نعمة الصحّة والعافية

بسم الله الرحمن الرحيم

نعمة الصحة والعافية

يقول الله تعالى في محكم كتابه:{وإن تَعُدُّوا نِعمةَ الله لاتُحصوها إنَّ الله لَغفورٌ رحيم}[النحل 18]،وقال تعالى:{وإن تعدوا نعمةَ الله لاتحصوها إنّ الإنسانَ لَظلومٌ كَفّار}[إبراهيم 34].

يقول الأستاذ العلامة محمد الغزالي رحمه الله(جدد حياتك ص135):

“ما أكثر النِّعم التي بين أيدينا وإن غفلنا عنها!!

أقليلٌ أن يخرج الإنسان من بيته وهو يهزُّ يديه كلتيهما،ويمشي على الأرض بخطوات ثابتة،ويملأ صدره بالهواء في أنفاس رتيبة عميقة، ويمدُّ بصره إلى آفاق الكون، فتنفتح عيناه على الأشعة المنسابة،وتلتقط اذناه مايموج به العالم من حَراك الحياة والأحياء؟

إن هذه العافية التي تمرح في سَعتها  وتستمتع بحريتها ليست شيئاً قليلاً.

وإذا كنتَ في ذهول عمّا أوتيت من صحة بدنك،وسلامة في أعضائك،وإكتمال في حواسك،فاصحَ على عجل…وذق طعم الحياة الموفورة التي أتيحت لك،واحمد الله ـ وليَّ أمرك ووليَّ نعمتك ـ على هذا الخير الكثير الذي حباك إياه”.

لقد عدّ الإسلام صّحة الإنسان من أجَلّ  نِعَمِ المولى تعالى على الإنسان من بعد نعمة الإيمان واليقين . وقد جاءت  التشريعات والتعاليم في الإسلام  لتعتني بأسس الحياة الصّحية وتهتم بسبل الوقاية من الأمراض،لأن المسلم صحيح البنية أقدر على القيام بالواجبات المترتبّة عليه تجاه ربه وتجاه نفسه واسرته وتجاه مجتمعه وأمته.

إنّ الصّحة نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في الأهمية،وتقع في قِمم النِعَم الدنيوية،لأنّ الإنسان صحيح الجسم والعقل قادر على أن يقوم بالعمل والتعلم والكفاح في مجالات الحياة المتنوعة، وأن يؤدي واجباته الدينية والدنيوية،وأما الإنسان المريض فإنه محدود الإمكانات،عاجزعن القيام بكل الواجبات . كما أن اليقين  وهو الإيمان الراسخ هو القاعدة المتينة لصلاح النفس وسلامة القلب والإنطلاق لفعل الطاعات والخيرات في الدنيا وهو الأساس للنجاة في الأخرة،ولذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مابين اليقين والعافية فقال :” أسألُ الله ىالعفوَ والعافية،فإن الناس لم يُعطوا بعد اليقين شيئاً خيراً من العافية . [ جزء من حديث شريف أخرجه احمد عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط البجلي وقال المحدث أحمد شاكر: حديث صحيح].

وقال صلى الله عليه وسلم: ” وسلوا الله المعافاة فإنه لم  يؤتَ أحدٌ بعدَ اليقين خيراً من المُعافاة”[  جزء من حديث شريف رواه ابن ماجة عن أبي بكر رضي الله عنه وقال الألباني:حديث صحيح].

نعم انّ نعمة الصّحة من أجَلّ نِعم الله على عباده ولا يعرف حلاوتها إلا من ذاق مرارة الأوجاع والأسقام،ومن واجب كل مسلم أن يحافظ على هذه النعمة،ويحرص عليها من التبدّيل والتغيير بإساءة التصرف وإلا حَلّ به العقاب جزاءً وفاقاً بمقتضى سنن الله الثابتة . يقول تعالى :{ومن يبُدّل نعمة الله من بعد ما جاءته فإنّ اللهَ شديدُ العقاب} [البقرة 211].

يقول الأستاذ الدكتور محمد لطفي الصباغ رحمه الله (كتاب أيها المؤمنون ـ تذكرة للدعاة ص44):

أيها المؤمنون! احمدوا الله على نعمة العافية..واشكروه عليها. إنّ الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايعرفه إلا المرضى.والسعيد من عرف النعم في أثناء وجودها،فقام بحقها،وأحسّ بقيمتها،واستمتع بمزاياها.

إن مال الدنيا كُلّه لايعدل ألماً يعتري الإنسان في عضو من أعضائه،أو حسرةً على حاسّة من حواسِّه فقدها،أو قدرة عُطلّت في جسمه.

نعم إن الخلاص من الأوجاع والآلام نعمة عظمى،والبصر والسمع والعقل والقدرة على قضاء الضروري من الأمور في الحياة…كل أولئك من المِنن الجليلة التي لاتقدر.

وإن شكر نعمة العافية والسلامة لايكون في اللسان فقط. بل شكرها الحقيقي أن تُستعمل تلك الحواس والقدرات في طاعة الله وعبادته وحده، والإحسان إلى عباده”

ويتابع الدكتور الصباغ(نفس المرجع ص46):

” إن من شكر نعم الحواسّ..التي منّ الله بها عليك أن تستعملها فيما يوصلك إلى رضوانه. يقول تعالى:{ولاتَقفُ ماليسَ لكَ بهِ عِلمٌ إنّ السّمعَ والبصرَ والفؤادَ كُلُّ أولئكَ كانَ عنهُ مسئولا}[الإسراء 36].

إنك يا أخي مسؤول عن هذه الحواس،فاسمع الحق سماع وعي وتنفيذ،وأبصر آياته التي بثّها في هذا الكون لتقودك إلى الإيمان وافقه بفؤادك حقائق الدين واحذر ان تكون ممن قال فيهم:{ومنهم من يَستمعُ إليك وجعلنا على قُلوبِهم أكنةً أن يفقهوهُ وفي آذانهم وَقراً وإن يروا كُلَّ آيةٍ لايؤمنوا بها}[الأنعام25].

ومن أجل هذا ومن أجل ان يستثمر الإنسان هذه النعمة خيرَ استثمار جاءت نصوص القرآن الكريم والسّنة النبوية المطّهرة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم،تبُين على أهمية هذا الأمر وتضعُ المناهج الصحيّه رفيعة المُستوى بحيث أصبحَ الإرشاد الصّحي النبوي قولاً وعملاً وتطبيقًا متقدّماً على غيره.

ومن الأحاديث النبوية الشريفة في هذا الموضوع نذكر:

قال صلى الله عليه وسلم  “من أصبحَ  منكم آمناً في سِربهِ، مُعافىً في جسده عندهُ قُوتُ يومه، فكأنّما حِيزتْ لهُ الدّنيا “ “[رواه التِرمذي وغيره بسند حسن عن عبد الله بن محصن الأنصاري عن أبيه وقال الألباني:حديث حسن].

وقال صلى الله عليه وسلم “لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن عُمرهِ فيمَ أفناه،وعن علمهِ فيمَ فعل،،وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ انفقه،وعن جسمهِ فيمَ أبلاه” .[اخرجه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي وقال حديث حسن صحيح ،وفي روايه ابن مسعود وقال الألباني:حديث صحيح]

وقال صلى الله عليه وسلم:”اللهم اهدنا فيمن هديت،وعافنا فيمن عافيت،وتولّنا فيمن توليت،وبارك لنا فيما أعطيت،وقنا شرَّ ماقضيت،إنك تقضي ولا يُقضى عليك،إنه لايذلُّ من واليت،ولا يَعزُّ من عاديت،تباركت ربّنا وتعاليت”[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وقال الألباني:حديث صحيح],

وقال صلى الله عليه وسلم “:إنّ أوَّلَ مايسألُ عنه يوم القيامة ـ يعني العبد ـمن النّعيم أن يُقال له :ألم نُصِحَّ لك جسمك ونرويك من الماء البارد ؟”.[رواه الترمذي  وابن حبان والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه ].

وقال صلى الله عليه وسلم ” نِعمتان،مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِحّة والفراغ “[رواه البخاري والتِرمذي وابن ماجة وأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما ].

قال ابن بطال من حصل له من ذلك أي النعمتان فليحرص على ألا يغبن بأن لا يترك شكر الله على ما أنعمَ به عليه،ومن شكره :امتثالُ أ مره ،واجتنابُ نواهيه فمن فرطّ في ذلك فهو مغبون،وهو من الغبن في البيع والشراء(من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي فصل فضل العلم ص63)

.يقول تعالى:{لئن شكرتم لأزيدنكم}[ابراهيم7]، وإذا لم يحافظ على نعمة الصحة فإنه قد يحرمها، قال تعالى:{ذلك بأنَّ الله لم يكُ مُغيِّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم}[الأنفال 53]،وإن زوال نعمة الصحة قد يؤدي إلى العقوبة ومنها الإصابة بالأمراض والأوجاع، يقول تعالى:{ومن يُبدِّل نعمة الله من بعد ماجاءته فإنَّ الله شديدُ العقاب}[البقرة 211]

ويقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى :

“قد يكون الانسانُ صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغلهِ بالمعاش،وقد يكون مُستغنياً ولا يكون صحيحاً،فإذا اجتمعا فغلبَ عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون،وتمام ذلك أن الدّنيا مزرعةُ الأخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الأخرة،فمن استعمل فراغه وصحّته في طاعةِ الله فهو المغبوط،ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون،فالفراغ يعقبهُ الشّغل،والصّحة يَعقبُها السّقم ، وقالوا:

يَسُّرُ الفتى طُول السلامة والبقا        فكيف ترى طول السلامة يفعل

يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة              ينوء إذا رام القيام ويحمل

ويقول الاستاذ محمد لطفي الصباغ  في كتابه( قضايا في الدين والحياة والمجتمع ص283)حول هذا الحديث الشريف نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ  يقول:

“إنّ الصحةَ نعمةٌ عظمى تتُيح للمرءِ أن يَسعدَ في الحياة،وأن يتنّعمَ بما أحَلّ الله له من الطّيبات،لأنَ المريضَ لا يجدُ اللّذة في كل مِتعِ الحياة،فالماءُ العذبُ مرٌّ في فمهِ ينُكره ولا يَسيغه،ولو شربهُ إنسانٌ مُعافى لوجدهُ عذبًا زُلالاً  كما قال المتنبي:

ومنْ يَكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ             يجد مُراً بهِ الماء الزُلالا

وكما قال الإمام البوصيري:

قد تنُكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رَمدٍ     وينُكِرُ الفمُ طعمَ الماءِ مِنْ سَقمِ

ويتابع  الدكتور الصباغ:

“والسعادة التامة،والهناءة الكاملة،لا تكونان إلا بالصّحة،ولا يمكن للمال أن يحل محلها ولا أن يأتي بها إن غابت،بينما الصّحة تأتي بالمال إن كان صاحبها موفقا نشيطا،وإن الغني المريض يتمنى لو يفتدي بمالهِ كلّه مايُعاني من المرض،ويتابع :

” والمريض لا يقوى على الاستكثار من النوافل والقُربات من صَلاة وصِيام وحجّ وعمرة وإعانة للضّيف وإغاثة للملهوف وأمرٍ بالمعروف ونهيٍّ عن المُنكر وما إلى ذلك من صُنوفِ الخير والطاعة.  ويتابع :

” فالعاقل من يغتنم صحّتهُ ويستعينُ بها في القيام بالواجبات واجتناب المُحرمات والتزود من الخير،وهذا هو الشكر الحقيقي ومن لم يفعل ذلك كان مغبوناً وماذا بعد الصّحة إلا المرض.

ويتابع :

“والسعيد من عرف النعمة وقدّرها قدرها وهي موجودة فقامَ بواجبِ شُكرها أمّا الذي لا يعرف النعمة إلا بعدَ زوالِها فهو إنسانٌ مخذولٌ فاتهُ وقت الشّكر وضاعت عليه النعمة، وقد قيل الصحةُ تاجٌ على رؤؤسِ الأصحاء لا يعرفهُ إلا المرضى . انتهى الكلام للدكتور الصباغ.

نعم ،وكما أن الوقايةَ خيرٌ من العلاج من الناحية المادّية والدنيويّة،فإنّ العافيةَ مع الشُكرِ خيرٌ من المرضِ مع الصبر من الناحية الروحية والأخروية،لأن مجالات اكتساب الثواب والأجر للإنسان الصحيح من القيام بالفرائض والنوافل على أتمِّ وجه، وتقديم العون لأهله ولغيره تزيد على مايناله من الصبر مع المرض.

جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،عاد رجلاً من المسلمين قد خفتَ فصار مثل الفرخ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:هل كنتَ تدعو بشىءٍ،أو تسألهُ إيّاه؟قال: نعم،كنتُ أقول:اللهمَّ ما كُنتَ معاقبي به في الآخرة،فعجله لي في الدنيا،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:سبحان الله لا تُطيقه،أو لا تستطيعه،أفلا قلت:اللهمَّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة،وقنا عذاب النار قال: فدعا الله له،فشفاه”.[صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

يقول التابعي مُطرِّف بن عبد الله بن الشِخير : لأن أُعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أُبتلى فأصبر .

ويقول الدكتور محمود ناظم النسيمي(الطب النبوي والعلم الحديث):

“تبدو أهمية الصحة واضحة في أداء الصلوات والصيام والجهاد في سبيل الله تعالى.فإن بإمكانية المسلم المتمتع بصحة جيدة أن يؤدي صلواته على أكمل وجه وأتم حضور،لايقطعه عنه ألم ولا إعياء ولاغيرهما من العوارض المرضية،ولا سيما إن سلم من الهموم والشواغل النفسية.

وكذلك فإن الصحيح يستطيع أن ينعم بخيرات مدرسة الصيام،وأن يظفر بمبرات منلسك الحج.وأن يلقى من انشراح الصدر وطمأنينة النفس ما يفوق بكثير ما يكون عليه معظم المرضى.

أما في الجهاد فغن ضرورة الصحة تبدو واضحة جداً في الإعداد له وفي واقع ميادينه.يستطيع المسلم المريض أو ذو العاهة أن يصلي قاعداً أو مضطجعاً كما يستطيع أن يؤجل الصوم إلى وقت الصحة فيقضيه أو يدفع فدية،حسب حالته الصحية،والحكم الشرعي المتعلق بذلك،ولكنه لا يستطيع ممارسة التدريب والإعداد فضلاً عن ممارسة الكفاح والجهاد.

كيف تؤدب أمة عدوها أو ترد المعتدي عنها أو تطرد الغاصبين لجزء من وطنها،إذا كان أفرادها ضعيفي البنية أو كثرت فيهم الأمراض والعلل.فالأخذ بمبادىء فن الصحة هم الخطوة الأولى في إعداد قوة الجسم للجهاد.

وكما أن الأخذ بمبادىء وتعاليم فن الصحة وسيلة للتقوي على القيام بأركان الإسلام ورفع عماده وإعزاز ذروة سنامه،فإن الأخذ بها وسيلة أيضاً للتقوي على القيام بشعب الإيمان والإسلام،من واجب الاكتساب لإعالة الأسرة،ومن التسابق في ميادين الخير وتقديم المساعدات والعون إلى المحتاجين.

ومن أجل ما سبق كان المؤمن الجامع لأنواع القوى الخيرة مفضلاً وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير،لأن ذلك المؤمن القوي في إيمانه،القوي في تفكيره،القوي في جسمه،يستطيع أن يرتقي في مجالات المعالي دنيا وآخرة درجات عُلا”.

وقال الشيخ أسامة الخياط:

“فكم من مَتّعهُ الله بسمعهِ وبصره ِوقوتهِ،وحفظ عليه نضرةَ الشّباب ورونقه وبهاؤه مغبون في صّحته حين لا يستعملها فيما يُبلغّهُ رضوان ربّه الأعلى ونزول دار كرامته،وحين لا يستثمرها في كل ما يسعد به في دنياه وآخرته، وحين ينسى أنَّ آفة النعم الزوال؟! فكم من صحيح لا يشكو من علة في نفسه نزل به السقام ووهنته الأمراض،وأقضت مضاجعه العلل فسعت به إلى شيخوخة مبكرة،وعلّة مستحكّمة،أو داء حائل بينه وبين مايشتهي من متع الحياة الأثيرة لديه المذلّلة المبذولة بين يديه،فإن كان ممن أبلى شبابه،وأفنى عمره،واستنفد قوته فيما يحرُم من الشهوات والنزوات وما يُحَقَّر من الأعمال وما يستقبح من الغايات،ولم يبتغِ إلى الوسيلة بما يرضيه  ولم يدَّخر عنده سبحانه من الرصيد ما يسعد به حين يلقاه،غُبن هنالك غُبنا أورثه حَسرة وأعقبه ندامة لا نظير لها  لتفويته الفرصة،وإضاعته المغنم  وتبديله الأرباح .

وقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم إنّي أسألكَ العافية في الدنيا والآخرة  اللهم  أسالكَ العفوَّ والعافية في ديني ودُنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمِنْ رَوعاتي  اللهمَّ احفظني من بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذُ بعظمتك أن اُغتال من تحتي “.[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال الألباني: حديث صحيح].

وقال صلى الله عليه وسلم  “اللهم إني اعوذُ بكَ من زوالِ نعمتك وتَحّولِ عافيتك وفُجاءةِ نقمتك وجَميعِ سَخطك ” [رواه مسلم وأبو داوود والتِرمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما].

وقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أسألكَ العفوَّ والعافية والمُعافاة الدائمة في الدين والدنيا والاخرة “[رواه البخاري].

عن ابي الفضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال :قلت يارسول الله علمنّي شيئاً أسأله الله تعالى ؟ قال سَلوا الله العافية، فمكثت أياماً ثمّ جئت فقلت يارسول الله علمّني شيئاً أسأله الله تعالى ؟ قال لي: يا عباس يا عمَّ رسول الله، سَلوا الله العافية في الدنيا والآخره”.[رواه الترمذي  وأحمد وقال المحدث شعيب الأرناؤوط: صحيح].

وجاء في كتاب بهجه المجالس (ج1 ص383) عن عيسى عليه السلام:“إنما الناسُ مُبتلىً ومُعافى، فإذا رأيتم أهلَ البلاءِ فارحموهم ،وسَلوا الله العافيه”.

ويخطئ كثير من جهال الناس وبعض العلماء عندما يظنون أن الإنسان إذا فقد الصحة والعافية وعاش في إسار المرض والألم أنه عندما يدعو ربه بأن يجعله من العباد المبتلين المفتونين أنه قد فهم الإسلام حقاً؟ لا والله إنه لم يفهم الإسلام حقاً بهذا الدعاء المشوب بالجهل والغفلة، وإنه لم يفهم الإسلام حق الفهم.

يقول الأستاذ محمد الغزالي رحمه الله(جدد حياتك ص45):

“على أن من أهل الدين من ظلم حقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر،فظنّ أن هذا الإيمان يعترض الحياة الصحيحة،كما يعترض ظلّ الارض ضوء القمر ليلة الخسوف.إن وظيفة هذا الإيمان لديهم أن يجئ إلى الحياة البَهجة فيرمي جوانبها بالقتام والوحشة،فما تصفو الدنيا لمؤمن، أو بتعبير أدق: إن مقتضى الإيمان اجتذاب البأساء والضراء والكَبد والنّكد إلى حياة الأفراد والجماعات.

وهذا خطأ كبير وظلم للدين جسيم، فإن نبي الإسلام ـ وهو أزكى من عبد الله ـ لم يفهم الحياة هذا الفهم، ولم يحُمّل الإسلام هذا العبء…كيف وهو القائل في الحديث الشريف:”اللهم أصلح لي ديني الذي هو عِصمة أمري،وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي،وأصلح لي آخرتي التي فيها مَعادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، واجعل الموتَ! راحة لي من كل شر“[رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].

ولماذا يُحسب الألم والهوان والقلق من لوازم اليقين، أو تُحسب وسائل لمرضاة الله،مع أن رسول الإسلام كان يكرهها كلّها ويستجير بالله منها.فعن أبي هريرة رضي الله عنه:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من جَهد البلاء، ودَركِ الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء”.[أخرجه الشيخان].

إن من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ من وقع في هذا الغلط، وحسب أن التعرض العمد للضرّ كفارة للخطايا، فأفهمهم النبي السّمح أن الأمر أيسر من ذلك. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ ـ هزالاً ـ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:”هل كنت تدعو الله بشئ أو تسأله إياه؟ قال:نعم. كنت أقولك”اللهم ماكنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدنيا”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:سبحان الله!!لاتطيقه، افلا قلت:اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”. قال: فدعا الله له فشفاه”.[رواه مسلم]

وقال مُطَرِّف بن عبد الله:”لأن أعافى فأشكر أحب إليّ من أن أُبتلى فأصبر،لأن مقام العوافي أقرب إلى السلامة، فلذلك أختار الشكر على الصبر لأن الصبر حال أهل البلاء”.

وجاء في العقد الفريد:قال الأعمش :أتاني عبد الله بن سعيد بن أبي بكر فقال لي:ألا تعجب،جاءني رجل فقال:دلني على شيء إذا أكلته أمرضني،فقد استبطأت العلة،وأحببت أن أعتلّ فأوجر.فقلت له: سل الله العافية،واستدم النعمة،فإن من شكر على النعمة كمن صبر على البلية”.

قال الدكتور زكي مبارك:”وصاحب هذا الكلام يرى العافية من أبواب السلامة، أي سلامة النفوس، لأن البلاء قد يعرض النفس للجزع والإرتياب،وتعريض النفس للفتنة غير مأمون العواقب.أما العافية فتحفظ توازن النفس، وتجعل الرجل قادراً على صالح الأعمال”.

ويتابع  الدكتور مبارك”والحق أن الإنسان يكابر حين يُرّحب بالمصائب،لأنه أسيرٌ لنظام الأعصاب في أغلب الأحيان.ومن الخير أن يسأل الله العافية وأن يتجنّب التعرض للإمتحان،فقد يضعف عن مواجهة مايشتهي من المصاعب،ويعرف بعد الإنزلاق في هوة المكاره أن العزيمة قد تفتر أو تخون.

وعند التأمل ترى النِّعم والعوافي تزيد في الصلة الروحية بين الإنسان وربه،والفرق بعيدٌ بين الحالين:حال الطمأنينة، وحال الإحتساب، فالمطمئن ينظر إلى ربه نظرة المدين،وهي نظرة كلها ترّفق وتخشّع. أما الصابر المحتسب فيتعرّض للزهو بالصبر على مايُعاني. والزهو من أشد آفات النفوس”.

ويتابع الشيخ الغزالي:”وهذا كلام حسن جيد…ونحن نحبّ أن نكون عبيد إحسان لا عبيد امتحان”.

لذا الدعاء المستمر والمتواصل أن يمنّ الله علينا بنعمة اليقين والإيمان،ونعمة الصحة والعافية والسلامة من كل الأوضار والأوجاع وسئ الأسقام.

جاء في بهجة المجالس (ج1 ص60 )قيل لعبد الله بن عمر لو دعوتَ لنا ؟فقال :”اللهم اهدنا وعافنا وارزقنا . فقال له رجل لو زدتنا يا ابا عبد الرحمن ؟ فقال أعوذ بالله من الإسهاب”.

وجاء في كتاب الحِلية عن سليمان الحكيم عليه السلام ” لا غِنى أفضل من صِحّة جسم،ولا نعيمَ أفضل من قُرّةِ عين”.

وقال لقمان الحكيم :” نقلتُ الصخور،وحملتُ الحديد،فلم أر َشيئاً أثقل من الدّّين، وأكلت الطيبات وعانقتُ الحِسان  فلم أر شيئاً ألذّ من العافية”( عن كتاب المستطرف للابشيهي).

قال أبو الدّرداء رضي الله عنه :” أحبُّ ثلاثة لا يُحبهنّ غيري: أُحبّ المرضَ تكفيراً لخطيئتي،وأحبّ الفقرَ تواضعاً لربّي،وأحبّ الموتَ إشتياقاً إليه  “فذُكرَ ذلك لإبن سيرين فقال  :لكنّي والله لا أحبّ واحدة من الثلاثة،أما الفقر فوالله لَلغِنى أحبّ إليّ منه، لأن الغِنى بهِ يُوصل ُالرحم،ويُحجّ البيت،وتُعتقُ الرقاب وتبُسط اليد الى الصدقة، وأما المرض فو الله لأن أُعافى فأشكر احب ّإلي من أن ابتُلى فأصبر، وأما الموت فو الله مايمنعنا من حبّه إلا ماقدمناه من أعمالنا،فنستغفر الله عز وجل “( من كتاب البصائر والذخائر للتوحيدي ج1 ص203  مقطع 627)

وفي نفس المرجع ايضا(بهجة المجالس) الأقوال التالية:

قال ابراهيم النخعي :” كانوا يكرهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المبُتلى”

وقال أكثم بن صيفي :” العافية المُلك الخفي”

وقال سليمان التيّمي :” إنّ المؤمنَ ليُبتلى ويُعافى فيكون بلاؤهُ كفارة،وإنَّ الكافرَ ليبتُلى ويُعافى فيكونُ مثلَ بعيرٍ عُقِلَ،لا يدري فيمَ عُقِلْ ولا لمَ أُرسل”.

وقال علي بن الحسين :” ما صاحبُ البلاءِ الذي قد طالَ بهِ أحقّ بالدعاء من المُعافى الذي لايأمن البلاء”.

وقال الأحنف بن قيس :”لا خيرَ في قولٍ إلا بفعل،ولا في مالٍ إلا بجود،ولا في صديقٍ إلا بوفاء،ولا في صدقة إلا بِنيّة ،ولا في حياة إلا بصحةٍ وأمن”.

ويصف أحمد بن حنبل الشافعي رضي الله عنهما فقال :”كان الشافعي كالشمسِ للدّنيا،وكالعافيةِ للبدن،هل لهذين من خَلف اوعنهما من عَوض”.

وقال الإمام ابن حزم الاندلسي في كتاب مُداواة النفوس:

“الوجع والفقر والنكبة والخوف لا يحسّ أذاها إلا من كان فيها،ولا يعلمه من كان خارجا عنها،وفسادُ الراي والعار والإثم لا يعلم قُبحها إلا من كان خارجا عنها وليس يراه من كان داخلا فيها،والأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها الا من كان خارجا عنها وليس يعرف حقها من كان فيها،وجَودة الراي والفضائل وعمل الأخرة لا يعرف فضلها الا من كان من أهلها ولا يعرفه من لم يكن من اهلها”.

وقال الإمام ابو يوسف تلميذ أبو حنبفة :

“رؤؤس النعم ثلاثه فأولّها نِعمة الإسلام التي لا تتم نعمة إلا بها،والثانية نعمة العافية التي لا تتمُ الحياة إلا بها،والثالثة نعمة الغنى التي لا يتم العيش الا بها “(نقلاً عن ضحى الإسلام  أحمد أمين ج2 ص199)

وجاء في كتاب العِقد الفريد لإبن عبد ربه (ج7 ص211) قال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم:ما النعمة؟قال :الأمن فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش . قال له زدني،قال :فالصحّة فإني رأت المريض لا ينتفع بعيشه،قال له زدني قال الغنى فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيشه،قال له زدني قال :فالشباب فإني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش،قال له زدني قال :ما أجد مزيدا”.

جاء في أدب الدين والدنيا للماورد “إن رجلاً قال وأعرابي حاضر : ما أشدّ وجع الضرس،قال الأعرابي :كل داء أشدّ داء،وكذلك من عمّه الأمن كمن استولت عليه العافية فهو لايعرف قدرالنعمة بأمنه حتى يخاف،كما لايعرف المُعافى قدر الصحة حتى يصاب”.

وقال عبد السلام بن مطيع :” الَّلهُمَّ إن كنتَ بَلغّتَ أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنّيها بالعافية”.

ويقول الشيخ علي الطنطاوي في كتابه صور وخواطر :

” إنكم أغنياء،ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها فترمونها زهداً فيها واحتقاراً لها . يُصاب أحدكم بصداع أو مغص،أو بوجع ضرس،فيرى الدنيا سوداء مظلمة  فلماذا لم يرها لما كان صحيحاً بيضاء مشرقة ؟ ويُحمى عن الطعام ويُمنع عنه ،فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم ويَحسد من يأكلها،فلماذا لم يعرف لها لذّتها قبل المرض ؟

ويتابع :

” إنا نحسب الغنى بالمال وحده وما المال وحده ؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤتى بأطايب الطعام فلا يستطيع أن يأكل منها شيئاً لما نظر من شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الاسود،يدفع اللقمة في فمه،ويتناول الثانية بيده ويأخذ الثالثة بعينه،فتمنى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانياً .  فلماذا لا تقدّرون ثمن الصحّة ؟ أما للصحّة ثمن ؟ من يرضى منكم أن ينزل عن بصره وياخذ مائة ألف دولار ؟ لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهباً كثيراً؟ أليس البصر من ذهب،والصحّة من ذهب،والوقت من ذهب ؟

ويتابع :

” إن الصحّة والوقت والعقل،كل ذلك مال ،وكل ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد . ويتابع :” إنكم سعداء ولكن لا تدرون،سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها،سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها .. سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم  لا ممن حولكم،سعداء إن كانت أفكاركم دائماً مع الله،فشكرتم كل نعمة،وصبرتم على كل بليّة،فكنتم رابحين في الحالين،ناجحين في الحياتين “.

قال الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله من كتاب” هكذا علمتني الحياه”:

“تفاخرت الصحة والمرض يوما فقالت الصحّة بي ينشط الناس للعمل،وقال المرض وبي يقصرالناس طول الامل ،قالت الصحّة وبي يجتهد العابدون في العبادة،وقال المرض وبي يخلصون في النّية قالت الصحة ومن أجلي تُشاد معاهد الطب،قال المرض وبي تتقدّم أبحاث الطب،وقالت الصحّة كل الناس يحبونني،قال المرض: لولاي لماأحبّوك هذا الحبّ”.

وقال أيضا رحمه الله :

” لولا الألم لكان المرض راحة تُحببّ الكسل،ولولا المرض لأفترست الصحّة أجمل نوازع الرحمة في الإنسان،ولولا الصحّة لما قام الإنسان بواجب ولا بادر الى مكرمة،ولولا الواجبات والمكرمات لما كان لوجود الإنسان في هذه الحياة معنى “.

وقال أيضا :”بالمرض تعُرف نعمة الصحة وبالصحة تنُسى أفة المرض”.

ويقول الاستاذ عصام العطار حفظه الله:

” هل يعرف حلاوة الصحّة من لم يعرف المرض،والراحة من لم يعرف التعب،والغنى من لم يعرف الفقر،والأمن من لم يعرف الخوف،والنجاح من لم يعرف الإخفاق،واللقاء من لم يعرف الفراق، فنسيج حياتنا يأتلف من هذا وذاك،ولولا وجود أحدهما لما كان الاخر،وبضدّها تتميّز الاشياء،ولولا سواد الليل ماطلع الفجر كما قال بعض شعرائنا القدماء فعلينا أن نأخذ حلو الحياة ومرّها وصفوها وكدرها وهما أمران طبيعيان متلازمان بالفهم والصبر والرضى والتسليم”.

وقال الدكتور يوسف القرضاوي في مقالة له بعنوان”العدالة الإلهية والتفاضل في الأرزاق:

“”إن المال ليس هو كل شئ في هذه الحياة،كلا … فكم من الأغنياء يعوزهم الذكاء،أو تعوزهم الحكمة، أو تعوزهم الصحة والعافية،أو تعوزهم الأسرة الهنيئة،أو يعوزهم الولد،وإذا كان عندهم الولد يعوزهم الولد البار والزوجة الصالحة… يعوزهم أشياء كثيرة.كثير من الأغنياء أصحاب الملايين يشتهون أن يأكلوا كما يأكل فقير لا يملك إلا دريهمات معدودة ،قد حرّم عليهم الأطباء أن يأكلوا الدهنيات أو السكريات أو غير ذلك،وعنده الخزائن تموج بالذهب والفضة .ماذا يصنع بهذه الخزائن؟ وهب أنه كان صحيحا هل يملك أن يأكل أكثر من ملء بطنه ؟ وما البطن وما المعدة ؟ شبر في شبر .. أو أقل ..

ويتابع:”ليس ملك المال إذن هو كل شئ … قد يملك الإنسان أشياء أخرى كثيرة غير المال… وهي أغلى منه وأثمن والإنسان المتعجّل المتسرع السطحي ينسى النعم التي أنعم الله بها عليه . لو عدّ الإنسان ما يملك لأعياه ذلك وما استطاع أن يحصيه :نعمة البصر … كم تقدرها ؟ لو قيل لك : خذ كذا ألفاً أو مليونا وتفقد بصرك … هل ترضى ؟!والسمع،الشم،الذوق،الأنامل،الأسنان،الأجهزة التي في داخل جسمك  فضلاً عن الذكاء والنطق،والقدرة على التعبير والعمل والتصرف… وغير ذلك.لو حسب الإنسان هذه الأشياء والنعم التي يملكها في جسمه وحده وأمكنه تقديرها وإحصاؤها لبلغت مئات الملايين. والحقيقة أن تلك النعم لا تقدر ولا تحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}[إبراهيم34].انتهى كلام الدكتور القرضاوي.

وقال الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري:

“لقد أسبغ الله سبحانه على الإنسان نِعَمهُ: ظاهرةً وباطنة، وكان من أجلِّ هذه النعِم، نعمة الصحة،فإذا أحسن الإنسان الاستفادة من نعمة الصحة والحفاظ عليها،وعمل على تعزيزها وتقويتها وتنميتها، فقد استمسك بالعروة الوثقى،واستمتع بخيرات العافية وبركاتها،ونَعِم بالنجاة من عامة الأمراض والأسقام..وإنما يُفلح في ذلك إذا سلك في حياته سلوكاً يعزز صحته، واتبع في معاشه أُسلوباً يزيد من رصيده الصحي،وعمل على اللجوء إلى الوقاية التي هي خيرٌ من قناطير العلاج.وأما من طغى،وآثر الاستغراق في الملذات غير آبهٍ بما يكون لها من عواقب سيئة،واتبع في حياته نمطاً سلبياً مُنافياً للصحة…فأقبل على مُعاقرة المسكرات والمخدرات والتدخين، وأسرف في تناول الأطعمة المحدثة للسمنة،وأكثر من التعرض للكروب والانفعالات الشديدة، وفرّط في إعطاء نفسهِ قسطها من الراحة، وساهم في إفساد بيئته وتدنيسها… فلا عجب في أن تختلّ موازينه، وتعتلّ صحته، وتعتوره ضروب الأوصاب والأسقام جزاءً وفاقاً لما جنته يداه،{وماظلمهمُ الله ولكن كانوا أنفسَهُم يظلمون}.[النحل 33].

وجاء في المثل العربي  “خذ من العافية ما أُعطيت” وقالوا ايضا :شيئان لا يُعرفان إلا بعد ذهابهما :الصحّة والشباب، وبمرارة السقم توجد حلاوة الصحة”

ومن اقوال غير العرب:

قال بزرجمهر الفارسي ” نصحني الفصحاء ووعظني الوعاظ شفقة ونصيحة وتأديبا ،فلم يَعظني مثل شَيبتي ولا نصحني مثل فكري،وعاداني الأعداء فلم أرَ أعدى لي من نفسي إذا جهلت،وأكلت الطيّب فلم اجد شيئا ألذّ من العافية،وأكلت الصبر وشربت المّر فلم أرَ أمرّ من الفقر،ونقلت الصخر وعالجت الحديد فلم أرَ حِملا أثقل من الدّين ،وطلبت أحسن الأشياء عند الناس فلم ار شيئا أفضل من الخلق الكريم”.

وفي المثل الهندي” المرض خطيئة،والمحافظة على الصحة فضيلة”.

وفي المثل الانجليزي “أعطني صحة وخذ ثروتي”

وقد تكّلم الشعراء قديما وحديثا عن نعمة الصحّة والعافية:

أبو تمام:

والحادثاتُ وإن أصابكَ بؤسُها                 فهو الذي أدراكَ كيف نعيُمها

قال جرير

أُعطيتَ عافيةً  ونصراً عاجلاً                آمينَ، ثم وُقيتَ أسبابَ الردى

الشريف الرضي

ولا بُدَّ مِن  زَلةٍ للفتى                          تُعَرّفُه ُكيفَ قَدْرُ النّعَمْ

فحسنُ العُلى بعد حالِ الخضُوعِ         وطِيبُ الغنى بعد حالِ العَدمْ

وقال حسان بن ثابت

وإنَّ امرءاً يمُسي ويُصبحُ سالمِاً         منَ الناسِ الا ماجنى لسعيدُ

ابن الرومي

اذا ماكساكَ اللهُ سِربالَ صِحَّهٍ           ولم تَخلُ من قوتٍ  يَحُلُّ ويغرُبُ

فلا تغبِطنَّ المترفينَ فإنهمْ             على حَسْبِ ما يكسوهُم ُالدهرُ  يسلُبُ

ابن الرومي:

قد ذقتُ أنواعَ الطعوم فلم أجد        فيهنَّ طعماً مثلَ طعم العافية

فاقصِدْ وحاذرْ أن تُمرِّرَ حُلَوَهُ            مما تصيبُ وأن تكدرَ صافية

لا تشفينَّ غليلَ صدرك بالتي       تُدوي فليست للغليل بشافية

الضحاك بن سليمان (معجم الادباء –ياقوت- ج3 ص425):

ما أنعمَ الله على عبدهِ               بنعمةٍ  أوفى من العافيهْ

وكُلُّ من عُوفي في جِسمهِ        فإنّهُ في عيشهٍ راضيهْ

منصور الفقيه

رأيتُ البلاءَ كقَطْرِ السماء             وما تنُبتُ الارضُ من نامِيهْ

فلا تسالنَّ  اذا ما سألتَ             إلهكَ شيئاً سِوى العافيهْ

احدهم :(يقال لبشار بن برد):

إني وإن كان جَمعُ المالِ يعجبني     فليسَ يَعْدِلُ عندي صحة الجسدِ

في المال زَيْنٌ وفي الاولاد مَكْرمهٌ      والسُّقمُ ينُسيك ذِكرَ المال والولدِ

أحدهم:

فإذا رأيتَ أخا البليّةِ فاستعذ             بالله من شَرِّ البلاءِ النازلِ

ابراهيم طوقان :((بعد ان أجري له عملية في المعدة وتماثل للشفاء بمعجزة)

إليكَ توجهتُ يا خالقي                   بِشُكرٍ على  نِعمةِ العافية

اذا هي وَلّتْ فمن قادرٌ                   سِواكَ على ردِّها ثانية

وما للطبيب يدٌ في الشفاء              ولكنّها يدُكَ الشافية

تباركتَ،أنتَ  مُعيدُ الحياةِ                متى شئت في الأعظم البالية

وانتَ المُفرِّجُ كُربَ الضعيفِ             وأنتَ المجيرُ من العاديه

المعري:

لعمرك ما الدنيا بدارِ إقامةٍ               ولا الحيُّ في حال السلامةِ آمِنُ

وإنّ وليداً حَلَّها لَمعَذّبٌ                    جَرت لسِواه بالسُّعُدِ آيامنُ

المعري:

وما الدهرُ إلا دولةٌ ثم صولةٌ            وما العيشُ إلا صحة وسَقامُ

أبو اسحق الصابي:

فانعمْ وعِشْ في صحةٍ وسلامةٍ     تُحي الوليّ وتكبتُ الأعداء

أبو العتاهية:

إذا القوتُ تأتى لكَ                        والصحةُ والأمنُ

واصبحتَ أخا حزنٍ                         فلا فارقكَ الحزنُ

مهيار الديلمي:

يَمرُّ عليكَ العامُ فالعامُ سالماً          فتختمهُ سعداً كما تستهّلهُ

يحيى بن المبارك اليزيدي:

رُبَّ مغمومٍ بعافيةٍ                        غَمط النّعماءَ من أشَرِهْ

وامرئٍ طالت سلامتهُ                   فرماهُ الدهرُ من غِيرهْ

بسهامٍ غير مُشوِيةٍ                     نفضت منهُ عُرى مِرَرهْ

وكذاكَ الدهرُ منقلبٌ                     بالفتى حالينِ في عُصُرهْ

يخلطُ العُسرَ بميسرةٍ                  ويسارُ المرءِ في عُسُرِهْ

عنترة:

المال للمرءِ في معيشتهِ                خيرٌ من الوالدينِ والولد

وإن تَدُمْ نعمةٌ عليهِ تجد                خيراً من المالِ صحة الجسد

وما بمن نال فضل عافيةٍ                وقوت يومٍ فقرٌ إلى أحد

عدي بن زيد:

قد ينامُ الفتى صحيحاً فيردى             ولقد بات آمناً مسروراً

لا أرى الموت يسبق الموت شئ      نقض الموت ذا الغنى والفقيرا

أيها النائم المغفل أبصر                      أن تكون المبادر المبدورا

كم ترى اليوم من صحيح معافى        وغداً حشو ريطة مقبورا

ابن حيوس:

وأشتاقُ الديارَ وساكنها                   كما يشتاقُ صِحّتهُ العليلُ

أحدهم:

لا تشكُونْ دهراً صَحَحتَ به             إن الغنى في صحة الجسمِ

هَبْكَ الخليفة ، كنت منتفعاً               بلذاذة الدنيا مع السُقم؟

أحدهم:

ليسَ البليةُ في أيامنا عَجباً            بل السلامةُ فيها أعجبُ العجبِ