الكرم والجود وقِرى الضيف

الكرم والجود وقِرى الضيف

زهير بن أبي سلمى:

أخي ثقةٍ لا تُتلفُ الخمرُ مالَهُ

ولكنّهُ قد يُهلِكُ المالَ نائلهْ

تراهُ إذا ما جئتهُ متهللاً

كأنّكَ تعطيه الذي أنت سائله

هوَ البحر من أي النواحي أتيتهُ

فلجّتهُ المعروف والجودُ ساحلهْ

ولو لم يكن في كفهِ غيرُ نفسَهِ

لجادَ بها فليتقِ الله سائلهْ

زهير بن أبي سلمى:

على مُكثريهمْ حقٌّ من يعتريهمُ

وعِندَ المُقلينَ السماحةُ والبذلُ

سعى بعدَهمْ قومٌ لكي يُدركوهمُ

فلم يفعلوا ولم يُليموا ولم يألوا

زهير:

زهير:

إنّ البخيلَ مُلوّمٌ حيثُ كان ولكنّ

الجوادَ على عِلّاتهِ هَرِمُ

هو الجوادُ الذي يُعطيكَ نائلهُ

عفوان ويُظلمُ أحياناً فيظلِمث

وإن أتاهُ خليلٌ يومَ مسغبةٍ

يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ

 

 

 

إذا ما أتوا أبوابهُ قال:مرحباً

لِجوا البابَ حتى يأتي الجوعَ قاتِلُهْ

زهير:

عطاؤكَ زَينٌ لإمرىءٍ إن حبوتَهُ

كسيبٍ وما كلُّ العطاءِ يَزينُ

وليسَ بِشَينٍ لإمرىءٍ بذلُ وجههِ

إليكَ كما بعضُ السؤالِ يَشينُ

زهير:

من يَلْقَ يوماً على عِلّاتهِ هَرِماً

يلْقَ السّماحةَ منهُ والنّدى خُلقا

لو نالَ حيٌّ من الدنيا بمكرمةٍ

أُفقَ السماءِ لنالت كفّهُ الأفقا

زهير:

لو كان يقعدُ فوقَ الشمسِ من كرمٍ

قومٌ بأحسابهم أو مجدهم قَعدوا

زهير بن أبي سلمى:

أغَرُّ أبيضُ فيّاضٍ يُفكِّكُ عن

أيدي العُناةِ وعن أعناقها الرّبقا

وذاكَ أحزمُهُمْ رأياً إذا نبا

فَضْلَ الجيادِ على الخيلِ البطاءِ فلا

من الحوادثِ غادى الناسَ أو طرقا

يُعطي بذلكَ ممنوناً ولا نزقا

قد جعلَ المُبتغون الخيرَ في هرم

من يلقَ يوماً على عِلاتهِ هَرماً

والسائلونَ إلى أبوابه طُرُقا

يلقى السماحة منه والندى خُلقا

زهير:

قد جعلَ الطالبونَ الخيرَ في هَرِمٍ

والسائلونَ إلى أبوابهِ طُرقا

زهير:

وليس مانعَ ذي قربى ولا رحمٍ

يوماً ولا مُعدماً من خابطٍ ورقا

زهير بن أبي سلمى:

وأبيضَ فياضٍ يداهُ غمامةٌ

بَكرتُ عليه غُدوةً فرأيتهُ

على مُعتفيهِ ما تغِبُّ فواضِلُهْ

قعوداً لديهِ بالصَّريمِ عواذله

يُفدِّينهُ طوراً وطوراً يَلمنهُ

وأعيا فما يدرينَ أينَ مخاتلهْ

فأقصرنَ منه عن كريمٍ مُرَزأٍ

عَزومٍ على الأمرِ الذي هو فاعله

 

 

 

المتنبي:

ويدٌ لها كرمُ الغَمامِ لأنّهُ

يسقي العمارةَ والمكانَ البلقعا

يهتزُ للجدوى اهتزازَ مُهندٍ

يومَ الرجاءِ هززتهُ يوم الوغى

 

المتنبي:

أكثرت من بذلِ النوالِ ولم تزلْ

علماً على الإفضالِ والإنعامِ

المتنبي:

مُحبُّ النّدى الصابي إلى بذلِ مالهِ

صُبّواً كما يصبو المُحبُّ المُتيّمُ

المتني:

وإن جادَ قبلك قوم مضوا

فإنّكَ في الكرمِ الأول

المتنبي:

إذا تولّوا عداوةً كشفوا

وإن تولّوا صنيعةً كتموا

تظنُ من فقدِكَ اعتدادَهمُ

أنهم أنعموا وما علموا

المتنبي:

كأنّما يولد النّدى معهم

لا صفرٌ عاذرٌ ولا هرَمُ

المتنبي:

ونادى النّدى بالنائمين عن السُّرى

فأسمعَهمْ هُبّوا فقد هلكَ البُخلُ

وحالت عطايا كفّهِ دونَ وعدهِ

فليسَ لهُ إنجازُ وعدٍ ولا مَطْلُ

فأقربُ من تحديدها ردُّ فائتٍ

وأيسرُ من إحصائها القطرُ والرّملُ

المتنبي:

لقد حالَ بالسيفِ دونَ الوعيد

وحالت عطاياهُ دونَ الوعودِ

فأنجمُ أموالهِ في النّحوسِ

وأنجمُ سؤَّالهِ في السُّعودِ

المتنبي:

مالنا في النّدى عليكَ اقتراحٌ

كلُّ ما يمنحُ الشّريفُ شريفُ

المتنبي:

أرجو نداكَ ولا أخشى المِطالَ بهِ

يا مَنْ إذا وهب الدنيا فقد بخلا

المتنبي:

هُمُ المحسنونَ الكرَّ في حومة الوغى

وأحسنُ منه كرُّهم في المكارمِ

وهم يُحسنون العفو عن كلِّ مذنبٍ

ويحتملونَ الغُرْمَ عن كلِّ غارمِ

المتنبي:

ومَكرُماتٍ مشت على قدم ال

برِّ،إلى منزلي تردُّدها

فَعُدْ بها لا عدمتها أبداً

خيرُ صِلاتِ الكريمِ أعودُها

المتنبي:

وإنَّ سحاباً جَودهُ مثلُ جُودهِ

سحابٌ على كلِّ السّحابِ له فَخرُ

المتنبي:

وألقى الفمَ الضّحاك أعلم أنه

قريبٌ بذي الكفِّ المفدَّاةِ عهده

المتنبي:

وإن بذلَ الإنسانُ لي جودَ عابسٍ

جزيتُ بجودِ التاركِ المبتسمِ

المتنبي:

برجاءِ جُدكَ يُطردُ الفقرُ

وبأن تعادى ينفد العمرُ

المتنبي:

أذا الجودِ أعطِ الناسَ ما أنتَ مالكٌ

ولا تُعطينَّ الناسَ ما أنا قائلُ

المتنبي:

يتداوى من كثرةِ المالِ بالإقلالِ

جوداً كأنَّ مالاً سقامُ

المتنبي:

هزمت مكارمه المكارم كلها

حتى كأن المكرمات قنابل

المتنبي:

ألا أيها المالُ الذي قد أبادهُ

تعزَّ فهذا فِعلهُ في الكتائبِ

لعلّكَ في وقتٍ شغلتَ فؤادهُ

عن الجودِ أو كثرّتَ جيش محاربِ

المتنبي:

إذا استعطيتهُ ما في يديهِ

فقد سألتَ عن سرٍّ مُذيعا

قبولُكَ مَنَّهُ مَنٌّ عليهِ

وإلا يبتدي يرهُ فظيعا

لهونِ المالِ أفرشَهُ أديماً

وللتفريقِ يكرَهُ أن يضيعا

المتنبي:

عن المُقتني بذلَ التلادِ تلادَهُ

ومُجتنبِ البُخلِ اجتنابَ المحارمِ

تمنّى أعاديهِ محلَّ عُفاتهِ

وتحسدُ كفّيهِ ثِقالَ الغمائمِ

المتنبي:

أشدُّهم في الندى هِزّةً

وأبدهم في عدوٍّ مُغارا

المتنبي:

ودعوهُ من فرطِ السخاءِ مُبذراً

ودعوهُ من غَصْبِ النفوسِ الغاصبا

المتنبي:

لا أستزيدُكَ فيما فيكَ من كرمٍ

أنا الذي نامَ إن نبهّتُ يقظانا

فإنّ مثلُكَ باهيتُ الكرامَ بهِ

وردَّ سُخطاً على الأيام رضوانا

المتنبي:

وحاشا لارتياحكَ أن يُبارى

وللكرمِ الذي لك أن يُباقى

ولكنّا نُداعبُ منكَ قرماً

تراجعتِ القرومُ لهُ حِقاقا

المتنبي:

يمشي الكِرامُ على آثار غيرهمُ

وأنتَ تخلُقُ ما تأتي وتبتدعُ

المتنبي:

ومن فرَّ من إحسانهِ حَسَداً لهُ

تلقّاهُ منهُ حيثما سارَ نائِلُ

فتىً لا يرى إحسانهُ وهو كاملٌ

لهُ كاملاً حتى يُرى وهو شامِلُ

المتنبي:

سروركَ أن تَسُّرَ الناسَ طُرّاً

تُعلّمهمْ عليكَ به الدلالا

إذا سألوا شكرتهم عليهِ

وإن سكتوا سألتهمُ السؤالا

وأسعدُ من رأينا مُستميحٌ

يُنيلُ المُستماحَ بأن ينالا

 

وعطاءُ مالٍ لو عداهُ طالب

أنفقته في أن تلاقي طالبا

المتنبي:

ولا يَرُدُّ بفيهِ كفَّ سائلهِ

عن نفسهِ ويردُّ الجحفلَ اللَجبا

وكُلّما لقيَ الدينارُ صاحبهُ

في مُلكهِ افترقا من قبلِ أن يصطحبا

المتنبي:

قد شغلَ الناسَ كثرةُ الأملِ

وأنتَ بالمكرماتِ في شُغُلِ

تَمثّلوا حاتماً ولو عَقلوا

لكنتَ في الجودِ غاية المثلِ

المتنبي:

فعلتَ بنا فِعلَ السماءِ بأرضهِ

خِلَعُ الأميرِ وحقّهُ لم نقضهِ

فكأن صحة نسجها من لفظهِ

وكأنَ حسن نقائها من عِرضهِ

وإذا وكلتَ إلى كريمٍ رأيهُ

في الجودِ بانَ مذيقهُ من مَحضهِ

المتنبي:

أيا رامياً يُصمي فؤادَ مرامهِ

تُرّبي عِداهُ ريشها لسهامهِ

فتىً يهبُ الإقليمَ بالمالِ والقُرى

ومن فيه من فرسانهِ وكرامهِ

ويجعلُ ما خوّلتهُ من نوالهِ

جزاءً لما خُوّلتهُ من كلامهِ

المتنبي:/

ملك إذا امتلأت مالاً خزائنهُ

أذاقها طعم ثكلِ الأم للولدِ

أي الأكفِّ تباري الغيث ما اتفقا

حتى إذا افترقا عادت ولم يعد

 

يُدّبرُ شرقَ الأرضِ والغربَ كفّهُ

وليس لها وقتٌ عن الجودِ شاغِلُ

ومن فرَّ من إحسانهِ حسداً له

تلّقاهُ منهُ حيثما سارَ نائلُ

المتنبي:

أفي الرأي يُشبَهُ أم في السخاءِ

أم في الشجاعةِ أم في الأدبِ

إذا حازَ مالاً فقد حازهُ

فتىً لا يُسَرُّ ربما لا يهب

المتنبي:

كالبحرِ يقذفُ للقريبِ جواهراً

جوداً ويبعثُ للبعيدِ سحائبا

المتنبي:

وما ثناكَ كلامُ الناس عن كَرَمٍ

ومن يَسدُّ طريقَ العارضِ الهَطلِ

أنتَ الجوادُ بلا مَنٍّ ولا كذبٍ

ولا مِطالٍ ولا وعدٍ ولا مذلِ

المتنبي:

لو فرّقَ الكرمَ المفَرّقَ مالهُ

في الناسِ لم يكُ في الزمانِ شحيحُ

المتنبي:

فيا أيها المطلوبُ جاورهُ تمتنعْ

ويا أيها المحرومُ يَممِّهُ ترزقُ

المتنبي:

ليسَ التعجبُ من مواهبِ مالهِ

بل من سلامتها إلى أوقاتها

عجباً له حفظ العنان بأنملٍ

ما حفظها الأشياء من عاداتها

كرمٌ تبيّن في كلامكَ ماثلاً

ويبينُ عتقُ الخيل في أصواتها

المتنبي:

كريم نفضت الناس لما لقيته

كأنّهم ما جف من زاد قادم

وكاد سروري لا يفي بندامتي

على تركهِ في عمري المتقادمِ

المتنبي:

جزى الله المسير إليه خيراً

وإن ترك المطايا كالزاد

 

وأنفسهم مبذولة لوفودهم

وأموالهم في دار من لم يفد وفد

المتنبي:

إنكَ من معشرٍ إذا وهَبوا

ما دونَ أعمارِهمْ فقد بخلوا

المتنبي:

لم أعرف الخير إلا مذ عرفتُ فتىً

لم يولد الجود إلا عند مولده

المتنبي:

تمثلوا حاتماً ولو عقلوا

لكنت في الجودِ غاية المثلِ

المتنبي:

وإنّ سجايا جودهِ مثلُ جودهِ

سحابٌ على كلِّ السحابِ له فخرُ

المتنبي:

كريمٌ نَفضتُ الناسَ لمّا بلغتهُ

كأنّهمُ ما جَفَّ من زاد قادِمِ

وكادَ سروري لا يفي بندامتي

على تركهِ في عمريَ المتقادمِ

 

تباعدت الآمال عن كل مطلب

وضاقت بها إلا إلى بابها السبل

ونادى الندى بالنائمين على السرى

فأسمعهم هبوا لقد هلك البخل

وحالت عطايا كفّه دون وعده

فليس له إنجاز وعد ولا مطل

المتنبي:

قالوا هجرتَ إليهِ الغيثَ قلتُ لهم

إلى غيوثِ يديهِ والشآبيبِ

إلى الذي تهَبُ الدَولاتِ راحَتهُ

ولا يَمُنُّ على آثارِ موهوبِ

ولا يَروعُ بمعذورٍ به أحداً

ولا يُفَزَّعُ موفوراً بمنكوبِ

المتنبي:

حَجَّبَ ذا البحرَ بحارٌ دُونَهُ

يَذُمُّها الناسُ ويحمدونَهُ

يا ماءُ هل حَسدتنا مَعينَهُ

أم اشتهيتَ أن تُرى قرينَهُ

أم انتجعتَ للغنى يمينَهُ

أم زُرتَهُ مُكثراً قطينَهُ

أم جئتَهُ مُخندقاً حصونَهُ

إنَّ الجيادَ والقنا يكفينَهُ

المتنبي:

كفى بأنكَ من قحطانَ في شَرَفٍ

ولو نقصتُ كما قد زدتُ من كرمٍ

وإن فخرتَ فكلٌ من مواليكا

على الورى لرأوني مثلَ شانيكا

لبّى نداكَ لقد نادى فأسمعني

يفديك من رجل صحبي وأفديكا

ما زلتَ تُتبِعُ ما تُولي يداً بيدٍ

حتى ظننتُ حياتي من أياديكا

فإن تَقُلْهافعاداتٌ عُرفتَ بها

أولافإنكَ لا يسخو بها فوكا

المتنبي:

هُوَ البحرُ غُص فيه إذا كانَ راكداً

على الدُّرِّ واحذرهُ إذا كانَ مُزبدا

فإنّي رأيتُ البحرَ يَعثُرُ بالفتى

وهذا الذي يأتي الفتى مُتعمدا

المتنبي:

رُويدكَ أيُّها الملكُ الجليلُ

تأيَّ وعُدَّهُ مما تُنيلُ

وجودَكَ بالمُقامِ ولو قليلاً

فما فيما تجودُ به قليلُ

وكنتُ أعيبُ عذلاً في سماح

فها أنا في السّماحِ له عذولُ

المتنبي:

جزى الله المسيرَ إليه خيراً

وإن تركَ المطايا كالمزادِ

ألم يكُ بيننا بلدٌ بعيدٌ

فَصيّرَ طولهُ عرضَ النجادِ

وأبعدَ بُعدنا بُعدَ التداني

وقَرّبَ قربنا قُربَ البعادِ

المتنبي:

لو كفرَ العالمونَ نِعمتُهُ

لما عَدَتْ نفسُهُ سجاياها

كالشمسِ لا تبتغي بما صنعتْ

تكرمةً عندهم ولا جاها

المتنبي:

تركتُ السُّرى خلفي لمن قلَّ مالهُ

وأنعلتُ أفراسي بِنعُماكَ عَسجدا

وقيّدتُ نفسي في ذُراكَ محبةً

ومن وجدَ الإحسانَ قيداً تَقيّدا

إذا سألَ الإنسانُ أيامَهُ الغِنى

وكنتَ على بعدٍ جعلتُكَ موعدا

المتنبي:

وإذا سألتَ بنانَهُ عن نيلهِ

لم يرضَ بالدنيا قضاءَ ذِمامِ

المتنبي:

لو فُرِّقَ الكرمُ المُفرَّقُ مالَهُ

في الناسِ لم يكُ في الزمانِ شحيحُ

المتنبي:

وتملكهُ المسائلُ في العطايا

ومن إحدى فوائدهُ العطايا

وأما في الجدالِ فلا يُرامُ

ومن إحدى عطاياهُ الذّمام

وقبضُ نوالِهِ شَرفٌ وعِزٌّ

وقبضُ نوالِ بعضِ القومِ ذامُ

أقامت في الرقابِ لهُ أيادٍ

هيَ الأطواقُ والناسُ الحمامُ

إذا عُدَّ الكِرامُ فتلكَ عِجْلٌ

كما الأنواءُ حينَ تُعدّ عامُ

المتنبي:

من القاسمينَ الشُّكرَ بيني وبينَهُمْ

لأنّهمْ يُسدى إليهم بأن يُسددوا

فَشكري لهم شكرانِ:شكرٌ على الندى

وشكرٌ على الشكرِ الذي وهبوا بعدُ

صيامٌ بأبوابِ القبابِ جيادُهم

وأشخاصُها في قلبِ خائفهم تعدو

وأنفسهم مبذولةٌ لوفودهم

وأموالهم في دار من لم يفِدْ وفدُ

المتنبي/:

أما بنو أوس بن معد بن الرِّضي

كبرّتُ حول ديارهم لما بدتْ

فأعزُّ من تحدى إليه الأنيقُ

منها الشموسُ وليسَ فيها المشرقُ

وعجبتُ من أرضٍ سحابُ أكفِّهم

من فوقها وصخورُها لا تُورِقُ

وتفوحُ من طيبِ الثناءِ روائح

لهمُ بكلِّ مكانةٍ تستنشقُ

مسكيّةُ النفحاتِ إلا أنها

وحشيةٌ بسواهم لا تعبقُ

المتنبي:

ومن إحدى فوائده العطايا

ومن إحدى عطاياه الذمام

وقد خفيَ الزمانُ به علينا

كسلك الدُّرِ يُخفيه النظام

تلذُّ له المروءة وهي تؤذي

ومن يعشق يلذُّ له الغرام

وقبضُ نوالهِ شرفٌ وعزٌّ

وقبضُ نوالِ بعضُ القومِ ذامُ

المتنبي:

وكيفَ الصبرُ عنكَ وقد كفاني

نداكَ المستفيضُ وما كفاكا

أتتركني وعينُ الشمسِ نعلي

فتقطعُ مشيتي فيها الشراكا

المتنبي:

يا أيُّها القمرُ المُباهي وجهَهُ

لا تكذبنَّ فلستَ من أشكالهِ

وإذا طما البحرُ المحيطُ فقل له

دعْ ذا فإنّكَ عاجزٌ عن حالهِ

المتنبي:

فلما جئتهُ أعلى محلّي

وأجلسني على السَبعِ الشِّدادِ

تَهلّلَ قبلَ تسليمي عليه

وألقى مالهُ قبل الوسادِ

المتنبي:

إلى ليثِ حربٍ يُلحِمُ الليثَ سيفهُ

وبحر ندىً في موجهِ يغرقُ البحرُ

وإن كان يُبقي جودُهُ من تليدهِ

شبيهاً بما يُبقي من العاشقِ الهجرُ

المتنبي:

ليسَ التعجبُ من مواهبِ مالهِ

بل من سلامتها إلى أوقاتها

المتنبي:

وباشرَ أبكارَ المكارمِ أمردا

وكان كذا آباؤه وهُمُ مردُ

مدحتُ أباهُ قبلَهُ فشفى يدي

من العُدْمِ من تُشفى بهِ الأعينُ الرمدُ

المتنبي:

يا من لجودِ يديه في أموالهِ

نِقَمٌ تعودُ على اليتامى أنعما

حتى يقولَ الناسَ ماذا عاقلاً

ويقولُ بيتُ المالِ ماذا مُسلما

ذكارُ مثلِكَ تركُ إذكاري له

إذ لا تُريدُ لما أُريدُ مُترجما

المتنبي:

وإنّكَ للَمشكورُ في كلِّ حالةٍ

ولو لم يكن إلا البشاشة رفدهُ

فكلُّ نوالٍ كانَ أو كائنٌ

فلحظهُ طرفٍ منكَ عنديَ نِدّهُ

وإنّي لفي بحرٍ من الخيرِ أصلُهُ

عطاياكَ أرجو مدّها وهي مَدُّهُ

 

أعطى فقلتُ لجودهِ ما يُقتنى

وسطا فقلتُ لسيفهِ ما يولَدُ

المتنبي:

تزيدُ عطاياهُ على اللَبثِ كثرةً

وتلبثُ أمواهُ السّحابِ فتنضبُ

المتنبي:

كأنّما يولَدُ النّدى مَعهُمْ

لا صِغَرٌ عاذرٌ ولا هَرَمُ

المتنبي:

أمطِرْ عليَّ سحابَ جودكَ ثَرّةً

وانظر إليَّ برحمةٍ لا أغرقُ

كذب ابنُ فاعلةٍ يقولُ بجهله:

ماتَ الكرامُ وأنتَ حيٌّ ترزق

المتنبي:

إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خلاصاً من الأذى

فلا الحمدُ مكسوباً ولا المالُ باقيا

وللنفسِ أخلاقٌ تدلّ ُعلى الفتى

أكانَ سخاءً ما أتى أم تساخيا

المتنبي:

وكلٌّ يرى طرق الشجاعة والنّدى

ولكن طبع النفس للنفس قائدُ

المتنبي:

أرجو نَداكَ ولا أخشى المِطالَ بهِ

يامنْ إذا وهبَ الدنيا فقد بخلا

المتنبي:

كأنّكَ في الإعطاءِ للمالِ مُبغِضٌ

وفي كُلِّ حَرْبٍ للمنيّةِ عاشقُ

المتنبي:

وأحسنُ وجهٍ في الورى وجهُ مُحسنٍ

وأيمنُ كفٍّ فيهمُ كفُّ مُنعمِ

المتنبي:

وما يُوجعُ الحِرمانُ من كفِّ حارمٍ

كما يُوجعُ الحرمانُ من كفِّ رازقِ

المتنبي:

وآنفُ من أخي لأبي وأمي

إذا ما لم أجدهُ من الكرام

ولم أرَ في عيوبِ الناسِ شيئاً

كنقصِ القادرينَ على التمامِ

المتنبي:

فتىً لا يُرَجّي أن تتِمَّ طهارةٌ

لمن لم يُطهّر راحتيهِ من البُخلِ

المتنبي:

كَفانيَ الذّمَّ أنني رجلٌ

أكرَمُ مالٍ مَلكتهُ الكَرَمُ

يجني الغِنى للِئامِ لو عَقلوا

ما ليسَ يجني عليهم العُدُمُ

هُمُ لأموالهمْ ولَسنَ لَهثمْ

والعارُ يبقى والجُرْحُ يلتئمُ

المتنبي:

وإن فقدَ الإعطاءَ حَنّتْ يمينهُ

إليهِ حَنينَ الغلفِ فارقهُ الإلفُ

 

وما كلٌّ بمعذورٍ ببِخلٍ

ولا كلٌّ على بُخلٍ يُلام

المتنبي:

يُعطي فلا مَطْلُهُ يُكَدِّرُها

بها ولا مَنُّهُ يُنكّدُها

له أيادٍ إليَّ سابقةٌ

فَعُدْ بها لا عَدمتُها أبداً

أعدُّ منها ولا أعدِّدهُا

خيرُ صلاتِ الكريمِ أعودُها

المتنبي:

أنتَ الجوادُ بلا مَنٍّ ولا كَدرٍ

ولا مِطالٍ ولا وعدٍ ولا مَذَلِ

المتنبي:

ومن إحدى فوائدِهِ العطايا

ومن إحدى عطاياهُ الدّوامُ

وقبضُ نوالهِ شَرَفٌ وعزٌّ

وقبضُ نوالِ بعضِ القوم ذامُ

لقد حَسنُتْ بك الأوقاتُ حتى

كأنّكَ في فمِ الدّهرِ ابتسامُ

المتنبي:

أَذا الجودِ أعطِ الناسَ ما أنتَ مالكٌ

ولا تُعطينَّ الناسَ ما أنا قائلُ

المتنبي:

إذا اكَتسَبَ الناسُ المعاليَ بالنّدى

فإنّكَ تُعطي في نداكَ المعاليا

وغيرُ كثيرٍ أن يَزُوركَ راجِلٌ

فيرجِعُ مَلكاً للعراقينِ واليا

المتنبي:

وإذا اهتزَّ للنّدى كان بحراً

وإذا اهتزَّ للوغى كان نصلاً

المتنبي:

إنّكَ من معشرٍ إذا وهبوا

ما دُونَ أعمارِهمْ فقد بخلوا

المتنبي:

ونادى النّدى بالنائمينَ عن السُّرى

فأسمعهم هُبّوا فقد هلكَ البُخلُ

المتنبي:

لا تَطلبَنَّ كريماً بعدَ رؤيتهِ

إنّ الكِرامَ بأسخاهُمْ يداً خُتموا

المتنبي:

ليسَ التعجُّبُ من مواهبِ مالهِ

بل من سلامتها إلى أوقاتِها

المتنبي:

وما كلُّ سيفٍ يقطعُ الهامَ حَدُّهُ

وتقطعُ لزَباتِ الزمان مكارمُهْ

المتنبي:

يُعطيك مبتدئاً فإن أعجلته

أعطاكَ معتذراً كمن قد أجرما

المتنبي:

إذا حازَ مالاً فقد حازهُ

فتىً لا يسر بما لا يهب

المتنبي:

لم أعرفِ الخيرَ إلا مُذْ عرفتُ فتىً

لم يُولدِ الجُودُ إلا منذ مولدهِ

المتنبي:

فكمْ وكمْ نِعمةٍ مُجّللةٍ

رَبيّتها،كان منكَ مَولدُها

وكم وكم حاجةٍ سمحتَ لها

أقربُ مني إليَّ موعدُها

ومكرُماتٍ مشت على قدم البرِّ

أقرَّ جلدي بها عليّ فما

إلى منزلي ترددها

أقدرُ حتى المماتِ أجحدها

فَعُدْ بها لا عدمتها أبداً

خيرُ صلاتِ الكريمِ أعودُها

المتنبي:

فجاءا به صَلْتَ الجبينِ مُعظّماً

ترى الناسَ قلاً حولهُ وهُمُ كثرُ

مُفدى بآباءِ الرجال سَمَيدعاً

هو الكرمُ المدُّ الذي مالهُ جَزرُ

المتنبي:

نَلومكَ يا عليُّ لغيرِ ذنبٍ

لأنّكَ قد زريتَ على العبادِ

وأنّكَ لا تجودُ على جوادٍ

هباتُكَ أن يُلعبَ بالجوادِ

كأنَّ سخاءكَ الإسلامُ تخشى

إذا ماحُلْتَ عاقبة ارتدادِ

 

فكمْ وكمْ نعمةٍ مُجلّلةٍ

وكم وكمْ حاجةٍ سمحتَ بها

ربيّتها كان منكَ مولدها

أقربُ مني إليَّ موعدها

ومكرُماتٍ مشت على قدم البرِّ

إلى منزلي تردُدها

أقرَّ جِلدي بها عليَّ فلا

أقدرُ حتى المماتِ أجحدُها

فَعُدْ بها لا عدمتُها

أبداً خيرُ صلاتِ الكريمِ أعودُها

المتنبي:

إذا كسبَ الناسُ المعاليَ بالنّدى

فإنّكَ تُعطي في نداك المعاليا

المتنبي:

غيث يبين للنظار موقعه

إن الغيوث بما تأتيه جهال

لا وارث جهلت يمناه ما وهبت

ولا كسوب بغير السيف سآل

المتنبي:

عند الهمام أبي المسك الذي غرقت

في جودهِ مضر الحمراء واليمن

وإن تأخر عني بعض موعده

فما تأخر آمالي ولا تهن

هو الوفي ولكني ذكرت له

مودة فهو يبلوها ويمتحن

المتنبي:

مضى وبنوه وانفردت بفضلهم

وألف إذا ما جمعت واحد فرد

لهم أوجه غرّ وأيدٍ كريمةٍ

ومعرفة عد وألسنة لد

المتنبي:

وإنَّ سحاباً جَودهُ مثل جودهِ

سحابٌ على كلِّ السّحابِ لهُ فخرُ

ولا ينفعُ الإمكانُ لولا سخاؤهُ

وهل نافعٌ لولا الأكفُّ القنا السُّمرُ

المتنبي:

ومن بعدهِ فقر ومن قربهِ غنى

ومن عرضه حر ومن ماله عبد

ويصطنعُ المعروف مبتدئأ به

ويمنعه من من ذمه حمد

 

كسائله من يسألُ الغيثَ قطرةً

كعاذله من قال للفلك ارفقِ

المتنبي:

ترّفعَ عن عَونِ المكارمِ قدرُهُ

فما يفعلُ الفَعلاتِ إلا عذاريا

المتنبي:

غمامٌ علينا مُمطرٌ ليسَ يُقشِعُ

ولا البرقُ فيه خلباً حينَ يلمعُ

إذا عرضتْ حاجٌ إليه فنفسُهُ

إلى نفسهِ فيها شفيعٌ مُشَفّعُ

المتنبي:

وإن فقد الإعطاء حَنّتْ يمينهُ

إليهِ حنينَ الإلفِ فارقهُ الإلفُ

المتنبي:

كالبحرِ يقذفُ للقريبِ جواهراً

جوداً ويبعثُ للبعيدِ سحائبا

المتنبي:

همُ المحسنونَ الكرَّ في حومة الوغى

وأحسنَ منه كرّهمْ في المكارمِ

المتنبي:

واجز الأمير الذي نعماه فاجئة

بغير قول ونعمى الناس أقوال

المتنبي:

ألا كُلُّ سَمْحٍ غيركَ اليومَ باطلٌ

وكلُّ مديحٍ في سِواكَ مُضيَّعُ

المتنبي:

من طلبَ المجدَ فليكن كَعليٍّ

يهبُ الألفَ وهو يبتسِمُ

المتنبي:

وعُظمُ قدركَ في الآفاقِ أوهمني

أني بقلّةِ ما أثنيتَ أهجوكا

شُكرُ العُفاةِ لما أوليتَ أوجدَ لي

إلى نداكَ طريقَ العُرفِ مسلوكا

المتنبي:

فتىً كالسحابِ الجُونِ يُخشى ويرُتجى

يُرجى الحيا منها وتُخشى الصواعقُ

ولكنّها تمضي وهذا مُخيّمٌ

وتكذبُ أحياناً وذا الدهر صادقُ

المتنبي:

كَبرّتُ حولَ ديارهم لمّا بدتْ

منها الشموسُ وليسَ فيها المشرقُ

وعجبتُ من أرضٍ سحابُ أكفّهم

من فوقها وصخورها لا تُورِقُ

وتفوحُ من طيبِ الثناءِ روائحٌ

لهمُ بكلِّ مكانةٍ تُستنشقُ

أمُريدَ مثل محمدٍ في عصرنا

لا تبلُنا بطلابِ ما لايُلحقُ

 

يا ذا الذي يهبُ الجزيلَ وعندَهُ

أني عليهِ بأخذةِ أتصدّقُ

أمطِرْ عليَّ سحابَ جودِكَ ثرّةً

وانظر إليَّ برحمةٍ لا أغرقُ

كذبَ ابنُ فاعلةٍ يقولُ بجهلهِ

ماتَ الكرامُ وأنتَ حيٌّ تُرزقُ

المتنبي:

فتىً كُلّ يوم تحتوي نفسَ مالهِ

رماحُ المعالي لا الردينيةُ السمرُ

تباعدَ ما بينَ السحابِ وبينهُ

فنائلها قطرٌ ونائلهُ غَمرُ

ولو تنزلُ الدنيا على حكم كَفّهِ

لأصبحت الدنيا وأكثرها نزرُ

المتنبي:

أستغفرُ الله لشخص مضى

كان نداهُ منتهى ذنبه

وكان من عدد إحسانه

كأنّهُ أفرط في سبّهِ

يريد من حب العلا عيشه

ولا يريد العيش من حبه

المتنبي:

فأنجمُ أموالهِ في النُحوسِ

وأنجمُ سُؤلهِ في السُعودِ

ولو لم أخف غير أعدائهِ

عليه لبشرّتهُ بالخلودِ

المتنبي:

أنتَ الذي سبكَ الأموالَ مكرُمةً

ثمَّ اتخذتَ لها السؤالَ خُزانا

عليكَ منكَ إذا أخليت مرتقِبٌ

لم تأتِ في السرِّ ما لم تأتِ إعلانا

المتنبي:

ولم بخلُ من أسمائهِ عودُ منبر

ولم يخلُ دينارٌ ولم يخلُ درهمُ

المتنبي:

ولم أرَ قبلي من مشى البحرُ نحوهُ

ولا رجلاً قامتْ تُعانقهُ الأُسْدُ

المتنبي:

أعدى الزمانَ سخاؤهُ فسخا بهِ

ولقد يكونُ به الزمانُ بخيلا

المتنبي:

كأنَّ نوالكَ بعضُ القضاءِ

فما تُعطِ منهُ نجدهُ جُدودا

المتنبي:

أصبحَ مالٌ كمالهِ لذوي الحاجةِ

لا يُبتدى ولا يُسَلُ

المتنبي:

إن حلَّ فارقتِ الخزائنُ مالَهُ

أو سارَ فارقت الجسومُ الروسا

المتنبي:

تتبّعَ أثارَ الرزايا بجودهِ

تتبُّعَ آثار الأسنةِ بالقتلِ

المتنبي:

لقد جُدْتَ حتى جدتَ في كل ملّةٍ

وحتى أتاكَ الحمدُ من كلِّ منطق

المتنبي:

جوادٌ على العلّاتِ بالمالِ كلّهِ

ولكنّهُ بالدارِ عينَ بخيل

المتنبي:

ما ينقضي لك في أيامه كرمٌ

ولا انقضى لك في أعوامه عُمرُ

المتنبي:

فتى كالسحابِ الجون يرجى ويُتقى

يُرّجى الحيا منه وتخشى الصواعق

المتنبي:

لا تطلبنَّ كريماً بعدَ رؤيتهِ

إنَّ الكِرامَ بأسخاهم يداً خُتموا

المتنبي:

ليسَ التعجبُ من مواهبِ مالهِ

بل من سلامتها إلى أوقاتها

المتنبي:

تركتُ السُّرى خلفي لمن قلَّ مالهُ

وأنعلتُ أفراسي بنعماك عسجدا

المتنبي:

وكُلّما لقيَ الدينارُ صاحبَهُ

في مُلكهِ افترقا من قبلِ يصطحبا

مكارِمٌ لكَ فُتَّ العالمينَ بها

من يستطيعُ لأمرٍ فائتٍ طلبا

المتنبي:

لقد جُدْتَ حتى جُدتَ في كلِّ مِلّةٍ

وحتى أتاكَ الحمدُ من كلِّ منطقِ

المتنبي:

يا مَنْ لِجودِ يديهِ في أموالهِ

نِقَمٌ تعودُ على اليتامى أنعُما

حتى يقولَ الناسُ ماذا عاقلاً

ويقولُ بيتُ المالِ ماذا مُسلما

المتنبي:

وإذا وكَلتَ إلى كريمٍ رأيَهُ

في الجودِ بانَ مذيقهُ من مَحضهِ

المتنبي:

ويُميتُ قبلَ قتالهِ ويبشُّ قبلَ

نوالهِ ويُيلُ قبلَ سؤالهِ

المتنبي:

وإذا غَنوا بعطائهِ عن هَزْهِ

والى فأغنى أن يقولوا والهِ

وكأنّما جدواهُ من إكثارهِ

حسدٌ لسائلهِ على إقلالهِ

غَربَ النجومُ فغُرنَ دونَ همومهِ

وطلعنَ حينَ طلعنَ دونَ منالهِ

المتنبي:

لا يعرفُ الرزء في مال ولا ولدِ

إلا إذا خفر الأضياف ترحال

المتنبي:

ظالمُ الجودِ كُلّما حلَّ ركبٌ

سِيمَ أن تحملَ البحارَ مزادُه

غمرتني فوائدٌ شاءَ فيها

أن يكون الكلامُ مما أفاده

ما سمعنا بمن أحبَّ العطايا

فاشتهى أن يكونَ فيها فؤادُه

المتنبي:

وأنكَ لا تجود على جوادٍ

هِباتُكَ أن يُلّقب بالجوادِ

المتنبي:

أمطِرهُ عليَّ سحابَ جُودكَ ثرَّةً

وانظرْ إليَّ برحمةٍ لا أغرَقُ

المتنبي:

لولا مفارقةُ الأحبابِ ما وجدتْ

لها المنايا إلى أرواحنا سُبُلا

المتنبي:

لا أستزيدُكَ فيما فيك من كرمٍ

أنا الذي نام إن نبّهتُ يقظانا

 

وحاشا لارتياحك أن يُبارى

وللكرم الذي لك أن يباقى

 

ولكنا نداعب منك قرماً

تراجعت القروم له حقاقا

 

 

أبو فراس الحمداني:

إن قصَّرَ الجُهدُ عن إدراكِ غايته

فأعذرُ الناسِ من أعطاكَ ما وجدا

أبو فراس الحمداني:

ويُصبحُ الضيفُ أولانا بمنزلنا

نرضى بذاكَ، ويمضي حكمُهُ فينا

أبو فراس:

أفضتَ عليه الجودَ من قبل هذه

وأفضلُ منه ما يؤّمله بعد

أبو فراس:

فإن عدتُ يوماً عاد للحربِ والندى

وبذل الندى والمجد أكرم عائدِ

أبو فراس:

وأفعالهُ للراغبينَ كريمةٌ

وأموالهُ للطالبينَ نِهابُ

أبو فراس:

بليثٍ ،إذا ما الليثُ حاد عن الوغى

وغيثٍ،إذا ما الغيثُ أكدتْ سواجمه

أبو فراس الحمداني:

كَفاني سطوةَ الدّهرِ

جوادٌ نسلُ أجوادِ

نماهُ خيرُ آباءٍ

نمتهم خيرُ أجدادِ

فما يصبو إلى أرضٍ

سوى أرضي وروّادي

وقاهُ الله فيما عاشَ

شرَّ الزمن العادي

أبو فراس:

أنتَ ليثُ الوغى،وحتفُ الأعادي

وغياثُ الملهوف والمستجير

أبو فراس:

أعزّ العالمين حِمى وجارا

وأكرم مستعان مستماح

أبو فراس الحمداني:

فإن عدت يوماً،عاد للحربِ والعلا

وبذل النّدى،والجود،أكرم عائدِ

مريرٌ على الأعداء،لكن جاره

إلى خصب الأكنافِ،عذبُ المواردِ

أبو فراس الحمداني:

وندعو كريماً من يجودُ بمالهِ

ومن يبذُلِ النفسَ الكريمةَ أكرمُ

أبو فراس الحمداني:

يا باذلَ النَّفسِ والأموالِ مُبتسماً

أما يَهولُكَ لا موتٌ ولا عَدَمُ؟

نشدُتكَ بالله لا تسمحْ بنفسِ عُلاً

حياةُ صاحبها تحيا بها الاُمَمُ

أبو فراس:

ولا راحَ يُطغيني بأثوابهِ الغنى

ولا باتَ يثنيني عن الكَرَمِ الفقرُ

أبو فراس الحمداني:

يا مُنفقَ المال،لا يُريدُ بهِ

إلا المعالي التي يؤّثلها

أصبحت تشري مكارماً فُضلاً

فداؤنا،وقد علمت أفضلها

لا يقبل الله منك فرضك ذا

نافلةً عندهُ تُنّفلها

أبو فراس الحمداني:

المشتري الحمدَ بأموالهِ

والبائع النائلَ بالنائلِ

دانٍ إلى سُبل الندى والعلا

الأسدُ الباسلُ والعارضِ الهطلِ

ناءٍ عن الفحشاءِ والباطلِ

عند الزمن الماحلِ

أبو فراس:

يا سيداً ما تُعَدَّ مكرمةً

إلا وفي راحتيك أكملها

ليست تنال القيود من قدمي

وفي اتباعي رضاك أحملها

لا تتيَّمْ والماء تدركه

غيرك يرضى الصغرى ويقبلها

أبو فراس:

وما أدعي ما يعلم الله غيره

رحابعليللعفاة رحاب

وأفعالهُ للراغبين كريمة

وأموالهُ للطالبين نهاب

أبو فراس:

ولستُ بجهمِ الوجهِ في وجهِ صاحبي

ولا قائلٍ للضيف:هل أنتَ راحِلُ؟

ولكن قِراهُ ما تشّهى، ورِفدهُ

ولو سأل الأعمارَ ما هو سائلُ

أبو فراس :

ولا والله ما بخلت يميني

ولا أصبحتُ أشقاكم بمالي

ولا أمسي يُحكّم فيه بعدي

قليلُ الحمدِ،لي سوء الفعالِ

ولكني سأفنيه،وأفني

ذخائر من ثوابٍ أو كمالِ

أبو فراس الحمداني:

ليس جُوداً عطيةً بسؤال

قد يهزُّ السؤالُ غير الجوادِ

إنّما الجودُ ما أتاكَ ابتداءً

لم تَذُقْ فيه ذلّة التردادِ

أبو فراس:

أنا الجارُ لا زادي بطيء عليهم

ولا دون مالي في الحوادث باب

 

أبو فراس الحمداني:

لو كانَ يفدي معشرٌ هالكاً

فداهُ من حافٍ ومن ناعلِ

فكم حشا قبرك من راغبٍ

وكم حشا تربك من آملِ

 

بشار بن برد:

قومٌ لهم كرمُ الإخاءِ وعزّة

لا يمكنون بها الظلامة صيدا

تأبى قلوبهم المذلّة والخنا

وأبتْ أكفُّهم البحورُ جُمودا

فطنٌ لمعروفٍ وإن لم يفطنوا

للغيِّ يعرفهُ الخليلُ معيدا

وترى عليهم نضرةً ومهابةً

شرفاً وإن ملكوا أمنت وعيدا

بشار بن برد:

أيُّها السائلي عن الحزمِ والنجدةِ

والبأسِ والندى والوفاءِ

إنّ تلكَ الخلال عند ابن سلم

ومزيدٌ من مثلها في الغَناءِ

كخراجِ السماءِ سيبُ يديهِ

لقريبٍ ونازحِ الدارِ ناءِ

حرّمَ الله أن ترى كابن سلم

عُقبةِ الخيرِ مُطعمُ الفقراء

بشار بن برد:

لعمرُكَ لقد أجدى على ابن برمكٍ

وما كلُّ من كانَ الغنى عنده يُجدي

حلبتُ بشعري راحتيهِ وقد رنا

سماحاً كما درَّ السّحابُ على الرعدِ

بشار:

متوازنون على المحامدِ والندى

لا يحسبون غنىً يديم خلودا

بشار:

أخالدُ إنَّ الحمدَ يبقى لأهلهِ

جمالاً ولا تبقى الكنوزُ على الكَدِّ

فأطعم وكل من عارةٍ مُستردةٍ

ولا تبقها إن العواريَ للردِ

بشار:

لا يحقب القطر إلا فاضَ نائلهُ

ولا تزلزلَ إلا خلته يقِر

بشار:

يطوفُ العُفاةُ بأبوابهِ

كطوافِ الحجيجِ ببيتِ الحرم

بشار بن برد:

لعمري لقد أجدى عليَّ ابنُ بَرْمكٍ

وما كلُّ من كانَ الغِنى عندَهُ يُجدي

حلبتُ بشعري راحتيهِ فدرّتا

سماحاً كما درَّ السحابُ مع الرّعدِ

بشار

حرّمَ الله أن ترى كابن سَلْمٍ

عُقبةِ الخيرِ مُطعمِ الفقراءِ

إنّما لذّةُ الجوادِ ابنِ سَلْمٍ

في عطاءٍ ومركبٍ للقاءِ

ليسَ يُعطيكَ للرجاءِ ولاالخو

لا يهابُ الوغى ولا يعبدُ المالَ

فِ ولكن يلذُّ طعمَ العطاءِ

ولكن يُهينهُ للثناء

بشار بن برد:

لما رآني بدتْ مكارمهُ

نوراً على وجههِ وما اكتأبا

كأنّما جئتهُ أبشّرهُ

ولم أجىء راغباً ومختلبا

بشار بن برد:

دعاني إلى عُمرٍ جُودُهُ

وقولُ العشيرةِ بَحرٌ خِضَمْ

ولولا الذي زعموا لم أكنْ

لأحمدَ رَيحانةً قبلَ شَمّْ

بشار:

لا يهابُ الوغى ولا يَعبدُ

المالَ ولكن يُهينهُ للثناءِ

أرْيحيٌّ لهُ يدٌ تُمطِرُ النَيلَ

وأخرى سُّمٌّ على الأعداءِ

بشار بن برد:

إلى فتىً تسقي يداهُ النّدى

حيناً وأحياناً دمَ المُذنبِ

إذا دنا العيشُ فمعروفهُ

دان بعيش القانع المتربِ

بشار بن برد:

ليسَ يُعطيكَ للرجاء ولا الخو

فِ ولكن يَلذُّ طعمَ العطاء

يسقطُ الطير حيث يَنتثرُِ الح

بُّ وتغُشى منازِلُ الكرماء

بشار بن برد:

أنفِقِ المالَ ولا تشقَ بهِ

خيرُ ديناريكَ دينارٌ نَفَقْ

بشار بن برد:

إنّ الكريمَ ليُخفي عنكَ عُسرتهُ

حتى تراهُ غنياً وهو مجهودُ

إذا تكّرهتَ أن تعطي القليلَ ولم

تقدر على سَعةٍ لم يظهر الجودُ

أورقْ بخيرٍ تُرَجّى للنوالِ فما

تُرجى الثمارُ إذا لم يُورِقِ العودُ

بُثَّ النوال ولا تمنعكَ قِلتهُ

فكلُّ ما سدَّ فقراً فهو محمودُ

بشار بن برد:

لقد كنتُ لا أرضى بأدنى معيشةٍ

ولا يشتكي بُخلاً عليَّ رفيقُ

خليليَّ إنَّ المالَ ليس بنافعٍ

إذا لم ينلْ منهُ أخٌ وصديقُ

بشار بن برد:

إذا جئتَهُ للحمدِ أشرقَ وجههُ

لهُ نِعَمٌ في القومِ لا يستثيبها

إليكَ وأعطاكَ الكرامةَ بالحمدِ

جزاءً وكَيلَ التاجرِ المدُّ بالمُدِّ

مفيدٌ ومتلافٌ سبيلُ تُراثُه

لمستُ بكفّي كَفّهُ أبتغي الغنى

فلا أنا منهُ ما أفادَ ذوو الغنى

إذا ما غدا أو راحَ كالجَزرِ والمدِّ

ولم أدرِ أن الجودَ من كفّهِ يُعدي

أفدتُ وأعداني فأتلفتُ ما عندي

بشار:

فلا يُسرُّ بمال لا يجود به

وليسَ يقنع إلا بالذي يهبُّ

بشار:

وما ضاعَ مالٌ أورثَ الحمدَ أهلهُ

ولكنَّ أموالِ البخيلِ تضيعُ

بشار بن برد:

تَعوّدَ أخذَ الحمدِ منا بمالهِ

وكلُّ امرىءٍ جارٍ على ما تعوّدا

يجودُ لنا لا يمنعُ المال باخلاً

كذلكَ تلقى الهاشميّ إذا غدا

ولا اليومَ إن أعطاكَ مانِعهُ غدا

جواداً وإن عاودتهُ كانَ أجودا

بشار بن برد:

فجزى الله عن أخيكَ ابنَ سِلمٍ

حينَ قلَّ المعروفُ خيرَ الجزاءِ

صنعتني يداهُ حتى كأنّي

ذو ثراءٍ من سرِّ أهلِ الثراءِ

لا أُبالي صفحَ اللئيمِ ولا تجري

دموعي على الخؤونِ الصفاءِ

وكفاني أمراً أبرَّ على البخلِ

بكفٍّ محمودةٍ بيضاء

بشار بن برد:

أيُّها السائلي عن الحزمِ والنجدةِ وال

بأسِ والندى والوفاء

إن تلكَ الخللَ عند ابن سلمٍ

ومزيداً من مثلها في الغَناء

كخراج السماء سيبُ يديه

لقريبٍ ونازح الدار ناء

حرّمَ الله أن ترى كابنِ سلمٍ

عُقبةِ الخيرِ طعم الفقراء

بشار بن برد:

أخالدُ لم أخبطْ إليك بنعمة

سوى أنني عافٍ وأنتَ جوادُ

فإن تعطني أفرغ إليك محامدي

وإن تأبَ لا يُضرَبْ عليك سِدادُ

أخالِدُ بينَ الأجرِ والحمد حاجتي

فأيّهما تأتي فأنت عِمادُ

وما خابَ بينَ الأجرِ والحمدِ عاملٌ

لهُ منهما عندَ العواقبِ زادُ

بشار بن برد:

كأنَّ لهم دَيناً عليه وما لهم

سوى جود كفيه عليه حقوق

 

 

 

أبو تمام:

ونغمة مُعْتَفٍ يرجوه أحلى

على أذنيه من نغم السماع

جعلت الجود لألاء المساعي

وهل شمسٌ تكون بلا شعاع؟

ولم يحفظ مَضاعَ المجد شيء

من الأشياء كالمال المضاع

ولو صورت نفسك لم تزدها

على ما فيك من كرم الطباع

أبو تمام:

هيهاتَ لا ينأى الفخارُ وإن نأى

أنّى يفوتُكَ ما طلبتَ وإنّما

عن طالب كانت مطيتهُ النّدى

وطراكَ أن تُعطي الجزيلَ وتُحمدا

لما زهدتَ زهدتَ في جمع الغنى

ولقد رغبتَ فكنتَ فيه أزهدا

فالمالُ إن ملتَ ليس بسالمٍ

من بطشِ \جودِكَ مُلحاً أو مُفسدا

ولأنتَ أكرمُ من نوالكَ محتدا

ونداكَ أكرمُ من عدوكَ محتدا

لا تعدمنّكَ طيءٌ فلقلّما

عدِمتْ عشيرتُكَ الجوادَ السيّدا

أبو تمام:

أبا سعيدٍ تلاقتْ عندكَ النِعَمُ

فأنتَ طودٌ لنا مُنجٍ ومُعتصَمُ

لا زالَ جودُكَ يخشى البخلُ صولتَهُ

وزالَ عودُكَ تسقي روضهُ الديمُ

أشرفتُ منكَ على بحرِ الغنى ويدي

يجولُ في مستواها الفقرُ والعدَمُ

أحرمتُ دونكَ خوفَ النائباتِ فما

شككتُ إذ قُمتَ دوني أنّكَ الحرمُ

أبو تمام:

مفيدُ جزلِ المال معطي جزلهِ

يحويه من حرامهِ وحلهِ

ويجعلُ النائلَ أدنى سُبلهِ

وبلدٍ نائي المحلّ محلهِ

أبو تمام:

فتىً لم يَقُمْ فرداً ليومِ كريهةٍ

ولا نائلٍ إلا كفى كلَّ قاعدِ

ولا اشتدتِ الأيامُ إلا لأنها

أشمُّ شديدُ الوطءِ فوقَ الشدائدِ

أبو تمام:

كريمٌ إذا زرناهُ لم يقتصر بنا

على الكرِ المولودِ أو يتكرما

أبو تمام:

وتبصرّي خببَ الرّكابِ ينصُّها

مُحيّ القريض إلى مُميتِ المالِ

أبو تمام:

أقولُ لمرتادِ الندى عند مالكٍ

تعوّد بجدوى مالكٍ وصلاتهِ

فتىً جعلَ المعروفَ من دونِ عرضهِ

سريعاً إلى المُمتاحِ قبل عِداتهِ

ولو قصرّت أموالهُ عن سماحةٍ

لقاسمَ من يرجوهُ شطرَ حياتهِ

ولو لم يجد في قسمةِ العمر حيلةً

وجازَ له الإعطاءُ من حسناته

لجادَ بها من غير كفرٍ بربّه

وآساهم من صومهِ وصلاتهِ

أبو تمام:

إذا أحسنَ الأقوامُ أن يتطولوا

بلا مِنّةٍ أحسنتَ أن تتطولا

وجدناكَ أندى من رجالِ أناملا

وأحسنَ في الحاجاتِ وجهاً وأجملا

تُضيءُ إذا اسودَّ الزمان وبعضهم

يرى الموتَ أن ينهلَّ أو يتهللا

أبو تمام:

أادريسُ ضاعَ المجدُ بعدك كلُّهُ

ورأيُّ الذي يرجوهُ بعدكَ أضيعُ

وتبسطُ كفاً في الحقوقِ كأنّما

أناملُها في الجودِ والبأس أذرعُ

أبو تمام:

وما كانَ إلا مالَ من قلَّ مالُهُ

وذُخراً لمن أمسى وليسَ لهُ ذُخرُ

وما كانَ يدري مُجتدي جودِ كفّهِ

إذا ما استهلّتْ أنّهُ خُلِقَ العُسرُ

أبو تمام:

ما جادَ جودك ‘ذ تعطي بلا عدةٍ

ما يرتجى منكَ لا كعبٌ ولا هرِمُ

أبو تمام:

كمْ وَقعةٍ لكَ في المكارمِ فخمةٍ

غادرتَ فيها ما ملكتَ فتيلا

أبو تمام:

لن ينالَ العلا خصوصاً من الفتيان

من لم يكنْ نداهُ عموما

أبو تمام:

فعلمنا أن ليسَ إلا بِشقِّ النفس

صارَ الكريمُ يُدعى كريماً

أبو تمام:

كِرامٌ لا يرونَ العُسرَ فقراً

وفي العرض الغنى والإفتقار

أبو تمام:

لا كانت الآمال يكفُلُ نجحها

كرم يريكَ تجهماً وقطوبا

أبو تمام:

أبى قدرنا في الجودِ إلا نباهة

فليسَ لمالٍ عندنا أبداً قدرُ

أبو تمام:

أوطأتَ أرضَ البُخلِ فيها غارةً

تركتْ حُزونَ الحادثاتِ سُهولا

فرأيتَ أكثرَ ما حبوتَ من اللّهى

نَزْراً وأصغرَ ما شُكرتَ جزيلا

لم يترك في المجد من جعل النّدى

في مالهِ للمُعتفين وكيلا

أو ليسَ عمروٌ بثّ في الناسِ النّدى

حتى اشتهينا أن نُصيبَ بخيلا

أبو تمام:

بدرٌ إذا الإحسانُ قُنِّع لم يزلْ

وجهُ الصّنيعة عنده مكشوفا

وإذا غدا المعروفُ مجهولاً غدا

معروف كفّك عنده معروفا

أبو تمام:

قد كساني من كسوة الصيف خِرْقٌ

مُكتسٍ من مكارمٍ ومساعِ

سوف أكسوكَ ما يفوق عليه

من ثناءٍ كالبُردِ بُردِ الصّاعِ

حُسن هاتيكَ في العيون وهذا

حسنهُ في القلوبِ بالأسماعِ

أبو تمام:

جزى الله كفّاً ملؤها من سعادةٍ

سعتْ في هلاكِ المال والمالُ نائمُ

فلم يجتمع شرقٌ وغربٌ لقاصدٍ

ولا المجدُ في كفِّ امرىءٍ والدراهمُ

أبو تمام:

إلى سالمِ الأخلاقِ من كلِّ عائبٍ

وليسَ له مالٌ على الجودِ سالِمُ

جديرٌ بأن لا يُصبحَ المالُ عندَهُ

جديراً بأن يبقى وفي الأرضِ غارِمُ

وليسَ ببانٍ للِعلى خُلُقُ امرىءٍ

وإن حلَّ إلا وهو للمالِ هادِمُ

أبو تمام:

كَرُمتْ راحتاهُ في أزماتٍ

كانَ صوبُ الغمامِ فيها لئيما

لا رُزِيناهُ ما ألذَّ إذا هُزَّ

وأندى كفاً وأكرمَ خيما

وأحقُّ الأقوامِ أن يقضي الدينَ

امرؤٌ كان للإله غريما

في طريقٍ قد كانَ قبلُ شراكاً

ثم لمّا علاهُ صارَ أديما

أبو تمام:

وكم مشهدٍ أشهدتَهُ الجودَ فانقضى

ومجدُكَ يُستحيا ومالُكَ يُقتلُ

بلوناكَ أمّا كعبُ عِرضكَ في العُلى

فعالٍ ولكن خدُّ مالكَ أسفلُ

أبوكَ شقيقٌ لم يزلْ وهو للندى

شقيقٌ وللملهوفِ حِرزٌ ومَعقِلُ

أفادَ من العليا كنوزاً لو أنّها

صوامتُ مالٍ وما درى أين تُجعلُ

أبو تمام:

تنّصب البرقُ مختالاً فقلت له:

لو جُدتَ جودَ بني يزدان لم تزد

أبو تمام:

مازالَ يهذي بالمكارمِ والنّدى

حتى ظننا أنّهُ محمومُ

 

أبو تمام:

يا أيُّها الملكُ النائي برؤيتهِ

وجودُهُ لمرجي جودهِ كثبُ

ليسَ الحجابُ بِمقُصٍ عنكَ لي أملاً

إنَّ السماءَ تُرّجى حينَ تحتجبُ

ما دونَ بابكَ لي بابٌ ألوذُ به

ولا وراءكَ لي مثوىً ومطلبُ

يا خيرَ من سمعتْ أذنٌ به ورأت

عينٌ ومن وردتْ أبوابَهُ القربُ

أما السكوتُ فمطويٌّ على عِدَةٍ

وفي كلامكَ غُرُّ المالِ يُنتهبُ

أبو تمام:

أبا دلفٍ لم يبقَ طالبُ حاجةٍ

من الناسِ غيري والمحلُّ جديبُ

يسرُكَ أني أُبتُ عنكَ مَخيباً

ولم يُرَ خَلْقٍ من جَداكَ يخيبُ؟

وأنّي صيّرتُ الثناءَ مذمةً

وقام بها في العالمينَ خطيبُ

فإن نلتُ ما أملتُ فيكَ فإنني

جديرٌ وإلا فالرحيلُ قريبُ

أبو تمام:

إذا قال أهلاً مرحباً نبعتْ لهم

مياهُ الندى من تحتِ أهلٍ ومرحبِ

أبو تمام:

لهُ رياضُ ندىً لم يُكْبِ زهرتها

مدى العفاةِ فلم تحلل به قدمٌ

خَلفٌ ولم تتبخترْ بينها العللُ

إ

إذا اخلعَ الليلُ النهار رأيتها

ما إن يُبالي إذا حلّى خلائقهُ

بجودهِ أيُّ فطريهِ حوى العطَلُ

كأنَّ أموالهُ والبذلُ يمحقها

نهبٌ تعسفهُ التبذيرُ أو نفلُ

شرسْتَ بل لِنْتَ بل قانيتَ ذاك بذا

فأنتَ لا شكَ فيكَ أنتَ السهلُ والجبلُ

أبو تمام:

ليسقم الدهرُ أو تصحح مودّتهُ

فاليومَ أوّلَ يومٍ صحَّ لي أمَلُ

أدنيتُ رحلي إلى مُدْنٍ مكارِمَهُ

إليَّ يهتبلُ اللذّ حيثُ أهتبلُ

يحميه حزمٌ لِحزمِ البُخلِ مُهتضِمٌ

جوداً وعرضٌ لعرضِ المالِ مبتذلُ

أبو تمام:

لا مُلبِسٌ مالَهُ من دونِ سائلهِ

ستراً ولا ناصِبُ المعروفِ للعذلِ

لا شمسهُ جمرةٌ تُشوى الوجوهُ بها

يوماً ولا ظلّهُ عنا بِمنتقلِ

تحولُ أموالهُ عن عهدها أبداً

ولم يَزُلْ قطّ عن عهدٍ ولم يَحُلِ

أبو تمام:

مضوا وكأن المكرمات لديهم

لكثرةِ ما أوصوا بهنّ شرائِعُ

فأيّ يد في المحل مُدت فلم يكن

لها راحة من جودهم وأصابعُ

هم استودعوا المعروف محفوظ مالنا

فضاعَ وما ضاعتْ لدينا الودائعُ

أبو تمام:

ملكٌ إذا الحاجاتُ لِذنَ بحفوهِ

صافحنَ كفَّ نوالهِ المُتيسرِ

أبو تمام:

أما أبو بِشْرٍ فقد أضحى الورى

كلاً على نفحاتهِ ونوالهِ

فمتى تُلِمَّ به تؤبُ مُستيقناً

أن ليسَ أولى من سِواهُ بمالهِ

كرمٌ يزيدُ على الكرامِ وتحتهُ

أدبٌ يُفكُّ القلبَ من أغلالهِ

أبو تمام:

محمدُ يا بن المستهلّ تهللتْ

عليكَ سماءٌ من ثنائي تهطلُ

وكم مشهدٍ أشهدتهُ الجودَ فانقضى

ومجدُكَ يُستحيا ومالُكَ يقتلُ

أبو تمام:

تَعِبُ الخلائقِ والنّوالِ ولم يكن

بالمُستريحِ العِرْضِ من لم يتعبِ

بشحوبهِ في المجدِ أشرقَ وجهُهُ

لا يستنيرُ فعالَ من لم يَشحُبِ

بحرٌ يَطمُّ على العُفاةِ وإن تتهِجْ

ريحُ السؤالِ بموجهِ يغلولبِ

والشّولُ ما حُلبِتْ تدفق رِسلُها

وتجفُّ درّتها إذا لم تُحّلبِ

أبو تمام:

بحرٌ من الجودِ يرمي موجَهُ زَبداً

لولا ابن حسانَ ماتَ الجودُ وانتشرتْ

حبابهُ فضةٌ زينت بعقيانِ

مناحِسُ البخلِ تطوي كل إحسانِ

لمّا تواترتِ الأيامُ تعبثُ بي

وأسقطت ريحُها أوراقَ أغصاني

وصلتُ كفَّ مُنىً بكفِ غِنىً

فارقتُ بينهما همّي وأحزاني

حتى لبستُ كسى لليُسرِ تنشرها

على اعتساري يدٌ لم تسهُ عن شأني

 

يدٌ من اليُسرِ قدّتْ حلتي عسري

حتى مشى عُسري في شخص عريانِ

وصالحتني الليالي بعدما رجحتْ

على سروري غمومي أيَّ رجحانِ

فاليومَ سالمني دهري وذكرني

من المدائحِ ما قد كانَ أنساني

ثم انتضتْ للِعدا الأيامُ صارِمها

واستقبلتها بوجهٍ غيرِ حُسّانِ

أبو تمام:

جودٌ كَجودِ السّيلِ إلا أن ذا

كَدرٌ وأنَّ نداكَ غيرُ مُكَدّرِ

أبو تمام:

أغرُّ يداهُ فرضتا كلِّ طالبٍ

وجدواهُ وقفٌ في سبيلِ المحامدِ

أبو تمام:

افخر بجودكَ دونَ فخركَ إنّما

جدواكَ تنشرُ عنكَ ما لم تنشر

أبو تمام:

أسائِلَ نصر لا تسلهُ فإنّهُ

أحنُّ إلى الأرفادِ منك إلى الرفدِ

أبو تمام:

يُعطي عطاءَ المُحسنِ الخضل النّدى

ومُرحبٍ بالزائرينَ وبِشرُهُ

عفواً ويعتذِرُ اعتذارَ المُذنبِ

يُغنيكَ عن أهلٍ لديهِ ومرحبِ

يغدو مؤّلهُ إذا ما حطّ في

سلسَ اللّبانةِ والرجاءِ ببابهِ

أكنافهِ رحلَ المُكلِ المُلغبِ

كتبَ المنى مُمتّدَ ظل المطلبِ

الجدُّ شيمتهُ وفيه فكاهةٌ

سجعٌ ولا جدُّ لمن لم يلعبِ

شرسٌ،ويُتبِعُ ذاكَ لينَ خليقةٍ

لا خيرَ في الصّباءِ مالم تُقطبِ

أبو تمام:

صدفتُ عنهُ فلم تصدفْ مودّتهُ

عني وعاودهُ ظنّي،فلم يَخبِ

كالغيثِ إن جئتهُ وافاكَ ريَقهُ

وإن تحملّت عنهُ كانَ في الطلبِ

أبو تمام:

لآلِ سهلٍ أكفٌّ كُلّما اجتُديتْ

فعلنَ في المَحْلِ ما لا تفعلُ الدَيمُ

قومٌ تراهُمْ غيارى دونَ مجدهمُ

حتى كأنَ المعالي عندهم حُرَمُ

أبو تمام:

فتىً ما يُبالي حينَ تجتمعُ العُلى

لهُ أن يكونَ المالُ في السحقِّ والبعدِ

فتىً جودهُ طبعٌ فليسَ بحافلٍ

أفي الجورِ كان الجودُ منه أو القصدِ

أبو تمام:

أنضرتْ أيكتي عطاياكَ حتى

صارَ ساقاً عُودي وكانَ قضيبا

مُمطراً لي بالجاهِ والمالِ لا

ألقاكَ إلا مُستوهباً أو وهوبا

أبو تمام:

سهلن عليكَ المكرمات فوصفها

علينا إذا ما استجمعت فيك أسهلُ

أبو تمام:

قومٌ إذا هطلت جوداً أكفّهمُ

علمتَ أنَّ الندى مُذْ كانَ في اليمنِ

أبو تمام:

لا جودَ في الأقوامِ يُعلَمُ ما خلا

جوداً حليفاً في بني عتابِ

متدفقاً صقلوا به أحسابُهمْ

إنّ السماحةَ صَيقلُ الأحسابِ

أبو تمام:

رأيتُكَ للسَّفرِ المُطّردِ غايةً

سألتُكَ ألا تسألَ الله حاجةٍ

يؤمونها حتى كأنّكَ منهلُ

سوى عَفوهِ ما دُمتَ تُرجى وتُسألُ

وإياكَ لا إيايَ أمدحُ مثلما

عليكَ يقيناً لا عليَّ المعولُ

ولستَ ترى أنَّ العُلى لكَ عندما

تقولُ ولكنَّ العُلى حينَ تفعلُ

ولا شكَّ أنَّ الخيرَ منكَ سجيةٌ

ولكنَّ خيرَ الخيرِ عندي المُعجّلُ

أبو تمام:

ما زلت ترغب في الندى حتى بدتْ

للراغبين زهادة في العسجدِ

فإذا ابتنين بجود يومكَ مفخراً

عصفت به أرواح جودكَ في غدِ

أبو تمام:

تضاءلَ الجودُ مُذْ مُدّتْ إليكَ يدٌ

من بعضِ أيدي الضنى واستأسدَ البَخَلُ

لم يبقَ في صدرِ راجي حاجةٍ أملٌ

إلا وقد ذابَ سُقماً ذلكَ الأملُ

أبو تمام:

اشدُدْ يديكَ بحبلِ نوحٍ مُعتصماً

تلقاهُ حبلاً بالندى موصولا

ذاكَ الذي إن كانَ خِلُّكَ لم تَقُلْ

يا ليتني لم أتخذهُ خليلا

أبو تمام:

قُلْ للأميرِ أبي سعيدٍ ذي الندى

والمجدِ زادَ الله في إكرامهِ

أنتَ المُباري الريحَ في نفحاتها

والمُستهينُ مع الندى بملامهِ

فمن أينَ أرهبُ أن يراني راجلاً

أحدٌ وما أرجو سوى أيامهِ

قسمَ الحياءُ على الأنام جميعهم

وتقسّمَ الناسُ السخاءَ مجزاً

فذهبتَ أنت فقدتهُ بزمامهِ

وذهبتَ أنت برأسهِ وسنامهِ

وتركتَ للناس الإهابَ وما بقى

من فرثهِ وعروقهِ وعظامهِ

أبو تمام:

وإذ أنا ممنونٌ عليَّ ومُنعَمٌ

فأصبحتُ من خضراء نعماكَ مُنعما

ومنْ خدمَ الأقوامَ يرجو نوالهم

فإني لم أخدمكَ إلا لأخدما

أبو تمام:

قُلْ للأمير تجدْ للقولِ مضطربا

وتلاقَ في كنفيهِ السهلَ والرّحبا

فداءُ نعلكَ معطى حظ مكرمةٍ

أصغى إلى المَطلِ حتى باعَ ما وهبا

أبو تمام:

رأيتُ لِعيّاشٍ خلائقَ لم تكن

لتكملَ إلا في اللّبابِ المُهذّبِ

لهُ كرمٌ لو كانَ في الماءِ لم يَغضْ

وفي البرقِ ما شامَ امرؤٌ بَرْق خُلّبِ

أخو أزماتٍ،بذلهُ بذلُ محسنٍ

إلينا ولكن عذرهُ عُذرُ مُذنبِ

أبو تمام:

لا شيء أحسنُ من ثنائي سائراً

ونداكَ في أفقِ البلادِ يسايرهُ

وإذا الفتى المأمولُ أنجحَ عقلَهُ

في نفسهِ ونداهُ أنجحَ شاعرِه

أبو تمام:

قد بلونا أبا سعيدٍ حديثاً

وبلونا أبا سعيدٍ قديما

ووردناهُ ساحلاً وقليباً

ورعيناهُ بارضاً وجميماً

فعلمنا أن ليسَ إلا بشقِّ النفسِ

صار الكريمُ يُدعى كريماً

أبو تمام:

للهِ أفعالُ عياشٍ وشيمتهُ

يزدَنهُ كرماً إن ساسَ أو سيسا

ما شاهدَ اللبسَ إلا كان متضحاً

ولا نأى الحقّ إلا كانَ ملبوساً

فاضتْ سحائبُ من نعمائهِ فطمتْ

نُعماهُ بالبؤسِ حتى اجتثتِ البؤسا

يحرسن بالبذلِ عرضاً ما يزالُ

من الآفات بالنفحاتِ الغرِّ محروسا

أبو تمام:

وكان لهم غيثاً وعِلماً فمعدِمٍ

فيسأله أو باحثٍ فيسائله

ومُبتدَرُ المعروفِ تسري هِباتهُ

إليهم ولا تسري إليهم غوائلهُ

فتىً لم تكن تغلي الحقودُ بصدرهِ

وتغلي لأضيافِ الشتاءِ مراجِله

مليكٌ لأملاكٍ تُضيفُ ضيوفهُ

ويُرجى مرجَيه ويُسألُ سائله

أبو تمام:

فتىً تراهُ فتنفي العُسرَ غُرّتهُ

يمناً وينبعُ من أسرارها اليُسرُ

فدىً له مُقشعِرٌّ حين تسألهُ

خوفَ السؤالِ كأنَّ في جلدهِ وبرُ

أنى ترى عاطلاً منحلي مكرمةٍ

وكلَّ يومٍ تُرى في مالكَ الغِيَرُ

لله درُّ بني عبد العزيز فكم

أردوا عزيزِ عدىً في خدّهِ صعرُ

أبو تمام:

يفدي أبا العباسِ من لم يفدهِ

من لائميهِ جِذْمُهُ وعناصره

مستنفرٌ للمادحينَ،كأنّما

آتيه يمدحهُ أتاهُ يفاخره

ماذا ترى فيمن رآك لمدحهِ

أهلاً وصارت في يديك مصايره

أبو تمام:

ما يُحسنُ الدهرُ أن يسطو على رجلٍ

إذا تعلّقَ حبلاً من أبي حَسَنِ

كم حالَ فيضُ نداهُ يومَ مُعضلةٍ

وبأسهُ بينَ من يرجوهُ والمِحنِ

كأنني يومَ جردتُ الرجاءَ لهُ

عَضباً أخذتُ به سيفاً على الزمنِ

أبو تمام:

شهدتُ لقد لبست أبا سعيدٍ

مكارمَ تبهرُ الشرفَ الطُّوالا

إذا حرَّ الزمانُ جرت أيادي

نداهُ فغشتِ الدنيا ظلالا

وإن نَفسُ امرىءٍ دَقّتْ رأينا

بعرضه جوده كرماً جلالا

أبو تمام:

كريمٌ إذا ألقى عصاهُ مُخَيماً

بأرضٍ فقد ألقى بها رحلةُ المجدِ

فتىً لا يرى بُداً من البأسِ والندى

ولا شيء إلا منهُ غيرهما بدُّ

أبو تمام:

أنضرتْ أيكتي عطاياكَ حتى

صار سوقاً عُودي وكان قضيبا

مُمطراً لي بالجاهِ والمالِ لا

ألقاكَ إلا مستوهباً أو وهوباً

باسطاً بالندى سحائبَ كفٍّ

بنداها أمسى حبيبٌ حبيباً

أبو تمام:

لا يُتبعُ المَنَّ ما جادتْ يداهُ بهِ

ولا تحكمُ في معروفهِ العِللُ

ما قالَ كانَ إذا ما القومُ أكذبَ ما

أطالَ من قولهم تقصيرُ ما فعلوا

أبو تمام:

وما سافرتُ في الآفاق إلا

ومن جدواك راحلتي وزادي

أبو تمام:

وفتكت بالمالِ الجزيلِ وبالعدا

فتكَ الصّبابةِ بالمُحبِّ المغرمِ

أبو تمام:

رأى البُخلَ من كلِّ فظيعاً فعافَهُ

على أنّهُ منهُ أمرُّ وأفظعُ

 

وما كنتُ أدري يعلمُ الله قبلها

بأنَّ النّدى في أهلهِ يتشيّعُ

 

أبو تمام:

سبقَ الدهرَ بالتلادِ ولم ينتظرِ

النائباتِ حتى تنوبا

فإذا ما الخطوبُ أعفتهُ كانت

راحتاهُ حوادثاً وخطوبا

أبو تمام:

إن حنَّ نجدٌ وأهلوهُ إليكَ فقد

مررتَ فيه مرورَ العارضِ الهطلِ

أبو تمام:

فهو مُدنٍ للجودِ وهو بغيضٌ

وهو مُقصٍ للمالِ وهو حبيبُ

أبو تمام:

وفدتْ إلى الآفاق من نفحاته

نِعم تسائل عن ذوي الإقتارِ

أبو تمام:

لئن كنت أخطو ساحة المَحْل إنني

لأترك روضاً من جَداكَ وجدولا

أبو تمام:

أنضرتْ أيكتي عطاياكَ حتى

عادَ غصني ساقاً وكان قضيباً

أبو تمام:

فتى تريشُ جناحَ الجودِ راحتهُ

حتى يخالَ بأن البخل لم يكنِ

وتشتري نفسهُ المعروفَ بالثمنِ

الغالي ولو أنّها كانت من الثمنِ

أموالهُ وعِداهُ من مواهبهِ

وبأسهُ يطلبونَ الدهرَ بالإحنِ

أبو تمام:

لو يعلمُ العافونَ كم لك في الندى

من فرحةٍ وقريحة لم تخمدِ

أبو تمام:

وطئت خزون الجود حتى خلتها

فجرت عيوناً في متونِ الجلمدِ

أبو تمام:

تكادُ عطاياهُ يُجنُّ جُنونُها

إذا لم يُعَوِّها بنعمةِ طالبِ

تكادُ مغانيه تَهَشُّ عِراصُها

فتركب من شوقٍ إلى كلِّ راكبِ

 

أبو تمام:

للجودِ بابٌ في الأنامِ ولم تزلْ

يُمناكَ مفتاحاً لذاكَ الباب

أبو تمام:

جودٌ مشيتَ به الضّراءَ تواضعاً

وعظُمتَ عن ذكراه وهو عظيمُ

أخفيتهُ فخفيتهُ وطويته

فنشرتهُ والشخص عنه عميمُ

أبو تمام:

ما يُبالونَ إذا ما أفضلوا

ما بقي من مالهم أو ما هلكْ

عُقِلتْ ألسنتهمْ عن قولِ:لا

فهي لا تعرف إلا:هُوَ لكْ

منهمُ موسى جوادٌ ماجدٌ

لا يرى ما لم يهبْ ممَا ملكْ

زيّنوا الأرضَ كما قد زُيّنتْ

بنجومِ الليلِ آفاقُ الفلكْ

أبو تمام:

لذلك قيل بعض المنع أدنى

إلى مجد،وبعض الجود عار

أبو تمام:

وما كان إلا مالَ من قلّ مالهُ

وذُخراً لمن أمسى وليس له ذخر

وما كان يدري مُجتدي جود كفهِ

إذا ما استهلّت،أنه خُلِق العُسر

فتىً كلما فاضت عيونُ قبيلةٍ

دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكرُ

فتى دهره شطران فيما ينوبه

ففي بأسه شطر وفي جودهِ شطر

أبو تمام:

لما بلغنا ساحة الحسنِ انقضى

عنا تعجرفُ دولةِ الإمحالِ

بسطَ الرجاءَ لنا برغمِ نوائبٍ

كثُرتْ بهنَّ مصارعُ الآمال

أغلى عذارى الشعرِ إنَّ مُهورها

عندَ الكريمِ وإن رخصنَ غوالي

تردُ الظنونُ به على تصديقها

ويحكمُ الآمالَ في الأموالِ

كالغيثِ ليس له،أريدَ غمامهُ

أو لم يُردْ،بدُّ من الهَطالِ

أبو تمام:

بِمحمدٍ صارَ الزمانُ مُحمداً

بمزوق الأخلاق لو عاشرتهُ

عندي وأعتبَ بعد سَوءِ فِعالهِ

لرأيتَ نُجحكَ من جميعِ خصالهِ

من ودّني بلسانهِ وبقلبهِ

وأنالني بيمينه وشمالهِ

أبداً يُفيدُ غرائباً من ظرفهِ

ورغائباً من جودهِ ونوالهِ

وسألتَ عن امرىء،فسَلْ عن أمرهِ

دوني فحالي قطعةٌ من حالهِ

لو كنتَ شاهدَ بذلهِ لشهدتَ لي

بوراثةٍ أو شركةٍ في مالهِ

أبو تمام:

بأيِّ نجومِ وجهكَ يُستضاءُ

أتتركُ حاجتي غرضَ التواني

أبا حسن وشيمتُكَ الإباء؟

وأنتَ الدلوُّ فيها والرشاءُ

تألف آل إدريس بني بدر

وخُذهم بالرّقى إن المهاري

فتسبيبُ العطاءِ هو العطاءُ

يُهيجها على السَّيرِ الحُداءِ

وأنتَ المرءُ تعشقهُ المعالي

ويحكم في مواهبهِ الرجاءُ

فإنّكَ لا تُسرُّ بيومِ حَمْدٍ

شهرتَ به ومالكَ لا يُساءُ

وإن المدحَ في الأقوام ما لم

يُشيّع بالجزاءِ هو الهجاءُ

أبو تمام:

لا مُلبسٌ مالهُ من دونِ سائلهِ

ستراً ولا ناصبُ المعروفِ للعذلِ

لا شمسهُ جمرةٌ تُشوى الوجوهُ بها

يوماً ولا ظلّهُ عنا بمنتقلِ

تحولُ أموالهُ عن عهدها أبداً

ولم يزل قطّ عن عهدٍ ولم يَحُلِ

أبو تمام:

فتى سيط حبُّ المكرماتِ بلحمهِ

وخامرهُ حقُّ السماحِ وباطلهْ

فتى لم يذق سكرَ الشباب ولم تكنْ

تهبُّ شمالاً للصديقِ شمائلهْ

فتى جاءَهُ مقدارُهُ وأثنتا العُلا

يداهُ وعشرُ المكرمات أناملهْ

فتى يَنْفَجُ الأقوامُ من طيبِ ذكرهِ

ثناءً كأن العنبر الورد شامله

أبو تمام:

بهاليل لو عاينت فيض أكفهم

لأيقنت أن الرزق في الأرض واسعُ

إذا خفقت بالبذل أرواح جودهم

حداها الندى واستنشقتها المدامعُ

رياح كرياح العنبر الغضِّ في الندى

ولكنها يوم اللقاء زعازعُ

هي السمُّ ما تنفكُّ في بلدة

تسيلُ به أرماحهم وهو ناقعُ

أبو تمام:

بِجودِكَ تبيضُّ الخطوبُ إذا دَجتْ

وترجعُ في ألوانها الحججُ الشّهبُ

هو المركبُ المُدني إلى كلِّ سؤددٍ

وعلياءَ إلا أنهُ المركبّ الصعبُ

أبو تمام:

لو اقتُسمتْ أخلاقُهُ الغُرُّ لم تجد

مَعيباً ولا خلقاً من الناسِ عائبا

إذا شئتَ أن تُحصي فواضِلَ كفّهِ

فكن كاتباً أو فاتخذ لك كاتبا

عطايا هي الأنواءُ إلا علامةً

دعت تلكَ أنواءً وتلكَ مواهبا

هو الغيثُ لو أفرطتُ في الوصفِ عامدا

لأكذِبَ في مَدحيهِ ما كنتُ كاذبا

 

ثوى مالهُ نهبَ المعالي فأوجبتْ

عليه زكاةُ الجُودِ ما ليس واجبا

تُحَسّنُ في عينيه إن كنتَ زائراً

خدين العلى أبقى لهُ البذلُ والتُّقى

وتزدادُ حسناُ كُلّما جئتَ طالبا

عواقبَ منْ عُرفِ كفتهُ العواقبا

أبو تمام:

إني أرى ثمر المدائحِ يانعاً

وغصونها تهتزُّ فوقَ العُنصرِ

لولاكَ لم أخلع عنان مدائحي

أبداً ولم أفتح رتاجَ تشكري

وأعوذُ باسمكَ أن تكونَ كعارضٍ

لا يُرتجى،وكنابتٍ لم يثمرِ

وأعلم بأني لم أقمْ بكَ فاخراً

لكَ مادحاً في مدحهِ لم أُنذرِ

أبو تمام:

كأنَّ أموالَهُ والبذلُ يمحقها

نهبٌ تعسفهُ التبذيرُ أو نفلُ

أبو تمام:

أبا الليثِ،لولا أنتَ لانصرمَ النّدى

وأدركت الأحداثُ ما قد تمنتِ

أبو تمام:

إلى حيثُ يلفى الجودُ سهلاً منالهُ

وخيرِ امرىءٍ شدتْ إليه وحطتِ

إلى خيرِ من ساسَ الرعية عدلهُ

ووطدَ أعلامَ الهدى فاستقرتِ

أبو تمام:

بأوفاهم برقاً إذا أخلف السنا

وأصدقهم رعداً إذا كذبَ الرعدُ

أبلهمُ ريقاً وكفاً لسائلٍ

وأنصرهم وعداً ،إذا صوحَ الوعدُ

أبو تمام:

ومنْ شكَّ أنَّ الجودَ والبأسَ فيهم

كمن شكَّ في أنّ الفصاحةَ في نجدِ

أنّخْتُ إلى ساحاتهم وجَنابهمْ

ركابي وأضحى في ديارهم وفدي

فلمْ أغشَ باباً أنكرتني كلابهُ

ولم أتشبثْ بالوسيلةِ من بُعدِ

فأصبحتُ لا ذلَّ السؤالِ أصابني

ولا قدحتُ في خاطري روعةُ الردِ

أبو تمام:

لدى ملكٍ من أيكهِ الجودِ لم يزلْ

على كبدِ المعروفِ من فعلهِ بردُ

وداني الجَد تأتي عطاياهُ من علٍ

ومنصبهُ وعرٌ مطالعهُ جردُ

أبو تمام:

إذا ما يدُ الأيامِ مدَّتْ بنانَها

إليكَ بخطبٍ لم تنلكَ وشلتِ

وإن أزماتُ الدهرِ حلّتْ بمعشرٍ

أرقتَ دماءَ المحلِ فيها فطلتِ

إذا ما امتطينا العيسَ نحوكَ لم نخفْ

عِثاراً ولم نخشَ اللّتيا ولا التي

أبو تمام:

وأضحتْ عطاياهُ نوازع شرداً

تسائل في الآفاقِ عن كلِّ سائلِ

مواهب جدن الأرض حتى كأنما

أخذنَ بأهدابِ السحابِ الهواطلِ

أبو تمام:

جُعِلتَ نظامَ المكرمات،فلم تدرْ

رحا سُؤددٍ،إلا وأنتَ لها قطبُ

أبو تمام:

فإنْ يكُّ أربى عفوُ شكري على نَدى

أُناسٍ فقد أربى نداهُ على جَهدي

وما زالَ منشوراً عليَّ نوالهُ

وعنديَ حتى قد بقيتُ بلاعندي

وقَصّرَ قولي من بعدِ ما أرى

أقولُ فأشجي أمةً وأنا وحدي

بغيتُ بشعري فاعتلاهُ ببذلهِ

فلا يبغِ في شعر له أحدٌ بعدي

أبو تمام:

خدينُ العُلى أبقى لهُ البذلُ والتقى

عواقبَ من عُرْفٍ كفتهُ العواقبا

أبو تمام:

وما سافرتُ في الآفاقِ إلا

ومن جدواك راحلتي وزادي

مُقيمُ الظنِّ عندكَ والأماني

وإن قَلِقَتْ ركابي في البلادِ

أبو تمام:

صدمتْ مواهبهُ النوائبَ صدمةً

شغبتْ على شَغبِ الزمانِ الأنكدِ

وطئت خزونَ الجودِ حتى خلتها

فجرَتْ عيوناً في مُتونِ الجلمدِ

أبو تمام:

فقد نزلَ المُرتادُ منهُ بماجدِ

مواهبهُ غورٌ وسؤددهُ نجدُ

غدا بالأماني لم يُرِقْ ماءَ وجههِ

مطالٌ ولم يقعدْ بآمالهِ الردُّ

أبو تمام:

ونغمةُ مُعتفٍ تأتيهِ أحلى

على أذنيهِ من نغمِ السّماعِ

أبو تمام:

وحياةُ القريضِ إحياؤكَ الجود

فإن مات الجود مات القريض

يا مُحبَّ الإحسان في زمن أصبح

فيه الإحسانُ وهو بغيضُ

أبو تمام:

لا تنكري عَطَلَ الكريم من الغنى

فالسّيلُ حربٌ للمكان العالي

أبو تمام:

أمطلع الشمس تبغي أن تَؤُمَّ بنا؟

فقلتُ:كلا،ولكن مطلعَ الجُودِ

أبو تمام:

إقدامُ عمروٍ في سماحةِ حاتمٍ

في حِلمِ أحنفَ في ذكاءِ إياسِ

لا تُنكري ضربي لهُ منْ دونَهُ

مثلاً شَروداً في النّدى والباسِ

فاللهُ قد ضربَ الأقلَّ لنورهِ

مثلاً من المِشكاةِ والنبراسِ

أبو تمام:

فإن يكُ أربى عفو شكري على نَدى

أُناسٍ فقد أربى نَداهُ على جُهدي

أبو تمام:

هوَ اليَمُّ من أي النواحي أتيتهُ

فلجتهُ المعروفُ والجودُ ساحلهْ

تعوّدَ بسطَ الكفِّ حتى لو أنّهُ

ثناها لقبضٍ لم تُجبهُ أناملهْ

ولو لم يكن في كفهِ غيرُ روحهِ

لجادَ بها فليتقِ الله سائله

عطاءٌ لو اسطاعَ الذي يستميحُهُ

لأصبحَ من بين الورى وهو عاذلهْ

أبو تمام:

عطاؤُكَ لا يفنى ويستغرِقُ المنى

وتبقى وجوهُ الراغبين بمائها

أبو تمام:

يكادُ نداهُ يتركهُ عديماً

إذا هطلت يداهُ على عديم

أبو تمام:

ذُلُّ السؤالِ شجاً في الحلقِ معترِضٌ

من دُونهِ شَرَقٌ من خلفهِ جَرَضُ

ما ماءُ كفّكَ إن جادتْ وإن بخلتْ

من ماء وجهي إذا أفنيتهُ عِوضُ

إنّي بأيسرِ ما أدنيتَ منبسطٌ

كما بأكثر ما أقصيتَ منقبضُ

أبو تمام:

فلو كانَ ما يُعطيه غيثاً لأمطرتْ

سحائبهُ من غيرِ برقٍ ولا رعدِ

من القومِ جَعْدٌ أبيضُ الوجه والنّدى

وليسَ بنانٌ يجتدى منهُ بالجعدِ

أبو تمام:

لئنْ جَحَدْتُكَ ما أوليتَ من نِعَمِ

إنّي لفي اللؤمِ أمضى منكَ في الكَرَمِ

أنسى ابتسامُكَ والألوانُ كاسفةٌ

تَبَسُّمَ الصبحِ في داجِ من الظُلمِ

رددتَ رَونقَ وجهي في صحيفتهِ

ردَّ الصِّقالِ بهاءَ الصّارمِ الخذِمِ

وما أُبالي وخيرُ القولِ أصدقُهُ

حقنتَ لي ماءَ وجهي أم حقنتَ دمي

أبو تمام:

يُحصى مع الأنواءِ فَيضُ بَنانهِ

ويُعَدُّ من حسناتِ أهلِ المشرقِ

يستنزِلُ الأملَ البعيدَ ببِشرهِ

وبُشرى الخميلةِ بالربيعِ المُغدقِ

وكذا السحائبُ قلّما تدعو إلى

مَعروفها الرَّواد إن لم تُبرقِ

أبو تمام:

كالغيثِ إن جئتهُ وافاكَ رَيّقُهُ

وإن ترحلتَ عنهُ لجَّ في الطلّبِ

أبو تمام:

إذا العيسُ لاقتْ بي أبا دُلَفٍ فقدْ

هنالكَ تلقى الجودَ حيثُ تقطعّتْ

تَقَّطعَ ما بيني وبينَ النوائبِ

تمائمهُ والمجدُ مُرخى الذوائبُ

تكادُ عطاياهُ يُجنُّ جُنونَها

إذا لم يُعَوِّذها بنعمةِ طالبِ

إذا حَرّكتهُ هِزّةُ المجدِ غَيّرتْ

تكادُ مغانيهِ تَهَشُّ عِراصُها

عطاياهُ أسماء الأماني الكواذبُ

فتركبُ من شوقٍ إلى كلِّ راكبِ

يرى أقبحَ الأشياءِ آوبةَ آملٍ

كَستهُ يدُ المأمولِ حُلّةَ خائبِ

وأحسَنَ من نَورٍ يُفتّحهُ النّدى

بياضُ العطايا في سوادِ المطالبِ

أبو تمام:

ليس الحجابُ بِمُقصٍ عنك لي أملاً

إنَّ السماءَ تُرَجّى حين تحتجبُ

أبو تمام:

جزى الله كَفاً مِلؤُها من سعادةٍ

سَعَتْ في هلاكِ المالِ والمالُ نائِمُ

فلمْ يجتمعْ شرقٌ وغربٌ لقاصدٍ

ولا المجدُ في كفِّ امرىءٍ والدراهِمُ

أبو تمام:

إذا شئتَ أن تُحصي فواضلَ كفّهِ

فَكُنْ كاتباً أو فاتخذ لك كاتباً

ثوى مالهُ نهب المعالي فأوجبت

عليه زكاةُ الجودِ ما ليسَ واجبا

وتَحسنُ في عينيهِ إن جئت زائراً

وتزدادُ حسناً كلّما جئتَ طالباً

أبو تمام:

كم ماجدٍ سَمْحٍ تناولَ جودَهُ

مَطْلٌ فأصبحَ وجهُ آملهِ قَفا

أبو تمام:

أحقُّ الناسِ بالكرمِ امرؤٌ لم

يزلْ يأوي إلى أصلٍ كريمِ

 

وما كان يدري مُجتدي جود كفّه

إذا ما استهلّت أنه خلق العسرُ

أبو تمام:

أنا ابنُ الذي استرضعَ الجود فيهمُ

نجومٌ طواليعٌ جبالٌ فوارع

وقد سادَ فيهم وهو كهلٌ ويافعُ

غيوثٌ هواميعُ سيولٌ دوافع

مضوا وكأن المكرمات لديهمُ

لكثرة ما أوصوا بهنَّ شرائعُ

فأي يد في المحل مدّت فلم يكن

لها راحةٌ من جودهم وأصابعُ

هم استودعوا المعروفَ محفوظ مالنا

فضاعَ وما ضاعت لدينا الودائعُ

بهاليلُ لو عاينتَ فيضَ أكفِّهم

لأيقنتَ أن الرزقَ في الأرض واسعُ

أبو تمام:

نفقَ المديحُ ببابهِ فكسوتُهُ

أولى المديحُ بأن يكون مُهذباً

عِقداً من الياقوتِ غيرَ مُثَقّبِ

ما كانَ منهُ في أغرَّ مُهذّبِ

لمّا كَرُمتَ نطقتُ فيكَ بمنطقٍ

حقّ فلم آثم ولم أتحوّبِ

ومتى امتدحتُ سِواكَ كنتُ متى يَضِقْ

عني لهُ صدقُ المقالةِ أكذِب

أبو تمام:

يا مالكَ ابنَ المالكينَ ولم تزل

تُدعى ليومي نائلٍ وعِقابِ

لم تَرْمِ ذا رحمٍ ببائقةٍ ولا

طلّمتَ قومكَ من وراءِ حجابِ

للِجودِ بابٌ في الأنامِ ولم تزلْ

يُمناكَ مفتاحاً لذاكَ البابِ

أبو تمام:

يا خاطباً مدحي إليه بجودهِ

ولقد خطبتَ قليلة الخُطّابِ

أبو تمام:

لهُ كرمٌ لو كانَ في الماءِ لم يَغِضْ

أخو أزماتٍ بذلهُ بذلُ محسنٍ

وفي البرقِ ما شامَ امرؤٌ برقَ خُلّبِ

إلينا ولكن عُذرهُ عذرُ مُذنبِ

إذا أمّهُ العافونَ ألفوا حِياضهُ

مِلاءً، وألفوا روضَهُ غيرَ مُجدبِ

إذا قالَ أهلاً مرحباً نبعتْ لهم

مياهُ النّدى من تحتِ أهلٍ ومرحبِ

يَهولُكَ أن تلقاهُ صدراً لِمحفلٍ

ونحراً لأعداءٍ وقلباً لموكبِ

أبو تمام:

بأسمحَ من غُرِّ الغمام سماحةً

وأشجعَ من صرفِ الزمانِ وأنجدِ

أبو تمام:

إني انتجعتك يا أبا الفضل الذي

بالجودِ قرّب موردي من مصدري

عشْ سالماً تبني العلا بيدِ النّدى

حتى تكونَ مناوئاً للمشتري

أبو تمام:

سيروا بني الحاجاتِ ينجحْ سعيكمْ

غيثٌ سحابُ الجودِ منهُ هَتونُ

فالحادثاتُ بوبله مصفودةٌ

والمَحْلُ في شؤبوبهِ مسجونُ

أبو تمام:

لهم بكَ فخرٌ لا الربابُ تُرِبُّهُ

بدعوى ولم تسعدْ بأيامهِ سعدُ

وكم لك عندي من يدِ مستهلةٍ

عليَّ ولا كُفرانَ عندي ولا جحدُ

يدٌ يستذلُ الدّهرُ في نفحاتها

ويَخضَرُّ من معروفها الوَردُ

 

يَهني الرعية أنَّ الله مُقتدراً

أعطاهمُ بأبي اسحقَ ما سألوا

لو كانَ في عاجل من آجل بدلٌ

لكانَ في وعدهِ من رفدهِ بدلُ

نِعمَ الفتى عُمَرٌ في كلِّ نائبةٍ

نابت وقلت له:“نعم الفتى عمرُ

يُعطي ويَحمدُ من يأتيهِ يَحمده

فشكرهُ عوضٌ ومالهُ هدرُ

أبو نواس:

كأن فيض يديه قبل مسألةٍ

بابُ السماءِ إذا ما بالحيا انفتحا

أبو نواس:

ألم ترَ أنَّ المالَ عونٌ على التقى

وليسَ جوادٌ مُعدِمٌ كبخيل

أبو نواس:

تأن مواعيدَ الكِرامِ فرُّبما

أصبتَ من الإلحاح سَمحاً على بُخلِ

أبو نواس:

فما جازَهُ جُودٌ ولا حَلَّ دُونهُ

ولكن يصيرُ الجودُ حيثُ يصيرُ

أبو نواس:

جوادٌ إذا الأيدي كَفَفنَ عن النّدى

ومن دونِ عَوراتِ النساءِ غَيورُ

أبو نواس:

ألمْ ترَ أنَ المالَ عونٌ على النّدى

وليسَ جوادٌ مُعدِمٌ كبخيلِ

أبو نواس:

اختصم الجود والجمال

فيك فصار إلى جدال

فقال هذا يمينه لي

للعرفِ والبذلِ والنّوالِ

وقال هذاك وجهه لي

للظرفِ والحسنِ والكمالِ

فافترقا فيك عن تراضٍ

كلاهما صادقُ المقال

أبو نواس:

تتجافى حوادثُ الدّهرِ عمّنْ

كان في جانبِ الحُسينِ مُقيما

قال لي الناس إذ هززتُكَ للحا

جةِ:أبشِرْ فقد هززتَ كريما

فاسألنهُ إذا سألتَ عظيماً

إنّما يسألُ العظيمُ العظيما

أبو نواس:

قد قُلتُ للعباسِ مُعتذراً

أنتَ امرؤٌ جَللّتني نِعماً

من ضَعْفِ شُكريهِ ومُعترفا

أوهتْ قُوى شكري فقد ضَعُفا

فإليكَ بعدَ اليوم تقدِمةً

لاقتكَ بالتصريحِ منكشفاً

لا تُحدثِنَّ إليَّ عارفةً

حتى أقومُ بشكرِ ما سلفا

أبو نواس:

إذا لم تَزُرْ أرضَ الخصيبِ ركابنا

فأيّ فتىً بعد الخصيبِ تزورُ

فما جازَهُ جودُ ولا حلَّ دونهُ

ولكن يصيرُ الجودُ حيثُ يصيرُ

فتىً يشتري حسنَ الثناءِ بمالهِ

فما جازهُ جود ولا حلّ دونه

ويعلمُ أن الدائراتِ تدورُ

ولكن يسيرُ الجودُ حيث يسير

أبو نواس:

فإذا المطيُّ بنا بلغنَ محمداً

فظهرهنَّ على الرجالِ حرامُ

أبو نواس:

اسمحْ وجُدْ بالذي تحوي يداكَ لها

لا تذخرِ اليومَ شيئاً خوفَ فقرِ غدِ

أبو نواس:

أنت للمالِ إذا أمسكته

فإذا أنفقته فالمالُ لك

أبو نواس:

كفى حزناً أن الجواد مقتر

عليه ولا معروف عند بخيل

 

أبو نواس:

ما جمعتْ راحتاكَ مالاً

ومُعدماً قطّ في مكانِ

المالُ يفنى على الليالي

وجودِ كفّيكَ غيرُ قانِ

أبو نواس:

أميرٌ رأيتُ المال في نِعماتهِ

ذليلاً مهينَ النفس بالضيم موقنا

إذا ضنَّ ربُّ المالِ أعلن جودُهُ

وللفضلِ صولاتٌ على صُلبِ مالهِ

تجيَّ على مالِ الأميرِ وآذنا

ترى المالَ فيها بالمهانة مُذعنا

أبو نواس:

يا عمرو! ما للناسِ قد

كَلفوا بلا ونَسوا نَعَمْ

أترى السماحةَ والنّدى

رُفعا كما رُفِعَ الكرمْ

مُسِخَ الندى بُخلاً فما

أحدٌ يجودُ لذي عَدَمْ

 

أبو نواس:

أنتَ الذي تأخذُ الأيدي بِحجزتهِ

إذا الزمان على أبنائهِ كلحا

وكّلتَ بالدهرِ عيناً غيرَ غافلةٍ

من جُودِ كفّكَ تأسو كلَّ ما جرحا

أبو نواس:

صُوِّرَ الجودُ مِثالاً

ولهُ العباسُ روحُ

فهو بالمالِ جوادٌ

وهو بالعِرضِ شحيحُ

 

 

دعبل:

إنّ الكرامَ إذا ما أسهلوا ذكروا

من كانَ يألفهم في المنزلِ الخشنِ

 

دعبل:

زمني بِمُطلبٍ سُقيت زماناً

ما كنتُ لإلا روضة وجنانا

كلُّ النّدى إلا نداكَ تكلُّفٌ

لم أرض غيرك كائناً من كانا

دعبل:

ما يَرحلُ الضيفُ عندي بعدَ تكرمةٍ

إلا برفدٍ وتشييعٍ ومعذرةِ

دعبل:

عَلّلاني بسماع وطلا

وبضيف طارقٍ يبغي القِرى

نُنزِلُ الضيفَ إذا ما حلَّ في

حَبّةِ القلبِ وألواذ الحشا

رُبَّ ضيف تاجرُ أخسَرتهُ

بعتهُ المطعم وابتعتُ الثّنا

أبغض المال إذا جمّعتهُ

إنَّ بغض المالِ من حُبِّ العُلا

 

إنّما العيشُ خِلالٌ خمسة

حبّذا تلك خلالا حبّذا

خدمةُ الضيف،وكأس لذة

ونديمٌ،وفتاة وغنا

وإذا ما فاتكَ منها واحدٌ

نقصَ العيشُ بنقصان الهوى

دعبل:

بدأتَ بإحسانٍ،وثُنيّتَ بالعلا

وثَلثتَ بالحسنى ورُبعّتَ بالكرمِ

ويسّرتَ أمري،واعتنيتَ بحاجتي

وآخرتَ لاعني،وقدّمتَ لي نعمْ

فإن نحنُ كافأنا فأهلٌ لوِدّنا

وإن نحنُ قصّرنا فما الودُّ مُتّهمْ

دعبل:

أنا من علمتِ إذا دعيتُ لغارةٍ

وإذا تناوحتِ الشمالُ بشتوةٍ

في طعنِ أكبادٍ وضربِ رقابِ

كيفَ ارتقابي الضيف في أصحابي

ويدُّلُ ضيفي في الظلامِ على القِرى

إشراقُ ناري أو نباحُ كلابي

حتى إذا واجهنهُ،ولقينهُ

حَيّينهُ ببصابصِ الأذنابِ

فتكادُ من عرفانِ ما قد عُوّدتْ

من ذاك،أن يفصحن بالترحابِ

دعبل:

علّلاني بسماعٍ وطلا وبضيفٍ

طارقٍ يبغي القِرى

نغماتُ الضيفِ أحلى عندنا من

ثغاءِ الشاءِ أو ذاتِ الرُّغا

نُنزلُ الضيفَ إذا ما حلَّ في

حبّةِ القلب وألواذ الحشا

رُبَّ ضيفٍ تاجرٍ أخسرتهُ

بعته المطعم وابتعتُ الثنا

 

أبغضُ المالَ إذا جمعتهُ

إنَّ بغضَ المال حبّ العلا

إنّما العيشُ خِلالٌ خمسةٌ

حبذا تلكَ خلالاً حبّذا

خدمةُ الضيفِ،وكأسٌ لذّةٌ

ونديمٌ،وفتاة وغنا

وإذا فاتكَ منها واحدٌ

نقص العيشُ بنقصان الهوى

دعبل:

وليس الفتى المُعطي على اليُسرِ وحدهُ

ولكنّهُ المُعطي على العُسرِ واليُسرِ

دعبل:

ماذا أقولُ إذا أتيتُ معاشري

صِفراً يدايَ من الجوادِ المُجزلِ

إن قلتُ:أعطاني،كذبتُ وإن أقلْ

ضنَّ الأميرُ بمالهِ لم يَجمُلِ

ولأنتَ أعلمُ بالمكارمِ والعلا

من أن أقول:فعلتَ ما لم تفعلِ

 

فاختر لنفسك ما أقولُ فإنني

لا بُدَّ مخبرهم وإن لم أسالِ

البحتري:

منْ شاكِرٌ عني الخليفةَ بالذي

أولاهُ من طَوْلٍ ومن إحسانِ

ملأتْ يداهُ يدي وشرّدَ جودُهُ

بخلي،فأفقرني كما أغناني

حتى لقد أفضلتُ من إفضالهِ

ورأيتُ نهجَ الجودِ حيثُ أراني

ووثقتُ بالخَلَفِ الجميلِ مُعجّلاً

منه،فأعطيتُ الذي أعطاني

البحتري:

كريمُ السّجايا،وافرُ الجودِ والنّدى

فلا ناقصُ النُّعمى ولا جامدُ الكفِّ

يَحِنُّ إلى المعروفِ حتى يُنيلهُ

كما حَنَّ إلفٌ مُستهامٌ إلى إلفِ

وإما أعِدْ نفسي عليك رغيبةً

من النيلِ أُصبحُ في أمانٍ من الخُلفِ

وما ألفُ ألفٍ من جداكَ كثيرةٌ

فكيفَ أخافُ الفَوتَ عندكَ في ألفِ

البحتري:

يطولُ بكفٍّ في السّماحةِ طَلقةٍ

ووجهٍ إلى المسترفدينَ طليقُ

البحتري:

ألحَّ جُوداً ولم تَضرُرْ سحائبه

وربما ضرَّ في إلحاحهِ المطرُ

 

إمّا تنفّلتِ العهودُ فإنّهُ

ثَبْتٌ على عهدِ النّدى وذمامهِ

ويبيتُ يحلمُ بالمكارمِ والعُلا

حتى يكونَ المجدُ جُلَّ منامهِ

أما الجوادُ فقد بلونا يومَهُ

وكفى بيوم مُخبراً عن عامهِ

البحتري:

بوجهٍ يملأ الدنيا ضياءً

وكفٍّ تملأ الدنيا نوالا

البحتري:

يُنسيكَ جودَ الغيثِ جُودُهم

إذا عَثرتْ أكفُّهُم بعامٍ مُجدبِ

البحتري:

ما قصدناهُ للتفضلِ إلا

أعشبتْ أرضهُ وصابتْ سناؤهْ

حَسَنُ الفِعلِ والرُّواءِ،وكم دلَّ

على سؤددِ الشريفِ رواؤهْ

ماءُ وجهٍ إذا تبلّجَ أعطا

ك أماناً من نبوةِ الدهر ماؤهْ

البحتري:

أما السّماحُ فإنَّ أولَ خَلّةٍ

زانتهُ أنّكَ صِنوهُ وحليفهُ

لما لقيتُ بك الزمان تصدّعتْ

عن ساحتي أحداثهُ وصروفُهُ

فلئن جحدتُ عظيمَ ما أوليتني

إني إذاً واهي الوفاءِ ضعيفهُ

البحتري:

أغرُّ لهُ من جودهِ وسماحهِ

ظهيرٌ عليهِ ما يخيبُ وشافِعُ

البحتري:

ورأينا سيما ندىً وسماحٍ

لم نُرِدْ بعدها عليه دليلا

وجوادٌ لو أنّ عافيهِ راموا

بُخلَهُ لم يروا إليه سبيلا

البحتري:

يستمطرونَ يدا يفيضُ نَوالها

فَيغرِّقُ المحرومَ والمرزوقا

البحتري:

يَرُدُّ بني الآمالِ بيضاً وجوهُهمْ

بنائلهِ جمُّ العطايا جزيلُها

البحتري:

أنتَ الذي لو قيلَ للجودِ:اتخذْ

خِلّاً أشارَ إليكَ لا يعدوكا

وكأنّما آليتَ،والمعروفُ لا

تألوهُ مصطفياً ولا لايألوكا

البحتري:

مُتهلّلٍ،طَلْقٍ إذا وعدَ الغِنى

بالبِشرِ أتبعَ بِشرهُ بالنائلِ

كا لمُزنِ إن سطعتْ لوامِعُ برقهِ

أجلت لنا عن دِيمةٍ أو وابلِ

 

تَدفقُّ كفٍّ بالسماحةِ ثَرَّهُ

وإسفارُ وجهٍ بالطلاقةِ مُشرِقِ

توالت أياديهِ على الناسِ \فاكتفى

بها كلُّ حيٍّ من شآمٍ ومُعرقِ

لهُ خُلُقٌ في الجودِ لا يستطيعهُ

رجالٌ يرومونَ العُلا بالتَخلُّقِ

البحتري:

إذا قيلَ قد فَنيَ السائلونَ

قالت عطايكَ هل من مزيد؟

وكم لكَ في الناسِ من حاسدٍ

وفي الحسدِ النَزرِ حظُّ الحسودِ

بقيت لنا ياأبا نهشل

بقاءَ البَقا وخلودَ الخلودِ

البحتري:

بِجودكَ يدنو النائلُ المتباعدُ

ويصلحُ فِعلُ الدهرِ والدهرُ فاسدُ

البحتري:

هو الغيثُ ينهلُّ في صَوبهِ

سجالاً ويَعْذُبُ في وردهِ

لقد عَلِقت منه آمالنا

بحبلِ غريب النّدى فَردهِ

فدامَ لهُ المُلكُ في خفضهِ

وتمَ له العيش في رغدهِ

البحتري:

جوادٌ يرى أن الفضيلة لم تكنْ

تجوزُ به الغاياتِ أو يتطوّعا

كريمٌ تنالُ الرّاحُ منه إذا سَرَتْ

ويُعجلهُ داعي التصابي إذا دعا

وأبيضُ وضّاحٌ إذا ما تغيّمتْ

يداهُ تجلّى وجههُ فتقشّعا

البحتري:

ويرخصُ الحمدُ،حتى أنَّ عارِفةً

بذلُ السلام ،فكيفَ الرّفدُ والصّفدُ

كم قد عجلت إلى النّعماء تصنعها

مُبادراً وبخيلِ القوم متئدُ

وكم وعدت وأنتَ الغيثُ تعرِفهُ

مُذْ حالفَ الجودَ يُعطي فوقَ ما يعدُ

البحتري:

أبا خالدٍ ما جاورَ الله نِعمةً

بمثلك إلا وكانَ جَمّاً خلودها

وجدنا خِلالَ الخيرِ عندكَ كلّها

ولو طُلبتْ في الغيثِ عزَّ وجودها

فأولِهمُ نعمى،فكلُّ صنيعةٍ

رأيناك تُبديها فأنتَ تُعيدها

البحتري:

هو الغيثُ يجري من عطاءٍ ونائلٍ

عليك فخُذ من صَيّبِ الغيثِ أو ذَرِ

ولما تولى البحرَ والجودُ صِنوهُ

غدا البحرَ من أخلاقهِ بين أبحُرِ

البحتري:

يُعظِمُ المالَ معشراً وأرى المالَ

بحيثُ ازدرادهُ واحتقارُه

بَيَّنَ الجودَ بِشرُهُ وأرانا

العفوَ منه على العُداةِ اقتدارُه

البحتري:

أموالهم مبذولةٌ لِضيوفهمْ

إنَّ الكريمَ مُسامِحٌ ومُواسِ

البحتري:

ما احتجَّ يوماً كما احتجَّ البخيل ولا

يحبُّ من مالهِ إلا الذي يهبُ

البحتري:

تُنبي طلاقةُ بِشرهِ عن جُودِهِ

فتكادُ تلقى النُّجحَ قبلَ لقائِهِ

البحتري:

أحشمتني بِندى يديكَ فَسوَّدتْ

ما بيننا تلك اليدُ البيضاءُ

وقطعتني بالجودِ حتى إنني

مُتَخوِّفٌ أن لا يكونَ لِقاءُ

البحتري:

ألحَّ جُوداً ولم تَضرُرْ سحائبُهُ

ورُبما ضرَّ في إلحاحِهِ المطرُ

لا يُتعِبُ النائلُ المبذولُ هِمّتهُ

وكيفَ يُتعِبُ عينَ الناظرِ النَظَرُ؟

البحتري:

جادَ حتى أفنى السؤالَ، فلّما

بادَ منّا السؤالُ جادَ ابتداءَ

فهو يُعطي جَزلاً ونُثني عليه

جلَّ عن مذهبِ المديحِ فقد كاد

ثمّ يُعطي على الثناءِ جزاءَ

يكونُ المديحُ فيه هجاءَ

البحتري:

كريمٌ لا يزالُ لهُ عَطاءٌ

يُغيرُ سُنّةَ السّنة الجماد

ولا إسرافَ غيرُ الجودِ فيه

وسائرهُ لِهدىً واقتصاد

البحتري:

لئن طالَ حِرمانُ الزمانِ فإنّهُ

سَيُسليهِ يومٌ من عطائكَ واحدُ

وإنّي وإن أمّلتُ في جُودكَ الغِنى

لبالغِ ما أملّتُ منكَ وزائدُ

البحتري:

أبدعتْ راحتاهُ في الجودِ ما لم

يك لولا نداهُ بالموجودِ

لو سعى قبلَ رِفدهِ رِفدُ كفٍّ

لسعى رِفدهُ إلى المرفودِ

البحتري:

أمواهبٌ هاتيكَ أم أنواءُ

هُطُلٌ؟ وأخذٌ ذاكَ أم إعطاءُ؟

إن دام ذا،أو بعضُ ذا،من فِعل ذا

فنيَ السّخاءُ فلا يُحسُّ سخاءُ

البحتري:

لهُ بِدَعٌ في الجودِ تدعو عَذولَهُ

عليه إلى استحسانها فيساعده

إذا ذهبت أموالهُ نحو أوجهٍ

من البذلِ جاءت من وجوهٍ محامده

البحتري:

أعطيتَ حتى تركتَ الريحَ حاسرةً

وجُدْتَ حتى كأنَّ الغيثَ لم يُجْدِ

البحتري:

إنْ ساحَ فَيضُ يديهِ لم يَكُنْ عَجباً

أن يُسرفَ الظّنُ فيهِ وهو مُقتصِدُ

أو ضَمِنَ اليومُ من جدواهُ مرغبةً

كان الكفيلُ عليها بالوفاءِ غدُ

يبينُ بالفضلِ أقوامٌ ويَفضُلهم

مُوّحدٌ بغريبِ الذكرِ مُنفردُ

عَفْوٌ من الجودِ لم تكذبْ مخيلَتهُ

يُقصّرُ القَطرُ عنهُ وهو مُجتهدُ

البحتري:

ووجهٍ جالَ ماءُ الجودِ فيه

على العِرنين والخدِّ الأسيل

يُريك تألقُّ المعروفِ فيه

شُعاع الشمس في السيفِ الصّقيل

البحتري:

أعطيتَ سائلكَ المُحَسَّدَ سُؤْلَهُ

وطلبتَ بالمعروفِ غيرَ الطالبِ

علّمتني الطّلبَ الشريفَ ورُبّما

كنتُ الوضيعَ من اتضاعِ مطالبي

فلئن شكرُتكَ إنني لَمعذرٌ

في واجبٍ،ومقصّرٌ في واجبِ

البحتري:

وجُودُكَ كلّهُ حَسَنٌ،ولكن

أجَلُّ الجودِ حُسنُ الابتداء

البحتري:

ولقد أتيتك طالباً فبسطتَ من

أملي وأطلب جودُ كفّك مَطلبي

البحتري:

قد تَبدأتَ مُنعماً،وكريمُ ال

قومِ من يسبقُ السؤالَ ابتداؤه

البحتري:

لو جاودَ الغيثُ المُثَّحجُ كَفَّهُ

لأتت بأطولَ من نداهُ ,اعرضا

كم من يدٍ بيضاءَ منهُ ثَنى بها

وجهاً تلألأ للبشاشةِ أبيضا

البحتري:

حليفُ ندى إن سيلَ فاضتْ حياضُهُ

وذو كَرَمٍ إلا يُسَلْ يتبّرعِ

تُؤَّملُ نُعماهُ،ويُرجى نوالُهُ

لِعانٍ ضريكٍ،أو لِعافٍ مُدَقّعِ

البحتري:

أيها الراغبُ الذي طلبَ الجودَ

فأبلى كُومَ المطايا وأنضى

رِدْ حِياضَ الإمامِ تلْقَ نوالاً

يَسَعُ الراغبينَ طولاً ؤوعرضا

فهناكَ العطاءُ جَزلاً لمن رامَ

جزيلَ العطاءِ والجودُ مَحضا

هو أندى من الغَمامِ،وأوفى

وقعاتٍ من الحُسامِ وأمضى

البحتري:

مِنْ شأنهِ القصدُ ولكنّهُ

إن يُعطِ في عازفةٍ يُسرفِ

لو جُمِعَ الناسُ لأكرومةٍ

ولم يكن في الجمعِ لم نكتفِ

البحتري:

دانٍ على أيدي العفاةِ وشاسع

عن كلِّ ند في النّدى وضريب

كالبدرِ أفرط في العلو وضوءه

للعصبةِ السارين جدّ قريب

البحتري:

هل المكارِمُ إلا ما تجّمعهُ

أو المواهب إلا ما تفرّقهُ

البحتري:

عريقونَ في الإفضالِ يؤتَنفُ النّدى

لناشئهم من حيثُ يؤتنفُ العُمرُ

البحتري:

أيها الراغبُ الذي طلبَ الجود

فأبلى كوم المطايا وأنضى

رِدْ حِياضَ الإمامِ تلقَ نوالاً

يسع الراغبينَ طولاً وعرضاً

فهناكَ العطاءُ جزلاً لمن رامَ

جزيلَ العطاءِ والجود محضا

البحتري:

غريبُ المكرماتِ ترى لديهِ

رقابَ المال تُهتضمُ اهتضاما

إذا وهبَ البدورَ رأيتَ وجهاً

يُخال لحسنهِ االبدرَ التماما

البحتري:

تَبسّمٌ وقطوبٌ في ندى ووغى

كالرّعدِ والبرقِ تحتَ العارضِ البَرِد

البحتري:

لو شئت لم تُفسد سماحة حاتم

كرماً ولم تهدم مآثر خالدِ

 

نُثني عليهِ بأنعُمٍ سلفتْ

أصغرُها في النفوسِ أكبرُها

كالروضِ أثنى على سحائبهِ

بزهرةِ الرّوضِ حين ينشرُها

البحتري:

بلغتْ يداهُ إلى التي لم أحتسبْ

وثنى الأخرى فهو بادٍ عائدُ

هو واحدٌ في المكرماتِ وإنّما

يكفيكَ عاديةَ الزمان الواحدُ

البحتري:

كريمٌ يُرّجى منهُ ما لا يُرتجى

عُظماً ويوهبُ منهُ ما لا يُهبُ

البحتري:

سماحاً وبأساً كالصواعقِ والحيا

إذا اجتمعا في العارضِ المتراكمِ

البحتري:

حتى وردنا بَحرهُ فتقطّعتْ

غُلَلُ الظمأ عن بحرهِ المورودِ

عَجِلٌ إلى نُجحِ الفَعالِ كأنّما

يُمسي على وِترٍ من الموعودِ

يعلو بِقدرٍ في القلوبِ معَظّم

أبداً،وعزٍّ في النفوسِ جديدِ

البحتري:

يا أكثرَ الناسِ إحساناً وأعرضهمْ

سَيباً،وأطولهم في المكرمات يدا

ما نسألُ الله إلا أن تدومَ لك ال

نعماءُ فينا،وأن تبقى لنا أبدا

البحتري:

هو بحرُ السّماحِ والجود فازددْ

منهُ قرباً تزددْ من الفقرِ بُعدا

بك نستعتبُ الليالي

ونستعدي على دهرنا المسيء فَنُعدى

البحتري:

حوى عن أبيهِ الذي حازَهُ

أبوهُ المهذّبُ عن جَدّهِ

عَفافٌ يعودُ على بدئهِ

وهدى يسيرُ على قصدهِ

هو الغيثُ يَنهلّ في صوبهِ

دراكاً،ويعذبُ في وِردهِ

البحتري:

كريمُ ،إذا ضاقَ اللئامُ،فإنّهُ

يضيقُ الفضاءُ الرّحبُ في صدرهِ الرَّحبِ

البحتري:

واقْرَ السّلام على السماحةِ إنّها

محظورةٌ من دونهِ وورائهِ

 

فارقتُ يومَ فِراقهِ الزمنَ الذي

لا قيتهُ يهتزُّ يوم لقائهِ

ما كنتُ أفهمُ نَيلهُ في قُربهِ

حتى نأى ففهمتهُ في نائهِ

يفديكَ راحٍ مادِحٌ لم ينقلبْ

إلا بصدقِ مديحهِ ورجائهِ

البحتري:

وما أنا إلا غرسُ نعمتكَ الذي

أفضتَ له ماءَ النّوالِ فأورقا

البحتري:

ووجهٌ رقَّ ماءُ الجودِ فيه

على العرنينِ والخدِّ الأسيلِ

يُريكَ تألقُ المعروفِ فيه

شُعاعَ الشمس في السيفِ الصقيل

البحتري:

وليسَ لساني للئيمِ ولا يدي

ولا ناقتي عند البخيل ولا رحلي

وما كلُّ من يُدعى كريماً لديهم

بِندٍّ لهُ في المكرماتِ ولا مِثْلِ

البحتري:

وأرى الجودَ نشاطاً يعتري

سادة الأقوام،والبُخل كَسلْ

البحتري:

ويحكمُ في ذخائرهِ نداهُ

كما حكم العزيزُ على الذليلِ

أخٌ للمكرُماتِ يُعَدُّ فيها

لهُ فضلُ الشقيقِ على الحميلِ

البحتري:

يا أبا جعفرٍ،لقد راحَ إفضا

لُكَ خطباً على الكرامِ جليلا

ردَّ معروفُكَ الكثيرَ قليلا

وأرى جُدكَ الجوادَ بخيلا

لا أظنُّ البُخّالَ يوفونكَ ال

شكرَ ولو كان بكرةً وأصيلا

جَعلتهمْ من غيرهم دُفَعٌ منكَ

أفادت حمداً وأعطت جزيلا

البحتري:

إحسانهُ دَرْكُ الرجاءِ وقولُهُ

عندَ المواعدِ شُعبةٌ من فِعلهِ

قسمَ التلادَ مُباعداً ومُقارباً

ورأى سبيل الحمدِ أصلحَ سُبلهِ

لم تُجهدِ الأجوادَ غايةُ سؤددٍ

إلا تناولها بأهونِ رُسلهِ

يُنبيكَ عن قُربِ النُّبوةِ هَديهُ

والشىء يُخبرُ بعضهُ عن كُلّهِ

البحتري:

عَمّتْ صنائعهُ فمنها جالِبٌ

شكراً،ومنها للحسودِ لجام

البحتري:

تداركني الإحسانُ منكَ ونالني

على فاقةٍ ذاك الندى والتطولُ

البحتري:

ولأنتَ غالبُ غالبٍ يوم الندى

كَرماً وواهبُ رفدها وجزيلها

البحتري:

لو أنَّ كفّكَ لم تَجُدْ لمؤّملِ

لكفاهُ عاجلُ وجهكَ المتهلّلِ

البحتري:

لهُ جوهرٌ في الجودِ يُبديهِ بِشرهُ

كذا السيفُ يبدو أثره بِصقالِ

البحتري:

فتىً لا نَداهُ حَجْرَةٌ حين يبتدي

ولا مالهُ مِلْكٌ لهُ حين يسألُ

إذا نحنُ أملناهُ لم يرَ حظّهُ

زكا،أو يرى جدواهُ حيثُ يُؤّملُ

البحتري:

باتَ مُضيفاً وبتُّ ضيفاً

فاشتبهَ الضّيفُ والمُضيفُ

البحتري:

حسبي بِجودكَ فذا أستعينُ بهِ

على الخُطوبِ إذا ما اعصوصت وكفى

البحتري:

رأوكَ أندى الورى كفاً وأمنعهمْ

كهفاً،وأوطأهم للمعتفي كنف

 

إذا جادَ كان الجودُ منهُ خليقةً

ولو ضنَّ كانَ الضّنُ منهُ تَخلّقا

البحتري:

كَرَمٌ يدرأ الخطوبَ ولا يدرأ

لؤمَ الخطوبِ غيرُ الكريمِ

البحتري:

سَمْحُ اليدينِ لهُ أيادٍ جَمّةٌ

عندي،ومنٌّ ليسَ بالممنونِ

البحتري:

تناولَ جودُهُ أقصى الأماني

وصدّقَ فِعلهُ حُسنَ الظنونِ

تروَعُ المالَ ضحكتهُ إذا ما

غدا مُتهللاً طِلْقَ الجبينِ

البحتري:

فكمْ من يدٍ بيضاءَ منكَ بلا يدٍ

ومن مِنّةٍ زهراءَ منكَ بلا مَنِّ

البحتري:

إذا سئلوا جاءت سَيولُ أكفُّهمْ

نظائرَ جَمّاتِ التلاعِ السوائلِ

البحتري:

وكمْ سُئلتَ فما أُلفيتَ ذا بَخل

ولا وجدنا عطاءً منكَ مَمنونا

البحتري:

والكريمُ النامي لأصلٍ كريمٍ

حَسَنٌ في العيونِ يزدادُ حسنا

البحتري:

تَقصّاهمُ بالجودِ حتى لأقسموا

بأنَّ نداهُ كان والبحر توأما

 

البحتري:

سحابٌ خطاني جودهُ وهو مسبلٌ

وبحرٌ عداني فيضهُ وهو مُفعمُ

البحتري:

تَبسُّمٌ وقطوبٌ في ندىً ووغىً

كالغيثِ والبرقِ تحت العارضِ البردِ

البحتري:

وحكى القَطر،بل أبرّ على القطر

بكف على البرية تندى

هو بحرُ السّماح والجود فازدد

منه قُرباً تزدد من الفقر بُعدا

البحتري:

هو أندى من الغمام وأوفى

وقعاتٍ من الحسام وأمضى

يتوخى الإحسان قولاً وفعلاً

ويُطيعُ الإله بسطاً وقبضاً

البحتري:

لو أنَّ كفّكَ لم تَجُدْ لِمؤِّملٍ

لكفاهُ عاجلُ وجهكَ المُتهلّلِ

ولو أنَّ مجدك لم يكنْ مُتقادماً

أغناكَ آخرُ سؤددٍ عن أوّلِ

البحتري:

والأرضُ تبذلُ في الربيعِ نباتها

وكذاكَ بذلُ الحُرِّ في سلطانهِ

واعلمْ بأنَّ الغيثَ ليسَ بنافعٍ

للناسِ ما لم يأتِ في إبّانهِ

البحتري:

وحليفي على الزّمانِ سَماحٌ

من كريمٍ للمكرُماتِ حليفِ

أريَحيٌّ لهُ على مُجتديهِ

وقّةُ الوالدِ الرحيمِ الرؤوفِ

البحتري:

متى جئتهُ عن موعدٍ أو فُجاءةً

تَهللَّ بدرٌ واستهلَّ غَمامُ

البحتري:

عَطاءٌ كضوءِ الشمسِ عمَّ،فمغربٌ

يكونُ سواءً في سناهُ ومشرِقُ

فلا بذلَ إلا بَذلهُ وهو ضاحِكٌ

ولا عزمَ إلا عَزمهُ وهو مُطرِقُ

البحتري:

وما اخترتُ داراً غيرَ داركَ من قِلىً

وأين تُرى قصدي ومن خلفيَ البحرُ؟

فإن بِنتُ عنكم مُصبحاً حضرَ الهدى

وإن غبتُ عنكم سائراً شهدَ الشعرُ

سأشكرُ لا أني أجازيكَ نعمةً

بأخرى،ولكن كي يُقالَ لهُ شكرُ

وأذكرُ أيامي لديكَ ونعمتي

وآخرُ ما يبقى من الذاهبِ الذّكرُ

البحتري:

ألامتْ سجاياهمْ وضنّتْ أكفُّهمْ

فإحسانهمْ سوء ومعروفهم نُكرُ

يكونُ وفُور العِرضِ هَمّكَ دونهمْ

إذا كانَ هَمُّ القومِ أن يفر الوفرُ

ولو ضربوا في المكرماتِ بِسُهمةٍ

لكانَ لهم في اللّفا،ولكَ الكُثرُ

البحتري:

نحن من تقريظهِ في خُطَبٍ

ما تقضّى وثناءٍ ما يُخِلْ

إن صمتنا لم يَدعنا جودهُ

وإذا لم يحسن الصمتُ فَقُلْ

البحتري:

يُحَسِّنُ من مديحي فيك أنّي

متى أعدُدْ عُلاكَ أجِدْ مقالا

ولستُ ألامُ في تقصير شُكري

وقد حملّتني المِننَ الثقالا

إذا سبقت يداكَ إلى عطاءٍ

أمِنّا الخُلفَ عندك والمطالا

وإن يَسّرتَ للمعروفِ قولاً

فإنّكَ تُتبعُ القولَ الفعالا

البحتري:

ومن يرَ جدوىيوسفَ بن محمدٍ

يرَ البحرَ لم يجمع نواحيهِ ساحلُ

البحتري:

هوَ الغيثُ يجري من عطاء ونائل عليك

فخذ من صبيبِ الغيث أو ذرِ

ولمّا تولّى البحر،والجود صنوه

غدا البحر من أخلاقه بين أبحرِ

البحتري:

وجدناهُ في ظلِّ السماحةِ مُشرقاً

بوجهٍ أرانا الشمسَ في ذلك الظِلِّ

ومن نعمةٍ في معشرٍ لو دفعتها

على جبلٍ لانهدَّ من فادحِ الثقلِ

شكرتُكَ شُكري لامرىءٍ جادَ ساحتي

بأنوائهِ طُرّاً ولما أقل:جُدْ لي

البحتري:

بني مَخْلَدٍ كفوا تدفُّقَ جودكم

ولا تبخسونا حظنا في المكارمِ

وكانَ لنا اسمُ الجودِ حتى جعلتمُ

تغضون منا بالخلالِ الكرائمِ

البحتري:

ساموكَ من حَسدٍ فأفضلَ منهمُ

غيرُ الجوادِ وجادَ غيرُ المُفضلِ

فبذلتَ فينا ما بذلتَ سماحة

وتكرّماً وبذلتَ مالم تبذلِ

البحتري:

لو أن كفّكَ لم تجد لمؤمل

لكفاه عاجل وجهك المتهلل

وتصرفت بك في المكارم همّة

نزلت من العلياء أعلى منزل

البحتري:

بقيت،فكائن جئت بادىء نعمة

يقلُّ السحاب أن يجيء رسيلها

وأعطيت طلابَ النوافل سؤلهم

فمن أين لا تعطى القصائد سولها؟

ووليت عمال السواد،فولني

قرارة بيتي مدة لن أطيلها

البحتري:

وقد شمل امتنانك كل حيّ

فهل من يفك به أسيرُ؟

وأعتقت الرقاب فَمُرْ بعتقي

إلى بلدي،وأنت به جدير

 

البحتري:

نَصبتَ لهم طَرفاً حديداً ومنطِقاً

سديداً ورأياً مثل ما انتضيَ النّصلُ

فما برحوا حتى تعاطتْ أكفّهم

قِراكَ ولا ضِغنٌ لديهم ولا ذحل

بكَ التأم الشَّعبُ الذي كان بينهم

على حين بُعدٍ منه واجتمع الشّمل

البحتري:

جوادٌ يرى أنَّ الفضيلةَ لم تَكُنْ

تجوزُ به الغاياتِ أو يتطوّعا

كريمٌ تنالُ الرّاحُ منه إذا سَرَتْ

ويُعجلُهُ داعي التصابي إذا دعا

وأبيضُ وَضّاحٌ إذا ما تَغَيّمتْ

يداهُ تجلّى وجههُ فتقشَّعا

ترى ولعَ السّؤالِ يكسو جبينَهُ

إذا قطَّبَ المسئولُ بشراً مُولّعا

 

تَخّلفَ شيئاً في رَويّةِ حلْمهِ

وحَنَّ إلينا بُذلُهُ فتسرّعا

فلا جُودَ إلا جُودُهُ أو كجودهِ

ولا بدرَ ما لم يُوفِ عشراً وأربعا

عددتُ فلم أُدرِكْ لفضلكَ غايةً

وهل يُدرِكُ السارونَ للشمسِ مطلعا

البحتري:

إلى مُسرفٍ في الجودِ لو أنَّ حاتماً

لديهِ لأضحى حاتِمٌ وهو عاذِلُهْ

فلما تأملّتُ الطلاقةَ وانثنى

إليَّ بِبشرٍ آنستني مخايلُهْ

دنوتُ فقّلتُ النّدى من يدِ امرىءٍ

جميلٍ مُحياهُ سِباطٍ أنامِلهْ

البحتري:

فأنتَ أكرمُ منسوبٍ إلى كَرَمٍ

وأنتَ أجودُ مُرتاحٍ إلى الجودِ

 

حاتم الطائي:

وإني لأقري الضّيفَ قبلَ سؤالهِ

وأطعن قدماً،والأسنةُ ترعفُ

وإني لأخزى أن ترى بي بطنة

وجارات بيتي طاويات وتُخَفُ

وإني لأعطي سائلي ولرُبما

أكلفُ ما لا يستطاع فأكلفُ

 

حاتم الطائي:

إذا كانَ بعضُ المالِ ربّاً لأهلهِ

فإنّي،بحمدِ الله،مالي مُعَبّدُ

يُفَكُّ به العاني،ويؤكَلُ طيبّاً

ويُعطى،إذا منَّ البخيلُ المُطّرَدُ

إذا ما البخيلُ الخب أخمد ناره

أقولُ لِمنْ يصلى بناري أوقدوا

توّسعْ قليلاً،أو يَكُنْ ثمَّ حَسبنا

وموقدها الباري أعف وأحمدُ

حاتم:

وكيفَ يُسيغُ المرءُ زاداً وجارُهُ

خفيفُ المِعا بادي الخصاصة والجَهدِ

حاتم الطائي:

متى يأتِ يوماً وارثي يبتغي الغنى

يجد جمع كف،غير ملء،ولا صفر

حاتم:

ألم تعلمي أني إذا الضيف نابني

وعزّ القِرى،أقري السديف المرهدا

حاتم الطائي:

يقولون لي،أهلكتَ مالكَ فاقتصدْ

وما كنتُ ـ لولا ما يقولون ـ سيدا

حاتم:

فلوميني،إذا لم أُقرِ ضيفاً

وأُكرِمْ مُكرمي،وأُهِنْ مُهيني

حاتم الطائي:

لا تعذليني في مالٍ وصلتُ بهِ

رحماً، وخيرُ سبيل المالِ ما وصلا

حاتم الطائي:

أماويَّ !إنَّ المالَ غادٍ ورائحٌ

أماويَّ !إني لا أقولُ لسائلٍ

ويبقى من المالِ الأحاديثُ والذِكرُ

إذا جاءَ يوماً حلَّ في مالنا النَّزرُ

أماويَّ! إما مانِعٌ فَمُبَيَّنٌ

وإمَّا عَطاءٌ لا يُنهنهُ الزَّجرُ

أماويَّ! ما يُغني الثراءُ عن الفتى

إذا حشرجت يوماً وضاقَ بها الصدرُ

أماويَّ !إنّ المال إمّا بذلتهُ

أماويَّ! إن يُصبحْ صدايَ بقفرةٍ

تَري أنَّ ما أفنيتُ لم يكُ ضرَّني

فأولّهُ شكرٌ وآخرهُ ذكرُ

من الأرضِ،لا ماءٌ هناك ولا خمرُ

وأنَ يدي ممّا بخلتُ بهِ صِفرُ

حاتم الطائي:

أعاذِلُ إنّ المالَ غيرُ مُخَلّدِ

وإنَّ الغنى عاريةٌ فتزوَّدِ

وكم من جوادٍ يُفسِدُ اليومَ جُودَهُ

وساوسُ قد ذكّرتهُ الفقر في غدِ

وكم لِيمَ آبائي فما كفَّ جُودَهم

ملامٌ ومن أيديهمُ خُلقت يدي

حاتم الطائي لغلامه:

أوقِدْ فإنَّ الليل ليلٌ قَرُّ

والرِّيحُ يا مُوقِدُ ريحٌ صرُّ

عسى يرى نارَكَ من يَمُرُّ

إن جَلبتْ ضيفاً فأنتَ حُرُّ

حاتم الطائي:

لا الجود يُفني المالَ قبل فنائهِ

ولا البخلُ في مالِ الشحيحِ يزيدُ

فلا تلتمس مالاً بعيش مُقَتِّرٍ

لِكُلِّ غد رزق يعود جديد

حاتم الطائي لزوجته نوار:

مَهلاً نَوَارُ، أقلّي اللّومَ والعَذلا

ولا تقولي لشيءٍ فاتَ ،ما فعلا

ولا تقولي لمالٍ كنتُ مُهلِكَهُ

مهلاً وإن كنتُ أعطي الجنَّ والخَبلا

يرى البخيلُ سبيلَ المالِ واحدةً

لاتعذليني في مالٍ وصلتُ بهِ

إنَّ الجوادَ يرى في مالهِ سُبُلا

رحماً وخيرُ سبيل المالِ ما وصلا

حاتم الطائي:

أما والذي لا يعلمُ الغيبَ غيرهُ

ويُحي العظامَ البيضَ وهي رميمُ

لقد كنتُ أطوي البطنَ والزادُ يُشتهى

مخافةَ يومٍ أن يُقالَ لئيمُ

حاتم الطائي:

أريني كريماً ماتَ من قبلِ حينهِ

فيرضى فؤادي أو بخيلاً مُخلّدا

حاتم الطائي:

وقد علِمَ الأقوامُ، لو أنَّ حاتِماً

أرادَ ثراءَ المالِ كانَ لهُ وَفْرُ

وإني لا آلو ،بمالٍ صنيعةً

فأوّلهُ زادٌ، وآخرهُ ذُخْرُ

يُفَكُّ بهِ العاني ويُؤكَلُ طَيباً

وما إن تُعَريهِ القِداحُ ولا لا الخمرُ

حاتم الطائي وفي بعض الروايات قيس بن عاصم المنقري:

أيا ابنةَ عبدِ الله وابنةَ مالكٍ

ويا ابنة ذي البُردينِ والفَرَسِ الوَردِ

إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ

أكيلاً فإنّي لستُ آكلَهُ وحدي

أخاً طارقاً أو جارَ بيتٍ فإنّني

أخاف مذَمّاتِ الأحاديثِ من بَعدي

وإنّي لعبدُ الضّيفِ مادامَ ثاوي

وما فيَّ إلا تلكَ من شِيمِةِ العبدِ

حاتم الطائي:

وعاذلتين هَبّتا بعد هَجعةٍ

تلومانِ متلافاً مُفيداً مُلوّما

تلومان،لمّا غَوَّرَ النجمُ،ضَلة

فتىً لا يرى الإنفاق في الحمدِ مغرما

فقلتُ،وقد طال العتاب عليهما

ألا لا تلوماني على ما تقدَّما

وأوعدتماني أن تبينا وتصرما:

كفى بصروف الدهرِ للمرءِ مُحَكِّما

فإنّكما لا ما مضى تدركانه

ولستُ على ما فاتني مُتندِّما

 

فنفسك أكرمها،فإنّكَ إن تَهُن

عليك،فلن تلقى لها الدهر مكرما

أهِن للذي تهوى التلادَ،فإنّهُ

إذا مُتَّ كان المالُ نهباً مُقسّما

ولا تشقينَ فيه فيسعد وارثٌ

به،حين يغشى أغبرَ الجوفِ مظلما

يُقسّمهُ غنماً ويشري كِرامه

قليلاً به ما يَحمدنَّكَ وارثٌ

وقد صرتَ في خطِّ من الأرضِ اعظما

إذا نالَ ممّا كنتَ تجمعُ مغنما

حاتم الطائي:

وإنّي لأستحي حياء يسّرني

إذا اللؤم من بعضِ الرجال تطلعا

إذا كان أصحاب الإناء ثلاثة

حيياً ومستحيا وكلبا مجاشعا

فإنّي لأستحي أكيلي أن يرى

أكفُّ يدي من أن تمسّ أكفهم

مكان يدي من جانب الزاد أقرعا

إذا نحنُ أهوينا وحاجتنا معا

وإنك مهما تُعطِ بطنكَ سؤله

وفرجكَ نالا منتهى الذمِّ أجمعا

حاتم الطائي:

وقائلةٍ أهلكتَ بالجودِ مالنا

ونفسَكَ حتى ضرَّ نفسك جودُها

فقلت:دعيني،إنما تلكَ عادتي

لكلِّ كريمٍ عادةٌ يستعيدها

حاتم:

تلومُ على إعطائي المال،ضِلةً

إذا ضنَّ بالمالِ البخيلُ وصّردا

تقولُ:ألا أمسِكْ عليكَ،فإنّني

أرى المال عند المسكين معبّدا

ذريني وحالي،‘نَّ مالِ وافِرٌ

وكلُّ امرىءٍ جارٍ على ما تعوّدا

حاتم الطائي:

وأجعلُ مالي دونَ عِرضي، جنةً

لنفسي،فأستغني بما كان من فضلي

ولي مع بذلِ المال والبأس،صولةٌ

إذا الحربُ أبدت عن نواجذها العصل

وما من لئيمٍ عالهُ الدهرُ مرةً

فيذكرها،إستمال إلى البخلِ

حاتم الطائي:

أشاوِرُ نفسَ الجودِ حتى تُطيعني

وأتركُ نفسَ البُخلِ لا أستشيرُها

وليسَ على ناري حجاب يكنها

لمستوبص ليلاً،ولكن أنيرها

حاتم الطائي:

ذريني يكُنْ مالي لِعرضي جُنّةً

يقي المالُ عِرضي،قبل أن يتبددا

أريني جواداً مات هَزلاً،لعلّني

أرى ما ترينَ أو بخيلاً مُخلّدا

وإلا فَكُفّي بعض لومكِ،واجعلي

إلى رأي من تلحين،رأيك مسندا

حاتم:

ولله صعلوك يساور همّهُ

ويمضي على الأحداثِ والدهرُ مُقدما

فتى طلباتٍ،لا يرى الخمص ترحة

ولا شبعةً،إن نالها،عدَّ مغنما

إذا ما أرى يوماً مكارم أعرضتْ

تيممَ كبراهنّ،تمت صمما

حاتم:

ولا تسأليني،واسألي أيُّ فارسٍ

إذا بادر القومُ الكنيفَ المُسّبرا

فلا هي ما ترعى جميعاً عشارها

ويصبحُ ضيفي ساهِمَ الوجهِ أغبرا

متى ترني أمشي بسيفيَ،وسطها

تخفني وتضمره بينها أن تجزرّا

حاتم:

إذا ما بخيلُ الناس هرت كلابه

وشق على الضيف الضعيف عقورها

فإني جبانُ الكلب،بيتي مُوَطأً

أجودُ،إذا ما الأنفسُ شح ضميرها

حاتم:

وإني لتهواني الضيوفُ إذا رأتْ

بعلياء ناري آخرَ الليل توقدُ

 

 

 

عنترة العبسي:

ومالي في الشدائدِ من مُعين

سوى قيس الذي منها يقيني

كريمُ في النوائبِ أرتجيهِ

كما هو للمعامعِ يصطفيني

لقد أضحى متيناً حبلُ راجٍ

تمسكَ منهُ بالحبلِ المتينِ

عنترة العبسي:

يا أيها الملكُ الذي راحاتُهُ

قامتْ مقامَ الغيثِ في أزمانهِ

يا مُخجلاً نوءَ السماءِ بِجودهِ

يا مُنقذَ المحزونِ من أحزانهِ

عنترة:

كفى حاجةَ الأضيافِ حتى يريحها

على الحيِّ منا كلُّ أروعَ ماجد

تراهُ بتفريجِ الأمور ولفّها

لما نالَ من معروفها غيرَ زاهدِ

عنترة:

وإذا صحوتُ فما أُقصّرُ عن ندىً

وكما علمت شمائلي وتكرمي

عنترة:

يفيضُ عطاؤه من راحتيهِ

فما ندري أبحرٌ أم غمام

 

عمرو بن معدي يكرب:

ويبقى بعد حلم القوم حلمي

ويفنى قبل زادِ القومِ زادي

 

علقمة الفحل:

لتبلغني دار امرىءٍ كان نائياً

فقد قَرّبتني من نداكَ قروبُ

 

عروة بن الورد:

هلا سألت بني عيلان كُلُّهم

عندَ السنين إذا ما هبت الريح

قد حانَ قدح عيال الحي إذ شبعوا

وآخر لذوي الجيرانِ ممنوحُ

عروة بن الورد:

فِراشي فراشُ الضيفِ والبيتُ بيتَهُ

ولم يلهني عنه غزال مُقَنّعُ

أحدثهُ إنَّ الحديثَ من القِرى

وتعلمُ نفسي أنه سوفَ يَهجعُ

عروة بن الورد:

إنّي امرؤٌ عافي إنائي شِركةٌ

وأنتَ امرؤٌ عافي إنائكَ واحدُ

أتهزأ مني أن سمنتَ وأن ترى

بوجهي شحوبَ الحقِّ والحقُّ جاهدُ

أُقَسِمُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ

وأحسو قَراحَ الماءِ والماءُ باردُ

عروة بن الورد:

وقد علمت سُليمى أن رأي

ورأي البخل مختلف شتيت

وأني لا يريني البخل رأي

سواءٌ إن عطشتُ وإن رويت

وأكفى ما علمتُ بفضلِ علمٍ

وأسالُ ذا البيانِ إذا عميت

 

ذو الإصبع العدواني:

أُكرِمُ الضّيفَ والنزيل،وإن بتّ

خميصاً،يضمُّ بعضيَ بعضي

 

معن بن أوس:

ولا مؤثراً نفسي على ذي قرابة

وأُؤثرُ ضيفي ما أقامَ على أهلي

 

أبو نُخيلة الراجز السعدي:

شكرتُكَ إنَّ الشكر حبلٌ من التقى

وما كلُّ من أوليته نعمةً يقضي

وألفيتَ،لما أن أتيتُكَ زائراً

عليَّ لحافاً سابغَ الطَولِ والعرضِ

وأحييتَ لي ذكري وما كان خاملاً

ولكن بعضَ الذكر أنبَهُ من بعضِ

 

المرار الفقعسي:

إذا افتقرَ المرَّارُ لم يُرَ فقرهُ

وإن أيسرَ المرَّارُ أيسرَ صاحبُهُ

 

امرؤ القيس:

وشمائلي ما قد علمتِ وما

نبحتْ كلابُكَ طارقاً مثلي

 

رويد بن وابصة الكناني:

كفى لك أن تخيّرها كريمٌ

لهُ في كلِّ مَكرُمةٍ يمينُ

يُقسِّمُ مالهُ والروضُ يُندي

وفي اللزبات أكرمُ ما يكونُ

 

ابن وابصة الثقفي:

وما وجدَ الأضيافُ فيما ينوبهم

لهم عند أزماتِ الشتاءِ فتىً مثلي

 

الأحنف بن قيس:

فلو مُدَّ سَروْي بمالٍ كثير

لَجُدتُ وكنتُ لهُ باذلاً

فإنَّ المروءة لن تُستطاع

إذا لم يكن مالها فاضلا

 

 

 

ابن الرومي:

لتهنأ رجالٌ لا تزال تجودهم

سحائبُ من كلتا يديك مواطِرُ

عُنيت بهم حتى كأنّك والدٌ

لهم وهم ـ دوني ـ بنوك الأصاغرُ

 

ابن الرومي:

فتى لا يرى تأخير غوث وليه

ولا يقتضيه الشكر بالعرض الأدنى

ولكنهُ يُعطي البلاغ إلى الغنى

إلى أن يعين الوجد هِمّته الكبرى

هنالك يدعو الشاكرين لشكره

بغير لسان بل بألسنة الجدوى

ابن الرومي:

من كُلِّ طُولٍ وطَولٍ في شمائلهِ

وكلِّ جودٍ في أناملهِ

من لا يرى المالَ إلا هَمَّ خازنهِ

ولا يرى الزادَ إلا ثقل آكلهِ

مما حفظناهُ من أمثالِ حكمته:

لن يملكَ المالَ إلا كفُّ باذلهِ

ابن الرومي:

لا تُفرطُ الجدوى أنامل كفّهِ

حتى يهشَّ إلى فَعال ثاني

يبغي بذلك قربةً أو صيتةً

وأثيرُ هِمّتهِ رضا الرحمن

عجزت يداي عن الجزاء فألقتا

عبء الشكور على ثناء لساني

ابن الرومي:

وأريحيُّ إذا جادتْ أناملهُ

في المَحْلِ لم يُستبَنْ للغيثِ فقدان

وكيفَ يبخلُ من نيطتْ به شِيمٌ

تقضي بأن ليس غير البذلِ قُنيان

وإنّ حاصلَ ما جادتْ يدا رجل

ما حُملّتْ ألسنٌ منه وآذان

ابن الرومي:

إذا أبو قاسمٍ جادتْ لنا يدهُ

لم يُحمد الأجودان:البحرُ والمطرُ

ابن الرومي:

كأن مواهبهُ في المحول

آراؤه عند ضيق الحيلْ

فلو كانَ غيثاً لعمَّ البلادَ

ولو كان سيفاً لكان الأجل

ولو كان يعطي على قدره

لأغنى النفوس وأفنى الأمل

ابن الرومي:

ليسَ الكريم الذي يُعطي عَطيّتهُ

عن الثناءِ وإن أغلى به الثّمنا

بل الكريمُ الذي يُعطي عطيّتهُ

لغيرِ شيئٍ سوى استحسانه الحَسنا

لا يستثيبُ ببذلِ العُرفِ مَحمدةً

ولا يَمُنّ إذا ما قَلّد المِننا

ابن الرومي:

غَمرتنا منكَ الأيادي اللّواتي

ما لِمعشارِها لدينا كِفاءُ

فنهانا عنكَ الحياءُ طويلاً

ثم قد ردَّنا إليك الحياءُ

ابن الرومي:

رأيتُ المَطل مَيداناً طويلاً

يروضُ طِباعَهُ فيه البخيلُ

فما هذا المِطالُ فدتك نفسي

وباعُكَ في النّدى باعٌ طويلُ

أظُنُّكَ حينَ تقدِرُ ليَ نوالاً

يَقِلُّ لديكَ منهُ الجزيلُ

ويُعوِّزُكَ الذي ترضى لمثلي

وإن لم يُعوِز الرأيُ الجميلُ

 

وفيما بينَ مَطْلِكَ واختلالي

يموتُ بدائهِ الرّجلُ الهزيلُ

فلا تَقدِرْ بِقدرِكَ ليَ نوالاً

ولا قَدري فتحقِرْ ما تُنيلُ

وأطلِقْ ما تهُّمُ به عساهُ

كفاني أيّها الرجل النبيلُ

ابن الرومي:

المُنعمونَ وما منّوا على أحدٍ

يومَ العطاءِ ولو مَنّوا لما مانوا

كمْ ضَنَّ بالمالِ أقوامٌ وعندهمُ

وَفْرٌ،وأعطى العطايا وهو يدانُ

ابن الرومي:

يامن غدا مالهُ في الناسِ مُشتركاً

ومن تَوحّدَ بالمعروف وانفردا

ابن الرومي:

لهُ مواعيدُ بالخيراتِ ناجزةٌ

لكنّهُ يسبقُ الميعاد بالصَّفَدِ

يُعطيكَ في اليوم حق اليوم مبتدئاً

ولا يضيع بعد اليوم حقّ غدِ

ابن الرومي:

وهذا شتاء قد أظلَّ رواقه

وجارُكَ جارٌ لا يخاف

ابن الرومي:

يا وجه ذي كرمٍ حالت بشاشتهُ

لن تُحسن الشمسُ إلا ذاتَ إشراق

ابن الرومي:

إذا أمطرت كفاه بالبذل نوَّرت

له الأرض واهتزت رباها من الخصب

ابن الرومي:

يتلقى المُدفّعين عن الأب

واب بالبِشرِ منه والترحيبِ

لو أبى الراغبونَ يوماً نداهُ

لدعاهم إليه بالترهيبِ

رُبَّ أُكرومةٍ له لم تَخَلها

قبلهُ في الطباعِ والتركيبِ

ابن الرومي:

رأيتُكَ لا تَلَذُّ لطعمِ شيءٍ

تَطعّمهُ سوى طعمِ العطاءِ

وما أهدي إليك من امتياحي

أحبَّ إليكَ من حسنِ الثناءِ

ولكنّي أُلقيِّ العُرفَ عُرفاً

وإن كنتُ الغنيَّ عن الجزاءِ

ابن الرومي:

لاقيتُ من لا أُبالي بعدهُ أبداً

من ضَنَّ عني بمعروفٍ ومن سمحا

وجادَ جودين:أما الكفُّ فانبسطت

بما أنالَ،وأما الصدرُ فانشرحا

ابن الرومي:

ليسَ الجوادُ بمن يجودُ غُدّوهُ

حتى يجودَ غدُّوه ورَواحهُ

ويطولُ بين السائلينَ بقاؤهُ

وكأن خاتمَ وجوده مفتاحهُ

ابن الرومي:

رأيتُكَ تُعطي المالَ إعطاءَ واهبٍ

إذا المرءُ أعطى المالَ إعطاءَ مشتري

ولكن رأيتَ العُرفَ عرفاً لعينهِ

فجُدتَ ببذلِ العرفِ جُودَ مُخيّرِ

وفي الناسِ من يُعطي عطاءً مُتاجرٍ

وآخر يعطي كالسحابِ المثسّخرِ

ابن الرومي:

منابذ لأعاديه وثروتهِ

ممن يرى المنعَ إسرافاً وحُقَّ لهُ

فليس يألوُهما ما اسطاع إتلافا

أليسَ ما يُتلف الأعراض إسرافا

أمسى أبا منزلٍ والجودُ خادِمهُ

والأرضُ داراً له والناسُ أضيافا

أولى المضيفين بالدفء الملوذ به

مشتىً وأجدرهم بالظلِّ مصطافا

يلينُ للريحِ إن هزّتهُ ليّنةً

ولا يلين إذا هزّته مِعصافا

ابن الرومي:

وإذا امرؤٌ مدحَ امرأً لنوالهِ

وأطالَ فيه فقد أرادَ هجاءه

ابن الرومي:

والناسُ تحت سماء منكَ مُشمسةٍ

والناسُ تحتَ سماء منك مدرار

ابن الرومي:

هب الروض لا يثني على الغيث نشره

أمنظره يُخفي مآثره الحسنى

ابن الرومي:

أصبحتُ بين حضاضةٍ ومذّلةٍ

والحرُّ بينهما يموت هزيلا

فامُددْ إليَّ يداً تعوّدَ بطنُها

بذلَ النّدى وظهورها التقبيلا

ابن الرومي(رواية أخرى):

أصبحتُ بين ضراعة وتجمّل

فامدد إليَّ يداً تعوّدَ بطنها

والمرءُ بينهما يموت هزيلا

بذلَ النوالِ وظهرُها التقبيلا

ابن الرومي:

قومٌ سماحتهم غيثٌ،ونجدتهم

غَوثٌ،وأراؤهم في الخطب شُهبانُ

صانوا النفوسَ عن الفحشاء وابتذلوا

منهنّ في سُبُلِ العلياء ما صانوا

المُنعمونَ وما منّوا على أحدٍ

يوماً بنعمى،ولو منّوا لما مانوا

ابن الرومي:

مهما أتى الناسُ من طَولٍ ومن كَرَمٍ

فإنّما دخلوا البابَ الذي فتحا

ابن الرومي:

هو بحرٌ من البحورِ فرات

ليسَ ملحاً،وليسَ حاشاهُ ضحلا

ابن الرومي:

مُقَبَّلُ ظهرَ الكفِّ،وهّابُ بطنها

لهُ راحةٌ فيها الحطيمُ وزمزمُ

فظاهرها للناس ركنٌ مُقَبّلٌ

وباطنها عينٌ من الجودِ عَيلَمُ

ابن الرومي:

تعوّدتِ المواهبَ والعطايا

أناملُ فيضُ راحتها انسجامُ

فليس لها عن الحمد انفراج

وليس لها على المال انضام

ابن الرومي:

وأنت الذي لا يُنكرُ الناس أنه

هدىً لأخي جورٍ،غنىً لفقيرِ

لكَ الدهرُ معروفٌ شهيرٌ،وإنّما

تحب من المعروفِ كلَّ ستير

إذا زاركَ العافونَ كان إيابُهم

إيابَ بشيرٍ لا إيابَ نذير

ابن الرومي:

والحمدُ رلله أعلاني وشرفني

حتى تعاليتُ أن تُسدى إليَّ يدُ

للِعُرفِ نحو أناسٍ مسلك صَبَبٌ

ومسك العرف نحوي مسلك صَعَدُ

ابن الرومي:

فتى يرى ماله كالداءِ يحسمهُ

ولا يراه كعضوٍ منه محروزِ

يهتزُّ للمجدِ من تلقاء شيمته