عرب القرن العشرين ـ حال العرب على مرّ العصور وكرّ الدهور(أشعار)

 بسم الله الرحمن الرحيم

عرب القرن العشرين

إن الذي يُتابع الأحداث التي يمر بها العالم العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة ليشعر بالتمزق يعصف بقلبه وبالأسى يعصف بوجدانه للواقع المؤلم والحزين الذي وصل إليه العرب والمسلمون من الغثائية،والتمزق والخضوع لطواغيت القرن الحالي وخاصة الطاغوت المُتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية.

لقد حاول البعض أن يُشّبه هذا الوضع الذي تعيشه أمتنا ويقيسه على وضع عرب الجاهلية قبل الإسلام،ويقول :إننا عدنا إلى الجاهلية الأولى ،ولو كان الأمر كما يقول لهانت المصيبة، ولسهل وقعها على النفس،ولكن من يستقرىء وضع عرب الجاهلية الأولى قبل الإسلام وعرب القرن العشرين يجد أن البون شاسع والفرق كبير مابين هؤلاء وأولئك،فجاهلية عرب القرن العشرين أشدّ بلاءً وأكثر فتكاً وأصعب علاجاً من الجاهلية الأولى.

ـ فعرب الجاهلية الأولى كانوا على الرغم من كثرة المثالب والمساوىء التي كانوا يتصفون بها،كانوا أهل كرامة ونخوة وإباء،يأبون الضيم والظلم على أنفسهم وعلى من استجار بهم،وكانت صفة النخوة والكرامة لا تفارقهم على مرِّ الأوقات وتباعد المسافات.ويكفي أن نضرب مثالاً على ذلك:إن النعمان بن المنذر قَبِلَ الموت وأن يُداس تحت أقدام فيلة كسرى أبرويز على أن يُسلّم أسرته وأهله وبناته إلى كسرى الذي أرادهم لنفسه.

أما عرب القرن العشرين فهم يُنعتون في كل مكان بأقبح الألفاظ وأبشع المُسميات وأردأ الصفات،ولانجد حاكماً من حكامهم ولا مسؤولاً من مسؤوليهم يُدافع عنهم أو يدفع عنهم هذه الإتهامات،وهذه الإفتراءات،وقد وصل الأمر أن إحدى الصحف البريطانية نشرت كاريكاتوراً شبّهت العرب به بالخنازير! فلم يحتج على ذلك أحد من العرب وحكامهم،بل إن الذين احتجوا على ذلك هم الخنازير!حيث نشرت الصحيفة في اليوم التالي كاريكاتوراً يحتجُ فيه الخنازير على تشبيههم بالعرب!!!فأيّ هوان بعد هذا الهوان؟..إنه إذلال مابعده إذلال وإحتقار ما بعده إحتقار!!

ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا يغيرون على القبائل والديار،يقتلون الرجال ويسبون النساء والأطفال،ولكننا لم نسمع عنهم أنهم في غاراتهم كانوا يقتلون النساء والأطفال،أو أنهم كانوا يُجوِّعون أو يُعطشون خصومهم وأسراهم.وعرب القرن العشرين يُغيرون على بني جلدتهم ودينهم ويقتلون ويُمثلون ويغتصبون،ويُظهرون عليهم البطولة والشجاعة والبطش،ولكنهم أمام أعداء أمتهم جبناء كل الجبن،يُظهرون الاستسلام والخضوع والركوع لهم ولأسيادهم،بل الأدهى من هذا أنهم يحاصرون بني جلدتهم ودينهم ويجوعونهم ويعطشونهم وحتى يضطرونهم لأكل الحشائش والجرذان ولحوم الجثث المتفسخة”طبعاً بعد أن أفتى لهم وسمح بأكلها بعض علماء المسلمين”!!!

ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا يتصفون بالكرم ويُغدقون المال والنفس والنفيس ليس على الأهل والأصدقاء،بل على الضيوف والغرباء،بل إن أحدهم وهو حاتم الطائي ذبح حصانه وهو ماله الوحيد والثمين الذي كان يملكه من أجل أن يقدّم لحمه لضيف أو جار جائع ولم يكن عنده غيره ليقدمه إليه.

أما عرب القرن العشرين وخاصة من تملّك منهم المال الوفير كبعض أمراء وشيوخ النفط فهم والحق يقال:كرماء يقدّمون المال والولاء!! ولكن ليس لبني جلدتهم ودينهم بل إلى أسيادهم الحقيقين في أمريكا وأوروبا، ويقدّمون هذا المال طلباً لإبتسامة الرضا،ولاينالونها ولو ظاهراً!!ومن أجل أن ينُعم عليهم أسيادهم بالرعاية والحماية،وهم يمنحونها إياهم مقابل الأتاوة و”البلطجة” لا حباً فيهم ولا بأمثالهم.وهم من جانب آخر يمنعون المال والمساعدات البسيطة عن أهل فلسطين المحتلة وعن كل الشعوب العربية والإسلامية التي يعاني أكثرها من الجوع والفقر والمرض وهم يعيشون ولا يدرون ماذا يفعلون بهذا المال الوفير الذي استودعهم الله إياه،وإذا بهم يقررون أن يقدموا جزءاً منه إلى رئيس روسيا من أجل مساعدته في رفع مستوى بلده الحاقد على الإسلام والمسلمين،بينما الملايين في الجمهوريات السوفيتية الإسلامية لا يجدون من يقدم لهم رغيف الخبز،والملايين من المسلمين في البوسنة والهرسك لايجدون من يقدم لهم العون والمساعدة ويدافع عن أرواحهم وأعراضهم تجاه الحاقدين من المتعصبين والعنصريين من الصرب وأتباعهم.

ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا إذا استُنصروا نصروا،وإذا وعدوا أوفوا،ولو على حساب المال والروح،لقد وقفوا في معركة ذي قار تجاه إحدى أقوى القوتين في ذلك العصر،تجاه الفرس،لأنهم رفضوا أن يسلموا أسرة النعمان بن المنذر لكسرى الفرس،فقد كانت أمانة عندهم وخاضوا الحرب ضد الفرس وانتصروا.أما عرب القرن العشرين فهم أتباع للطاغوت الأمريكي يفعل بهم مايريد ويتبعونه حتى ولو دخل جحر ضب دخلوا وراءه لا يسألونه لماذا دخل!!

هذه أمثلة بسيطة عمّا يعيشه عرب القرن العشرين،لا أقولها داعياً لليأس والقنوط ـ معاذ الله ـ ولكن من أجل وضع اليد على الجرح،ومن أجل معرفة الأسباب،لأنه إذا عرف السبب سهل التشخيص ومعالجة الداء.

وأنا لا أقول هذا حقداً على العرب،فأنا عربي أعتز بعروبتي،وقبل هذا أنا مسلم أشفق على أمتي.

أقول هذا وأدعو الله من قلب جريح أن يُخرج من أصلابهم من يُعيد للدين عزّته وللمسلم كرامته،وسوف يخرج هذا الجيل من الغرباء،سوف يخرج ليس في هذا شك فهو وعد الله ورسوله بأن هذا الدين سوف يعود،وسوف تعود راية الحقّ مجدداً تنشر الحق والعدل والمحبة والمساواة في كل ربوع العالم رغم الطاغوت ورغم الجبروت ورغم الظلام وظلم الأنام{واللهُ مُتمُّ نوره ولو كره الكافرون}.[الصف 8].

(نشر المقال في مجلة الرائد العدد 143 بتاريخ آيار عام 1992)

حال العرب اليوم

أحمد شوقي

ضجّ الحجازُ،وضجَّ البيتُ والحرمُ

 

واستصرخت ربّها في مكة الأممُ

قد مسّها في حماكَ الضرُّ،فاقضِ

 

لهاخليفة الله،أنتَ السيّدُ الحكمُ

لكَ الربوعُ التي ريعَ الحجيجُ بها

 

أللشريفِ عليها أم لك العلمُ؟

أهينَ فيها ضيوفُ الله واضطهدوا

 

إن أنتَ لم تنتقم فالله منتقمُ

أفي الضحى وعيونُ الجند ناظرةٌ

 

تُسبى النساءُ ويؤذى الأهلُ والحشمُ

ويُسفكُ الدمُ في أرضٍ مقدسةٍ

 

وتستباحُ بها الاعراضُ والحرمُ؟

نيرونإنَّ قبيس في باب الطغاة به

 

مُبالغٌ فيه،والحجاجُ متهمُ

أدّبهُ أدّب ـ أمير المؤمنين ـ فما

 

في العفوِ عن فاسق فضل ولا كرمُ

لا ترجُ فيه وقاراً للرسول،فما

 

بينَ البغاةِ وبينَ المصطفر رحمُ

ابنُ الرسولِ فتىً فيه شمائلهُ

 

وفيه نخوتهُ ،والعهدُ والشممُ

ما كانَ طه لرهطِ الفاسقينَ أباً

 

آلُ النبي بأعلامِ الهدى خُتموا

خليفة الله،شكوى المسلمين رَقت

 

لِسدّةِ الله هل ترقى لك الكلمُ؟

الحجُ ركنٌ من الإسلام نكبره

 

واليوم يوشك هذا الركنُ ينهدمُ

من الشريفِ ومن أعوانهِ فعلت

 

نعمى الزيادة ما لاتفعل النقم

عزَّ السبيلُ إلى طه وتربتهِ

 

فمن أراد سبيلاً فالطريقُ دمُ

محمدٌ رُوّعت في القبرِ أعظمهُ

 

وباتَ مستأمناً في قومهِ الصنمُ

أحمد شوقي

ياربِّ،ما حُكمُكَ؟ماذا ترى
في ذلكَ الحلمِ العريضِ الطويل؟
قد قام غليومٌ خطيباً،فما
أعطاكَ من مُلككَ إلا القليل!
شيّدَ في جنبكَ مُلكاً لهُ
مُلكُكَ إن قيسَ إليهِ الضئيل
قد ورّثَ العالم حياً،فما
غادرَ من فجٍّ ولا من سبيل
فالنصفُ للجرمانِ في زعمهِ
والنصفُ للرومانِ فيما يقول
ياربِّ،قلْ:سيفُكَ أم سيفه؟
أيهما ـ يا ربُّ ـ ماضٍ ثقيل؟
غن صدقتْ ـ يا ربِّ ـ أحلامهُ
فغنَ خطبَ المسلمين الجليل
لا نحنُجِرمانُ لنا حصةٌ (خطب غليوم سنة 1906 خطبة كادت تسبب حرباً اوروبية)
ولا برومانَ فنعطى فتيل

أحمد شوقي

قالوا”فروق” الملكِ دارُ مخاوفٍ
لا ينقضي لنزيلها وسواسُ
وكلابها في مأمنٍ ،فأعجب لها
أمنَ الكلابُ بها،وخافَ الناس

أحمد شوقي

يا أمة(بفروقَ) فرّقَ بينهم
(فروق:مصر)

قدرٌ تطيشُ إذا أتى الأحلامُ
فيمَ التخاذلُ بينكم ووراءكم
أمم تُضاعُ حقوقها وتُضامُ؟
الله يشهدُ لم أكنْ متحزّباً
في الرزءِ لا شيعٌ ولا أحزامُ
وإذا دعوتُ إلى الوئامِ فشاعرٌ
أقصى مناهُ محبةٌ ووئامُ
من يضجر البلوى فغايةُ جهدهِ
رُجعى إلى الاقدارِ واستسلام
لا يأخذن على العواقبِ بعضكم
بعضاً ،فقِدماً جارت الأحكام
تقضي على المرءِ الليالي،أوله
فالحمدُ من سلطانها،والذّام
من عادةِ التاريخِ ملءُ قضائهِ
عدل وملءُ كِنانتيهِ سهامُ
ما ليسَ يدفعهُ المهنّدُ مصلتاً
لا الكتبُ تدفعهُ،ولا الاقلامُ
أبقى الممالك ما المعارفُ أُسه
والعدلُ فيه حائطٌ ودِعامُ
فإذا جرى رشداً ويُمناُ أمركم
فامشوا بنورِ العلم،فهو زمامُ
ودعوا التفاخرَ بالتراثِ وإن غلا
فالمجدُ كسبُ،والزمانُ عصامُ
إنّ الغرورَ إذا تملّكَ أمةً
كالزهرِ يُخفي الموتَ وهو زؤامُ
يا أرضُ مذْ فقدَ المعلمُ نفسهُ
بينَ الشموسِ وبين شرقكِ حيلا
ذهبَ الذين حموا حقيقةَ علمهم
واستعذبوا فيها العذابَ وبيلا
في عالمٍ صحبَ الحياةُ مُقيداً
بالفردِ مخزوماً بهِ مغلولا
صرعتهُ دنيا المُستبدِّ كما هوتْ
من ضربةِ الشمسِ الرؤوس ذهولا
أَمُعلمي الوادي وساسة نشئهِ
والطابعينَ شَبابهُ المأمولا
والحاملينَ إذا دُعوا ليعلموا
عبءَالأمانةِ فادحاً مسؤولا
حتى رأينا مصرَ تخطو إصبعاً
في العلمِ إن مشتِ الممالكُ ميلا
تلكَ الكفورُ وحَشوها أُميّةٌ
من عهدِ خوفو لا ترَ قنديلا
تجدُ الذين بنى المِسلّة جَدُّهم
لا يحسنونَ للإبرةِ تشكيلا
ويُدللونَ إذا أريدَ قيادُهم
كالبهمِ تأنسُ إذ ترى التدليلا
يتلو الرجالُ عليهمُ شهواتهم
فالناجحونَ ألدُّهم ترتيلا
الجهلُ لا تحيا عليه جماعةٌ
كيفَ الحياة على يدي عزريلا
والله لولا ألسنٌ وقرائحٌ
دارت على فطن الشبابِ شمولا
وتعهدتْ من أربعينَ نفوسَهم
تغزو القنوط وتغرسُ التأميلا
عرفت مواضعَ جدبهم فتتابعتْ
كالعينِ فيضاً من الغَمامِ مسيلا
تسدي الجميلَ إلى البلادِ وتستحي
من أن تكافأ بالثناءِ جميلا
ربّوا على الإنصافِ فتيانَ الحمى
تجدوهم كهفَ الحقوقِ كهولا
فهو الذي يبني الطباعَ قويمة
وهو الذي يبني النفوسَ عدولا
ويقيمُ منطقَ كلِّ أعوج منطق
ويريهُ رأياً في الامورِ أصيلا
وإذا المعلمُ لم يكنْ عدلاً مشى
روحُ العدالةِ في الشبابِ ضئيلا
وإذا المعلمُ ساءَ لحظ بصيرةٍ
جاءت على يده البصائرُ حولا
وإذا أتى الإرشادُ من سببِ الهوى
ومن الغرورِ فَسمهِ التضليلا
إني لأعذركم وأحسبُ عبئكم
من بينِ أعباءِ الرجالِ ثقيلا
نرجو إذا التعليمُ حرَّكَ شَجوهُ
ألا يكونَ على البلادِ بخيلا

أحمد شوقي:

مقدونياوالمسلمون عشيرة
كيفَ الخؤولة فيكِ والأعمامُ
أترينهم هانوا،وكان بعزّهم
وعلوهم يتخايلُ الإسلامُ
إذ أنتِ ناب الليث،كل كتيبة
طلعت عليك فريستهُ وطعامُ

أحمد شوقي بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1923

عادتْ أغاني العرسِ رجعَ نواحِ
ونُعيت بين معالمِ الأفراحِ
كُفّنت في ليلِ الزفافِ بثوبهِ
ودُفنتْ عند تبلجُّ الإصباحِ
شُيّعتِ من هلعٍ بعبرةِ ضاحكٍ
في كلِّ ناحيةٍ،وسكرةِ صاحِ
ضجّتْ عليكِ مآذنٌ ومنابرٌ
وبكتْ عليكِ ممالكٌ زنواحِ
الهندُ والهةٌ،ومصرُ حزينةٌ
تبكي عليكِ بمدمعٍ سَجّاحِ
والشامُ تسألُ،والعراقُ وفارسٌ
أمحا من الأرضِ الخلافة ماحِ؟
وأتتْ لك الجُمعُ الجلائلُ مأتماً
فقعدنَ فيهِ مقاعدَ الأنواحِ
يا للرجالِ لِحرّةٍ مؤودةٍ
قُتلتْ بغيرِ جريرةٍ وجناحِ
إنّ الذين أستْ جراحكِ حربهم
قتلتكِ سلمهمو بغيرِ جراحِ
هتكوا بأيديهم مُلاءة فخرهم
موشيةً بمواهبِ الفتاحِ
نزعوا عن الأعناقِ خيرَ قلادةٍ
ونضو عن الأعطافِ خيرَ وشاحِ
حسبٌ أتى طولُ الليالي دونَهُ
قد طاحَ بينَ عشيةٍ وصباحِ
وعلاقةٌ فُصمتْ عرى أسبابها
كانتْ أبرَّ علائقِ الارواح
نظمت صفوفَ المسلمينَ وخطوهم
في كلّ غدوةِ جمعة ورواح

أحمد شوقي

أيُّ الصغائرِ في الإسلامِ فاشية
تودّى بأيسرها الدولاتُ والأممُ
يجيشُ صدري ولا يجري بها قلمي
ولو جرى لبكى واستضحكَ القلمُ
أغضيتُ ضَناً بعرضي أن ألمَّ بهِ
وقد يروقُ العمى للحرِّ والصممُ
موّه على الناس،أو غالطهم عبثاً
فليسَ تكتمهم ماليسَ ينكتمُ
كلُّ الجراحِ بآلامٍ،فما
لمستيدُ العدوّ فثمَّ الجرحُ والأ لمُ
والموتُ أهونُ منها وهي داميةٌ
إذا أساها لسانٌ للعدى وفمُ
ربّ الجزيرة،أدركها ،فقد عبثت
بها الذئابُ وضلّ الراعيَ الغنمُ
إنّ الذين تولوا أمرها ظلموا
والظلمُ تصحبهُ الأهوالُ والظُّلمُ
لا تجزهم عنكَ حلماً،وأجزهم عنتاً
في الحلم ما يسمُ الافعالَ أو يصمُ
كفى الجزيرة ما جرّوا لها سفهاً
مع العداةِ عليها ،فالعداةُ همُ

وما يحاولُ من أطرافها العجمُ
فإنّ للسيفِ يوماً،ثمّ ينصرمُ

أحمد شوقي

فأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم
كباطل من خلالِ الحقّ منهزم

حافظ إبراهيم

قد غفونا وانتبهنا فإذا
نحنُ غرقى وإذا الموتُ أَمَمْ
ثمَّ كانتْ فترةٌ مقدورةٌ
غرَّ فينا الدهرُ ضَعفٌ فهجمْ
فنشدنا العيشَ حراً طليقاً
تحتَ ظلِّ الله لا ظلِّ الأممْ
وحقيقٌ أن يُوّفى حقَّهُ
من بحبلِ الله والصبرِ اعتصمْ
آفةُ المرءِ إذا المرءُ ونى
آفةُ الشعبِ إذا الشعبُ انقسمْ
ليسَ منا من ينى أوينثني
أو يَعقُّ النيلَ في رعي الذممْ
نشء مصر نبئوا مصراً بكم
تشترون المقصد الأسمى لكمْ
بنضالٍ يصقلُ العزم به
وسهادٍ في العلا حلو الألمْ
أنا لا أفخرُ بالماضي ولا
أحسبُ الحاضرَ يطرى أو يُذمْ
كلّ همّي أن أراكم في غدٍ
فالفتى كلُّ الفتى من لو رأى

مثلَ ما كنتم أسوداً في أجمْ
في اقتحامِ النارِ عزاً لاقتحمْ

حافظ إبراهيم

ثلاثة من سراة النيل قد وقفوا
على مدارسنا سبعين فدانا
وخالفوا سنة في مصر شائعة
جرّتْ على العلمِ والىدابِ خسرانا
فإن عادتهم في مصر أن يقفوا
على القبورِ وإن لم تحوِ إنسانا

حافظ إبراهيم

ضِعتَ بين النهى وبينَ الخيال
يا حكيمَ النفوسِ يا بنَ المعالي
ضِعتَ في الشرقِ بينَ قومٍ هجودٍ
لم يُفيقوا وأُمّةٍ مكسالِ
قد أذلوكَ بينَ أُنسٍ وكأسٍ
وغرامٍ بِظبيةٍ أو غزال
ونسيبٍ ومِدحةٍ وهجاءٍ
ورثاءٍ وفتنةٍ وضلالِ
وحماسٍ أراهُ في غيرِ شىءٍ
وصَغارٍ يجرُّ ذيلَ اختيالِ
عشتَ مابينهم مُذالاً مُضاعاً
وكذا كنتَ في العصورِ الخوالي

حافظ إبراهيم

إلى من نشتكي عنتَ الليالي
إلى(العباس) أم(عبد الحميد)
ودون حماها قامت رجال
تهددنا بأصنافِ الوعيدِ

حافظ إبراهيم

لقد كانَ فينا الظلمُ فوضى فهذّبتْ
حواشيهِ حتى باتَ ظلماً منظما

حافظ إبراهيم(مخاطباً شكسبير)

فليتكَ تحيا يا أبا الشعرِ ساعةً
لتنظر ما يُصمي ويُدمي ويُؤلمُ
وقائعُ حربٍ ـججَّ العلمُ نارَها
فكادَ بها عهدُ الحضارةِ مُخيّمُ
وتعلم أنّ الطبعَ لا زالَ غالباً
سواء جهولُ القومِ والمتعلمُ
فما بلغتْ منهُ الحضارةُ مأرباً
ولا نالَ منهُ العلمُ ما كانَ يزعمُ

حافظ إبراهيم

وأودعتَ تقريرَ الوداعِ مغامزاً
رأينا جفاء الطبعِ فيها مجسدا
غمزتَ بها دينَ النبي،وإننا
لنغضب إن أغضبتَ في القبرِ أحمدا

حافظ إبراهيم

إنها النكبةُ التي كنتُ أخشى
إنها الساعة التي كنتُ آبى
إنها اللفظة التي تنسفُ الأ
نفسَ نسفاً وتفقرُ الأصلابا

حافظ إبراهيم

لا تقربْ التاميز واحذر ماءهُ
مهما بدا لك أنهُ معسولُ
الكيدُ ممزوجٌ بأصفى مائهِ
والختلُ فيه مذوبٌ مصقولُ
كم وارد يا سعد قبلكَ ماءهُ
قد عادَ منهُ وفي الفؤادِ غليلُ
القوم قد ملكوا عنان زمانهم
ولهم روايات به وفصولُ
ولهم أحاييل إذا ألقوا بها
قنصوا النهى فأسيرهم مخبولُ
ولكلِّ لفظ في المعاجمِ عندهم
معنى يُقالُ بأنهُ معقولُ
نصلتْ سياستهم وحال صباغها
ولكلِّ كاذبة الخضابِ نصولُ
جمعوا عقاقيرَ الدواءِ وركبوا
ما ركبوهُ وعندكَ التحليلُ

حافظ إبراهيم

رجائي في قومي ضعيف كأنّهُ
جنان وزير سودته مناصبه
ودائي كداء الدّين عزّ دواؤه
وحظّي كحظّ الشرق نحس كواكبه
فياليت لي وجدان قومي فأرتضي
حياتي ولا أشقى بما أنا طالبه
ينامونَ تحتَ الضيمِ والأرضُ رحبةٌ
لمن باتَ يأبى جانب الذلّ جانبه
يضيقُ على السوري رحب بلاده
فيركب للأهوال ما هو راكبه
فما هي إلا أن تجشّمه النوى
وما هو إلا أن تشدّ ركائبه
ويحرج بالرومي مذهب رزقه
فتفرج في عرض البلاد مذاهبه

حافظ إبراهيم

إنّ في الغربِ أعيناً راصداتٍ
كحلتا الأطماعَ فيكم بِسُهدِ
فوقها مِجهرٌ يريها خفايا
كم ويطوى شعاعه كلّ بُعدِ
فاتقوها بِجنُةٍ من وئام
غير رثّ العرا وسعي وكدِّ

حافظ إبراهيم

أتمشي بهِ شُمَّ الأنوفِ عُداتهُ
وربُّ الحِمى يمشي بأنفٍ مُجدّعِ
عزيزٌ عليه يا بني الشرق أن تُرى
كواكبهُ في أفقهِ غيرَ طُلّعِ
وأعلامهُ من فوقهِ غيرَ خُفّقٍ
وأقلامهُ من تحتها غيرَ شُرّعِ
وكيفَ يُوّقى الشر أو يبلغ المنى
على ما نرى من شملهِ المُتصدّعِ
فإن كنتَ قوالاً كريماً مقالهُ
فقلْ في سبيلِ النيلِ والشرق أودَعِ

حافظ إبراهيم

كُلَّ يومٍ نبأةٌ تطرقنا
بعجيبٍ من أعاجيبِ العبرْ
أممٌ تفنى،وأركانٌ تهي
وعروشٌ تتهاوى وسُررْ
وجيوشٌ بجيوشٍ تلتقي
كسيولٍ دفقتْ في منحدرْ
ورجالٌ تتبارى للرّدى
لا تبالي غابَ عنها أم حضر
وحروبٌ طاحناتٌ كلّما
أُطفئت شبَّ لظاها واستعرّ
ضجّت الأفلاكُ من أهوالها
واستعاذَ الشمسُ منها والقمر
أسرفت في الخلق حتى أوشكوا
أن يبيدوا قبل ميعاد البشر
فاصمدوا ثم احمدوا الله
وما أدراك مانعمة الأمن

نعمة الامنِ وطيبِ المستقر
إذا الخطبُ اكفهر

حافظ إبراهيم

سكتُّ فأصغروا أدبي
وقلتُ فأكبروا أربي
يقتلنا بلا قود
ولا دية ولا رهبِ
ويمشي نحو رايته
فنحميه من العطبِ
فقلْ للفاخرين:أما
لهذا الفخر من سبب؟
أروني بينكم رجلاً
ركيناً واضح الحسبِ
أروني نصف مخترعٍ
أروني ربع محتسبِ
أروني نادياً حافلاً
بأهلِ الفضل والأدبِ
وماذا في مدارسكم
وماذا في مساجدكم

من التعليمِ والكتبِ؟
من التبيانِ والخطبِ؟
وماذا في صحائفكم
حصائد ألسنٍ جرّت

سوى التمويهِ والكذبِ
إلى الويلاتِ والحرب
فهبوا من مراقدكم
فغنّ الوقت من ذهب
إنّي لتطربني الخلالُ كريمةً
طَربَ الغريب بأوبةٍ وتلاقي
وتهزّني ذكرى المروءةِ والندى
بين الشمائلِ هِزّةَ المشتاقِ
ما البابليةُ في صفاءِ مزاجها
والشربِ بين تنافس وسباقِ
والشمسُ تبدو في الكئوسِ وتختفي
والبدرُ يشرقُ من جبينِ الساقي
بألذَّ منخُلقٍ كريمٍ طاهرٍ
قد مازجتهُ سلامةُ الاذواق
فإذا رُزقتَ خليقةً محمودةً
فقد اصطفاكَ مُقسّمُ الأرزاقِ
فالناسُ هذا حظُّهُ مالٌ وذا
علمٌ وذاكَ مكارمُ الأخلاقِ
والمالُ إن لم تدخرهُ مُحصناً
بالعلمِ كان نهايةَ الإملاقِ
لا تحسبنَ العلمَ ينفعُ وحدهُ
مالم يُتوّج ربُّهُ بِخلاقِ
كم عالمٍ مدَّ العلوم حبائلاً
لوقيعةٍ وقطيعةٍ وفراقِ
وفقيهِ قومٍ ظلَّ يؤصدُ فِقههُ
لمكيدةٍ أو مُستحلِّ طلاقِ
يمشي وقد نُصبت عليه عِمامةٌ
كالبرجِ لكن فوق تلِّ نفاق
يدعونهُ عند الشقاقِ وما دروا
أنّ الذي يدعونهُ خِدنُ شقاقِ
سعيت إلى أن كدت أنتعل الدما
وعدت وما أعقبت إلا التندما
لحا الله عهد القاسطين الذي به
تهدّم من بنياننا ما تهدما
إذا شئت أن تلقى السعادة بينهم
فلا تكُ مصرياً ولا تكُ مسلما
سلامٌ على الدنيا سلام مودّع
رأى في ظلام القبر أنساً ومغنما

خليل مطران

نمنا على جهلٍ وقد
عاشَ الكرامُ ونحن لمْ
فإذا انقضت آجالنا
فمنِ الرُّقادِ إلى العَدم
وإذا بُعثنا بعدها
فكأنّها رؤيا حلمْ

خليل مطران

ليتَ البلادُ التي أخلاقُها رسبتْ
يعلو بأخلاقها تيّارُ طغيان
النارُ أسوغُ وِرداً في مجالِ عُلا
من باردِ العيشِ في أفياء فينان
أكرمْ بذي طمعٍ في جنبِ مطعمهِ
ينجو الأذلاءُ من خسفٍ وخسران
يهُبُّ فيهم كإعصارٍ فينقلهم
من خفضِ عيشٍ إلى هيجاءِ ميدانِ
بعضُ الطغاةِ إذا جَلّت إساءتهُ
فقد يكونُ بهِنفعٌ لأوطانِ
في كلِّ مفخرةٍ تسمو الشعوبُ بها
تفنى جموعٌ مُفاداةً لأحدانِ

علي محمود طه(ليلة عيد الميلاد)

إسمعي أيتها الروح!أفي الكونِ غناء؟
وانظري هل في نواحي الارضِ بالليلِ ضياء؟
لا تُراعي إن يكن قصّرَ عنك البشراء
فالنواقيسُ التي حيتكِ أشجاها القضاء
ألشجى رجعُ صداها،والاسى والرحاء
والتراتيلُ من البيعةِ نوحٌ وبكاءُ
رددّتهنَّ الثكالى واليتامى الشهداء
والمصابيحُ التي كان بها يُزهى المساء
خنقتها قبضةُ الشرِّ فما فيها ذَماء
صبغوها بسوادٍ فهي والليل سواء
مأثمٌ للنورِ قامَ الويلُ فيه والشقاء
تحتَ ليل مالهُ بدءٌ ولامنهُ انتهاء
أيها المبعوثُ لا ضنت برجعاك السماء
انظر الارض فهل في الأرض حبٌ وإخاء
نسيَ القوم وصاياكَ،وضلوا وأساءوا
وكما باعوك يا منقذُ ربيعَ الأبرياء

علي محمود طه

نادِ(أوروبا) فقد ينفعها منك الدواء:
حانتِ الساعة،يا أختاهُ،أم حقّ الجزاءُ
دِنتِ بالقوة حتى صرعتكِ الكبرياء
أرقصي في النار،أنتِ اليوم للنار غذاء
واشربي في حانة الشيطان ما فاضَ الإناء
حانةُ للموتِ فيها من دم القتلى انتشاء
نادمي من شئتِ فيها،فالمنايا الندماء
وارفعي الكأسَ وغنّيـوعلى الدنيا العفاء

محمود حسن إسماعيل

إنّ العذابَ الذي أضناكَ في كبدي
من نارهِ جذوةٌ تغلي وتستعرُ
سرى كلانا ونبعُ النورِ في يدهِ
أنتَ السنا،وأنا الإنشادُ والوترُ
قومٌ همُ الدمعُ والآهاتُ تحملها
أقفاصُ عظمٍ لهم من خطوها نذرُ
كادت مناجلهم والله مُشربها
بأسَ الحديدِ من البأساءِ تنصهرُ
مشوا بها في مغاني النورِ تحسبهم
جنائزاً،زمرٌ أنّتْ لها زمرُ
جاسوا الحقول مساكيناً،جلابيبهم
توراهُ بؤسٍ عليها تقرأ العبرُ
يجنونَ أيامهم ضنكاً ومسغبةً
مما أفاءَ لهم واديهم النضرُ
بكى الحصيدُ على أحزانِ غارسهِ
متى سيحصدُ هذالا الدمعُ يا قمرُ؟

هاشم رفاعي

ليلٌ،وليسَ هناكَ غيرُ شعاعِ
لم يَنعَهُ للمُدلجينَ الناعي
مازالَ وضّاءَ السّنا في أمّة
وضلَّ القطيعُ بها وضلّ الراعي
يا للمنارِ السّمح،قد غشّى الدُّجى
متكاملَ البنيانِ في إبداعِ
دينٌ بنى الإنسان،كرَّمَ شأنهُ
وأقامَ ركنَ هنائهِ المتداعي
وإذا تقنّعتِ الحقائقُ كلّها
برزتْ حقيقتهُ بغيرِ قناعِ
وإذا الضلالُ طغى على صوت الهدى
فالسيفُ بعضُ وسائلِ الإقناعِ

هاشم رفاعي

كفى فتنةً فليغمدِ السيفَ صاحبُهْ
فإنّ أخاهُ اليوم من هو ضاربهْ
متى كانَ للإنسان من أهلِ دارهِ
عدوٌ لدودٌ بالسيوفِ يُواثبهْ
أيصرعُ فينا البعضُ بعضاً كأننا
فقدنا عدواً في البلادِ نُحاربه
وتنتظمُ الأهلينَ حربٌ،فكم بها
تهاوى قتيلٌ ساكنُ العرق ناضبه
دهتنا الليالي الحالكاتِ بغاصبٍ
دسائسهُ ما تنقضي ومصائبه

أحمد محرم

تطالعنا السنون مروعات
ونحن إلى أهلها نتوقُ
يمرّ العهد بعد العهدِ شراً
فأينَ الخير والسعد الأنيق
بنا من ضارب الحدثان ما لا
يطيق مضاءه العضب الذليق
كأنّ جراحهُ في كلِّ قلب
شفاء للمنية أو شدوق

أحمد محرم

ما أبعدَ الخير والمعروف عن أمم
تعيشُ فوضى وترضى بالحياةِ سدى
وجاهلٌ ظنَّ أنَّ العلم مفسدةٌ
للبنتِ فانتقصَ التعليمَ وانتقدا
مهلاً فَرُبّ فتاة أهلكت أسراً
بجهلها وعجوز أفسدت بلدا
الأم للشعب إما رحمة وهدى
أو نكبة مالها من دافع أبدا
لا يذهبُ الشعبُ في أخلاقهِ صببا
والأمُ تذهبُ في أخلاقهِ صعدا
لا تيأسوا وأعدوا الأم صالحة
في السبيلِ إلى إصلاحِ مافسدا

أحمد محرم

هممنا برباتِ الحجالِ نريدها
أقاطيع ترعى العيش وهي سوائم
وإنّ امرأً يلقى بليل نعاجه
إلى حيث تستن الذئاب لظالمُ
وكلّ حياة تثلم العرض سبّة
ولا كحياة جللتها المآثمُ
أتأتي الثنايا الغرّ والطرر العلا
بما عجزت عنهُ اللحي والعمائمُ
فلا ارتفعت سفن الجواء بصاعد
إذا حلّقتْ فوقَ النسورِ الحمائمُ

إسماعيل صبري

بعضَ هذا الجفاءِ والعدوانِ
راقبي الله أُمّةَ الطليانِ
قد ملأتِ الفضاءَ غدراً وجهلاً
وتسنّمتِ غارِبَ الطغيانِ
وبعثتِ السّفينَ ترمي طرابل
سَ بحربٍ مشبوبةِ النيرانِ
سيّرتها أضغانُ قومٍ لقومٍ
سَلموا من دناءةِ الاضغانِ
ليستْ الحربُ للعدوِّ الذي با
تَ عزيزاً بالرَّجلِ والفرسانِ
لإنما الحربُ للألى حفظوا العهدَ
فنامتْ جيرانهم في أمانِ
لا يثقْ بعضنا ببعضٍ وهذا
ما أعدّ الإنسانُ للإنسانِ
إن تُسَلمْ على الغريبِ فسلّم
في ظلالِ السيوفِ والمران
ربما اصبحَ العناق صراعاً
في زمانِ الآدابِ والعرفان

إسماعيل صبري

بأفق أندلسٍ برقٌ يُحيينا
يبيتُ يضحكُ منا وهو يبكينا
يا وامض البرق كم نبّهتَ من شجنٍ
في أضلعٍ ذهلت عن دائها حينا
فالماءُ من مُقل،والنارُ من مُهجٍ
قد حارَ بينهما أمرُ المُحبينا
لولا تذكرُّ أيام لنا سلفت
ما باتَ يبكي دماً في الحيِّ باكينا
فهل تبينتَ في أطلالِ قُرطبةٍ
في دارِ ولادةَ مع ابن زيدونا
ألقوا خطيئاتهم في حجر هيكلهم
واستعبروا،ثم عادوا غير خاطينا
يا آل ودّي عودوا،لا عدمتكمُ
وشاهدوا ويحكم فعل النوى فينا
يا نسمةً ضمّخت أذيالها سحراً
أزهارُ أندلسٍ هُبّي بوادينا

إسماعيل صبري(فتنة الأقباط سنة 1911)

معشرَ القبطِ يا بني مصرَ في
السّراءِ قد كنتمُ وفي الضرّاءِ
باركَ الله فيكمُ أنتمُ النا
سُ وفاءً إن عُدَّ أهلُ الوفاءِ
دينُ عيسى فيكم ودينُ أخيهِ
أحمدٍ يأمُرانِنا بالإخاء
ويحكمْ ما كذا تكونُ النصارى
راقبوا الله بارىء العذراءِ
مصرُ أنتمْ ونحنُ،إلا إذا قا
متْ بتفريقنا دواعي الشقاء
مصرُ ملكٌ لنا إذا ما تما
سكنا ،وإلا فمصرُ للغرباء
لا تُطيعوا منّا ومنكم أناساً
بذروا بيننا بذورَ الجفاء
لا تُولّوا وجوهَكم شطرَ من عكّرَ
ما في قلوبنا من صفاء
إنّ دينَ المسيحِ يأمرُ بالعُر
فِ وينهى عن خُطّةِ الجهلاءِ
لا يكنْ بعضنا لبعضٍ عدواً
لعنَ اللهُ مستبيحي العداءِ

ولي الدين يكن

يا شرق لجَّ بكَ العداة هوىً
يا شرق أغراهم بك الطمعُ
وبنوكَ قد طُبعوا على خلق
وعلى سواهُ الناسُ قد طُبعوا
عاشوا يؤلفُ بينهم وطنٌ
فتفرّقوا فيهِ وهم شيعُ
يتفرّقون على مذاهبهم
وعلى الإخاءِ الناسُ تجتمعُ
جهلوا فأخضعهم تعصبهم
والله لو علموا لما خضعوا
أنذرتهم يوماً صوادعه
لو مسّت الأفلاك تنصدعُ
وأريتهم زمناً ألمَّ بهم
يبري السهام لهم وينتزعُ
هنأتهم بالأمسِ إذ نهضوا
واليوم أرثيهم وقد وقعوا

محمود غنيم

مالي وللنجم يرعاني وأرعاهُ
أمسى كلانا يعافُ الغمضَ جفناهُ
لي فيكَ يا ليلُ آهاتٍ أرددها
أوّاه لو أجدتِ المحزونَ أوّاهُ
لا تحسبنّي مُحباً يشتكي وصباً
أهون بما في سبيل الحب ألقاهُ
إني تذكرتُ والذكرى مؤرقةٌ
مجداً تليداً بأيدينا أضعناهُ
آنّى اتجهتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ
تجدهُ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ
ويحَ العروبة كان الكونُ مسرحها
فأصبحتْ تتوارى في زواياهُ
كم صرّفتنا يدٌ كنّا نصرّفها
وباتَ يملكنا شعبٌ ملكناهُ
كمْ بالعراقِ وكم بالهندِ ذو شجنٍ
شكا فردّدتِ الأهرامُ شكواهُ
بني العمومةِ إنَّ القرحَ مسّكمو
ومسّنا ،نحنُ في الآلامِ أشباهُ
يا أهلَ يثربَ أدمت مقلتي يدٌ
بدريّةٌ تسألُ المصريَّ جدواهُ
الدينُ والضّادُ من مغناكمُ انبعثنا
فطبّقا الشرقَ أقصاهُ وأدناهُ
لسنا نمدُّ لكم إيماننا صلةٌ
لكنّما هو دَينٌ ما قضيناهُ
ما للخلافةِ ذنبٌ عند شانئها
قد يظلمُ السيفَ من خانتهُ كفّاهُ
الحكمُ يسييس باسم الدين جامحه
ومن يَرُمهُ بحدِّ السيفِ أعياهُ

محمود غنيم

ويحي على محكمة السلام
محكمة لكن بلا احكام
للهو لا للنقض والإبرام
سابحة في عالم الأحلام
والسيف يبري الهام كالأقلام
ألم تر العصبة في المنام

أحمد نسيم

يا لورد هلْ لك في الإسلامِ من غرض
ترمي إليهِ بسهم منك مسنونِ
أنذرت مدحك لو لم ترتكب شططاً
في أخرياتك من حينٍ إلى حينِ
هجوتَ قومي وما فارقتَ أرضهم
حتى تجرأتَ أن تنحى على الدينِ
ألم يكن دين طه خير ما نهضت
به البلادُ إلى علمٍ وتمدينِ
فكلُّ معتنق للدينِ معتقد
هاجت ثوائرهُ من بعد تسكين

حسن كامل الصيرفي

خَلِّ العزاء فنحن في هولٍ طغى
في كلِّأفق محنةٌ وبلاءُ
نشكو الصبابة في هوى أوطاننا
وقلوبنا عصفت بها البغضاءُ
متنابذينَ وحولنا أسد الشرى
قد حدّدتْ أنيابها الزرقاءُ
متغافلينَ عن الخطوبِ وقد سعت
أشباحها الخبية السوداءُ
نحن الأسارى في القيودِ نظنها
حلياً فتأخذنا بها الخيلاءُ
ماذا كسبنا بعد طولِ جهادنا؟
الكسب غرم،والجهادُ هباءُ

صالح علي الشرنوبي

إنّي هنا فَعربدي وثوري
ملء عنان اللهو والسرورِ
ومزّقي بضحك المخمور
غلالة ينسجها تفكيري
ليستر العريان من شعوري
ويحجب اللافح من سميري
الجائح المدمر الضرير
يودّ لو يعصف بالقصور
وساكنيها عابدي الفجور
النائمين في حمى الحرير
الغافلينَ عن أسى الفقير
ولوعة الشريد الدحور
الوالغينَ في دم المهدور
من عصب الكادحِ والأجير
إني هنا يا جنة الحقير
آكل جوعي وأضم نيري
هذا أنا في العالم الكبيرِ
فوق ربى المقطم المهجور
متخذاً من أرضهِ سريري
من الحصى والطينِ والصخورِ
وتحت سقف الأفقِ المطير
والقاصف المزمجر المقرور
أنامُ نومَ العاجز الموتور
على عواءِ الذئب والهرير
وقهقهات الرعد في الديجور
تسخر من عجزي ومن تقصيري

أحمد مخيمر

أخسّ ماشهدتهُ الأرض من أمم
كأنهم من قرارِ الذلِّ قد جلبوا
للموتِ ماولدوا،للقبرِ ما حشدوا
للخسرِ ما بذلوا،للضيمِ من نسلوا
الذائقونَ على كفّيك مصرعهم
والتائهونَ فلا سهلٌ ولا جبلُ
والكاذبونَ إذا أبطالكم صدقوا
والقائلونَ إذا شجعانكم عملوا
والحاشدونَ ألوفاً لا غناءَ بها
يومَ الصدام، وخيرٌ منهم رجلُ

أحمد زكي أبو شادي

قد طالَ عهدُ التراخي، يا لهُ زمناً
ضاعتْ بهِ هِممٌ شتى وآراءُ
حيثُ التفرُّقُ أنواعٌ مُجدّدةٌ
وللظهورِ حزازات وإغراءُ
والمسلمونَ حيارى في وساوسهم
وكلّ يومٍ ضلالاتٌ وشحناءُ
وليسَ للدِّينِ معنى غيرُ سفسطةٍ
كأنّما الدينُ إضحتكٌ وإبكاءُ
فهانَ دينٌ وعلمٌ بيننا،ومضت
بالدينِ والعلمِ غاياتٌ وأهواءُ
وكادَ يُقضى على أخلاقنا،وغدا
للعابثينَ مجالُ الهدم ما شاءوا

أحمد زكي أبو شادي

طرفتْ،فلما اغرورقت عيني
وصَحتْ صحوتُ للوعةِ البينِ
خمسٌ من السنواتِ قد ذهبتْ
بأعزِّ ما سميتهُ”وطني”
مازالتْ “الأفراحُ” تنهبهُ
وهي”المآتمُ” في رؤى الفطنِ
“أفراحُ” ساداتٍ لهُ نجبٍ
من كلِّ صعلوكٍ ومُمتّنِ
طالتْ أياديهم،وإذ لمسوا
أعلى الذرا سقطوا على الفتنِ
يا ليتهم سقطوا وما تركوا
زمراً تتابعهم بلا أينِ
تركوا الوصوليين ،صاعدُهُم
صِنوٌ لهابطهم،أخو ضِغنِ
لا شىءَ يشغلهم ويسعدهم
إلا الاذى في السرِّ والعلنِ
عبثوا بنا وبكلّ ما ورثت
(مصر) العزيزة من غنى الزمنِ
من ذا يُحسُّ شعور مغتربٍ
غيرُ الربيعِ بدمعهِ الهتنِ
غيرُ”الطبيعة” وهي حانيةٌ
تسعى وتمنحنا الذي تجني
هي بي ولوعة مهجتي أدرى
وبكلّ ما ألقاهُ من مِحنِ
ولئن تكن عصفت ففضتها
شبه العتابِ يُساقُ للوسنِ
إن حالَ دون لقائها مرضي
وغدا الفراشُ مُحاصراً ذهني
فبِكلِّ جارحةٍ لها شغفي
وبها أظلُّ مناجياً وطني

أحمد الزين

لا يدّعي العدل قومٌ في عدالتهم
صرعى الكفايات تشكو ظلم أهليها
ولا المساواة والأفهام لو وزنت
مع الغباوة فيهم لا تساويها
ولا الحضارة من تجزي نوابغهم
وحشية تسكن البيداء والتيها
هاتِ المدام ولا تسمع لشانيها
إن الزمان يصافي من يصافيها
ملء المناصب منهومون قد جعلوا
من دونها سد ذي القرنين يحميها
على مناعة ذاك السد تنفذه
عصابة تتواصى في حواشيها
من كلّ أخرق تنسل الحظوظ به
إلى المراتب يسمو في مراقيها
خابي القوى عبقري الجهل يثقله
عبء الرياسة إذ يدعوه داعيها
أرخصتمو غالي الأخلاق في بلد
لم تغل قيمته إلا بغاليها
يا ربّ نفس أضاء الطهر صفحتها وكم قلوب كساها الحسن نضرته
أفسدتموها فزّلت في مهاويها دنستموها فعاد الحسنُ تشويها
أغلقتمو سبل الارزاق لم تدعوا مدارس تغرس الأخلاق في نشأ
لفاضل الخلق سعياً في نواحيها ومغلق الرزق بعد الغرس يذويها
لا تلحِ طالب رزق في نقائصه
إنّ الضرورات من أقوى دواعيها
ما أطهر الخلق المصري لو طهرت
تلك الرياسات من أهواء موحيها
جادوا بأعمارهم حتى لجاحدهم
إنّ المواهب سلم في أعاديها
كالشمس تقتبس منها عين عابدها
وترسل النور في أجفان شانيها
والنفسُ إن ملئت بالودِّ فاض على
نفوس أعدائها بالودِّ صافيها
كالسحب إذ ملئت بالغيث فاض على
جدب البلاد خلوف من هواميها
يا آخذين بقتل النفس قاتلها
قتلى المواهب لم يسمع لشاكيها
كم للنبوغ دماء بينكم سفكت
باسم المآرب لا اسم الله مجريها
هلا اقتصصتم لها من ظلم سافكها
وقل فيما جناه قتل جانيها
أولى الورى بقصاص منه ذو غرض
يخشى المواهب تخفيه فيخفيها

عمر أبو ريشة

أنا من أمة تجوس حماها
جاهلياتها بلا استئذان
مزّقتْ شملنا شعائرُ شتى
وقيادات طغمة عبدان
مرنتنا على الهزيمة والجبن
وبعض الحياة بعض مرانِ
فاستكنا لا بارك الله في
صبرٍ ذليل ولا بكاء جبان

خليل مردم بك في اغتصاب الاسكندرون

أجاركَ الله،هذا الحلفُ والجارُ
عليك ـ لا لك ـ أعوانٌ وأنصارُ
هم حَكّموا فإذا التحكيمُ عندهم
تَحكُّمٌ وإذا التخييرُ إجبارُ
قضيةٌ عجب تبكي وتضحك سلْ
عن خطبها الوفد واستشهد لها(غارو)
لا يستقيمُ قياس في تناقضها
ولا يصحُّ على ما تُمّ معيار
الخصمُ يحكم والقاضي بها هَملٌ
والحقُّ يُصرعُ والبهتانُ سوّارُ
إذا المحامي أعانَ الخصم في تره
فليتَ شعري ممّن يُدرك الثأرُ

خير الدين الزركلي بعد أن نفى البريطانيون الشريف الحسين بن علي إلى قبرص وخانوا العهود

صبرَ العظيم على العظيم
جبارَ زمزم والحطيم
إنّ القضاءَ إذا تسلط
ضاعَ فيهِ حجى الحكيم
ألقِ السلامَ على الطلول
وحيِّ شاخصة الرسوم
ودع قصور(أبي نميّ)
لست فيها بالمقيم
راعتكَ رائعة الملوك
وبؤت بالخطب الجسيم
سهم رماك الأقربون به
فغلغل في الصميم
ما كنتَ تحفل بالنصيح
وكنت أحفى ….
للنعميات يد الوشاة
وللأباة لظى الجحيم
الإنكليز وما أراك
بأمرهم غيرُ العليم
مافي جموعهم وإن
حدبوا عليك سوى غريم
قد يستنيم أذاهم
حيناً وليسَ بمستنيم
عجباً لمن طلبَ الخلافة
والخلافة في النجوم
أين الخلافة؟لا خلافة
في الحديثِ ولا القديم
أو لستُ أعجبُ للزعيم
يفوتهُ سهر الزعيم
كانت تخومك لا تنال
فهل حميت حمى التخوم
هلا اقتديت وأنت تشهد
بالفتى عبد الكريم(الخطابي)
المستغرُ بقومه
والمستبد على الغشوم
والمسترد علا حماه
بحدِّ مرهفه الصروم
التارك الإسبان
طائشة المدارك والحلوم
والمشهد الأقوام أن
الحق محمي الحريم
والمبلغ الأسماع أن
الضيم ينهض بالمضيم
رفع العقيرة في الجموع
وأنت لاه بالنعيم
ونفى الهموم عن الربوع
وأنت تبعث بالهموم
وشفى الصدور من الكلوم
وأنت كنت من الكلوم
ماذا ادّخرت لمثل يومك
والنذيرُ نذير شؤم
يا عبرة لأولي البصائر
في الحميد وفي الذميم
قل للذين سيخلفونك
من عدوٍّ أو حميم
الواردين على التربع
شرُّ الممالك ما يُساس

في الدسوت ورود هِيم
سياسة البغي الوخيم
ما في العروش على الجهالة
ما عرش مكة بالإمارة

والغباء بمستقيم
في ثقيف أو تميم
عصر البداوة قد توارى
العرش منهار إذا

عهده بين الغيوم
لم يحمهِ علم العليم

شفيق جبري

لا خيرَ في شعبٍ يساق
إلى الأذى سوق الضئين
من هانَ في طلبِ الحقو
قِ قضى بغصّاتِ المهين
اخفض الصوت ولا تجهر بهِ
رُبّ صوت هاجَ فينا الظننا
عقدوا الألسن حتى صمتت
ما ترى للقوم فينا ألسنا

سليم الزركلي

في جبهةِ الدهرِ كنّا أنجماً سطعتْ
ونحنُ للكونِ أقمارٌ وتيجانُ
على الليالي كراماً،لا تذلّلتْ
صروفها،ولها للعربِ إذعانُ
كانت لدولتنا تعنو جبابرة
دانت لها في الوغى بيضٌ ومُرّانُ
فما لنا بعد ذاكَ العزّ يجرفنا
سيلُ الهوان،فلا عزٌّ ولا شانُ
يا هبّة العربِ للثارات تطلبها
دينوا العُداةَ،كما أوطانكم دانوا
هي البلادُ جموعُ المخلصينَ لها
في حومةِ المجدِ صولوا فالحياةُ لمن

في نصرةِ الحقِّ،أجنادٌ وأعوانُ
يلقى صروفَ الليالي وهو يقظانُ

محمد البزم

موال شعوبيون قلباً ونزعةً
لهم عِممٌ عن موطنِ الجهل تُحسر
عباديدُ نعارون في غيرِ طائل
لهم في انحطاطِ الضادِ ربحٌ ومتجرُ

وليد الأعظمي

يا رب لطفك بالإسلامِ قد أخذت
من أهلهِ عروة الإخلاصِ تنفصمُ
وأصبحت أممُ الإسلامِ قاطبةً
بينَ الأنامِ بسيما الذلِّ تتسمُ
تستبدلُ الكفر بالإيمان وا أسفا
وتشربُ السمَّ ظناً أنّهُ دسمُ
أودى بها الطيشُ واللذات فانمحقت
منها الشجاعةُ والإقدامُ والكرمُ
وغادرتها دواعي المجدِ أجمعها
وساورتها شكوكُ دونها الظلمُ
والمجدُ وعر فقل لي كيفَ يسلكهُ
من لم يكن عندهُ ساقٌ ولا قدمُ
وكيفَ ينهض للعليا أخو ضعة
وكيفَ يدعو إلى الإصلاحِ متهمُ
ما قام فينا أخو رشدٍ لينصحنا
إلا وهاجت ظنونُ السوءِ تتهمُ
وإن دعانا إلى خيرٍ ومكرمةٍ
يا ضيعةَ الحقِّ والإنصافِ في بلد

قلنا:له غاية أخرى هي الغنم
فيه الرذيلةُ عينُ والفسادُ فمُ
عشنا على هامشِ الدنيا بغير هدى
خلائق كظلامِ الليلِ من يرها

يا للرزية لا عرب ولا عجم
يقل بأمثال هذه تمسخ الأممُ

وليد الأعظمي

ما قيمةُ الحسن والأرواحُ ذابلة
تستمرىءُ الذلّ والإفسادَ والهونا
رانت عليها الخطايا فهي صادئةٌ
والقلبُ يصدأ إن لم تجلهِ حينا
يا تائهاً غرّهُ مالهُ ومنزلة
لا تنسَ قبلكَ فرعونا وقارونا
صالوا وجالوا وباعوا واشتروا وطغوا
وسخروا بالملايين الملايينا
وحاربوا الله فاسودّت وجوههم
وأصبحوا مثلاً للمُستبدينا
فليعتبر من لهُ قلبٌ وباصرةٌ
وليتئد من يُداجي في تصافينا

زكي قنصل

مضى العامُ يا قلبي وأقبلَ عامُ
أيأتي مع الفجرِ الجديدِ سلامُ؟
أطلَّ ونارُ الشرِّ في نظراتهِ
وولّى وفيها شِدّةٌ وعرامُ
نُشيّعُ بالشكوى من العمرِ حِقبةً
فهل في سماءِ الظامئينَ غمامُ؟
وهل يهتدي حيرانُ ضاعَ طريقَهُ
وشرّدهُ بينَ القِفارِ قتامُ؟
وهل يجدُ المظلومُ في الناسِ رحمةٌ
ويعلو لأصحابِ العقولِ مقامُ؟
مضى العامُ لم يترك لنا غيرَ غصّةٍ
ويشرقُ بالماءِ الزلالِ مضامُ
حنانكَ يا عاماً يهلُّ هلالهُ
حنانكَ فالآمالُ فيك حسامُ
رعينا ذِمامَ العالمين ولم نزلْ
فهل ضاعَ بينَ العالمينَ ذمامُ
نريدُ لأبناءِ العروبةِ دولةً
يذودُ يراعٌ دونها وحسامُ
تقومُ على التقوى ويدعمُ ركنها
إخاءٌ يُساوي بينها ووئامُ
نريدُ لإخوانٍ تشرّدَ شملهم
وناموا على شوكِ الهوانِ وقاموا
نريدُ لهم أن يستردوا ديارهم
وتطوى إلى دهرِ الدهورِ خيامُ
نريدُ لكلِّ الناسِ ألا يُصيبهم
بلاءٌ وألا يستجدُ خصامُ
وأن تمحي بين الشعوب فوارقٌ
وأن ينطفي بين القلوبِ ضرامُ

إيليا أبو ماضي

أقبلَ العيدُ،ولكن ليسض في الناسِ المسرّهْ
لا أرى إلا وجوهاً كالحاتٍ مكفهره
كالرّكايا لم يدعً فيها يدُ الماتح قطرة
أو كمثل الرّوض لم تترك به النكباء زهره
وعيوناً دنفتْ فيها الأماني المُستحرّه
فهي حيرى ذاهلات في الذي تهوى وتكره
وخدوداً باهتاتٍ كساها الهمُّ صُفرة
وشفاهاً تحذرُ الضحكَ كأنّ الضحك جمره
ليس للقوم حديثٌ غير شكوى مستمرة
قد تساوى عندهم لليأسِ نفعٌ ومضرّه
لا تسلْ ماذا عراهم كلهم يجهل أمره
حائرٌ كالطائرِ الخائفِ قد ضيّعَ وكره



إيليا أبو ماضي

وطنٌ أردناهُ على حُبِّ العلى
فأبى سوى أن يستكن إلى الشقا
كالعبدِ يخشى بعدما أفنى الصبى
يلهو بهِ ساداتهُ أن يُعتقا
شعبٌ كما شاءَ التخاذل والهوى
متفرّقٌ ويكادُ أن يتمزّقا
لا يرتضي دينَ الإله موفقاً
بينَ القلوبِ ويرتضيهِ مفرقا
لم يعتقد بالعلم وهو حقائق
لكنهُ اعتقدَ التمائم والرقى
وحكومة ما إن تزحزحَ أحمقاً
على رأسها حتى تُولي أحمقا
بغداد في خطر ومصر رهينة
وغداً تنالُ يدُ المطامعِ جِلقا

إيليا أبو ماضي

كلوا واشربوا أيها الأغنياء
وإن ملأ السكك الجائعون
ولا تلبسوا الخزّ إلا جديداً
وإن لبس الخرق البائسون
وحوطوا قصوركم بالرجالِ
وحوطوا رجالكم بالحصون
فلا تبصرون ضحايا الطوى
ولا يبصرون الذي تصنعون
وإن ساءكم أنم في الوجود
وأزعجكم أنهم يعولون
مُروا فتصول الجنودُ عليهم
تُعلّمهم كيفَ فتكَ المنزن
فهم معتدون،وهم مجرمون
وهم مقلقون،وهم ثائرون
وتلكَ العصيُّ لتلكَ الرؤوس
وتلك الحرابُ لتلك البطون
وتلك السجون لمن شدتموها
إذا لم تزجوهم في السجون؟
كِلوا للظبا حلقَ هاماتهم
قلإن الملوك كذا يفعلون
إذا الجندُ لم يحرسوكم وأنتم
سراة البلادِ فما يحرسون؟
وإن هم لم يقتلوا الأشقياء
فياليت شعري من يقتلون؟
ولا يحزننكم موتهم
فإنهم للردى يُولدون
وقولوا كذا أراد الإله
وإن قدّرَ الله شيئاً يكون

إبراهيم اليازجي

ضلَّ الجميعُ وتاهوا في غوايتهم
فما اهتدى حاضرٌ منهم ولا بادِ
وأصبحَ الزورُ مرفوع اللواء بهم
وقائلُ الحقِّ موصوفاً بإلحادِ
قام الخصامُ بما لايعلمون له
كنهاً ولم ترَهُ أبصارُ أشهادِ
شغبٌ تفاقمَ في الأجيال واضطرمت
بهِ العداوات دهراً بين أكبادِ
أما كفاكم بني الإنسان شقوتكم
وأنّكم للمنايا جدُّ وِرّادِ
وما تعانونَ من جهدِ الحياة وقد
أمستْ كوقرٍ ثقيلٍ فوقَ أكتادِ
فمالكم تسعدون الدهر بعضكمُ
لكيدِ بعض به يا شرّ إسعادِ
وإنّما أرضنا دار السلام لمن
يبغي السلام ودار الحرب للعادي
وكلنا فوقها رهن الزوالِ فلا
أضلّ بعد الكُفى من سعي مزداد

محمد مهدي الجواهري

حتى إذا عجموا قناةً مرّةً
شوكاءَ تُدمي من أتاها حاطباً
واستيأسوا منها،ومنْ مُتخشبٍ
عنتاً كَصلِّ الرمل ينفخُ غاضباً
حُراً يُحاسبُ نفسهُ أن ترعوى
حتى يروح لمن سواهُ مُحاسباً
ويحوزَ مدحَ الأكثرينَ مُفاخراً
ويحوزَ ذمَّ الأكثرينَ مثالباً
حتى إذا الجنديُّ شدَّ حزامهُ
ورأى الفضيلةَ أن يظلّ محاربا
حشدوا عليهِ الجوعَ ينشبُ نابَهُ
في جلدِ “أرقط” لا يُبالي ناشبا
وعلى شبولِ الليثِ خرقُ نعلهم!
أزكى من المترهلين حقائبا
يتساءلونَ أينزلونَ بلادهم؟
أم يقطعونَ فدافداً وسباسبا؟

محمد مهدي الجواهري

عجب لخلق في المغارمِ رازح
يقدم ما تجنى يداهُ لغانمِ
وأنكأ من هذا التغابن قرحة
غباوة مخدوم وفطنة خادم
لو اطلعت عيناك أبصرت مأتما
أقيمَ على الأحياءِ قبل المآتمِ
إذا أقبل الشيخ المطاع وخلفه
من الزارعين الأرض مثل السوائم
قياماً على أعتابه يمطرونها
خنوعاً وذلاً بالشفاه اللوائم
حنايا من الأكداح تلقى ظلالها
على مثل جب باهت النور قاتم
أمبتردات بالخمور تثلجت
وبالماء يغلي بالعطور الفواعم
ومفترشات فضلة في زرائب
يوسدها ما حولها من ركائم
أمن كدح آلاف تفيض تعاسة
يمتع فرد بالنعيم الملازم
سياسة إقفار،وتجويع أمة
وتسليط أفراد جناة غواشم

محمد مهدي الجواهري

يا أمة لخصوم ضدها احتكمت
كيفَ ارتضيت خصيماً ظالماً حكما

معروف الرصافي

بكيتُ على كلِّ ابن أروع ماجد
لهُ نسبٌ في الاكرمين جليل
يليح من الضيم المذلّ بعزة
لها البدر ترب والنجوم قبيل
من العرب أما عرضهُ فموفر
مصون وأما جسمه فهزيل
لهُ سلفٌ عزّوا فبزّوا نباهة
ولم تعتورهم فترة وخمولُ
وساروا بنهجِ المكرماتِ تقلهم
قلائص من سعي لهم وخيول
وكانوا إذا ما أظلم الدهر أشرقت
به غرر من مجدهم وحجول
أولئك قوم قد ذوى روض مجدهم
فلم تسر فيهِ نسمة وقبول
وقد أعطشتهُ السحب حتى لقد علت
على الدهرِ منهُ صفرة وذبولُ

معروف الرصافي

قضت المطامع أن نطيل جدالاً
وأبينَ إلا باطلاً ومحالا
في كلِّ يومٍ للمطامعِ ثورةٌ
باسمِ السياسة تستجيشُ قتالا
ما ضرَّ من ساسوا البلاد لو أنهم
كانوا على طلبِ الوفاقِ عيالا
أمنَ السياسةِ أن يُقتّلَ بعضنا
بعضاً ليُدركَ غيرنا الآمالا
لا درَّ درُّ أولي السياسة إنهم
قتلوا الرجالَ ويتموا الأطفالا
غرسوا المطامعَ واغتدوا يسقونها
بدم هريق على الثرى سيالا
نثروا الدماءَ على البطاحِ شقائقا
وتوهموها الروضةَ المحالا

معروف الرصافي

أيها الأغنياءُ كم قد ظلمتم
نِعمَ الله حيث ما إن رحمتم
سهر البائسون جوعاً ونُمتم
بهناءٍ من بعدِ ما قد طعمتم
من طعامٍ مُنوّعٍ وشرابِ

كم بذلتم أموالكم في الملاهي
وركبتم بها متونَ السّفاهِ
وبخلتمْ منها بحقِّ الله
أيها الموسرونَ بعضَ انتباه
أفتدرونَ أنكم في تباب

عبد الوهاب البياتي

يا منْ رأى أحفاد عدنانٍ
على خشبِ الصليبِ مُسّمرين
النملُ يأكل لحمهم
وطيور جارحة السنين
ليلَ المنافي في
محطات القطار بلا عيون
يبكون تحت القبعات
ويذبلون…ويهربون
يا من راى”يافا” بإعلانٍ
صغيرٍ في بلادِ الآخرين
يافا على صندوق
ليمون معفرة الجبين
يا من يدق الباب
نحن اللاجئين
مُتنا…وما يافا
سوى إعلان ليمون
فلا تُقلق عظام الميتين
باعوا صلاح الدين
باعوا درعه وحصانه
باعوا قبور اللاجئين

أحمد مطر

لمن نشكو مآسينا؟ ومن يصغي لشكوانا ويجدينا؟ أنشكو موتنا ذلاً لوالينا؟ وهل موت سيُيحينا قطيعٌ نحن والجزار راعينا ومنفيون نمشي في أراضينا ونحمل نعشنا قسراً بأيدينا ونعربر عن تعازينا لنافينا
فوالينا،أدام الله والينا رآنا أمة وسطاً فما أبقى لنا دنيا،ولا أبقى لنا دينا
ولاة الأمر،ما خنتم،ولا هنتم ولا أبديتم اللينا جزاكم ربنا خيراً كفيتم أرضنا بلوى أعادينا وحققتم أمانينا
وهذي القدس تشكركم ففي تنديدكم حينا وفي تهديدكم حينا سحبتم أنف أمريكا فلم تنقل سفارتهات ولو نقلت ـ معاذ الله ـ لو نقلت لضيعنا فلسطينا ولاة الأمر هذا النصر يكفيكم ويكفينا ،تهانينا

أحمد الصافي النجفي

رفقاً بنفسكَ أيها الفلاح
تسعى وسعيُكَ ليسَ فيهِ فلاح
لكَ في الصباحِ على عنائك غدوةٌ
وعلى الطوى لكَ في المساءِ رواح
هذي الجراحُ براحتيكَ عميقة
ونظيرها لك في الفؤادِ جراح
في الليلِ بيتك مثل دهرك مظلم
ما فيهِ لا شمعٌ ولا مصباح
فيخرّ سقفكَ إن همتْ عينُ السما
ويطيرُ كوخكَ إن تهب رياح
بغضونِ وجهكَ للمشقة أسطرٌ
وعلى جنبيكَ للشقا ألواح
عرق الحياة يسيلُ منك لالئا
فَيُزان منها للغنى وشاح
حسب الولاة الحاكمون على القرى
أن ثمّ أجساد ولا أرواح
كيفَ التفاهم بين ذنيك:نائح
يشكو العذاب،وسامعٌ مرتاح
قد أنكروا البؤسَ الذي بكَ مُحدقٌ
أفينكرونَ الحقّ وهو صراح؟
يا غارسَ الشجرِ المؤّمل نفعهُ
دعهُ فإن ثمارهُ الأتراح
اقلعهُ فالثمرُ اللذيذ محرمٌ
للغارسينَ وللقوي مباح
أصبحت تُورثكَ الحقول أسىً فما
يهتاجُ أنسك نشرها الفيّاح
سِرْ ببؤسك فاضح لذوي الغنى
ولو أنّ سرّكَ في البلاد يباح

فؤاد الخطيب

يا جيرةَ البانِ هل من يسأل البانا
إن كانَ فيه صدىً من رجعِ شكوانا
فكم تبدّلت الأفنانُ مُصغيةً
إليه،وانتفضّ النوّارُ يقظانا
والتفتِ الوُرقُ أسراباً مُصفقةً
على الكثيبِ تبثُّ الوجدَ ألحانا
والريحُ تهمسُ في الأذانِ ملهمةً
والزهرُ ينصبُ للإلهامِ آذانا
تلكَ الملاعبُ أقوتْ وانطوتْ حججٌ
أمستْ جوى وضنى برحاً وأشجانا
تسرّبت في حنايا الصدر فانعقدتْ
هَمّاً تعجُّ بهِ الأنفاسُ نيرانا
هي “الهموم”فَسلْ عنها الخبير بها
إنّ “الهمومَ” تصبُّ الويلَ ألوانا
بالله لو فعلت في الجسم ما فعلتْ
في النفسِ لم يعرفِ الإنسانُ إنسانا
وأصبحَ الناسُ غيرَ الناسِ من صورٍ
شنعاء تمنحهم شيباً وولدانا
فليتقِ الله قومٌ بين أضلعهم
غيظٌ تفجّرَ أحقاداً وأضغانا
أهوتْ بهم لعنةُ الأجيالِ تقذفهم
في وجهِ إبليسَ صخّاباً ولعانا
لم تنتقل قدمٌ منهم إلى عمل
حقّ يكون على الإخلاصِ برهانا
وحولهم ضجةٌ من كلّ ذي مَلقٍ
سمجٍ وكلّ وقاح لجَّ تبيانا
مستهترين فما يخشون من شططٍ
مستوفرينَ لجمعِ السُّحتِ وحدانا
يمشونَ في الغّيِّ والأهواء ترفعهم
كالشّركِ يرفعُ أنصاباً وأوثانا
وكم هنالك دجالٌ لهُ زبدٌ
من فوقِ شدقيهِ يخفي الدجلَ إيقانا
يُبدي الحماسةَ إرغاءً فإن بلغت
حدّ التشنج ضجَّ القومُ إيمانا
وكم شهدتَ جموعَ الخلقِ مطبقةً
على الطريقِ مشاةً فيه رُكبانا
تترى المواكبُ والابصارُ خاشعةٌ
إلى العواقبِ حتى كان ما كانا
والعفو أقرب ما استدنيتَ من أمل
من مُنعمٍ وسعَ الأكوان غفرانا

أبو القاسم الشابي

إنّي أرى…فأرى جموعاً جَمّةً
لكنها تحيا بلا ألبابِ
يَدوي حواليها الزمانُ كأنّما
يدوي حوالي جندلٍ وترابِ
وإذا استجابوا للزمانِ تناكروا
وتراشقوا بالشوكِ والأحصابِ
وقضوا على روحِ الأخوة بينهم
جهلاً وعاشوا عيشةَ الأغرابِ
فرحتْ بهم غولُ التعاسةِ والفَنا
ومطامعُ السّلابِ والغلابِ
لُعبٌ تُحركها المطامعُ واللّهى
وصغائرُ الأحقادِ والآرابِ
وأرى نفوساً من دخانٍ جامدٍ
ميتٍ،كأشباحٍ وراءَ ضباب
موتى،نسوا شوقَ الحياةِ وعزمها
وتحرّكوا كتحركِ الأنصابِ
وخبا بهم لهبُ الوجودِ فما بقوا
إلا كُمحترقٍ من الأخشاب
لا قلبَ يقتحمُ الحياةَ ولا حِجىً
يسمو سُموَّ الطائرِ الجوّاب

غازي القصيبي

ألومُ صنعاء…يا بلقيسُ…أم عدنا؟
أم أمّة ضيّعت في أمسها يزنا؟
ألومُ صنعاء…لو صنعاءُ تسمعني
وساكني عدن…لو أرهفت أذنا
وأمّة عجباً…ميلادها يمن
كم قطّعت يمناً…كم مزّقت يمنا
ألومُ نفسي…يا بلقيس…كنت فتى
بفتنة الوحدة الحسناء…مفتتنا
بنيتُ صرحاً من الأوهامِ أسكنه
فكان قبراً نتاج الوهم لا سكنا
وصُغتُ من وهجِ الأحلامِ لي مدناً
واليومَ لا وهجاً أرجو…ولا مدنا
ألومُ نفسي…يا بلقيس…أحسبني
كنت الذي باغتَ الحسناء..كنت أنا
بلقيس…يقتتل الأقيال فانتدبي
إليهم الهدهد الوفي بما ائتمنا
قولي لهم:أنتم في ناظريّ قذى
وأنتم معرضٌ في أضلعي…وضنا
قولي لهم:يا رجالاً ضيّعوا وطناً
أما من امرأة تستنقذ الوطنا

محمد رضا الشبيبي

يعيش سعيد مفرد بين معشر
شقي وحيٌّ واحد بين أموات
وكم جسد فوق الأخادع شاخص
إلى جثة تحت الأخامص ملقاة
وما الزمن الماضي بأعظم محنة
من الحاضرِ الموصولِ بالزمنِ الأتي
يظنونَ هذا العصر عصرَ هداية
وأجدر أن ندعوه عصر ضلالات
فإن خرافات مضت قد تبدّلت
حقائق إلا أنها كالخرافات

محمد محمود الزبيري

من وراء الأكذوبة المعبودة
والتهاني الذليلة الرعديدة
والهتافات والضراعات للأصنام
في ضجة الطبول البليدة
والمزاد الذي يجدّد بيع الشعب
فيه بالبيعةِ المنكودة
والعهود اللاتي يكررها الطاغي
كأبائهِ ليشري عبيده
ورؤوس الأبطال يلهو وليد القصر
لهواً بها،وتلهو وليده
والمحاذير والمخاوف تغتال
الضحايا المفجوعة المفؤودة
والقنوط الوحشي يفترس الأحرار
في ظلمةِ السجون البعيدة
ألمح الشعب قابعاً يدرس الثورة
كيما يأتي بأخرى جديدة
يتحرى الأخطاء ويغفر للاحرار
أخطاءهم ليبقوا جنوده

محمد محمود الزبيري

فوضى وأمراض وجهل فاضح
ومخافة ومجاعة وإمام

عبد الله البردوني يخاطب أبو تمام

تنسى الرؤوسُ العوالي نارَ نخوتها
إذا امتطاها إلى أسيادهِ الذنبُ
حبيبُ،وافيتُ من صفاء يحملني
نَسرٌ وخلفَ ضلوعي يلهثُ العربُ
ماذا أُحدّثُ عن صنعاءَ يا أبتي؟
مليحةٌ عاشقاها: السّلُ والجربُ
ماتت بصندوقِ…وضاحٍ..بلا ثمنٍ
ولم يمتْ في حشاها العشقُ والطربُ
كانت تُراقبُ صُبحَ البعثِ ..فانبعثت
في الحلمِ…ثم ارتمت تغفو وترتقبُ
لكنّها رغمَ بُخلِ الغيثِ ما برِحتْ
حُبلى وفي بطنها “قحطانُ” أو “كَربُ”
وفي أسى مقلتيها يغتلي”يمنٌ”
ثانٍ كحلمِ الصِّبا…ينأى ويقتربُ
حبيبُ …تسألُ عن حالي وكيف أنا
شُبابةٌ في شفاهِ الريح تنتحبُ
كانت بلادكَ”رِحلاً” ظهرَ “ناجيةٍ”
أما بلادي فلا ظهرٌ ولا غَببُ
أرعيتَ كلَّ جديبِ لحمَ راحلة
كانت رعتهُ وماءُ الروضِ ينسكبُ
ورُحتُ من سفرٍ مُضنٍ إلى سفرٍ
أضنى…لانَ طريقَ الرّاحة التعبُ
لكن أنا راحلٌ في غيرِ ما سفرٍ
رِجلي دمى…وطريقي الجمرُ والحطبُ
إذا امتطيتَ ركاباً للنوى فأنا
في داخلي…أمتطي ناري وأغتربُ
قبري ومأساةُ ميلادي على كتفي
وحولي العدمُ المنفوخُ والصخبُ

أبو فراس الحمداني

الحقُّ مهتضمٌ،والدينُ مخترمٌ
وفيىءُ رسول الله مقتسمُ
والناسُ عندكَ لا ناسٌ فيحفظهم
سَومُ الرعاةِ ولا شاءٌ ولا نِعَمُ
إني أبيتُ قليلَ النوم أرّقني
قلبٌ تصارعُ فيهِ الهمُّ والهِممُ
يا للرجالِ أما لله منتصرٌ
من الطغاةِ،أما للهِ منتقمُ؟
بنو علي رعايا في ديارهمُ
والأمرُ تملكهُ النسوانُ والخدمُ
مُحلئونَ فأصفى شَربهمُ وشل
عند الورودِ وأوفى ودّهم لِممُ
أتفخرونَ عليهم لا أبا لكمُ
حتى كأنّ رسول الله جَدّكمُ
ولا توازن فيما بينكم شرفٌ
ولا تساوتْ لكم في موطنٍ قدمُ

القاضي التنوخي الكبير

تركنا أرضَ مصرَ لكُلِّ فَدْمٍ
لهُ باعٌ يُقصّر عن ذراعِ
نفوسٌ لا تليقُ بها المعالي
وأخلاقٌ تضيقُ عن المساعي
أقمتُ بها..ومن مِحنِ الليالي
مُقامُ الاسدِ في كهفِ الضباعِ
أقولُ،وقد نأوا،بُعداً وسُحقاً
لشرِّ الخلقِ في شرِّ البقاعِ
وكمْ خلّفتُ من كرمِ مهينٍ
بعرصتها ومن عِرضٍ مُضاعِ
وأجسامٍ مُسمنّةٍ شباعٍ
وأحسابٍ مُضمرّةٍ جياعِ
ونقصٍ في أكابرِها حضيضٍ
وجهلٍ في أصاغرها مُشاعِ
لقد نامتْ سريرتكم،وكانت
فضيحتكم قناعاً للقناعِ
جعلتم ذنبنا أنّا سمعنا
وما الآذانُ إلا للسماعِ

أبو عبد الله محمد الفازازي

الرومُ تضربُ في البلادِ وتغنمُ
والجورُ يأخذ مابقيَ والمغرمُ
والمالُ يوردُ كلّهُ قشتالة
والجندُ تسقطُ والرعية تسلم
وذوو التعيينِ ليسَ فيهم مسلم
إلا معينٌ في الفسادِ مُسلِّمُ
أسفي على تلك البلادِ وأهلها
الله يلطفُ بالجميعِ ويرحمُ

ابن عسال الطليطلي بعد أخذ الإفرنج طليطلة

حثوا رواحلكم يا أهل أندلس
فما المقامُ بها إلا من الغلط
السلكُ ينثر من أطرافه
وأرى سلك الجزيرة منثوراً من الوسط
من جاورَ الشرَّ لا يأمن عواقبه
كيف الحياةُ مع الحيات في سفط

ابن خفاجة الأندلسي بعد سقوط بلنسية

عاثتْ بساحتكِ الظبا يا دارُ
ومحا محاسنكِ البلى والنارُ
فإذا تردّدَ في جنابكِ ناظرٌ
طالَ اعتبارٌ فيكِ واستعبارُ
أرضٌ تقاذفت الخطوبُ بأهلها
وتمخضت بخرابها الأقدارُ
كتبتْ يدُ الحدثانِ في عرصاتها
لا أنت أنت،ولا الديارُ ديارُ

لقيط بن يعمر الإيادي

يا قوم ماذا يردّ عليكم عزَّ أولكم
إن ضاعَ آخرهُ،أو ذلّ واتضعا؟

علي بن الجهم

فيا لجنودٍ ضيّعتها ملوكها
ويا لملوكٍ أسلمتها جنودُها
ألهفاً وما يُغني التلهفُ بعدما
أُذلت لضبعانِ الفلاةِ أسودُها

النجاشي الحارثي

قبيلتهُ لا يغدرون بذمّة
ولا يظلمونَ الناس حبة خردل

أبو أذينة

ما كلُّ يومٍ ينالُ المرءُ ما طلبا
ولا يسوغهُ المقدارُ ما وهبا
وأحزمُ الناس من إن نالَ فرصتهُ
لم يجعلِ السببَ الموصولَ مُقتضبا
وأنصفُ الناسِ في كلّ المواطن من
سقى المُعادين بالكأسِ الذي شربا
وليسَ يظلمهم مَن راحَ يضربهم
بحدِّ سيفٍ بهِ من قبله ضُربا
والعفو إلا عن الأكفاءِ مكرمةً
من قال غير الذي قلتهُ كذبا
قتلتَ عَمراً،وتستبقي يزيد لقد
رأيتَ رأياً يُجرُّ الويلَ والحربا
لا تقطعن ذنبَ الأفعى وتُرسلها
إن كنتَ شهماً فألحقْ رأسها الذنبا
هم جردوا السيفَ فاجعلهم له جَزرا
وأضرموا النارَ فاجعلهم لها حطبا
إن تعفُ عنهم،يقولُ الناسُ كلّهمُ
لم تعفُ حلماً،ولكن عفوهُ رَهبا
أنِمْ حُقوداً لنا فيهم مماطلةً
وما تنامُ إذا لم تنته الغضبا
وكان أحسن من ذا العفو لو هربوا
لكنهم اتقوا من مثلك الهربا
لا عفوَ عن مثلهم في مثلِ ما طلبوا
فإن يكن ذاك،كانَ الهُلكَ والعطبا
إن حاولوا المُلكَ،قال الناسُ:حقّهمُ
وليسَ طالبُ حقٍّ مثلَ من غصبا
همُ أهلّةِ غسّانِ،ومجدهمُ
عالٍ،فإن حاولوا مُلكاً فلا عجبا
وعرّضوا بفداءٍ واصفينَ لنا
خيلاً وإبلاً تروقُ العُجمَ والعربا
أيحبونَ دماً منا ونحلبهم
رسلاً،لقد شرفونا فب الورى حلبا
لم يتركوا سبباً للصلحِ جُهدهمُ
فلا تكن أنت أيضاً تاركاً سببا
لو لم تسرْ جازَ أن تعفو مُحاجزةً
واليثُ لا يُحسنُ البُقيا إذا وثبا