رسالة إلى الأحبّة في تل الزهور

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى الأحبّة في تل الزهور

مرت على إبعاد الإخوة الأحبّة إلى تل الزهور عدة شهور،ولقد حدثت عُقيب إبعادهم ضجّة كبيرة على المستوى العربي والإسلامي والعالمي،وتناولت قضيتهم معظم صحف العالم بالإستنكار والتنديد،ثمّ بدأت هذه الضجّة تتراجع تدريجياً حتى اختفت تماماً وتلاشت،مع أن الواقع الأليم لم يتغيّر فالظلم واقع،والظالم غير مبالٍ ولا سامع،ولكن هذا ليس بالغريب علينا فيما يتعلق بقضايا الإسلام والمسلمين،فعهدُنا بحكامنا وحكام عالمنا بالنسبة لقضايا المسلمين”أذنٌ من طين وأخرى من عجين”!!

أيها الأخوة الأحبّة في تل الزهور:

ـ يا منْ أحييتُم الأرض البوار بصلاتكم وسجودكم،فاهتزّت وربّت،عندما خالطت تُربتها دموع خشيتكم،فأورقت وأينعت بعد سنوات عِجاف من البوار والموات من جراء دوس أقدام رجال الإحتلال،الذين عُرفوا بقساوة القلوب فكيف الحال بأقدامهم!!

ـ يا من ذرفت عليكم السماء أمطاراً وثلوجاً بعدما وصلتها دعواتكم وصلواتكم،فإذا الأرض تطهر من دَنس الغاصبين وإذا بالأجسام والأبدان تُطهّر أجسام العابدين المُرابطين.

ـ يا من عانيتم قرَّ البرد،فدعوتم ربّكم كما دعا الخليل من قبلكم،فإذا به يتحوّل قُرّة لأعينكم ،ويثلج صدوركم ويُقوّي برد يقينكم.

ـ يامنْ قاومتم العدوّ الغاصب،وتغلّبتم عليه بحرارة إيمانكم،ونور عزائمكم،وشعلة اليقين المُتقدّة في قلوبكم.

ـ يا من سكنتم الخيام،والتحفتم السماء،وافترشتم الأرض،ولكنكم صنعتم ما عجز عنه سكان القصور من الحكام الذين باعوا الأرض واستباحوا العرض.

ـ يامن بثباتكم وصبركم صفعتم الذل في جبين زعمائكم وحكامكم،وصفعتم الصلف والغرور في جبين أعدائكم.

ـ يامن أرسلتموها دعوات مظلومين عقب صلوات الأسحار في ليالي رمضان فإذا بها تتحوّل إلى حجارة وزخات رصاص تنهلّ على الأعداء.

أيها الأحبّة في تل الزهور:

ـ لقد هزمتم،أنتم الفئة القليلة المؤمنة،جيش الغرور والصلف والعدوان،وبدأ لأول مرة مذ احتل الأرض بالتراجع والتنازل،وكان عهدنا فيه أنه لايعرف التنازل والتراجع إلا من قبل حكام المسلمين الذين وجهتم إليهم الصفعات،تلوّ الصفعات،وكان قد اعتاد أن يُرسل الصفعات إلى حكامكم،الذين كانوا يواجهونها بالتنازلات عقب التنازلات!!

ـ نعم،بدأ الباطل بالتراجع،بدأ العدّ التنازلي له..لأنه لأول مرة منذ احتلال الأرض أخذ الحقّ يواجه الباطل…وقبل ذلك كان هناك باطلٌ ضعيف يواجه باطلاً أضعف منه{وقُل جاء الحقُّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}.[الإسراء81].

أيها الغرباء في تل الزهور:

ـ أبعدوكم عن الأرض…فأصبحت كل الأرض ترنو إليكم

ـ أبعدوكم عن الأهل….فإذا بكل المسلمين أصبحوا أهاليكم

وأرادوا بإبعادكم قتل الإنتفاضة،فإذا بها تتحوّل إلى شرارة غضب ونار،ولهيب جهنم و إعصار،يقتلع جذور الظالمين،ويُمزّق نفوس الشامتين،ويُنذر بقرب رحيل الغاصبين.

أيها الغرباء في تل الزهور:

تذكّروا ….أنه ليس لكم إلا الله ناصراً ومعيناً.

فلا تتوجهوا بالنداء إلى حُكامكم…فإن كثيرين منهم،حكام مَحكُومين،أمرهم ليس إليهم،والأوامر تُملى عليهم ،بينهم وبين نور الحق أكنّة فوقها أكنّة،أحاطت بالقلوب إحاطة السوار بالمعصم،فلا ينفذ إليها نور الحق ولا يجد إليها سبيلاً.

ولا تتوجهوا بالنداء إلى حُكام هذا العالم…فمن وراء قناع الديمقراطية والمساواة والعدالة والحرية الذي يتستّرون به تجدون نفوساً قد اشرأب الظلم خلايا أبدانها ،وعَشّشَ الفساد في قلوبها،وسار فيها مجرى الدم في العروق،تُحرّكها المطامع والعصبيات العرقية والقومية والدينية،وهم حربٌ على الإسلام والمسلمين وما تُخفي قلوبهم أكبر.

تذكّروا…أنه ليس لكم إلا الله ناصراً ومُعيناً

تذكّروا…وأنتم تدّقون أوتاد الخيام…أنه مع كلِّ شررٍ يتطاير من كل ضربة فأس على صخرة كؤود أو حجر جلمود،سترون فيها تباشير فتح القدس والأقصى الحبيب،كما أرُيَت رسولكم وحبيبكم تباشير فتح المدائن والشام والقسطنطينية.

تذكّروا…أن حصار الشِعَب في مكة استمر عدّة شهور(ثلاث سنوات)…ولكن عاد المحاصرون بعد عدّة سنوات بالفتح العظيم يُحطّم الأوثان البشرية والحجرية.

وتذكروا قول الله تعالى:{إنّ الله يُدافعُ عن الذينَ آمنوا إنّ الله لايُحبُّ كل خوان كفور*أذنَ للذين يُقاتلونَ بأنّهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير*الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله….}[الحج38 ـ 40]

فاصبروا فالعاقبة للمتقين.

(نشر هذا المقال بمجلة الرائد العدد 151 في شهر آيار عام 1993).

فلسطينيات(أشعار)

محمود درويش

سَجلْ أنا عربي

 

ولونُ الشعرفحميولون العين بنيُّ

وميزاتي: على رأسي عَقالٌ فوق كوفيهْ

 

وكفّي صُلبةٌ كالصخرتخمش من يلامسها

وعنواني:أنا من قرية عزلاءَمنسيّهْ

 

شوارعها بلا أسماء

وكلُّ رجالهافي الحقل والمحجرْ

 

فهل تغضب؟

سَجّلْأنا عربي

 

سلبتَ كرومَ أجداديوأرضاً كنتُ أفلحها

أنا وجميع أولادي

 

ولم تترك لنا ولكلِّ أحفادي

سوى هذي الصخور

 

فهل ستأخذها حكومتكم كما قيل..إذن!

سَجّلْبرأس الصفحة الأولى

 

أنا لا أكره الناسولا أسطو على أحد

ولكنّيإذا ماجعتُ

 

أكلُ لحم مغتصبي

حذارَ ..حذار..من جوعي

 

ومن غضبي

سَجّلْ!أنا عربي
وأعملُ مع رفاق الكدح في محجرْ
وأطفالي ثمانيهْأسلُّ لهم رغيف الخبز
والأثواب والدفتر
من الصخرْ
ولا أتوسل الصدقات من بابك
ولا أصغر
أمام بلاط أعتابكْ
فهل تغضب
سَجّلْ !أنا عربي
أنا اسمٌ بلا لقبِ
صبورٌ في بلادٍ كلُّ مافيها
يعيشُ بفورةِ الغضبِ
جذوري …قبل ميلاد الزمان رست
وقبل تفتُّحِ الحقب
وقبل السرو والزيتون
وقبل ترعرع العُشب
أبي…من أسرة المحراث
لا من سادةٍ نُجُبِ
وجدّي كان فلاحاً
بلا حسب…ولا نسب
يُعلمني شموخ الشمس
قبل قراءة الكتب
وبيتي كوخُ ناطورٍ
من الأعوادِ والقصب
فهل تُرضيك منزلتي؟
أنا اسمٌ بلا لقب!
مازال في صحونكم بقية من العسل
ردّوا الذباب عن صحونكم…لتحفظوا العسل
مازال في كرومكم عناقد من العنب
ردّوا بنات آوى يا حارسي الكرم…لينضج العنب
مازال في بيوتكم حصيرةٌ وباب
سدّوا طريق الريح عن صغاركم…ليرقد الأطفال
الريح برد قارس…
فلتغلقوا الأبواب
مازال في قلوبكم دماء..لا تسفحوها أيها الآباء
فإن في أحشائكم جنين…
مازال في موقدكم حطب..وقهوة..وحزمة من اللهب
من وراء الظلام شِمتُ صباحه
حملتك زاد أسفاري
وباسمك صحتُ في الوديان:
خيول الروم أعرفها
وإن يتبدّل الميدان
خذوا حذراً من البرق
الذي صكّتهُ أغنيتي على الصوّان
أنا زينُ الشباب وفارس الفرسان
أنا ،محطّمُ الأوثان
حدود الشام أزرعها
قصائد تطلق العقبان
أغمدتُ في لحم الظلامِ هزيمتي
وغرزتُ في شعرِ الشموسِ أناملي
والفاتحون على سطوح منازلي
لم يفتحوا إلا وعود زلازلي
لن يبصروا إلا توهج جبهتي
لن يسمعوا إلا صرير سلاسلي
الزنبقات السود في قلبي
وفي شفتي…اللهب
من أي غابٍ جئتي
يا كلّ صلبان الغضب؟
بايعت أحزاني
وصافحتُ التشرد والسغب
غضب يدي…غضب فمي
ودماء أوردتي عصير من غضب
يا قارئي! لا ترج مني الهمس
هذا عذابي
ضربة في الرمل طائشة
وأخرى في السحب
حسبي بأنّي غاضب
والنار أوّلها غضب
يا صديقي! لن يصبّ النيل في الفولغا
ولا الكونغو ولا الأردن في نهر الفرات
كل نهر،وله نبع،
ومجرى وحياة
يا صديقي! أرضنا ليست بعاقر
كل أرضٍ ولها ميلادها،كل فجر وله موعد ثائر
وطني…يا أيها النسرُ
الذي يُغمدُ منقار اللهبْ
في عيوني
أين تاريخ العرب؟
كل ما أملكهُ في حضرة الموت:
جبينٌ وغضبْ
وأنا أوصيت أن يُزرع قلبي شجرة
وجبيني منزلاً للقُبّرة
وطني،إنا وُلدنا وكبرنا بجراحكْ
وأكلنا شجرَ البلوطِ..كي نشهد ميلاد صباحك
أيها النسرُ الذي يرسفُ
في الأغلاِ من دونِ سبب
إيها الموتُ الخُرافيُّ
الذي كانَ يُحب
لم يزل منقارُك الأحمر في عينيَّ
سيفاً من لهب
وأنا لستُ جديراً بجناحكْ
كلّ ما أملكهُ في حضرة الموت:جبينٌ وغضب

عبد الكريم الكرمي(أبو سلمى)

وحملنا من فلسطين الجراحا
ألسنا في المهرجانات فِصاحا
وشظايانا اللواتي انتشرت
قد لبسناها وشاحاً فوشاحا
يا فلسطين أتيناكِ على
صهوة الجرحِ رعوداً ورياحا
حسبوا أن رماحي تكسرت
إنّ لي في كلّ ميدان رماحا
باسمِ أطفال بلادي زحفوا
في الدروب الحمر ذلاً وهوانا
بالضحايا كتبوا تاريخنا
بالخيام السود …زمانا
باسم خان الشيح والنيرب
والبارد الحاملة العمر أسانا
باسم أهلي في بقايا وطني
باسمهم في طرق البؤس حزانى
باسمهم في كلِّ أرض مثلوا
شاهداً قد صبّهُ الظلم عيانا
واسمهم يهدر في شعري دماً
وجموعاً وسعيراً ودخانا
باسمهم نقسم أن لا نلتقي
في غدٍ إلا على طهر ثرانا
وتحلّون…كلما أقبل الليلُ
خفايا أموركم،باللجان
هل تداوون بالبيانات جُرحاً
أو يُزيلُ اجتماعكم ما نُعاني
ليتَ شعري!متى يُفجّرُ
شعبي في فلسطين ثورة البركان
وفلسطين لن تضيع وأهلوها
يخوضون هولَ كلّ عوان
إنّ جيش الشعب المُشرّد
أقوى من جيوشِ الحرير والطيلسان
إنّ جيشاً يُرجى لتحرير شعبٍ
غير جيش الكرسي والصولجان
أترها الأيام فوق السفوح الخضر
ترمي بنا،وفوق الرّعان
نتلاقى…رفاقَ دربٍ كما كنّا
ونمضي نجتاز عبر الزمان
لن تضىء الدنيا…إذا لم يُطلَّ
الفجرُ من أرضنا مع النيران

توفيق زياد

هذه الطفلة في جبهتها
خمسُ رصاصات..وشمسٌ…وشهادة
عينها قبرةٌ حمرا
وخدّاها عبادة
سقطت زنبقة من ذهب
في شارع الحرية الطالع
من قلب المدينة
شارع الحرية الطالع
من قلب الزقاقات…ومن قلب
المتاريس الحصينة
سقطت تهتف للنصر
كياناً وسيادة
فهي في القلب هتاف
وعلى العنق قلادة
وهي عنوان كتاب
وهي تاريخ…وولادة
بأسناني…سأحمي كلّ شبرٍ من ثرى أوطاني
بأسناني
ولن أرضى بديلاً عنه
لو عُلّقتُ…من شريان شرياني
أنا باقٍ…أسير محبتي
لسياجِ داري…للندى…للزنبق الحاني
أنا باقٍ…ولن تقوى علي
جميعُ صلباني
أنا باقٍ…لأخذكم…وأخذكم…وأخذكم
بأحضاني…بأسناني
سأحمي كلّ شبرٍ
من ثرى وطني…بأسناني
أحبائي! أنا بالوردِ والحلوى
وكلّ الحبّ أنتظرُ
أنا،والأرضُ،والقمرُ
وعينُ الماء،والزيتون،والزهرُ
وبياراتنا العطشى،وسكتنا،وكرم دوال
وألفُ قصيدة خضراء، منها يورقُ الحجرُ
أنا بالورد والحلوى
وكلّ الحبِّ أنتظرُ
وأرقبُ هبّة الريح التي
تأتي من الشرق
لعلّ على جناحِ جناحها
فيما انقضى عهده من سابقِ العصر
فلتسمعْ كل الدنيا…فلتسمعْ
سنجوعُ…ونعرى…قطعاً…نتقطعْ
ونسفّ تراباك
يا أرضاً تتوجعْ
ونموت…ولكن…لن يسقط من أيدينا
علمُ الأحرارِ المشرع
لكن…لن نركع…
للقوة…للفانتوم…للمدفع..لن نخضع
لن يخضع منا..
حتى طفل يرضع
من هنا مرّوا إلى الشرقِ غماماً أسودا
يقتلون الزهرَ والأطفالَ والقمحَ وحبات الندى
ويبيضون عداواتٍ وحقداً وقبوراً ومُدى
من هنا، سوف يعودون،وإن طال المدى
ما الضي خبأتموه لغدِ؟
يا من سفكتم لي دمي
وأخذتم ضوءَ عيني
وصلبتم قلمي
واغتصبتم حقَّ شعبٍ
آمنٍ لم يجرم
يا من أهنتم علمي
وفتحتم في جراحاتي جراحا
وطعنتم حلمي.مالذي خبأتموهُ لغدٍ
إنّ غداً لم يهزم
إنّ في الأفقِ صوتاً يمور
هتافُ الضحايا يشقُّ القبور
هوَ الشعب يذبحهُ المجرمون
ألا اتحدوا أيها الكادحون…ألا اتحدوا أيها المخلصون
وضموا الصفوف
وشدّوا العزائم
لمحو نظام على الظلمِ قائم
نظام الخنا والدماء والجرائم
أحبّ لو استطعت بلحظةٍ
أن أقلب الدنيا لكم:رأساً على عقب
وأقطع دابرَ الطغيان
أحرقُّ كلّ مغتصب
وأوقد تحت عالمنا القديم
جهنماً مشبوبة اللهب
وأجعل أفقر الفقراء يأكل في
صحون الماس والذهب
ويمشي في سراويل
الحرير الحرّ والقصب
وأهدم كوخهُ وأبني له
قصراً على السحب
أحبُ لو استطعت بلحظةٍ
أن أقلب الدنيا لكم رأساً على عقب
ولكن للأمور طبيعة
نفاذ الصبر يأكلكم فهل

أقوى من الرغباتِ والغضب
أدّى إلى إرب.صبراً على النوب
ضعوا بين العيون الشمسى
والفولاذ في العصب
سواعدكم تحقق أجمل الأحلام
تصنعُ أعجب العجب
يا أخوتي! هذا الترابُ ترابنا
رغم الليالي
أرويته بدمعي ودمي
طول أيامي الخوالي
ورضعت من ثدي الجبالِ الشّمِ
والقمم العوالي
عزمي وإقدامي
وصبري للشدائدِ واحتمالي
زيته…من ماء قلبي
زيته…ذرب الآلي
ومن الأماني السكرات
عبير زهر البرتقال
يا أخوتي! الا{ضُ تهتفُ
بالنساءِ وبالرجالِ
هيا نلبي …إننا
شعبٌ أشدّ من المحال
يا شعبي يا عودَ الندِ
يا أغلى من روحي عندي
إنا باقونَ على العهدِ
إنا باقون
لن نرضى عذاب الزنزانة
وقيود الظلم وقضبانه
ونقاسي الجوع وحرمانه،إلا لنفك وثاق القمر المصلوب
إلونعيد إليكَ الحقّ المسلوب
ونطوي الغد من ليل الأطماع
حتى لا تشرى وتباع،حتى لايبقى الزورق من دون شراع
يا شعبي يا عودَ الندِ
يا أغلى من روحي عندي،إنا باقون على العهد
أناديكم…أشدُّ على أياديكم
أبوسُ الأرض تحت نعالكم
وأقول: أفديكم
وأهديكم ضيا عيني
ودفء القلب أعطيكم
فماسأتي التي أحيا،نصيبي من مآسيكم
أناديكم…أشدُّ على أياديكم
أنا ما هنتُ في وطني،ولا صغرت أكتافي
وقفتُ بوجه ظلامي
يتيماً،عاريا،حافي
حملتُ دمي على كفّي
وما نكستُ أعلامي
وصنتُ العشبَ فوق قبورِ أسلافي
أناديكم…وأشدّ على أياديكم
أحبائي …برمش العين …أفرش
درب عودتكم…برمش العين
وأحضن جرحكم…وألمّ
شوك الدرب…بالجفنين
وبالكفين…سأبني
جسر عودتكم…على الشطين
أطحن صخرة الصوان
بالكفين…ومن لحمي
هنا على صدوركم …باقون كالجدار
نجوعُ..نعرى..نتحدى…ننشد الأشعار
ونملأ الشوارع الغضاب بالمظاهرات
ونصنع الأطفال…جيلاً ثائراً وراء جيل
كأننا عشرون مستحيل
في اللد والرملة والجليل
إنا هنا باقون
فلتشربوا من البحر
نحرس ظلّ التين والزيتون
ونزرع الأفكار كالخميرة في العجين
سأحفرُ قصتي وفصولَ مأساتي
على بيارتي،وقبور
أمواتيسأحفرُ رقم كلّ قسيمةٍ من أرضنا سُلبت
وموقع قريتي،وحدودها وبيوت أهلها التي نُسفت
وأشجاري التي أُقتلعت
وكلّ زهيرةٍ بريّةٍ سُحقت
سأبقى قائماً أحفر
جميع فصولَ مأساتي
وكلّ مراحل النكبة
من الجنة…إلى القبة…على زيتونة في ساحة الدار
تعالوا أيها الشعراء
نزرع فوق كلّ فم…بنفسجة وقيثارة
تعالوا أيها العمال
نجعل هذه الدنيا العجوز…تعود نوّارة
تعالوا أيها الأطفال
نحلم بالغدِ الآتي..وكيف نصيدُ أقماره
تعالوا كلكم
فالظلمُ ينهي بعد دهرٍ طال…مشواره
وأنتم قد ورثتم كل هذا الكون
روعته …وثروته…وأسراره

سميح القاسم

أحبابنا…خلف الحدود
ينتظرون في آسى ولهفة مجيئنا
أذرعهم مفتوحة لضمنا…لِشمنا
قلوبهم مراجل الألم…تدقُّ …في تمزق أصم
تحار في عيونهم…ترجف في شفاههم
أسئلة عن موطن الجدود
غارقة في أدمع العذاب
والهوان والندم
أحبابنا …خلف الحدود
ينتظرون حبةً من قمحهم
كيف حال بيتنا التريك
وكيف وجه الارض…هل يعرفنا إذا نعود؟
يا ويلنا…حطام شعب لاجىء شريد
يا ويلنا…من عيشة العبيد
فهل نعود؟
هل نعود؟
دمُ أسلافي القدامى لم يزل يقطر مني
وصهيلُ الخيل مازال، وتقريعُ السيوف
وأنا أحملُ شمساً في يميني وأطوف
في مغاليق الدجى…جرحاً يغني
عودةُ الشمس…وإنساني المهاجر
ولعينيها…وعينيه…يميناً لن أساوم
وإلى آخر نبض في عروقي
سأقاوم..سأقاوم…سأقاوم
هنا…في قرارتنا الجائعة
هنا حفرت كهفها الفاجعة
هنا في معالمنا الدارسات
هنا في محاجرنا الدامعة
نبوخذ نصر والفاتحون
وأشلاء رايتنا الضائعة
فباسمك يا نسلنا المرتجى
وباسمك يا زوجنا الضارعة
نردّ الزمان إلى رشده
ونبصق في كأسه السابعة
ونرفع في الأفق فجر الدماء
ونلهمه شمسنا الساطعة
في أكثر من معركةٍ دامية الأرجاء
أُشهر هذي الكلمات الحمراء
أشهرها…سيفاً من نار
في صفّ الإخوة..في صفّ الأعداء
في أكثر من دربٍ وعر
تمضي شامخة…أشعاري
وأخاف…أخافُ من الغدرِ
من سكين يُغمد في ظهري
لكنّي …يا أغلى صاحب
يا طيبُ…يا بيت الشعر
رغم الشك…ورغم الأحزان
لن أعدم إيماني
في أن الشمس ستشرق
شمسَ الإنسان
ناشرةً ألوية النصر
ناشرة ما تحمل من شوقٍ وأمان
كلماتي الحمراء
كلماتي الخضراء

عمر أبو ريشة

والقدسُ ما للقدسِ يخترقُ الدّما
وشراعهُ الآثامُ والأوزارُ
أيُّ العصور هوى عليه وليس في
جنبيهِ من أنيابهِ آثارُ
عهدُ الصليبيين لم يبرح له
في مسمعِ الدنيا صدىً دوّارُ
صفَّ الملوك فما استباح إباؤهم
شرفَ القتالِ ولا أُهينَ جوارُ
ناموا على الحلمِ الأبيّ فنفرّت
منه الطيوفَ نبوّة فُجّار
صلبوا على جشعِ الحياةِ وفاءهم
ومشوا على أخشابهِ وأغاروا
ولكلّ كفٍّ غضّةٍ سكينةٌ
ولكلّ عرق نابض مسمارُ
مدّوا الأكفَّ إلى شراذم أمّةٍ
ضجّتْ بنتنِ جسومها الأمصارُ
ورموا بها البلدَ الحرام كما رمت
بالجيفةِ الشطَّ الحرامَ بحارُ

سيد قطب في قصيدة”تحية لأبطال فلسطين”(الرسالة العدد 655):

عهدٌ على الأيام ألا تُهزموا
فالنصرُ ينبتُ حيث يهراق الدمُ
في حيث تعتبط الدماء فأيقنوا
تبغون الاستقلال؟ تلك طريقه

أن سوف تحيوا بالدماءِ وتعظموا
ولقد أخذتم بالطريق ،فيمموا
وهو الجهاد حميّة جشّامة
ما إن تخاف من الردى أو تحجم
إن الخلود لمن يطيق ميسّرٌ
وطن يقسّم للدخيل هدية

فليمضِ طلاب الخلود ويقدموا
فعلام يحجمُ بعد هذا مُحجمُ؟
الشرق.يا للشرق! تلك دماؤهُ
الشرق. ويح الشرق! كيف تقحموا





والغرب. يا للغرب! يغريه الدم
حرماته الكبرى وكيف تهجموا
غرتهمو سِنة الكرى فتوهموا
يا للذكاء !فكيف قد غرتهمو!
سِنة ومرت والنيام تيقظوا
فليعلموا من نحنُ أو لا يعلموا!
أبطالُ الاستقلال تلك تحية
من مصر يبعثها فؤادٌ مفعمُ

يوسف العظم

إلى القدسِ هيّا نشدُّ الرحال
ندوسُ القيودَ ونخوضُ المحال
ونمحو على الأرض فجارها
بعصفِ الجبالِ وسيل النضال
بعزمِ الأسود وقصف الرعود
ونار الحديد ونورُ الهلال
إليَّ إليَّ أسود الفدى
فما عاد يُجدي مقالٌ وقال
لقد حانَ يوم انتفاضِ الأسير
ودقت طبول الفدى والنضال
ونادت ربى القدس أبطالنا
فأينَ عليٌّ وأينَ بلال
من لي بسيفٍ لا يهابُ الردى
في كفّ من يزهو بهِ الموكب
أو راية في جحفل ظافرٍ
يقودُ الفاروقُ أو مصعبُ
القدس في أفقِ العى كوكب
تشعُّ بالنورِ فلا تعجبوا
مُذْ حلّ في أفيائها غاصبٌ
ما عاد فيها بلبلٌ يطربُ
وفؤادُ الأقصى الجريح ينادي
أينَ عهد اليرموك والقادسية
وعليّ يُزجي الصفوف ويُعلي
في ذرى المجدِ راية هاشمية
أين عهد الفاروق غير ذليل عفَّ
قولاُ وطابَ فعلاً ونيّة
ونداء للتائهين حيارى
أين خنساؤنا وأينَ سميّة
ورماحٌ في كفِّ خولة تزهو
وسيوف في راحة المازنيّة
نحنُ أجيال الغدِّ
وجنودَ السؤدد
قد نهلنا علمنا
من كريمِ المورد
من سنا قرآننا
والهدي المحمدي
فاشهدي يا أرض وأصغي يا سماء
أننا لا نبتغي غير البناء
مذ سلكنا دربنا في عزّة
ومضينا في ركابِ الأنبياء
اكتب حياتكَ باليقين
واسلكْ دروب الصالحين
فالصمتُ من حرٍّ يفوق
زئيرَ آساد العرين
لمن أبثُّ شكاتي والشفاهُ غدت خرساء
ليس لها في الحادثات فم؟
من ذا الذي هدّمني ساعداً ويداً
هل ضاع دربي أم زلّت بيَ القدمُ
لقد جرّعنا كؤوس الذلّ مترعة
والقدسُ في العار والمحراب والحرم
والصخرة اليوم باتت غير شامخة
لأن نجمة صهيون لها علم
ذبحوني من وريدٍ لوريدِ
وسقوني المرَّ في كلِّ صعيدِ
مزّقوا زوجي فلم أعبأ بهم
فمضوا نحو صغيري ووليدي
غرسوا الحربةَ في أحشائهِ
فغدا التكبير أصداء نشيدي
دمروا بيتي وهل بيتي هنا
إنّ بيتي خلف هاتيك الحدودِ
وتلّفت فلم أعثر على
غيرِ أبناءِ الأفاعي والقرودِ
أين نفط العرب مذخور لمن
أين أبناء الحمة درع الصمود؟
ودمي سال على تلم الربى
ينثر العطر على حمر الورود
ولغ الغاصب في اشلانا
غير أنا لم نزل “سمر الزنود”

هارون هاشم الرشيد

وإنّهُ النصرُ آتٍ،تلكَ قولتنا
فالليلُ لابدّ هذا الليل ينحسر
وإنّهُ النصرُ آتٍ لا محال وإن
طالَ الطريقُ بنا واستفحلَ الخطر
عائدون…عائدون….عائدون…إننا لعائدون
فالحدود لن تكون…والقلاعُ والحصون
فاصرخوا يا نازحون
إننا لعائدون
عائدونَ للديار
للسهولِ والهضاب
تحت أعلام الفخار
والجهاد والنضال
بالدماء والفداء
والإخاء والوفاء
عائدون يا رُبا
عائدونَ يا هضاب
عائدونَ للصبا
عائدون للشباب
للجهاد في النجاد
والحصاد في البلاد
إننا لعائدون
إننا لعائدون
في أيِّ شرعٍ يوسم الأحباب
ويُقال إنّ جهادهم إرهاب
الأرضُ تعرفنا فما من رملة
إلا وفيها نبضة وعذاب
واللوز والزيتون يعرف جهدنا
والكرم والليمون والعنّاب
إن كان إرهاباً بأن يهوى الفتى
أوطانهُ فشعارنا الإرهاب
أو كانَ إرهاباً بأن يعلو الفدى
راياتنا فلؤاونا إرهاب
شعبي!أطلّ عليك من ليلِ الاسى
والقاتلون شراذم وفلولُ
في الصدرِ أو في الظهرِ ليس يخيفنا
وقع الخناجر فالصمودُ أصيل
هيهاتَ يوماً أن يهون ترابنا
فمقدسٌ ذاكَ الترابُ أصيلُ
سنعود يا أختاهُ للوطن
رغمَ الشقاءِ وقسوة الزمن
رغم الليالي العابثات بنا
والجوعُ والتشريدُ والمحن
سنشقُّ أسفارَ الليالي غداً
سنشقها ونعودُ للمدن
سنسيرُ بالفجرِ الجميلِ قوى
جبارة تقضي على الوهن

معين بسيسو

أنا لا أخاف من السلاسل
فاربطوني بالسلاسل
من عاشَ في أرضِ الزلازل
لايخاف من الزلازل
لمن المشانق تنصبون
لمن تشدون المفاصل
لن تطفئوا مهما نفختم
في الدجى هذي المشاعل
الشعبُ أوقدها
وسار بها قوافل في قوافل
أنا لا أخاف من العواصف
فاعصفي بي يا عواصف
أنا لي رفاق في دمي
تدوي وعودهم القواصف
وتىءُ في عينيَّ
خاطفة بروقهم الخواطف
وتسيل من كفي
جارفة سيولهم الجوارف
أنا لا أخاف ومن أخاف
ولي رفاق يا عواصف؟
قد أقسموا والشمس ترخي
فوقهم حمر الضفائر
أن يطردوا من أرضنا
الخضراء تجار المقابر
ويحرروا الإنسان من
قيد المذابح والمجازر
ويحرروا التاريخ
من قلم المغامر والمقامر
فنحقق الوطن الكبير
لنا ونزرعه منائر
ها هم هناك أخي هو
وصواعق في صواعق
فانظر لمن زرع المشانق
تحصده المشانق
وانظر لمن حفر الخنادق
كيف تدفنهُ الخنادق
هم قادمون أخي لقد
ركزوا على الفجر البيارق
وهوى وراءهم الظلام
المميت تاكله الحرائق
أنا إن سقطت فخذ مكاني
يا رفيقي في الكفاحِ
وأنظر إلى شفتي أطبقتا
على هوجِ الرياحِ
أنا لم أمت!أنا لم أزل
أدعوكَ من خلف الجراح
واقرع طبولكَ يستجب
لك كلّ شعبكَ للقتال
يا أيها الموتى أفيقوا:
إن عهد الموت زال
ولتحملوا البركان تقذفه
لنا حمرُ الجبال
هذا هو اليوم الذي قد
حددته لنا الحياة
للثورةِ الكبرى على
الغيلان أعداء الحياة
فإذا سقطنا يا رفيقي
في جحيم المعركة
فانظر علما يرفرف مازال يحمله رفاقك
فوق نار المعرة يا رفيق المعركة

إبراهيم طوقان

من كان ينكرُ نوحاً أو سفينته
فإنّ نوحاً بأمرِ الله قد عادا!
حلّ الوبالُ”بعيبال” فمال به
يا هيبة الله إبراقاً وإرعادا
في جارفٍ كعجيجِ البحرِ طاغيةٍ
أمواجهُ تحملُ الأسواق إمدادا
ولا تزال الزلازل باقية تذكارها
يوقدُ الأكباد إيقادا
منذ احتللتم العيش يرهقنا فقراً
وجوراً وإتعاساً وإفسادا
بفضلكم قد طغى طوفان”هحجرتهم”
وكان وعداً تلقيناهُ إيعادا
واليوم من شؤمكم نبلى بكارثةٍ
هذا هو الطين والماء الذي زادَ

عبد الرحيم محمود للملك سعود عند زيارته الأقصى عام 1935م وكان ولياً للعهد:

يا ذا الأمير أمام عينك شاعرٌ
ضُمّت على الشكوى المريرة أضلعه
المسجدُ الاقصى أجئتَ تزوره؟
أم جئتَ من قبل الضياعِ تودّعه
حرمٌ مباحٌ لكلِّ أوكع آبق
ولكلِّ آفاقٍ شريدٍ أربعُه
وغداً وما أدناه،لا يبقى سوى
دمعٌ لنا يهمي وسن تقرعه

يوسف الخطيب

تلك يا صاحُ قبرة…في الحدود
خرقت ألف حرمة…للعهود
فهي تغدو طليقة وتروح
وأنا مثخنٌ هنا…بالجروح
ليتني كنت قبرة…فأطير
وجناحي مصفق …في الأثير
فوق بيارة لنا …وغدير
ليتني كنت قبرة
أكادُ أؤمنُ ،من شك ومن عَجب
هذي الملايين ليست أمّةُ العربِ
هذي الملايين لك يدرِ الزمان بها
ولا بذي قار،شدّت رايةَ الغَلب
ولا تنّزلَ وحيٌ في مرابعها
ولا تبوكُ روت منها غليلَ نبي
ولا على…اليرموكِ من دمها
توهجَ الصبحُ تيّاهاً على الحِقب
ولا السفينُ اشتعالٌ في المحيط،ولا
جوادُ عقبة فيه جامعُ الخبب

كمال رشيد

اقتلونا…واسحلونا
في ثرانا،بدمانا غيّبونا
سوف نبقى،عبقاً في الأرض
جذراً وتراباً،وحصاداً وشهوداً وعهودا
سوف نبقى…لنعيد الحقّ حقاً
نسبقُ الأحداث سبقا
نزرع الأرض لتبقى
نركبُ الصعبَ،ونرقى
سوف نبقى،
سوف نبقى
إن يمت ألفٌ فألفٌ جاهزون
من فجاجِ الأرض،من تحت الركامِ يخرجون
في دياجي الليل،في الظلمة
في وضح النهارِ يطلعون،وينالون الذي هم ينشدون
إن قتلتم شيخنا الملتف في ثوب الجلال
ثم أتبعتم بأُسدٍ..برجالٍ كالجبال
فاعلموا أنّكم قدّمتم خدمة للأرض
وللعشاق أذكيتم أفانين القتال
وكذا الأيام تمضي
وكذا الحرب سجال

محمد صيام

لا لن نهاجر كالطيور
مهما تكدست الشرور
ولسوف نصمد فوق أرض
بلادنا مثل الصخور
نبني كما بنت الجدود
لنا على مرّ الدهور
بسواعد لا تستكين
ولا تملّ ولا تخور