بسم الله الرحمن الرحيم
أدباء … وفقهاء … ولكّن أطباء
ـ سُئل أعرابي عن أخ له فقال :”اعتورته الهموم،واستلحمته الفكر،وتضيفته الأحزان،وتخلَّلته البلابل “(البصائر والذخائر ج2 ص135 مقطع 459).
ـ الظلال (ج1 ص43 ) {في قُلُوبهم مرضٌ فَزادَهُمُ الله مرضا }[سوره البقرة10].
يقول سيد قطب رحمه الله: ” فالمرض ينُشئ المرض والانحراف يبدا يسيرا ثم تنفرج الزاوية في كل خطوه وتزداد، سُنَّة لاتتخلف سُنَّة الله في الأشياء والأوضاع وفي المشاعر والسلوك”.
سيد قطب(الرسالة العدد394):
“هذه الحياة الدنيا عجيبة،فهي ما تزال تنشىء السم وتدس فيه الترياق،وتخلق السقم وبين طياته عناصر الشفاء.وما تزال تخيل لأبنائها السذج أنها موشكة على التلف مشرفة على البوار،فتثير فيهم قواهم الكامنة،وتستحث منهم هممهم الراكدة،ثم إذا هي تنصل من الداء،وتنهض من الكبوة،أشد ما تكون عافية،وأوفر ما تكون قوة،كصحو الطبيعة غب الوابل المنهمر،وصفو الكون بعد العاصفة الهوجاء!”.
سيد قطب(مقال بعنوان بعثة طبية ـ الرسالة العدد 665):
“والنيابة والحكيم هذان هما الشيئان الهائلان المخيفان في القرية كلها.
وما وظيفة الحكيم؟
أليست وظيفته أن يشرح جثث الموتى،وأن يبقر بطون المصابين،أو يقطع أيديهم وأرجلهم لمجرد الإيذاء،أو لكي يفحصها ويلتذ بفحصها؟أو أن يسقي المرضى(الفنجان) أي السم ليموتوا،حتى لا يتعب في علاجهم،أو تلبية لرغبة العمدة الذي يرشوه للتخلص من خصومه الذين يصابون في الحوادث!
فما هم وهذا الحكيم؟
إنهم ليسوا قتلى يشرحهم،وليسوا مصابين يقطع أوصالهم،أو يسقيهم”الفنجان”…ولكن،أو يستدعيهم إلا لأمر ما؟أخف شىء يصنعه بهم هو “التجريح”…(وهو الاصطلاح الذي يطلقونه على عملية التطعيم)،تلك العملية المرعبة التي يندب لها بعض معاوني الصحة،وبعض الممرضين في الحين بعد الحين،فترّوع القرية ترويعاً…وما أن يعلن أن في البلد “الحكيم الصغير”(تمييزاً اه من الحكيم الكبير)الذي يطلبهم الآن والذي يرافق النيابة دائماً ولا يحضر مفرداً ما أن يعلن هذا حتى ترتج وترتجف.فتخرج الأمهات إلى الشوارع مولولات مذعورات يلتقطن أطفالهن من كل مكان في ذعر وعجلة،ثم يغلقن على أنفسهن الأبواب،ويصعدن إلى السطح استعداداً للقفز عليها من بيت إلى بيت،فكثيراً ما يدق هؤلاء الشياطين الأبواب،ويكسرونها بمساعدة الخفراء،ويهجمون على من فيها (للتجريح).
فأما من تستطيع القفز إلى البيوت المجاورة،فلن تقصر في سلوك طريق النجاة،وأما من لا تستطيع،فإنها تختبىء في صومعة الغلال،أو في م الدجاج،حيث لا يخطر على قلب (الحكيم) أنها هناك!
هذا هو الحكيم الذي يعرفونه…فما بالهم بالحكيم الكبير الذي لا يحضر إلا مع النيابة،والذي لا يقع أحد في يده،ثم ينجوا إلا بمعجزة من معجزات القدر،أو ببركة(تميمة) لولي من كبار الأولياء؟!
وارتجفت مفاصلهم جميعاً وهم يسمعون الخبر الفاجع،اصفرت وجوههم،وعلا صوت بعضهم بالنحيب والعويل!
ووصلوا إلى الدوار،ولا يعلم إلا الله كيف وصلوا.ووقفوا صفاً طويلاً.أوله في داخل الدوار وآخره في الشارع أمامه.وعن اليمين وعن الشمال وقف الخفراء ببنادقهم(ولبدهم) الطويلة،ووقف أحد المدرسين في أول الصف وأحدهم في آخره.أما الناظر فقد سبقهم إلى الحكيم ليطمئنهم قليلاً،ويظهر أمامهم بمظهر الشجاعة المطلوب!
وكان ترتيب الصف حسب الطول،فتقدم كبار التلاميذ وتبعهم الصغار أو القصار.وفي هذه اللحظة أصبح القصر نعمة من نعم الله!
ـ دخلتم للحكيم؟
ـ نعم دخلنا!
ـ وماذا صنع بكم؟
ـ لا شىء! غزّنا في أصابعنا بالدبوس وشفط الدم! ولكن رؤيتهم لهم أحياء أصحاء مطمئنة على كل حال.
ـ وماذا هذا في أيديكم؟
ـ حق من الصفيح نأتي فيه بعينة براز وزجاجة صغيرة نأتي فيها بعينة بول!
ـ عينة براز وعينة بول! ولماذا؟
ـ لا ندري! هكذا طلب منا الحكيم!
ـ الحكيم نفسه طلب منكم هذا؟
ـ لا…الحكيم الكبير غزنا.والحكماء الصغيرون سلمونا الحق والزجاجة وطلبوا منا العينة للحكيم!
وعلى سهولة الطلب ورخصه إلا فإنه بدا عزيزاً وصعباً في كثير من الحالات…لقد طلب إليهم جميعاً أن ينطلقوا إلى دورات المياه بمساجد القرية،وأن يعودوا بعد نصف ساعة ومعهم المطلوب.
فأما الذين كان في أمعائهم بقية فقد انطلقوا مطمئنين،وأما الذين أحسوا أن أمعائهم لا تستجيب لهم، أو حاولوا ولم يفلحوا،فقد علا وجههم الإصفرار،وارتفعت دقات قلوبهم من الخوف،وركبتهم الحيرة التي تركب المذعورين!
وهنا تتفق الحيلة،وتبدو قيمة التعاون!
إن التلاميذ لإخوة،فمتى تظهر قيمة هذه الأخوة إن لم تظهر الآن؟!
لقد انطلق المحرجون يرجون إخوانهم أن يمدوهم بعونهم،وأن يتولوا عنهم ملء هذه الإحقاق!
وهنا تظهر الطبائع على حقيقتها.فالشدائد هي أفضل محك لها فأما ذوو الأصل الطيب والطبع النبيل من التلاميذ فقد تقدموا لمعاونة زملائهم بلا تردد.وأما قليلو الأصل وذوو الطبائع اللئيمة،فبعضهم امتنع شفاء لحزازات قديمة،وبعضهم تمنع لؤماً والنتهازاً للفرصة!
وما هي إلا دقائق حتى كانت الإحقاق كلها مليئة،فتسلمها الحكماء في اطمئنان عميق…وسمح للتلاميذ بإجازة بقية اليوم،فعادوا إلى منازلهم غير مصدقين!
وعلم فيما بعد أنها كانت بعثة طبية للقيام بإحصاء طبي عن حالات الأنيميا(فقر الدم)والبلهارسيا والأنكلستوما(نوع من الديدان)والاسكارس(نوع من الديدان).
ولكنه لم يعلم كيف كانت النتائج التي دونتها البعثة في إحصاءاتها الرسمية الوثيقة!!!
قيل لأعرابي: ماشدّة البرد؟ قال :إذا دمعت العينان،وقطرالمنخران،ولجلج اللسان”(البصائر والذخائر ج2ص242 مقطع 863).
زكي مبارك (رسالة الأديب :تحت عنوان الألم والحياة):
“قرأت في البلاغ فقرة مُترجمة جاء فيها أن شارلي شابلن قال إن بعض الناس يدهشون لإصراري على الظهور في رواياتي بمظهر البائس المتألم ولكن أليس في الألم كل معنى الجمال؟ يقول زكي مبارك :فتذكرت أنني قرات لأناتول فرانس منذ أعوام كلمة نفيسة عن الألم وفضله على الحياة فعدت إليه فرأيته يقول ماترجمته بتصرف يسير بين الوهم والألم الذي يحيط بنا يبدو شيئ واحد محقق ذلك هو الألم”.
يقول أحمد حسن الزيات (من وحي الرسالةج1 ص396):
“لقد كنا لانرى الموت إلا حيث تكون الشيخوخه الفانية،ولا نسمع بالمرض إلا قبيل الموت المرغوب،ولا نعرف من الأطباء إلا طبيب المركز يوم يزور القرية كل أربع سنوات فيأمر بتسوية التلال،وكنس الأزقة،ورش الحيطان الخارجيه بالجير،وكانت النفوس راضية مطمئنة تسبح في فيض من نعيم السلام والدّعة لا يرمضها حقد على إنسان ولا يقلقها حرص على شيئ،أما اليوم فكأنّما أصاب الناس سعار من الجحيم فلا يبرحون بين عمل دائب،وهمّ ناصب،وطمع شره، وتنافس دنئ،وعداوة راصدة،ثم فشا الطب ففشا المرض،وانتشر العلم فانتشرت الجريمة،وفاض الخير وغاضت البركة،واستبحرت المدنية المادية فخفت بين ضجيجها الآلي صوت الضمير،وهلك في عبابها المُزبد سلام النفس،وكان الظن بالمدنية والعلم أن ينزعا من نفوس بني الإنسان غرائز الحيوان،ويُهيأ لهم حياة الجنة التي حرمتهم إياها رذيلة الطمع،فهل رُفع الإيمان من الأرض حتى عمَّ الناس هذا البلاء وأصاب العلماء منه ما أصاب الجهلاء؟”.
أحمد حسن الزيات( وحي الرساله ج1 ص489):”فالفتى من تباريح الجوى أصيب بالسل فمزّق رئتيه،وشفّ جسمه،فهو في السرير عظم هامد ينتظر النهاية المحتومة،والأم من هول النكبة أخذها الفالج فهي سطيحة الفراش لا تمرّ ولا تحلى،والأب من فقد الرجاء اعتراه الخَبال فمات قتيلاً في حادث محزن”.
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد 394ـ مقال:خواطر مريض):
“عقدني(الروماتزم) شهراً بالسرير لا أتورّك ولا أتحرك.وكانت دنياي في هذه الفترة الفاترة قد انحصرت في غرفة المرض كما تنحصر دنيا الطائر السباح في القفص،أو حياة المخاطر الطماح في السجن.فالنشاط الحيوي الجياش بالعمل والأمل ينقلب في المريض والسجين نوعاً من الهدوء الفلسفي الصوفي يردُّ كل ثورة إلى السكون،ويروض كل رغبة على الرضى،ويزيل عن البصر والقلب غشوات الباطل فيرى المرء كل شىء على طبيعته،ويدرك كل معنى على حقيقته.
تلك هي حياتنا الدنيا! أراها من وراء المرض على لونها الأصيل ووضعها الحق:ظاهرة متغيرة من ظواهر الطبيعة المتجددة،مثلها في الإنسان كمثلها في الحيوان،تعيش بالغذاء إلى أمد مأمود،وتبقى بحفظ النوع إلى أبد محدود.
في المرض يزداد يقين المرء بأن الدنيا زائلة،فهو يأسى على ما جنى ويندم على ما جمع،ولكنه حين يصحّ تمتد آماله وتتشعب مطامعه ويعود عبداً للطبيعة يعمل لأنها تريد،وينفذ لأنها تحكم،فليت شعري إذا عقل كل الناس فعمل كل امرىء ما يلزم،وقنع بما يقوت،وكفّ عمّا لا يحل،فبماذا يشتغل قضاة المحاكم وقواد الجيوش وصناع الأسلحة ورؤوساء الأحزاب؟”.
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد 690):
“أنا أيضاً ضحية هذا المقياس الحديث لضغط الدم!كنت من قبل أحمد الله على دوام الصحة،وأغبط نفسي على فراغ البال،فإذا مسّني الضرّ لسبب من أسبابه المألوفة،احتملته راضياً لأنه التغير الذي يدفع من سأم العيش،والتنوع الذي يزيد من جمال العافية.
فلما كتب الأطباء عن ضغط الدم وأعراضه،وتحدث الناس عن آثاره وأمراضه ،تلمست شواهده في جسدي،فإذا صوت يشبه(الوشّ) في رأسي،وحركة تشبه الاختلاج في صدري،فزرت الطبيب المختص،فظل وقتين طويلين في يومين متعاقبين،يجس بيده،ويقيس بمقياسه،ويصور بآلته،ويدون في مذكراته ،وأنا في كل ساعة من هذين اليومين أذوب ولا أثوب،وأنظر ولا أرى،وأسمع ولا أعي،وأتوهّم ولا أفهم،حتى قرر الدكتور أن أعضائي الرئيسية صحيحة،ولكن عندي ارتفاعاً في الضغط يخشى إذا أهملته أن يصبح خطراً لا حيلة فيه.ثم نظم لي الغذاء ووصف الدواء ونصح لي أن أزوره الحين بعد الحين.
وهكذا خرجت يا صديقي من عيادة النطاسي الكبير وأنا نوع آخر من الخلق،فيه الروح وليس فيه الحياة،وعنده الهمّ وليس عنده الأمل!أصبحت منذ ذلك اليوم كمريض(موليير)،أتوهم أن في كل أكلة أو حركة أو فكرة ضغطاً على الضغط يشده ويوتره،وأتخيل أني(كبالون) الأطفال المنفوخ أخف صدمة تفجره وتدمره.فأنا آخذ نفسي أخذاً شديداً بالجوع والظمأ والحرمان والتبلد والركود،فلا أطعم ما أشتهي،ولا أنعم بما لذّ،ولا أشتغل بفعل ولا فكر،ثم أهرع كل اسبوع إلى المقياس المخوف فأجده ثابتاً على رقم الخطر لا ينخفض ولا يتذبذب! فأسأل عن علة ثبوته على قلة قوته،فأعلم أن أشد ما يغذي الضغط ويقويه ،إنما هو الاكتراث له والتفكير فيه.وهل يستطيع المحكوم عليه ألا ينظر إلى السيف وهو مُصلت فوق رأسه،أو يملك المسموم ألا يفكر في الموت وهو يتغلغل في طوايا نفسه؟
الحق يا صديقي أن العيش على هذا الحال جحيم،وأن الله الذي أخفى الأجل عن عباده رؤوف رحيم،فلو كان للأجل مقياس كمقياس الضغط لجعل حياة الإنسان هماً دائماً يمرّ حلاوة الدنيا،ويذوي خضرة الأمل،ويزهق روح السعي،ويذهب جمال الوجود”.
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد909ـ مقال بعنوان:مثل الشيخ):
“مثل الشيخ كمثل الزرع إذا آتى ثمره ثم هاج واصفر وأوشك أن يكون حطاماً،لا يهتم بأصوله في الثرى لأنها عجزت عن امتصاص الغذاء فحسبه منها أن تتماسك،وإنما يهتم بسيقانه وأوراقه،يخشى عليها نفحة البرد ولفحة الحرّ وهبّة الريح.وكلما تغيّر وجه السماء،أو اشتدت سرعة الهواء،ارتاع وانكمش وتوقع النهاية،فإذا صحا الجو وسرى النسيم الفاتر يداعب الأغصان الملد والأوراق الغضة،تبلد من الهمود فلا يحس نشاطاً لدعابة ولا اغتباطاً بمتعة!وهكذا الشيخ!تذوبه السنون وتضويه العلل فتيبس أسلافه وتجف أعاليه،فيعيش بالاجترار أكثر مما يعيش بالأكل،ويتجه إلى الوراء ليتذكر،ولا يتجه إلى الأمام ليأمل،ويجل باله لأخبار المرض والموت والدواء،أكثر مما يجعله لأخبار الرياضة والولادة والغذاء.فإذا سمع بمرض صديق سأل ما مرضه؟ومن طبيبه؟وما أسباب هذا المرض؟أعنده ارتفاع في الضغط،أم زيادة في السكر،أم تصلب في الشرايين،أم ضعف في القلب،أم اضطراب في الغدد،وإذا قرأ في الصحف نعي رجل سال بأي علّة مات؟وكم سنة عاش؟فإذا كان من طوال العمر سأل بماذا طال عمره؟أكان يتبع في الطعام نظاماً خاصاً،أم كان يسلك في الحياة خطة معينة؟وإذا كان من قصاره سأل لماذا قصر عمره؟هل كان يفرط على نفسه في الأكل أو في الطعام أو في الشراب أو في الدخان؟أم هل كان يسرف على جسمه في العمل أو في الفكر أو في الهمّ؟وإذا وقع على مجلة في الطب أو مقالة في العلاج أو إعلاناً عن دواء ،تلمس في كل أولئك ما يعيد الصحة أو يؤخر الشيخوخة أو يطيل الأجل.وإذا جلس شيخ إلى شيخ لا يسأل أحدهما الآخر عن شدة الغلاء،ولا عن أزمة الجلاء،ولا عن قضية الجيش،إنما يسأله عن مقدار سنه،ونوع أكله،وساعات نومه،وعن الطبيب الذي يعالجه،والدواء الذي يفضله،والنظام الذي يتبعه.
وإذا الشيخ رأى الشباب الريان يمرح في الطريق،والجمال الفتان يخطر في الندى،انصرف ذهنه عن الوسامة والسقامة والفتنة واللذة،إلى العضلات القوية،والحركات العنيفة،والأعصاب المتينة،والشرايين المرنة،والنفوس المفتوحة،فيتحسر على ماض لا يعود،ويتأوه من حاضر لا يبقى!
وإذا الشيخُ قال أف فما ملّ حياة وإنما الضعف ملا
آلةُ العيش صحة وشباب فإذا وليّا عن المرءِ ولّى
(المتنبي)
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد 761):
يتكلم عن وفاة الأديب الكبير محمد إسعاف النشاشيبي:
“سبحانك يا رب! شعاع أرسلته ثم رددته،وروح ثنته ثم أعدته،وظلّ بسطته ثم قبضته ولواء رفعته ثم خفضته،وبنو آدم العاجزون الضعاف لا يملكون أمام أمرك البادي وسرّك المكنون إلا أن يشكروا على العطاء والأخذ،ويحمدوا على المحبوب والمكروه.
كنت ثالث ثلاثة استبقاهم الوفاء بجانب إسعاف في ساعاته الأخيرة،وكان الطبيب واقفاً يصف الدواء وينظم العلاج ويرشد الممرضة،وكان المريض جالساً في سريره حاضر الذهن حافل الخاطر يغالب انبهار النفس من الربو،ويجاذب المواد ما رقّ من الحديث:فهو يضع لسانه حيث شاء من نوادر اللغة،وطرائف الأدب،فينتقل من الكلام في (ليس غير) إلى الكلام في ترجمة(جوته) لقصيدة خلف الأحمر،حتى إذا سمع الطبيب يصف له البنسلين قطع الحديث وقال بلهجته المعروفة:أنا أكره البنسلين لأنه أنقذ تشرشل!فقلنا له:ونحن نحبه لأنه سينقذ أبا عبيدة! وكانت مظاهر العزم في حديث(أبي عبيدة) توسع في أنظارنا فسحة الأمل،وتصرف عن أذهاننا فكرة الخوف فلم يدور في خلدنا أن المنيّة كانت مرنقة فوق سريره تنتظر أنفاسه المعدودة أن تنقضي،وألفاظه المسرودة أن تنفد،فلم يكد السامر ينفض والساهر ينام حتى ختمت على فمه المنون فسكت سكوت الأبد!”.
الظلال (ج1 ص86) “بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته” يقول سيد قطب رحمه الله:
“الخطيئة كسب ان المعنى الذهني المقصود هو اجتراح الخطيئة، ولكن التعبير يومئ إلى حالة نفسية معروفة إن الذي يجترح الخطيئة إنما يجترحها عادة وهو يلتذّها ويستسيغها، ويحسبها كسبا له على معنى من المعاني،ولو أنها كانت كريهة في حسّه ما اجترحها،ولو كان يحسّ أنها خسارة ما أقدم عليها متحمساً،وما تركها تملأ عليه نفسه، وتحيط بعالمه لأنه خليق لو كرهها،وأحسّ ما فيها من خسارة أن يهرب من ظلها حتى لو اندفع لإرتكابها، وأن يستغفر منها، ويلوذ إلى كنف غيركنفها، وفي هذه الحالة لا تُحيط به ولا تملأ عليه عالمه،ولا تغلق عليه منافذ التوبة والتكفير،وفي التعبير وأحاطت به خطيئته تجسيم لهذا المعنى،وهذه خاصية من خواص التعبير القراني،وسِمة واضحة من سماته تجعل له وقعاً في الحسّ يختلف عن وقع المعاني الذهنية الُمجرّده،والتعبيرات الذهنية التي لا ظل لها ولا حركه، وأي تعبير ذهني عن اللجاجة في الخطيئة ما كان ليشّع مثل هذا الظل الذي يُصّور المجترح الإثم حبيس خطيئته يعيش في إطارها ويتنفس في جوّها ويحيا معها ولها”.
مصطفى صادق الرافعي من مقال بعنوان:فلسفة المرض(أوراق الورد):
“خلقت نفس هذا الإنسان وكأنّها ثلاثة أنفس،إذا كان دأباً لها أن تكون طامعة متلفتة وثابة،فهي لا تسكن على رزق تُرزقه،ولا تثبت على حال تحول إليها،ولا تقر في منزلة تسفل بها أو تعلو.
وهي كذلك لا تبرح تنزع مما وجدته إلى ما لم تجده،لأن الشوق أحد عناصرها ،ولا تنفّك متقلبة تجعل ما ترضاه يوماً هو ما تسأمه يوماً،لأن الرغبة إحدى طبائعها،ولا تزال تتخطى حدود الأشياء،لأنها من الأزل بُنيت على الخلود الذي لا يقف على حد.فالشوق الثائر في حاجة إلى فترة تكسر من حدته ،والرغبة المجنونة في حاجة إلى ضعفة تهدىء من ثورتها،وخطوة الخلد التي لا تزال دائبة تتقدم،في حاجة إلى عثرة بمعنى من معاني الفناء المعترضة في طريق الحياة.وبذلك يكون الإنسان دائماً في حاجة إلى بعض الأمراض لا ليمرض ولكن ليصحّ ،إلا أنواعاً من أساليب الموت تسمى أمراضاً لا حيلة فيها،ولا يكون المريض معها إلا كالوعاء يشقق ليُحطم،وينتهي،لا كالوعاء الذي يُصب ما فيه ليُنظف ويُملا ويبتدىء.
فالمرض الرحيم وضع النفس في وثاق يُمسكها حيناً،ليحبسها على تأمل حقائق الحياة المغطاة،ويُكرهها على أن ترى الدنيا أهون من أن تصغى لها نفس ،وأخس من أن يسقط بها قلب،وأحقر من أن تتهالك عليها الأحياء،ثم ليريها رأي العين أن العالم مصبوغ بأخيلتها الوهمية التي نفضت عليه ألوان الجنة فافسدته بهذا التمويه،وتركت أهله يتكذبون في أوصافه ،فيخطئون في حقائقه،وجعله كالقمر هو في ذاته حجرٌ مظلم ،ولكن ذهب الشمس يجعله كله فضة بيضاء.
إنه لا يُفسد الإنسان إلا الغرور،ولا يكون الغرور إلا من الطيش،ولا يطيش بالرأي إلا سوء التقدير،ولا يكون هذا السوء أكثر ما يكون إلا من بلاء العافية على الإنسان”.
وإن من بلاء العافية ثلاثاً:عافية الجسم وعافية الهوى وعافية المال.
فأما الجسم ،فأقرب ما وجدته إلى الحيوان الضاري الخبيث،أشد ما وجدته قوة وعافية.
وأما الهوى فلم يخلق الله شيئاً كل هلاكه في قوته غيره.
وأما المال فعافيته في رجل واحد مرض في ألف رجل إلى ألوف كثيرة،فهو حصر الدنيا كلها في بعض أجزائها،فكأنما تطوف الأمراض في هذا العالم لتُصلح نواحي الإنسانية فيه فتضعف الحيوانية وتكسر شرّة الهوى وتكفّ طغيان المال عن النفس،حتى لا شهوة فيه ولا قوة له ولو جمعوا ما أصلحته الأديان والقوانين من أحوال النفوس وطبائعها،ثم ما أصلحتهُ الأمراض منهاـ لرأيت أن لله أنبياء من هذه الأمراض يُرسلها إلى الدم الإنساني،وأن “المكروبات”السابحة في الهواء كالأملاح الذائبة في البحار،لولا هذه لتعفنت الأرض، ولولا تلك لتعفنت الإنسانية.
تأمل هذا المريض وهو خائر النفس،متخاذل الأعضاء،كاسف الوجه،ميت الهوى،لا يتماسك مما به من الضعف،ولا ينبعث لما به من الخمود،ولا يتشهى لما به من الفتور،ولا يتذوق بما في روحه من المرارة،ولا يجرؤ لما في حسه من الإشفاق،ولا ينظر إلى الدنيا إلا بملء عينيه زهداً فيها،كأنما بث المرض في عينيه شعاعاً ينفذ الأمور إلى حقائقها،ثم يخترق الحقائق إلى صميمها.أفلا ترى هذا الإنسان قد عمل فيه مرض أيام قليلة ما لا تعمل العبادة مثله في أزهد الناس،إلا في السنين المتطاولة؟إنما هي ثلاث وسائل للجمع بين الإنسان وحقيقته العليا.العبادة القوية،وقد عجزت إلا في أفراد قلائل،والحكمة الصحيحة العالية وهي أشد عجزاً إلا في الأقل،ثم لم تكن الوسيلة العامة التي تتناول الناس جميعاً،ولا يستعصي عليها أحد ممن أطاع أو عصى إلا المرض.
وإن أعجب ما في الإنسان أنه يرى الموت بين الساعة والساعة ثم لا يستشعر من كل ذلك معنى زواله،كأنّ عادة الحياة أخمدت هذا الحس فيه،أو أُخملت منه،وما هو إلا أساس التعاطف الإنساني،ثم لا يكون إلا أن يمرض هذا الإنسان يوماً،فإذا هو قد تلقى الدرس على أحكم أساتذته،ورأى نفسه كان يمشي فقعد،ويستطيل فتقاصر،ويشمخ فانهدّ،ويسر فحزن،وإذا هو قد بُدل من الصوت خفض الصوت،ومن الإعجاب مقت الإعجاب،ومن الخلاف ترك الخلاف،ومن جفوة الناس حاجته إلى رحمة الناس.ثم إذا هو قد أمسك عن كل ما كان فيه من العمل،وأقبل على الصحراء المخيفة التي بين الدنيا والآخرة،وأحس من غمزة قدر الله في مواضع آلامه،أن الإنسان مهما يكن من قوة الأسر وشدة البأس فما هو إلا بعد حبة صغيرة واهنة بين شقي هذه الرحى العظمى الدوارة،التي حجراها الشمس والقمر.
سبحانك اللهم!إنما هذه الأمراض أخلاق أنت تنشىء بها الرحمة في قلوبنا المتحجرة،وتصرفنا فيها إلى نفوسنا بعد أن نكون قد جهلنا هذه النفوس في أعمال الحياة أو جهلتنا،وتعلمنا جميل صنعك في تواتر حلمك علينا،مع قبيح صنعنا في ترادف عصياننا لكن تنقلنا بها في خطوة سريعة من خطى الأزلية،لترى الدنيا من آخرها،فلا نجد نعيمها إلا معاني من الهلاك،ولا ملذاتها إلا أسباباً من الندم،ولا غناها إلا فنوناً من الحسرة،ثم لا ننظر في أجسامنا إلا أشكالاً قائمة من التراب،ولا نعرف من أعمارنا إلا أنفاساً كانت تصعد من فم القبر،وإذا أذنت بعدُ في شفائنا،ومسحت بيد العافية علينا،كانت الأمراض وسيلة من وسائل تجديد العمر،وخرج المريض وكأنه مقبل على الدنيا من ناحية لم تكن فيها،فينسم من كل شىء رائحة الحياة،ويرى على كل جمال أثراً كأثر الحب ولذته وحنينه،ويستقبل نفسه الراجعة إليه في موكب الحواس القوية،فلا يكون له غلا ما قد يكون مثله في الملك المخلوع أعادوه إلى العرش،فجاءوا بالتاج وأقاموا له الزينة وحشدوا له الحفل،وقالوا:سمعنا وأطعنا!.
سبحانك!إنما هذه الأمراض مواعظ منك تُعلمنا كيف نضع شهواتنا في مواضعها من الضرورة،ونحصرها في حدودها من الازدراء والمقت،فلا تعدو بطبائعنا علينا،ولا تعدو بنا على سوانا،وإنه ما يخطىء امرؤ في الحياة إلا من إقرار شهواته في غير أمكنتها،حتى تأخذ من عقله،وتنال من رأيه،وتجور على حواسه،فيقلبها ذلك من أن تكون حركة في الحياة،إلى أن تصير الحياة كلها حركة من حركاتها،وحينئذ لا تكون الشهوات إلا أكثر مما هي،فتقتضي أكثر مما تستحق من الجهد والعمل الإنساني،ولا تكون الحياة إلا أحقر مما هي ،فلا تخرج إلا أقل ما يمكن أن تخرجه من القيمة الإنسانية.
سبحانك اللهم.إنما هذه الأمراض في الدنيا بعض مواد البحث الفلسفي العميق لدرس أساليب الطبيعة البشرية،فكم من “عملية جراحية” في طب الناس،هي في الحقيقة”عملية”حسابية في وزن هذه الطبيعة وتقديرها،وكم من أنّة وجع في المرض ،وهي نفسها كلمة عتاب بين الطبيعة والنفس،وكم من ضجعة للداء،هي في الواقع نهضة للأخلاق من ضجعتها.
سبحانكَ ولك الحمد!إن ساعة النجاح وتحقيق الآمال وانتعاش الحظ،وتبديل صورة من الحياة بحياة غيرها تكون اسمى وأكمل،وساعة الغنى وإقبال الدنيا ومسالمة الأيام،وتزيين الحياة بحياة أجمل منها وأبدع،وساعة الحب ولقاء الحبيب،وفيضان الجمال على النفس ،ونسيان الحياة بالحياة التي هي أمتع منها والذ.كل هذه الساعات لا تُعد إلا دقائق وثواني من السعادة،إذا اتفقت بعد المرض ساعة الحياة،ساعة رجوع الصحة”.
مصطفى صادق الرافعي(مجلة الرسالة العدد 199):
ومن عجيب حكمة الله أن الأمراض الشديدة تعمل بالعدوى فيمن قاربها أو لامسها،وأن القوى الشديدة تعمل كذلك بالعدوى فيمن اتصل بها أو صاحبها،ولهذا يخلق الله الصالحين ويجعل التقوى فيهم إصابة كإصابة المرض تصرف عن شهوات الدنيا كما يصرف المرض عنها،وتكسر النفس كما يكسرها ذاك،وتفقد الشىء ما هو به شىء فتتحول قيمته.فلا يكون بما فيه من الوهم بل بما فيه من الحق”.
ثروت أباظة(الرسالة العدد914):
“عشر سنين أحمل الداء في هذه الزائدة التي أبقاها الله في الإنسان ليغض من كبره كلما تكبر،ويذل من عتوه حينما يعتو..عشر سنين أحمل الداء وأتشبه بالقوم فأروح وأغدو لا يعلم أحد علام أقفل هذا الصندوق الآدمي،ويرونني فيرش المحب فوق رأسي خشبة الحسد،ويكتم الحقود الحقد في نفسه أو يبديه في الفاظ مادحة،وأنا أتلوى ساعات في اليوم .لقد ظن الأهل أنني أبالغ ثم أقوم من تلك الازمة اليومية لأشكر اللمح للصديق ولأتظاهر بالفرح للحسود.
عشر سنين ودعائي إلى الله كلما أقبل اليوم أن يخف فيه العذاب، ثم أفكر فيما أنا فيه فلا أجد لي غير الأطباء مخرجاً أزال بهم أو ما يزالون هم بي حتى أصبح صديقهم جميعاً وحتى أصبحت أفهم من مرضي أكثر مما يفهم بعضهم.
عشر سنين لا يضع طبيب يده على مكان العلّة بل هو دائماً في المكان الخاطىء وعلى الرأي اليائس وأنا أسلم أمري إلى الله وأشكر نعمته التي وهب فما أقل ما كنت فيه إذا نظرت إلى غيري،وما أهون ما لاقيته من شر إذا ذكرت ما يسكبه علي سبحانه من خير.
عشر سنين ثم يشاء الرب الكريم أن يتم النعمة ويكشف عن الطب الغشاوة عن تلك الزائدة التي أمر الله أن تظل في الإنسان بقية من حيوانيته…ويشاء الله أن ينكشف الغشاء وأنا في أوج الخير الذي يسكبه علي فأغضّ من كبر كاد أن يركبني وأذكر أنني ما زلت هذا الحيوان صاحب تلك الزائدة التي تألم لتذكر!
سبحانك رب…وهل يملك هذا المخلوق الحقير إلا أن يسبح باسمك ويسبح،ثم يريد الغنى أن يشكر فإذا أنت سبحانك تسكب عليه الخير مرة أخرى” .
يحيى حقي في مقالة له بعنوان”الموت(مجلة الثقافة المصرية العدد 333 بتاريخ 15 آيار عام 1945):
حين يتقدم الليل،تتصنعين الرقاد،هادئة كالعصفور،يأوى متعباً إلى عشه،يضم رأسه إلى جناحيه،ويغمض عينيه ،مستسلماً لمشيئة الرحمن،توهمين أهلك وأعزاءك أنك قد أغفيت ـ وإن كان رقادك على مضض ـ ليناموا هم بسلام.وأهبّ من سباتي مذعوراً،في بهمة الليل،والسكون شامل ،وكل ما في الغرفة أشباح غامضة،فأتبين جسدك الرشيق كالطيف الشفاف،وأجدك قائمة،قد انحنى رأسك يكاد يلمس الفراش،كأنك تسجدين لله،عسى أن يرحمك ويخفف عنك العذاب،وتمدين في حذر إلى كوب الماء يداً،يكاد خاتم العرس القريب يسقط من إصبعها النحيلة…فإذا ما تلاقت نظرتنا،تبسمت وعدت إلى رقادك،تظنين أنني لم أسمع أنّتك المكتومة.
كنت ـ لأنك في ميعة الصبا،ورفاهية من العيش تتوجعين من لسع بعوضة،فتحملت مبضع الجراح يمزّق لحمك بغير مخدر،وكنت تتأذين من أهون الدواء،فجرِّعت أشكالاً وألواناً من سموم تهدّ الجبال،وأنت صابرة.وكنت تجفلين من منظر”الحقنة” وتحسبين لها حساباً،فعشت شهوراً طويلة وهذه الإبرة الكريهة تلاحقك وتنغرز في جسمك.وأنت لم تقنطي من رحمة الله.وجاء اليوم الذي اضطرب فيه صدرك،واختنق حلقك،وتلجلج لسانك،فأخذت تسأليني بيدك عن الطبيب متى يأتي؟فلما همدت اليد أيضاً تشبثت بي عينك تقول:هذه نهاية حياتي!وكان آخر ما انبعث من حلقك بعد ذلك من أصوات هو أول كلامك وأنت في عالم الأرواح.
دبّ إليكِ الداء،لا كالحية الرقطاء تغرز أنيابها في حي لتسلها عن ميت،بل كأفعوان هائل قد انعقد في حلقات متشابكة بعضها فوق بعض،مسّك أول الأمر بذيله،فأشلتك اللمسة ونحن لاندري،فلما اطمأن لعجز فريسته أخذ يتلوى ويتماوج ليخلص رأسه متمهلاً يسيل لعابه.إذا رأى منك بادرة هروب لمسك من جديد بذيله لمسة رقيقة،ونحن لا ندري،واقتضته أيام وأسابيع وشهور طويلة لينفلت رأسه فيقيمه ويصوب إليك عينين كالجمرتين.ما كان أطول عذابك! أتلوميننا إذا صرخت أنانيتنا اليوم وقلنا:ليتها بقيت مريضة مقعدة وظلت بيننا أبدا”.
ويقول الأستاذ مصطفى كامل(الرسالة العدد25):
“أترى في الناسِ أحداً ينفر من إنسان كان مريضاً بداء خبيث ثم برىء منه؟وإن نفراً يقرّه الناس على هذا الخوف السخيف أم يستحمقونه؟ثم ما الفرق بين المرض الجسماني وبين السقطة الخلقية وكلاهما مرض قد يبرأ منه المريض؟
ثم ما ذنبه؟أيمكن أن إنساناً يطلب المرض بمحض اختياره أم ترى أن المريض ضحية بائسة لا تتمنى على الله شيئاً في الدنيا إلا البرء منه؟ولو أن إنساناً ترك لمناه وهواه لما طلب إلا أن يكون صحيح الجسم سليم النفس.
وإذن فما ذنب مريض قد مرض برغم أنفه،ثم بعد ذلك قد برىء،ومع ذلك فما معنى أن نجعل الماضي رجساً للحاضر ودنسأً للمستقبل،لقد مات هذا الماضي ولم تعد له من علامات الحياة وأسفاه إلا ذكريات من عمل الرؤوس وخيالات النفوس”.
عبد الله بن الُمقفّع دعاه عيسى بن علي على الغداء فقال له: أعزَّ الله الأمير لست اليوم للكرام أكيلا ،قال :ولم ؟ قال لأني مزكزم،والزكمة قبيحة الجوار،مانعة من عُشرة الأحرار( نقلاً عن ضحى الاسلام احمد امين ج1 ص198)
بشر بن الحارث الحافي: ” الجوع يُصفي الفؤاد ويمُيت الهوى ويورث العلم الدقيق”.
عبد الله بن المقفع ( من كتاب الأدب الصغير):” كلام اللبيب وإن كان نزراً أدب عظيم، ومُقارفه الإثم وإن كان مُحتقرا مصيبة جليلة”.
عبد الله بن المقفع( ومن نفس المرجع):”لايتم حُسن الكلام إلا بحسن العمل،كالمريض الذي قد علم دواء نفسه فاذا هو لم يتداوى به لم يُغنه علمه ولم يجد لدائه راحة ولا خفة”.
يقول الاستاذ عصام العطار :”يتوهم بعض الناس أن الواقع العربي والإسلامي الراهن يحتاج بعض الضمادات والعلاجات ليقف على قدميه ويستأنف المسير،ولكن مافائدة هذا الوقوف المترنّح والمسير المتعثّر البطئ الذي تلفظ معه أو بعده الأنفاس في عالم ينطلق إلى أبعد الكواكب ويتحرك بسرعه الضوء “.
ابن الجوزي (تلبيس إبليس ص324):”لإن في الدماغ ثلاث قوى،قوة يكون بهاالتخيل،وقوة يكون بها الفكرة،وقوة يكون بها الذكر،وموضع التخيُّل البطنان المقدمان من بطون الدماغ، وموضع التفكُّر البطن الأوسط من بطون الدماغ،وموضع الحفظ الموضع المؤخر،فاذا أطرق الانسان وغمض عينيه جال الفكر والتخيل”.
ابن قتيبة ( أدب الكاتب ص17):”ومن ذلك حُمّة العقرب والزنبور يذهب الناس إلى أنها شوكة العقرب وشوكة الزنبور التي يلسعان بها،وذلك غلط إنما الحُمّة سمها وضرهما ،وكذلك هي من الحية لأنها سم ومنه قول ابن سيرين يكره الترياق اذا كان فيه الحمة،يعني بذلك السم وأراد لحوم الحيات لأنها سم، ومنه قوله لا رقية إلا من نملة،او حُمّه، أو نفس، فالنملة قروح تخرج في الجنب، تقول المجوس أن ولد الرجل إذا كان من أخته ثم خطّ على النمله يشفى صاحبها قال الشاعر:
لنا العزة القعسّاء والبأس والنّدى بدينا بها في كل ناد وفي حفل
وإن تشرب الكلبى المراض دماءنا برَين ويبرئ ذو نجيس وذو خبل
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام وانا لا نخطّ على النمل
(العقساء: أي الثابتة، نجيس الداء: الذي لا يبرا)،يقول لنا الفضل على الناس بالغلبة والشدّة ونحن ملوك دماؤنا تشفي الكَلب والأمراض التي لا علاج لها،ويقول أيضاً أننا لسنا بمجوس ننكح الأخوات”.
ابن القيم:” أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم،وظن أنهما متباينان، وليس كما ظنه،فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به،والصائم في شهر رمضان في شدّة الحر متألم بصومه راض به،فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به”.
الأمالي أبو علي القالي (ج1 ص140):”قيل لرجل من حِمير : ماالداء العضال ؟ قال هوى مُحرض،وحسد مُمرض،وقلب طروب، ولسان كذوب، وسؤال كديد،ومنع جحيد، ورشد مطّرح وغنى ممتنح”.
قال القالي: الحرض:الساقط الذي لايقدر على النهوض،الكديد:الذي يكدّ، جحيد :يابس لا بلل فيه،قال أبو زيد رجل جحد وذو جحد إذا كان قليل الخير،الممتنح: المُستعار وأصله المنحه والمنيحه”.
ينسب للامام علي رضي الله عنه:” أعجب ما في الإنسان قلبه،وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها،فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع ،إن هاجه الطمع أهلكه الحرص،وإن ملكه اليأس قتله الأسف،وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ،وإن سعد بالرضا نسي التحفظ أي الحذر ،وإن أتاه الخوف شغله الحذر،وإن اتسع له الأمن استلبته الغّرة أي الغفله،وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع،وإن استفاد مالاً أطغاه الغنى،وإن عضّته فاقة بلغ به البلا،وإن جهد به الجوع قعد به الضعف،وإن أفرط في الشبع كظّته البِطنة،فكل تقصير به مضر وكل إفراط له قاتل”. (أمالي القالي ج2 ص 101).
سئل علي بن ابي طالب رضي الله عنه مسألة فدخل مبادرا ثم خرج في حذاء ورداء وهو مبتسم فقيل له يا أمير المؤمنين:إنك ّكنت إذا سئلت عن المسألة تكون فيها كالسكة المحُماة قال إني كنت حاقناً ولا رأي لحاقن“.
(والحاقن المجتمع بوله كثيرا) نقلاً عن أمالي القالي (ج2 ص92).
قال مرثد الخير ينصح قبيلتين أشرفتا على الحرب:”فتلافوا القرحة قبل تفاقم الثأي واستفحال الداء وإعواز الدواء،فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشحناء،واذا استحكمت الشحناء تقضّبت عُرى الإبقاء وشمل البلاء “،فأجابه أحدهم وهو سبيع أيها الملك إن عداوة بني العَلاّت لا تُبرئها الأُساه ولا تشفيها الرماة ولا تستقل بها الكفاة” .
(تقضّبت اي تقطّعت)نقلاً عن الأمالي للقالي (ج2 ص114).
وصف أعرابي حال ما وصلوا إليه فقال:”عكفت عليَّ سنون مُحُش،فاجتبت الذرى،وأعجت البهم، وهمت الشحم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم”.
(أعجت :أي جعلتها عجايا ،والعجي السئ الغذاء المهزول،هُمت :أي أذابت،التحبت اللحم: أي عرّقته ،أحجنت العظم : أي عوجته فصيرته كالمحجن).
يروى أن دريد بن الصّمة خطب الخنساء من أبيها فقالت لأبيها انظرني حتى أشاور نفسي،ثم بعثت خلف دريد وليدة فقالت لها : انظري دريدا إذا بال فإن وجدت بوله قد خرق الأرض ففيه بقية،وإن وجدته قد ساح على وجهها فلا فضل فيه،فاتبعته وليدتها ثم عادت إليها فقالت :وجدت بوله قد ساح على وجه الأرض فأمسكت،وعاود دريد أباها ،فعاودها فقالت له: يا أبت أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح وناكحة شيخ بني جشم هامة اليوم اوغد (أي شاخ ودنت منيته).
مجموعة السفير للمعارف( ج9 ـ10 ص664):”يُروى أن ابن السماك الزاهد المعروف دخل على الخليفة هارون الرشيد فبينما هو عنده إذ طلب ماء ،فلما أراد شربه قال له ابن السماك: مهلاً يا أمير المؤمنبن بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مُنعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها ؟ قال: بنصف ملكي،قال: اشرب،فلما شرب قال : أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشتريها ؟ قال :بجميع ملكي ،قال ابن السماك:إن ملكاً لا يُساوي شربة ماء وخروج بول لجدير أن لاينُافس فيه، فبكى الرشيد.
ابن قتيبة( عيون الأخبار كتاب الطبائع ص74):”وأوان الصّرع الأهلّه وانصاف الشهور وهذان الوقتان هما وقت مد البحر وزيادة الماء والدم، ولزياده القمر إلى أن يصير بدرا أثراً في زيادة الدم والدماغ وجميع الرطوبات”.
ينسب للإمام علي رضي الله عنه : “توقّوا البرد في أوله،وتلقّوه في أخره فإنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار،أوله يحُرق وأخره يورق”.
عيون الأخبار ابن قتيبه( كتاب الحوائج ص132): ” أعرابي يصف مسألته:لقد جعت حتى أكلت النوى المُحرَق،ولقد مشيت حتى انتعلت الدم،وحتى سقط من رجلي بخص لحم،وحتى تمنيت أن وجهي حذاء لقدمي،فهل من أخ يرحمنا “.
( والبخص لحم القدم).
من رسائل بديع الزمان الهمذاني ( نقلا عن زهر الآداب ج3و4 ص825): “وهو في مكان من الصدر لاينفذه بصر،ولا يدركه نظر،ولكنها تعرف ضرورة وإن لم تظهر صورة،ويدركها الناس وإن لم تدركها الحواس، ويستملي المرء صحيفتها من صدره ويعلم حال غيره من نفسه ويعلم أنها حب وراء القلب،وقلب وراء الخلب وخلب وراء العظم وعظم وراء اللحم ولحم وراء الجلد وجلد وراء البُرد وبرد وراء البعد”.
( والخلب لحمة رقيقه تصل بين الأضلاع)
طه حسين (الموسوعة المجلد 12 ص114):
“ذلك أنا نخطئ الخطأ كله في تقدير آلامنا وفي تقدير لذّاتنا وفي تقدير حاجاتنا،يبلغ بنا الألم أقصاه أحياناً فيخُيل إلينا أنه قد بلغنا أقصاه حقا وأنا لن نستطيع أن نحتمل ألماً فوق ما احتملنا،ثم نتمنى الراحة ونطمح إلى اللذة،فنقيس الراحة التي نتمناها واللذة التي نطمح إليها بمقياس التعب الذي لقيناه والألم الذي احتملناه ونتمنى راحة مطلقه ولذّة لا حد لها، فاذا اُتيح لنا أن نستريح فما أسرع مانملُّ اللذّة وما أسرع ما نتمنى الألم”.
أحمد أمين( فيض الخاطر نقلاً عن الإتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث أنيس المقدسي ص 316):
“فحياه الكفاح العلمي التي يحياها العلماء ألذّ حياة عرفت بل لا أظن أن حياة العلماءتكون سعيدة لو أن كل شيئ انكشف لهم من غير بحث ومن غير عناء،فالقليل ينال بعد التعب خير من كثير ينال من غير نصب،وما ألذّ منظر العالم يحار ثم يحار ويدور حول الشيئ ويدور ويتجه يميناً فلا يفلح ثم يتجه يساراً فلا يفلح حتى يعمى عليه الأمر ثم يبدأ بالبحث مرة أخرى لا يكلّ ولا يملّ ، وأخيراً يدرك منه الشيئ القليل فيغتبط به الإغتباط العظيم ويرى الدنيا بحذافيرها ولذاتها وسعادتها لاتساوي شيئا بجانب ما ناله من المعرفة ولو بالشيئ القليل بعد الجهاد”.
أحمد أمين (فيض الخاطر ج1 ص107):
“وللقدر في ذلك بدع فأشهر طبيب في القلب يموت بالقلب،وأعظم جراح يموت بالتسمم،وتلد الفلاحة الفقيرة في الطريق وهي حاملة جرتها مملوءة ماء على رأسها وتحمل طفلها وتذهب إلى بيتها سالمة غانمة،وسيدتها الغنية يحلل دمها وغير دمها قبل الوضع ويعقم كل شيئ في حجرة ولادتها ويقف مشهورو الأطباء والطبيبات على بابها حتى اذا أذنت ساعة الولادة بالقدوم،واستخدم كل ما وصل إليه الطب الحديث والكيمياء الحديثة والعلم الحديث وأمعنت جمهرة الأطباء في التطهير والنظافه واستخدام وسائل الراحة والحصانة وغير ذلك مما لم أذكر منها إلا قليلا ثم هي بعد تصيبها حمُّى النفاس ويقف كل من الطب والعلم دهشا حائرا ،ثم تسلم الروح إلى ربها ، والقدر يهزأ بكل ذلك “.
أحمد أمين(الرسالة العدد8):
“أكلت أكلة ساء هضمها،فانقبضت نفسي،وغاضت بشاشتي،وتقطب ما بين عيني..وسئمت كل شىء حولي،وبرمت بمخالطة الناس كما برمت بالعزلة عنهم،وكرهت السكوت كما كرهت الكلام.
ونظرت إلى العالم فتجهمته،رأيته ثقيل الروح،فاسد المنطق،يمج السمع نغماته،ويعاف الطبع منظره،وتأخذ بخناقي ألاعيبه وأحداثه.
أي شىء فيه يسر؟إن هو إلا جيفة تنبحها الكلاب،وميتة يتساقط عليها الذباب،عدو كل ألفة،ومصدع كل شمل،يبلي الجديد ولا يجدّ البالي.ليست لذته إلا ألماً مفضضاً،ولا مسرته إلا حزناً مبهرجاً
ودعوت ربي بالسلامة جاهداً ليصحنّي فإذا السلامة داء
ما حال من آفته بقاؤه نغص عيشي كله فناؤه
أليسَ عجيباً ألا تكون لذة حتى يحدّها ألمان،ولا راحة حتى يكتنفها عناءان؟
سعيد وشقي،وفقير وغني،وذكي وغبي،ليست إلا ألفاظاً اصطلح عليها،فإن أنت تأملتها لم تجد كبير فرق بين مدلولاتها:
تاولت دواء هاضماً فأخذت أهش للحياة وأبش،وبدأت أنظر إلى العالم بوجه منطلق،ومحبباً منبسطـ ها هو ذا قد تألقت صفحته.وأسفرت غمّته،وانقشعت غمامته.
رحماك اللهم! إن كان درهم من دواء هاضم يغير وجه العالم ويحيل السواد بياضاً،والشقاء سعادة،والقبح جمالا،والظلام نورا،والحزن سروراً،فأين الحقّ!”.
أحمد أمين(الرسالة العدد50):
“خلق الإنسان ملولا،يمل النعيم إذا طال،ويمل الشقاء إذا طال،يمل الحر إذا دام،ويمل البرد إذا دام،يمل الأكل الشهي اللذيذ إذا استمر عليه،ويمل الأكل الخسيس إذا استمر عليه.
وقديماً ملّ بنو إسرائيل أكل المن والسلوى،وقالوا:{لن نّصبرَ على طعامٍ واحدٍ فادعُ لنا ربَّكَ يُخرج لنا ممّا تُنبتُ الأرضُ من بقلها وقثَّائها وفُومها وعَدسها وبَصلها}[البقرة61].]
من أجل هذا استعان الناس على درء هذا بالتنويع والتنقي ولو من حسن إلى ردىء،فاشتهوا أتفه الطعام بجانب أجوده،وروعي هذا في برامج الدراسة:فخط بعد لغة،ورسم بعد حساب،…دفعاً للملل من الدرس ومن المدرس،وروعي كذلك في برنامج الحياة:فلعب بعد عمل،ومزح بعد جد،وراعت الطبيعة هذا في برنامجها:فليلٌ ونهار،وحرُّ وبرد، وسلطان للقمر بعد سلطان للشمس وهكذا…ولولا ذلك لعرى الناس ملل لا يطاق،ولكانت الحياة عبئاً ثقيلاً لا يُحتمل،ولفرّ الناس منها إلى الموت طلباً للتغيير والتنويع.
أخطأ الناس فظنوا أن الراحة معناها الانغماس في الكسل،والإضراب عن العمل،والتمدد على سرير مريح،أو الاتكاء على كرسي مُجنح أو نحو ذلك،وليس هذا بصحيح دائماً،ولو كان كذلك لما ملّ الناس هذه الراحة،ولما فروا منها إلى العمل،واستروحوا بالجد والتعب،إنما الراحة التغيير من حال إلى حال،من عمل إلى لا عمل ،ومن لا عمل إلى عمل.
ما أصعب الحياة الرتيبة وأشقها على النفس!إنها تُميتُ القلب وتبعث على الخمود،ولا بد لعلاجها من التجديد،وليس التجديد إلا نوعاُ من التغيير.وأقدر الناس في هذه الحياة من استطاع أن يتغلب على السأم والملل بالتغيير المناسب في نفسه وفي غيره”.
أحمد أمين(مجلة الثقافة ـ العدد 272):
“أُصبتُ بالزكام في هذا الاسبوع،وفي ليلة من لياليه أرقت،فقد اعتدت أن آخذ نَفسي من أنفي وأُطبق فمي،ولكن أنفي وقد زكمت لا تساعدني،فلا بد من مساعدة فمي،فإذا أخذ النوم عيني عدت إلى عادتي،فانضمت شفتاي،وألزمتا أنفي أن يتنفس وحده وهو لا يستطيع،فأكاد أختنق فأنتبه،وهكذا وهكذا مرتان وثلاث،ثم يكون الأرق الشديد الذي أفضله على النوم المضني.
وأخيراً قبل الفجر أخذ مني التعب مبلغه من زكام وأرق وقراءة،فحلمت أنني في يوم دافىء والشمس ساطعة،فاستحثني هذا كله على السير في صحراء مصر الجديدة،فتوغلت فيها،وبينا أنا أسير رأيت على جانب الطريق شيئاً تنعكس عليه الشمس فيلمع،فاتجت وجهته فإذا به مصباح،فقلت في نفسي:ومن يدري،لعله مصباح علاء الدين ساقته إليَّ المقادير.
فقمت آسفاً،وأنفي يعطس،ورئتي تسعل،وجسمي مهدم،من سوء ما لاقيت من الأرق،والزكام،والأحلام،وقد نذرت إن عثرت بمصباح علاء الدين مرة أخرى لأطلبن ما يطلب الناس؟”.
أحمد أمين(مجلة الثقافة ـ العدد 282):
“أخي العزيز….
معذرة أن تأخرت في الكتابة إليك،فقد مرضت مرضاً خطيراً طال شهرين.
لقد أضعف المرض جسمي،ولكنه صهر نفسي،أتاح لي أن أستعرض حياتي الماضية،فرأيتني كنت أعنى فيها بالسطح دون العمق،تشغلني التوافه،وأطمح إلى أوهام،فأخذت ـ في مرضي ـ أتعرّف إلى الغرض من الحياة،وأشتاق إلى تفهم معناها،وأجتهد أن أجتلي حقيقتها المغطاة بالأشكال والأسماء،وأبحث عن نقطة الاتصال بين الله والإنسان،كأن نفسي كانت نبعاً مدفوناً فتفجّر،وكأن الله كان في السماء فصار في القلب..
لشدّ ما يكون الإنسان أقرب إلى ربه في مرضه وفي أحزانه،وفي شدائده،لأنه يطلب النجدة فلا يجدها في الأصدقاء والأقرباء،وإنما يطلبها من لا تنفذ قوته،ولا تقصر قدرته،ولأنه في مثل هذه المواقف تتكشف له النفس الإنسانية فيراها ضعيفة بذاتها،قوية بربها.
قلبّت ـ أثناء مرضي ـ في دفاتري القديمة،فوجدتني قد نما عقلي وفتر قلبي،ولو ددتُ لو كان العكس.وأقسم أني لم أحزن على شيب رأسي كما حزنت على دبيب الشيب إلى قلبي.
والقلب هو الحب،وهو الانسجام،وهو الجمال،والقلب هو الدين،وهو الأخوّة،وهو الإنسانية،وما الحياة بغير هذا كله؟
إن العالم لم يسعد بنمو العقل بقدر ما شقي بضعف القلب،إنه أهدى في الحياة من العقل،إنه منبع السرور والألم،إنه منار الحياة.
حُبب إليّ في مرضي التصوف،والتصوف الحق سرّ الدين،والفقه ظاهره،فقرأت فيه كتابين،كان خير ما فيهما الحديث عن القلب.وشغفت ـ في مرضي ـ بنوع من الصلاة لطيف،أن أمجّد الله في جمال الطبيعة،وأعبده بالنظر إلى سمائه وأرضه وفي جميع خلقه.
لقد تمنيت أن يصح جسمي وتبقى نفسي صافية صفاءها في مرضي،أحتقر توافه الدنيا ولا أعبأ بها.ولكن ها هو دمي يجري من جديد في جسمي فيحمل في ثناياه الشهوات التافهة والآمال السخيفة،فما أحرى بالإعجاب أولئك الذين استطاعوا أن يحتفظوا بطهارة دمائهم على غزارتها وحيويتها”.
أحمد أمين (مجلة الثقافة العدد 325):
“خذ مثلاً:أم مرض طفلها فارتفعت حرارته واستمرت مرتفعة،فسألت الجيران ماذا تفعل! فكل أشار عليها بعمل،فعملت بالإشارة الأولى فلم تنجح،فعملت بالإشارة الثانية ثم بالثالثة فمات الطفل.إن الطفل إنما مات من إهمال المنطق،فالمنطق الصحيح عرض الطفل على الطبيب ليعرف نوع المرض وما يناسبه من علاج”.
أحمد أمين(مجلة الثقافة ـ العدد 183):
“لم يرزق من الدنيا إلا ابناً واحداً وضع فيه كل أمله،ومنحه كل عنايته ورعايته،حتى شبّ كأحسن ما يكون الشباب صحة وثقافة وخلقاً.
أخذته الحمى فارتفعت حرارته،وذبل جسمه،واصفر وجهه،وغاب عقله،وبذل الأب كل ما يستطيع لنجاتهنهؤلاء أشهر الأطباء،وهذا أعز الدواء،وهؤلاء الممرضات ينفذن التعاليم في دقة وإحكام،وهذا كل ما يُستطاع ومالا يُستطاع لإنقاذه.
وينظر الأب إلى مزارعه الفسيحة ودنياه العريضة فيراها أضيق من سم الخياط.
يتمنى أن لو جُرد من كل ثروته،ومن كل صحته،ومن عينيه يبصر بهما،ليبرأ ابنه من المرض،وينجو من الموت.ويرجو أن يكون سائلاً يتكفف الناس،ومعدماً لا يجد قوت يومه،ومسكيناً لا لايملك من الدنيا إلا ثوبه المهلهل يستر جسمه،ثم يشفى ابنه.
كان يؤمن بالطب فدعا الأطباء،وكان يكفر بالرقي والتعاويذ ودعوة الصالحين فآمن بها وتشفع بأهلها،وكان لا يذكر الله في سرائه فذكره في ضرائه،وحشد لشفاء ابنه كل ما يستطيع من قوى مادية وقوى روحانية،ولكن غلب القدر فمات الولد.
لقد انقلب برنامج حياته رأساً على عقب،شكا الدنيا كما كان يشكو الناس،ولم يستطعم لذائذ الحياة كما كان يستطعمها من قبل.ما قيمة المزارع الواسعة والقصور المشيدة والمال الكثير إذا لم تكن نفس تتذوقها ورغبة تتشربها؟وما جمال الدنيا إذا لم تكن عين تبصرها؟
لقد وجد في الدين عزاءه الوحيد فتديّن،أدرك فشل المال والجاه في دفع المرض فآمن بسلطان القدر،ورأى عجز الطب والعلم والدواء فلجأ إلى من يعجز،وفهم أن الإلحاد يدعو إلى اليأس ويقرر فناء الميت،فكفر بذلك كله،ورأى الإيمان يقول بحياة بعد هذه الحياة وتلاق بعد الفراق وفناء الجسم وحياة الروح،فطبق ذلك على ابنه وعلى نفسه،فبعث فيه الأمل وأحيا فيه الرجاء،وقرأ أن العمل الصالح يقربه إلى بغيته،ويجعل الحياة الأخرى أسعد وأهنأ،فأكثر من الصلاة والزكاة،وشارك في أعمال البر،وكان يقرأ القرآن ويقف كثيراً عند آيات الجنة ونعيمها،فيتلهف شوقاً إلى أن يجمعه الله وابنه فيها.كان يناجي ربه:”أن قد مات قلبي بموت ابني فأحيه بك،وقد انطفأت شعلتي فأمدها بنورك،إني فقير إليك فألهمني الصبر،لقد كنت في حلم فتبدد،وفي سعادة فزالت،وكنت معتمداً على مالي وجاهي فإذا هما هباء،فلا ألجأ الآن إلا إليك،ولا اسألك الآن سعادة فقد مللتها،ولا شيئاً من متع الدنيا فقد زهدتها،وإنما أسألك أن ألمس قوتك لأستعين بها على حمل عبئي،وأن أمسّ رحمتك لألظف بها حرارة الحمى في كبدي،وأن أسبح في بحرك الواسع أطهر فيه نفسي من يأسي،وأن تنيلني قبساً من حكمتك أدرك به الدنيا على حقيقتها،فلا أجزع لمصائبها،ولا أخدع بزخارفها.
أي ربي اغفر لي جهلي بك،وغروري بمالي،واعتزازي بجاهي،فلا أعز إلا بك،ولا امل إلا فيك،ولا أعتمد إلا عليك.
أي ربي،اسكن قلبي فقد صار هواءً،وآنس وحشتي فقد فزعت من كل شىء حولي،وأطو الحياة طياً حتى ألقى وجهك ووجه ابني”.
بهجة المجالس (ج2 ص 544): قال الأوزاعي:قيل لعيسى عليه السلام:يارُوحَ الله أنت تُبرئ الأكمه والأبرص وتُحيي الموتى بإذن الله فما دواء الأحمق قال ذلك أعياني”.
بهجة المجالس (ج2 ص 561):كان الشعبي يوماً جالساً في مجلسه والناس يتناظرون في الفقه عنده ومعهم شيخ يطيل السكوت،فقيل له يوما لوسألت عن مسالة تنتفع بها؟ فقال : إني لأجد في قفاي حكة أفترى لي أن أحتجم ؟فقال الشعبي :الحمد لله الذي صرنا من الفقه إلى الحجامه!”.
وجاء في وفيات الأعلام لإبن خلكان :جرى بين الإمام الأعمش وبين زوجه كلام،وكان يأتيه رجل يقال له أبو ليلى،مكفوف،فصيح يتكلم بالإعراب،فقال:ياأبا ليلى ،امرأتي نشزت عليّ،وأنا أحب أن تدخل عليها فتخبرها مكاني من الناس وموضعي عندهم،فدخل عليها أبو ليلى وكانت من أجمل أهل الكوفة،فقال:ياهنتاه،إن الله قد أحسن قِسمك،هذا شيخنا وسيدنا وعنه نأخذ أصل ديننا وحلالنا وحرامنا،فلايضرنك عُموشة عينيه،ولاحموشة ساقيه _دقتهما _، فغضب الأعشى وقال يا أعمى، يا خبيث، أعمى الله قلبك كما أعمى عينيك قد أخبرتها بعيوبي كلها اخرج من بيتي” .
جاء في الكامل للمبرد( ج1 ص480):والصّدى :حُشوةُ الرأس، يقال لذلك: الهامة والصدى . وتأويل ذلك عند العرب في الجاهليه أن الرجل كان عندهم إذا قُتل فلم يُدْرَك بثأره يخرج من رأسه طائر كالبومة وهي الهامة والذكر الصّدى فيصيح على قبره اسقوني اسقوني،فإذا قُتل قاتله كفَّ ذلك الطائر ،قال ذو الإصبع العَدواني:
يا عمرو إلا تدعْ شتمي ومنقصتي أضربكَ حيث تقول الهامةُ اسقوني
معجم الأدباء ياقوت الحموي (ج4 ص480):قال الجاحظ :أجمع الناس على أربع: أنه ليس في الدنيا أثقل من أعمى،ولا أبغض من أعور، ولا أخفّ روحاً من أحول ،ولا أقود من أحدب”.
نفس المرجع ص476:قال الجاحظ: “ليس جهد البلاء مدّ الأعناق وانتظار وقع السيف،لأن الوقت قصير والحَين مغمور ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلة وتطول المدة وتعجز الحيلة،ثم لا تعدم صديقا مؤنباً وابن عم شامتاً وجارا حاسداً ووليًا قد تحول عدواً وزوجة مختلفة كثيرة الطلب وجارية مسبعة (أي كالسبع )خبثا وعدوانا وعبداً يحقرك وولداً ينتهرك”.
الحسن البصري قال :”مسكين ابن أدم محتوم الأجل،مكتوم الأمل،مستور العلل،يتكلم بلحم وينظر بشحم ،ويسمع بعظم، أسير جوعه وصريع شبعه،تؤذيه البقة وتنتنه العرقة وتقتله الشرقة،لا يملك لنفسه ضراً ولانفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً”.
أحمد حسن الزيات( من وحي الرسالة ج1 ص52):
“كنا يومئذ في مايو والطبيعة تعلن عن حبها بالألوان والألحان والعطر ،ونفسي تحاول أن تعلن عن هواها بالدموع والشعر،فآلامي تجيش في عيني،وعواطفي تتنزّى على لساني،وبلابلي تتوثّب في خاطري وكلها تطلب السبيل الى العلانية والشكوى في الحب كالطفح في الحمى كلاهما عرض ملازم “.
أُتي عبد الملك بن مروان برجل من الخوارج فارأد قتله فأُدخل على عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي فقال الخارجي: دعه يا عبد الله فإن ذلك أرحب لشدقه،وأصّح لدماغه ،وأذهب لصوته وأحرى ألا تأبى عليه عينه إذا حفزته طاعه الله فاستدعى عبرتها، فاُعجب عبد الملك بقوله وقال له متعجبا: أما يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ فقال: ما ينبغي أن يشغل المؤمن عن قول الحق شيئ، فأمر عبد الملك بحبسه وصفح عن قتله “.
الشيخ علي الطنطاوي من كتاب صور وخواطر :
“وهذا “بسمارك “رجل الدم والحديد ،وعبقري الحرب والسلم،لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة،وكان لا يفتأ يوقد الدخينة من الدخينة نهاره كله،فاذا افتقدها خلَّ فكره،وساء تدبيره . وكان يوماً في حرب فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة،لم يصل إلى غيرها فأخرَّها إلى اللحظة التي يشتدَّ عليه فيها الضيق ويعظم الهمّ ،وبقي أسبوعاً كاملاً من غير دخان،صابراً عنه أملاً بهذه الدخينة،فلما رأى ذلك ترك التدخين ،وانصرف عنه لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة بلفافة تبغ واحدة”.
الشيخ علي الطنطاوي(مقال:في أثناء المرض ـ الرسالة العدد703):
“أصبحت من أيام فوجدت رأسي من ثقل كأنه حجر رحى رُكب بين كتفي،وكأنه من الصداع يدقّ من داخله بالداقّ،وكأن جفني قد شدَّ إلى الأرض فما أفتحهما حتى يعودا فينطبقا،ووجدتُ في حلقي إذا أبتلع ريقي مثل حزَّة الشفرة،وفي كل مفصل من مفاصلي ألماً،وفي أعصابي من الخَدَر مثل مشي النمال،ووقفت فاصطكت ركبتاي،ودير بي،فعدت إلى الفراش…
ولم يصدق أهل الدار أني مريض،لأنهم لم يروا عليَّ لمرض أثراً،ولإن المريض عندهم إنما هو الشاحب المهزول البادي العظام،وأكدت لهم القول فلبثوا مكذبين.يعتقدون أني أتدلل عليهم وأني أتكاسل وأوثر الراحة والاستمتاع برعاية المرض،على إرهاق النفس بمعالجة نسوان المحكمة،وصبيان المدرسة…ويئست من إقناعهم بمرضي فأعرضت عنهم وتشاغلت بالتفكير.
فكرت في هؤلاء الناس إذا كانوا لايميزون المريض من الصحيح،والمرض شىء ظاهرة آثاره ،بادية إمارتهن ،كيف يميزون الطيب من الخبيث،والصالح من الطالح؟وكيف يقيسون أقدار الناس،وكيف تكون عندهم موازين الرجال؟أولا يخطئون في أحكامهم على الناس خطأ أهلي في الحكم على مرضي،إذ يقيسون المريض بالشحوب والهزال،ورُبّ شاحب هزيل ما فيه إلا جلد على عظم وهو الصحيح المعافى الأيد القوي،ورُبّ سمين يكاد ينفزر من كثرة الشحم واللحم،وهو مَحمل أمراض وهو الضعف مجسّماً والعجز؟
الشيخ علي الطنطاوي(من حديث النفس ـ مقال :بعد المرض):
“يقولون أن الإنسان يأكل ليعيش،ولكني أعيش في هذه الأيام لآكل..آكل بشراهة ونهم،حتى أحس الامتلاء ولا يبقى في المعدة مكان لذرّة..فأدع الطعام آسفاً،وأنظر إلى الأطباق وما فيها نظرة المودِّع الحزين،ثم أقوم إلى كتابي فأفتحه،أو إلى شباكي أطلُّ منه،أتلهى بهذا أو بذاك حتى أحسّ أو أتوهم أني أحسّ جوعاً،فأدعو بالطعام،أو تمضي ثلاث ساعات،فآكل ولو لم أكن جائعاً…ألم يقل لي الطبيب كلْ كلَّ ثلاث ساعات؟!
ذلك لأني لبثت عشرين يوماً أشتهي قطعة الخبز،فأطلبها وألحّ في طلبها،فتمتنع عني،وأحرمها فأراها في منامي،وأحلم بها في يقظتي تجسمها لي أمانيَّ وأفكاري ،فأتخيل أني قد نلتها،فإذا أنا لم أنل إلا هذا اللبن(الحليب)الذي برمت به واجتويته،والذي يفضل المريض رؤية عزرائيل على رؤيته يطالعه في الصباح وفي المساء،والذي كرهت لأجله كل أبيض،حتى بياض الفجر وبياض النحر..والذي أصبح قذىً في عيني لا أطيق رؤيته،وسمّاً في فيَّ لا أقدر على تذوقه..زثم فرجَّ الله عني بعد الضيق وأنالني ما أشتهي من الأطعمة وأريد،فكيف لا أهجم عليها بشراهة ونهم،وكيف تبلغ بي الحماقة أن أقوم عن المائدة وفي الأطباق بقية؟
ويتابع رحمه الله:”تألمت في هذا المرض لكني تعلمت.تعلمت في الحياة درساً جديداً،وما الحياة إلا دروس…هو أن المرض نعمة ليس بنقمة،وأنه لازم للإنسان لا يدرك قيمة الصحة ولا يعرف معنى الحياة ولا يرجع إلى نفسه إلا إذا مرض،هنالك يدرك معاني هذه الأشياء التي يمرُّ بها وهو صحيح مراً سريعاً لأنه مشغول عنها بما لا نهاية له من الصغائر والترهات،وأن للمريض ـ قبل لذة الصحة ـ لذتين،لذة هذا العطف الذي يحاط به والحب الذي يغمره،ولذة أخرى،وهي اللذة الكبرى التي يجدها ساعة يلجأ إلى الله،ويدعوه مخلصاً مضطراً.
ويتابع:”وتعلمت من المرض أن المساواة التامة هي سنة الله في الحياة.انظروا المرض هل يعرف غنياً أو فقيراً؟هل يمتنع منه الملك الجبار رب القصر والحراس؟وهل تمنع أبوابه وجنده هذا المخلوق التافه الصغير من الدخول؟سد الأبواب،وأغلق النوافذ،وأقم الجند بالسلاح،وعش في صندوق مغلق،إنه يدخل مع الهواء الذي تنشقه،والماء الذي تشربهنوالطعام الذي تأكله،ويحتل جسمك،ويعيش في عينك وفمك،ويسبح في دمك”.
علي الطنطاوي(كلمات صغيرة ـ أدوية البلدية):
“حدثني من أثق به أن مريضاً باليرقان اجتمع عليه الأطباء وحشدوا له أنواع العلاج،فلم تصنع معه شيئاً لأن للمرض مدة لا بد أن يستوفيها،فجاء يعوده رجل مجرِّب فقال له:هل تحب أن تقوم غداً وليس بك شىء؟قال: نعم.قال:اصنع ما أقول لك،أرسل من يشتري لك”قثّاء الحمار”من أحد العطارين،ودقّها دقاً،وصَفِّها بقطعة من شاش دقيق النسج،ثم انشَقْ منها نشقات في اليوم.
قال: فصنع ذلك فسال من أنفه ماء أصفر كثير،وما جاء الصباح حتى شُفي بإذن الله.
وسمعت أن مريضاً بالتهاب البروستات أعيا الأطباء،عالجوه بالقشر الأخضر الذي يكون على عود الفول،فشُفي.وما زلنا نسمع أن ماء الأنكنار المغلي خير علاج لأمراض الكبد،وأن غلي قطعة من لب غصن الموز وشرب كأس منه يشفي السعال،وأن بذر الخلة ينفع للرمل…ومئات من هذه الوصفات يؤكد الناس فائدتها،حتى إنك لا تجد حشيشة في البرية مهملة،تنبت وحدها وتجفّ وحدها، إلا وجدت من يحدّثك عن فوائدها.فلماذا لا يعمد أحد الأطباء الكيمائيين إلى الفحص عنها وتحليلها ومعرفة ما فيها من العناصر،ويعلّم الناس طريق استعمالها ويحدّد لهم مقدارها،فيخلصهم من المرض ومن دفع الأموال إلى الأجانب ثمناً لدواء ربما كان يغني عنه حشيش من الجبل،ويمنحهم بذلك شفاء الأجسام وشفاء الجيوب؟
إنه لا يجوز ترك العامة يستعملون هذه الحشائش على هواهم،لأن اختلاف المقدار الذي يُشرب منها ومدة وضعها على النار يقلب خيرها إلى شر ونفعها إلى ضر،ولو ثبت أن فيها مادة مفيدة.وهذا الشاي يختلف أثره فينا باختلاف صنعه،فإذا وضعته في الماء وغليته على النار حتى يصير أسود وشربت منه الكؤوس الكثيرة، لا يكون كالشاي الذي تضع منه ورقات في المصفاة وترفعها من الإبريق بعد دقائق وتشربه..هذا ينبّه وينشط والأول سم زعاف،والشاي هو الشاي.
بل إن العلاج النافع إذا أخذت منه أكثر من الحاجة انقلب ضاراً،فلا يغترّ أحدٌ بهذه الوصفات التي يسمعها من الناس أو يقرؤها في “تذكرة داود”فيأخذها بلا معرفة ولا فهم،وليقم أحد الأطباء الكيمائيين بهذا العمل الجليل”.
علي الطنطاوي(كلمات صغيرة ـ ما أضعف الإنسان):
“أخي الأستاذ وديع،
أرجو أن تعتذر عني للقراء لأني لا أستطيع أن أكتب اليوم الكلمة ولم أستطع الذهاب إلى عملي،لقد شُغلت عن ذلك بنفسي بشىءٍ يُشغل عن الكتابة والعمل والطعام والشراب،بنَوبة رمل أعاذك الله منها ولا عرّفك بها.
بيدٍ من الحديد أحس أنها تقبض على جنبي،وبمثل طعنات الخنجر الحامي تتوالى عليّ على عدد الثواني،وبنَفسي يضيق حتى لكأني أختنق،وببطني ينتفخ حتى لكأنه ينفجر،فأنا أتلوّى وأتقلّب لا أقدر أن أستقر دقيقة ولا أكفّ عن الصراخ لحظة.
وليس يستطيع الطب أن يسعفني إلا بحقن”السيدول” التي لا تذهب بالمرض فتشفي من الوجع،بل تقتل الحس وتميت الشعور فتُنسي الألم.والسبب كله..أو تعرف يا سيدي ما السبب؟
إنها حبة رمل لا تكاد تدركها العين.هذه هي التي فعل بي الأفاعيل.
فيا لغرور الإنسان! اخترق الجبال،وخاض البحار،وركب السحاب،وأنطق الحديد،وسخر النور والكهرباء،وحاول أن يخترق بعقله حجب المستقبل،وظن أنه شارك الله في ملكه،فأدّبه الله بحبة رمل لا تكاد تدركها العين،تصرعه وترميه وتسلبه قدرة عقله وبطش يده،وتجعله يصرخ كالقط الذي قُطع ذنبه.
وبكأس ماء إن حُرمها شراها بنصف ملكه إن كان ملكاً،وإن مُنع خروجها من جسمه شرى إخراجها بالنصف الثاني.
ألا ما أضعف الإنسان!
الشيخ علي الطنطاوي(مقال من ذكريات الحج):
“ألا ترون العروق الشعرية كيف تحمل الدم من أطراف الجسم ثم تصبه في الأوردة الكبار،حتى يدور دورته في القلب مجتمعاً،وفي الرئة منتشراً،فيصفو بعد العكر،وينقى من الوضر،ويعود في الشرايين دماً أحمر جديداً،بعد أن كان في الأوردة دماً أسود فاسداً؟كذلك الحج.
يأتي المسلمون من آفاق الأرض الأربعة،أفراداً ثم ينتظمون جماعات،ثم يدورون حول الكعبة قلب الأرض المسلمة،ثم ينتشرون في عرفات رئة الجسم الإسلامي فتصفي نفوسهم من أكدار الشهوات،وتنقى أوضار الذنوب،ويعودون إلى بلادهم أطهاراً،قد استبدلوا بتلك النفوس نفوساً جديدة كأنها ما عرفت الإثم،ولا قاربت المعاصي”.
الشيخ العلامة علي الطنطاوي(مقدمة كتاب”قبسات من الطب النبوي للدكتور حسان شمسي باشا”:
“ليست هذه مقدمة للكتاب ولكنها كلمة شكر لله أقدمها بين يدي الكتاب.أشكر الله الذي كان من نعمه على عباده أنه لم يجعل في هذه الدنيا أمراً هو خيرٌ محض،ولا أمراً هو شرٌّ محض.وأنه جعل في كل سيئة تسؤونا حسنة مطوية فيها لو نحن بحثنا ودققنا لوجدناها.وذلك كله من الله،يختبرنا بالمسرات كما يختبرنا بالآلام:{فأمّا الإنسانُ إذا ما ابتلاهُ ربُّهُ فأكرَمهُ ونَعَّمهُ فيقولُ ربّي أكرمنِ* وأمّا إذا ما ابتلاهُ فَقَدرَ عليهِ رزقَهُ فيقولُ ربّي أهاننِ}[الفجر15 ـ 16].
فمن ذكر هذا وكان مؤمناً كان شكره النعم خيراً له،وكان صبره على النقم خيراً له،وكان أجراً يدّخر له إلى اليوم الذي يحتاج فيه إليه،يوم لاينفع مال ولا بنون،إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومن نعم الله عليَّ أنا أن خلقني متين البنيان،سليم الأعضاء،صحيح الجسد،أورثني ذلك من جدي الذي كان بفضل الله معدوداً في الأقوياء،عاش أكثر مما عشت أنا إلى اليوم وماكاد يحتاج يوماً إلى طبيب.
ومن أمي ـ التي عاشت رحمها الله ورحم أهلي جميعاً لم تمرض يوماً.ما أورثني ضعف جسد أبي،وعلله وأنه كان مصاباً بالربو حتى مات رحمه الله في السادسة والأربعين،وكان مع ذلك من علماء دمشق المعدودين.
شكوت طول عمري من شىء واحد عرّفني بالأطباء،وأسكنني حيناً المستشفيات،في دمشق وفي بيروت مراراً،وفي قصر العيني في مصر،وفي مستشفى جامعة بون في ألمانيا،وفي مستشفى في القدس،وآخر في كلكته في الهند.وأضجعني بين أيدي أهل السكاكين من علماء الجراحين،يشقون جلدي،ويقطّعون في أحشائي،حتى وفق الله بعض الأساتذة الكبار من أطباء المسالك البولية فبتروا ما لا أمل في صلاحه،وكل عضو في الجسم أو في الشعب لايؤمل له صلاح فدواؤه أو دواء الجسم منه البتر.ومن هؤلاء الأطباء الدكتور منير شورى الأستاذ في كلية الطب في دمشق،وزميله الأستاذ الطبيب مظهر المهايني،وانتهيت هنا إلى الطبيب العبقري الدكتور عبد الرؤوف الجاروشي.
ماكنت أشكو شيئاً غير هذا،وكنت إلى ماقبل عشر سنوات أشتغل بالرياضة،رياضة السير الطويل أربعين كيلاً(كيلومترا)في اليوم،والحركات السويدية والدانمركية والأثقال والملاكمة وكدت أتتقنها،والمصارعة الرومانية،وكنت أمارس ذلك كله إلى ماقبل عشر سنين أي إلى مابعد بلوغي السبعين(وأنا الآن على أبواب الخامسة والثمانين)ولو استمررت عليه لبقيت قادراً على ممارسته بإذن الله،ولكني انقطعت.وكنت من أيام شبابي أذهب كل سنة إلى طبيب لايعرفني اسأله أن يكشف عليَّ كشفاً كاملاً،على السرير وبالأشعة،وبأنواع التحاليل فإذا انتهى قال لي متعجباً:مابك شىء فلمَ جئت إليّ؟ فأقول: جئت لأسمع منك هذه الكلمة.
كان(ولله الحمد وأسأله الزيادة)كل عضو فيَّ سليماً إلا ماكان عرض للجهاز البولي،لاسيّما القلب،فالقلب للمؤمن،والقلب للشاعر،إن سقم لم يبق له شىء.
القلب الذي فيه الإيمان،وفيه الحب والحنان ليس هذا القلب الذي هو مضخة للدم لانكاد نعرف له في الظاهر عملاً غيره.
هذا القلب الذي ظل يخفق بين جوانحي وكان بحمد الله قوياً جلداً،يحمل عبء السنين التي طالت،لايشكو ولايتذمر،ولا تتعثر خطاه،يبدو أنه أدركه لما أدركتني الشيخوخة من الكلال والوهن ما أدرك جسدي كله فعلاً صوته بالشكوى.
صارت تمر بي لحظات أشعر فيها بما يشعر به الغريق الذي يطلب نفحة هواء فلا يجدها،أحس ضيقاً في نَفَسي ومابي زكام،ولا انسداد في أنفي،ولكنه شىء من الداخل علمت بعد ـ لما أعلمني الأطباء ـ أنه شريان يضيق فلا يوصل إلى القلب مايحتاجه من دم.
وجدت ذلك أول مرة من نحو سنة،فأخذني حفيدي الطبيب مأمون ديرانية إلى مستشفاه مستشفى الملك فهد المدني في جدة،فوجدت طبيباً مصرياً إستشارياً في أمراض القلب هو الدكتور محمد أنور. فأسعفني الله به،وبالدواء الذي سيّرني عليه كما يسيّر من كان شيخاً مثلي على عكازه فإن فقدها تعثر وعجز.
وعاودتني من قريب نوبة أشد من الاولى،فأخذني صهري وولدي زوج ابنتي الأستاذ محمد نادر حتاحت إلى مستشفى الملك فهد ولكن العسكري هذه المرة.
دخلت إليه،فعرفت فيه طبيباً سوري الأصل،وإن أمضى في بريطانيا شطراً من عمره كبيراً..أخذ الكثير من علوم القوم،وماترك لهم والحمد لله قليلاً ولا كثيراً من دينه،ولا من سلائق أمته،ولا من أخلاق أسرته،فإن كنا نرى المرض شراً فإن الخير فيه هو معرفتي بهذين الطبيبين،أذكرهما وأشكرهما،ومن لم يشكر المحسن من الناس لم يشكر الله.
أوس بن حارثة ينصح ابنه عند موته( نقلا عن الأمالي للقالي ص102):
“يا مالك! المنيّة ولا الدنيّة،والعتاب قبل العقاب ،والتجلّد لا التبلد،واعلم أن القبر خير من الفقر ،وشر شارب المشتف (أي الذي يشرب الشفافة وهي البقية تبقى في الإناء)،وأقبح طاعم المعتف(أي الأخذ بعجلة)،وذهاب البصر خير من كثير من النظر،ومن كرم الكريم الدفاع عن الحريم،ومن قلّ ذلّ ومن أمر(أي كثر عدوه) فلّ، وخير الغنى القناعه،وشر الفقر الضراعة، والدهر يومان فيوم لك ويوم عليك،فاذا كان لك فلا تبطر،وإذا كان عليك فاصبر فكلاهما سينحسر “.
(وقيل أن أوس بن حارثة تنسب له الأوس).
عبد الله بن المقفع (الأدب الكبير ص66): “وأصل الأمر في صلاح الجسد ألا تحمل عليه من المآكل والمشارب والباه إلا خفافا،ثم إن قدرت على أن تعلم جميع منافع الجسد ومضاره والانتفاع بذلك كله فهو أفضل “.
قال الأصمعي: “ثلاثة ربما صرعت أهل البيت عن آخرهم : الجراد،ولحوم الإبل،والفطر وهو الفقع ،ويقول أهل الطب إن أردأَ الفطر ماينبت في ظلال الشجر ولا سيما ظلال الزيتون فإنه قتال”.
جاء في الكشكول للعاملي (ج3 ص96): “إذا أُشرِبَ القلب حُبّ الدنيا لم تنجع فيه كثرة المواعظ ،كما أن الجسد إذا استحكم فيه الداء لم ينجع فيه كثرة الدواء” .
ابن القيم:حدود الأخلاق (من كتاب الفوائد):
للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدواناً،ومتى قصرت عنه كان نقصاً ومهانة.
ـ فللغضب :حد هو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص،وهذا كماله.فإذا جاوز حدّه تعدى صاحبه وجار،وإذا نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل.
ـ والحرص:له حد هو الكفاية في أكور الدنيا وحصول البلاغ منها،فمتى نقص عن ذلك كان مهانة وإضاعة،ومتى زاد عليه كان شرهاً ورغبة فيما لاتحمد الرغبة فيه.
ـوللحسد:حد وهو المنافسة في طلب الكمال والأنفة أن يتقدم عليه نظيره.فمتى تعدى ذلك صار بغياً وظلماً يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ويحرص على إيذائه،ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس.
ـ وللشهوة:حد وهو راحة القلب والعقل من كدّ الطاعة واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها على ذلك،فمتى زادت على ذلك صارت نهماً وشبعاً والتحق صاحبها بدرجة الحيوانات،ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغاً في طلب الكمال والفضل كانت ضعفاً وعجزاً ومهانة.
ـ وللراحة:حد وهو إجمام النفس والقوى المدركة والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل في توفرها على ذلك بحيث لا يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها،فمتى زاد على ذلك صار توانياً وكسلاً،وإضاعة وفات به أكثر مصالح العبد،ومتى نقص عنه صار مضراً بالقوى موهناً لها وربما انقطع به كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
ـ والجود:له حد بين طرفين فمتى جاوز حدّه صار إسرافاً وتبذيراً،ومتى نقص عنه كان بخلاً وتقتيراً.
ـ وللشجاعة:حد إذا جاوزته صار تهوراً،ومتى نقصت عنه صار جبناً وخواراً.
ـ والغيرة:لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظناً سيئاً بالبرىء،وإذا قصرت عنه كانت تغافلاً ومبادىء دياثة.
ـ وللتواضع: حد إذا جاوزه كان ذلاً ومهانة،ومن قصر عنه انحرف إلى الكبر والفخر.
ـ وللعز: حد إذا جاوزه كان كبراً وخلقاً مذموماً،وإن قصر عنه انحرف إلى الذل والمهانة.
ابن القيم في زاد المعاد(ج3 ص74):
“ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطبّ النبّوة فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول،واعتقاد الشفاء به،وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان،فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور من أدوائها،بل لا يزيد المنافقين إلا رجساً ومرضاً إلى مرضهم ،وأين يقع طب الأبدان منه؟ فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة،كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية،فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الإستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع،وليس ذلك لقصور في الدواء،ولكن لخبث الطبيعة،وفساد المحل وعدم قبوله” .
ابن القيم(الفوائد ص79):
“جعل الله بحكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم،ظاهرة أو باطنة،آلة لشىء إذا استعمل فيه فهو كماله.فالعين آلة النظر.والأذن آلة للسماع.والأنف آلة للشم.واللسان للنطق.والفرج للنكاح.واليد للبطش.والرجل للمشي.والقلب للتوحيد والمعرفة.والروح للمحبة.والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب الأمور الدينية والدنيوية وإيثار ما ينبغي إيثاره وإهمال ما ينبغي إهماله”.
ابن القيم(الفوائد ص90):
“فيا من ضيّع القوة ولم يحفظها،وخلط في مرضه وما احتمى،ولا صبر على مرارة الاستفراغ لا تنكر قرب الهلاك فالداء مترام إلى الفساد.لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالحمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف المشتهيات.ولكن بخار الشهوة غطى على البصيرة،فظننت أن الحزم بيع الوعد بالنقد.يا لها من بصيرة عمياء،جزعت من صبر ساعة،واحتملت ذل الأبد.سافرت في طلب الدنيا وهي عنها زائلة،وقعدت عن السفر إلى الآخرة وهي إليها راحلة”.
عيون الاخبار ابن قتيبة كتاب الطعام: “قال الاحنف بن قيس: جنّبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام فإني أبغض الرجل أن يكون وصّافاً لبطنه وفرجه،وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه”.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : “من كان همه ما يدخل جوفه كانت قيمته ما يخرج منه”.
وقال الحسن البصري: ” تعلموا العلم للأديان،والنحو للسان،والطب للأبدان” .
سأل رجل الشعبي: هل يجوز للمحرم أن يحك بدنه ،قال :نعم،فقال الرجل مقدار كم؟!قال: حتى يبدو العظم!!”.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا عزّى امرءاً قال له: “ليس مع العزاء مصيبة،ولا مع الجزع فائدة،والموت أشدّ مما قبله وأهون مما بعده،فاذكر من عظم مصابه على مصابك تهن عليك مصيبتك” .
عيون الأخبار ابن قتيبه (كتاب العلم والبيان ص220): “من أبعد من البرء من مريض لا يؤتى في دائه إلا من جهة دوائه ولا في علتة الا من قبل حميته” .
ابن القيم : “أنزل الله على المسلمين يوم أحد النعاس أمنةً منهُ،والنعاس في الحرب وعند الخوف دليل من الأمن وهو من الله،وفي الصلاة ومجالس الذكر والعلم من الشيطان” .
علي الطنطاوي( من كتاب مع الناس ص 164): “وليس يظهر هذا التبدل من أول يوم بل يحتاج إلى الزمن الطويل إنه مرض في النفس ،شأنه شأن الأمراض كلها لابد لها من زمان تفرخ فيه جراثيمها وتنمو وتسيطر فترى الرجل تحسبه صحيحا وهو سقيم”.
البيان والتبيين للجاحظ: “قالوا عشر خصال في عشرة أصناف من الناس أقبح منها في غيرهم:الضيق في الملوك،والغدر في الأشراف،والكذب في القضاة،والخديعة في العلماء،والغضب في الأبرار،والحرص في الأغنياء،والسفه عند الشيوخ،والمرض في الأطباء،والزهو في الفقراء والفخر في القراء” .
احمد حسن الزيات( وحي الرساله ج1 ص 228) يتكلم عن إحدى القرى في مصر وما يصيب سكانها من إمراض:
“اصطلحت على دمائهم الفقيرة جراثيم الملاريا والبلهارزيا والانكلستوما فغدوا كواسف الوجوه،خواسف الجسوم،خوائر القوى،يعالجون المرض بالصبر،ويخنقون الألم بالتسليم، ويدافعون الموت بالتعاويذ،ويسيئون الظن بالمستشفيات التي لا تقبلهم إلابالشفاعه ولا تعاملهم إلابالفظاظه،ولا تحسن علاجهم إلا بالمال في العيادات الخاصة” .
الزمخشري (أطواق الذهب ص61 المقاله 53 الصبر على الامراض والبلايا):
“وثقتك بقول الطبيب مرض أشد من مرضك وأبعد لك في الإنتهاء إلى غرضك،فإن مرضت فابدأ بصبرك وثن بالشكر على حُلّوك ومُرّك،فان استعزَّ بك الوصب أي اشتدّ بك المرض واستفّزك النصب أي غلب على عقلك التعب،فارفع يديك إلى من يداويك ولا يداويك إلا من يدويك أي يمرضك وإنما يشفيك التحني له والخشوع ،ليس يوحنا وبختيشوع،مالطبيب إلا تابع تجربته وبائع مافي أجربته وربما أدبرت بك تدابيره أي أخرت مرضك وعقرتك عقاقيره فدع الأطباء غير الالباء فأكثرهم اما عبد الطبيعة واما عابد الصليب في البيعة” .
ابن القيم:
“اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها،مثمرة للألم بعد انقضائها،فإذا اشتدت الداعيه منك إليك ففكر في انقطاعها، وبقاء قبحها وألمها،ثم وازن بين الأمرين،وانظر مابينهما من التفاوت” .
ثمار القلوب (الثعالبي ص55) أبو الخطاب الصابي كتب إلى عز الدولة أبو منصور بختيار على سبيل المطايبه وأمره أن يتخّير من أطايب ما يقرب اليه،ولا يتعذّر هضمه،ولا يبطئ استمراؤه،وأن يعتمد صدور الدجاج وخواصر الحملان،ويتجنّب شحوم الكلي فانها تمنع من الإمعان ،وان يحاكي حوت يونس في جودة الالتقام، وثعبان موسى في سرعة الإلتهام،ويبادر الطرف باستراطها لبلع ،ويسبق النفس بازدراده”.
البصائر والذخائر التوحيدي (ج1 ص 188) اعتلَّ ذو الرياستين الفضل بن سهل بخراسان مدة طويله ثم أبلّ واستقلّ فجلس للناس ودخلوا عليه يهنئونه بالعافية،فأنصت لهم حتى تقضّى كلامهم ثم اندفع فقال : إن في العلل لنعما لا ينبغي للعقلاء ان يجهلوها،منها تمحيص الذنب،والتعرض لثواب الصبر،والإيقاظ من الغفلة،والإذكار بالنعمة في حال الصحة،واستدعاء التوبة والحض على الصدقة،وفي قضاء الله وقدره بعد الخيار” .
الأدبُ العربي المعاصر في سوريا سامي الكيالي( ص 34) يصف خليل مردم بك أدب ما بعد الحرب العالمية الأولى:
” أدبنا اليوم أشبه بمريض ألحّت عليه العلل والأمراض حتى أمضّته،أما علاجه فهو لايعدو أحد قسمين لا يجوز التفريق بينهما وان اختلفا،تعهد جسمه الناحل الضاوي بالتقوية والثاني نفي الأوضار التي علقت ببدنه وكان منها بؤرة جراثيم خارت لها عزائمه فعلى من يتصدى لمعالجته أن يكون بانيا وهادما وطبيبا وجزارا، ونعني هدم ما تداعى من الفاسد وبناء المصالح مع حياطة المتين منه”.
البصائر والذخائر( ج2 ص899):أشد من كرب الشوق،وأفظع من حُرق الفراق،ماتضّمنه صدر من لاتساعده دموعه،ولا يطاوعه لسانه، فترى الزفرات تترّدد في أحشائه،والغموم تتلظّى تحت جوانحه،ولو انطلقت عبرته وأسمح لسانه لطفئ بعض ما يعانيه” .
البصائر والذخائر( ج2 ص 97) يقول العتبي:”إ ذا تناهى العمر انقطع الدمع،وما الدليل على ذلك أنك لا ترى مضروبا بالسياط،ولا مقدما لضرب العنق يبكي” .
سئل ابن عباس عن الغضب والحزن أيهما أشدّ ؟فقال :مخرجهما واحد واللفظ مختلف، فمن نازع من يقوى عليه أظهره ويسمى غضبا،ومن نازع من يعجز عن كتمه ويسمى حزنا”. ( نقلا عن الكشكول للعاملي ج3 ص366).
البصائر والذخائر( ج2 ص99) قيل لفيلسوف :الحزن أشد أم الخوف؟ فقال :بل الحزن وإنما صار الخوف مكروها لما فيه من الحزن،وكما أن السرور غاية كل محبوب،فكذلك الحزن غاية كل مكروه”.
البصائر والذخائر (ج1 ص48)كان أحد الوعاظ يقول: يا أوعية الأسقام وأغراض المنايا الى متى هذا التهافت في النار؟!”.
ثمار القلوب للثعالبي (ص691) :”معترك المنايا هو مابين الستين الى السبعين من أعمار الناس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكثر أعمار أمتي مابين الستين الى السبعين ولما أنافت سنو عبد الملك بن مروان على الستين وسئل عن مبلغ عمره قال في معترك المنايا” .
عمر الفاروق رضي الله عنه : “الراحة للرجال غفلة وللنساء غلمة”(المستطرف للاْبشيهي).
قيل لأيوب عليه السلام : أي شيئ كان عليك في بلائك أشد؟ قال: شماتة الأعداء” .
خليل مردم بك في احدى رسائله: “لكننا لم نيأس بعد من الشفاء،والعثور على الدواء وان أزمن الداء فرحمة الله أوسع،وهو بنا أشفق وأرأف” .
زهر الآداب للقيرواني (ج3و4 ص928): “هو شورى بين أمراض أربعة :صداع لا يخف،وحُمَّى لاتغبّ،وزكام لا يجف، وسعال لايكف”.
(والإغباب في الحمى :أن تزور يوماً وتترك الزيارة يوما)
البيان والتبيين للجاحظ:” قال أزدشير: احذروا صولة الكريم اذا جاع ، واللئيم إذا شبع”
البيان والتبين للجاحظ: “قال أبو ذر الغفاري: “تخضمون ونقضم والموعد لله”.
( الخضم :الأكل بجميع الفم)
البيان والتبيين للجاحظ: “جاء في زبور داوود من بلغ السبعين اشتكى من غير علة” .
عمرو بن العاص: ” إذا حككت قرحة أدميتها “.
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء،وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ،وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك” .
العقد الفريد (ج7 ص 193) “سهل بن هارون: ” وقد أحيا الله بالسُّم،وأمات بالدواء،وأغصّ بالماء”.
أحدهم :”الغني يشكو التخمة،والفقير يشكو المخمصة،وفي علة هذا برء ذاك”.
عبد الله بن المقفع (في الأدب الكبير) : “أربعه أشياء لايستقل منها :قليل النار،والمرض ،والعدو والدَّين “.
وقال أيضا( ومن نفس المرجع ص 56) : “من أُبتلي بمرض في جسده لايفارقه،أوبفراق الأحبّة والإخوان،أو بالغربة حيث لايعرف مبيتا،ولامقيلا،ولايرجو إياباً،أوبفاقة تضطره إلى المسألة، فالحياة له موت،والموت له راحة” .
ابن المقفع : ” من لم يقبل من نصائحه ما ينقل عليه مما ينصحون له لم يحمد رايه،كالمريض الذي يدع ما يبعث له الطبيب ويعمد إلى مايشتهيه” .
مصطفى السباعي( في هكذا علّمتني الحياة) : “نعم بلسم الجراح الإيمان بالقضاء والقدر”.
وقال أيضا: ” المرض مدرسة تربوية لو أحسن المريض الإستفادة منها لكان نعمة لا نقمة”.
العقد الفريد: “من كتم السلطان نصيحته،والأطباء مرضه،والإخوان بثّه، فقد أخلَّ بنفسه” .
العقد الفريد( ج7 ص263): قال عمر الفاروق رضي الله عنه: “لاتزالون أصّحاء مانزعتم ونزوتم”.
( يريد مانزعتم عن القسي ونزوتم على ظهور الخيل وإنما أراد الحركة).
مصطفى السباعي( في هكذا علمتني الحياة): “اثنان لا تخالف رأيهما أبداً: الطبيب الحاذق حين يعالجك،والحكيم المجرّب حين ينصحك”.
وقال ايضاً: العيون الجائعة أشدّ ضراوة من البطون الجائعة،هذه إذا شبعت اكتفت،وتلك كُلّما أكلت جاعت”.
وقال أيضاً: العاقل يغذي صحته بماله،والأحمق يغذي ماله بصحته”.
وقال أيضاً: أربعة أشياء تكشف أخلاق الرجال :”السفر، والسجن، والمرض، والمخاصمة”.
علي ابن أبي طالب رضي الله عنه:”وأبردها على كبدي،قالوا:ياأمير المؤمنين وما ذاك ؟قال: أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول الله أعلم”.
مصطفى السباعي: ” تفكير الصحيح أصّح من تفكير المريض إلا أن يكون للمريض اُنسٌ بربه”.
وقال أيضاً: ” إذا ضقت ذرعاً بمرضك فاذكر أن هنالك مرضى يتمنون ما أنت فيه لعظم ما أصابهم من الأمراض،وبذلك تهدأ نفسك،وترضى عن ربك”.
العقد الفريد( ج1 ص64):عمر الفاروق رضي الله عنه: ” فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة همُّها في السمن،والسمن حتفها”.
نهج البلاغة: ” قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه: “ما المبُتلى الذي قد اشتدَّ به البلاء بأحوجَّ إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء”.
عمر الفاروق رضي الله عنه: ” من كثر ضحكه قلّت هيبته،ومن مزح أُستخفّ به،ومن أكثر من شيئ عُرِفَ به، ومن كثر كلامه كثر سقطه،ومن كثر سقطه قلّ حياؤه،ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه”.
مصطفى السباعي:” من لم يمتنع بإختياره عمّا يضره من لذّة فسيضطر إلى مايكرهه من دواء”.
العقد الفريد (ج3 ص85):قال ابن شبرمه: ” إذاكان البدن سقيماً لم ينجع فيه الطعام ولا الشراب،وإذا كان القلب مغرما لم تنجع فيه الموعظة”.
وقال أحدهم : “رُبَّ محسود على رخاء هو شقاؤه،ومرحوم من سقم هوشفاؤه ،ومغبوط بنعمة هي بلاؤه”.
العقد الفريد (ج3 ص169):معاوية بن أبي سفيان في النساء:”ما مرّضَ المرضى ولا ندبَ الموتى مثلهن”.
عبد الله بن المقفع :” ولم نر شيئاً قطّ إلا قد اُتي من قبل الصغير المتهاون به،قد رأينا الملك يؤتى من العدو المحتقر به،ورأينا الصحة تؤتى من الداء الذي لايُحفل به،ورأينا الأنهار تنبثق من الجدول الذي يستخف به”.
البصائر والذخائر (ج2 ص 125):قال بعض السلف:” كلوا اللحم فإنه يزيد السمع والبصر وما تركه امرؤ أربعين صباحا إلا ساء خلقه”.
البصائر والذخائر (ج2 ص143): “قهر البطن أعظم الحلم،فكن له رباً مالكاً وإلا صار عليك والياً قاسطاً”.
عبد الله بن مسعود : “الدنيا كلها هموم وغموم فإن اتفق فيها سرور فهو ربح”.
المستطرف للأبشيهي (ص 156):قال الخليفة المأمون للحسن بن سهل:نظرت في اللذّات فوجدتها كلها مملولة سوى سبعة،قال وما السبعة يا أمير المؤمنين ؟فقال:”خبز الحنطة،ولحم الضان والماءالبارد،والثوب اللين،والفراش الوطئ،والرائحة الطيّبة،والنظر إلى الحسن من كل شيئ.
قال :فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال؟ قال :صدقت وهي اُولاهن “.
البصائر والذخائر (ج2 ص195):قال مكحول في مرضه الذي قضى فيه: ” اللحاق بمن يُرجى عفوه خير من البقاء مع من لا يؤمن شره”.
البصائر والذخائر( ج2 ص201):قال شعيب بن الحبحاب: ” الحزن ينضو كما ينضو الخضاب ولو بقي الحزن على أحد لقتله”.
قالوا: ” ثلاثة لا عار فيهن: المرض، والفقر، والموت،وثلاثة ليس فيهن حيلة:فقر يخالطه كسل،وعداوة يداخلها حسد، ومرض يمازجها هرم”.
وقالوا: ” ستة لا تفارقهم الكآبه: ” الحقود، والحسود ،وفقير قريب العهد بالغنى،وغني يخشى الفقر،وطالب رتبة يقصر عنها قدره”.
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب:”أترك الطعام حتى أشتهيه،فإذا اشتهيته أكلته
وقال: إياكم وإدامة اللحم، فإن له ضراوة كضراوة الشراب”.
عبد الله بن عباس:” يا صاحب الذنب لا تأمن عاقبة ذنبك،واعلم أن مايتبع الذنب أعظم من الذنب نفسه”.
عيسى عليه السلام: “كما ينظر المريض إلى طيبّ الطعام فلا يلتذّ به من شدة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذّ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حبّ الدنيا “.
وقال أيضاً: “إن الدابة إذا لم ترُكب وتُمتهن تصعبّت وتغيّر خلقها ،كذلك القلوب إذالم ترقق بذكر الموت ويجهدها داب العبادة تقسو وتغلظ”.
عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود أحد فقهاء المدينه السبعة: “أرايتم المصدور إذا لم ينفث أليس يموت “.
عمر الفاروق رضي الله عنه: ” تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوا”.
( تمعددوا: أي تقشفوا).
وقال أيضا: ” لا تخورقوة ما كان صاحبها ينزو وينزع” .
( اي ما دام ينزع في القوس وينزو في السرج لا يسنعين بركابه)
وقال أيضاً: ” الراحة عقلة وإياكم والسمنة فإنها عقله”. ا
الحسن البصري: “يا ابن أدم طاء الارض بقدمك فإنها عما قليل قبرك،واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك مذ سقطت من بطن أمك”.
ذو النون المصري :”سقم الجسد في الإوجاع، وسقم القلوب في الذنوب،فكما لا يجد الجسد لذةالطعام عند سقمه ،كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب”.
الخليفة المأمون: “الإخوان ثلاث طبقات :طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه،وطبقة كالدواء يُحتاج إليه أحيانا،وطبقة كالداء لا يحُتاج إليه أبدا”.
مصطفى السباعي:”إ نما تُحمد اللذة إذا أعقبت طيب النفس،فإن أعقبت خبثا كانت سما”.
وقال أيضا: ” اللذة والألم ينبعثان من تصور النفس لحقيقتهما فكم من لذة يراها غيرك ألماً،وكم من ألم يراه غيرك لذة”.
قال الأستاذ محمد لطفي الصباغ:”إن المريض عندما يحس بمرضه،ويعاني من أثر الألم،يذهب إلى الطبيب ويتناول الدواء لينعم بالشفاء،ومن هنا كان الألم والإحساس به أمراً له إيجابيته،إن العضو المصاب بالشلل لا يحس بالوخز ولا بالحرق.فالخطوة الأولى للوصول إلى الشفاء والتخلص من المرض هي الإعتراف بالمرض… أما إذا كان المريض يَدّعي أنه صحيح ولا يصنع شيئاً،فإنه يترك للمرض أن يأتي على جسمه ويقضي عليه وهذا كله في مرض الأجسام … ومرض القلوب مثل ذلك وأشدّ…”
احمد حسن الزيات (وحي الرسالة ج2 ص254):
“أقعدني “الروماتزم” شهراً بالسرير لا أتورك ولا أتحرك. وكانت دنياي في هذه الفترة الفاترة قد انحصرت في غرفة المرض كما تنحصر دنيا الطائر السباح في القفص،أوحياة المُخاطر الطماح في السجن : فالنشاط الحيوي الجياش بالعمل والأمل ينقلب في المريض والسجين نوعاً من الهدوء الفلسفي الصوفي يردُّ كل ثورة إلى السكون،ويروض كل رغبة على الرضا،ويزيل عن البصر والقلب غشوات الباطل،فيرى المرء كل شئ على طبيعته ، ويدرك كل معنى على حقيقته.
ويتابع:”وجدتني بعد هذا الجهاد المجهد على سريري كما يكون الميت في نعشه ! غير أن الميت فقد الحس والوعي فلا يتألم ولا يتكلم،أما أنا فكنت قوي الشعور بالألم شديد الرغبة في الكلام،أبصر في كل صباح حواجب الشمس تنفذ إليّ من خلال الزجاج رخية لينة،فتغمرني بالدفء وتشيع فيّ سر الحياة،وتسكت عني صوت المرض،ثم تتركني لتعطي الدنيا الكبيرة ما أعطته دنياي الصغيرة،وأظل أنا محدود الآمال،مردود المطامع،لا يصلني بحياة الناس غير صنف مقابل تتمثل عليه طول النهار صباحة الشباب في أفواف الربيع . والشباب الجميل لا يعنيه إلا أن يعجب ويجذب ويلذ.
ويتابع:”تلك هي حياتنا الدنيا ! أراها من وراء المرض على لونها الأصيل ووضعها الحق : ظاهرة متغيرة من ظواهر الطبيعة المتجددة مثلها في الإنسان كمثلها في الحيوان،تعيش بالغذاء إلى أمد مأمود،وتبقى بحفظ النوع إلى أبد محدود.
ويتابع:”في المرض يزداد يقين المرء بأن الدنيا زائلة ! فهو يأسى على ماجنى،ويندم على ما جمع ولكنه حين يَصّح تمتد آماله وتتشعب مطامعه ويعود عبداً للطبيعة يعمل لأنها تريد،وينفذ لأنها تحكم! فليت شعري إذا عقل كل الناس فعمل كل امرئ ما يلزم،وقنع بما يقوت،وكّف عما لا يحل،فبماذا يشتغل قضاة المحاكم وقواد الجيوش وصناع الأسلحة ورؤساء الأحزاب؟
زهر الاداب (ج3و4 ص932): “العاقل يترك ما يحب ليستغنى عن العلاج بما يكره”.
علي بن ابي طالب رضي الله عنه: ” امش بدائك مامشى بك”.
( أي لا يقعدك الداء عن العمل وقيل إنها لشريح القاضي)
المنفلوطي: “الألم هو الينبوع الذي تتفّجر منه جميع عواطف الخير والإحسان في الارض،وهو الصلة الكبرى بين أفراد المجتمع الانساني،والجامعة الوحيدة التي تجمع طبقاته وأجناسه،بل هو معنى الانسانية وروحها وجوهرها،فمن حرمه حرم كل فضيلة من فضائل النفس،وأصبح بالصخرة الصلدةأشبه منه باإنسان الناطق” .
ويقول الدكتور أحمد حسن الزيات (وحي الرسالة ج2 ص108):
“ولعل المرض كان العرض الملازم الذي يميز الشقاء المصري من كل شقاء في العالم.وإن أثره في تاريخنا الاجتماعي كان كأثر الزلازل والبراكين والحروب في تاريخ البلاد الأخر. فقد كانت الأوبئة تفد إلى مصر عاماً بعد عام فتجتاح نصف السكان وتصيب النصف الأخر بعاهات تدعه كالشجر اليابس لا للظل ولا للثمر.والعلّة الأصلية في ذلك أن أبانا النيل منذ شقّه الله يجري فيكون الخصب والغضارة والحياة ثم يركد فيكون الجدب والذبول والموت.وفيضانه ونقصانه يتعاقبان تعاقب الجديدين. فإذا فاض أنعش الذاوي وجدّد البالي وأحيا الموات. وإذا نقص تخلّفت بقاياه في أجواف المصارف وأطراف الترع ومناقع الأرض فتكون مزارع خصبة لجراثيم التيفود وبعوض الملاريا وقواقع البلهرسيا وديدان الأنكلستوما،وبنو النيل الدائبون البررة لا ترتفع أيديهم من مائه،في حالي نقصه ووفائه،فخيرهم منه لا يزال مشوباً بالشر،ووجودهم لاينفك مهدداً بالعدم.فإذا أضفت إلى ذلك أن الجهل يستوجب فساد العيش وترك الوقاية،وأن الفقر يستلزم سوء الغذاء ونقص العلاج,فقد اجتمعت لك أسباب المرض التي جعلت الكثرة الكاثرة منا مذبذبين بين الدور والقبور لاهم في الأحياء ولاهم في الموتى”.
زهر الآداب( ج3و4 ص934):”خير من الحياة ما لاتطيب الحياة إلا به،وشرّ من الموت مايتُمنى الموت له”.
وفي نفس المرجع ص932: “قال جالينوس: “مجالسة الثقيل حمى الروح”.
قال بختيشوع: “أكل القليل مما يضّر أصلح من أكل الكثير مما ينفع ”
قال أحدهم :”ثلاثه يجب مداراتهم: السلطان، والمريض، والمرأه ،وثلاثة يُعذرون على سوء الخلق :المريض والمسافر والصائم”.
قال أعرابي:”الهرم يعدم الأطيبين، ويحُدث الأخبثين،والأطيبان هما:النوم والنكاح،والأخبثان :السهر والبخر، وفي رواية:السهو والنجو”.
وقالوا : “أقلل طعامك تحمد منامك “.
البصائر والذخائر (ج3 ص 32): قال معاوية بن ابي سفيان: ” ألذّ الأشياء صحة استولت على بدن،وقدرة اشتملت على أمل،وسلطان ملكه حزم “.
البصائر والذخائر( ج3و4 ص57):قالوا ثلاثة تُضني: سراج لا يضيئ، ورسول بطيئ، ومائدة يُنتظر عليها من يجيئ”.
الكشكول للعاملي( ج2 ص227):كما أن الذباب يتبع موضع الجروح فينكأها،ويجتنب المواضع الصحيحة،وكذلك شرار الناس يتبعّون معائب الناس فيذكرونها، ويدفنون المحاسن”.
الإمام علي رضي الله عنه :”ما من غريم أحسن تقاضياً من جوع مهما دفعت إليه قبل”.
البصائر والذخائر (ج2 ص164):قال الأصمعي سمعت أعرابياً يقول لرجل: جنّبك الله الآمرّين،وكفاك شرّ الأجوفين،وأذاقك البردين” (الأمرّان :الفقر والعري،الأجوفان: البطن والفرج، والبردان :برد الغنى وبرد العافية).
أحمد امين( المقتبس من فيض الخاطر ص 105):
“كل شيئ في الحياة يجاهد،الجسم يجاهد الميكروبات حوله وفيه،والصحة لا تعتمد الوقاية وحدها،وإنما خيرمن الوقاية الحيوية بالرياضة، والعمل والحركة والنشاط وما إلى ذلك”.
وقال أيضا (في المقتبس من فيض الخاطر ص 86):
“وصحة الأمم كصحة الأفراد، فالمرض ينتاب من الأجسام أنعمها وأكثرها إخلاداً للراحة،والصحة لا تنُال إالا بالاعمال الرياضية الشاقة، وبذل الجهد المضني،ولا لذة للراحة الا بعد التعب،ولا لذة للماء إلا بعد العطش، ولا للأكل إلا بعد الجوع”.
عبد الله بن المقفع (من كتاب كليله ودمنة):”إ ن الرجل الذي في باطن قدمه قرحة إن هو حرص على المشي فلا بد أن تنكأ قرحته،والرجل الأرمد العين إذا استقبل بها الريح تعرض لأن تزداد رمدا،وكذلك الواتر إذا دنا من الموتور فقد عرّض نفسه للهلاك.
(والموتور من قتل له قتيلا فلم يدرك بدمه)
المستطرف للأبشيهي:قال الحجاج بن يوسف الثقفي لطبيبه أخبرنا بجوامع الطب؟ فقال:لا تنكح إلا فتاة،ولا تأكل من اللحم إلا فتيا،واذا تغديت فنم، واذا تعشيت فامش ولو على الشوك،ولا تدخل بطنك طعاما حتى تستمري ما فيه،ولا تأو إلى فراشك حتى تدخل الخلاء، وكل الفاكهه في إقبالها وذرها في إدبارها”.
الحكيم أبو الحسن البسطامي: ” اجتنب ثلاثة وعليك بأربعة ولا حاجة لك إلى الطبيب،اجتنب الغبار والنتن والدخان،وعليك بالحلو والدسم والحمّام والطيب مع الإقتصاد”.
وقال أيضا: راحة الجسم في قلة الطعام،وراحة الروح في قلة الكلام ،وراحة العقل في قلة الإهتمام”.
بهجه المجالس( ج2 ص87):لقمان لإبنه:يابني إياك وكثرة النوم والكسل والضجر،فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا،وإذا ضجرت لم تصبر على حق”.
كتب عمر الفاروق رضي الله عنه إلى بعض عماله:بلغني أنك لا تقيل وإن الشياطين لا تقيل”.
ثابت بن قرة الحرّاني: ” ليس شيئ أضرّ بالشيخ من أن يكون له طباخ حاذق،وامرأة حسناء،لأنه يستكثر من الطعام فيسقم،ومن النكاح فيهرم”.
قالت الحكماء: “إياك وشرب الدواء ما حملتك الصحة”.
الأمالي للقالي( ص 130):أعرابي يذم رجلا فقال:” تسهر والله زوجته جوعاً إذا سهر شبعا ( يعني من شدة الكظة والامتلاء) ثم لا يخاف مع ذلك عاجل عار ولا أجل نار كالبهيمة أكلت ما جمعت ونكحت ما وجدت”.
عبد الله الأنطاكي: ” خمسة هنّ دواء القلب:مجالسة الصالحين،وقراءة القرآن،وخلاء البطن،وقيام الليل،والتضرع عند الصباح”.
جاء في الزبور أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام إن العاقل الحكيم لا يخلو من اربع ساعات،ساعة يناجي فيها ربه، وساعة فيها يُحاسب نفسه، وساعة يمشي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، وساعة فيها يخلي بين نفسه وبين لذاتها الحلال”.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا عزّى رجلا قال له:ليس مع العزاء مصيبة،ولا مع الجزع فائدة، الموت أشد مما قبله وأهون مما بعده،اذكروا فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم تهن عندكم مصيبتكم صلى الله على محمد وعظم الله أجركم”.
المستطرف للأبشيهي ص33:”لا يغرنّك صحة نفسك،وسلامة أمسك،فمدة العمر قليلة وصحة النفس مستحيلة”.
مصطفى السباعي: ” ستة لا تتحّسر على ما فاتك منها: جاه أعقبه مذلة، ومعصية أعقبها ندم، وأخ لم يعرف حق إخائك،ونعمةجلبت لك الغصص والمشكلات،وصحة لم تؤد فيها واجبا،وزوجة جعلت حياتك جحيما”.
وقال أيضا: ” ما أجمل المرض من غير ألم،إنه راحة للمرهقين والمتعبين”.
وقال أيضا: ” إلهي نسألك سلامة القلب وإن مرض الجسم،وصحة الروح وإن اعتلّت الجوارح، ونشاط النفس وإن عجزت الأعضاء”.
جبران خليل جبران: ” أشد الناس كآبه من لا يعرف سبب كآبته”.
وقال ايضا: “زرعت أوجاعي في حقل من التجلّد فنبتت افراحا”.
قالوا :أ ربعة أنصاف فيها هلاك العباد:أنصاف الأطباء لأنهم يتلفون البدن،وأنصاف الفقهاء لأنهم يزيفون الأديان،وأنصاف المسلمين لأنهم يستلون الإيمان، أنصاف الحكام لأنهم يفرطون بالبلدان”.
قالوا :”النهمون يحفرون قبورهم بأسنانهم”.
وقال الشيخ علي الطنطاوي ( مع الناس ـ الوعد الشرقي ـ ):
“والطبيب يعلن أن العيادة في الساعة الثامنة ولا يخرج من داره إلى العاشرة،وتجيئه في الموعد فتجده قد وعد خمسة من المرضى مثل موعدك،واختلى بضيف يحدثه حديث السياسة والجو والكلام الفارغ،وتركهم على مثل الجمر أو على رؤوس الإبر،ينتظرون فرج الله،حتى يملوا فيلعنوا الساعة التي وقفوا بها على باب الطبيب ويذهبون يفضلون آلام المرض على آلام الانتظار،ويؤثرون الموت العاجل المفاجئ على هذا الموت البطئ المضني
الأمالي للقالي( ج2 ص160):يقولون نعوذ بالله من الأيمه،والعيمه،والغيمه، والكزم، والقرم (الأيمه: أي الخلو من النساء،والعيمه :شهوة اللبن ،والغيمه :العطش،والكزم: البخل أو الأكل الشديد،والقرم: شهوة اللحم).
عمرو بن العاص: ” الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع ،وإن أكثرت منه قتل”.
الأحنف بن قيس :”الداء الذي أعيا الأطباء اللسان البذئ والعقل الردئ”.
عمر الفاروق رضي الله عنه :”علموا أولادكم السباحة والرمي وركوب الخيل،ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا،ورووهم ما يجمل من الشعر”.
وقال الفاروق رضي الله عنه : “إنَّ الغلام ليحتلم لأربعَ عشرة وينتهي طوله لإحدى وعشرين وعقله لسبعٍ وعشرين، وأما تجاربه فإنها لا تنتهي”. (نقلاً عن جمهرة الأمثال للعسكري ج1 ص278).
ومن دعائه رضي الله عنه:”اللهم كبرت سني،وضعفت قوتي،وانتشرت رعيتي،فاقبضني إليك غير مضيّع ،ولا مفرّط”.
أبو بكر الوراق: ” إذا غلب الهوى أظلم القلب،وإذا أظلم القلب ضاق الصدر، وإذا ضاق الصدر ساء الخلق، وإذا ساء خلق المرء أبغضه الخلق وابغضهم”.
البصائر والذخائر (ج1 ص59):”بنات الدهر: المكاره؛بنات الصدر:الفِكَرْ؛بنات الليل: النجوم، بنات طَبق: الدواهي “.
ابن الجوزي :”إن اللذائذ المحرمة تذهب ويبقى عقابها،وألآم الطاعة تذهب ويبقى ثوابها”.
عمرو ابن العاص: ” استراح من لا عقل له”.
العقد الفريد (ج7 ص223):”قالوا أصحاب المعادن والحفائر إذا هجموا على نفق من بطن الارض أو مغارة قدّموا شمعة في طرف قناة فإن عاشت النار وثبتت دخلوا في طلبها وإلا أمسكوا”
بهجه المجالس ( ج2 ص452):قال عبد الله بن المقفع: ” ثلاثة لا آراء لهم: صاحب الخف الضيق، وحاقن البول،وصاحب المراة السليطة”
بهجه المجالس( ج2 ص 457):من طلب الرخصة من الإخوان عند المشورة،ومن الفقهاء عند الشبهة،ومن الأطباء عند المرض، أخطا الرأي وحمل الوزر وازداد مرضا “.
مصطفى السباعي : “اذا أمرضك فأقبلت عليه فقد منحك الصحة، وإذا عافاك فأعرضت عنه فقد أمرضك”.
وقال أيضاً:”رأيت الناس بين مريضٍ في جسمه،سليم في قلبه،وبين صحيح في جسمه مريض في قلبه،وقل أن رأيت صحيح الجسم والقلب معاً”.
وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة :”رؤوس النعم ثلاثة :أولها نعمة الإسلام التي لا تتم النعمة إلا بها،ونعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها،ونعمة الغنى التي لايتم العيش إلا بها (نقلاً عن ضحى الإسلام أحمد أمين ج2 ص199).
البصائر والذخائر (ج3 ص128 ):”ثلاثة تورث الهزال :شرب الماء البارد على الريق،والنوم على غير وطاء،وكثرة الكلام برفع الصوت”.
البصائر والذخائر (ج3 ص133):شكا المأمون إلى طبيبه علةً فقال : اجتنب اثنتين :الرُّطب والماء البارد،فقال لولاهما لما احتجنا إليك “.
مر المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار (أحد سادة التابعين) متبختراً،فقال له مالك: أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين ؟ فقال المهلب :أما تعرفني ؟ قال : بلى،أوّلك نطفة مذرة،وأخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة ؛فاتكسر وقال : الأن عرفتني حق المعرفة”.
وقال مالك بن دينار :”اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لبطن ولا فرج”.
قيل للحسن البصري :ألا ترى كثرة الوباء؟ فقال :أنفق ممسك،واقلع مذنب ،واتعظ جاحد”.
وقالوا :”إذا كان سقم النفس بالجهل كان الموت شفاؤها”.
وقالوا : “من تداوى بدائه،لم يصل إلى شفائه”.
وقالوا: “بعد الشفاء يصبح كل مريض طبيبا”.
وقالوا :”إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد”.
وقالوا: ” لا يعدل المال عندي صحة الجسد”.
مصطفى السباعي: ” مهما اشتدّت آلامك لفوات ما تحب من صحة،أومال،أو خير،فإنمابقي لك من نعم الله عليك رأس مال كبير لمسرات لا تنتهي”.
وقال ايضاً: ” أشدّ الآلام على النفس آلام لايكتشفها الطبيب، ولايستطيع أن يتحدث عنها المريض”.
وقال أيضاً: ” خفقة قلب من أب أو أم على ولدهما الصغير المحموم،وقطرة دمعمن عيونهما على ولدهما الوجع المكروب ربما كانت أكبر عند الله وأثقل في الميزان من عبادة سنوات وسنوات”.
جمهرة الأمثال للعسكري (ج2 ض424):ثلاثة أقبح من ثلاثة: البخل من ذوي الأموال، والفحش من ذوي الإحسان ،والعلة في الأطباء”.
وجاء في جمهرة الامثال للعسكري( ج1 ص164):وكل أمر تُفكِرُ فيه ليلاً حتى أُبرم فقد بُيتّ وإنما خُصَّ الليل لأن البال بالليل أخلى،والفكرُ أَجمع ونحوه قوله تعالى :{إنَّ ناشئةَ الليلِ هيَ أشدُّ وطأةً وأقوَمُ قيلا} [المزمل 6]
جاء في الأمالي للقالي (ص128):” الذَّفَر: يكون في النتن،ومنه قيل للدنيا أُمُ َّ ذَفْر”.
جلال الدين الرومي : “كيف يضحك المرج إن لم يبك السحاب،وهل ينال الطفل اللبن بغير بكاء”.
قالوا: ” من جرّعك دواء لتبرأ أشفق عليك ممن أطعمك الحلو لتسقم”.
يقولون:” هان على الصحيح أن يقول للمريض لا بأس عليك،وهذا دليل قلة اهتمام الرجل بصاحبه”.
وقالوا : “ليس الإنسان إلا القلب واللسان”.
وقالوا : “من يعرف البلاء يصبر عليه”.
وقالوا: ” الصحة داعية السقم،والشباب داعية الهرم”.
مصطفى السباعي: ” المريض المتألم كالنائم يهذر ويرفث ولكنه لا يحاسب”.
وقال أيضاً: ” لا تهمل العناية بصحتك مهما كانت وجهتك في الحياة،فإن كنت عاملاً أمدّتك بالقوة،وإن كنت طالباً أعانتك على الدراسة،وإن كنت عالماً ساعدتك على نشر المعرفة،وإن كنت داعية دفعت عنك خطر الإنقطاع،وإن كنت عابداً حببّت إليك السهر في نجوى الحبيب نفسك مطيتك فارفق بها”.
وقال أيضا: ” لا تلهيّنك العناية بصحتك من أداء رسالتك،قليل من الوقت تعنى
به في صحتك يوفر عليك كثيرا من الوقت في أداء رسالتك”.
وقال أيضا :”لا تؤجل تناول العلاج إلى انتهائك من العمل فقد تنقطع عن العمل
وتفوت فرصة العلاج”.
وقال أيضاً: ” قد تغيب أبسط مبادئ المعالجة عن أذهان كبار الأطباء”.
وقال أيضاً:” أيها البخيل نفقة الإعتناء بصحتك أقلّ من نفقة العلاج من مرضك”.
عبد الله بن المقفع : “على الأقل أن لا يكون راغباً إلا في إحدى ثلاث:تزود لمعاد،أو مرمه لمعاش أو لذة في غير محرم”.
الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز: ” كن كالمداوي جرحه،صبر على شدّة الدواء مخافة طول البلاء”.
الكامل للمبرد (ج1 ص264):إنَّ الحزين والمغيظ والمتأسف يعضّ أطراف أصابعه جزعاً،يقول تعالى:{عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ} [آل عمران 119].
ابن القيم:فرّغ خاطرك لله بما أمرت به،ولا تشغله بما ضمن لك،فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان،فما دام الأجل باقياً كان الرزق أتياً،وإذا سَدَّ عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه،فتأمل حالة الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة فلما خرج من بطن الأم وانقطعت تلك الطريق فتح له طريقين اثنين ،وأجرى له فيهما رزقاً أطيب وألذ من الأول لبناً خالصاً سائغاً،فإذا تمت مدّة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقاً أربع أكمل منها طعامان وشرابان،فالطعامان من الحيوان والنبات،والشرابان من المياه والألبان وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ،فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة،لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيداً طرقاً ثمانية هي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”.
وقال ابن القيم: دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلاً ، فإن لم تتداركه بضده صارت عادة فيصعب عليك الانتقال عنها”.
وقال ابن القيم أيضاً:
“أصول الطب ثلاثة : الحمية،وحفظ الصحة،واستفراغ المادة المضرة .وقد جمعها الله تعالى في ثلاثة مواضع من كتابه:فحمى المريض من استعمال الماء خشية من الضرر فقال تعالى : {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً}[النساء 42]. فأباح التيمم للمريض حمية له كما أباحه للعادم .
وقال في حفظ الصحة : {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة 181] . فأباح للمسافر الفطر في رمضان حقظاً لصحته لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقة السفر فيضعف القوة والصحة .
وقال في الاستفراغ في حلق الرأس للمحرم : {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة 196] . فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه وهو محرم أن يحلق رأسه ويستفرغ المواد الفاسدة والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القمل ،كما حصل لكعب بن عجرة ،أو تولد عليه المرض (زاد المعاد ج1 ص 164).
أحمد أمين (في كتاب حياتي ص31) :
“وحدث مرة أن أخذني والدي إلى المسجد بجوار بيتنا لنصلي ،ولم يكن بالمسجد غيرنا ، فخلع والدي جُبته وجوربه وشمّر أكمامه وذهب إلى “الميضأة” ليتوضأ ،والميضأة حوض ماء نحو ثلاثة في ثلاثة يُملأ بالماء من حين لأخر،وفي العادة يُملأ من بئر بجانبه رُكبت عليه بكرة وعلق فيها حبل في طرفيه دلوان ينزل أحدهما فارغاً ويصعد الأخر ملأن . ومن أراد أن يتوضأ من الميضأة جمع الماء بين كفيه وغسل وجهه ويديه … ثم يعيد الماء إلى الميضأة بعد الغسل كما أخذ ،وكانت هذه الميضأة مصدر بلاء كبير،فقد يتوضأ المريض بمرض مُعد كالرمد ونحوه فيتلوث الماء ويُعدي الصحيح ،هذا إلى قذارته ،فالمتوضئ يغسل وجهه بعد أن غسل من قبله رجليه،ولكن الاعتقاد الديني يغطي كل هذه العيوب والأخطار ،فلما دخل القاهرة نظام جري الماء في الأنابيب ،لم تعد حاجة إلى الميضأة ،وأصبحت الحنفيات أنظف وأصح ،ولكن إلف الناس للقديم جعلهم يحزنون لفراق الميضأة ،ولذلك كان ما أخذه الشيخ محمد عبده وعيب عليه أن أبطل ميضأة الأزهر وأحل محلها الحنفيات وهكذا يألف الناس القديم الضار ويكرهون الجديد النافع ويدخلون في الدين ماليس من الدين “.
أحمد أمين (كتاب حياتي-ص41 )يتحدث عن سكان الحارة التي ولد فيها :
“فالحالة الصحية أسوأ ما يكون،لا عناية بنظافة ماء ولا بنظافة أكل ،وهم لا يعرفون طبيباً،وإنما يمرض المريض فيعالجه كل زائر وزائرة،كل يصف دواء من عند العطار،جربه فنجح ،والمريض تحت رحمة القدر،وقد يصاب أحد بالحمى فيزوره كل من أراد ،ويسلم عليه ويجلس بجانبه طويلاً، ويحدثه طويلاً ، فتكون العدوى أمراً سهلاً ميسوراً، ولذلك كان كثيراً ما يتخطف الموت أصدقائي من الأطفال حولي :
لا تعجبن من هالك كيف ثوى بل فاعجبن من سالم كيف نجا
د. زكي مبارك (رسالة الأديب –ص248):
“إن فضائل الأعياد الموسمية أوضح من أن تحتاج إلى شرح ،فتفضلوا بسماع كلمة وجيزة عن الأعياد اليومية ،والأعياد التي تواجهنا في كل يوم ،لو عرفنا كيف نروض النفس على إدراك الخفايا من نعم النعم الوهاب،وهي نِعم تتجدد في كل لحظة ،فنحن بها كل يوم في عيد . تشرق الشمس والعافية في بدنك ،والزاد في دارك ،فيومك يوم عيد ،تغرب الشمس وحولك أهلك ،والنوم يداعب جفونك ،فليلتك ليلة عيد . قد تطوف بك أحزان تثير دموعك ، وهذا يقع من وقت إلى وقت ،ولكنه شاهد على أنك في عيد ،فالدموع في عيون الباكين أدوية ربانية تصنع في طب العيون ما يعجز عنه أطباء العيون ،والأحزان في صدور المكروبين مراهم روحية تصنع ما يصنع المرهم الواقي في شفاء الجرح البليغ . هل تعرف حكمة الله في الألم ؟ إن الألم نعمة نفيسة ،فهو بشير العافية ،لأنه ينبه إلى المرض ،والتنبه إلى المرض يدعو إلى العلاج وهو باب الشفاء . والآفة الخطيرة هي انعدام الاحساس بالألم ، فإن تالمت فاعرف أنك في حيوية ،وتذكر حكمة الله في الألم ،لتعرف أنك في عيد . الحزن علامة قوة لا علامة ضعف ،لأنه يشهد بإدراكنا لقيمة ما نفقد ولا تكون كذلك إلا ونحن أصحاء ،فإن حزنت فاعرف أنك بعافية وأنك في عيد . وكيف تكون العاقبة لو عشنا بلا أحزان ، وبلا دموع . إن الأحزان والدموع كانت ولا تزال من أنصبة الموهوبين ،والحزن العظيم لا يكون إلا من نصيب الرجل العظيم ،ولو كان البكاء عيباً لنزه الله الأنبياء عن البكاء ، فلم يبك يعقوب على يوسف ،ولم يبك محمد صلى الله عليه وسلم على إبراهيم(ابنه)، فإن بكيت فاعلم أنك بخير وأنك في عيد “.
مصطفى صادق الرافعي والآلام:-(الحديقة محب الدين الخطيب):
“تريدين أن أكتب أوصاف الآلام وفلسفتها؟ألا فاعلمي أن آثارك في هي كتابي إليك..لا لا بل سأتكلم عن أخر آمثالك هي … هي الحياة. أكثر تكاليف الحياة في ألمها وتعبها كأكثر أمراض الحياة ،فهل من هذا إلا أن كل إنسان مريض – مادام حيا – بأنه حي..؟ونعيش بين الأشياء والمخلوقات ،ومنها ما يسرنا كأنه أجزاء في وجودنا قد زيدت علينا، ومنها ما يؤلمنا كأنه أجزاء قطعت منا. فهل يؤخذ من هذا إلا أن الإنسان ما دام مضطراً فهو مريض بأنه مضطر..؟فأين إذن يلقي الحي آلامه،وفي جسمه مرض يخلقها مندفعة منه،وحول جسمه مرض آخر يردها إليه؟وما أشبه آلام الإنسان بألم الطفل المدلل،تراه يحزن لكثرة مايفرح، ويحول ابتسامة دموعاً في عينيه فيتغير في صورته دون أن يتغير في معناه،فيضحك باكياً.ويشكو، فتكون شكواه طريقة مرح في غير شكلها، ويكون في نفسه معنىً واحد، ولكن وجهه الغض الآن يضع لهذا المعنى أساليب مختلفة،هي أنواع من ألعاب الطفولة”.
طه حسين يتكلم عن مرض فرانز كافكا(المجموعة ـ المجلد السادس ـ ص 636):
“وهي محنة المرض،المرض الذي لا يظهر فجأة،ولا يثقل على المريض ثقلاً طويلاً،وإنما يداوره،ويناوره،ويسعى إليه سعياً خفيّاً بطيئاً متلكئاً،يدنو منه لينأى عنه،ويلمّ به ليفارقه،ويقفه من الحياة موقفا غريباً،لا هو باليأس الخالص،ولا هو بالأمل الخالص،وإنما هو شىء بين ذلك.يملأ القلب حسرة ولوعة،ويملأ النفس شقاءً وعناء،حتى إذا استبان أنه قد أنهك فريسته،وكلّفها من الجهد أقصاه،ولم يبق فيها قدرة على المقاومة،أنشب فيها أظفاره،وصبَّ عليها آلاماً ثقالاً،وأهوالاً طوالاً،ثم قضى عليها الموت في ساعة من ساعات الليل أو من ساعات النهار”.
عباس محمود العقاد(الرسالة العدد723):
كان الحديث عن آفاك الأرمني الذي قيل إنه طبيب روحاني يشفي من الأمراض المستعصية ويلمس المريض مرة أو مرتين فينهض سليماً معافى.
وكان المتحدث رجلاً يصدق من الغرائب والمفارقات بمقدار ما فيها من مفاجأة الناس ومصادمتهم بالمستبعد المستغرب من الأمور..له في الحديث لازمة هي كلمة (لا) النافية.
يقولها عشرين أو ثلاثين مرة في الجلسة الواحدة،ويقولها لمن يوافقه ومن يعارضه،ولمن يقبل كلامه على علاته ومن يرفضه(على طول الخط) كما يقولون.ويخيل إليك وأنت تستمع إلى حديثه أنه يفضل إنكارك كلامه على موافقتك وتأمينك.لأن الإنكار يفتح باب الجدل والاستماع بتلك الكلمة المحبوبة لديه،البغيضة إلى الناس أجمعين،وهي كلمة(لا) النافية ومرادفاتها في اللغة العربية.
قال: إن أفاك شفى مشلولاً كسيحاً لا ينهض على قدميه.
قالها والتفت إلي متوقعاً أن أنكر منه هذا الخبر،وأجزم باستحالته أو استبعاده.
فخيبت ظنه وقلت: يحصل.نعم يحصل في الزمن القديم وفي هذا الزمن.وقد حصل على أيدي الأطباء الذين لا ينتحلون لأنفسهم قدرة روحانية ولا كرامة من كرامات الأولياء.وحصل في عهد العباسيين قبل هذا العهد الحاضر الذي عرف الناس فيه علم العلاج النفساني وسلكوه في عداد العلوم الطبيعية.وذكرت قصة الجارية التي كان الرشيد يحبها فرفعت يدها ذات يوم فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها،وعولجت بالتمريغ والدهن فلم ترجع يدها إلى حركتها.فلما استدعى ابن بختيشوع لعلاجها قال الرشيد:إن لم يسخط على أمير المؤمنين فلها عندي حيلة:تخرج الجارية إلى ها هنا بحضرة الجميع حتى أعمل ما أريده،فأمر الرشيد بالجارية فأحضرت،أسرع إليها الطبيب وأوثق يدها الطليقة وأمسك ذيلها وكأنه يريد أن يكشفها.فانزعجت الجارية وبسطت يدها المعتقلة إلى أسفل.وكان ذلك شفاؤها.
هذا وأشباهه جائز في الطب مُشاهد في الواقع،والمعمول فيه على استفزاز القوى الحيوانية من طريق المؤثرات النفسانية”.
عباس محمود العقاد(المجموعة الكاملة ـ الجزء 24 ـ ص59):
“المرض،ألا قوتل المرض من عدو لدود العداء للإنسان.
عرفنا السلاح للسباع وعرفنا كل فتاك مثله لكل عادية مثلها إلا المرض…
نعم تقول الطب والأطباء.ولكن هؤلاء لا يسعفون إلا في الانحرافات التي نبالغ بتسميتها أمراضاً.أما في العلل المتمكنة التي إنما يدعى الطبيب لمثلها فهؤلاء الذين تقول عنهم ـ ولست أعمم ـ يقفون حيارى لا يمدون يداً إلا إلى قبض الريال بعد الريال إلى أن يكلّ المريض من العطاء أو يملون من الأخذ وقد يموت أقصرهما عمراً قبل أن يسأم الآخر.
كنت أظن كل داء من المرض له دواء من الطب.وأن الطبيب إذا فاته علاج الداء فلما أقل من أن يضبط تشخيص أعراضه.
أحوجتني الضرورة إلى الأطباء وكنت أحسبني أغنى الناس عنهم فطرقت أبواب عدة عيادات.وكنت إذا دخلت العيادات اطمأنت جوانحي وسرى عني ما بنفسي فأشعر بين جدرانها كأني قد لذت بحرم الطب المقدس من أعدائي وما أعدائي إلا الآلام التي تطاردني في الليل والنهار.
ثم أخرج منها مزوداً بنصائح في الطعام ونظام المعيشة لا أحيد عن حرف منها.وفي يدي زجاجة أحسب أن فيها السم القاضي على تلك الآلام.ثم لا تلبث أن تمر بضعة أيام فأراني كأني لم أستشر طبيباً ولم أتناول دواء.فأدعو إلى طبيب آخر يفحصني فحص زميله مع تنويعات وزوائد عرضية ولكنها كانت تبعث عندي الرجاء في طبيب بعد طبيب.
ثم أنصرف منه بدواء في لونه مغاير لدواء الأمس،وآخذ في طعام غير ذلك الطعام،ونظام في المعيشة غير ذلك النظام.ولكن على غير جدوى.
كنت أسمع من الواحد منهم بعد الآخر بهيئة تليق بمن كان يبيع الصحة بل الحياة بالمقدار:
أتريد أن تعرف الحقيقة؟
إن بك ضعفاً في المعدة والأمعاء يزول بقليل من العلاج.
يقول ثان:إن معدتك كأحسن مايكون ولكن الذي تشكو منه في الحقيقة هو فقر الدم.
ويقول ثالث:إن جسمك ليس يفتقر إلى نقطة من الدم وأنت لا يحق لك أن تشكو إلا من السوداء.
ويقول رابع:لولا اختلال الكبد وهياج الصفراء لما كنت تتألم من شىء الآن.
ويقول خامس:إن كل ما بك أن كليتيك لا تؤديان وظيفتهما تمام الأداء وليس ماعدا ذلك إلا أثر يزول بزوال ذلك المؤثر البسيط.
ويقول سادس:لاتصدق شيئاً مما يقال لك.فكل أعضائك سليمة صحيحة وليس هذا الذي تشعر به إلا من مخلفات ضعف في جهاز الاتنفس يرجى أن يزول.
وكان هذا الطبيب يقول لي:عليك بالدسم والنشويات وذاك يقول: إياك والدسم والنشويات.أسمع من هذا أن ادمان استعمال الأدوية مؤذ بالجوف وأن الأفضل الامتناع عن تعاطيها.وأسمع من ذلك أن ترك الداء بلا دواء قد يتخلف عنه خطر جسيم.هذا يقول:استلق على ظهرك طول يومك وابتعد عن كل ماينبه أعضاءك.ويقول لي الآخر:يجب أن تعين لك وقتاً تشغله يومياً بالفلاحة أو تمشّ على قدميك بعد كل رساعتين نصف ساعة.
طبيب ينهى عن الاستكثار من السوائل وطبيب يأمر بأن لا أتناول إلا اللبن وأن لا أتناوله إلا ممزوجاً بضعفيه من ماء فيشي،إلى مثل ذلك من الوصايا المتناقضة.ولو كانت هذه الوصايا موجهة إلى عشرين شخصاً لما كان في الأمر مايدعو إلى الحيرة ولكنها موجههة لشخص واحد وهذا الشخص ليس له مع الاسف قدرة الجن على التطور بعدة أشكال في وقت واحد.
فرأيت أني لو عملت بجميع تلك الوصايا لما ذقت طعاماً وحرت في الأمر فإما أن أكون مصاباً بكل تلك الأمراض في آن واحد،أو لا أكون مصاباً بواحد منها.ووجدت أني لو تركت ونفسي لما خرجت عن تلك التجارب والتخمينات مهما تعسفت في التوصيف والتشخيص إلا إذا افترضت الداء حالاً بعضو غير تلك الأعضاء التي ذكروها ولا أعلم لأن جسم الإنسان يشتمل على غيرها.
وبعد أن أفرغت في جوفي صيدلية من الأجزاء والعقاقر نقطة بعد نقطة رأيت أن صناعة الصيادلة ليست أنفع بالنسبة إليَّ من صناعة السقائين وأنه لا توجد صناعة لم يتقنها أربابها كصناعة الأطباء وعلمت أن التحسن البطىء الذي شعرت به لا يمكن أن يدعي علم الطب أي فضل فيه.بل ربما لم أحصل عليه إلا خلسة من الطب والاطباء.
إن هذا الخلط داء مزمن بعلم الطب ـ وأقصد منه على الخصوص طب العقاقير ـ يجب أن يعنى الأطباء بمعالجته قبل أن يجعلوا أجسام المرضى جثثاً يجربون بها أصناف الادوية والعلاجات”.
عبد العزيز البشري في مقال بعنوان:أولادنا:
وإن أشد الناس جبناً وفَرَقاً ليرى ولدّه في خطر أو مُستهدفاً لخطر،فلا تراه إلا ينصَبُّ لإستنقاذه انصباباً ما يبالي ما يصيبه،بل ما يبالي أهَلكَ معه أم هلكَ دونه!
وهذا ولدي يمرض،فهذه كبدي تسيل مَسا لانوها أنا ذا أجن ولكنني لا أغفل عن المكروه غفلة المجانين،ولا أجد ما يجدون من رضى بحالهم وارتياح،وهذا حسّي يضطرب اضطراباً شديداً بين الرحمة والألم،والحنان والخوف،والإشفاق والجزع،وإن وراء هذا كله ليئاً هائلاً بشعاً يتراءى لي شَبحهُ من بعيد،فأغمض عيني دونهُ حتى لا أراه ولا أتبينه،بل إني إذا خلوتُ إلى نفسي لأطلبهُ وأتفقدّه،فإذا تمثّل لي بكيتُ حتى استعبرت،فأجد لهذا البكاء راحةً مما يَغمز على كبدي ويُحرق صدري تحريقاً،با إني لأتمنى على الله أن يَنقُلَ ما بهِ إليَّ،فإذا كان ثَمّة حدثٌ لا بد من أن يجري به القدر،ودِدتُ جاهداً مخلصاً لو أنني أكون أسبقَ الإثنين.
وإني لأذكر في هذا المقام أنني احتسبتُ ولداً لي كان وحيداً،فَجُنَّ جنوني،وفعل بي الأسى الأفاعيل،وقد انتهى إلى أبي رحمة الله عليه بعض ما أصنع أو بعض ما يصنعُ الوجد بي، فدعا بي وقال:بلغني أن الجزع قد بلغَ منك إلى أنك تفعل كيت وكَيت،أفلا آثرت الإحتمال وتجملّت بالصبر على هذا كما احتملتُ أنا وكما صبرتُ؟فسكتُّ لأنني لم أُصبْ قولاً أقوله ،فأقبل عليَّ رحمه الله وأخذ يدي كلتيهما في يديه،وقال:اسمع يا ولدي،إذا كنت قد جزنتَ لموت فلان مرة فلقد حزنتُ لموته مرتين! فرفعت وجهي إليه وقلت له في شىء من الدعة والرفق يخالطهما كثير من الدَّهش:وكيف هذا؟فقال في لوعة شعرتُ بما يُعاني في مجاهدتها:لأنه إذا كان ابنكَ مرة فإنه ابني مرتين!ورأيت الدمع يترقرق في عينيه ولكنه لا يأذن له في أن يتجاوز المحجرين،ووالله لقد سرّى هذا الكلام عني كثيراً إذ قد علمتُ أنني في هذه المصيبة صاحب أضعف السهمين!.”.
عبد العزيز البشري في مقال بعنوان”لاصحة إلا في المرض”(مجلة المصور نيسان 1935):
“لست أدري لماذا لا نتذوّق صحة الأبدان ولا نستشعرها ما دمنا فيها؟أتُرى لأنها شىء سلبيٌّ لا يُذاق ولا يُحسُّ؟أم لأنها كسائر نِعم الحياة قلَّ أن يَقدر المُتقلِّب فيها قَدرها،أو يُعظم المُتمكّن منها خَطرها؟أم أنَّ ما تُجِدٌُّ الأيام من أشغال الدنيا وهمومها ومطالبها مما يحولُ بين المرءِ وبين تذَوُّق الصحة والالتذاذ بالعافية؟
اللهم إنني لا أقطع في هذا بشىء من وجوه التعليل البتة،ولكن الذي أقطع به ولا أراني أتحوّل عنه أن الإنسان لا يرى أن هناك نعمةً أجلَّ وأعظم من نعمة العافية يوم يضربه المرض ويسلبهُ السقامُ هذه العافية،بل إنَّ بحسبه أن يرى امرءاً مُعافىً في بدنه ليُقدّر له من الشعور بالسعادة والإحساس باللذة ما لا يتعلق به وصفُ واصف،ولا يتصوّرُ مبلغهُ إلا هؤلاء الأصحاء!.
لقد كنتُ في العافية فما قدرتُ لها قطُّ قَدراً إلا إذا ذكرتُ المرض وأوزاره،وإني لأكره بالطبع أن يتداخلني السقم،وينتابني الوجع والألم،وأن يَكُفَّني هذا عن ولاية عملي ،ويُثقل بشأني أهلي وولدي،ويحول بيني وبين الإصابة من متاع الدنيا إذا كان في الدنيا متاع!.
ويتابع:”ما لكم يا أهل العافية لا تطربون ولا تمرحون ولا تطولون الجبال الشامخة من تَتايه ومراح؟إنه ليخيل إليَّ أنكم تجاهدون في كظم أفراحكم أشد الجهاد!.
فلو خلعتم عليَّ شيئاً مما تجدون من العافية؟إذن لرأيتم أنه لا يتسع لمراحي كل ما بين الأرض والسماء.
الصحة،الصحة وحدها،ففيها عن كل عَرض غَناء.
ما عَزَبت عن الإنسان نعمةٌ من نِعم الدنيا إلا اقتصرَ حسُّه على ألم فقدانها والحرمان منها،أما فقدُ الصحة فإن يُشعر الحرمانَ من كل شىء،وقد صدق من قال:”يا اهل العافية لا تستقلُّوا النِّعم”.
الأستاذ منصور فهمي في مقال بعنوان:أنت أنت نشره عام 1927م:
“وإذا ما اشتد السقم بمن أحاطته عناية الأطباء،وسهر الأوفياء،ونام بين آمال المخلصين ودعوات المحبين،ثمّ ضعفت حيلة الطبيب،ولم ينفع وفاء الحبيب،واستحال الرجاء إلى بلاء،إذ ذاك تظهر جالساً على عرش عظمتك،والنواصي خاشعة،والنفوس جازعة،والأيدي راجفة،والقلوب واجفة لتقول: أنا قضيت،ويقول الطبيب والقريب والحبيب:لك الأمر أنت أنت الله”.
أمثال طبية
حنين الإبل: “العرب تقول لا أفعل ذلك ماحنّت الإبل وما أطت الابل” .
ومن أمثالهم” أحنّ من شارف”،وهي الناقه المسنة لأنها أشد حنينا إلى ولدها من غيرها”.
ومن العرب من يصف الإبل بالرقة والحنين كما قال متمم بن نويرة:
فما وجد أظار ثلاث روائم رأين مجرا من حوار ومصرعا
يذكرن ذا اللبث الحزين ببثه اذا حنت الأولى سجعن لها معا
بأوجع مني يوم فارقت مالكا وقام به الناعي فأسمعا
(الأظار: ج ظئر وهي العاطفة على ولد غيرها المرضعة له،الروائم :ج رائم المحبات ذوات العاطفة،الحوار: ولد الناقة ).
وتقول العرب أيضاً:حَرِّك لها حُوارَها تحنّ ومعنى هذا :ذكّره بعض أشجانه تهيج له،وهذا المثل قاله عمرو بن العاص لمعاوية حين أراد أن يستنصر أهل الشام.
وقع القوم في سَلا جمل :ومعناه بلوغ الشدة منتهى غايتها، وهو شيئ لا مثل له لان السَلا إنما يكون للناقة ولا يكون للجمل،قال اللحياني: السَلا ماتلقيه الناقة اذا وضعت،والوليد يتشحّط في السلا: أي يضطرب، قال النابغة الذبياني:
ويقذفن بالأولاد في كل منزل تشحط في أسلائها كالوصائل
وقال غيره :”سلا الجمل كما يقال لبن الطير ومخ الذر وحلم العصفور ” كل هذا يضرب مثلا لما لا يكون ولا يوجد.
شره الاسد:تقول العرب في أمثالها أشره من الأسد، وذلك أنه يبتلع البضعة العظيمة من غير مضغ، وكذلك الحية لأنهما واثقان بسهولة المدخل وسعة المجرى .(نقلا عن ثمار القلوب للثعالبي ص 415).
ذَّماء الضب: يضرب المثل في الطول بذَّماء الضب،كما يضرب بذَّماء الأفعى،والذَّماءبفتح وتشديد الذال:مابين القتل وخروج النفس،وقال أخر الذَّماء :حركه القتيل إلى أن يسكن،وقال أخر الذماء :بقية النفس وشدّة النزع بعد الذبح أو هشم الرأس ( نقلا عن ثمار القلوب للثعالبي ص415).
ألذُّ من إغفاءة الفجر:يضرب بها المثل قال ابن طباطبا:
أقول وقد أوقظت من سنة الهوى بعذل يحاكي لذعه لذعة الهجر
دعوني وحلم اللهو في ليلة المنى ولا توقظوني بالملام وبالزجر
فقالوا لي استيقظ فشيبك لائح فقلت لهم طيب الكرى ساعة الفجر
(نقلا عن ثمار القلوب للثعالبي ص645).
ليس له أصل ولا فصل:قال ثعلب:الأصل الوالد والفصل الولد .(نقلا عن البصائر والذخائر ج1 ص20).
سمّت العاطس وشمّته:فاما السمت:فمن السمت بتشديد السين،كأنه قال جعلك الله على السمت الحسن،واما الشمت فمن قولك تشمتت الإبل إذا اجتمعت في المرعى فكأن المعنى سألت الله أن يجمع شملك هكذا قال ثعلب، وقال ابن دريد الأزدي :الشوامت :اليدان والرجلان وأطراف الرجل فكأنه قال حفظ الله أطرافك، (نقلا عن البصائر والذخائر ج1 ص21).
يقال في الدعاء: لا ترك الله له شفرا ولا ظفرا، أي عينا ولا يدا. (البصائر والذخائر ج1 ص48).
لا هَمّ إلا هَمّ الدَّين ولا وجع إلا وجع العين، الدّين بتشديد الدال أي القرض.
من دعاء العرب: رماه الله بالحِّرة تحت القِّرة،وهما العطش والبرد،قال القالي: الحرة حرارة الجوف من العطش.
ويقولون :ماله وَرَاه الله بفتح الواو والراء،والورى :سعال يقيئ منه دما وقيحا،والعرب تقول للبغيض إذا سعل : وريا وقحابا فالقحاب اي السعال،وتقول للحبيب إذا عطس عمرا وشبابا.
وتقول العرب أيضاً: “أعلم بها من غصَّ بها”
إياكم وخضراء الدِّمَن :بكسر الدال وتشديدها، وهو النبت ينبت على البعر فيروق ظاهره وليس في باطنه خير، ويضرب مثلا للمرأة الحسناء في منبت السوء،وكره ذلك لأن عرق السوء ينزع، ومثله قول العرب:” إياكم وعقيلة الملح: ” يعنون الدرة وهي تكون في الماء المالح،( نقلا عن جمهرة الأمثال للعسكري ج1 )وقيل أيضا: الدِّمنة: الموضع الذي تبرك فيه الإبل فتبول أو تبعر فيه فلا ينبت شيئا فاذا أصابه الماء انبت، يقول زفر بن الحارث:
وقد ينبت المرعى على دِّمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا
والمعنى:” المكان الذي لا ينبت في الأصل قد ينبت،أما الحزازات فتبقى كما هي “.
مثل: أنفُكَ منك وإن كان أذَنَّ (الذَيّن ما يسيلُ من الأنف من المخاط)
يقال بمثلي ينكأ القرح : أي بمثلي يُداوى الشر والحرب( عن مجمع الأمثال للميداني).
ويقال:إذا حككتُ قَرْحةًأدميتُها:يضرب مثلاً للرجل المُصيب بالظنون،فإذا ظنَّ فكأنه رأي ،والمثل ينسب لعمرو بن العاص،(العسكري ج1 ص144).
يقال: إنه لشديد جفنِ العين :”يضرب مثلا لمن يقدر أن يصبر على السهر”.
يقال:” إذا جاء الحَين حارت العين :أي إذا جاء القدر عمي البصر.
يقال :إن الدواهي في الأفات تهترس:أي اشتداد المحن والفتن (عن مجمع الأمثال للميداني).
يقال: إنّ بنييّ صبية صيفيون:يقال أصاف الرجل إذا ولد له على كبر سنه وولده صيفيون، يضرب في التندم على ما فات
إنّ بنيّ صبيةُ صيفيون أفلح من كان له ربعيون
أي إذا ولد له أولاد في شبابه (نقلا عن مجمع الأمثال للميداني).
يقال: إنكّ ريانُ فلا تعجل بشربكَ:يضرب لمن أشرف على إدراك بغيته فيؤمر بالرفق (الأمثال للميداني).
يقال :أنتَ بين كبدي وخـِلبي:يضرب للعزيز الذي يشُفق عليه،والخلب الحجاب الذي بين القلب والبطن (الامثال للميداني).
يقال بَرَدَ على ذلك جِلدهُ:أ ي استقر واطمأن، وبرد هنا بمعنى ثبت( الأمثال للميداني).
يقال: بهِ الورى وحُمى خيبرى: أي أكل ُ القيحِ الجوفَ( الامثال للميداني).
يقال: البطنُ شرُّ وعاءٍ صِفراً وشرُّ وعاءٍ ملآن ( الميداني)
يقال : تركتُهُ صـَريمَ سَحْرٍ:السحْر الرئة،أي تركته ميؤساً منه . (الميداني)
يقال: تضّرعْ إلى الطبيب قبل أن تمرض (الميداني)
يقال: ثُكْلٌ أرأمها ولداً:مات لأم عدة أبناء وبقي واحدا فعطفت عليه.
يقال :أكلَ عليه الدهر ُوشرب: يضرب لمن طال عمره،يريدون أكل وشرب دهراً طويلاً، قال النابغة الجعدي :
كم رأينا من أناس هلكوا شرب الدهر عليهم وأكل
(نقلاً عن الكامل للمبرد ج1 ص285).
يقال: إنّ المناكحَ خَيرُها الأبكار.
يقال: أجوعُ من ذئبٍ:لأنهُ دهرهُ جائع ،ويقولون في الدعاء على العدو “رماه الله بداء الذئب” أي بالجوع وقيل بالموت وذلك أن الذئب لا يصيبه من العلل إلا علة الموت،ولذلك يقولون في مثل أخر أصَحُّ من الذئب( الميداني)
يقولون: قد يَضرِطُ العَيرُ والمِكواةُ في النار:وأصله أن مسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس أراد تزُوجّ إمرأة وكان قد أملق،فخرج إلى النعمان بن المنذر يسأله معونة فأكرمه النعمان وأنزله، فقدم قادم من مكة فأخبره أن أبا سفيان بن حرب تزوجها،فمرض واستشفى فدُعي له بطبيب فأشار عليه بالكيّ فقال له : دُونكَ فجعل يُحَميّ مكاويه ويجعلها على بطنه وقريبٌ منه رجلٌ ينظر اليه ويضرِط من الفزع فقال مُسافر قد يضرط العَيرُ والمكواةُ في النار ،قال العُديل بن فَرخ:
أصبحتُ من حَذرِ الحجاج منُتَحِباً كَالعَيرِ يَضرِطُ والمكواة في النارِ
قَرْمٌ أغَرُّ إذا نالت أظافرهُ أهلَ الشّناءِ عاموا في الدّمِ الجاري
(جمهرة الامثال للعسكري ج2 ص123).
يقولون :قبْلَ النّفاسِ كنتِ مُصْفَرةٍ ،ومثله: قبل البكاءِ كان وجهُكِ عابساً:يضرب مثلاً للبخيل يعتّلُ بالإعسار فيمنعُ وهو في اليسار مانع،وأصله أن المرأة تكون مصفرة من خِلقة فإذا نُفِستْ تزعمُ أن صُفرَتها من النفاس،والرجل يكون عابساً من غريزةٍ فيه فيزعمُ أن عُبوسهُ من البكاء (العسكري ج2 ص124).
يقال: جَرَحَهُ حيثُ لا يضعُ الراقي أنفهُ:يضرب مثلا للشيئ لا دواء له (العسكري ج1 ص365)،وجاء في الأمالي للقالي ج1 ص151 يراد به :أن ذلك لا يُقرّب ولا يُدنى منه وكأنهم يرون أن أصل ذلك أن ملسوعاً لُسع في إسته فلم يقدر الراقي أن يُقرّب أنفه مما هناك ويقال : ليستغنْ أحدكم ولو بِضَوْزِ سِواكه أي بمضغه،وجاء في مجمع الأمثال للميداني ص160:جَرَحَهُ حيث لا يضعُ الراقي أنفه :قالته جَندلة بنت الحارث وكانت تحت حنظلة بن مالك وهي عذراء وكان حنظلة شيخاً،فخرجت في ليلةٍ مطيرة فبصر بها رجل فوثب عليها وافتَضَّها،فصاحت، فقال لها رجل مالك؟ فقالت :لُسِعتُ ، قال أين ؟ قالت :حيث لا يضع الراقي أنفه،يضرب لمن يقع في أمر لا حيلة له في الخروج منه.
يقولون: أخلَفُ من شُربِ الكَمونِ:لأن صاحبهُ يراه أخضرَ أبداً فيؤخر سقيه، قال الشاعر:
فأصبَحتُ كالكَموّنِ ماتت عروقُهُ وأوراقُهُ ممّا يُمَنونَهُ خُضْرُ
يقال :أصْنَعْهُ صَنعَةَ من طبَّ لمن حَبَّ :أي أصنعه صنعة حاذق لمن يحبه،وطَبب يارجل، وطَبِبت أي حَذِقت ،قال الفرزدق:
فأرسَلَ في عَينيه ماءً علاهما وقد علموا أني أطَبُّ وأعْرَفُ
والطِبُّ أيضاً الداء قال أبو تمام :”وما إن طِبُّها إلا اللُغُوبُ” أي مابها داء إلا الإعياء(العسكري ج1 ص91).
يقال: ” أبصَرُ من نسر: تزعمُ الفرس أنهُ إذا حلّقَ أبصرَ الجيفة من مسافة أربعمائة فرسخ
يقال :”أعطَشُ من النَقَاقة، أي الضفدع وذلك لأنه إذا فارق الماء مات،ويقال للإنسان إذا جاع “نَقَت ضفادعُ بطنه وصاحت عصافير بطنه”.
يقال:” المصدور أنفَث “يضرب في عذر شكاية الرجل بثه وحزنه
يقال:” شَجيَ برِيقه :إذا غَصَ بريقه ،يضرب لمن يؤتى من مأمنه
يقولون أفواهُها مَجَاسُّها :يضرب مثلاً للأمر يدل ظاهرهُ على باطنه، وذلك أن الإبل إذا أحسنت الأكل أُكتفي بذلك في معرفة صحتها وسلامتها عن جَسِّها (العسكري ج2 ص77).
يقولون: كلُّ أَزبَّ نَفُورٌّ: يضرب مثلا للرجل ينفر من كل شيئ، والأزَبُّ من الإبل الكثير شعر الوجه حتى يشرف على عينيه فكلما رآهُ ظن أنه شخص يطلبه فينفر من أجله فهو دائم النفار (العسكري ج2 ص154 والعقد الفريد ج3 ص67).
يقال: كُلُّ ضَبٍّ عندَهُ مِرداية :أ ي لا تغتر بالسلامة فإن الأحداث والآفات معَدَّة، والمِرداة الحجر الذي يُردى بِه،يعني أن من أراد الضَبَّ في أي موضع رآه وجد حجراً يرميه به، وقيل أن الضَبّ سيئ الهداية فلا يتخذُ حِجرَه إلا عند حَجَرٍ يجعله علامةً له فإذا خرج أخذَ طالبهُ الحجر فرماه به.
يقولون :”الإيناسُ قبل الإبساس: ومعناه أن يُؤنسَ الرجل ويُبسط ثمَّ يُكلف ويُسأل،وأصلهُ في الناقة تُداريها وتمسحُها وتَبِسُّ بها لِتُفاجَّ للحلب”أي تباعد بين عرقوبيها” ،والإبساس أن تقول لها بس بس لتسكن، وناقة بسوس إذا كانت تدر على الإبساس ( العسكري ج1 ص196).
يقولون: مات حتف أنفه: ” يقال إن أول من تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم وتحقيقه: كان حتفه بأنفه أي بالأنفاس التي خرجت من أنفه عند نزوع الروح لا دفعة واحدة،ويقال خُصَّ الأنف بذلك لأنه من جهة ينقضي الرمق ( نقلاً عن شرح الحماسة للمرزوقي ص177)،ويقولون قضى نحبه أي قضى نفسه ومعناه أنه مات والنّحْب أيضاً الخطر العظيم،وفي القران الكريم”فمنهم من قضى نحبه” (نقلاً عن جمهرة الأمثال للعسكري ج2 ص129).
يقولون في المثل : لأَفُشَّنَك فشَّ القطب: ” يقوله الرجل للأخر إذا رآه مٌنتَفِخاً من الغضب، أي لأذُهبنَّ انتفاخك (نقلاً عن أمالي القالي).
يقال: يَشجُّ ويأسو: ” وذلك للضار والنافع،ومنه اشتقاق الإسوة ،والأُسوة مداواة الجرح،وإن استعمل في موضع الإصلاح( نقلاً عن الحماية للمرزوقي ص107)
يقال : أصَمُّ عما ساءَهُ سميعٌ : “يضرب مثلاً للرجل يتغافل عما يكره، وقيل العاقل الفَطِن المتُغافل، وقال الأحنف وجدتُ الحلمَ أنصرَ لي من الرجال (نقلاً عن جمهرة الامثال للعسكري ).
يقال: طبُّ عيسى : “يضرب به المثل لأنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى يإذن الله، ومن أمثال العرب فلان يتطبب على عيسى بن مريم، قال المتنبي:
فآجَرَك الإلهُ على عليلٍ بعثتَ الى المسيحِ به طبيبا
وقال الخُوارزمي:
وما كُنتُ في تركيكَ إلا كتاركٍ طَهوراً وراضٍ بعدَهُ بالتيممِ
وراوى كلامٍ يقتفي إثرَ باقلٍ ويترك قَسّا جانبا وابن أهتمِ
وذي علةٍ يأتي طبيباً ليشتفي به وهو جارٌ للمسيح بن مريمِ
(نقلاً عن ثمار القلوب للثعالبي ص60).
يقال : ثريدة غسان: كان القوم ملوكاً يختصون من بين العرب بالطيبات ولهم الثريدة التي يضرب بها المثل وهي التي أجمعت العرب على أنه ليست أطيب منها لا من طعام العامة ولا من طعام الخاصة فصارت مثلاً في أطايب الأطعمة كمضيرة معاوية وفالوذج ابن جُدعان “، والمضيرة :من مضر اللبن مايطبخ منه ” وذكر بعض الرواة أنها كانت من المخّ والمح ولا أطيب منهما ( نقلاًعن ثمار القلوب للثعالبي ص122_123).
يقال : شربة أبي الجهم:يضرب مثلاً للشيئ الطيب اللذيذ الردئ العاقبة،وكان أبو الجَهم عيناً لأبي مسلم الخراساني على أبي جعفر المنصور يُراعيه ويُداخله ويحفظ أنفاسه والمنصور يستثقله ويتبرم به ويترصد الغوائل له،فبينما هو ذات يومٍ عنده إذ عطش فاستسقى فقال المنصور : ياغلام اسقهِ سَويق اللوز بالطَّبرزد فجاءه يقدح منه وفيه سمٌ سريع القتل فشربه أبو الجهم ولم يلبث أن حرك بطنه فقام،فقال المنصور :إلى أين يا أبا الجهم ؟ فقال : إلى حيث وجهتني يا أبا جعفر ورجع إلى منزله وقذف كل شيئ في بطنه وتلف لوقته فقيل فيه:
تجَّنبْ سَؤيقَ اللوز لا تشربنه فشربُ سَويق اللوز أردى أبا الجهم
(نقلاً عن ثمار القلوب للثعالبي ص153).
العرب تقول : الرَّشفُ أنقع:أي إن الشراب الذي يُتَرَشف رويداً رويداً أقطعُ للعطش وإن طال على صاحبه.
يقال :ما فلانٌ بِخَلٍ ولا خمر :أي ليس عنده خير ولا شر (البصائر والذخائر ج1 ص122).
يقال : به داءُ ظبي:أي أنه لا داء به ،أي أنه لا يمرض إلا إذا حان موته (مجمع الأمثال للميداني ص93 )قال الشاعر:
لا تجهمينا،أمّ عمرو ،فإنما بنا داءُ ظَبيٍ، لم تَخْنهُ عواملهْ
قال أبو عمرو:معناه ليس بنا داء كما جاء في لسان العرب لإبن منظور (ج1 ص79)،وجاء في جمهرة الأمثال للعسكري (ج1 ص:214): “لا تخلو الظِّباء من الأدواء كسائر الحيوان ولكن لما رأتها العرب تفوت الطالب ولا يقدر على لحاقها المجتهد،نسبوا ذلك إلى صحة أجسامها فقالوا : لا داء بها.
ويقولون أيضاً: ما به قلبة: أي مابه داء . وأصله في الدابة يكون في باطن حافرها داء فيقلبه البَيطار، وينظر إليه يداويه.
يقال : بِجَنبِهِ فلتكن الوَجْبة:أي السقطة،يقال عند الدعاء على الإنسان أي رماه الله بداء الجَنْب وهو قاتل فكأنه دعاء عليه بالموت (الميداني ص93).
يقال : بِبَطنهِ يعدو الذكر:يقال أن ذكر الخيل أكثر عدواً من أنثى الخيل لأنه يأكل أكثر
يقال : بألمٍ ما تُختَتنَّ:لا يكون الختان إلا بألم ولا يدرك المعروف إلا باحتمال مشقة (الميداني للأمثال).
يقال : بلغ الله بكَ أكلأ العمر:أي بلغَّك الله أطول العمر وآخرَه( الميداني ص110).
يقال : أبغَضُ من الطلياء:أ ي الناقة الجرباء المطلية بالهناء، ذلك أنه ليس شيئ أبغض الى العرب من الجرب لأنه يعدي.
يقال : بين البلاء والبلاء عوافي _ج عافية_
يقال: تجوعُ الحرَّة ولا تأكل بثدييها :أول من قاله الحارث بن سليل الأسدي ( الميداني ص122).
يقال : تمَنَّعي أشهى لك:أي مع التأبي ّيقع الحرص،وأصله أن رجلاً قال لأمرأته تمنعي اذا غازلتكِ ليكن أشهى،أي ألذ
يقال :ثؤلولُ جَسَدهِ لا يُنزَعْ:يضرب لمن يعجز عن تقويمهِ وتهذيبهِ ( الميداني ص154).
يقال : أثبتُ من قُرادٍ:لأنه يلازم جسد البعير فلا يفارقه ( الميداني ص157).
يقال :هَمَّكَ ما أهَمَّك: أي أذابك ما أحزنك (الأمالي للقالي ص114).
يقال : المنايا على الحوايا:قاله عبيد بن الأبرص للمنذر بن ماء السماء يوم لقيه يوم بؤسه،وهو مثل لمن يسعى إلى هلاكه بيده “والحوايا ما احتواه بطن الإنسان “،وقال له المنذر : ما أشدَّ جزعك من الموت؟ فقال له عبيد:لا يرحل رحلك من ليس معك،أي لا يعاني مشقة رحلتك من لم يسافر معك.
يقال :أطَّبّ من ابن حذيم: جاء في مجمع الأمثال للميداني أن ابن حذيم التيمي كان يضرب به المثل في خبرته ومهارته بالطب.
يقال : لا آتيك سِن الحِسل:والحسل هو ولد الضب، أي لا آتيك أبداٍ، لأن الضب لا تسقط له سن (نقلاً عن عيون الأخبار ابن قتيبة).
يقال : ما أشدَّ فطام الكبير.
يقال : من العَناء رياضة الهَرم
يقال :لا يخلو مَسْكُ السوء من عَرف السوء:أي لا يكن جلد رزل الا والريح المنتنة موجودة فيه (نقلاً عن العقد الفريدج3 ص30).
يقال :أبصر من زرقاء اليمامة:زرقاء اليمامة:وتسمى زرقاء بني نُمير :امرأة كانت باليمامة تُبصر الشعرة البيضاء في اللبن،وتنظر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام،وكانت تُنذر قومها الجيوش إذا غزتهم،فلا يأتهم جيش إلا وقد استعدوا له،حتى احتال لها بعض من غزاهم،فأمر أصحابه فقطعوا شجراً أمسكوه أمامهم بأيديهم،ونظرت الزرقاء فقالت:إني أرى الشجر قد أقبل إليكم،قالوا لها قد خرفت ورقَّ عقلك وذهب بصرك،فكذبوها،وصّبحتهم الخيل وأغارت عليهم وقتلت الزرقاء قال :فقوروا عينبها فوجدوا عروق عينيها قد غرقت في الإثمد من كثرة ما كانت تكتحل به (نقلاً عن العقد الفريد لإبن عبد ريه ج3 ص9).
يقال: لا تفش سِرّك إلى أمة، ولا تَبُلْ على أكمه:أ ي لا تبل على مكان مرتفع فتبدو عورتك.
تقول العرب:أناجُذَيلها المَحَكك:قال الأصمعي : الجُذيل: تصغير الجِذْل وهو عود يُنْصب للإبل الجرباء لتحتك به من الجرب، فأراد أن يُشفى برأيه ( العقد الفريد ج3 ص25).
وجاء في مجمع الأمثال للميداني ص160:جِذْلُ حكاك:الجذل : أصل الشجرة ،وربما ينصب في معاطن الإبل فتحتك به الجربى ؛ويضرب للرجل يستشفي برأيه وعقله.
يقولون: لا يدري المكروب كيف يأتمر:يراد أن المكروب يُغَطي عليه الشأن فلا يدري كيف ينفد أمره ( الأمالي للقالي ج1 ص157).
يقال : نوم الضُحى مخلفةٌ للفم :يقولون:خَلَف فُوه يخلف خُلوفاً: إذا تغيرت رائحته وقال الأصمعي : خَلَفت نفسه عن الطعام تخلف خلوفاً إذا أضربت عنه من مرض ( الأمالي للقالي ج1 ص158).
يقولون:أهونُ هالكِ عجوزٌ في عام سَنَةٍ: وهو مثل للشيئ يستخف بهلاكه.
يقال : استأصل الله شأفته: الشأفة:قرحة تخرج في القدم فتكوى فتذهب( أدب الكاتب ابن قتيبة ص40).
يقال : أصْرَدُ من عَنْزٍ جرباء : يضرب مثلاً للرجل يجد البرد
يقال :لم يُحرَم من فُصِدَ له:معناه أنهم كانوا إذا لم يقدروا على قرى الضيف فصدوا له بعيراً وعالجوا دمه بشيئ حتى يمكن أن يأكله (العقد الفريد ج3 ص58).
ومنه قول العامة:إذا لم يكن شحمٌ فَنَفسٌ .وأصل هذا أن امرأةً لبست ثياباً، ثم مشت وأظهرت البَهر في مشيتها بارتفاع نَفَسِها،فلقيها رجل فقال لها :إني أعرفك مهزولة ،فمن أين هذا النَفَس؟ قالت :إن لم يكن شَحمٌ فَنَفس، قال أبو نواس:
قال لي: ترضى بوعدٍ كاذبٍ قلت:إن لم يكُ شَحمٌ فَنَفس
أول من قُرعت له العصا:سعد بن مالك الكِناني،ثمّ قرعت لعامر بن أبي الظرب العدواني، وكان حكم في الجاهلية،فكبر حتى أنكر عقله، فقال لبنيه :إذا أنا زغت فقوّموني ، وكان إذا زاغ قرعت له العصا ،فينزع عن ذلك ( العقد ج3 ص26).
يقولون : وحمَى ولا حَبَل:أي لا يذكر شيئ إلا اشهاه ، كشهوة الحُبلى الوحمى.
تقول العرب:شرُّ السير الحقحقة: أي شدة السير، قال المرّار:
نُقَطعُ بالنزول الأرضَ عنَّا وطولُ الأ رض يُقَطعهُ النُزول
(العسكري ج1 ص60).
يقال :قَرَّت عينه:قال الأصمعي : قَرَّت عينه من القُرّ وهو البرد:أ ي جمدت فلم تدمع،وهو بحذار سخنت عينه (نقلاً عن الكامل للمبرد ج1 ص75).
ويقول ابن القيم في زاد المعاد:إن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ودمعة الحزن حارة والقلب حزين، ولهذا يقال لما يُفرح به هو قرَّة عين وأقرَّ الله عينه، ولما يحزن هو سخينتة العين وأسخن الله عينه.
يقال :هِيضَ العظم :إذا جُبِرَ ثمَّ أصابه شيئ يُعنته فآذاه،كسره ثانية أو لم يكسره ،وأكثر ما يستعمل في كسره ثانية . ويقال :عظم مَهيض وجناح ٌ مهيض في هذا المعنى (الكامل للمبرد ج1 ص15).
يقال : أُعتبط الرجل: إذا مات شاباً من غير مرض،والعبيط الطري من كل شيئ (الكامل للمبرد ج1 ص99).
تقول العرب للجبان : انتفخ والله سَحْرهُ:اي رئته.
يقال :إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري: اي أشكو أُموري كلها ماظهر منها وما بطن
حالَ الحريض دون القريض:لما لقي النعمان بن المنذر بن ماء السماء في يوم بؤسه عَبيد بن الأبرص قال له أنشدني فقد كان شعرك يعجبني فقال له عبيد :حال الحريض دون القريض وبلغَ الحِزام الطّبيين ،الحريض:الريق اليابس في الفم من غمٍ أو خوف،وهو أيضاً الغصّة واختلاف الفكين عند الموت.
يقال :عَيٌّ أبأس من شلل:كانت العرب تعتمد القول وجزالته،وعلى حسن البيان،وكانوا يعدون العَيّ أشدُّ عليهم من المرض المزمن( نقلاً عن قول على قول للكرمي ج3 ص173).
العرب تقول:شرُّ النساء الحُميراء المحياض،والسويداء الممراض (نقلاً عن البصائر والذخائر ج2 ص92).
يقولون:متى عَهدُك بأسفلِ فِيك؟قال الأصمعي: يقال ذلك في الأمر يُرى أنه كان قديماً ومعناه : متى أثغرت؟ (العسكري ج2 ص288).
يقولون:نَجَّذتهُ الأمور:وأصله من الناجذ،وهو أقصى الأسنان،ويقال للرجل إذا أسنَّ وجرَّب الأمور : قد عضَّ على ناجذه ،قال سُحيم بن وثيل:
أخو خمسينَ مجتمِعٌ أشُدِّي ونَجَّذني مُداورة الشؤون
(العسكري ج2 ص309).
يقولون:مِلْحُه على رُكبتيه:يقال ذلك للرجل السيئ الخُلُق الذي يغضب من كل شيئ ،والمراد أن أدنى شيئ يُغضبه ،كما أن الملح إذا كان فوق الركبة بدَّده أدنى شيئ ، قال مسكين الدارمي:
لا تَلُمها إنها من نِسوةٍ ملحها موضوعةٌ فوقَ الرُّكَب
(العسكري ج2 ص232).
يقولون: مايشبعُ طائرُه:وذلك إذا وصفَ بشدة الهزال، قال الشاعر:
سَناماً ونِحْضاً أنبتَ اللحمُ فاكتستْ عظائمُ امرئ ما كان يشبعُ طائرهْ
يقول: بلغ من هُزاله ما لو وقع عليه طائر وهو ميت لم يشبع منه، ويقال أيضاً: ما عليه من اللحم ما يشبعُ عصفوراً ( العسكري ج2 ص238).
يقال:جَرَى منهُ مجرى اللَّدود:يقال ذلك للخُلُقْ الذي لا يفارقه الإنسان،كأنه لُدَّ به واللدود : الدواء الذي يُلَدُّ به الإنسان، وهو أن يُصَب في شِدْقِ فمه ( العسكري ج1 ص 311)،وفي مجمع الأمثال للميداني ص160:وهو ما يُصب في أحد شَقّي الفم من الدواء،ويضرب لمن يبغض ويكره.
يقال:أسرعُ من عدوى الثُّوباء:لأن من رأى أخر يتثاءب لم يلبث أن يتثاءب( العسكري ج1 ص526).
يقولون: استراح من لا عقلَ له:قاله عمر بن العاص،وقيل للحسن : مالنا نراكَ واجماً؟ فقال غَميّ مُكْتَسَبٌ من عقلي ولو كنتُ جاهلاً لكنتُ في دَعة من عيش.
وقيل أيضاً: استراح الصبي الذي لا عقل له فهو لا يفكر في مستقبل العيش ،ورأى الحسن صبياناً يلعبون فقال:مُذْ فارقناكم لم نرَ يوماً طيباً (العسكري ج1 ص147).
من أمثال العرب:فلان عينه دولاب فم أكيله:يريدون أنه يلاحظ أكيله عند الأكل وهو من أعظم العيوب عندهم (نقلاً عن الكشكول للعاملي ج3 ص105).
يقولون:أمٌ سقتك الغَيْل من غير حَبَل:يضرب لمن يدنيك ثم يجفوك ويبعدك من غيرذنب، والغيل : اللبن يرضعه الرضيع والأم حامل وذلك مفسدة للصبي ( مجمع الأمثال للميداني ص68)
يقال : أكلَ رَوْقَهُ :يضرب لمن طال عمره وتحاتّت أسنانه،والرّوق : طول الأسنان والرجل أروق.
الفرزدق: إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فلتذبح _قالها في امرأة قالت شعراً _
يقال : أثقل من قَدَح اللبلاب على قلب المريض، ومنه قول ابن بسام :
يا بغيضاً زاد في البغض على كل بغيض
يا شبيهاَ قدح اللبلاب في قلب المريض
(الميداني ص158).
يقال : أصفر سُليم: كان سُليم صيدلانيا بالبصرة،وقد عجن دواء أصفر لكل ما شُرِب له ، فكان يستشفي به كل مبرود ومحرور ، فسار مثلاً في البركة وحسن الموقع ،وقد قيل فيه غير هذا والله تعالى أعلم (نقلاً عن ثمار القلوب الثعالبي ص1).