أيدي الخيانة للمحن |
وبذلت في إنقاذه أغلى ثمن | بيدي دفنت فيه أخاك بلا كفن | |
إلا الدماء | وما ألمّ بي الوهن | |
إن كنت يوماً قد سكبتُ الأدمعا | فلأنني حملّت فقدهما معاً | |
جرحان في جنبي ثكل واغتراب | ولد أضيع وبلدة رهن العذاب | |
حيفا تئن أما سمعت أنين حيفا | وشممت عن بعد شذى الليمون صيفا | |
تبكي إذا لمحت وراء الأفق طيفا | سألتهُ عن يوم الخلاص متى وكيفا | |
هي لا تريدك أن تعيش | العمر ضيفا | |
فوراءك الأرض التي غذت صباك | وتودّ يوماً في شبابك أن تراك | |
لم تنسها إياك أهوال المصاب | ترنو ولكن ملء نظراتها عتاب | |
سيحدثونك يا بُني عن السلام | إياكَ أن تُصغي إلى هذا الكلام |
كالطفل يُخدع بالمنى حتى ينام | لا سِلمَ أو يجلو عن الجهِ الرغام | |
صدقتهم يوماً | فآوتني الخيام | |
وغداً طعامي نوالُ المحسنين | يُلقى إلى…إلى الجياع اللاجئين | |
فسلامهم مكر وأمنهم سراب | نشر الدمار على بلادك والخراب | |
لا تبكينَّ فما بكتْ عينُ الجناة | هي قصة الطغيان من فجر الحياة | |
فارجع إلى بلد كنوز أبي حصاه | قد كنت أرجو أن أموت على ثراه | |
أمل ذوى ما كان | لي أمل سواه | |
فإذا نفضت غبار قبري عن يدك | ومضيت تلتمس الطريقَ إلى غدك | |
فاذكر وصية والد تحت التراب | سلبوه آمال الكهولة والشباب |
كمال النجمي(الرسالة العدد 927)
خلت فلسطين من سادتها | وأقفرت من بني آبائها الشهب | |
يا أختَ أندلس بذلاً وتضحيةً | وطولَ صبرٍ على الأرزاءِ والنوبِ | |
ذهبت في لُجّةِ الأيام ضائعة | ضياعَ أندلس من قبل في الحقبِ | |
أهلوك أين همو؟شطّت مهاجرهم | وأُسلموا كَخماصِ الطيرِ للعصبِ | |
عاشوا جياعاً فلما حان حينهمُ | جادوا بأنفسهم حري من السغب | |
اللاجئون بأهليهم وصبيتهم | والتائهون بهم في كلِّ مضطربِ | |
والنازحونَ من الأوطانِ شتتهم | بطشُ العدوِّ وبأسُ الحادث والخرب | |
ديارهم كيف باتت بعدما نزحوا | عنها وباتوا على الأحجارِ والكثب؟ | |
كم مسجدٍ بعدهم عاثَ اليهود بهِ | نشوى رؤوسهم من سكرةِ الطربِ | |
معابد لا الدعاءُ السمح منطلقٌ | منها ولا لغة القرآن والأدب |
ضحية الغدر،أسبلنا مدامعنا | يرثيه كدموع المزن لم تشب | |
أجرت عليك مآق غير كاذبة | دمعاً تنزه مسفوحاً عن الكذبِ | |
يا فلذة من فؤاد الحقّ قد قطعت | بصارم مندمِ الأعزلِ مختضبِ | |
هذا إليك صلاح الدين مدكراً | خالي الوقائع من تاريخك العجب | |
يدعو إليك أسود الله ضاربة | تعدو على مهج الأبطال والقصب |
يا يوم حطين عُدْ للشرقِ ثانيةً | واخلعْ على العربِ من أثوابكَ القشب | |
أعدْ إلينا صلاح الدين في أجم | من القنا وخميسٍ زاخرٍ لجبِ | |
يفرجون عن الإسلام كربته | ويمنعون كريم المجد والحسبِ | |
القاحمونَ على الآسادِ معقلها | والواثبون وثوبَ الجنِّ في اللهبِ | |
والقارئونَ كتابَ الله في رهب | والواردونَ حياضَ الموتِ في رغبِ | |
سادوا الدنيا في ظلال الله راضية | وغادروها فنالوا أجرَ محتسبِ | |
إيه فلسطين والأيام راكضة ماذا سقتك يدُ الأيام من غصص | بنا تقطع قلب الدهرِ بالخبب أليمة ورماك الدهر من كربِ | |
بي منك جرح فتى ضيمت عروبته | ومسلم حيز منه عرضه وسبي | |
ولم أزل كأبيّ أهفو إليك أسىً | وينثني لاعج الأشواق نحوك بي | |
قاسمت فيكالأسى شعري فقاسمني | حتى وهيت فضجّ الشعر من لغبِ |
عبد الحميد الديب
تيهي”فلسطين الدماء” على الورى | إنّ الملائكَ والملوك بنوكِ | |
فَلرُبَّ ظبي من بنيك مهفهفٌ | بجمالهِ وحسامه يفديكِ | |
نامتْ عيونُ الناسِ إلا عينهُ | حتى يُصيبَ الثأرَ من راميكِ | |
ولّرُبَّ شيخ من بنيكِ محطّمٌ | بهرَ الوجود صباً…لكي يحميكِ |
أقتلتهم بالحسنِ أم قتلوكِ | الشمسُ أمّكِ…والهلالُ أبوكِ | |
دار النبوة…والعروبة…والهدى | خفروا ذمامكِ بالدمِ المسفوكِ | |
جهلوا عليك وما دروك فأمعنوا | في قتلِ قومك…ليتهم عرفوكِ |
الأخطل الصغير
فلسطين لست سوى دمعة | تهادت على بسم حائرة | |
تعانقتا فاستحال العناق | لهيباً على شفة ثائرة | |
فلسطين يا حلم الأنبياء | ويا خمرة الأنفس الشاعرة | |
حملنا لك المهج الظامئات | وأصدية القبل الطاهرة |
فلسطين يا هيكل الذكريات | على جبهة الأعصر الغابرة | |
مضمخة بغبار الحروب | مخضبة بالمنى الزاخرة | |
فلسطينُ يا جمحات الخيال | مجنحة بالرؤى الساحرة | |
هناك على شرفات النجوم | أرى مكة تلثم الناصرة | |
ألا قطرةً، عرس قانا الجليل تردّ إلى الشعر وحي السماء | ولو بين جدرانك الدائرة فتلهمه الأنفس الكافرة |
سائلِ العلياءَ عنّا والزمانا | هل خفرنا ذِمّةً مُذْ عرفانا | |
المروءاتُ التي عاشت بنا | لم تزل تجري سعيراً في دِمانا | |
ضجّتْ الصحراءُ تشكو عُريها | فكسوناها زئيراً ودخانا | |
مُذْ سقيناها العلا من دمنا | أيقنت أن مَعَداً قد نمانا | |
ضحكَ المجدُ لنا لما رآنا | بدمِ الأبطالِ مصبوغاً لِوانا | |
عرسُ الأحرارِ أن تسقي العدى | أكؤساً حُمراً وأنغاماً حزانى | |
نركبُ الموت إلى العهد الذي | نجزته دون ذنب حلفانا | |
أمن العدل لديهم أننا | نزرع النصر ويجنيه سوانا | |
كلما لوّحت بالذكرِى لهم | أوسعوا القول طلاءً ودهانا | |
ذنبنا والدهرُ في صرعته | أن وفينا لأخي الودِّ وخانا |
يا جهاداً صفقَ المجدُ له | لبسَ الغارُ عليه الأرجوانا | |
شرفٌ باهت فلسطينٌ بهِ | وبناءٌ للمعالي لا يُدانى | |
إنّ جرحاً سالَ من جبهتها | لثمتهُ بخشوعٍ شفتانا | |
وأنيناً باحت النجوى بهِ | عربياً رشفته مقلتانا | |
يا فلسطين التي كدنا لما | كابدته من أسىً ننسى أسانا | |
نحنُ يا أختُ على العهدِ الذي | قد رضعناهُ من المهدِ كلانا | |
يثربٌ والقدسُ منذ احتلما | كعبتانا وهوى العربِ هوانا | |
شرفٌ للموتِ أن نطعمه | أنفساً جبّارةً تأبى الهوانا | |
وردةٌ من دمنا في يده | لو أتى النار بها حالت جنانا | |
انشروا الهول وصُبوا ناركم | كيفما شئتم فلن تلقوا جبانا |
غذَّتِ الأحداثُ منا أنفساً | لم يزدها العنفُ إلا عنفوانا | |
قمْ إلى الابطالِ نلمسُ جرحهم | لمسة تسبحُ بالطيبِ يدانا | |
قمْ نجعْ يوماً من العمر لهم | هَبهُ صوم الفصح هبهُ رمضانا | |
إنّما الحقُّ الذي ماتوا لهُ | حقنا،نمشي إليه أين كانا |
الشاعر القروي
أُطلّ على وطني من بعيد | على أرض أجدادي الطاهره | |
مطالعُ أنوارها الباهره | بساتين ليمونها الزاهره | |
على مولد الحبّ في الناصرة | فأبدي سؤالي ثم أُعيد | |
أبي كيفَ بتنا بهذا العراء؟ | أبي من رمانا بهذا الشقاء؟ | |
وشرّدنا تحت كلّ سماء؟ | ألا راحةَ بعد هذا العناء؟ | |
ألا عودة بعد هذا التنائي | بلى يا بني ،بلى سنعود | |
غداً تطلعُ الشمسُ بعد المغيب | ويكحل عينيك مرأى الحبيب | |
غداً ينتهي دورنا في النحيب | بفتح مبين ونصر قريب | |
بلى يا بني | بلى سنعود |
أبعدَ فلسطين يُناحُ على فتى | وهل بقيت في مقلةٍ دمعةٌ بعدُ؟ | |
بكائي على المليون أنضبت أدمعي وما الحقدُ من طبعي ولكن إذا بغى | فما أنار إلا النار والحجر الصلد على وطني الباغونَ فجرّني الحقدُ | |
ألا دمعة من لاجىء أستمدُّها | فأبكي بالبحرِ الذي جزرهُ مدّ |
الحقُّ منكَ ومن وعودكَ أكبرُ | فاحسب حسابَ الحقّ يا متجبرُ | |
تعِد الوعودَ وتقتضي إنجازها عُدْ من نتشاء بما تشاء فإنّما | مهجَ العبادِ؟خسئت يا مستعمرُ دعواه خاسرة ووعدك أخسرُ | |
لو كنتَ من أهلِ المكارمِ لم تكنْ | من جيبِ غيرك محسناً يا بلفرُ |
عُدْ من تشاءُ بما تشاءُ فإنّما | دعواهُ خاسرةٌ ووعدُكَ أخسرُ | |
فلقد نفوز ونحن أضعفُ أمّةٍ | وتؤوبُ مغلوباً وأنتَ الأقدرُ | |
فلكم وقى متواضعاً إطراقُهُ | وكبا بفضل ردائهِ المتكبرُ | |
يا مصدرَ الكذب الذي ما بعدهُ | كذبٌ ،تعالى الحقّ عمّا تنشرُ | |
تجني على وطنِ المسيحِ مدمراً | وتُذيعُ أنّكَ في البلادِ مُعّمرُ | |
يا عربُ،والتاراتُ قد خُلقت لكم | اليومَ تفتخرُ العلى أن تثأروا | |
يدعوكَ شعبك يا صلاح الدين قُم | تأبى المروءة أن تنامَ ويسهروا | |
نسيَ الصليبيون ما علّمتهم | قبلَ الرحيل،فعُدْ إليهم يذكروا |
بُعثَ الشهيدُ ودحرجَ الحجرا | من قالَ إنّي لاجىءٌ كفرا | |
مزّقتُ أكفاني وها أنذا | خلفَ الحدودِ أُجابهُ الخطرا | |
وأثورُ عاصفةً مدمرةً | هوجاءَ لن تُبقي ولن تذرا | |
أنا من فلسطين وهل عجب | إن ثارَ مظلومٌ وإن ثأرا | |
أنا ربُّ أقدس تربة أثراً | وسليل أعظم أمّةٍ خبرا | |
غدرت بنا الدنيا وشرّدنا | بغيٌ تحدّى البدوَ والحضرا | |
جعنا ولم نركع ولا أكلت | أختي بثدييها كمن عذرا | |
حملتُ معي شُمَّ الجبالِ وما يا نسل شيلوخ الأولى عُرفوا | عثرت وحاملٍ رأسهُ عثرا بالشُحِّ مسخرةً لمن سخرا | |
روّوا مزارعكم بكوثرنا وندّكُ دولتكم بكلِّ فتىً | عمّا قريب نقطفُ الثمرا ينقضُّ كالصاروخِ منفجرا | |
ونعيدُ تل أبيبكم خبراً قسماً بأمّة يعربٍ قسماً | للناسِ لا عيناً ولا أثرا لنعود فاسمع يا زمان وَرَ |
إيليا أبو ماضي
ديار السلام وأرض الهنا | يشقُّ على الكلِّ أن تحزنا | |
فَخطبُ فلسطين خطبُ العلا | وما كان رزءُ العلا هينا | |
سهرنا له فكأن السيوف | تحزُّ بأكبادنا ههنا |
وكيف يزور الكرى أعينا | ترى حولها للردى أعينا | |
وكيفَ تطيبُ الحياة لقوم | تُسَدُّ عليهم دروب المنى | |
بلادهم عرضةً للضياعِ | وأمتهم عرضةً للفنا | |
يريدُ اليهود بأن يصلبوها | وتأبى فلسطين أن تُذعنا | |
وتأبى المروءة في أهلها | وتأبى السيوف وتأبى القنا | |
أأرض الخيال وآياته | وذات الجلال وذات السنا | |
تصير لغوغائهم مسرحاً | وتغدو لشذاذهم مكمنا | |
بنفسي”أردنها” السلسبيل | ومن جاوروا ذلك الأردنا | |
لقد دافعوا أمس دونَ الحمى | فكانت حروبهم حربنا | |
وجادوا بكلّ الذي عندهم | ونحنُ سنبذل ما عندنا |
فقل لليهود وأشياعهم | لقد خدعتكم بروق المنى | |
ألا ليت بلفور أعطاكم | بلاداً له لا بلاداً لنا | |
فلندن أرحب من قدسنا | وأنتم أحبّ إلى”لندنا” | |
أيسلب قومكم رشدهم | ويدعوه قومكم محسنا | |
ويدفع للموت بالأبرياء | ويحسبه معشراً دينا | |
ويا عجباً لكم توغرون على | العرب “التايمز” و”الهدسنا” | |
وترمونهم بقبيح الكلام | وكانوا أحق بضافي التنا | |
وكل خطيئاتهم أنهم يقولون | لا تسرقوا بيتنا | |
فليست فلسطين أرضاً مشاعاً | فتعطى لمن شاء أن يسكنا | |
فإن تطلبوها بسمرِ القنا | نردكم بطوال القنا |
ففي العربي صفات الأنام | سوى أن يخاف أو يجبنا | |
وإن تهجروها فذلك أولى | فإنّ فلسطين ملك لنا | |
وكانت لأجدادٍ قبلنا | وتبقى لأحفادنا بعدنا | |
وإنّ لكم بسواها غنى | وليسَ لنا بسواها غنى | |
فلا تحسبوها لكم موطناً | فلم تكُ يوماً لكم موطنا | |
نصحناكم فارعووا وانبذوا | بليفور ذلك الأرعنا | |
فإنّا سنجعل من أرضها | لناً وطناً ولكم مدفنا |
الياس فرحات
أُضحية الكذب المقنع والخيانة والرياء | أوت الذئاب إلى مضاجعكم وأنتم في العراء | |
أفتلبثون مشردين؟مصيركم بيد القضاء | وعيونكم حيرى تفتش عن مفاتيح الرجاء | |
وقلوبكم ولهى مسّعرة تفورُ بها الدماء | ومن البلاءِ تصديقكم بعض الوعود وما الوعود سوى هراء | |
إن لم تعودوا للحمى الباكي وأنتم تهزجون | والحقد يزأر في مقدمة الكتائب والمنون | |
والليلة الليلاء مغمضة من الدجن العيون | فالعرب والإسلام في الدنيا كزهر الزيزفون | |
والمسلمون أذلة تحت المقارع يرقصون ويهمهمون | إنا بحمد الله رب العالمين لمسلمون |
سعيد عقل
سيفٌ فليشهرْ في الدنيا | ولتصدع أبواقٌ تصدعْ | |
الآن الآنَ وليسَ غداً | أجراسُ العودةِ فلتقرعْ | |
أنا لا أنساك فلسطينُ | ويشدُّ يشدُّ بي البعد | |
أنا في أفيائكِ نسرين | أنا زهرُ الشوك أنا الوردُ | |
سندّكُ نَدُّكُ الأسوارَ | نستلهم ذات العار | |
ونعيدُ إلى الدارِ الدارَ | نمحو بالنارِ النار | |
فلتصدعْ فلتصدعْ أبواق أجراسٌ تقرع | قد جن دم الأحرار |
أطلقْ رصاصكَ…لا أخافُ النار | إنّي أردُّ لك الرصاص حجارا | |
صدري على الغضبِ الرهيبِ طويته | وعلى الندى…فعليك أن تختارا | |
هذا الترابُ أدوسهُ وأبوسهُ | لن يستحيل لغاصبيه وجارا | |
بحجارتي،لا بالمدافع والقنا | سأزودُ عن عرضي وأمحو العارا | |
بحجارتي سأذب عن حريتي | وأردُّ عن حرماتها الأظفارا | |
بحجارتي سأحيلُ عرسكَ مأتماً | وأرم في آمالنا ما انهارا | |
بحجارتي سأخطُّ قصة مولدي | كي لا تُزوّر عني الأخبارا | |
لا لاحتلالك،لا لسلطتك | التي تتجاهل الأعمار والأقدارا | |
اليوم قد أردى،وقد أردى غداً | لكنني سأخلف الأحرارا | |
بالعزم أبني،والرجاء مستقبلي | وبصمةِ الإيمان أحي الدارا |
زكي قنصل
أطلقْ رصاصكَ…لا أخافُ النار | إنّي أردُّ لك الرصاص حجارا | |
صدري على الغضبِ الرهيبِ طويته | وعلى الندى…فعليك أن تختارا | |
هذا الترابُ أدوسهُ وأبوسهُ | لن يستحيل لغاصبيه وجارا | |
بحجارتي،لا بالمدافع والقنا | سأزودُ عن عرضي وأمحو العارا | |
بحجارتي سأذب عن حريتي | وأردُّ عن حرماتها الأظفارا | |
بحجارتي سأحيلُ عرسكَ مأتماً | وأرم في آمالنا ما انهارا | |
بحجارتي سأخطُّ قصة مولدي | كي لا تُزوّر عني الأخبارا | |
لا لاحتلالك،لا لسلطتك | التي تتجاهل الأعمار والأقدارا | |
اليوم قد أردى،وقد أردى غداً | لكنني سأخلف الأحرارا | |
بالعزم أبني،والرجاء مستقبلي | وبصمةِ الإيمان أحي الدارا |
دارُ العروبةِ للأحلافِ مضيفةٌ | لكنها القبر للأجلاف ينفرجُ | |
سطا عليها غزاة الشرق واندثروا | ومرّ بها بُزاةُ الغرب واندرجوا | |
لم يبقَ منهم ومن آثار دولتهم | سوى أساطير باللعناتِ تمتزجُ | |
يا آل صهيون والدنيا مداولةٌ | بنيتم دولة العدوان فابتهجوا | |
“بلفور” أعطاكمُ من جيبنا وطناً | هذا هو المثل الأعلى لمن نهجوا | |
دمع اليتيم شرابٌ في مجالسكم | وزفرة الشيخ في أسماعكم هزجُ | |
لا تتركوا حسوةً في كأسكم لغدٍ | فربما افترستكم في غدٍ لججُ | |
من يزرع النار لم تسلم أصابعه | ومن يعش أهوجاً أودى بهِ الهوجُ | |
ليل العروبة داجي الوجه معتكرٌ | لكنّما فجرها لا بدَّ منبلجُ | |
لن يسكت العرب عما قد ألمّ بهم | مادام فيهم دمُ الإيمانِ يختلجُ |
صبرنا على البلوى فلم يُجدِ صبرنا | ونمنا فأودى بالرجاءِ منامُ | |
بلادي بينَ النابِ والظفرِ نهبةٌ | وأهلي شرابٌ للردى وطعامُ | |
مضى العامُ تتلو نكبةٌ فيهِ نكبةٌ | ويهوي نظامٌ كي يقومَ نظامُ | |
وتجري دماءُ الأبرياءِ سخية | ليحظى بألقابِ الجهادِ طغامُ | |
ولا تعجبنْ إن خابَ في الناس فألُنا | فهل يرتوي باسمِ السّرابِ أوامُ | |
يُفاخرنا بالموبقاتِ زعانفٌ | وينهشنا بالترّهاتِ لئامُ | |
تلاقى على استذلالنا ألفُ واغلٍ | فهل يدفعُ الشرُّ الوبيلُ كلامُ | |
يحلُّ لهم ما لا يحلُّ لغيرهم | ونحرَمُ مما ليسَ فيه حرامُ | |
شريعتهم أنّ الفضاءَ لكاسرٍ | فلا يتعرّضْ للعِقابِ حمامُ | |
إذا ثارَ منكوبٌ أعادتهُ حربةٌ | وإن صاحَ مجروحٌ نهاهُ لِجامُ |
عقدنا على “نادي السلام” رجاءنا | فكنا كمن يهدي خُطاهُ ظلامُ | |
تسرّبت “الأفعى” إليه فقوّضت | شرائعهُ المثلى فهنَّ حطامُ | |
تباركت فرّقَ الغافلون لدمعها | وأكذبُ باكٍ في السّحابِ جهامُ | |
ومن عجبٍ ترثي القلوبُ لقاتلٍ | وتهمي على قبرِ القتيلِ سهامُ |
محمد مهدي الجواهري
لو استطعت نشرتُ الحزنَ والألما | على فلسطين مسوداً لها علما | |
ساءت نهاري يقظاناً فجائعها | وسئن ليلي إذ صُورن لي حلما | |
رمت السكوت حداداً يوم مصرعها | فلو تركت وشأني ما فتحتُ فما | |
أكلما عصفت بالشعبِ عاصفةٌ | هوجاءُ تستصرخُ القرطاسَ والقلما | |
هل أنقذ الشام كتاب بما كتبوا | أو شاعر صان بغداد بما نظما | |
فما لقلبي جياشاً بعاطفة | لو كان يصدق فيها لاستفاض دما | |
حسب العواطفُ تعبيراً ومنقصة | أن ليس تضمن لا براءاً ولا سقما | |
ما سرّني ومضاءُ السيف يعوزني | أنّي ملكتُ لساناً نافثاً ضرما | |
دم يفور على الأعقاب فاترهُ | مهانةً أرتضي كفوا له الكلما |
أأم القدس، والتاريخ دام | ويومك مثل أمسكِ في الكفاحِ | |
فلا تتخبطي،فالليلُ داج | وإن لم يبق بدّ من صباح | |
ولا تعني بنا إنا بكاة | نمدّك بالعويل وبالصياح | |
ولا تعني بنا، فالفعل جو | مغيم عندنا والقول صاح | |
ولن تجدي كأيانا نصيرا | يدقُّ من الأسى راحاً براح | |
ولا قوماً يرددون الدواهي | وقد خرست بألسنة فصاح |
خُذي مسعاكِ مُثخنةَ الجراحِ | ونامي فوقَ دامية الصفاحِ | |
ومُدّي بالمماتِ إلى حياةٍ | تسر!ُ،وبالعناءِ إلى ارتياحِ | |
وقرّي فوق جمركِ أو تردِّي | من العقبى إلى أمرٍ صُراحِ | |
وقولي قد صبرتُ على اغتباقٍ | فماذا لو صبرت على اصطباحِ | |
فلسطين سلام الله يسري | على تلك المشارفِ والبطاحِ | |
رأيتُكِ من خلالِ الفجرِ يُلقي | على خضرِ الرُّبى أحلى وشاحِ | |
أُعيذك من مصيرٍ نحنُ فيه ورُبّةَ “صفقةٍ” عُقدت فكانت | لقد عُوّدتِ من أجلٍ متاحِ كتحريمِ الطلاقِ على نكاحِ | |
تُدّبرُ في العواصم من مريبٍ تفوحُ الخمرُ منها في اختتامٍ | خبيث الذكرِ مطعون النواحي ويبدو التبرُ منها في افتتاحِ | |
ويُسفرُ نصّها المسودُّ خزياً | ومظلمةً على الغيدِ الملاح | |
وتصريحٍ يمططه قويٌ | كلوح الطينِ إذ يدحوه داحي |
اسمعي يا جِلق إنّ دماً | في فلسطينَ ينادي جلقا | |
اسمعي:هذا دمٌ شاءت له | نخوةٌ مهتاجةٌ أن يُهرقا | |
شدَّ ما احتاجتْ إلى أمثاله | أممٌ يُعوزها أن تُعتقا | |
شاهدٌ عدلٌ على الظلمِ إذا | كذبَ التاريخُ يوماً صدقا | |
احملي ما اسطعتِ من حبّاتهِ | واجعليها لعيونٍ حَدقا | |
يسقطُ الطفلُ على والدهِ | وارداً مورده معتنقا | |
نسقٌ للموتِ لم نسمع بهِ | ليتنا نعرف هذا النسقا | |
هكذانُعلنُ صرعى أمّةٍ | أنّ شعباً من جديدٍ خلقا | |
اسمعي يا جِلّق !إنّ دماً عربياً سال من أفئدةٍ | في فلسطين هضيماً نطقا عربياتٍ تلّظت حُرقا | |
صبغَ الارض وألقى فوقها تحملُ الريحُ إلى أرجائها | من فداءٍ وإباءٍ شفقا من زكياتِ الضحايا عبقا |
هبّتْ الشامُ على عادتها | تملأ الأرضَ شباباً حنِقا | |
نادباً بيتاً أباحوا قُدُسَهُ | في فلسطينَ وشملاً مزقا | |
برَّ بالعهدِ رجالٌ أُنفٌ | أخذَ الشعبُ عليهم موثقا | |
شرفاً يومَ فلسطين فقد | بلغَ القمةَ هذا المرتقى | |
ألبس الملكَ رواءً وازدهت | روعةُ التاريخ منهُ رونقا |
حماة الديار لولا سم غاو | أساغ شرابه فرط التمادي | |
ولوغ في دمِ الخلِ الصافي | فقل ما شئت في الجنف المصادي | |
ولباس على ختل وغدر | ثياب الواقفين على الحيادِ | |
وخبّ لا يريك متى يواتي | فتأمن شره ومتى يُعادي | |
تطلع إذ تطلع في رخى | وتقرع حين تقرع في جكادِ | |
ولولا نازلون على هواه | سكارى في المحبة والوداد | |
نسوا إلا نفوسهم وهاموا | غراماً حيث هام بكلّ وادِ | |
أجرهمو على ذهب فجروا | فلسطين على شوكِ القتاد | |
وقادوها له كبش افتداء | صنيع الهاربين من التفادي | |
لكنتم طبّ علتها،وكانت | بكم تحدى على يد خير حاد |
بدر شاكر السياب
يا راقصينَ على دمِ الصحراء | قد آن يوم الثورة الحمراء | |
تلك الشرارة بعد حين تنجلي | عن زاخرِ بالنارِ والأضواء | |
اليوم يحطم كلّ شعبٍ ثائرٍ | سود القيود بضحكة استهزاء | |
ويدٌ يفرُّ البغي من هزاتها | حمراء ضرجها دم الشهداء | |
فضت فم المستعمرين بلطمة | لا غير قاتلة ولاشلاء | |
واليوم يصرخ كل حرّ غاضب تلك المواطن أين عنها أهلها | في وجه كل مهوس الآراء فتروحُ تعرضها على الغرباء | |
والقدس ما للقدس يمشي فوقها | صهيون بين الدمع والأشلاء | |
يا أخت يعرب لن تزالي حرّة | بين الدم المسفوك والأعداء | |
ثارات أهلك في دمانا تتلظى | هيهات ليس لهنّ من إطفاء | |
حتى يضم ثرى الجزيرة أهلها | أو يلبسون مطارف العلياء |
أحمد مطر
يا قدس معذرة ومثلي ليس يعتذر | مالي يدٌ في ما جرى فالأمرُ ما أمروا | |
وأنا ضعيفٌ ليس لي أثر | عار على السمعِ والبصر | |
وأنا بسيفِ الحرفِ أنتحر | وأنا اللهيب وقادتي المطر،فمتى سأستعر؟ | |
لو أن أرباب الحمى حجر | لحملت فأساً لاتبقي ولا تذر | |
لكنّما أصنامنا بشر | الغدرُ منهم خائف حذر | |
والمكرُ يشكو الضعف إن مكروا | فالحرب أغنية يجن بلحنها الوتر،والسلم مختصر | |
ساق على ساق،وأقداح | يعرش فوقها الحذر | |
وموائد من حولها بقر | ويكون مؤتمر | |
هزي إليك بجذع مؤتمر | يساقط حولك الهذر | |
عاش اللهيب | ويسقط المطر |
يا قدس يا سيدتي معذرة فليس لي يدان | وليس لي أسلحة وليس لي ميدان | |
كل الذي أملكه لسان | والنطقُ يا سيدتي أسعاره باهظة،والموت بالمجان | |
سيدتي أحرجتني، فالعمر | سعر كلمة واحدة وليس لي عمران | |
أقول نصف كلمة،ولعنة | الله على وسوسة الشيطان | |
جاءت إليك لجنة،تبيض لجنتين | تفقسا بعد جولتين عن ثمان | |
وبالرفاء والبنين تكثر اللجان | ويسحق الصبر على أعصابه،ويرتدي قميصه عثمان | |
سيدتي، حيّ على اللجان | حيّ على اللجان |
يوسف العظم
إلى القدسِ هيّا نشدُّ الرحال | ندوسُ القيودَ ونخوضُ المحال | |
ونمحو على الأرض فجارها | بعصفِ الجبالِ وسيل النضال | |
بعزمِ الأسود وقصف الرعود | ونار الحديد ونورُ الهلال | |
إليَّ إليَّ أسود الفدى | فما عاد يُجدي مقالٌ وقال | |
لقد حانَ يوم انتفاضِ الأسير | ودقت طبول الفدى والنضال | |
ونادت ربى القدس أبطالنا | فأينَ عليٌّ وأينَ بلال |
من لي بسيفٍ لا يهابُ الردى | في كفّ من يزهو بهِ الموكب | |
أو راية في جحفل ظافرٍ | يقودُ الفاروقُ أو مصعبُ | |
القدس في أفقِ العى كوكب | تشعُّ بالنورِ فلا تعجبوا | |
مُذْ حلّ في أفيائها غاصبٌ | ما عاد فيها بلبلٌ يطربُ |
وفؤادُ الأقصى الجريح ينادي | أينَ عهد اليرموك والقادسية | |
وعليّ يُزجي الصفوف ويُعلي | في ذرى المجدِ راية هاشمية | |
أين عهد الفاروق غير ذليل عفَّ | قولاُ وطابَ فعلاً ونيّة | |
ونداء للتائهين حيارى | أين خنساؤنا وأينَ سميّة | |
ورماحٌ في كفِّ خولة تزهو | وسيوف في راحة المازنيّة |
نحنُ أجيال الغدِّ | وجنودَ السؤدد | |
قد نهلنا علمنا | من كريمِ المورد | |
من سنا قرآننا | والهدي المحمدي | |
فاشهدي يا أرض وأصغي يا سماء | أننا لا نبتغي غير البناء | |
مذ سلكنا دربنا في عزّة | ومضينا في ركابِ الأنبياء |
اكتب حياتكَ باليقين | واسلكْ دروب الصالحين | |
فالصمتُ من حرٍّ يفوق | زئيرَ آساد العرين |
لمن أبثُّ شكاتي والشفاهُ غدت خرساء | ليس لها في الحادثات فم؟ | |
من ذا الذي هدّمني ساعداً ويداً | هل ضاع دربي أم زلّت بيَ القدمُ | |
لقد جرّعنا كؤوس الذلّ مترعة | والقدسُ في العار والمحراب والحرم | |
والصخرة اليوم باتت غير شامخة | لأن نجمة صهيون لها علم |
ذبحوني من وريدٍ لوريدِ | وسقوني المرَّ في كلِّ صعيدِ | |
مزّقوا زوجي فلم أعبأ بهم | فمضوا نحو صغيري ووليدي | |
غرسوا الحربةَ في أحشائهِ | فغدا التكبير أصداء نشيدي | |
دمروا بيتي وهل بيتي هنا | إنّ بيتي خلف هاتيك الحدودِ | |
وتلّفت فلم أعثر على | غيرِ أبناءِ الأفاعي والقرودِ | |
أين نفط العرب مذخور لمن | أين أبناء الحمة درع الصمود؟ | |
ودمي سال على تلم الربى | ينثر العطر على حمر الورود | |
ولغ الغاصب في اشلانا | غير أنا لم نزل “سمر الزنود” |
فلسطيني فلسطيني | فلسطيني فلسطيني | |
ولكن في طريق الله والإيمان والدين | كفرت بدعوة الإلحاد من صنع الشياطين | |
أهيمُ براية اليرموك أهوى أخت حطين | وأوثان صنعناها من الأوحال والطين | |
تفجر طاقتي لهباً غضوباً براكيني | وآمنا بربِّ البيتِ والزيتون والتين | |
لأنزع حقّي المصوب من أشداق تنين | ليشمخ شعبنا حراً عزيزاً في فلسطين | |
وأرفع راية الأقصى وربِّ البيت يحميني | ويرفع راية التحرير في كلّ الميادين |
حجارةُ القدسِ نيرانٌ وسجيلُ | وفتيةُ القدسِ أطيارٌ أبابيلُ | |
وساحة المسجد الأقصى تموج بهم | ومنطقُ القدسِ آياتٌ وتنزيلُ | |
والشعبُ يزحفُ إيماناً وتضحيةً | ما عاد يوقفُ زحف الشعبِ تنكيلُ | |
وصيحة الشعبِ حراً في تدفقهِ | من المساجدِ تكبيرٌ وتهليلُ | |
تكلمَ الحجرُ القدسيُّ فانتفضتْ | سواعدُ الصيدِ واندكت أباطيلُ |
هارون هاشم الرشيد
وإنّهُ النصرُ آتٍ،تلكَ قولتنا | فالليلُ لابدّ هذا الليل ينحسر | |
وإنّهُ النصرُ آتٍ لا محال وإن | طالَ الطريقُ بنا واستفحلَ الخطر |
ومهاجرين مُعفّرين على دروبِ التيهِ هاموا | يمشون والأقدار كابية فما فيها ابتسامُ | |
أقواتهم ماذا؟وكيف؟فليس عندهمو طعام | هم هؤلاء بقية الشعب الذي عرف الأنامُ | |
ذاك الذي بالأمسِ أشعلها فشبّ لها ضرام | شعواء دامية يردّد رجعها الجيش اللهام | |
قال السلام وكيف يبلغها على يده السلام | والذئب يفتك بالقطيع إذا تولاه الظلام | |
هذي الخيام،ألا ترى ضاقت بمن فيها الخيام | لا لا يروعك السقام فلن يحطمها السقام | |
لا لن يضير عقيدة | من أجلها صلوا وصاموا |
فلسطيني أنا اسمي فلسطيني | نقشتُ اسمي على كلّ الميادين | |
بخطٍّ بارزٍ يسمو على كلّ العناوين | فلسطيني وإن داسوا على اسمي وداسوني | |
فلسطيني وإن خانوا | تعاليمي وخانوني |
سنرجع يوماً إلى حيّنا سنرجعُ مهما يمرُّ الزمان | ونغرقُ في دافئاتِ المنى وتنأى المسافاتُ ما بيننا | |
فيا قلبُ مهلاً ولا ترتمي | على دربِ عودتنا موهنا | |
يعزُّ علينا غداً أن تعود | رفوفُ الطيور ونحنُ هنا | |
هنالك عند التلال تلالٌ | تنام وتصحو على عهدنا | |
وناسٌ همُ الحبّ أيامهم ربوعٌ مدى العين صفصافها | هدوء انتظار شجيُّ الغنا على كل ماء وها فانحنى | |
تعب الزهيرات في ظلّهِ | عبير الهدوء وصفو المنى | |
سنرجعُ… خبرّني العندليبُ | غداة التقينا على منحنى | |
بأنّ البلابل لم تزل | هناك تعيشُ بأشعارنا | |
اوما زال بين تلال الحنين | وناس الحنين مكان لنا | |
فيا قلب كم شردتنا رياح | تعال سنرجع هيا بنا |
عائدون…عائدون….عائدون…إننا لعائدون | فالحدود لن تكون…والقلاعُ والحصون | |
فاصرخوا يا نازحون | إننا لعائدون | |
عائدونَ للديار | للسهولِ للجبال | |
تحت أعلام الفخار | والجهاد والنضال | |
بالدماء والفداء | والإخاء والوفاء | |
عائدون يا رُبا | عائدونَ يا هضاب | |
عائدونَ للصبا | عائدون للشباب | |
للجهاد في النجاد | والحصاد في البلاد | |
إننا لعائدون يا فلسطين دعا هاتف إلى السلاح للامام للأمام بالحسام والحِمام | إننا لعائدون فحملنا المدفع وتنسمنا الرياح إننا لعائدون |
الله أكبر…فجرّت تتردّد | والقدسُ شاخصة المآذن تشهدُ | |
الله أكبر…يوم أطلقها الفتى | عبرت إلى أمِّ الشهيد ،تزغرد | |
قالت لها:ثاراتنا لمّا تزل | نبراسَ ثورتنا،يُضىء ويوقدُ | |
من قال إنا قد نسينا ثأرنا | أو أننا عن ثأرنا نتردد؟ | |
عينٌ بعينٍ،لن نغيّر نهجنا | سنٌ بسنٍّ شرعةٌ تتجدّد | |
الله أكبر…يوم فجرّها الفتى | زفّت،كطيرٍ في السماءِ تغرِّد | |
حملت جراحات الأسىوعذابه | وتنقلّت ،تروي الحكايا تسرد | |
من أين؟من هذا الفتى؟ما اسمه؟ | ولمن أطلّ صباحهُ المُتوّقد؟ | |
حمل العذاب ،شهوره وسنينه من شاطىء الاحزان حيث ترعرعت | وأتى كما السيفُ المهند يجرد روح البطولة…وجهه المتمرد | |
ومن “النصيرات” الذي قاسى الفتى | ليلاته،دوى النفير المُرعد |
في أيِّ شرعٍ يوسم الأحباب | ويُقال إنّ جهادهم إرهاب | |
الأرضُ تعرفنا فما من رملة | إلا وفيها نبضة وعذاب | |
واللوز والزيتون يعرف جهدنا | والكرم والليمون والعنّاب | |
إن كان إرهاباً بأن يهوى الفتى | أوطانهُ فشعارنا الإرهاب | |
أو كانَ إرهاباً بأن يعلو الفدى | راياتنا فلؤاونا إرهاب |
المسجد الأقصى يُباح ويُهدم | والعالم العربي غافٍ يحلم | |
المسجدُ الأقصى يدور بساحهِ | الآثمون الغادرون ويُظلم | |
المسجدُ الأقصى على أفواهنا | نغمٌ نردّدهُ وشعرٌ يُنظم | |
وقصائد رنانة نهتدي بها | وتلفت وتحسر وتألم | |
المسجد الأقصى وفي كلماتنا | وعدٌ بنصرته وعهدٌ يُبرم | |
هو ثالثُ الحرمين أول قبلة | للمسلمين نقولها ونسلم | |
ويظل في أفواهنا ترديدها | وإذا دعا الداعي نذل ونحجم |
وترعش دمعة حرّى | وتدفق خلفها دمعة | |
وتمضي صرخة ابنته | وتطرق في الدجى سمعه | |
فيصرخ سوف نرجع | سنرجع ذلك الوطنا | |
فلم نرض له بديلاً | ولن نرضى له ثمنا | |
فصبراً يا ابنتي صبراً | غداة غد لنا النصر |
شعبي!أطلّ عليك من ليلِ الاسى | والقاتلون شراذم وفلولُ | |
في الصدرِ أو في الظهرِ ليس يخيفنا | وقع الخناجر فالصمودُ أصيل |
أجل، إنّي من القدس | وفيها قد نما غرسي | |
جذوري في عروق الصخر | في الصلد،وفي الملس | |
ومن كنعان بي نبضٌ | ومن عدنان،من قيس | |
من الماضي،من الحاضر | من يومي، ومن أمسي | |
عريقُ المجدِ والأنساب | مشدودٌ إلى الشمسِ | |
بها أختالُ في الدنيا | وأمشي رافع الرأس | |
أنا أعطيتها عمري | فداً،أسكنتها حِسّي | |
أنا غنيّتها شعراً | رفيع الوقعِ والجِرسِ | |
أنا منها، وإن غرقت | ببحرِ الهمِّ والبؤسِ | |
أنا منها،وإن حطّت | عليها راية البؤسِ |
دمي هذا الذي يجري | لها متدّفق البجسِ | |
أنا منها وأفديها | أنا بالمالِ والنفسِ | |
ولا أرضى لها ذلاً | لِمحتلٍ ومندّسِ | |
هي القدس وكم ردّت | من الرومانِ والفرسِ | |
وكم في خاطرِ التاريخ | من قولٍ ومن حدسِ | |
عن القدس وهل أسمى | وهل أزهى من القدسِ |
فلسطين أفديك من دمعة | تهاوتْ على بسمة حائرة | |
تعانقنا فاستحالَ العناق | لهيباً على شفة ثائرة | |
فلسطين يا حلم الأنبياء | ويا خمرة الأنفس الشاعرة | |
حملنا لك المهج الظامئات | وأصدية القبل الطاهرة |
هيهاتَ يوماً أن يهون ترابنا | فمقدسٌ ذاكَ الترابُ أصيلُ |
أخي في الخيمة السوداء في الكهفِ | أخي في الجوع في التشريدِ في الخوفِ | |
أخي في الحزنِ في الآلام في الضعفِ | أخوك أنا برغم الإرهاق والعسف | |
أخي لن يغمض الجفن على حقّ ولا ثأر | ولا لن ترجع الأرضُ بغيرِ الدمِ والنار | |
هناك بوثبة تعصف عن دارك أو داري | هناك غداً سنشعلها ونغسل لطخة العار |
أوداعاً فيمَ ياغزة بالله الوداع | وأنا منكِ تراب وشعور والتماع | |
وحنين للغد المرموق شوق والتياع | إن أنا ودّعت مغناك تلقاني الضياع | |
وتلّقتني ذئابُ جائعاتٌ وضباع | أوداعاً لا وحقّ الثأر، لا كان الوداع | |
هاهنا في كلِّ شبر ذكريات ورغاب | وأماني عاطرات وأغاريد عِذاب | |
هاهنا كان صبانا وهنا كان الشباب | وهنا كم سلس الهمس حديثاً مستطاب | |
كم جلسنا كم رتعنا كعصافيرِ الهضاب | كفراشات الربيع البكرِ كنا كالحباب | |
فلماذا يا يد الفرقة | ماهذا العذاب |
وداعاً كان ياغزة من غير كلام | عبر الصمت به عن كلّ حسّ وسلام | |
دون ما ترتعش الكلمة في هجس الظلام | ومع الفجر تسللت كطيف مستهام | |
تاركاً خلفي أيامي وعمري والغرام | تاركاً كلّ أماني وأطياف الهيام | |
تاركاً غزة خلفي | تحت أستار القتام |
أخي! من نحنُ إن سرنا على الدنيا بلا وطنْ | وإن عشنا على صدقاتِ قاتلنا على المِننْ | |
وإن جار على الأقداسِ عسفُ الظالم النتنْ | وإن لم ننتفض للثأر رغمَ البؤسِ والمحنْ |
سنعود يا أختاهُ للوطن | رغمَ الشقاءِ وقسوة الزمن | |
رغم الليالي العابثات بنا | والجوعُ والتشريدُ والمحن | |
سنشقُّ أسفارَ الليالي غداً | سنشقها ونعودُ للمدن | |
سنسيرُ بالفجرِ الجميلِ قُوىً | جبّارة تقضي على الوهن |
أتت ليلى لوالدها وقد أهوى بها الهرمُ | وقالت وهي من لهفٍ بها الآلامُ تحتدمُ: | |
لماذا نحن يا أبتي لماذا نحنُ أغرابُ؟ أليس لنا أخلاء؟أليس لنا أحبّاء؟ لماذا …نحن في الخيمة…في الحرّ،وفي البرد؟ لماذا نحنُ في الألم..وفي الجوعِ وفي السقم؟ أبي…قل لي بحقّ الله هل نأتي إلى يافا؟ أندخلها أعزاء..برغم الدهر…أشرافا؟ وتسمعُ وقع أقدامي،أأدخلها | أليسَ لنا بهذا الكونُ أصحابٌ وأحبابُ؟ لماذا؟نحن يا أبتي لماذا نحن أغراب؟ ألا نرجع للبيت..وللحقل ،وللمجد؟ وفي البؤس وفي النقم…لماذا؟ نحنُ يا أبتي لماذا نحنُ أغراب؟ فإن خيالها المحبوب..في عيني قد طافا أأدخل غرفتي،قل؟أأدخلها بأحلامي..وألقاها وتلقاني بهذا القلب ..هذا المدنف الظامي | |
سألتُكَ أمس عن أمّي التي ذهبت ولم ترجع | سألتُكَ وخافقي يشكو سألتُكَ ومقلتي تدمع | |
وأنتَ مغلغلٌ في الصمتِ ولا ينفذُّ لي صوتك | فاصرخ يا أبي قل لي لماذا نحنُ أغرابُ؟ | |
سألتُكَ منذُ أيام،سألتُكَ عن أخي أحمد؟ | وكدتَ تزيحُ عن عيني ذاك الخاطر الاسود | |
وكدتَ تقول لي قد مات يا ليلى | قد استشهد…ولكنك لم تفعل | |
وترعد صرخة ابنته وتطرق في الدجى سمعه | فيصرخُ سوفَ نُرجعهُ سنرجعُ ذلك الوطنا | |
ولن يقتلنا جوعٌ ولن يُرهقنا فقرُ فصبراً يا ابنتي صبراً | لنا أملٌ سيدفعنا إذا ما لوّحَ الثأرُ غداةَ غدٍ لنا النصرُ |
سنعود يا ليلاي فانتظري | في الخيمة السوداء في الحفر | |
حتى يلوح النورُ منبثقاً | وأنا وأنت نسيرُ للزفر | |
وجنودنا ملؤُ الحدود مشوا | يتقحمون مسالك الخطر | |
إنّ السهولَ الخضر تنتظر | وكرومنا والشطّ والشجر | |
والذكريات الهانيات | بهاوالحبّ والآصال والبكر | |
وملاعبُ الأحلام تائقة | تهفو لنا والنايُ والوتر | |
سنعود يا ليلى مع الفجر | والزهر والحسون والقمر | |
سنعود أكباداً مؤججة | توّاقة للوطن الحرّ | |
وهناكَ نرفعُ رايةً طُويت | ونعيدُها تزهو على الدهر |
آواهُ يا جباليا…يا ساحةً للغضبِ | تفجرّتْ من نَسغها…بالعارضِ الملتهبِ | |
فأذهلت عالمنا… بطفلها المنتصبِ | وأيقظت أيامنا…على الصدى المصطخبِ | |
جباليا…جباليا…وينهض المعسكر | فكلُّ بيتٍ جمرةٌ..وكلُّ شبرٍ حَجرُ | |
وكلُّ طفلٍ ثورةٌ..مشبوبةٌ ،تنفجرُ | تقول يا أعداءنا..جئناكمو..فانتظروا | |
أقريةٌ أم دولةٌ..يرِّفُ فيها العلمُ | هنا…هناكَ عندها..ما لم يخطّ القلمُ | |
فألفُ ألفُ امرأةٍ…موجٌ عريضٌ عَرِمُ | يقولُ يا أعداءنا…جئناكمو..فانهزموا | |
جباليا وليلُها..وصبُحها…والزمنُ | توقفٌ في بابها …توقفٌ مُرتهنُ | |
هنا..فهاتوا مثلها…من هنا تمورُ المحنُ | هنا فهاتوا مثلها..يصرخُ فينا الوطنُ |
ما الذي يعنيه تعديلٌ طفيفٌ في الحدود | كل عام قطعة أخرى وبعض من جنود | |
ماالذي يعني تلاقينا مع الخصم العتيد؟ | وتهاوينا على أقدام جزار عنيد |
أنا لن أعيشَ مشرداً | أنا لن أظلّ مقيّدا | |
أنا لي غدٌ وغداً سأز | حفُ ثائراً متمردا | |
أنا لن أخاف من العوا | صفِ ،وهي تجتاحُ المدى | |
ومن الأعاصيرِ التي | ترمي دماراً أسودا | |
ومن القنابلِ والمدا | فعِ والخناجرِ والمُدى | |
أنا صاحبُ الحقِّ الكبيرِ | وصانعٌ منهُ الغدا | |
أنا ثورةٌ كبرى تزم | جرُ بالعواصفِ والردى | |
وطني هناك، ولن أظل | بغيرهِ متشردا | |
سأعيدهُ وأعيده سأزلزل الدنيا غداً | وطناً عزيزاً سيداً وأسيرُ جيشاً أوحدا | |
لي موعدٌ في موطني | هيهاتَ أنسى الموعدا |
أخي مهما ادلهم الليل | سوفَ نطالعُ الفجرا | |
ومهما هدّنا الفقرُ | غداً سنحطّمُ الفقرا | |
أخي والخيمة السوداء | قد أمستْ لنا قبرا | |
غداً سنحيلها روضاً | ونبني فوقها قصرا | |
غداً يومَ انطلاقِ الشعبِ | يوم الوثبة الكبرى | |
سنمشي ملء عينِ الشمسِ | نحو ركبها الحُرا | |
فلسطينُ التي ذهبت | سترجعُ مرّةً أخرى |
هذه أرضي وفيها كل آمالي الغوالي | إنها أمي ،أبي،عمي وخالي |
أُحبّكُ يا قدس،لا تسأليني | لماذا،وكيف، وماذا أحبُّ | |
فإنّي حملتُكِ جُرحاً سخيناً | بأعماقِ قلبي،وناراً تشِبُّ | |
أنا عاشق،مدنفٌ مستهامٌ | أنا تائق،ومشوق وصبُّ | |
تدبيّنَ فيَّ،دبيبَ الدماءِ | فيخفقُ باسمكِ في الصدرِ قلبُ | |
أحبُّ جبالك،تسمو شموخاً | وتختالُ كِبراً،وتزهو وتصبو | |
أحبك خضراء،قدسيّةً | يطُرّزُ وجهك،زهرٌ وعشبُ | |
أحبك يا قدسُ،هذا هواي | إليكِ كشلّالِ نهرٍ يصبُّ | |
أحبُّ الشوارع آنّى تلّفتُ | أهلٌ على جانبيها وصحبُ | |
وأهوى بلابلك الشاديات | تُغرّدُ فالكونُ حلوٌّ ورحبُ | |
أحبك أوقدُ مصباح عمري | لتزهو سماءٌ وتمطر سُحبُ |
وعندكَ أتركُ روحي تُصلّي | وتسعى إلى قدميكِ وتحبو | |
أعلق قيثارتي في القبابِ | فينهال وحي،وينهل غيب | |
وأتركُ عيني عند المآذن | تهوى إليها نجومٌ وشُهبُ | |
أحبكِ أسكن في جانحيكِ | يهدهدني فيك،وجدلٌ وحَدبُ | |
سيزهرُ لابدّ يوماً ربيعُكِ | يزهر لا بدَّ يوماً يهُبُّ | |
ولابدّ للعاشق المستهامِ | وإن طالَ ليلٌ وأظلمَ دربُ | |
بأن يلتقي ،بهواهُ الكبير | فيحلو لقاءٌ،ويزدانَ قربُ | |
على صهوةٍ في رياحِ الفداءِ | يجىءُ إليكِ مع النصر شعبُ |
أنا يا قدسُ يا دارةَ الخالدينَ | ويا وطنا يُفتدى ويُحبُّ | |
أطيرُ إليكِ صباحاً مساءً | وأحملُ إسمكِ آنّى أدِبُّ | |
أحبّكِ مهما يمرُّ الزمانُ | ويُقلعُ في عاصفِ الريحِ ركبُ | |
أغازلُ فيكِ ندى الزهور | وأشربُ من عطرها وأعبُّ | |
نشأتُ كما صخركِ المقدسي | فؤادي قويّ وعودي صلبُ | |
ترعرعتُ زيتونةً في ذُراكِ | لها في عروقكِ جذرٌ وخِصبُ | |
تعلّمتُ منكِ عراك الزمان | وكيفَ أصدُّ،وكيفَ أهبُّ | |
تعلّمتُ كيفَ يكونُ الغرامُ | النقيُّ،وكيف يكونُ المُحبُّ |
هتفَ الموتُ وهو ناب وظفر | لا مفر…من قبضتي لا مفر | |
وعوت تصرخ الرياح وهبّت | عصفات جموحة لا تقرّ | |
والرعود الرعناء ملء فم الكون | دوى على الفضاء وزأر | |
فإذا الرحمة استحالت بلاء | وإذا الكون واجمٌ مكفهر | |
وإذا الماء جامح يغمر الأرض | ويطغى جموحه المستمر | |
رُبّ أم حنت على طفلها البكر | وضمته وهي خوف وذعر | |
ألصقته بصدرها خشية الموت | وهل يدفعُ المنيّة صدر؟ | |
وعجوز هوى الجدار عليها | فإذا بيتها المهدّم قبر | |
ويتيم…قضى أبوه شهيداً | فهو من بعده دموعٌ وفقر | |
هدمت فوقها العواصف بيتاً | هو في واقع الحقيقة حجر |
وفتاة مكلومة القلب تبكي | فقدَ خِدر وما حواه الخدر | |
وصغار مشردين بلا أهل | تراموا على الطريق ومروا | |
وكثيرين قد أفاقوا حيارى | مالهم ملجأ ولا مستقر | |
هتفوا بالسماءِ أن تحبس | الغيث وهيهات أن يغيض بحر | |
ليت شعري أين الذين رموهم | في جحيم من العذاب وفروا؟ | |
أين من صوروا بيوتاً من الطين | وقالوا:هنا يطيبُ المقرّ | |
هم مقيمون في الديار نشاوى | ونداماهمو حِسان وخمر | |
ومئات من الجنيهات قالوا: | هي أجر لما أتوه وشكر | |
وهم المجرمون قد جلبوا الشر | وقالوا:بأن ذلك خير | |
الشعوب استفاقت اليوم يهدي | خطوها للعلا والحقّ ثأر |
فأسود في أرض مصر تنادي | إنها(مصر) درة الشرق مصر | |
سوف تلقي بالظالمين إلى البحر | ويسمو بها إلى المجد نصر | |
أيها المسلمون قد جكح الباغي | ففي سمعه عن الحقّ وقر | |
أنقذوا أنقذوا البقية منا | فهنا الموت جاشم مستقر |
وقفتً كئيباً،حزيناً كسيرا | أعدُّ الأسامي…وأحصي القبورا | |
وأقرأ فاتحة للكتاب | وأبكي عليهم…بكاءً مريرا | |
وقفتُ..تسمرتُ…ضاع الكلام | وضاع الحديث الذي كنت أعددت…ضيعتع ونسيت السطورا | |
هنا عند “قانا” توقف حتى الزمان | فما عاد يخطو أماما،وخلفا | |
تسمر،فيها،وقيد | أصبح فيها السجين الاسيرا | |
وقفت…وحدقت في الشيخ | هذا الذي توكأ عكازه | |
وعيناهُ ابيضتا،وبان كما الشلو | شيئاً عجيباً مثيرا | |
تكلم …فاهتزت الارض | كادت تفجر بركانها،وتقذفنا بالحجارة | |
تلعن هذا الوجود | وتشكو إلينا الزمان الحقيرا |
أحقاً،أيقدر هذا؟ | وكيف؟تمر الأسامي | |
تلاحق،تصعقه مرة،وأخرى يدمدم كالرعد | يتفث صوتاً،غريباً،جهورا | |
أشيخ ترى من أمامي | يتلو الحديث،وينزف من قلبه | |
الجرح نارا،ونورا،ترى من يعد من الأربعين | الذين على مذبح الموت | |
يوم اختطاف الصباح،هوى نجمهم | قُتلوا غيلة،مزقتهم يد البغي،ظلماً وجورا | |
أيذكر أحفاده،أم ترى يذكر أبناءه | عمومته،أشقاءه،صباياه | |
لو يستطيع لأطلقهم واحداً، واحدا | يزلزل باسمهم الكون،يصرخ مستنجداً، مستجيرا | |
أحدق في مقلتين،ابيضتا من الدمع | يوقد في الصدر،في القلب، حقداً سعيرا | |
تسمرت ،ياشيخي المستفز | شعرت بأني أمامك صرت…صغيراً ..صغيرا | |
فعفوك إن كنت قصرت،عفوك | عفو أحبائك الخالدين..الذين لهم سدرة المنتهى،مكاناً عزيزاً،أثيرا |
معين بسيسو
أنا لا أخاف من السلاسل | فاربطوني بالسلاسل | |
من عاشَ في أرضِ الزلازل | لايخاف من الزلازل | |
لمن المشانق تنصبون | لمن تشدون المفاصل | |
لن تطفئوا مهما نفختم | في الدجى هذي المشاعل | |
الشعبُ أوقدها | وسار بها قوافل في قوافل | |
أنا لا أخاف من العواصف | فاعصفي بي يا عواصف | |
أنا لي رفاق في دمي | تدوي وعودهم القواصف | |
وتىءُ في عينيَّ | خاطفة بروقهم الخواطف | |
وتسيل من كفي | جارفة سيولهم الجوارف | |
أنا لا أخاف ومن أخاف | ولي رفاق يا عواصف؟ |
قد أقسموا والشمس ترخي | فوقهم حمر الضفائر | |
أن يطردوا من أرضنا | الخضراء تجار المقابر | |
ويحرروا الإنسان من | قيد المذابح والمجازر | |
ويحرروا التاريخ | من قلم المغامر والمقامر | |
فنحقق الوطن الكبير | لنا ونزرعه منائر | |
ها هم هناك أخي هو | وصواعق في صواعق | |
فانظر لمن زرع المشانق | تحصده المشانق | |
وانظر لمن حفر الخنادق | كيف تدفنهُ الخنادق | |
هم قادمون أخي لقد | ركزوا على الفجر البيارق | |
وهوى وراءهم الظلام | المميت تاكله الحرائق |
أنا إن سقطت فخذ مكاني | يا رفيقي في الكفاحِ | |
وأنظر إلى شفتي أطبقتا | على هوجِ الرياحِ | |
أنا لم أمت!أنا لم أزل | أدعوكَ من خلف الجراح | |
واقرع طبولكَ يستجب | لك كلّ شعبكَ للقتال | |
يا أيها الموتى أفيقوا: | إن عهد الموت زال | |
ولتحملوا البركان تقذفه | لنا حمرُ الجبال | |
هذا هو اليوم الذي قد | حددته لنا الحياة | |
للثورةِ الكبرى على | الغيلان أعداء الحياة | |
فإذا سقطنا يا رفيقي | في جحيم المعركة | |
فانظر علما يرفرف مازال يحمله رفاقك | فوق نار المعرة يا رفيق المعركة |
إبراهيم طوقان
من كان ينكرُ نوحاً أو سفينته | فإنّ نوحاً بأمرِ الله قد عادا! | |
حلّ الوبالُ”بعيبال” فمال به | يا هيبة الله إبراقاً وإرعادا | |
في جارفٍ كعجيجِ البحرِ طاغيةٍ | أمواجهُ تحملُ الأسواق إمدادا | |
ولا تزال من الزلازل باقية | تذكارها يوقدُ الأكباد إيقادا | |
منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا | فقراً وجوراً وإتعاساً وإفسادا | |
بفضلكم قد طغى طوفان”هجرتهم” | وكان وعداً تلقيناهُ إيعادا | |
واليوم من شؤمكم نبلى بكارثةٍ | هذا هو الطين والماء الذي زادَ |
بلفور !كأسك من دمِ الشهداءِ لا ماء العنب | لا يخدعنّكَ أنها راقت وكلّلها الحَببْ | |
فحبابها الأرواح قد وثبت إليك كما وثب | فانظر لوجهكَ إنّهُ في الكأسِ لوّحهُ الغضب | |
وانظر، عُميتَ،فإنّهُ من صرخةِ | الحقّ التهبْ | |
بلفورُ يومُكَ في السماء: | عليكَ صاعقةُ السماء | |
ما أنتَ إلا الذئبُ | قد صوّرتَ من طينِ الشقاء | |
والذئبُ وحشٌ لم يزل | يضرى برائحة الدماء | |
اخسأ بوعدك،إنّ وعدك | دونهُ ربُّ القضاء | |
وإلى جهنم أنتما حطبٌ | لها طولُ البقاء |
اخسأ بوعدكَ لن يضير الوعدُ | شعباً هبَّ ناهِضُ | |
لا تنقض الوعد الذي أبرمته | فلهُ نواقضُ | |
ويلٌ لوعد الشيخ من | عزمات آساد روابض | |
أتضيعُ يا وطني وهنا عرقُ | العروبةِ فيَّ نابضُ | |
فلأذهبن فداءَ قومي في | غمارِ الموت فائض |
وخجلنا من لُطفكم يوم قلتمُ | وعدُ بلفور نافذٌ لا محالهْ | |
كلُّ أفضالكمُ على الرأسِ والعين | وليستْ في حاجةٍ للدلالهْ |
خطرَ المسا بوشاحهِ المتلّون | بين الربا يهبُ الكرى للأعينِ | |
وتلمس الزهرَ الحيَّ فأطرقت | أجفانهُ شأنَ المُحبِّ المُذعنِ | |
ودعا الطيورَ إلى المبيتِ فرفرفت | فوق الوكون لها لحون”الأرغن” | |
وتسرقت نسماته في إثرهِ | فإذا الغصونُ بها ترّنحُ مدمنِ | |
آصالُ أيامَ الربيعِ جميعها | حسنٌ و”عيبال” اكتسى بالأحسنِ | |
جبلٌ لهُ بين الضلوعِ صبابةٌ | كادت تحولُ إلى سقامٍ مزمنِ | |
وتفجرّت شعراً بقلبي دافقاً | فسكبت صافيه ليشرب موطني | |
يا موطناً قرعَ العُداة صَفاتهُ | أشجيتني ومن الرقاد منعتني | |
يا موطناً طعنَ العداةُ فؤادهُ | قد كنتَ من سِكينهم في مأمنِ | |
لهفي عليك وما التلّهفُ بعدما | نزلوا حماكَ على سبيلٍ هيّنِ |
وأتوكَ يُبدونَ الودادَ وكلّهم | يزهو بثوبٍ بالخداعِ مُبطن | |
قد كنتُ أحسبُ في التمدن نعمةً فإذا بجانبِ رفقه أكر الوغى | حتى رأيتُ شراسة المُتمدن وإذا الحديدُ مع الكلامِ الليّنِ | |
الذنبُ ذنبي يوم همتُ بحبّهم | يا موطني هذا فؤادي فاطعنِ | |
واغمر جراحك في دمي فلعلّهُ | يُجدي فتبرأ بعده يا موطني | |
عجباً لقومي كلّهم مقعدين ونوّماً | وعدوهم عن سحقهم لا ينثني | |
عجباً لقومي كلهم بُكمٌ ومن | ينطق يقل يا ليتني ولعلّني | |
لم يؤجسون من الحقيقة خيفة؟ | لم يشطحون عن الطريقِ البيّنِ؟ | |
إنّ البلاد كريمة ياليتها | ضنّت على من عقّها بالمدفنِ | |
ويغيظني من باتَ حشو رؤوسهم | كَلِمَ السباب،وليته لم يُعلنِ | |
فتحت لهم بعض الصحائف صدرها | حرضاً على ترويجِ فن متقنِ |
يا سَراةَ البلادِ يكفي البلادا | ما أذابَ القلوب والأكبادا | |
انتدابٌ أحدُّ من شفرةِ السيفِ | وأورى من المنايا زنادا | |
وعدُ بلفورَ دكّها فلماذا | تجعلونَ الأنقاضَ منها رمادا؟ | |
ما الذي تفعلون والجو مُربَددٌ | وهذى الأعداءُ تقضي المرادا؟ | |
أفزعتم من كلِّ أمرٍ سوى المجلس | يحتاجُ هِمّةً وجهادا؟ | |
أحبطَ الله سعيكم،ألُحبِ | الذاتِ ،قكتم تهينون العتادا | |
تنبذون الأوطان،في طلبِ | المناصبِ،والدينَ،والهدى والرشادا | |
إنّ في الموطنِ العزيزِ سواهُ | ألفَ شُغلٍ فأوسعوها اجتهادا | |
وطنٌ بائسٌ يُباعُ وأنتم | لا تزالون تخدعون العبادا | |
مثخنٌ بالجراحِ أبرأه الله | فهلّا كنتم لهُ عُوّادا؟ |
كيف يلقى من هادميهِ بُناةً؟ | وكيفَ يرجو من جارحيهِ ضمادا؟ | |
يا جُناةً على البلادِ بدعوى الخير | والبرِّ،لا نعمتم رقادا | |
قامَ من بينكم سماسرة السوء | فهل تشتكون ثمَّ اقتصادا؟ | |
في غدٍ ينشأ الصغارُ فيبتغون | تلاداً وما تركتم تلادا | |
بعتموهُ إلى العدوِّ،فمن أين | يلاقون ملجأ ومهادا؟ | |
أنتم اليوم تزرعون فسادا | وغداً سوف يثمرُ استعبادا | |
يا سماء انقضّي،ويا أرضُ ميدي | قتلت أمةٌ وبادت بلادا |
عبد الرحيم محمود للملك سعود عند زيارته الأقصى عام 1935م وكان ولياً للعهد:
يا ذا الأمير أمام عينكِ شاعرٌ | ضُمّت على الشكوى المريرة أضلعه | |
المسجدُ الاقصى أجئتَ تزوره؟ | أم جئتَ من قبل الضياعِ تودّعه | |
حرمٌ مباحٌ لكلِّ أوكعَ آبقٍ والطاعنونَ وبوركت جنباته | ولكلِّ آفاقٍ شريدٍ أربعُه أبناؤهُ الظيم بطعن يوجعه | |
وغداً وما أدناه،لا يبقى سوى | دمعٌ لنا يهمي وسن تقرعه |
يوسف الخطيب
تلك يا صاحُ قبرة…في الحدود | خرقت ألف حرمة…للعهود | |
فهي تغدو طليقة وتروح | وأنا مثخنٌ هنا…بالجروح | |
ليتني كنت قبرة…فأطير | وجناحي مصفق …في الأثير | |
فوق بيارة لنا …وغدير | ليتني كنت قبرة |
بريئةٌ منكم فلسطين التي تذبحون | ولحمها باقٍ على أنيابكم | |
يا أيها التجار،والفُجّار،والآثمون | دمُ الفدائيين في رقابكم | |
أقولها،جهرَ الرياح،وليكن ما يكون | سرقتم الثورة في جرايكم | |
أين اختفت يافا،وبيسان،وأين الكرمل | والطلقة الأولى،وفتحٌ،والخطابُ الأول | |
ومن قضوا ،باسم فلسطين،ومن تجندلوا | أم قد تبدّلت رياحكم؟إذت،تبدّلوا | |
خذوا حصادَ عهدكم إلى | الجحيم وارحلوا | |
بريئةٌ منكم هي القدس،وأقداسها | يا أمراء الثورة المنعمة | |
أأنتمو طُلّابُ أقصاها،وحُرّاسها | أم الضباعُ حولها ململمة | |
مآذنُ القدس،وما تقرعُ أجراسها | تلعنكم أكنافها المُهدّمة! |
وأنتمُ الباعة،والشُراة،والبضاعة | أرخصتكُ الأرض،وسِعرَ الجراح | |
وخنتمُ الثدي الذي أتخمكم رضاعه | وبعتمُ الشيطان طُهرَ الكفاح | |
أنتم،من البدر، اختلستم هذه الأمانة | مرّغتم الثورة في مستنقع المهانة | |
طعنتم”انتفاضتين”خنجرَ الخيانة | والحلمُ،صارَ الحكمَ…واحترفتم الكهانة | |
من تخدعون،يا حُواة آخر الزمن | يا قادةً،بصيغة المقودِ والرسن! | |
أم قد جنيتم يوم أن نجستم الثمن | أكذوبة”الدولة”عن حقيقة الوطن | |
فيا شياطينُ تزّيني وجُودي | بدولة الوهم،لزمرة العبيد | |
يا من تبيعون الدماءَ،خمرةً مُدارة | تَبّت أياديكمُ،وبئسَ هذه التجارة | |
أقماعَ دولة،مُسوخَ غفلة | كلّ سيلقى في الجحيم عمله | |
ويا هلافيت وليس من ثريد! | دولتكم هذه،بإمرة اليهود |
يا من تكالبتم على جوائز الحضارة | مسختمُ الشعرَ على مذابحِ الدعارة | |
والوزرُ عندكم،غدا مُؤّهلَ الوزارة | والدين بالدنيا،وحتى الربح بالخسارة | |
لكنّني سجلّتُ للآتين أسماءكم | فاتبعوا،يا قادة البلوط،أهواءكم | |
يا أيها القتلى معاً، والقتلة | فلن تموت شعلةٌ،من كبدي لَفوحها | |
أنني القدسُ التي يسكنني مسيحها | لانني شريدها،شهيدها،جريحها | |
فهذه الصيحة في وجوهكم أصيحها | بريئةٌ منكم فلسطين ،فمن تخدعون | |
سيقرع الشعبُ على أبوابكم | يا أيها المستثمرون الموت،والمُدعون | |
عوائدَ النكبة في حسابكم | إلى متى،يا أجراء الوحل، تستأجرون | |
زواحفُ الشعر على أعتابكم | أعلنها،جهرَ الرياح،وليكن ما يكون | |
بريئةٌ منكم | فلسطين التي تذبحون |
أكادُ أؤمنُ ،من شك ومن عَجب | هذي الملايين ليست أمّةُ العربِ | |
هذي الملايين لك يدرِ الزمان بها | ولا بذي قار،شدّت رايةَ الغَلب | |
ولا تنّزلَ وحيٌ في مرابعها | ولا تبوكُ روت منها غليلَ نبي | |
ولا على…اليرموكِ من دمها | توهجَ الصبحُ تيّاهاً على الحِقب | |
ولا السفينُ اشتعالٌ في المحيط،ولا | جوادُ عقبة فيه جامعُ الخبب |
أتُراك مثلي يا رفيقُ تمرُّ بالزمن | عبرَ الليالي السود والمحنِ | |
لا صاحبٌ يرخي عليك غلالة الكفن | بي لهفةٌ يا صاحبي مشبوبة بالنارِ | |
هل بعضُ أخبارٍ تحدّثها وأسرار | للظامئين على متاهةِ الوحشة العاري | |
كيف الحقولُ تركتها في عرس آذار | ومتى لويتَ جناحك الزاهي عن الدارِ | |
عجباً …تراك أتيتنا | من غير تذكارِ | |
لو قشةٌ مما يرفُّ ببيدرِ البلد لو رملةٌ من المثلث أو رُبا صفد | خبأتها بين الجناحِ وخفقة الكبد لو عشبةٌ بيدٍ ومزقةُ سوسنٍ بيدِ | |
أين الهدايا مذ برحتَ مرابعَ الرغدِ | أم جئت مثلي بالحنينِ وسورةِ الكمدِ | |
ماذا رحيلُكَ أيها المتشردُ الباكي | عن أرض غابات الجبالِ وفوحها الزاكي | |
أم أن مرج الزهرِ أصبحَ قفرَ أشواكِ | وتلوّنت أنهارها بنجيع سفّاك | |
داري وفي عيني والشفتين نجواكِ | لا كنتُ نسلَ عروبتي إن كنتُ أنساكِ |
فؤاد الخطيب
يا جيرة البان هل من يسأل البانا | إن كان فيه صدىً من رجعِ شكوانا | |
فكم ابدّلت الأفنان مصغيةً | إليه،وانتفض النَوّارُ يقظانا | |
والتقت الوُرقُ أسراباً مُصفقة | على الكثيبِ تبثُّ الوجدَ ألحانا | |
والريحُ تهمسُ في الآذان ملهمة | والزهرُ ينصبُ للإلهام آذانا | |
تلك الملاعب أقوتْ وانطوتْ حججٌ | أمستْ جوىً وضحى برحاً وأشجانا | |
تسربت في حنايا الصدر فانعقدت | همّاً تعجُّ به الأنفاسُ نيرانا | |
هي (الهموم) فسل عنها الخبير بها | إنّ(الهمومَ) تصبُّ الويل ألوانا | |
بالله لو فعلت في الجسم ما فعلت | في النفسِ لم يعرف الإنسانُ إنسانا | |
وأصبح الناسُ غير الناس من صور | شنعاء تمنحهم شيباً وولدانا | |
حتى(الطبيعة) تلقاهم فتنكرهم | وإن رأت قبلهم جناً وغيلانا |
فليتق الله قومٌ بين أضلعهم | غيظٌ تفجّر أحقاداً وأضغانا | |
أهوت بهم لعنةُ الأجيالِ تقذفهم | في وجه إبليس صخّاباً ولعانا | |
لم تنتقل قدمٌ منهم إلى عملٍ | حقّ يكون على الإخلاصِ برهانا | |
وحولهم ضجةٌ من كلّ ذي ملقٍ | سمجٍ وكلّ وقاح لجّ تبيانا | |
مستهترين فما يخشون من شططٍ | مُستوفزين لجمعِ السّحتِ وُحدانا | |
يمشون في الغيِّ والأهواء ترفعهم | كالشركِ يرفعُ أنصاباً وأوثانا | |
وكم هنالك دجالٌ له زبدٌ | من فوق شِدقيهِ يخفى الدجلَ أيقانا | |
يُبدي الحماسة إرغاء،فإن بلغت | حدّ التشنجِ ضجَّ القومُ إيمانا | |
وكم شهدت جموع الخلق مطبقة | على الطريق مشاة فيه ركبانا | |
تترى المواكب والأبصار خاشعة | إلى العواقبِ وِسعَ الأكوانِ غفرانا |
صبراً على العصبة المزور جانبها | من فرط ما احتملت بغياً وعدوانا | |
وكيف تنقم منها عند محنتها | عنفاً تجيشُ به الألفاظُ أحيانا | |
ولمحة شزرة أو لفتة ثقلت | عليك أو خُلقاً وعراً وخذلانا | |
فانظر إلى النسم العلوي منطلقاً | فوقَ الجبالِ يجرّ الذيل نشوانا | |
فإن هو انحط منها اعتلّ من كمدٍ | وارتدَّ ملتهبَ الأنفاسِ غضبانا | |
فاندسَّ تحت ذيولِ الأيك مختبئاً | وانسلّ بين زوايا الصخرِ حيرانا | |
فكيف بالنفسِ من عليائها انحدرت | والنفسُ أصدقُ إحساساً ووجدانا | |
فإن يكن حظ حلفِ الدسِّ طنطنة | وكان حظُّ سريّ النفس حرمانا | |
فالشمسُ تظهرُ للعينين قد نقصت | لدى الكسوف وتأبى الشمس نقصانا |
يا بنتَ يعرُبَ كم من مُوجع دنفٍ | لم تذكريه فلم يجحدك نسيانا | |
يذودُ عنكِ خفيَّ الختل منغمساً | في الهولِ يحمل ما يرضيك جذلانا | |
كم خاضَ معركةً خرساء دامية | شبّت وأمعن فيه السيف إثخانا | |
فلم يُجشّمكِ عبءَ المنِّ منتفخاً | بالعُجبِ واحتملَ الآلام كتمانا | |
وأنتِ يلهيكِ عنه الصائحون معاً | خباً فتنبينَ إعراضاً وهجرانا | |
يا ويحَ جنديّكِ المجهولَ منجدلاً | على الصعيد سليبَ الثوب عُريانا | |
قد ماتَ دونكِ لم يمننْ عليكِ يداً | ولم ينلْ منكِ عند الموتِ أكفانا | |
مهلاً فصحبُكِ والتاريخُ يوم غد | سيرفعان غشاءً يُسدل الآنا |
كمال رشيد
اقتلونا…واسحلونا | في ثرانا،بدمانا غيّبونا | |
سوف نبقى،عبقاً في الأرض | جذراً وتراباً،وحصاداً وشهوداً وعهودا | |
سوف نبقى…لنعيد الحقّ حقاً | نسبقُ الأحداث سبقا | |
نزرع الأرض لتبقى | نركبُ الصعبَ،ونرقى | |
سوف نبقى، | سوف نبقى | |
إن يمت ألفٌ فألفٌ جاهزون | من فجاجِ الأرض،من تحت الركامِ يخرجون | |
في دياجي الليل،في الظلمة | في وضح النهارِ يطلعون،وينالون الذي هم ينشدون | |
إن قتلتم شيخنا الملتف في ثوب الجلال | ثم أتبعتم بأُسدٍ..برجالٍ كالجبال | |
فاعلموا أنّكم قدّمتم خدمة للأرض | وللعشاق أذكيتم أفانين القتال | |
وكذا الأيام تمضي | وكذا الحرب سجال |
محمد صيام
لا لن نهاجر كالطيور | مهما تكدست الشرور | |
ولسوف نصمد فوق أرض | بلادنا مثل الصخور | |
نبني كما بنت الجدود | لنا على مرّ الدهور | |
بسواعد لا تستكين | ولا تملّ ولا تخور |
كمال ناصر
ولا تُطرقي…فوجهك هذا الحزين | سأنساهُ في فرحة المعركة | |
ولا تشفقي…فلي مأربٌ في المنون | أضمُّ عليه العيون | |
فأمشي إلى مطلبي | بصبرِ نبي…وعين نبي | |
لعلي أن أدركه | لدى فرحة المعركة | |
ولا تُطرقي…فإن جراح الحياة بصدري | تُعذب صدري | |
فإن نداء القدر | يُلّونُ بالثأرِ عمري | |
ويقذفني للخطر | فأمشي إلى مصرعي | |
ويمشي إبائي معي | فلا توصدي في عيوني الباب | |
دموعك كفرُ، فلن ترجعيني | ولن تضعفني | |
فحقي يريدُ الذهاب إلى المعركة | إلى المجد كي أدركه..مصيري ..ومصيرك بين الحراب…وهذا الذهاب |
وسأروي لك قصة | قصةً عاشت بأحلامِ الأنام | |
قصةً تنبعُ من دنيا الخيام | حاكها الجوعُ…ووشتها عشيات الظلام | |
في بلادي،وبلادي حفنةٌ من لاجئين | كل عشرين لهم رطل طحين | |
ووعودٌ بالفرج…و | هدايا وبُقج | |
إنها قصة آلام الجماعة | صبروا عشر سنين في مجاعة | |
ودموعٍ وأنين…وشقاءٍ وحنين | إنها قصة شعبٍ ضللّوه…ورموه في متاهات السنين | |
فتحدّى وصمد | وتعرّى واتحد | |
ومضى يُشعل ما بين الخيام | ثورة العودة في دنيا الظلام |
لن نستريح | والشعبُ دامٍ جريحْ | |
والقيدُ في المعصمِ | والحقدُ ملءُ الدمِ | |
ودربنا شاحبُ الأنجمِ | يضجُّ بالآثمِ المجرمِ | |
لن نستريح | ونحنُ في مأتمِ | |
في حالكٍ مظلمٍ | يجترنا حاقدٌ أعجمي |
عندما أكتب تاريخ بلادي | بشبابي ودمائي | |
فسأبقى صفحةً للشعبِ | تنزو بالإباءِ | |
صفحةً خالدةً حمراءَ | في شعرِ الفداءِ |
موسى الحداد
يا ابنةَ المجدِ والعروبةِ هبّي | واذكري خيبراً ,اسد الملاحم | |
واذكري القدسَ يوم صلاح الدين | فيها فلّ الجيوش الخضارم | |
سرّحي الطرفَ وانظري في البوادي | تجدي اللاجئينَ شبه السوائم | |
وبنو أمهم عن الثأرِ لاهون | سدى باجتماعهم في العواصم | |
ليت حظّ اتحادهم في العوادي | مثل حظّ اتحادهم في الولائم |
إسعاف النشاشيبي
يا فتاةَ الحيِّ جُودي بالدماء | بدلَ الدمعِ إذا رُمتِ البكاء | |
فلقد ولّت فلسطينُ ولم | يبقَ يا أختَ العلا غير دماء | |
إنها أوطانكم فاستيقظوا | لا تبيعوها لقومٍ دخلاء | |
كيفَ ترجونَ حياةً بعدها | ونعيماً وهناءً وصفاء |
سالم جبران
غريبٌ أنا يا صفد | وأنتِ غريبة | |
تقولُ البيوتُ:هلا | ويأمرني ساكنوها ابتعد | |
علام تجوبُ الشوارع | يا عربي…علاما؟ | |
إذا ما طرحتُ السلاما | فلا من يردُّ السلاما | |
لقد كان أهلك يوماً هنا | وراحوا…فلم يبق منهم أحد | |
على شفتي جنازة صبح | وفي مقلتي مرارةُ الاسد | |
وداعاً وداعاً | ياصفد |
محمد الحوت
يافا، لقد جفّ دمعي فانتحبتُ دماً | متى أراكِ،وهل في العمر من أمد | |
أمسي،وأصبح والذكرى مجددة | مخمولة في طوايا النفسِ للأبد | |
كيف الشقيقات، يا شوقي لها مدنا | كأنها قطع من جنة الخلد | |
ما حالها اليوم يا يافا وهل نعمت | من بعد أن سلمت أمساً يداً بيدِ | |
وكيف من قد تبقى في مرابعها | وقد تركناه فيها ترك ملتحد | |
ما بال قلبي إذا ما سرت من بلد | يضيع من وجده في الصدر وأبدي | |
مهما استقام به من عيشة رفد | وجدته هازئاً يا لعيشة الرغد | |
تعبت لكنني ما زلت في تعبي | أشكو إلى الله لا أشكو إلى أحدِ |
مجد الدين الحنبلي حين زار القدس يوم كانت تحت حكم الصليبيين:
مررتُ على القُدسِ الشريفِ مُسلِّماً | على ما تبقى من ربوع كأنجمِ | |
ففاضت دموعُ العينِ مني صبابةً | على ما مضى من عصرهِ المتقدّمِ | |
وقد رامَ”علجٌ” أن تُعفى رسومه | وشمّرَ عن كفي لئيمٍ مُذمّمِ | |
فقلتُ لهُ شُلّت يمينُكَ خَلّها | لِمعتبرٍ أو سائلٍ أو مُسلِّمِ | |
فلو كان يُفدى بالنفوسِ فديتهُ | بنفسي،وهذا الظنُّ في كلِّ مُسلمِ |
محمد الفيتوري
ليسَ طفلاً،ذلك الخارج | من قبعةِ الحاخام،من قوسِ الهزائم | |
ليس طفلاً وتمائم..إنه العدلُ الذي يكبر في صمتِ الجرائم | إنه التاريخ مسقوفاً بأزهار الجماجم | |
إنه روحُ فلسطين المقاوم | ||
إنه الأرض التي لم تخن الأرض | وخانتها الطرابيش وخانتها العمائم | |
إنه الحقُّ الذي لم يخُنِ الحق | وخانته الحكومات وخانته المحاكم | |
فانتزع نفسكَ من نفسك | واسكب أيها الزيتُ الفلسطيني أقمارك | |
وأحضن ذاتكَ الكبرى وقاوم | وأضىء نافذة البحر على البحر | |
وقل للموج | إن الموج قادم |
فاروق جويدة
شهداؤنا بين المقابر يهمسون | والله إنا قادمون | |
تنبت الأصوات في صمت السكوت | والله إنا راجعون | |
تتساقط الأحجار يرتفع الغبار | تضىء كالشمس العيون | |
والله إنا راجعون | ||
شهداؤنا خرجوا من الأكفان | وانتفضوا صفوفاً،ثم راحوا يصرخون | |
عارٌ عليكم أيها المستسلمون | وطنٌ يباع وأمة تنساق قطعانا…وأنتم نائمون | |
شهداؤنا فوق المنابر يخطبون | قاموا إلى لبنان صلوا في كنائسها | |
ورأوا المسجد الأقصى وطافوا | في رحاب القدس…واقتحموا السجون | |
في كل شبر،من ثرى الوطن المكبل ينبتون | من كل ركن في ربوع الأمة الثكلى…أراهم يخرجون | |
شهداؤنا وسط المجازر يهتفون | الله أكبر منك يا زمن الجنون |
شهداؤنا يتقدمون…أصواتهم تعلو على أسوار بيروت الحزينة | في الشوارع في المفارق يهدرون | |
إني أراهم في الظلام يحاربون | رغم انكسار الضوء…في الوطن المكبل بالمهانة..والدمامة…والمجون | |
والله إنا عائدون..أكفاننا ستضىء يوماً | في رحاب القدس سوف تعود تقتحم المعاقل والحصون | |
شهداؤنا في كل شبر يصرخون | يا أيها المتنطعون.. | |
كيف ارتضيتم أن ينام الذئب | في وسط القطيع وتأمنون؟ | |
وطن بعرض الكون يُعرض في المزاد | وطعمة الجرذان..في الوطن الجريح يتاجرون | |
أحياؤنا الموتى على الشاشات | في صخب النهاية يسكرون | |
من أجهض الوطن العريق | وكبل الأحلام في كل العيون…يا أيها المتشرذمون | |
سنخلص الموتى من الأحياء | من سفه الزمان العابث المجنون | |
والله إنا قادمون | “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون” |
شهداؤنا في كل شبر | في البلاد يزمجرون | |
جاءوا صفوفاً يسألون | يا أيها الأحياء ماذا تفعلون | |
في كل يوم كالقطيع على المذابح تصلبون | تتنازلون على جناح الليل..كالفئران سراً للذئاب تهرولون | |
وأمام أمريكا | تُقام صلاتكم فتسبحون | |
وتطوف أعينكم على الدولار | فوق ربوعه الخضراء يبكي الساجدون | |
جرذان تصافح بعضها | والناسُ من ألم الفجيعةِ يضحكون | |
في صورتين تباع أوطان/وتسقط أمة | ورؤوسكم تحت النعال…وتركعون | |
في صورتين.. | تُسلم القدس العريقة للذئاب…ويسكر المتآمرون.. |
شهداؤنا في كل شبر يصرخون | بيروت تسبح في الدماء وفوقها | |
الطاغوت يهدر في جنون | بيروت تسألكم أليس لعرضها | |
حق عليكم؟أين فرّ الرافضون؟ | وأين غابَ البائعون؟ | |
ولأين راح …الهاربون؟ | الصامتون…الغافلون…الكاذبون | |
صمتوا جميعاً | والرصاص الآن يخترق العيون | |
وإذا سألت سمعتهم يتصايحون | هذا الزمان زمانهم..في كل شىء في الورى يتحكمون | |
لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص فإنكم | في كل شىء خاسرون | |
لن يترك الطوفان شيئاً كلكم | في اليمِّ يوماً غارقون | |
تجرون خلف الموت،والنخاس يجري خلفكم | وغداً بأسواق النخاسة تعرضون | |
لن يرحم التاريخ يوماً | من يُفرّط أو يخون |
كهاننا يترنحون | فوق الكراسي هائمون | |
في نشوة السلطان والطغيان | راحوا يسكرون | |
وشعوبنا ارتاحت ونامت | في غيابات السجون | |
نام الجميع وكلهم يتثاءبون | متى يفيق النائمون؟ |
غازي القصيبي
وبدا لي مسجدٌ مكتئبٌ | دنسّتهُ بوحولِ البغي رُبْدُ | |
ذكرَ الإسراءَ فاهتزّ أسىً | ولإسرائيل في المحرابِ جندُ | |
أيها المسجدُ يا مسرى الهدى | إنّ وعدَ الله حقّ لا يُصَدُّ | |
الصليبيون أمس ارتحلوا | وغداً يمضي الصليبُ المُستجدُّ | |
قل لمن طارَ بهِ الوهمُ اتئد! | ليسَ للظاملىء في الأوهام وردُ | |
أي سلم ترتجي من رجلٍ | يدهُ بالخنجرِ الدامي تُمَدُّ | |
أيّ سلم ترتجي من رجلٍ | ضجَّ في أعماقهِ الحقدُ الالدُّ | |
ديرُ ياسين على راحته | لعنةُ تتبعهُ أيّانَ يغدو | |
سترى إذ تنجلي عنكَ الرؤى | إنّهُ للحربِ لا السّلمِ يُعدُّ | |
إنّ ما ضُيّعَ في ساحِ الوغى | فيسوى ساحتها لا يُستردُّ |
محمد الحريري
انهلْ على غدرِ الليالي واشربْ | لم تبقَ ماسأةٌ ولم تتصبّب | |
أضحتْ كوارثنا معتقة الأسى | لا تُحتسى إلا بكأسِ معذّبِ | |
أدرِ المصائبَ يا زمانُ وصُبّها | فقلوبنا لولا الأسى لم تخصبِ | |
سرنا مع الباسأء لم نتعب سُرىً | ونهيب من باسأئنا أن تتعبِ | |
وعلى ظلامِ لحاظنا صرح الضحى | فيا شمسُ اغربي “فلسطين” غربت | |
إنا على عضِّ الكوارثِ صُبّرٌ | وعلى انتظارِ للكوارثِ أصلب | |
لا نُطقَ بعد اليوم إلا للظى | فلتنطق النيرانُ أو فلتكتبِ |