بسم الله الرحمن الرحيم
أدواء متفرقة
1 ـ بعض أمراض العيون:
فسيولوجيا حاسة البصر:
جاء في مقالة بعنوان “الإعجاز في حاسة البصر” للأستاذ الدكتور علي فؤاد مخيمر في شبكة الألوكة ومن مراجع أخرى أيضاً:
“تعتبر حاسة البصر في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد حاسة السمع.وهي من أكبر النعم التي أنعمها الله الخالق سبحانه وتعالى على الكائنات كلها،حيث تُعد مرآة الجسم وآلة التمييز،والنافذة التي يطل منها الإنسان على العالم الخارجي،ويكشف عن أسرار الأشكال والأحجام والألوان،فهي وسيلة الإنسان للإبصار والتفكر في خلق السماوات والارضين،والكائنات بشكل عام،وصدق ربّ العزة إذ يقول:{قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله يُنشىء النشأة الأخرى إن الله على كل شىءٍ قدير}[العنكبوت 20].
حاسة البصر:
(يمكن الرجوع إلى الموضوع وبشكل مفصل في “الإعجاز الطبي في القرآن والسنة ـ” آيات البصر)
نعمة البصر تعتمد على العين،وكما هو معروف لدينا جميعاً أن العين أغلى مايمتلكه الإنسان،فهي الدرة الثمينة التي لاتقدر بثمن،وقد سماها الله تعالى الحبيبة والكريمة،كما جاء في حديث رواه البخاري،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”إن الله عز وجل قال:”إذا أخذتُ كريمتي عبدي ـ وفي رواية حبيبتي عبدي ـ فصبر واحتسب،لم أرض له ثواباً دون الجنة”.
توجد كرة العين في تجويف عظمي يدعى الحجاجOrbit،وهو جزء من عظم الجمجمة يحيط بالعين ليحميها من الإصابات،ويحتوي الحجاج على عدة فتحات تعبر من خلالها الأوعية الدموية والألياف العصبية،وتحيط بكرة العين والعضلات المرتبطة بها وسادة شحمية تفصلها عن الحجاج،وتسهل حركة مقلة العين داخل تجويف الحجاج.
تتألف العين من ثلاث طبقات:
1 ـ الغلاف الخارجي ويسمى الصلبة Sclera،وهي الطبقة الخارجية للعين،والتي تشكل بياض العين،وتعطي للعين شكلها المحدد،وتحيط الصلبة بمعظم كرة العين حوالي 80% إلا الجزء الأمامي الذي يتشكل من القرنية الشفافة.والصلبة طبقة ليفية معتمة خارجية لحماية العين،وتحتوي على الكولاجين وألياف مرنة.
وتتألف الصلبة من أربع طبقات:
! ـ الطبقة السطحية الخارجية:Episclera
2 ـ الصفيحة السمراء للصلبة Lamina fusca
3 ـ طبقة اللحمة Stroma
4 ـ الطبقة الداخلية:Endo sclera
وللصلبة وظائف عديدة ومنها:الحفاظ على ضغط العين الداخلي،والحفاظ على شكل مقلة العين،وتساهم في حماية العين من الأضرار والأذيات الخارجية،كما أنها توفر ارتباطاً قوياً مع العضلات الخارجية التي تتحكم في حركة العينين.
ويغطي السطح الأمامي للعين ويبطن السطح الداخلي للجفن غشاء الملتحمة،وهو غشاء متصل ليس فيه فراغات وبالتالي يمنع نفوذ الأجسام الغريبة إلى العين.
ويمكن أن نقسم الملتحمة إلى جزئين:
1 ـ الملتحمة البصلية:Bulbar Conjunctiva وهي التي تغطي الجزء الأمامي من الصلبة وتمتد إلى نقطة التقاء الصلبة مع القرنية.
2 ـ الملتحمة الجفنية:وهي التي تبطن الغشاء الداخلي للجفن العلوي أو السفلي.
وأهم وظائف الملتحمة:المحافظة على ترطيب سطح العين الأمامي،والمساعدة على الحفاظ على السطح الداخلي للجفن رطباً عند فتح العين أو إغلاقها،دون أن يسبب ذلك تهيجاً أو احتكاكاً.كما تساعد الملتحمة على حماية العين من الغبار والعوامل الممرضة،وتوفر الملتحمة التغذية الكافية لكل من العين والجفن،بسبب احتوائها على العديد من الأوعية الدموية الصغيرة.وتساعد على ترطيب العين بسبب إفرازاتها.
وأما القرنية:
فهي تقع في مقدمة العين،وهي شفافة تسمح بمرور الأشعة الضوئية إلى الداخل،وتستقر خلفها عدسة العين،وهي شفافة أيضاً لنفس السبب،ووظيفة العدسة هي تجميع الاشعة الضوئية الصادرة من مختلف المرئيات،وإسقاطها على الشبكية،وعن طريق العصب البصري تنتقل إلى المخ حيث يستطيع الإنسان التعرف عليها،فإذا فقدت هذه الشفافية كما في مرض الساد(إعتام العدسة والجسم البلوري) فإن المريض يفقد القدرة على الإبصار كلياً أو جزئياً حسب تقدم المرض.
و القرنية:Cornea هي الطبقة الشفافة التي توجد في مقدمة العين وتغطي البؤبؤ Pupil،وتغطي القزحية Iris،والحجرة الأمامية للعين أو المنطقة المملوءة بالسوائل والواقعة بين القرنية والقزحية،وهي مسؤولة عن قوة تركيز العين التي تكون ثابتة بتغير المسافات.
وتعد القرنية خط الدفاع الأول للعين ضد الإصابات والأجسام الغريبة،وهي من الأجزاء الحساسة التي يكثر فيها وجود النهايات العصبية،كما أنها الجزء الوحيد في الجسم الذي لايحتوي على أوعية دموية،وبذلك تبقى محافظة على شفافيتها،كما أنها تستطيع أن تكسر الضوء.وتأخذ القرنية ماتحتاج إليه من غذاء وأوكسجين من الخلط المائي الذي يفرز من الجسم الهدبي.
وأما القزحية:Iris:
فهي غشاء حلقي الشكل يوجد في مقدمة العين،وتنشأ من المشيمية، ويحيط بفتحة صغيرة تسمى الحدقة أو البؤبؤ،وتحتوي القزحية والجسم الهدبي على ألياف عضلية ملساء،بعضها شعاعي التوضع وبعضها دائري، تنظم كميات الضوء الداخلة للعين من خلال التحكم بحجم البؤبؤ.ففي حال وجود إضاءة ساطعة فإن هذه العضلات تنقبض مؤدية إلى تصغير حجم البؤبؤ،وعلى العكس ففي حال وجود إضاءة خافتة فإن هذه العضلات تسترخي مما يسبب ازدياد حجم البؤبؤ.
كما أن القزحية هي الجزء المسؤول عن تحديد لون العين وذلك اعتماداً على تركيز الصباغ فيها،ففي حال كونه كثيفاً فإنها تعطي لون العين البني،وإذا كان الصبلغ قليلاً فإنها تعطي لون العيون الزرقاء.أو فاتحة اللون.
وأما الجسم الهدبي:فهو يتشكل خلف القزحية ويحيط به زوائد هدبية تفرز الخلط المائي.
وأما العدسة:Lens:
فهي الغشاء المرن الذي يوجد خلف القزحية والبؤبؤ،وتكمن وظيفتها في تركيز الضوء على الشبكية،بحيث تحل في المرتبة الثانية بعد القرنية،ويساعدها في عملها هذا العضلات الهدبيةCiliary Muscles والتي بتقلصها أو استرخائها تمكن من تغيير درجة انحناء سطح العدسة للتمكن من رؤية الأشياء القريبة أو البعيدة،حيث تكون العدسة بيضوية الشكل عند النظر للأجسام البعيدة،بينما تصبح أكثر استدارة عند النظر للأجسام القريبة،ومع مرور الزمن قد تفقد العدسة جزءاً من مرونتها مما يقلل من قدرتها على رؤية الأجسام القريبة وهذا مايشاهد عند المسنين ومع التقدم في العمرPresbyopia.
2 ـ الغلاف الأوسط،ويسمى المشيمية Choroid،وتحتوي على شبكة غنية بالأوعية الدموية التي تغذي العين وتغطي ثلثي كرة العين .يتراوح سماكتها أقل 2،مم،وهي تغذي شبكية العين وتمدها بالأوكسجين.وهي غنية بصباغ الميلانين(القتامين) والذي يمتص الفائض من الأشعة الضوئية التي تجتاز الشبكية،فيمنع انعكاسها،ويسبب وضوح الرؤية.
وتنقسم المشيمية إلى أربع طبقات:
1 ـ طبقة هاللر:وهي الطبقة الخارجية في المشيمية وتضم الأوعية الدموية الكبيرة.
2 ـ طبقة ستالز:وهي الطبقة المتوسطة وتضم الأوعية الدموية المتوسطة.
3 ـ المشيمية الشعرية.
4 ـ غشاء بروخ:وهو أعمق طبقات المشيمية.
3 ـ الغلاف الداخلي ويسمى الشبكية،وهي الجزء الحساس من العين وهي طبقة رقيقة لايتعدى سمكها سمك ورقة كتاب.
وتتألف الشبكية من وريقتين:
1 ـ الوريقة الصباغية الخارجية:وهي تلتصق بالوجه الداخلي للمشيمية،وتحوي خلاياها صباغاً أسوداً له وظيفتان:يجعل جوف كرة العين مظلماً فيحقق وضوح الرؤية،ويختزن كميات كبيرة من الفيتامين A.
2 ـ الوريقة العصبية الداخلية.تتألف من ثلاث طبقات خلوية عصبية تفصل بينها طبقتان من المشابك وهي بالترتيب من الخارج إلى الداخل:
1 ـ طبقة الخلايا البصرية:وهي عصبونات ثنائية القطب يوجد منها نوعان:العصي والمخاريط.
2 ـ الطبقة الوسطى:وتحوي أنماطاً خلوية عديدة وبخاصة عصبونات ثنائية القطب.
3 ـ طبقة المشابك الداخلية
4 ـ الطبقة العقدية:وتحوي عصبونات متعددة الأقطاب تشكل أليافها العصب البصري.
والشبكية تغطي ثلث العين الخلفي،وهي الطبقة الحساسة للضوء والرؤية،وتضم حوالي 140 مليون خلية عصبية بصرية،كل منها تعمل مثل آلة تصوير تلفزيونية،فتلتقط جزءاً من الصورة المعروضة أمام العين،ثم تنقلها إلى العصب البصري الذي ينقلها إلى مراكز الرؤية في الدماغ ليعيد تجمعيها في صورة واحدة.فهذه الخلايا تلتقط الأشعة الضوئية وتحولها إلى سيالات عصبية تنقلها إلى المراكز البصرية في قشر الدماغ،حيث يتعامل معها.وتحتوي هذه الخلايا على جزيئات من البروتينات الحساسة للضياء تدعى الأوبسينOpsins،ويوجد من هذه الخلايا العصبية في الشبكية نوعان :
1 ـ المخاريط:Cons: أو الخلايا المخروطية وهذه الخلايا موجودة في منتصف الشبكية في منطقة تسمى البقعة الشبكية Macula وهذه البقعة تكون مقابلة لعدسة العين،وتتجمع الاشعة فيها في مركز يسمى النقرةFovea،والخلايا المخروطية الموجودة في النقرة لها أعلى حساسية لتكوين صورة للشىء المرئي وعن طريقها تتم الرؤية الحادة.ويبلغ عدد الخلايا المخروطية حوالي أربعة ملايين ونصف،أما عدد الخلايا العصوية فهو حوالي 91مليون.
أثناء القراءة مثلاً تنصب الأشعة الآتية من كلمة واحدة في النقرة فنرى الكلمة جيداً،ولقراءة سطر تنتقل العين من كلمة إلى كلمة بحيث تقع كل كلمة على حدة في النقرة،وهذا مانفعله لا إرادياً عند القراءة،وأنت عندما تقرأ كلمة تراها بوضوح بينما الكلمة قبلها والتي بعدها تكونان أقل حدة لأنهما خارج النقرة.فالنقرة المركزية لها أعلى حساسية للبصر الدقيق،ورؤية تفاصيل الشىء المنظور.
وتعتبر المخاريط هامة جداً من أجل الرؤية المفصلة بالألوان،حيث تساعد على التفريق بين الألوان المختلفة،بوجود ظروف إضاءة طبيعية،وتقسم المخاريط إلى ثلاثة أشكال:المخاريط الزرقاء أو القصيرة،والمخاريط الخضراء أو المتوسطة،والمخاريط الحمراء أو الطويلة.
وهناك ثلاثة أنواع من المخاريط ذات بروتينات فوتوبسين مختلفة،ويوجد بعض الأشخاص يعانون من عدم وجود مخاريط في الشبكية وهذا مايسمى عمى الألوان،والإنسان يتمتع عادة برؤية ثلاثية الألوان،ولكن هناك قلة من الناس يتمتعون بوجود أربع أنواع أو أكثر من المخاريط مما يعطيهم رؤية رباعية اللون.
2 ـ العصي:Rods أو الخلايا العصويةوسميت كذلك بسبب شكلها الاسطواني الطويل،وهي توجد على جوانب الشبكية ولها دور في الرؤية المحيطية،وهي شديدة الحساسية للضوء بحيث يمكنها التقاط الضوء في ظروف الإضاءة الخافتة،والمساعدة على الرؤية في هذه الحالة.أي أن الخلايا العصبية ذات العصي تساعد على الرؤية الليلية،ولا تميز الألوان.ويوجد حوالي 120 مليون خلية عصوية في الشبكية.
وأما العصب البصري:Optic Nerve فهو يتألف من مجموعة الألياف العصبية التي يقارب عددها المليون والتي تنقل الإشارات من الشبكية إلى الدماغ،وتعرف هذه الألياف بالخلايا العقدية Ganglion Cellsويوجد مجموعات مختلفة من هذه الخلايا العقدية.
كل خلية من الخلايا العقدية متخصص بنقل وتسجيل معلومات محددة،فمنها ماهو مسؤول عن الشكل والتفاصيل وآخر مسؤول عن الحركة والتباين وتعمل هذه المجموعات مع بعضها البعض لإيصال الصورة للدماغ،والذي يُكون صورة ثلاثية الأبعاد من خلال مقارنة الإشارات الواصلة إليه من كلتا العينين،وتسمى المنطقة المسؤولة في الدماغ عن تحويل الإشارات القادمة من شبكية العين بالقشرة البصرية Visual cortex
حركة العين:
توجد 6 عضلات خارجية لكل عين،تربط كرة العين بالجمجمة ببياض العين،وتقوم العضلات بتحريك العين في كل الاتجاهات،وهذه العضلات هي:
1 ـ العضلة المستقيمة العلوية:Superior Rectus وهي تتحكم بعملية تحريك العين للأعلى.
2 ـ العضلة المستقيمة السفلية:Inferior Rectusوهي تحرك العين للأسفل.
3 ـ العضلة المستقيمة الانسية:Medial Rectusوهي تحرك العين باتجاه الأنف.
4 ـ العضلة المستقيمة الوحشيةLateral Rectusوهي تحرك العين باتجاه الأذن.
5 ـ العضلة المائلة العلويةSuperior Oblique وهي تساعد على تحريك العين بمساعدة العضلات الأخرى على الدوران العمودي للعين.
6 ـ العضلة المائلة السفلية:Inferior Obliqueوهي تقوم مع العضلات الأخرى بالمساعدة على الدوران الأفقي للعين.
7 ـ العضلة الرافعة للجفنLevator palpebareوتعمل على رفع الجفن.
وحركة العينين سريعة متوافقة مع بعضها،وإذا اختلفت إحداهما عن الأخرى تحدث الازدواجية في الرؤية،حيث جُعلت الحركة لكل عين بتوازن دقيق يمنع تداخل حركة العينين،وبالتالي يرى الشخص صورة واحدة.
الأوساط الشفافة في العين:
يجتاز الضوء الوارد إلى العين أربعة أوساط شفافة،وهي بالترتيب من الأمام إلى الخلف:القرنية الشفافة،والخلط المائي،والجسم البلوري،والخلط الزجاجي.
الجسم الزجاجي:
يوجد في العين سائلان يوفران الغذاء ويشكلان بنية العين،وهما الجسم الزجاجي،والذي
يملأ كرة العين في القسم الخلفي منها،وهو عبارة عن جسم هلامي شفاف يحافظ على كرويتها،وقد هيأ الله عز وجل للعين ضغطاً يحافظ على شكلها،وهذا الضغط يكون بين 10 ـ 20 مل زئبق،فإذا ارتفع أو انخفض يضر العين.وهو سائل عالي الكثافة.
والجسم الآخر هو الجسم أو السائل المائي والذي يعد أقل كثافة من الجسم الزجاجي وأكثر سيولة،ويوجد في الجزء الأمامي من العين.
وظيفة الرؤية:
إن العين تشاهد المرئيات بأبعادها الثلاثة بشكل مجسم،وهذا ما يساعد في تحديد مواضع الأشياء وأحجامها وأبعادها،عن موقع الناظر،كما أن العين تكيف نفسها بالنسبة لرؤية الأشياء القريبة والبعيدة،فالعضلات تتحرك لتكيف وضع عدسة العين لترى بدقة ووضوح،كما أن حدقة العين تضيق وتتسع وفقاً للضوء الذي تستقبله العين.
وللعين البشرية قدرة باهرة على التمييز بيت الأشكال والألوان والصور،فهي تستطيع التمييز بين 10 ملاييين لون مختلف،علماً [ان أدق آلات التصوير التي اخترعها الإنسان لايمكنها الوصول إلى هذه القدرة،فتبارك الله أحسن الخالقين.
ونحن نرى الأشياء في صورة معتدلة،ولكن في الحقيقة تكون العدسة صورة مصغرة مقلوبة على البقعة الحساسة من الشبكية،وتترجم تلك الصورة بألوانها في الشبكية،إلى إشارات كهرو كيميائية تنتقل عن طريق العصب البصري إلى الدماغ لمعاملتها.ترى كل عين من العينين صورة للشىء ويقوم الدماغ بدمج الصورتين فنرى صورة مجسمة للشىء.
تتم رؤية الألوان بواسطة نوع معين من الخلايا الحساسة لألوان الضوء،تلك هي الخلايا المخروطية،ومنها أنواع فهناك من يرى اللون الأحمر أو الأخضر أو الأزرق،وهذا يكفي العين أن تميز جميع الألوان التي نراها للأشياء.
تتطلب عملية النظر في العين إلى حدوث تفاعلات كيميائية في الشبكية.تعمل القرنية مثل النافذة التي تسمح للضوء بالمرور عبر أنسجة عديدة في العين قبل أن يصل إلى الشبكية.
يتم تجميع بروتينات المستقبلات الضوئية الخارجية في قطاعات داخلية يتم حملها بواسطة جهاز غولجي للقطاعات الخارجية.وفي نهاية المطاف يتم التخلص من أقدم البروتينات عن طريق البلعمة من قبل الخلايا الصباغية المجاورة Retinal pigment epithelial cells،ومن ثم الحفاظ على المنطقة الواقعة بين قسم القطاعات الخارجية نظيفة.وتحدث عملية البلعمة على مدى 24ساعة،وتحدث عملية البلعمة في الخلايا ذات العصي أثناء النهار،وفي الخلايا ذات المخاريط أثناء الليل.
تتكون كل من الخلايا العصوية والمخروطية من جسم الخلية ومن الارتفاق(سينابس) وجزء متخصص للرؤية:الجزئين الداخلي والخارجي.
تحتوي الخلايا العصوية على أحد أنواع أصبغة الرؤية ويسمى الرودوبسين والتي تبلغ حساسيتها مايمكن للضوء عند طول موجة 500 نانومتر،أي للون بين الأخضر والأزرق.والخلايا العصوية هي التي تقوم بالرؤية في الظلام،حيث أنها شديدة الحساسية للنور الضعيف،وهي تساعد الإنسان على الرؤية المحيطية في الظلام،بنسبة أحسن عن بصره في مركز الشبكية.
وظيفة دمع العين:
إن من حكمة الخالق أن جعل العين تدمع طيلة الوقت على مدى 24 ساعة،فالغدد الدمعية Lacrimal glands تقع خلف العينين وتفرز الدمع بواسطة 7 ـ 10 أقنية دمعية صغيرة،فيسيل الدمع على العينين قبل أن ينتقل إلى الجيب الدمعي ومنه إلى القناة الأنفية.
وللدموع فوائد عديدة،فالدمع سائل مالح الطعم،قلوي الخصائص،ينظف الملتحمة ويرطبها،ويساعد على قتل الجراثيم،كما أنه يساهم في تغذية القرنية وحمايتها،حيث يحتوي الدمع على انزيمات مطهرة،ومن عظمة الله أننا لانشعر بها،لأنها تتكون وتنصرف،وعندما نشعر بها إذا زادت الكمية نتيجة لمؤثر خارجي،فلا تستوعبها المصارف،فتنزل على الخدين،وصدق ربّ العالمين”{ترى أعينهم تفيض من الدمع}[المائدة 83].
والدموع لها ثلاث طبقات:
1 ـ طبقة مخاطية رقيقة متصلة بالقرنية وتغطيها،تسمح بثبات الطبقة الدمعية رأسياً ضد الجاذبية،وتفرز المخاط هذا خلايا من غشاء الملتحمة تسمى خلايا جوبلت،ويساعد المخاط الدموع على الالتصاق بسطح العين.
2 ـ طبقة مائية،وهي تسمح بذوبان الأوكسجين فيها لتغذية القرنية.وهذا السائل تكونه الغدد والقنوات الدمعية،ويحتوي على بروتينات مثل لاكتوفيرين ولاكريتين.وهذه الطبقة المائية تساعد على الحماية من الجراثيم.
3 ـ طبقة دهنية تمنع تبخر الدموع،وتحافظ على ثباتها.وهذه الدهون تفرز من الغدد الميبوميوسية وهي توجد في جفون العين.وهذه الطبقة الغنية بالزيوت تغطي الطبقة المائية وتشكل حاجزاً طارداً للماء يعيق التبخر،ويمنع الدموع من السيلان على الخدين.وتوجد الغدد المفرزة لها في الصفائح الجفنية،ولذا فإن السائل الدمعي ينحبس بين جسم العين والحواجز الدهنية للجفون.
وقد وجد أنه توجد أنواع للدموع وهي:
1 ـ الدموع الأساسية:Basal Tearsوهي الدموع التي تفرزها العين بشكل منتظم،بهدف ترطيب العين وتغذيتها وحمايتها.
2 ـ الدموع الانعكاسية:Reflex Tearsوهي الدموع التي تفرزها العين للتخلص من المواد المهيجة،مثل الغبار والأجسام الغريبة،وغيرها،وتحتوي هذه الدموع على أضداد مناعية بكميات أكبر من الدموع الأساسية وذلك للمساعدة على مواجهة العوامل الممرضة وخاصة الجرائيم.
3 ـ الدموع العاطفية:وهي التي تفرز بسبب مؤثرات عاطفية أو انفعالية وخاصة بسبب الحزن أو الفرح أو الخوف ،ويظن أنها تحتوي على هرمونات وبروتينات أكثر من الدموع السابقة الذكر.
جفون العين:
من عظمة الله تعالى أن العين تقع في تجويف عظمي لحمايتها وتثبيتها من الخلف،أما من الأمام حيث لاتوجد حماية عظمية،فقد زود الله سبحانه وتعالى العين بالجفون،العلوية والسفلية،وهي غطاء جلدي للعين يعمل مثل الستائر المتحركة،تظل مفتوحة لتسمح للعين بالرؤية،ولكنها تغلق عند وجود أي خطر حماية للعين،وقد زود رب العالمين الجفون بعضلات تسمح لها بأن تظل مفتوحة طيلة الوقت دون إرهاق،وفي الوقت نفسه تُغلق على فترات منتظمة،وذلك لتنظيف القرنية،ولإعادة توزيع الدموع على سطحها لتمنع جفاف العين.والجفون تحمي العين من الضوء الساطع ومن دخول الأجسام الغريبة وخاصة الرمال المتطايرة والريح والأشياء البارزة،.وعندما ترمش العين فإن الجفن يتحرك ويساعد على نشر الدمع على سطح العين مما يساعد على ترطيبها.
وقد زودت الجفون بالرموش أي الأهداب،وهي تعمل أيضاً على حماية العين،وكذلك تعمل كمصفاة لمنع دخول الأتربة والغبار والأوساخ،وإذا كان شعر رأس الإنسان ينمو بدون توقف أو حدود،فإن الرموش أو الأهداب إذا نتفت فإنها تعاود النمو وتصل إلى طول معين بدون زيادة.
صحة العين:
من أهم الاشياء للمحافظة على صحة العين وخاصة مع التقدم في السن مايلي:
1 ـ معالجة داء السكري لأنه من أهم الاسباب لاعتلال الشبكية وحدوث مضاعفات خطيرة ومنها ضعف أو انعدام الرؤية في الحالات المتقدمة،كما أنه يسبب حدوث الساد أي إعتام الجسم البلوري،كما أنه يرفع الضغط داخل العين ويساعد على حدوث الزرق،…وكذلك أيضاً معالجة ارتفاع التوتر الشرياني وارتفاع شحوم الدم وخاصة الكولسترول لأنها تسبب آفات وعائية عامة وتصلب الشرايين في الجسم بشكل عام والعين بشكل خاص.
2 ـ التغذية الجيدة وخاصة بالمركبات الحاوية على الفيتامينA حيث أن نقصه يسبب العشى الليلي.
3 ـ الامتناع عن التدخين:حيث أنه يؤثر في نقص التروية الدموية كما أنه قد يسبب التهاب العصب البصري.كما أن تناول الغول يسبب التهابات في العصب البصري .
4 ـ ارتداء النظارات الشمسية في حال التعرض للضياء وأشعة الشمس والتي تقي من الأشعة فوق البنفسجية بنوعيهاAوB.
5 ـ تجنب النظر لساعات طويلة في شاشات الهواتف النقالة والحواسيب.
6 ـ زيارة طبيب العيون بشكل دوري ومنتظم.
بصمة العين:
بصمة قزحية العين التي هي في الوقت الحاضر من أفضل الطرق الأمنية للتأكد من هوية الأشخاص حيث أنها تعتبر الأسهل تطبيقاً على الأشخاص من بين نوع البصمات الأخرى،وذلك لعدم علم أو حتى شعور الشخص أنه يتم قراءة بصمة عينه بواسطة كاميرات الفيديو ذات الدقة العالية التي تستخدم لقراءة البصمة.
اكتشف العلماء في البدء بصمة الاصابع،ومن بعدها بصمة الصوت،وثبت أيضاً أنها لاتتكرر،من شخص لآخر،وأحدث بصمة توصل إليها العلماء هي بصمة العين.فهي تختلف من شخص لآخر،كما أن بصمة العين اليمنى تختلف عن بصمة العين اليسرى للشخص الواحد.
وقد أمكن تكبير بصمة العين بأجهزة خاصة 300 مرة،ووجد أن لكل عين بصمة أمامية وبصمة خلفية،وبهما تحدد هوية الشخص، ويستحيل التزوير في شخصيته،وبصمة العين موجودة في شبكية العين،وقد وجد العلماء أن مسار الأوعية الدموية يختلف من شخص لآخر،في شكلها ومكانها وتفرعاتها.حتى يوجد الاختلاف بين العين اليمنى واليسرى للشخص الواحد.وكذلك فإن القزحية وهي الجزء الملون في العين وتتحكم في كمية الضوء النافذة من خلال إنسان العين(البؤبؤ) تتركب من نسيجين عضليين،وتجمعات من ألياف مرنة،وتتكون هذه الالياف بشكلها النهائي في الجنين وهو في بطن أمه،ولاتتغير أبداً بعد الولادة،فبهذا أصبحت بصمة العين دليلاً قاطعاً لتحديد صاحبها.
اللهم إني أعوذ بك من شرِّ بصري:
إن العين من أعظم نعم الله على الإنسان فيجب عليه أن يستعملها فيما يرضي الله،وعدم استخدامها في معصية الله،يقول تعالى:{إنّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولا}[الإسراء36]،وفي الحديث الشريف الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو:”اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شرِّ بصري،ومن شرِّ لساني،ومن شرِّ قلبي،ومن شرِّ منيى“[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن شكل بن حميد العبسي وقال الألباني حديث صحيح]..فالتحديق بالبصر في معصية الله وما يجلبه على النفس من إثم الشهوات يتنافى مع الفطرة والعقيدة،ومن عصم بصره عما يغضب الله تعالى كان له جزيل الثواب.
العمى
من الناحية الطبية:
العمى:Blindness
هو حالة من فقد الإدراك البصري لعوامل فيزلوجية أو عصبية.ويسمى المصاب بالعمى كفيفاً.والعمى قد يكون جزئياً أو تاماً.وتقول منظمة الصحة العالمية إنه يوجد ما لايقل عن ملياري شخص في العالم يعانون من ضعف البصر أو العمى.
وتبين الدراسات أن العمى يؤثر إيجابياً في القدرة السمعية،بحيث تصبح حاسة السمع عند الكفيف أكثر دقة.
ومن الأسباب التي تسبب العمى نذكر:
1 ـ إعتام عدسة العين أو داء الساد Cataracts:وهو من أهم أسباب فقدان البصر ويشاهد خاصة عند المسنين وخاصة المصابين بداء السكري.ومن الأسباب الأخرى للساد تناول مركبات الكورتيزون لفترة طويلة.
2 ـ ارتفاع ضغط العين أو مايسمى داء الزرق(الجلوكوما)Glaucomaوهو ذو نوعين داء الزرق مفتوح الزاوية وداء الزرق مغلق الزاوية.
3 ـ إصابة وتكثف قرنية العين:وهذا يشاهد غالباً بعد الالتهابات وخاصة الفيروسية ومنها الجدري.
4 ـ اعتلال الشبكية لأسباب عديدة ومنها الداء السكري وارتفاع الضغط الدموي الوخيم…وما يسمى التنكس البقعيMacular Degeneration،وهذا يشاهد لدى المسنين غالباً.وقد وجد أنه يشاهد خاصة عند المدخنين.
وهناك العمى التال لانفصال الشبكية Retinal Detachment وله عدة أسباب وأهمها الرضوض والداء السكري.
وهناك التهاب الشبكية الصباغي وهو مرض وراثي ويشاهد في الأعمار المبكرة ويبدأ بالعمى الليلي
5 ـ التهاب العصب البصري:Optic Neurotisوله عدة أسباب وأهمها التصلب اللويحي،وبعض الفيروسات،وبعض التسممات والأمراض الجهازية.
6 ـ الرمد الحبيبي ومرض التراخوما عند الأطفال.
7 ـ العمى التال للرضوض والحوادث وبسبب الخثرات الوعائية وخاصة في شرايين الشبكية.وكذلك الحوادث الوعائية الدماغية.
8 ـ عمى الألوان:أو داء دالتون:وهو مرض وراثي يتميز بعدم القدرة على الألوان،وسمي نسبة للعالم الكيميائي دالتون الذي نشر موضوعاً عن الداء وكان مصاباً به.ويتميز بعد القدرة على التمييز بين اللون الأخضر والأحمر،ويصيب بشكل خاص الذكور.
9 ـ العشى الليلي: وهو عدم قدرة العين على رؤية الأشياء بسرعة عند الانتقال من مكان مضىء إلى مكان مظلم.ومن أهم أسبابه عوز الفيتامين A
10 ـ العمى النفسي:ويشاهد في بعض الأمراض النفسية.
ومن الناحية الدينية:
إن نعمة البصر هي من أجلّ نعم الله على عباده،والعين هي النافذة التي يطل منها الإنسان على ماحوله،ومن خلالها تتحصل لديه المعارف،والتعامل مع الاشخاص وما يحيط به.
ولأهمية العين سماها الله تعالى الحبيبة والكريمة،ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” قال الله عز وجل: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه، فصبر،عوضته منهما الجنة.يريد عينيه”،وفي رواية الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة”.
نبي الله يعقوب عليه السلام فقد بصره بعد حزن شديد على غياب ابنه يوسف عليه السلام {وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضَّت عيناه من الحزن فهو كظيم}[يوسف 84] .
ومن الناحية الطبية فانه غالباً ما يكون المرض الذي يترافق مع ضياع البصر والبياض المصاحب له هو داء الزَرَق(الغلوكوما)والناجم عن ارتفاع الضغط داخل العين .
ومن الصحابة المشهورين وكانوا من المكفوفين نذكر عبد الله بن مكتوم الذي نزلت فيه الآيات الكريمة{ عبس وتولى….} وهناك شعراء فقدوا البصر على تقدم السن ونذكر منهم: شاعر النبي حسان بن ثابت وكعب بن مالك،والعباس بن عبد المطلب وعبد الله بن العباس،وأبو سفيان بن حرب،وعقيل بن أبي طالب،وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق،والحكم بن أبي العاص،والحارث بن العباي بن عبد المطلب،وعرابة الأوسي،والبراء بن عازب،وقتادة بن النعمان،وعبد الله بن الارقم،وأبو أمامة الباهلي….ومن الصحابيات نذكر أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين..
من الناحية الأدبية:
بشار بن برد ولد أعمى وهذا يسمى في الطب الأكمه.
وجاء في القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام كان يبرىء الأكمه قال تعالى:{وتبرىء الأكمه والأبرص بإذني}[المائدة 110]،وهذا من معجزاته الكبيرة وخاصة أنه كان في قوم مشهور عندهم الطبابة.
والإمام الشاطبي صاحب كتاب الاعتصام ولد أعمى.
أبو العلاء المعري(363ـ449 هجري) أصيب بالجدري فغشّى يُمنى عينيه بياض وذهبت اليسرى جملة.
الشاعر اليمني عبد الله البردوني وهو من أكبر شعراء اليمن في العصر الحديث،أصيب بالجدري ونشا عن ذلك اصابته بالعمى في سن الرابعة من العمر.
الشيخ محمد رفعت والعمى : كان مبصراً حتى سن سنتين ،ويقال انه قد قابلته امرأة ،وقالت من الطفل انه ابن ملوك،عيناه تقولان ذلك ،وفي اليوم التالي استيقظ الإبن وهو يصرخ من شدّة الألم في عينه،ولم يلبث أن فقد بصره.
ومن العلماء والشيوخ المعاصرين نذكر الشيخ عبد الحميد كشك والشيخ عبد العزيز بن باز.
والأديب الكبير الدكتور طه حسين أصيب في سن الرابعة من عمره بالرمد،ولجأ أهله جهلاً إلى حلاق القرية الذي وصف له علاجاً أدى إلى اصابته بالعمى.
والمصابون بالعمى تجاهه يكونون إما من المتذمرين أو الشاكرين المُحتسبين:
1 _ التذمر والشكوى
أبو يعقوب الخُريمي وقد فقد بصره حين طعن في السن :
أصغي إلى قائدي ليخبرني إذا التقينا عَمَّنْ يُحييِّني
أُريدُ أن أعدِلَ السلامَ وأن أفصلَ بينَ الشريفِ والدُّونِ
أسمعُ ما لا أرى فأكرهُ أن أُخطئَ والسمعُ غيُر مأمونِ
للهِ عيني التي فُجعت بها لو أنّ دهراً بها يُواتيني
لو كنتُ خُيّرتُ ما أخذتُ بها تعميرَ نوحِ في ملكِ قارونِ
حقّ أخلائي أن يعودوني وأن يعزّوا عني ويبكوني
وقال أيضاً:
كفى حزناً أن لا أزورَ أحبتّي من القُربِ إلا بالتكلف والجَهدِ
وأني إذا حُييّتُ ناجيتُ قائدي ليعدلني قبل الإجابة في الرَّدِ
ابن الرومي:
شُغِلتُ عنك بِعُوارٍ اُكابِدُهُ لا بالملاهي ولا ماءِ العناقيدِ
قاسيتُ بعدك ـ لا قاسيتَ مِثلهما ـ نهارَ شكوى يُباري ليلَ تسهيدِ
اُمسي وأُصبِحُ في ظلماء َ من بصري فما نهاريَ من ليلي بمحدودِ
لا يطمئنَّ بجنبي لينُ مُضطجَع وما فراشُ أخي شكوى بممهودِ
أرعى النجومَ وأنّى لي بِرْعَيتِها وطرفُ عيني في أسرٍ وتقييدِ؟
المعري:
أرني في الثلاثة من سجوني فلا تسأل عن الخبر النبيث
لفقدي ناظري ولزوم بيتي وكون النفس في الجسد الخبيث
أبو الشيّص بعد ان عميّ في أخرحياته:
يا نفسُ بكىِّ بأدْمُعٍ هُتُنِ وواكفٍ كالجُمانِ في سَنَنِ
\(هتن: غزيرة. واكف: لاينقطع)
على دليلي وقائدي ويدي ونور وجهي وسائسِ البدنِ
أبكي عليها مخافة أن تقرنني والظلامَ في قَرَنِ
صالح بن عبد القدوس وقد عمي في أخرعمره:
عزَاءُكِ أيها العَينُ السَّكوبُ ودَمْعُكِ ! انها نُوَبٌ تنوبُ
وكنت كريمتي وسراج وجهي وكانت لي بك الدنيا تطيبُ
فإن أكُ قد ثكلتُكِ في حياتي وفارقني بك الإلفُ الحبيبِ
فكلُّ قرينةٍ لابدَّ يوماً سيشعبُ إلفها عنها شَعوبُ
على الدنيا السلامُ فما لشيخٍ ضريرِ العينِ في الدنيا نصيبُ
يموتُ المرءُ وهو يُعدُّ حياً ويُخلِفُ ظَنَّهُ الأملُ الكذوبُ
يمنيني الطبيبُ شفاءَ عيني وما غير الإلهِ لها طبيبُ
إذا ما مات بعضُكَ فابكِ بعضاً فإنَّ البعضَ من بعضٍ قريبُ
ابن التعاويذي يندب بصره:
لقد رمتني رُمِيَتْ بالأذى بنكبةٍ قاصمةِ الظَّهرِ
و أوتَرَتْ في مُقلَةٍ قلَّما عَلِمتها باتت على وِترِ
جوهرةٌ كنتُ ضنيناً بها نفيسة القيمةِ والقَدْرِ
إن أنا لم ابكِ عليها دماً فضلاً عن الدمعِ فما عُذري
مالي لا أبكي على فَقْدِها بُكاءَ خنساءَ على صَخرِ
وقال ايضاً:
واُصبتُ في عيني التي كانت هي الدنيا بعينِ
عينٌ جنيتُ بنورها نور العلومِ وأي عين
حالان مسَّتني الحوا دثُ منهما بفجيعتين
إظلامُ عينٍ في ضيا ءٍ مِنْ مَشيبٍ سَرمَدينِ
صُبْحٌ وإمساءٌ معاً لا خِلْفَة فأعجبْ لِذَينِ
قد رُحتُ في الدنيا من الس راءِ صِفْرَ الراحتينِ
أسوانَ لا حَيٌ ولا ميتٌ كهمزة بَينَ بينِ
وقال ايضاً(معجم الأدباء ياقوت الحموي ج5 ص371):
فها أنا كالمقُبورِ في كِسْرِ منزلي سَواءٌ صَباحي عِندهُ ومسائي
يَرِقُّ ويبكي حاسدي لي رحمةً وبُعداً لها من رِقَّةٍ وبكاءِ
وقال ايضا يذكر توجعه لذهاب بصره ويشير الى زوجته:
وباكية لم تشكُ فقداً ولا رمى بجيرتها الأدنين نأيٌّ مطوِّح
رمتها يد الأيام في ليث غابها بفادحٍ خطبِ والحوادث تفدح
رأت جَللاً لا الصبر يجملُ بالفتى على مثله يوماً ،ولا الحزن يقبح
فلا غرو أن تبكي الدماء لكاسب لها كان يسعى في البلاد ويكدح
عزيز عليهما أن تراني جاثما وما لي في الأرض البسيطة مسرح
أظل حبيساً في قرارة منزل رهين أسى أمسي عليه وأصبح
أبو المُخَشى(أبو يحيي عاصم بن زيد) :
خضعت أُمُّ بناتي للعِدى أن قضى الله قضاءً فمضى
ورأت أعمى ضريراً إنمَّا مشيُهُ في الأرضِ لمسٌ بالعصا
فاستكانت ثم قالت قولةً وهي حَرَّى بلغت مني المدى
ففؤادي قرحٌ من قولها : ما من الأدواءِ داءٌ كالعمى
وإذا نالَ العمى ذو بصرٍ كان حياً مثلَ ميتٍ قد ثوى
وكأنَّ الناعمَ المسرورَ لم يكُ مسروراً إذا لاحَ الردى
أبو راشد الضبي: كان أعرج ثم عمي ،ثم اقعد من رجليه فقال حين عمي وقد كان ابن حبيب وهب له عصا(مجلة الفيصل العدد 53):
وهبت عصا العرجان عوناً ومرفقاً فأين عصا العميان يابن حبيب
فقد صرت أعمى بعد أن كنت أعرجاً أنوء على عود أصم صليب
2 ـ الصبر والاحتساب:
أبو العلاء المعري اُصيب بالعمى وكان في السنة الثالثة من عمره بعد اصابته بمرض الجدري وكان يقول:أنا أحمد الله على العمى،كما يحمده غيري على البصر.
المعري:
تلفُ البصائرِ،والزمانُ مفجِّعٌ أدهى وأفجعُ من توى الأبصارِ
(خمول الذهن أشد بليّة من فقد البصر. توى:ضياع)
المعري:
سواد العين زار سواد قلبي ليتفقا على فهم الأمور
يشير إلى أن الأعمى عوضّ عن البصر الذكاء وسرعة الحفظ)
بشار بن برد:
إذا وُلِدَ المولودُ أعمى وجدتهُ وجدكَ أهدى من بصيرٍ وأحولا
عَمِيتُ جنيناً والذكاءُ من العَمى فجئتُ عجيبَ الظّنِ للعلمِ مَعقلا
(رواية:موئلا)
وغاضَ ِضياءُ العينِ للقلبِ فاغتدى بقلبٍ إذا ما ضيّعَ الناسُ حصّلا
وفي رواية اخرى
وغاض ضِياءُ العينِ للعلم رافدا لقلبٍ إذا ما ضَيعَّ الناسُ حَصلا
وحماد عجرد يهجو بشاراً بأنه ولد أكمه ويهجو اخويه المشوهين الذين ولدوا لثلاثة أباء ولأم واحدة :
لقد ولدت اُم الاكيمه أعرجاً وأخر مقطوع القفا ناقص العضد
وقال حماد بن عجرد يهجوه أيضاً:
ويا أقبح من قرد إذا ما عمي القرد
ويقال ان بشار لم يجزع من شئ قط جزعه من هذا البيت
وقال أحدهم يهجو بشارأ واخوته وأمهم :
ولدت خلداً وذيخا في تشتمه وبعده خزراً يشتد في الصعد
ثلاثة من ثلاث فرقوا فرقاً فاعرف بذلك عرق الخال في الولد
(الخلد: ضرب من الجرذان يولد أعمى ، الذيخ: ذكر الضباع ، الخرز: ذكر الأرانب وهو قصير اليدين لا يلحقه الكلب في الصُعد)
بشار بن برد :
وعَيرَّني الأعداءُ، والعيبُ فيهمُ وليسَ بعارٍ أن يُقالَ ضريرُ
(رواية فليس)
إذا أبصرَ المرءُ المروءة والتقّى فإنّ عمى العينينِ ليسَ يَضيرُ
رأيتُ العمى أجراً وذُخْراً وعِصمةً وإنّي إلى تلك الثلاثِ فقيرُ
بشار بن برد:
قالوا العمى منظرٌ قبيحٌ قلنا بفقدي لكم يهون
تالله ما في البلاد شئٌ تأسى على فقدهِ العيون
ابو علي البصير(الفضل بن جعفر) وكان ضريراً ولقب بالبصير على العادة في التفاؤل أو لذكائه وفطنته فهو القائل:
لئن كان يهديني لوجهتي ويقتادني في السير إذ أنا راكب
لقد يستضئ القوم بي في أمورهم ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب
حافظ ابراهيم:
إنَّ حقَّ الضّريرِ عند ذوي الأ بصارِ حقٌّ مُستوجبُ التقديسِ
لم يَضِرهُ فقدانهُ نورَ عي نيهِ إذا اعتاضَ عنهما بأنيسِ
آنسوا نفسَهُ إذا أظلمَ الع يشُ بعلمٍ فالعلمُ أُنسُ النفوسِ
وَجهّوهُ إلى الفَلاحِ يُفِدكُمْ فوقَ ما يستفيدهُ من دروسِ
أكملوا نَقْصَهُ يَكُنْ عبقرياً مثلَ (طهَ) مُبَرِزَّاً في الطُرُوسِ
كم رأينا من أكمهٍ لا يُجارى وضَريرٍ يُرجى ليومٍ عَبوسِ
لم تقفْ آفةُ العيونِ حِجازاً بين وثباتهِ وبينَ الشُمُوسِ
عَدِمَ الحِسَّ قائداً فحداهُ هَدىُ وِجدانهِ إلى المحُسوسِ
مثلُ هذا إذا تعلمَ أغنى عن كثيرٍ وجاءنا بالنفيسِ
ذاكَ أنَّ الذكاءَ والحفظَ حلاّ في جوارِ النهى بتلكَ الرؤوسِ
فعلى كُلِّ أكمهٍ وبصيرٍ شكرُ أعضائِكم وشكُر الرئيسِ
عباس محمود العقاد وقصيدة”الشاعر الأعمى”:
شكا الشاعرُ الباكي عمىً قد أصابهُ وأظلمُ ما نالَ العمى جفنُ شاعرِ
لِمن تَجمُلُ الأكوان إن كان لا يرى بدائَعها عينٌ ترى كلَّ باهرِ
فما كانت الدنيا سوى حُسن مظهرٍ وما جادَ فيها الحظُّ إلا لِناظري
وهل كنتُ أخشى الموتَ إلا لأنهُ سيحجبُ عنّي حسنَ تلكَ المناظرِ
جمعتُ شقاءَ العيشِ في ظُلمةِ الرّدى فيا لي من ميتٍ شقيّ الخواطرِ
أرى الصبحَ وهّاجاً بمقلةِ نائمٍ ويلحظهُ قلبي بحسرةِ ساهرِ
فمنْ لي إلى هذا الوجودِ بنظرةٍ أراهُ ولمْ يُعْمِ الترابُ بصائري
فيا قلبُ انفِقْ من ضيائكَ واحتسِبْ لدى الشّمس لألاءَ الوجوهِ النّواضرِ
حسان بن ثابت وقيل غيره:
إن يأخذِ الله من عينيَّ نورهما ففي لساني وقلبي منهما نورُ
قلبٌ ذكي وعقلٌ غير ذي عِوَج وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مأثور
أبو يعقوب الخريمي:
فإن تكُ عيني خبا نورها فكم قبلها نورُ عين خبا
فلم يعتم قلبي ،ولكنّما أرى نور عيني إليه سرى
فأسرجَ فيه إلى نورهِ سراجاً من العلمِ يشفي العمى
ـ الإحسان إلى الأعمى
شوقي:
نظراً وإحساناً إلى عميانهِ وكُنِ المسيحَ مداوياً ومُجَبّرا
والله ما تردي لعلَّ كفيِفَهُمْ يوماً يكونُ أبا العلاءِ المُبصرا
علي الجارم:
من مُجيري من حالكاتِ الليالي؟ نُوَبَ الدهرِ مالكُنَّ ومالي!
قد طواني الظلامُ حتى كأنّي في دياجي الوجود طيفُ خَيالِ
كُلُّ ليلٍ له زوالٌ وليلي دَقَّ أطنابَهُ لغيرِ زوالِ
كُلُّ ليلٍ له نجومٌ ولكن أين أمثالهُنَّ من أمثالي
تَثِبُ الشمسُ في السماءِ وشمسي عُقِلَتْ دُنها بألفِ عِقالِ
لا أرى حينما أرى غيرُ حَظّي حالكَ اللونِ عابسَ الآمالِ
هو جُبٌّ أعيشُ فيه حزيناً كاسِفَ النفسِ دائمَ البَلبالِ
(الهم والهواجس)
ما رأتْ بسمةَ الشموسِ زوايا هُ ، ولا داعبتْ شُعاعَ الهلالِ
فإذا نمتُ فالظلامُ امامي أو تيقَّظتُ فالسَّوادُ حِيالي
أتقّرى الطريقَ فيهِ بكفيِّ بينَ شكٍ وحيرةٍ وضلالِ
وأُحِسُّ الهواءَ فهوَ دليلي عن يميني أسيرُ أو عن شمالي
كُلّما رُمْتُ منهُ يوماً خلاصاً عَجَزَتْ حيلتي وَرّثتْ حِبالي
رُبَّ أعمى له بصيرةُ كَشْفٍ نفذتْ من غياهبِ الأسدالِ
أخذَ الله منهُ شيئاً وأعطى وأعاضَ المكِيالَ بالمكيالِ
يلمحُ الخطرةَ الخفيّة للنف سِ لها في الصدورِ دَبُّ النمالِ
ويرى الحقَّ في جلالةِ معنا هُ فيحيا في ضوءِ هذا الجلالِ
ولي الدين يكن في قصيدة الفتاة العمياء-أنشدتها فتاة عمياء في مدرسة للبنات الكفيفات:
سادتي،إن في الوجود نفوساً ظلمتها الاقدار ظلماً شديداً
هي تشقى من غير ذنب جنتهُ ولكم مذنب يعيش سعيدا
رحم الله أعيناً لم تشاهد منذ كانت إلا ليالي سودا
تتمنى لو فُتِّحت فتملّت من جمال الوجود هذا الشهودا
تتناجى حمائم الروض صُبحاً لا نراها ،ونسمع التغريدا
ويكون الربيع منّا قريباً فنظن الربيع منا بعيدا
حين ترنو إلى الورود عيون ليت شعري كم تستطيب الورودا
أبويّ اللذين أوجدتماني أتريدان شقوتي ،لن تريدا
عشتما في ظلال شمل جميع أنا وحدي وجدتُ شملي بديدا
وإذا كنتُ قد وُلدتُ فقيداً ليتني كنت قد فُقدتُ وليدا
سادتي،إننا صبرنا امتثالا ما ضجرنا ولا شكونا الجدودا
فانظروا نظرة الكرام إلينا وارحموا أدمعاً تخدُّ الخدودا
جميل صدقي الزهاوي:
أُمّاه إنّي ضريرُ والقلبُ من كسيرُ
أعمى فلستُ أرى يو ماً ما يراهُ البصيرُ
إني إلى حاجة لي بلا عصا لا أسير
أُمّاه ما في حياة ال طفل الضرير سرور
يا أُم إن شقائي لو تعلمين كبير
يومي وليلي سواء كلاهما لا ينير
أُمّاه أني إلى أن أراك يوماً فقير
وإن طرفاً يرى وج هَ من أحب قرير
يا أم إن لم يضرني ال عمى فماذا يضير
أماه هل هذه الدن يا رحبة تستنير
وهل بها لالئ يب صرون شئ كثير
صِفي النهارَ فإني ما بالنهار خبير
هل النهار بأن يح مدَ النهار جدير
هل الضياء جميل كما يقول البصير
وهل إذا الشمس ذرت فضؤوها مستطير
وهل إذا الشمس غابت لا يلمس الأرض نور
وهل هناك خفاء وهل هناك ظهور
وهل هناك سماء فيها النجوم تدور
فدوى طوقان في مهرجان المعري(الرسالة العدد 579):
سلام عليك حبيس الظلام حليف العذاب ،طريد القدرْ
على قلبك المبتلى بالشقاء على روحك المضطرب المستعرْ
سلام عليك سلام الندى إذا صافح الزهر غبَّ السحرْ
أمنطلقاً من قيود التراب على حين يرسف فيها البشرْ
ومتخذاً عزلة المحبسين صفياً يقيه أذاة وشر
ويامن حييت بروح تأبى على ربقة الجسد المنتصر
عذرتك ،ما أنصفتك الحياة فكيف يطيب لديها العمر
وكيف يروق،ولا نفسَ تهفو فتحنو عليك بقلب أبرْ
ويا باعث النور يهدي البصائر ماذاق نعمة نور البصر
تَملَّ من السرمدي البقاء ضياء الألوهية المنتشر
ضياء يفيض الرضى والأمان على من يحط رحال السفر
هنالك لا محنة تبتليك ولا أنت تشقى بخط عثر
ويا سيرة تملأ الخافقين فتعنو لديها كبار السير
حياة الفتى حلم ينقضي وما العمر إلا خلود الأثر
ابراهيم المنذر في قصيدة حديث ضرير (شعراء معاصرون –نجيب البعيني –ص67):
يا أمُّ ما شكل السَّما ءِ وما الضياءُ وما القمرْ؟
بجمالها تتحدثي ن، ولا أرى منها الأثرْ
هل هذه الدنيا ظلا مٌ، وفي ظلام مستّمرْ؟
يا أمُّ ،مُدّي لي يدي كِ، عسى يُزايلني الضجرْ
أمشي اخافُ تعثراً وسطَ النهارِ أو السَّحَرْ
لا أهتدي في السَّيرِ ،إن طالَ الطريقُ أو قَصُرْ
أمشي أحاذرُ أن يُصا دفني ،إذا أخطو ،خطرْ
والأرضُ عندي يستوي منها البسائط والحُفَرْ
عكازتي هي ناظري هل في جمادٍ من بَصَرْ؟
يجري الصغارُ يلعبون ويرتعون ولا ضررْ
وأنا ضريرٌ قاعِدٌ في عِقْرِ بيتي مستقرْ
اللهُ يلطفُ بي ويعرِفُ ما أقاسي من كَدَرْ
هجاء العميان:
ابن الرومي:
مجالسة العُمْي تُعدي العمى فلا تشهدنْ لهمُ مشهدا
فإن أنت شاهدتهم مرةً فكن منهمُ الأبعدَ الأبعدا
بحيثُ تفوتُ إشاراتهم وإلا فإنك منهم غدا
لأن إشاراتهم لا تزا ل قد نفضت نحو عَينٍ يدا
فَيعُمونَ من شئت في ساعةٍ ولم يحتسب قطُّ أن يرمدا
ألا رُبَّ عين دنت منهمُ فمدّوا لها ليلها سرمدا
وأصبحت ترى كل ما حولها -لظلمتها- جبلاً أسودا
المعري حين عُيّرَ بالعمى:
قالوا: العمى منظر قبيح قلت: بفقدانكم يهون
والله ما في الوجود شئ تأسى على فقده العيون
حماد عجرد يهجو بشار بن برد وكان أعمى:
إنَّ ابنَ بُردٍ رأى رؤيا فأوَّلهَا بلا مَشورةِ إنسانٍ ولا أثرِ
رأى العمى نعمةً للهِ سابغةً عليه إذ كان مكفوفاً عن النظرِ
وقال لو لم أكن أعمى لكنت كما قد كان بُردٌ أبي، في الضيقِ والعسر
أكدُّ نفسي بالتطيينِ مجتهداً إما أجيراً وإما غير مؤتجر
أو كنتُ إن أنا لم أقنع بفعل أبي قصّاب شاءٍ شقيِّ الجَدِّ أو بَقر
فقد كفاني العمى عن كلِّ مكسبةٍ والرزقُ يأتي بأسبابٍ من القدر
يقول الأستاذ أحمد حسن الزيات رحمه الله في مقال له عن المعري(الرسالة العدد 560):
“في اليوم السابع والعشرين من شهر ربيع الأول عام 363هجري،والشمس في الغروب،والقمر في المحاق،والمعرّة في همود الكلال،والطبيعة في فتور الكرى،ولد الطفل النبيل الضئيل أحمد أبو العلاء.
كان في ظلام الرحم،وولد في ظلام العشية،ثم عاش في ظلام البصر،وانتهى إلى ظلام القبر!ومن هذا الظلام المتصل نسج القدر حياة أبي العلاء وأنشأ عواطفه،وسود فلسفته،وأبهم عقيدته،وأوحش نفسه!
ومن هذا الظلام أيضاً تفجر النور كله على قلبه وعقله،فكان آية من آيات ربه الكبرى في ذكاء الفهم ولطافة الحس وقوة الحفظ ودقة التخيل.وهو القائل:
سواد العين زار سواد قلبي ليتفقا على فهم الأمور
وإذا كان لكل عاهة من عاهات الحس تعويض من قوى الروح،فإن لها كذلك أثراً شديداً في حياة المعُري،ترسم له الطريق وتعين له الغاية.فعاهة أبي العلاء فرضت عليه أن يجعل العلم شغل حياته،واختارت له من العلم أنواعه النقلية والنظرية مما تغنى فيه الحافظة وتعين عليه الكحيلة،كاللغة والدين والشعر،ووسائلها من الرواية والنحو والصرف والعروض،فقضى عمره الأول بين أيدي الشيوخ فيالشام وبغداد،أو على مقاعد المكتبات في المساجد والأديرة،يسمع ويعي،ويجمع ويستوعب،حتى لم يدع كلمة في معاجم اللغة وكلام العرب إلا علقها،ولا مسألة من مسائل العلوم الأدبية إلا حذقها”.
الرمد(التهاب الملتحمة) وقذى العين
من الناحية الطبية:
الرمد Conjunctivitis :وهو التهاب الملتحمة،مرض شائع الحدوث يترافق مع احمرار العين،والحكة،والإفرازات المائية والتي قد تتحول إلى مخاطية أو قيحية بسبب المشاركة الجرثومية،والدماع،وضبابية الرؤية،وانتفاخ الجفون،وحس الحرقة في العين.
وله أسباب مختلفة وعديدة،نذكر منها:
1 ـ الرمد بسبب الفيروسات(الحمات الراشحة):وخاصة فيروس العقبول البسيط Herpesوهو أكثر الأنواع مشاهدة،وهو شديد العدوى،ويشاهد غالباً مرافقاً لإلتهاب المجاري التنفسية العليا.ويبدأ غالباً في إحدى العينين ثم ينتشر إلى الأخرى.
2 ـ الرمد الجرثومي:أو التراخوما أو الرمد الحبيبي: ويشاهد غالباً منذ البدء في العينين معاً،وهناك العديد من الجراثيم التي تسببه،ويترافق مع إفرازات قيحية ومخاطية،بالإضافة إلى احمرار الملتحمة والحكة.وفي حالات نادرة قد يصاحب بعض الأمراض المنقولة بالجنس مثل السيلان.
والرمد الحبيبي يعد السبب الرئيسي للعمى في جميع أنحاء العالم.على الرغم من إمكانية الوقاية منه.وخاصة في بلدان أفريقيا والمناطق الفقيرة،ويمكن أن تصل نسبة الإصابات في هذه البلدان عند الأطفال دون سن الخامسة إلى حوالي 60%.
3 ـ الرمد التحسسي:ويشاهد غالباً في فصلي الربيع والصيف بسبب التحسس لغبار الطلع.وكذلك يشاهد بشكل لا موسمي في حالة التحسس لأشعار الحيوانات المنزلية وخاصة القطط أو الكلاب،ويكون غالباً مترافقاً مع أعراض عينية وربما قصبية،أو قد يكون بسبب التحسس الموضعي وخاصة بسبب مستحضرات التجميل،أو قد يكون بسبب التحسس لغبار المنزل الذي يحتوي على أنواع معينة من القرادHaus Mite وهذا يشاهد غالباً في فصل الشتاء ويترافق غالباً مع الزكام الصباحي وربما أيضاً الربو القصبي…وهناك الرمد التحسسي المهني وخاصة بسبب أغبرة الدقيق والطحين عند العاملين بالصناعات الغذائية،…
4 ـ الرمد الوليدي:ويشاهد عند الوليد في الأسابيع الأولى من الولادة،وتسببه غالباً المتدثرت(الكلاميديا)وينتقل غالباً للوليد أثناء الولادة من قناة المهبل عند الام.
5 ـ الرمد من منشأ تخريشي:ويشاهد عند التعرض للأبخرة أو الغازات المخرشة،أو بعض السوائل الكيميائية.أو التراخوما
من الناحية الدينية:
جاء في الصحيح : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر: لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه،يحب الله ورسوله،ويحبه الله ورسوله،قال: فبات الناس يَدوكون ليلتهم :أيهم يُعطاها؟.فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلعم يرجو أن يُعطاها،فقال: أين علي بن أبي طالب؟ ،فقيل:هو ـ يا رسول الله ـ يا رسول الله يشتكي عينيه، قال : فأرسلوا إليه. فأُتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له،فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع،فأعطاه الراية “[أخرجه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه].
وجاء في سنن ابن ماجة عن صهيب رضي الله عنه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر ، فقال: ادن فكل ،قال: فأخذت آكل من التمر. ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تأكل تمراً وبك رمد ؟ فقلت: يارسول الله أمضغ من الناحية الأخرى ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم (يريد أنه يمضغ بناحية العين التي لا رمد فيها)[صححه الألباني]
ذو العينين : هو قَتادة بن النعمان الأنصاري ، شهد بدراً والعقبة ، وأصيبت عينه يومَ أحد ،فوقعت عينه على خده، فردَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت أحسن وأصّح من عينه الأخرى،وكان لا يشتكيها إذا اشتكى أختها .
من الناحية الأدبية:
ابو بكر الخوارزمي – يتيمة الدهر للثعالبي ج4 ص232 يتكلم عن الرمد:
“صادف ورود الكتاب رمداً في عيني حتى حصرني في الظلمة ،وحبسني بين الغم والغمة،وتركني أدرك بيدي ما كنت أدرك بعيني،كليل سلاح البصر قصير خطو النظر،قد ثكلت مصباح وجهي،وعدمت بعضي الذي هو آثر عندي من كلي،فالأبيض عندي أسود،والقريب مني مبعد . قد خاط الوجع أجفاني،وقبض عن التصرف بناني . ففراغي شغل،ونهاري ليل،وطول ألحاظي قصار وأنا ضرير وإن عددت في البصراء . واُمِّي وإن كنت من جملة الكتاب والقراء . قصرت العلة خطوتي قلمي وبناني،وقامت بين يدي ولساني . وقد كانت العرب تزاوج بين كلمات تتجانس مبانيها ،وتتكافأ مقاطعها ومعانيها ،فيقولون :القلة ذلة،والوحدة وحشة ،واللحظة أفظة ،والهوى هوان،والأقارب عقارب، والمرض حرض(هلاك)،والرمد كمد ، والعلة قلة، والقاعد مقعد .”
جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة ـ كتاب الطعام ـ ص274 :
“قال أبو اليقظان : كان عبد العزى بن عبد المطلب(أبو لهب) يشتكي عينه وهو مُطرقٌ أبداً وكان يقول: ما بعيني بأس ولكن كان أخي الحارث إذا اشتكت عينه يقول: أكحلوا عين عبد العزى معي،فيأمر من يكحلني معه ليرضيه بذلك فأمرض عيني”.
النابغة الشيباني:
ترمي بعيني أقنى على شَرَفٍ لم يؤذهِ عائرٌ ولا لَحَجُ
(أقنى :صقر، العائر: الرمد،اللحج: التصاق الأجفان بالرمص)
امرؤ القيس:
تطاولَ لَيلُكَ بالأثمدِ ونامَ الخليُّ ولم تَرقُدِ
وباتَ وباتت لهُ ليلةٌ كليلةِ ذي العائرِ الأرمدِ
عنترة :
ما بالُ عينكَ لاتملُّ من البكا رمدٌ بعينكَ أم جفاك كراها
الخنساء:
إنّي أرِقتُ فبتُّ الليلَ ساهرةً كأنّما كُحِلَتْ عيني بِعُوّارِ
(الرمد أو الرمص)
البوصيري:
قد تُنكِرُ العينُ ضوء الشمسِ من رَمدٍ ويُنكِرُ الفمُّ طعمَ الماءِ من سَقَمِ
ابن الرومي في مليح أصابه الرمد:
قالوا اشتكت عينهُ فقلتُ لهم: من كثرةِ القتلِ مَسَّها الوَصَب
حُمرتها من دماء من قتلت والدم في النصل شاهد عجب
المتنبي :
فتىً فاتت العدوى من الناسِ عَينهُ فما أرمدتْ أجفاَنهُ كثرةُ الرُّمْدِ (المفاسد كثرت حوله الا انها لاتعديه وهو منزه عنها )
وخَالَفُهمْ خَلْقَاً وخُلْقاً وموضِعا فقد جَلَّ أن يُعدى بشئٍ وأن يُعدي
الشريف الرضي:
حَملتُكَ حَمْلَ العينِ لَجَّ بها القذى ولا تنجلي يوماً ولا تبلغُ العمى
كثير:
وأنتِ لعيني قُرّةٌ حين نلتقي وذكركِ في نفسي إذا خدرت رجلي
وإن رمدتْ عيناي يوماً كحلتّها بعينيكِ ،لم أبغ الذرورَ من الكُحلِ
العباس بن الأحنف:
من جاورتهُ جرى بالسعدِ طالِعهُ ومن رآها فلن يخشى من الرّمدِ
ابن زيدون:
هُمُ النّفَرُ البيضُ الذين وجوهُهمُ تروقُ، فتستشفي بها الأعينُ الرُّمدُ
علي بن جبلة العكوك:
بفتورِ عَينٍ مابها رَمَدٌ وبها تُداوى الأعينُ الرُمْدُ
أبو الفرج الببغاء في محبوب له أصابه الرمد-(يتيمة الدهر –الثعالبي ج1 ص319):
بنفسيَ ما يشكوه من راح طرفه ونرجسه مما دهى حسنه وردُ
أراقت دمي ظلماً محاسن وجههِ فأضحى وفي عينيه آثاره تبدو
غدت عينه كالخدِّ حتى كأنمّا سقى عينه من ماء توريده الخدُّ
لئن أصبحت رمداء مقلةُ مالكي لقد طالما استشفت بها مقلٌ رمدُ
عبد الرحمن شكري:
ويك إن النسيم قد يُرْمِدُ الطر ف بسافي التراب والأقذار
محمد مهدي الجواهري:
يحلو به التأريقُ والسهدُ وتصحّ فيه الأعينُ الرّمدُ
احدهم:
كونوا دواءً لعيني كُلّما رمدتْ وإن مسحتم عليها ترجعوا البصرا
أحدهم:
ورُبَّ جَهولٍ عَابني بمحاسني ويَقْبَحُ ضَوءُ الشمسِ في الأعينِ الرُّمْدِ
انفصال الشبكية Retinal detachment
من الناحية الطبية:
هو انفكاك شبكية العين عن الأنسجة الداعمة لها،وقد يكون الأنفصال جزئي،وقد يكون تاماً،وإذا لم تعالج بسرعة تسبب العمى.فالمرض حالة إسعافية وطبية طارئة.
يشاهد المرض غالباً في الأشخاص متوسطي الأعمار،أو المسنين.وهو غالباً وحيد الجانب وفي 15 % من الحالات ثنائي الجانب.
ومن الأعراض المشاهدة:الظهور المفاجىء للعوائم والومضات(ومضات ضوء قصيرة مفاجئة)،ونقص الرؤية الحاد.والذي يسبقه تغيم الرؤية ونقصان الرؤية الجانبية المحيطية،مع وجود ظل ساتر يغطي مجال الرؤية(وجود مفاجىء لنقاط سوداء،أو بقع،أو خطوط ضمن مجال الرؤية).وانفصال الشبكية في حد ذاته غير مؤلم.
والشبكية هي أحد أجزاء العين وهي طبقة رقيقة وحساسة للضياء،تسقط أشعة الضوء والمرائي عليها وتنتقل من خلال ألياف العصب البصري إلى مراكز الدماغ العليا.
وأهم أسباب انفصال الشبكية:
1 ـ اعتلال الشبكية السكري.
2 ـ الرضوض.
3 ـ داء الإيدز.
4 ـ التال لجراحة مرض الساد.وتبلغ النسبة بعد العملية حوالي16/1000 5 ـ .ويكون الخطر أكبر إذا ترافق ذلك مع قصر النظر الشديد.
5 ـ ارتفاع ضغط الدم الوخيم غير المراقب.
6 ـ قصر النظر الشديد(أعلى من 5 ـ 6 ديوبتر).
7 ـ أورام العين.
8 ـ التدخين.
من الناحية الأدبية:
أحمد أمين (حياتي – ص322-):
ويوماً من الأيام،وكل شئ يسير على طبيعته والحياة تجري على سننها ،والآمال مفتحة كعادتها ،والعمل يتبع نهجه المألوف ،فأنا عاكف على القراءة والكتابة والدرس والتحصيل والإنتاج ،وإذا بي فجأة أرى كأن نقطة سوداء على منظاري ،فأظنها أول الأمر نقطة ماء سقطت عليه فأمسحها ،ثم أضعه على عيني فأراها كما كانت . وإذا العيب في العين وليس العيب في المنظار . واليوم يوم وقفة عيد الأضحى والناس حتى الأطباء في شغل بأمر العيد ،فأبحث عن طبيب فلا أجده ثم أعثر عليه بعد لأي .هذا هو الطبيب يكشف على عيني وأنا واجف من النتيجة خائف أترقب ،والطبيب يفحص ويطيل الفحص بأدواته ،ثم تظهر في وجهه ملامح الكآبة وما يلبث أن يقول:
-خير لي أن أصارحك أن المرض انفصال الشبكية.
-هل لها من دواء يادكتور؟
-لا دواء إلا عمل عملية.
-هل هي قاسية؟
– نعم ،إنها تحتاج إلى شهر ونصف أو شهرين مغمّى العينين ،متخذاً وضعاً واحداً.
اضطربت لهذا النبأ وأحسست خطورة الموقف . وأكبر ما جال في نفسي شعوري بحرماني من القراءة والكتابة مدى طويلاً، وأنا الذي اعتاد أن تكون قراءته وكتابته مسلاته الوحيدة .
ولكن كثيراً ما يخطئ الطبيب فيشخص المرض على غير حقيقته ،فلعله واهم ،ولعله أخطأ التشخيص ،وكثيراً ما يحدث ،وكثيراً ما نسمع الأحاديث عن أطباء شخصوا فأخطأوا التشخيص ،وعالجوا فأسأوا العلاج ،فلأذهب إلى طبيب ثان وثالث من كبار الأطباء حتى استيقن المرض ،وهكذا فعلت ،ولكن –مع الأسف- كلهم أجمعوا على التشخيص وطريق العلاج.
بدأ الطبيب المعالج يباشر علاجه،فها أنا في المستشفى والطبيب يعصب عينيّ قبل العملية بأسبوع ،وها أنا ذا في ظلام حالك ليل نهار ،دنياي كلها ليل،بل أكثر من ليل ، فالجلسة محرمة ،والتقلب على الجوانب محرم،كأني قد شددت على السرير شداً ،بل أصعب من الشدّ ،لأن إرادتي هي التي تشدني ،فاحتملت في صبر،وبدأت أفكر في الدنيا وهوانها وسخافة الناس الذين يشغلون أنفسهم بالتافه من أمورها ،ويتحاربون ويتشاجرون على الحقير من متعها ،وهي عرضة في كل وقت للزوال،ولو عقلوا لما تخاصموا،ولا تحاربوا وكانوا إخواناً متحابين متعاونين ،يأخذون الأمور بهوادة وحكمة وحسن تقدير وتفكير في العواقب .
حاولت أن يكون ظلامي مضيئاً ،فلئن حرمت النور من العينين فليستتر قلبي،ولئن حرمت نور البصر فلتضئ بصيرتي ،ولكن كنت أنجح في هذا حيناً وأخفق أحياناً، فقد اختلف الإلف والعادة وكنت أشعر دائماً أن العينين هما الكوتان اللتان تطل منهما نفس الإنسان على الدنيا ،فإذا عدم النظر فقد أغلقت الكوتان،وحبست نفس الإنسان ،وأحياناً كنت أتردد بين الأمل في عودتي إلى ما كنت عليه وأن تجري الأمور في المستقبل القريب كما جرت في الماضي ،فأشعر بالطمأنينة والراحة ، وبين اليأس والخوف من الظلام الدائم ،فيستولي علي الفزع والهلع ،وأرهب ما يكون إذا تقدم الليل وانقطع الزوار وانصرف الأهل،ونام الناس ، واعتراني القلق ،وشعرت بالوحدة ،واستولت علي الأفكار المظلمة ،فاجتمع عليّ ظلام الليل وظلام النفس.
أستجدي النوم فلا يجدي،وأفزع إلى الأفكار المطمئنة فلا تسعف،وأعدّ ساعة الجامعة بالقرب مني ربعاً فربعاً، وتغفو عيني غفوة فأظن أن الليل انقضى ببؤسه وشقائه ،ثم أتسمّع إلى حركة الشارع لعلي أتبين منها قرب النهار ،فأسمع حركة عربات وسيارات ومارة فأتسأءل: هل الناس عائدون من آخر سهراتهم أو هم مستقبلون لبدء نهارهم ؟وهل هذه الحركة حركة متأخرة ،أو حركة مبكرة ؟ وأظل في هذا الشك زمناً بين رجاء أن يكون الصبح وخوف أن يكون الليل ،وإذا بالساعة تدق الحادية عشرة أو الثانية عشرة ،فأجزع من أني مقبل على ليل ليس له آخر ،وأنشد مع الشاعر :
ياليل بل يا أبدُ أغائب عنك غدُ؟
وأعزي النفس بأن حولي في الحجر المجاورة في المستشفى مرضى يتألمون ولا أتألم ، ويستغيثون ولا أستغيث،وأن بهم جروحاً و لاجروح بي ،ولكن سرعان ما تذهب هذه التعزية لأن الآلام متنوعة،وقد يكون ألم النفس أشد وقعاً من ألم الجسم .
لم يكن لي من العزاء أحسن من الإيمان ،فهو الركن الذي يستند إليه المرء في هذا الوقت الرهيب ،وبدونه يشعر كأن الهاوية تحت قدميه.
لو أدرك الناس هذا ما ألحدوا ،فالإلحاد جفاف مؤلم ،وفراغ مفزع ،ومحاربة للطبيعة الإنسانية التي فطرت على الشعور بإله ،والإرتكان عليه والأمل فيه،وإلا كانت الحياة جافة فارغة مفزعة منافية للطبيعة . وكان من المصادفة الحسنة أن حضر إلي أحد أبنائي الأوفياء وأحب أن يسليني بالقراءة لي بعض الوقت ،فكان مما اختاره لي كتاب “اعترافات تولستوي” ، فوقع في نفسي موقعاً جميلاً ،إذ رأيته يصور حياته وقد ركن أول الأمر إلى العقل وحده . وإلى العقل الواقعي لا غير،فأسلمه الإعتماد على المقدمات المنطقية المادية وحدها إلى الإلحاد ،وعدّ الدين خرافة من الخرافات ،ولكنه شعر بعد حين بأن الحياة لا قيمة لها وأنها فارغة من المعاني .
إن هذه الحياة المادية التي تركن إلى العقل الجاف وحده لا تستطيع أن تجيب عن الأسئلة الآتية : ما قيمة الحياة؟ مالذي يربط بين الحياة المادية المحدودة وبين ألابدية ؟ ومالذي يربط بين حياة الإنسان الجزئية والإنسانية الكلية؟ إلى مثل هذه الأسئلة … فكان لايجد في قضايا العقل وحدها جواباً ،وساءت نفسه وأظلم تفكيره ،وأدرك أن الحياة على هذا الوضع نكتة سخيفة ،وأنها لاتستحق البقاء،وحاول الإنتحار مراراً،وفي كل ذلك كان يهزأ بالدين ،ولا يريد أن يتجه إلى التفكير فيه ،واخيراً بعد الشقاء الطويل والعذاب الأليم اتجه إلى الدين لينظر كيف يحل هذه الأسئلة ،فرأى أنه وحده يفسر معنى الحياة ،ويربط الحياة الجزئية بالكلية،والنفس الفردية بالإنسانية ،فاطمأنت نفسه وانقلب متديناً.
فكان في هذا الكتاب عزاء لنفسي ومجال لبعض تفكيري ،وقارنت بين موقف تولستوي وموقف الغزالي ،فقد كنت قرأت له كتاب “المنقذ من الضلال”وكان مما حكى عن نفسه أنه مرّ بمثل هذا الدور ،شكّ في كل التقاليد الدينية ،واستعرض المذاهب المختلفة في الدين ، وأحب أن يركن إلى الفلسفة وحدها فلم تسعفه ،وإلى تعاليم الباطنية فلم يطمئن إليها، واستولى عليه الشك حتى غمره ،ووقع في ازمة نفسية حادة ،واحتقر سخافات الناس في التخاصم على المال والجاه والمنصب فنفر من كل ذلك .
وأخيراً بعد أن استحكمت أزمته النفسية وأخذت منه كل مأخذ مرض مرضاً شديداً ،ولا أشك أن مرضه الجسمي كان نتيجة لمرضه النفسي،ثم أفاق قليلاً قليلاً وإذا هو يخرج من هذه الأزمة كما خرج منها تولستوي متديناً بالقلب لا بالمنطق،وبالشعور النفسي الغريزي لا بالمقدمات الفلسفية،وإن كان الفرق بينهما أن تولستوي آمن بعد إلحاد، والغزالي آمن إيمان كشف بعد إيمان تقليد بينهما فترة شك.
ويأتي الطبيب بعد خمسة عشر يوماً من العملية فيذكر لي أنه سيكشف عن قاع العين غداً، فاسأله:ماهي الإحتمالات المنتظرة؟ فيقول: هناك احتمالان،إما أن تكون اعصاب العين لم تقو على الالتحام ،وإذ ذاك تكون العملية قد أخفقت ،وإما أن تبدأ في الالتحام فيكون هناك الأمل في النجاح.
أربع وعشرون ساعة تساوي اربعة وعشرين شهراً أو تزيد . انتظار للخيبة أو الرجاء ،وتردد بين اليأس والأمل،ثم لا ينفع بعد ذلك إلا الإيمان .
أحياناً أقول للنفس : ما هذا الجزع ؟ وما أنت والعالم وما عينك في الدنيا؟ هلا قلت :
هل أنت إلا إصبع دميتِ وفي سبيل الله مالقيتِ
إن الذي يوقعك في هذا التفكير المحزن هو انطواؤك على نفسك وتقويمك لها قيمة أكبر مما تستحق ،وهل أنت إلا ذرة صغيرة على هذه الأرض ماضيها وحاضرها ومستقبلها ؟ وهل الأرض كلها إلا هَنة من هنات العالم،فلتتسع نفسك وليتسع تفكيرك ولتقدر نفسك قدرها ولتفكر في خارجك أكثر مما تفكر في داخلك،فإذا أنا استغرقت في مثل هذا التفكير هدأت واطمأننت،ولكن سرعان ما تذهب هذه الصورة كما يذهب المنظر في فيلم السينما ، وتحل محلها صورة كئيبة حزينة جزعة،ولا تزال الصور تتعاقب،وكل صورة تطرد أختها ، والصورة مختلفة الألوان مختلفة الأشكال،بين هادئة وعنيفة ،وباسمة وباكية .
ونمت عندي حاسة السمع لتعوض ما أصاب أختها حاسة البصر،فكنت أعرف كل إنسان من صوته ومن أول كلمة ينطق بها ،فلا أحتاج إلى تعريف،حتى لأذكر أن صديقاً قديماً انقطعت بيني وبينه الأسباب منذ نحو خمسة عشر عاماً ،لم اره ولم يرني،زارني فما نطق بالسلام حتى عرفت من هو وهتفت باسمه .
وتكاثر الزوار وكانوا موضع الملاحظة والنقد والتقدير : هذا زائر يحدثك الحديث فهو بلسم هموم ،وموضع الماء من ذي الغلة الصادي،فيؤنسك ويسليك ،ويقول ما يحسن أن يقال . وهذا زائر قد عدم الذوق،فهو يراني في هذه الحال ويطلب إليّ إذا زارني صديقي فلان أن أرجوه في أن يمنحه الدرجة الرابعة،ويشكو إليّ تأخره عن زملائه ووقوع الظلم عليه ،ثم هذا زائر كريم قد انساه ما أنا فيه مابيننا من خصومات عارضة فداس هذه الخصومات بقدميه،وكان وفياً كريماً ،قد نسي الحديث التافه في الخصومة،وذكر القديم القويم من الصداقة،وزائر يحز المنظر في نفسه فتكاد دموعه تسيل على خديه لولا أن يجاهدهما ، وآخر يتجلد ويتصنع الثبات فإذا خرج سمعت نشيجه ،إلى ما لايحصى من مسموعات،وكل هذا يُخَزّنُ في النفس طول النهار وتستعيده الذاكرة طول الليل .
وأستعرض أحياناً أحوال من فقد بصره فأتأسى بها ،وأقول إن المسالة ليست مسألة بصر ، بمقدار ما هي مسألة نفس تتلقى الحادث . هذان مثلان بارزان : بشار بن برد وأبو العلاء المعري، فأما بشار فقد واجه فقد بصره في ثبات،وعاش كما يعيش ذوو الإبصار ،يمزح ويضحك ويقول إنه عدم العشق بالنظر فيعشق بالاذن ،ويستمتع بالحياة المادية ويستغرق في الشهوات كأقصى ما يفعله بصير،وهو قوي جبار لا يمسه أحد بسوء إلا نكل به وانتقم منه ،وهو عنيد فاجر ،لا يأنف أن يصف في شعره كل الصور التي لا يستطيع وصفها إلا البصير،من غبار النقع وجمال العين ولطف القوام ،فلا تكاد ترى في شعره أثراً من حزن على عين ،أو بكاء على حرمان منظر .
وأما أبو العلاء فأصابته نفس الكارثة فحزن واسترسل في الحزن،فأعرض عن لذات الحياة الدنيا . وبكى نفسه وبكى الناس وبكى كلُّ ما حوله وتحوّل هذا الحزن إلى سخط على الناس من الأصناف والألوان،من أمراء وقادة ورجال دين ونساء ووعاظ ومنجمين،فلم يسره شئ في الدنيا لأنه فقد السرور بالعين ،وحبس نفسه في البيت إذ لم ير نفسه صالحاً لأن يظهر أمام الناس وهو فاقد العينين ،بل أضاف إليه محبساً آخر وسمى نفسه رهين المحبسين : محبسه بفقد نظره ومحبسه في بيته،مع ذلك كله ملأ الدنيا بأثره،فقد انطوى على نفسه يستخرج منها كنوزاً من معارفه وتأملاته وتفكيراته،فا ستضاءت بصيرته بأكثر مما كان يضئ نظره،وتألم هو فلذّ الناس ،وفقد البصر فبصَّر الناس ،وكانت حياته نفعاً جماً في الإملاء والتأليف والتعليم والتفكير الحر الطليق لها لم يستطعه بصير .
وأنا لو أصبت في عيني – لاقدر الله -لكانت طبيعتي أشبه بطبيعة أبي العلاء لا بطبيعة بشار على بعد الفرق بيني وبينه في أنه خصب النفس غزير التفكير متعدد النواحي قوي النقد ،ولعل فقد البصر في الصبا أخف وقعاً من فقده في الكبر . فالصبي مرن ،نفسه كأعضائه ،سرعان ما تتشكل حسب الوظيفة وحسب الظروف،والكبير نفسه كعظام الهرم إذا صدعت صعب أن يجبر صدعها ،وما أبعد الفرق بين فقير عاش فقيراً طول حياته وفقير أصابه الفقر بعد أن عاش عيشة طويلة في الغنى .
أحاطوني بأنواع من المتع:فهذا الراديو بجانبي ولكني لا أستسيغ الغناء كما كنت أستسيغه قبلاً،ولا تهتم نفسي بالمحاضرات كما كانت تهتم بها ،إنما هو شئ واحد كنت أستمتع به في الراديو وهو دلالته على الصباح في اول إذاعته وسماع القرآن يهدئ الأعصاب فيبعث الطمأنينة .
هذا هو الطبيب بعد طول انتظار يفحص عيني ليرى نتيجة العملية وما يخبئه الغد وليقول كلمته الحاسمة،ثم يقول بعد طول الفحص : إن العين قد بدأ التحامها والحمد لله ،ولكن الأيام التالية أيام دقيقة تحتاج إلى شدة عناية وقلة حركة والتزام للنوم على جانب واحد ، إذ أقل مخالفة تفسد ما تمّ. فأهوى على الطبيب أقبله ،ثم لا ألبث أن استصعب الأوامر الجديدة وافتتاح درس في الصبر جديد بعد طول الصبر القديم ،فإلى الله أشكو وأضرع.
هذه هي الأيام تمر،وتبدأ النفس تفقد كثيراً من قوتها ،فهي تتأثر بما لم تكن تتأثر به، وتجزع مما لم تكن تجزع منه:هذا ابن يصاب بالزكام فلم اُصيب؟ وهذا ابن دخل الدور الثاني في الإمتحان فماذا تكون النتيجة ؟ وهذا ابن تخرج من مدرسته ولا يجد عملاً فلم لم يوظف ؟ وهذا ابن تأخر عن موعد حضوره فلم تأخر؟ وأصبحت الدنيا أوهام وتأثرات مفتعلة ،وإذا دنيا الإنسان ليست إلا مجموعة أعصاب إن سلمت وقويت ابتهج بالحياة ولم يتاثر كثيراً بأحداثها وإن تلفت تهدم كيانه وخار بنيانه .
هاهو الطبيب يرفع الرباط عن العين السليمة بعد نحو أربعين يوماً وهي في ظلام حالك ، ويبقي الرباط على العين المريضة ،فحتى هذه العين السليمة لا تكاد ترى إلا بصيصاً،من طول ما حرمت من أداء وظيفتها فلا تميز الباب من الشباك ،فما بال العين المريضة حين يرفع عنها الرباط ؟وأشكو ذلك إلى الطبيب فيقول: إن هذا طبيعي فالعين تسترد وظيفتها شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً.
وأضيق ذرعاً بالمستشفى وحياته الرتيبة،فما يجري في يوم يجري كل يوم ،والأصوات هي الأصوات والطعام هو الطعام ،والأنين حولي من كل جانب ،والأجراس تضرب من حين إلى حين ،والحركات لا تنقطع ليلاً ولا نهاراً.
وفي المستشفيات نقص لا يُلفت إليه ،فالأطباء يعنون بمقياس حرارة الجسم وتحليل مايريدون منه ،كما يعنون بنوع الغذاء الذي يلائم المريض أو لا يلائمه ،ولكن يفوتهم شئ هام جدا ربما كان أهم من ذلك كله ،وهو معالجة النفس . فلماذا لا يكون في المستشفى ممرضات للنفس كممرضات الجسم ،يؤنس المريض بأحاديثهن أو يقرأن له ويكون لهن من الثقافة ومن حسن ما يكون بلسماً للنفوس وشفاء لما ينتابها من ضيق وكآبة . وذكرت ذلك لمدير المستشفى فأقرني على ملاحظتي واستصعب تنفيذها لأسباب ذكرها .
لذلك سألت الطبيب أن ينقذني من المستشفى في أقرب وقت ممكن،مع كل ما كان يحمد فيه من نظافة ورعاية ودقة وإتقان .وصرح لي الطبيب أن أخرج على شرط أن يحاط الخروج بكل عناية ،فلا حركة عنيفة ،ولا اهتزازاً يرج الجسم ،حتى إذا وصلت إلى البيت حملت في محفة إلى أن وضعت على السرير وضعاً ،وكنت إذا تحركت فحركة خفيفة في أناة وهوادة ،ثم بدأت أتعلم المشي كما يتعلمه الطفل ،فلا اكاد أخطو حتى يعتريني الدوار فأعود إلى السرير ثم اعاود المشي . وفي يومين أو ثلاثة استطعت أن أمشي مترين أو ثلاثة ،ولا يسمح لي بالخروج من الغرفة .
ثم يسمح لي بالانتقال إلى غرفة مجاورة ،ثم يسمح لي أن أمشي في مستوى واحد ، فلا أنزل سلماً ولا أطلع سلماً،وأنتهي من هذا الدور كله وتضئ العين تدريجاً ويشفى الجسم تريجاً ،ولكني أجد نفسي مستعصية على الشفاء ،فهي متبرمة من كل شئ منقبضة أشد الأنقباض ،فأستدعي طبيب الجسم مرة ومرتين وثلاثاً فيفحص ويطيل الفحص ثم يقول إن الجسم سليم .فضغط الدم جيد والصدر جيد والأعضاء كلها على أحسن حال ، ولكن المسألة مسألة نفسك أنت وأنت القادر على مداواتها .غير اني لا أجد لها دواء . وأحلل أسباب ذلك فأرجعها إلى أمرين : أولهما أن طول الرقدة مع الظلام قد هدّ أعصابي ، وثانيهما أن طبيب العيون لا يزال يمنعني من القراءة والكتابة وكانت حياتي كلها قراءة وكتابة ،فلما حرمتهما أحاطني فراغ رهيب مخيف ،والفراغ أدهى ما يمنى به الإنسان . فليس في الحياة سعادة إلا إذا ملئت بأي نوع من أنواع الامتلاء ،جد أو هزل ،وعمل أيا كان نوعه . فإذا طال الفراغ فالوبال كل الوبال . إن فارغي العقول معذورون في أن يملأوا فراغهم بنرد وشطرنج أو أي حديث ولو كان تافهاً لأنهم يشعرون بثقل الفراغ ،والحياة لا تلذ إلا بنسيانها ،وخير لذة مانسى الإنسان فيها نفسه واستغرق فيها حتى نسي التلذ ذ بها ،فلو فكر لاعب النرد والشطرنج في أنه يتلذذ بهما لفقد لذته وخير أنواع اللذائذ العقلية ما استغرق فيها الإنسان بتأمله وتفكيره حتى مر عليه الوقت الطويل دون أن يشعر ،ففراغي هو أهم أسباب ضيقي ،وأهم اسباب أزمتي النفسية . ولقد اعتدت أن أعتمد على الكتب أتخير مؤلفيها ،وأصغي إلى حديثهم ،وأستلهم ما يقولون ،وأفكر فيما يعرضون . فلما عدمت هذا الركن الذي أرتكن عليه واحتجت إلى دعامة أخرى أستند عليها . وتلمستها فيمن يقرأ لي ويكتب لي ،ولكن لابد من زمن حتى آنس بهذا الاعتياد الجديد ،ثم هذا كله لا يعني غناء الاعتماد على النفس ،فقد أحتاج إلى قارئ في وقت فألتمسه فلا أجده وقد يكون القارئ الكاتب ولا رغبة لي في قراءة ولا كتابة،وقد أحتاج إلى قارئ من نوع معين ولا أجده على كل حال ارتبكت النفس وطال اضطرابها.
وأدخل المكتبة لذكري الماضي فيزيد ألمي . غذاء شهي وجوع مفرط ،وقد حيل بين الجائع وغذائه . وأتساءل: هل يعود نظري كما كان فأستفيد منها كما كنت أستفيد؟ وهذه الآلاف من الكتب آلاف من الأصدقاء ،لكل صديق طعمه ولونه وطرافة حديثه ،وقد كان يمدني بالحديث الذي يحسن حين أشير إليه ،فاليوم أراهم ولا أسمع حديثهم ،ويمدون إليّ أيديهم ولا أستطيع أن أمد إليهم يدي.
ثم إني أشعر شعوراً غريباً بحب الضوء وكراهية الظلام ،فأحب النهار وأكره الليل ،وأحب من الألفاظ كل ما يدل على الضوء ،وأكره منها كل ما يدل على الظلام،وأحب النهار تطلع شمسه ،وأكره السحاب يغشى الشمس ،ومن أجل ذلك وضعت بجانب سريري زراً كلما شعرت بالظلام ضغطت عليه فأضاءت الحجرة .
وأهم ما لاحظته اختلال ما كان عندي من قيم لشئون الحياة ،فأستعرض كثيراً مما كنت أقومه فلا أجد له قيمة،وتعرض عليّ متع الحياة المختلفة فلا أجد لها وزناً،وتعرض عليّ أخبار الناس يسلكون في الحياة سبلاً مختلفة ،فأهزأ بكل ذلك .
ثم لما فقدت قيم الأشياء التي اعتدتها لا أزال حائراً في وضع أسس جديدة لقيم جديدة ولما استقر بعد على رأي . لقد أفادتني هذه التجربة المرة أن خير هبة يهبها الله للإنسان مزاج هادئ مطمئن،لا يعبأ كثيراً بالكوارث ،ويتقبلها في ثبات ويخلد إلى أن الدنيا ألم وسرور ووجدان وفقدان ،وموت وحياة ، فهو يتناولها كما هي على حقيقتها من غير جزع ،ثم صبر جميل على الشدائد يستقبل به الأحداث في جأش ثابت ،فمن وهب هاتين الهبتين فقد منح أكبر أسباب السعادة .
وأخيراً لم أستفق مما أصابني من تدهور حالتي النفسية إلا بعد سنة تقريباً. أما عيناي فاليمنى منهما قد استردت قدرتها كما كانت وهي السليمة التي لم تجر فيها عملية ،وأما اليسرى وهي التي أجريت فيها عملية الشبكية ،فقد قال الطبيب إن عملية الشبكية قد نجحت ،ولكن يمنعها من الإبصار أن بها مرضاً أخر وهو الماء الأبيض أو ما يسمونه “الكاتاركت” وأنه لا يصح عمل عملية فيها إلا بعد أن يتجمد هذا الماء ،وتجمده ليس له زمان محدود ،وهو يختلف باختلاف الأشخاص،وأن العين ستزيد ظلاماً كلما تحرك الماء نحو إنسان العين ،وفعلاً قد مضى الأن على العملية نحو سنتين وزادت العين ظلاماً حتى كادت لا ترى ،والطبيب يخبرني أنها قاربت التجمد وبعدها يجري العملية . وقد عرضت عيني على طبيب أخر مشهور فقال إن العملية لم تنجح أو على احسن تقدير إن الشبكة التأمت أولاً ثم انفصلت ولا أمل في العين والعوض على الله .
من أجل ذلك ضعفت قدرتي على القراءة والكتابة مع الرغبة الشديدة فيهما ،واضطررت أن أستعين بعض الوقت بمن يقرأ لي ويكتب ،وقد اعتدت على الإملاء بعض الشئ ولم أكن احسنه أول الأمر ،لأني طول حياتي العلمية كنت لا أعتمد على نفسي فيهما ،وذهني يدرك بالعين مالا يدرك بالسمع ،وأفكاري ترد على قلمي أكثر مما ترد على قلم غيري ، وذهني كثير الشرود عندما أسمع وقراءة العين تحصره ،وفكري بطئ إذا أملى . وكنت إذا أمسكت القلم تواردت علي المعاني وأسرع قلمي في تقييدها ” انتهى.
الشتر
طبياً:
في الحالة الطبيعية فإن الجفنان العلوي والسفلي يغلقان بإحكام كرة العين حتى لاتصاب بالأذيات المختلفة،وكذلك لمنع تبخر الدموع.وهناك أمراض تصيب الجفنين وتمنعهما عن هذه الوظيفة ويسمى داء الشتر.وله نوعان:
الشتر الداخلي:Entropion هو انقلاب جفن العين إلى الداخل،بحيث يحدث احتكاك لرموش العين والجلد مع كرة العين،وهذا يسبب تهيجاً وشعوراًُ بعدم الراحة مع حدوث تقرح وتندب القرنية.وفي كثير من الحالات يحدث الشتر الداخلي بعد الإصابة بمرض الحثر أي التراخوما والذي يشكل ندوباً في باطن الجفن تؤدي إلى انكماش الجفن وحدوث الشتر الداخلي.
الشتر الخارجي:Ectropion انقلاب الجفن إلى الخارج،مما يؤدي لبقاء سطح الجفن الداخلي مكشوفاً،ولا يتمكن الجفنان من الانطباق تماماً،وبالتالي فإن الدموع لن تتوزع بشكل متساو على كامل مقلة العين،وتكون العين عرضة للتهييج.ويشاهد عند كبار السن خاصة،ويصيب بشكل عام الجفن السفلي فقط.
من الناحية الأدبية:
جاء في شرح الحماسة للمرزوقي(الهامش والحاشية-ص149):
“الأشتر النخعي:هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث،شهد مع سيدنا علي الجمل وصفين وغيرها،ولقب بالأشتر لأن رجلاً ضربه يوم اليرموك على رأسه فسالت الجراحة قيحاً إلى عينه فشترتها .
يقال لمن به لَقوة أو شَتَر (انقلاب في جفن العين): يا لطيم الشيطان . وكان عمرو بن سعيد بن العاص يُلقب بذلك (ثمار القلوب للثعالبي ص75) ولما بلغ عبد الله بن الزبير خبر فتك عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد قال في خطبته :بلغنا أن أبا الذِّبان قتل لطيم الشيطان ،{وكذلك نُولّي بعضَ الظالمينَ بعضاً بما كانوا يكسبون}[الأنعام 129] . وكان عبد الملك يكنى أبا الذّبان لشدة بَخَره وموت الذبان اذا دنت من فمه (نفس المرجع)
أبو العباس بن حنون :
يا طلعة أبدتْ قبائحَ جُمّة فالكلُّ منها إن نظرتَ قبيحُ
أبعينك الشتراءَ عينٌ ثرَّةٌ منها ترقرق دمعها المسفوحُ
شُتِرَتْ فقلنا: زورقٌ في لُجَّةٍ مالت بإحدى دفتيهِ الريحُ
وكأنمّا إنسانها ملاّحها قد خافَ من غرقٍ فظلَّ يميحُ
الشحّاذ
من الناحية الطبية:الشحاذ Stye
ويسمى أيضاً جنجل العين:أو الشعيرة:وهو عبارة عن التهاب يصيب الغدة الدهنية الموجودة على طرف الجفن.أو الغدة العرقية المعروفة بغدة مول.ويظهر المرض بشكل نتوء صغير مائل للإصفرار على حافة منتصف الجفن العلوي أو السفلي يشبه الدمل.وهو مرض لايؤدي إلى أضرار دائمة،ويستمر عادة 7 ـ 10 أيام ويتراجع بدون علاج.
من الناحية الادبية:
خليل مطران:
شكتْ عارضاً في الجفنِ ناءَ بحملهِ يُشاكِلُ تحتَ الهُدْبِ عالقةَ الحَبِّ
فقالتْ لحاهُ الله ضيفاً مُشوِّهاً يُسمونّهُ الشّحاذُ في لغةِ الطبِّ
فقلتُ لها عطفاً عليه وإن جَنى نعم هو شَحاذٌ ولكنّهُ قلبي
فقالتْ وماذا يبتغي فأجبتها سما يستجيرُ الطرفَ من ألم الضّربِ
العمش أو الرمص
من الناحية الطبية:
العمش أو الرمص أو العماص Rheum: إفرازات تخرج من العين وهي تتألف غالباً من مادة المخاطينMucin الذي يفرز من القرنية أو الملتحمة. وهذه تجف وتسبب قشرة في زاوية العين أو الفم،أو على الجفون أو تحت الانف. … وأكثر ما تشاهد صباحاً عند الاستيقاظ من النوم.
ومن أهم الاعراض المشاهدة:الإفرازات بلون أصفر أو مخضر أحياناً،عدم وضوح الرؤية،الحساسية تجاه الضياء،ألم العين،تورم الجفن واحمرار العين.
ولكن الإفرازات المتكررة والمستمرة قد تشير إلى مرض في العين وخاصة بسبب:
! ـ التهاب الملتحمة: بأشكاله المتعددة كالفيروسي أو الجرثومي أو التحسسي ..وهو من أهم أسباب الرمص وتكون الإفرازات مصلية أو مخاطية أو قيحية وتشكل قشرة على طول خط الرموش وخاصة أثناء النوم Sleep crust.
2 ـ التهاب الجفن:وهو ينجم غالباً عن التهاب يصيب بصيلات الشعر في الرموش (الأهداب).
3 ـ التهاب كيس الدمع:وذلك بسبب انسداد قناة الدمع.
4 ـ قرحة القرنية:لأسباب مختلفة.
5 ـ العدسات اللاصقة:حيث قد تسبب التهاباً في العين أو حدوث نوع من الجفاف في العين مع تهيجها،واحمرارها.
من الناحية الادبية:
وقع بين الأعمش وامرأته وحشة،فسأل بعض أصحابه من الفقهاء أن يرضيها ويصلح ما بينهما ،فدخل عليها وقال: إن أبا محمد شيخ كبير فلا يزهدنَّك فيه عمش عينيه،ودقة ساقيه،وضعف ركبتيه،وجمود كفيه، فقال له الأعمش: لقد أرأيتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.
أبو تمام:
دع ابنَ الأعمشِ المسكين يبكي لداءٍ ظَلَّ منهُ في وثاقِ
فَصُفرةُ وجههِ من غيرِ سُقْمٍ تَنُمُّ على الشقي بما يلاقي
كُحِلتْ بِقُبحِ صورَتِهِ فأضحى له إنسانُ عيني في السّيِاقِ
مَساوٍ لو قُسِمنَ على الغواني لما جُهِّزنَ إلا بالطلاقِ
محمد البزم:
وليسَ يضيرُ الشمس مقلةُ أخفش يروحُ بأضواء الضحى يتعثرُ
العور
من الناحية الدينية:
الأعور الدجال:
ظهور الأعور الدجال أحد أشراط الساعة الكبرى،وأعظم الفتن منذ خلق الله آدم عليه السلام،إلى قيام الساعة.وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه في أكثر من ثلاثين موضعاً،مبيناً خطره تارة،ومحذراً منه حيناً،ومما جاء في الأحاديث النبوية:
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”بادروا بالأعمال سبعاً،هل تنظرون إلا فقراً مُنسياً،أو غنىً مُطغياً،أو مرضاً مُفسداً،أو موتاً مُجهزاً،أو الدجال،فشرُّ غائبٍ يَنتظر،أو الساعة،فالساعة أدهى وأمرّ“[حديث ضعيف]
ـ “إن الأعور الدجال ـ مسيح الضلالة ـ يخرج من قبل المشرق ،في زمان اختلاف من الناس وفرقة،فيبلغُ ماشاء الله من الأرض في أربعين يوماً،(الله) أعلُ ما مقدارها،الله أعلم ما مقدارها(مرتين)ويُنزلُ (الله) عيسى ابن مريم،فيؤمهم،فإذا رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده،قتل الله الدجال وأظهر المؤمنينا“[رواه أبو هريرة وصححه الالباني].
ـ وجاء في الحديث النبوي الذي أخرجه مسلم:”قلنا:يارسول الله وما لبثه في الأرض؟قال: أربعون يوماً:يوم كسنة،ويوم كشهر،ويوم كجمعة،وسائر أيامه كأيامكم.قلنا:يارسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟قال: لا،اقدروا له قدره.”.
ـ “ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب،ألا إنه أعور،وإن ربكم ليس بأعور“.[ أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه]
ـ عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”من سمع من الدجال فلينأ منه،من سمع من الدجال فلينأ منه، فإن الرجل يأتيه يحسب أنه مؤمن فما يزال به لما معه من الشُّبه حتى يتّبعه“[أخرجه أبو داود وأحمد وإسناده جيد].
ـ وجاء في صحيح مسلم:”يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين.فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه”.
وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من السبل للخلاص من الدجال ومنها:
1 ـ قراءة فواتح سورة الكهف.قال صلى الله عليه وسلم:”فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف”.[أخرجه مسلم]
2 ـ وقال صلى الله عليه وسلم:”لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال،معه نهران يجريان،أحدهما رأيَ العين ماءٌ أبيض،والآخر رأيَ العين نارٌ تأجّج،فإما أدركهنَّ،واحدٌ منكم، فليأت النهر الذي يراه ناراً،ثم ليغمس،،ثم ليُطاطىء رأسهُ فيشربُ ،فإنه ماء ٌبارد،وإنّ الدجالَ ممسوح العين اليسرى،عليها ظَفرةٌ غليظة،مكتوبٌ بين عينيه(كافر) يقرؤه كل مؤمن، كاتبٌ وغير كاتب“.[رواه حذيفة بن اليمان وصححه الألباني]
3 ـ التعوذ منه:فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا تشهدَ أحدكم فليستعذ بالله من أربعٍ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم،ومن عذاب القبر،ومن فتنة المحيا والممات،ومن شرِّ فتة المسيح الدجال“[أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
من الناحية الأدبية:
ابراهيم النخعي : أحد سادة التابعين وفقيه العراق . كان رجلاً نحيفاً أعور،خرج ذات مرة وكان بصحبته الأعمش يمشي معه ،فقال النخعي لسليمان الأعمش إذا رأونا قالوا: أعور وأعمش .. فقال سليمان الأعمش : وما عليك أن يأثموا ونُؤجَر؟ فقال النخعي: وما عليك أن يسلموا ونسلم (العقد الفريد ج1 ص148)
جاء في مجلة الفيصل العدد 53 ص145:
“ثابت بن كعب ،ولقب قطنة لأن سهماً أصابه في أحد عينيه فذهب بها ،وكان يجعل عليها قطنة، ولي ثابت عملاً من أعمال خراسان ،فلما صعد المنبر رام الكلام فتعذر وحصر،فقال سيجعل الله بعد عُسرٍ يُسراً وبعد عي بياناً وأنتم إلى أمير فعّال أحوج منكم إلى أمير قَوّال :
وإلا أكن فيكم خطيباً فإنني بسيفي إذا جَدَّ الوغى لخطيب
فبلغت كلماته خالد بن صفوان فقال: والله ما علا المنبر أخطب منه في كلماته هذه،ولو أن كلاماً يستخفني ويخرجني من بلادي إلى قائله استحساناً لأخرجتني هذه الكلمات إلى قائلها”.
المتنبي يهجو :
فيا ابنَ كروَّس،يا نصفَ أعمى وإن تفخر فيا نصفَ البصيرِ
تُعادينا لأنّا غيرُ لُكنٍ وتُبغضنا لأنّا غيرُ عورِ
فلو كنتَ امرءاً يُهجى هجونا ولكن…ضاقَ فِترٌ عن مسيرِ
الأخطل يهجو سعيد بن بيان وكان أعوراً بديناً وله زوجة جميلة :
وكيف يداويني الطبيب من الجوى وبرة عند الأعور بن بيان
(اسم الزوجة)
ويلصق بطناً منتن الريح مُجزراً إلى بطن خود دائم الخفقان
تميم بن ابي مقبل وكان أعوراً ،عابتا ابنتا عَصَر العقيلي فأجابهما:
قالت سليمى ببطن القاع من سُرُج لا خير في المرء بعد الشيبِ والكِبرِ
واستهزأت تِربها مني فقلت لها: ماذا تعيبان مني يا ابنتي عَصَر
لولا الحياءُ وباقي الدين عِبتكما ببعضِ ما فيكما إذ عبتما عَوري
غؤور العيون
من الناحية الطبية:
غؤور العين Enophthamos:هو دخول العين للداخل باتجاه الجمجمة أي انزياح العين إلى داخل المحجر.وهذا قد يكون سببه خلقياً منذ الولادة،أو مكتسباً بسبب أمراض عديدة.
ومن أهم الأمراض التي تسبب غور العيون:حالات الإرهاق الشديد،والأمراض المدنفة المزمنة مثل داء السل أو الأورام الخبيثة،وحالات سوء التغذية الشديدة،وهناك أمراض نادرة قد تسببه ومنها متلازمة هورنر…
من الناحية الأدبية:
محمد مهي الجواهري:
وأجفانٌ ترِفُّ على عيونٍ تغورُ كما تغوّرتِ الكهوفُ
جاء في كتاب”سحر العيون”:الباب الخامس في وصف العين وأسماء أجزائها وعيوبها الخلقبة وغيرها.قال المؤلف:
“اعلم يا نور الأعيان،وأعزَّ من إنسان عيون الأجفان،أن”مقلة العين” في اللغة هي:الشحمة التي تجمع السوادَ والبياض،سُميّت بذلك من قولهم:مقلتُ الرّجلَ في الماء:إذا غوّصته فيه،وتماقل الرجل في الماء:إذا غاص فيه،وتماقل الرجلان في الماء:إذا تغاوصا فيه ليُعلم أيهما أصبرُ على الغوص،فلما كانت حبّة العين غائصة في مائها سميّت:المقلة،ويقال: ما مقلتْ عيني مثل فلان:أي مانظرت،قال الشيخ شهاب الدين أحمد الحاجبي:
لها عينٌ لها غزلٌ وغزلٌ مُكحلةٌ ولي عينٌ تباكتْ
وحاكتْ في فعايلها المواضي فيالك مقلةً غزلتْ وحاكتْ
و(الحدقة):هي السواد الأعظم في العين،سميت بذلك لأن البياض مُحدقٌ بها،ويقال: أحدق القومُ به،وحدقوا به ـ لغتان ـ أي:أطافوا به من جميع نواحيه.وقال الشريف الرّضي:
يا قلبُ مالكَ لا تفيقُ وقد رأت عيناكَ كيفَ مصارعُ العشّاقِ؟
فتكت بك الحدقُ المراضُ ولم تزل تُشجى القلوبَ جنايةُ الأحداقِ
و(الناظر):السواد الأصغر الذي يبصر فيه الرائي شخصه،والعرب تقول:هو مثالها،وإنسانها،ودوابها،وناظرها،وبصرها،وضيّها،وغيرها ولُعبتها،وبؤبؤها،وتمثالها،وسوادها،وحبُّها،ومذلكها.
قال ابن مطرفٍ:وهذه الأسماء كلّها لموضع البصر الذي في حاسّة البصر،والجمع:نواظر،وليس الذي يرى الرائي صورة نفسه في ذلك الماء لصفائه،ويستدل على صحة الحاسّة بما تخيّل فيه.
و(الناظران):عرقان في العين يسقيان الأنف،يقال إنه لمرتفع الناظرين،ويقال للذي استحيى من أمر:خفض له ناظريه،والناظر يجمع على نواظر.قال شارح كتاب الفصيح:نظرت لعيني،ونظّرت:انتظرت وتنظّرت.
و(نظرتُ) بمعنى:رحمتُ وتفكّرت.وأنظرتُ الرجل:أخّرته،وأنظرته:جعلته ينتظرني،وقوله تعالى{انظرونا}أي أمهلونا.قال الشيخ برهان الدين القيراطي:
يا قاتلي بنواظرٍ أجفانها ب سيوقها الأمثالُ فينا تُضرَبُ
قلْ للغزالِ أو الغزالة إذ رنتْ أو لاحَ يهربُ ذا،وتلكَ تغيّبُ
و(الحماليق):هي بواطن الأجفان،واحدها حملاق.قال ابن مطرفٍ:هي التي تراها إذ قلبت للكُحل محمرةً.وقال الزبيدي:الحماليق:نواحي العين،ويقال لمؤخرى العينين مما يلي الصدغين:الحقيمان،الواحد حقيم.
و(الأشفار):هي حروف الأجفان التي ينبتُ عليها الشعر،والواحد:شَفرٌ،ومنه شفير الوادي،وشفير كل شىء حرفه.
قال الشيخ جمال الدين بن نباتة:
إذا كانَ شَفرُ العينِ فوقَ كحلّها فعندي أنا الأشفارُ خيرٌ من العينِ
و(الأهداب):الشعر النابت عليها،واحدها:هدب،قال الشيخ برهان الدين:
أهدابُ لحظِكَ للورى شرَك فمنْ أوثقتهُ فيهنَّ لا يتَفلّتُ
كيفَ النجاةُ ورمحُ قدِّكَ مُشرعٌ؟ كيفَ الخلاصُ وسيفُ لحظكَ مُصْلَتُ؟
و(المحجر):مادار بالعين،وهو ما يبدو من البرقع والنِّقاب،وجمعها محاجر،ويقال: مَحَجر ومِحِجر،وإنّما سُمي محجراً لأنه مفعل من الحجر وهو المنع،فكأنه مانعٌ عن العين من جميع جهاتها،ومنه الحجرة المحيطة بالجُدر،والجمع:الحجرات.قال الأمير سيف الدين المشدّ:
إنَّ العيون لك الحصون:فَهُدبها شُرفاتُها،وجفونها الأسوارُ
وكذا محاجرُها:الخنادقُ حولها والحافظونَ بها هم الأنوارُ
و(الماق) و(الموق):هو طرف العين مما يلي الأنف،وهو مخرج الدمع من العين،ولكل عين موقان،وفي الموق وفي جمعه لغاتٌ كثيرة،يقال: مأق،وجمعه آماق، وموق وجمعه أمواقٌ وأماقٍ ومآق،.والمقية لغةٌ في الماق أيضاً،والجمع مُقي.والماق: مقدّمها،وقيل:الموق مؤخر الهين،وماقٌ يجمع على مَواقٍ مثل قاضٍ وقواضٍ.قال المتنبي يمدح كافور الإخشيدي:
قواصدُ كافورٍ تواركُ غيره ومن وردَ البحرَ استقلَّ السّواقيا
فجاءت به إنسانَ عينِ زمانهِ و خلّتْ بياضاً خلفها و(أماقيا)
و(الألحاظ):جمع لحظٍ،وهو مؤخر العين الذي يلي الصدغ وجمعها لحاظٌ،ولواحظ.فأما اللحظة فهي النظرة،وجمعها لحظات في القليل،واللحظ في الكثير،ويجوز أن يجعل موضع اللحظة.يقال: لحظ العينـ مثل رأي العين ـ ويقال لحظ السماء بطرفه يلحظ لحظاً فهو لاحظ.
قال شيخ الشيوخ الأنصاري بحماة:
يا نظرةً قد جلَتْ لي حسنَ طلعته حتى انقضت وأدامتنا على وَجلِ
عاتبتُ إنسان عيني في تَسرُّعهِ فقال لي: خُلِقَ الإنسانُ من عجلِ
و(الطرف):هو ما مالَ بأحد السّوادين:السواد الأعظم،والسواد الأصغر.قال ابن مطرف:”طرف العين تحرُّكُ أشفارها”،ويقال: طرفة عين،والعين المطروفة منه مأخوذ،وهو أن يصيب سوادها شىءٌ فيتأذى صاحبها به،وربما أبطلها.وهي”الطّرفة” قال الشيخ علاء الدين الوداعي:
كم دماء مطلولةٍ في هواهُ وبها وردُ خدِّهِ مطلولُ
وحديثِ من السقام صحيح قد رواهُ عن طرفهِ مكحولُ
و(القَبلُ):هو ميل الحدقة في النظر إلى الأنف.قال ذو الرّمة:
أشتهى في الطفلة القَبلا لا كثيراً يشبهُ الحَولا
وقال جرير:
وما زالت القتلى تمجُّ دماءها بدجلة حتى ماء دجلة(أشكلُ)
جحوظ العين:
من الناحية الطبية:
إن جحوظ العينين Exophthalmos هو بروز العين إلى الأمام،وله أسباب عديدة ومنها:
1 ـ قصر النظر الشديد.
2 ـ شلل في الأعصاب والعضلات المحركة للعين.
3 ـ التهاب في الأنسجة المحيطة بالعين وما خلفها.
4 ـ فرط نشاط الغدة الدرقية أو مايسمى متلازمة بازدو.
5 ـ النزيف الشديد وراء العين.
6 ـ أورام خلف مقلة العين.
7 ـ كسور في عظم الجمجمة المحيط بالعين.
من الناحية الادبية:
الجاحظ:أبو عثمان عمرو بن بحر البصري المعروف بالجاحظ(159 ـ 255هجري):
أديب عربي كبير،ولد في البصرة وتوفي بها،وهو من أئمة كتاب الأدب في العصر العباسي،ومن مؤلفاته:البيان والتبيين،وكتاب البخلاء.
يقول ابن خلدون عند الكلام على علم الأدب فإن أركانه أربعة كتب:أدب الكاتب لابن قتيبة،والكامل للمبرد،والبيان والتبييين للجاحظ،والأمالي للقالي.
2 ـ أمراض القلب
نظرة تشريحية وظيفية:
يبلغ وزن القلب عند الذكر البالغ 300غرام،وعند الأنثى حوالي 250غرام،ويتألف من أربعة تجاويف:الأذينان الأيمن والأيسر،والبطينان الأيمن والأيسر.ويقع القلب في المنصف الأوسط،في مستوى الفقرات الصدرية من الخامسة إلى الثامنة.يتوضع السطح الخلفي للقلب بالقرب من العمود الفقري،وأما السطح الأمامي فيتوضع خلف عظم القص وغضاريف الأضلاع،والجزء العلوي من القلب هو نقطة الارتباط بالعديد من الأوعية الدموية الكبيرة وهي الوريد الأجوف العلوي والشريان الأبهر،والجذع الرئوي.والجزء الأكبر من القلب يميل إلى الجانب الأيسر من الصدر،والقلب الأيسر أقوى وأكبر من الأيمن لأنه يقوم بضخ الدم إلى الدوران العام.
وتبلغ سماكة البطين الأيمن حوالي5،سم،والأيسر 1،5سم،وأما أطوال أقواس الدسامات فبالنسبة لمثلث الشرف(بين الأذينة اليمنى والبطين الأيمن) يبلغ 12سم،والدسام التاجي10 سم(مابين الأذينة اليسرى والبطين الايسر)،والدسام الرئوي 8،5سم(مابين البطين الأيمن والدوران الرئوي)،والدسام الأبهري 7،5سم(مابين البطين الايسر والدوران الجهازي).
إن هذه الدسامات مؤهلة لأن تتحمل قلس الدم أثناء الثورة الإنقباضية،وقد جهزت هذه الدسامات في حوافها بعقيدات ليفية صغيرة تلتصق ببعضها بحيث يتم اكتمال انسداد الفوهو الدسامية وبالتالي مقاومة موجات الدم القلسي وتدعى هذه العقيدات جسيمات آرانتي.وينشأ عن العضلات الحليمية ما يسمى الأوتار الحبلية وهي تنقسم إلى شرائط رقيقة شعرانية،تندمج مع الحواف الحرة للوريقات الدسامية الأذينية ـ البطينية،وإن ازدياد سماكة هذه الحبال الوترية من العلامات الهامة في التهاب الشغاف الرثوي.
ويحيط بالقلب غشاء التأمور،والذي يحتوي بين وريقتيه الجدارية والحشوية على 30 مل من سائل مصلي رائق.وهو يعلق القلب بالمنصف.
إن خلايا العضلة القلبية غنية بالمتقدرات(الميتوكوندريا)والتي تساهم بأفعال الأكسدة الحيوية،وإن ليف العضلة القلبية الفرد يترافق عادة مع شعريات دموية خاصة به،وإن هذا التوزع ذو أهمية خاصة في حالات نمو ألياف عضلة القلب،بحيث أن الألياف المتضخمة السميكة قد تفوق في نموها مقدار التوعية الدموية الخاصة بها.
ومن الناحية الوظيفية يضخ القلب بعمل مستمر تنظمه خلايا ناظمة للخطا في العقدة الجيبية الأذينية،حيث تتشكل منها سيالات تسبب تقلص عضلة القلب،وينتقل هذا التقلص إلى العقدة الأذينية البطينية.ومن ثم عبر الجهاز الموصل للقلب.
يدخل الدم الوريدي عبر الوريدين الأجوفين العلوي والسفلي إلى الأذين الأيمن،ومن ثم من خلال الدسام مثلث الشرف إلى البطين الأيمن.ويتم ضخ الدم من البطين الأيمن عبر الدسام الرئوي إلى الرئتين،وهناك يتلقى الأوكسجين الكافي ويطرح ثاني أوكسيد الكربون.ويعود الدم المؤكسج إلى الأذين الأيسر ومنه يمر عبر الدسام التاجي إلى البطين الأيسر،ومن ثم يتم ضخه عبر الدسام الأبهري إلى الأبهر وفروعه ومن ثم باقي الجهاز الدوراني العام.
إن للقلب قدرة كمونية عالية يستطيع بواسطتها أن يتكيف مع الجهود الزائدة اللازمة التي قد تتطلب منه،كما هو الحال في التمارين الرياضية وأثناء الحمل،والشدات …وإذا عجز القلب عن الإيفاء بمستلزماته تجاه هذه الطلبات الزائدة فإن هذا لا بد أن يكون بسبب أحد العوامل التالية:
1 ـ تبدلات في مقدار العود الوريدي
2 ـ نقص حجم نتاج القلب الإنقباضي:وهذا قد يكون بسبب أذية عضلة القلب كما هو الحال في الاحتشاء،أو بسبب زيادة المقاومة المحيطية .
تروية القلب:
إن الشرايين الإكليلية الأيسر والأيمن هي شرايين انتهائية،وعلى الرغم من وجود تفاغرات عديدة،فإن هذه المفاغرات ليس لها أهمية وظيفية إذ أنها لا تستطيع أن تؤمن سنداً لعضلة القلب حين انسداد أحد الشرايين الرئيسية.
إن الشعبة اليسرى الأمامية النازلة تغذي معظم ذروة القلب والنصف الإنسي من الوجه الأمامي للبطين الأيسر،والثلث القريب من الجدار الأمامي للبطين الأيمن والثلثين الأماميين من الحاجز بين البطينين.
أما الشعبة اليمنى فإنها تغذي القسم الباقي من السطح الأمامي من البطين الأيمن،والوجه الخلفي من البطين الأيمن،والنصف المجاور من الجدار الخلفي للبطين الأيسر،والثلث الخلفي من الحاجز بين البطينين.
أما الشبكة التفاغرية اليسرى فإنها تغذي الوجه الوحشي من البطين الأيسر في الأمام والخلف.أما الأذينتان فإنهما تغذيان بواسطة شعب وعائية من شرايين الجانب المناسب.
ملاحظة:إذا وصلت الأوعية الدموية أطرافاً بأطراف فإنه يبلغ طولها حوالي 60 ألف ميلاً أي ضعف محيط الأرض مرتين ونصف المرة.والرجل عند بلوغه سن السبعين يكون قلبه قد ضخ من الدم أكثر من 40 ألفاً طن من الدم.وعدد دقات قلب الكهل في اليوم أكثر من 100 ألف،والمسافة التي يقطعها الدم في الشرايين كل يوم حوالي 168ميل.
ومن أهم أمراض القلب
داء القلب الإكليلي:
وهو ناجم عن عدم كفاية التروية الدموية بالشرايين الإكليلية.وإن الغالبية العظمى من نقص التروية تنجم عن التصلب الشرياني والتي تؤدي إلى تضيق لمعة الشريان المصاب.
وبالاعتماد على سرعة وشدة التضيق الوعائي تكون الأعراض:فإن فقر الدم الموضعي العضلي يؤدي إلى ضمور متفشي ليفي يترافق غالباً مع تشوهات دسامية،وإذا كان التضيق شديداً تحدث أعراض خناق الصدر أو الذبحة الصدرية،مع أو بدون حدوث احتشاء في عضلة القلب.
ومن أهم صفات آلام خناق الصدر:
هو ألم محرض بالجهد،يتحسن على الراحة،أو بعد تناول النترو غليسرين،وهو ألم يكون غالباً خلف عظم القص وينتشر إلى العنق والذراع اليسرى والكتف الايسر.
ومن العوامل المساعدة على حدوث التصلب الشرياني في شرايين القلب نذكر:فرط التوتر الشرياني،البدانة،فرط كولسترول الدم،التدخين،الداء السكري،التوتر النفسي والجائحات النفسية…
ومن أشكال خناق الصدر سريرياً:
1 ـ خناق برينزميتال Prinzmetal:ويتميز بألم خناقي شديد عفوي يحدث على الراحة،ويتكرر عدة مرات في اليوم،وقد يترافق مع اضطراب في نظم القلب وأحياناً حدوث الغشي،ويترافق عادة مع هبوط الضغط الشرياني ونقص في نتاج القلب.
إن المظهر النوعي المشخص لهذا الشكل من خناق الصدر:وجود تضيق تحت التام معزول في منشأ الشريان الإكليلي الرئيسي في تصوير الأوعية الإكليليلة.
2 ـ الخناق اللامستقر:Unstable:وهو ألم خناقي بعد الجهد،ذو بدء سريع،ويزداد الألم تدريجياً،أو يحدث تفاقم سريع لخناق الصدر المشخص سابقاً،أو تكرر هجمات خناقية عفوية على الراحة.ويمكن أن يصاب المريض بعد فترة طويلة أو قصيرة بالإحتشاء القلبي.
احتشاء عضلة القلب
معالم التشخيص:ألم صدري حاد مفاجىء عاصر وشديد(قد يسبقه في ثلث الحالات آلام خناقية أو نوبة خناق الصدر قبل ساعات أو أيام وربما أسابيع) يحدث الألم على الراحة أو أثناء النوم،أو بعد ممارسة الجهد الجسمي أو الانفعال النفسي،لا يستجيب للمسكنات أو النترو غليسرين،ولا يخف على الراحة،ويترافق مع التعرق البارد،والشعور بالضعف العام،.وفي 5 ـ 15% من الحالات لايحدث الألم في الاحتشاء وخاصة عند مرضى الداء السكري،أو لوجود اختلاطات شديدة مثل وذمة الرئة،أو الغشي أو الصدمة الدورانية.
أو اضطراب في نظم القلب،
أو هبوط ضغط حاد مع حدوث الصدمة.
ومخبرياً ارتفاع في خمائر عضلة القلب خلال 24 ـ 48 ساعة.
وفي تخطيط القلب: العلامات الواسمة:ارتفاع وصلةST.
واحتشاء القلب هو عبارة عن نخرة تصيب عضلة القلب نتيجة انسداد أحد الأوعية الاكليلية،بسبب خثرة أو نزف تحت البطانة الوعائية المصابة سلفاً بالعصيدة الشريانية.
وإن الخثرات الوعائية تشاهد غالباً في الشعبة الأمامية النازلة للشريان الاكليلي الأيسر،وتسبب احتشاء الوجه الأمامي للبطين الايسر.وإن انسداد الشريان المنعكس الأيسر يؤدي إلى احتشاء أمامي جانبي.
ومن أهم الاختلاطات في حال عدم المعالجة السريعة:قصور القلب،وعدم انتظام القلب وخاصة الرجفان البطيني،والذي قد يكون مسؤولاً عن الوفاة السريعة لدى مرضى الاحتشاء.
والوفاة في الأيام الثلاثة الأولى من الاحتشاء تنجم غالباً عن:الرجفان البطيني، أو الحصار القلبي الكامل، أو تمزق عضلة القلب.
فرط التوتر الشرياني:
إن 60 ـ 70 % من مرضى فرط التوتر الشرياني يموتون بسبب اختلاطات قلبية،وخاصة قصور القلب،وإن نسبة حدوث نقص التروية الإكليلية يزداد بنسبة طردية مع شدة التوتر الشرياني.
في فرط التوتر الشرياني يساهم القلب بدور مضاعف:
1 ـ ازدياد الحجم الانقباضي
2 ـ اعتلال القلب التوتري ويتجلى بتبدلات وظيفية وبنيوية في الأوعية الاكليلية وعضلة القلب،وأهمها فرط نمو العضلة،وتصلب الأوعية الإكليلية.
حيث يمكن أن تزداد سماكة عضلة البطين الأيسر وقد يصل وزن القلب حتى 500غرام،وتكون الضخامة في البدء مركزية أما فيما بعد فتصبح محيطية.مع ازدياد حجم الدم الباقي في البطين الأيسر وذلك بسبب عدم التوازن ما بين الكتلة العضلية والجريان الدموي.وعند ازدياد وزن العضلة فإنه تحدث تبدلات بنيوية في عضلة القلب وحدوث ما يسمى التمدد بالامتلاءFilling Dilation،وتشمل نقصاً في عدد الطبقات العضلية في جدار البطين مع وجود بؤر نخرية.وإن القصور الإكليلي هو السبب غالباً ولكنه ليس السبب الرئيسي المباشر لحدوثها.وعندما تكون الضخامة ملحوظة سريرياً فإن الضغط في نهاية الانبساط في البطين الأيسر يبقى طبيعياً لفترة معينة،بينما تكون قابلية التقلص للعضلة ناقصة بشكل عام،وفي المراحل المتقدمة يحدث قصور القلب الأيسر الحاد أو المزمن والمترافق مع الاسترخاء العضلي.وإن تمدد البطين الأيسر يترافق مع قصور الدسام التاجي النسبي بسبب تمطط حلقة الدسام بسبب ازدياد الحجميةVoLum Loading،وعند حدوث التمدد الواضح يحدث اضطراب في تقلص العضلة لوجود نقص التروية البؤري بسبب تصلب الأوعية الإكليلية المتقدم.وينقص الحجم الانقباضي مع ازدياد الحجم الباقي في البطين الأيسر ويحدث الاحتقان الرئوي.
ومن الأعراض المألوفة في حالات فرط التوتر الشرياني وخاصة إذا كان لعدة سنوات وبدون مراقبة جيدة أو معالجة كاملة:الزلة الجهدية،النرفزة،خفقان القلب،الدوخة،ألم صدري عام،ألم خناقي،الصداع،الخمود،ومن ثم الزلة على الراحة .
التشخيص:سريرياً،وبالتخطيط القلبي،والصورة الشعاعية للصدر،وإجراء ما فوق الصدى(الإيكو) للقلب.
زرع القلب:Heart transplant
أحد الذين ذكروا إمكانية زرع القلب كان الباحث والطبيب الأمريكي سايمون فلكسنر والذي ذكر في أبحاثه عام 1907م في شيكاغو أنه سيكون من الممكن مستقبلاً استبدال الأعضاء البشرية المريضة عن طريق الجراحة بما في ذلك القلب والكلية.
أول عملية لزرع القلب كانت في 3 كانون الأول عام 1967م،وأول من قام بهذه العملية هو البروفسور كريستيان بيرنار في جنوب أفريقيا.والمريض الذي أجريت له العملية هو لويس واشكانسكي في مستشفى جروت شور في كيب تاون في جنوب أفريقيا.
وزراعة القلب حالياً تعتمد على أخذ القلب السليم من المتوفين حديثاً وزراعته عند المريض.وتقدر نسبة البقاء على قيد الحياة حالياً بعد زراعة القلب 15 عاماً.
وفي البداية كانت الأمور غير مشجعة،ولكن بعد تطوير وسائل التقنية الجراحية،واختيار المرضى المناسبين،وبعد إدخال خزعة عضلة القلب عام 1973م،والكشف المبكر عن حالات رفض الأعضاء تحسنت النتائج بشكل ملحوظ.وفي عام 1980م أدخل على المعالجة إعطاء المثبط المناعي السيكلوسبورين،فتحسنت النتائج أكثر.والوفيات تحدث غالباً بسبب الانتانات أو رفض العضو المزروع،وهذه تشاهد خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى بعد العملية الجراحية.
يتم حالياً وفي جميع أنحاء العالم زراعة حوالي 3500 عملية زرع قلب سنوياً.ومعظمها في أمريكا (2000 ـ 2300)في مركز سيدار ـ سيناي في لوس أنجيلوس،كاليفورنيا.وهو من أكبر مراكز زراعة القلب في العالم.
أبرز المرضى الذين أجري لهم زراعة القلب وعاش حوالي 30 سنة بعد العملية هو توني هيوزمان والذي توفي عام 2009م بعد إصابته بالسرطان.وقد أجريت له العملية في عام 1978م وهو في سن العشرين بعد إصابته بالتهاب فيروسي حاد أصاب عضلة القلب.
الصدمة
التعريف:هي متلازمة تنجم عن نقص تروية الأنسجة الحيوية النبيلة والعضلات،وهذا يؤدي لحدوث نشاط استقلابي لاهوائي،وما ينجم عنه من توليد حمض اللبن وحدوث حماض استقلابي.ويكون نتاج القلب في الصدمة منخفض جداً.وأهم أشكال الصدمات:
1 ـ الصدمة الخمجية الإنتانية:
يعتبر الخمج أي الإنتان من العوامل الرئيسية المحدثة للصدمة الدورانية،وتسببه مجموعة من العوامل الممرضة وخاصة الجراثيم سلبية الغرام وأيضاً الجراثيم اللاهوائية،ولذا لا بد من زرع الدم في مستحضرات ومزارع هوائية ولا هوائية لمعرفة العامل المسبب.
وتشاهد الصدمة الخمجية عادة تلو استعمال الوسائط الجراحية والآلية في الجهاز البولي التناسلي،وأيضاً في حالات خراجات البطن،وخاصة بعد انثقاب أحد الأحشاء،وكذلك المداخلات الجراحية على انبوب الهضم،وكذلك بسبب بعض الإنتانات الصدرية.
يحدث في بدء الصدمة قلاء تنفسي بسبب نقص ثاني أوكسيد الفحم مع تدخل عوامل أخرى،وفيما بعد تتطور لحدوث حماض استقلابي والذي يحدث خلال ساعات قليلة،وإذا لم تجرى المعالجة سريعاً تحدث الوقاة.
2 ـ الصدمة النزفية:
وتنجم عن حدوث نزوف داخلية أو خارجية،مثل النزوف المعدية(قرحة نازفة) أو بسبب الرضوض والحوادث،أو نزوف داخل البطن….والمعالجة تعويض الدم وبسرعة.
3 ـ الصدمة القلبية المنشأ:
وهذه غالباً ما ترافق احتشاء عضلة القلب الحاد،وذات إنذار وخيم ،وإن كان هناك وسائل علاجية حسنت الإنذار.وتحدث الصدمة هنا إذا أصاب الاحتشاء أكثر من 50% من عضلة القلب،وهؤلاء المرضى وإن تم لهم الشفاء بعد معالجة الصدمة ولكن الإنذار البعيد سىء ووخيم.
توقف القلب والدوران
إن الأعراض التالية تشير إلى حدوث هذا التوقف:
1 ـ غياب الوعي:يحدث بعد 6 ـ 12 ثانية من توقف الدوران.وهذا يشخص من خلال عدم تجاوب المريض وانعدام تفاعله مع المحيط وعدم ارتكاسه للمنبهات الألمية.
2 ـ انعدام النبض السباتي
3 ـ توقف التنفس:يحدث ؤبعد 15 ـ 30 ثانية من انقطاع الدورات،وهذا يؤدي إلى حدوث تقلصات في عضلة الحجاب الحاجز بسبب نقص الأوكسجين وحدوث ما يسمة التنفس المرافق للموت.
4 ـ السحنة الرمادية
5 ـ توسع الحدقتان وعدم تفاعلهما مع النور
الإنعاش القلبي الرئوي Cardiopulmonary resuscitation
التعريف:هي عملية إسعافية طارئة يقوم بها الشخص المسعف في محاولة للحفاظ على وظائف الدماغ سليمة حتى يتم اتخاذ المزيد من التدابير لاستعادة وظائف الدورة الدموية والتنفس ولإنقاذ حياة المريض.
وتقسم عملية الإنعاش بحسب المسعف إلى قسمين:الإنعاش البدئي،والإنعاش المتقدم.
أما الإنعاش البدئي أو الأساسي:فهو مايبدأ به المسعف مباشرة إلى حد وصول المساعدة المتقدمة من خلال الفريق الإسعافي أو الفريق الطبي.وهذا الإنعاش البدئي من الضروري أن يجيده القسم الكبير من الناس وحتى غير الأطباء والمحترفين،وهو يعتبر إذا تم بشكل صحيح وسيلة كبرى لإنقاذ حياة المريض وعدم تعرضه للوفاة أو الأذيات الدماغية الدائمة،ووظيفته الحفاظ على أكبر قدر من خلايا الدماغ في حالة الموت السريري،وتوقف عضلة القلب عن العمل.
خطوات الإنعاش الابتدائي:
1 ـ وضع المريض في مكان خال من الأخطار.
2 ـ اختبار ردود فعل المريض على بعض المنبهات سواء الصوتية أو بتحريك المريض والتأكد من حالة الوعي لديه.
إن أهم الأعراض والتي تشاهد عند المريض هو غياب الوعي،وذلك بسبب توقف الأوكسجين الحاد،وهذا يعني عدم استجابة المريض للمنبهات سواء للكلام أو للمنبهات الحسية ومنها مثلاً هز الكتفين..
ومن العلامات الأخرى حدوث توقف التنفس(لايوجد تسجيل للحركات التنفسية،ولاتوجد أصوات تنفسية،والعلامة المؤكدة لتوقف التنفس وجود مايسمى التنفس الضعيف والذي ينجم عن وجود تقلصات في عضلة الحجاب الحاجز بدون تهوية مرافقة.
ومن العلامات الأخرى توقف الدوران(حيث لايوجد النبض وخاصة السباتي وكذلك بالإصغاء عدم وجود عمل للقلب).
التشخيص:
1 ـ مراقبة حالة الوعي لدى المريض:ومدى استجابته للكلام والمنبهات الأخرى كهز الكتفين،وهنا يجب الكلام بصوت عال وواضح،فإذا لم يستجب يُهز كتفيه بلطف فإن لم يستجب فإن هذا يعني وجود خطر محدق بالمريض.
2 ـ مراقبة التنفس:وهنا لابد من مراقبة حركات التنفس والبطن رؤية وجساً(هل يرتفع الصدر وينخفض بانتظام أثناء التنفس الطبيعي)،وكذلك التأكد من وجود الجريان التنفسي من خلال الفم أو الأنف سمعاً وإحساساً،وذلك من خلال وضع الأذن أما الأنف والفم للمريض.وأثناء محاولة سماع نفس المريض حاول الإحساس بالنفس وهو يلامس وجنتك.
3 ـ مراقبة الدوران:وذلك من خلال جس الشريان السباتي وهذا وحده لا يكفي حسب الدراسات الحديثة،حيث أنه يحتاج لعدة ثوان لمعرفة وجود النبض أو عدمه،كما أن مراقبة حدقة العين لايعتمد عليه حالياً.
وما ينصح به اليوم:إجراء التنفس الاصطناعي وذلك بإجراء حركتين فعاليتين مع ملاحظة وجود فعالية دورانية وذلك بوجود السعال أو البلع،ولايعني وجود توقف التنفس أنه لابد أن يترافق دوماً مع توقف الدوران،فإذا لوحظ عدم وجود نشاط دوراني يجرى مباشرة تمسيد القلب الاصطناعي مع ملاحظة عودة النبض السباتي وعلامات الدوران الاخرى.
إجراء الإنعاش القلبي الرئوي:
الهدف من الإنعاش هو إعادة الوظائف المفقودة للدوران والتنفس،مع تحقيق تروية دموية كافية للدماغ والقلب حتى معرفة السبب الحقيقي لتوقف القلب والتنفس.وهنا يتبع في الإنعاش قاعدة ABC
وهذا الترتيب ينطبق على كل الفئات العمرية عدا حديثي الولادة ليصبحCAB أي البدء بالضغطات الصدرية ثم فحص المسالك التنفسية ثم التنفس الاصطناعي.
A Airways:أي تحرير المجاري التنفسية وإبقائها سالكة.
يجرى في البدء مد الرقبةبوضع أحد اليدين على أعلى الجبين عند مغارز الأشعار واليد الاخرى عند الذقن وهذا يؤدي لتحريك الفك السفلي نحو الأمام وإبعاد اللسان عن جدار البلعوم. وذلك لفتح المجاري التنفسية وإبعاد اللسان المرتخي(عند فاقدي الوعي) والقريب من جدار الحلق والبلعوم،وبالتالي لإبقاء لسان المزمار والحنجرة مفتوحين.ويجرى تنظيف الفم بالأصابع قبل الإنعاش والتأكد من عدم وجود أجسام أجنبية فيه.
وإذا كانت هناك وسائط مساعدة لتحرير المجاري التنفسية فإنه يمكن اللجوء إلى استعمال انبوب غودل(الانبوب الفمي البلعومي)وهذا الانبوب يمنع انسداد المجاري التنفسية بسبب اللسان المرتخي اللاصق بالحلق.ولا يمكن أن يستعمل هذا الانبوب إلا إذا كان المريض في حالة غياب وعي كامل وذلك بسبب الخوف من منعكس الغثيان والإقياء.
B Breathing:أي اجراء التنفس الصناعي
إن هواء الزفير للمسعف يعتبر من الوسائط المقبولة للإنعاش عندما لا تتوفر الأجهزة الأخرى.ويتم التنفس الاصطناعي عن طريق الفم للفم،أو الفم للأنف.وإن كان ينصح بالفم ألنف لأنه أضمن وأسهل حيث يمكن تطبيق فم المسعف على أنف المريض بشكل أفضل وأضمن.
ومع إجراء التنفس الاصطناعي يراقب جدوى التنفس من خلال ملاحظة ارتفاع وصعود جدار الصدر والذي يدل على وجود تهوية كافية.
التنفس الفم ـ الأنف:
يضع المسعف يديه واحدة على جبين المريض عند مغارز الشعر والأخرى تحت الذقن لتبقي الفم مغلقاً مع بسط العنق ،ويتم نفخ الهواء في أنف المريض حيث يضع المسعف شفتيه على أنف المريض بشكل وثيق.
التنفس الفم ـ الفم:
عند إجراء هذا التنفس لابد لليد الموضوعة على الجبين ومن خلال الإبهام والسابة من سدّ فتحتي الأنف للمريض مع فرط بسط العنق،وحيث يعطي المسعف هواء زفيري للمريض مع محاولة سدّ فم المريض بفمه.وأثناء طور الزفير للمريض يدير المسعف رأس المريض إلى الجانب ليتأكد من جدوى فعالية التنفس وذلك بملاحظة حركات جدار الصدر للمريض.
C Circulation أي إعادة الدوران الدموي وخاصة بالضغطات الصدرية.أو مايسمى تمسيد أو تدليك القلب الاصطناعي.
والشرط الرئيسي للتمسيد الاصطناعي للقلب وجود المريض على سطح قاسي،لأنه بهذا الوضع فقط يمكن للضغط على جدار الصدر أن ينتقل إلى داخل الصدر،ويجب أن يكون المريض مضطجعاً على ظهره،ويجب أن لا يكون الرأس بمستوى أعلى من القلب لأن هذا يخفف التروةية الدماغية،كما يجب أن يحرر المريض من ثيابه في ناحية الصدر لأنه بهذا فقط يمكن معرفة نقطة الضغط على القلب.ويتم التدليك على الثلث الأسفل من عظم القص.بتواتر 100 مرة في الدقيقة.أي أكثر من مرة في الثانية.
وعند إجراء التمسيد للقلب يجب أن يكون القسم العلوي من المسعف بحالة مستقيمة،مع الانتباه لوضع المرفقين،وبهذه الوضعية فإن ثقل القسم العلوي للمسعف ينتقل إلى المرفقين فمنطقة التمسيد،وبحيث يمكن ضغط عظم القص 4 ـ 5 سم باتجاه العمود الفقري،وبعد الانضغاط لا بد أن يعود القص لوضعيته الأصلية،وبدون أن تُشال يد المسعف عن نقطة التمسيد،ولابد أن تكون فترة التمسيد والاسترخاء متساوية،ومعدل الضغطات عند الكهول 100 لكل دقيقة.ولايسمح بإيقاف التمسيد لأكثر من خمس ثوان،ولتحسين إمتلاء البطين الأيمن ينصح برفع ساقي المريض للأعلى،ولا ينصح بإجراء التمسيد بدون تنفس اصطناعي مرافق،حيث لايوجد أكسجة.
أخطاء وأخطار قد ترافق التمسيد القلبي الاصطناعي:
1 ـ عدم اضطجاع المريض على فراش قاسي.
2 ـ عدم إيجاد نقطة التمسيد الصحيحة.
3 ـ عدم إجراء التمسيد بشكل منتظم فإذا كان قصيراً وغير منتظم لاتحدث تروية كافية.
4 ـ إذا كانت وضعية المسعف ليست كما ذكر سابقاً فإنه لايرتفع الضغط داخل صدر المريض وخاصة إذا رفع المسعف يديه عن صدر المريض
5 ـ حدوث كسور ضلعية وخاصة عند المسنين بسبب مرونة جدار الصدرونسبة حدوثها حوالي 50% من الحالات.وفي حال حدوثها يتابع إجراء التمسيد .
التنفس الاصطناعي مع التمسيد:
يجرى في البداية التنفس الاصطناعي لإعطاء المريض كمية مناسبة من الأوكسجين،ويجرى في البدء بشكل مرتين ببطء وعمق،ومن ثم يجرى سواء كان المسعف وحده أو لديه مساعد حوالي 30 مرة تمسيد للقلب مع نفخنين من التنفس الاصطناعي ويحافظ على ذلك أي 30:2.
أهم أسباب واستطبابات الإنعاش القلبي الرئوي:
1 ـ الأسباب من منشأ تنفسي:وخاصة حدوث الهيبوكسميا،وانسداد المجاري التنفسية،وحالات الاستنشاق لأجسام أو مفرزات غريبة،ووجود اضطرابات عصبية عضلية…
2 ـ الأسباب من منشأ قلبي:ومنها احتشاء عضلة القلب،والسطام التأموري،والتهاب عضلة القلب…
3 ـ الأسباب من منشأ دوراني:كنقص الحجمية،والصملمة الرئوية،وحالات الصدمة بأسبابها المختلفة…
4 ـ أسباب استقلابية:كما في حالة السبات السكري واضطرابات الشوارد ..
وعند الكهول فإن الأسباب غالباً من منشأ قلبي،وبالتالي فإن الإسعاف المبكر يعطي نتائج جيدة.
من الناحية الأدبية:
الذبحة الصدرية وأمراض القلب
البحتري والسكتة : (معجم الأدباء –ياقوت الحموي – ج5 ص571):
“ولد البحتري سنة ستِ ومائتين ،وتوفي بِمنبج بمرض السَّكتة سنة أربع وثمانين ومائتين
أحمد حسن الزيات يتكلم عن وفاة الشاعر علي محمود طه بخناق الصدر –(وحي الرسالة ج3 ص161)
:”أحقاً ،رفاق عليّ،لن تروه بعد اليوم يحي المجالس بروحه اللطيف،ويؤنس الجلاس بوجهه المتهلل ،ويدير على السمار أكؤساً من سلاف الأحاديث تبعث المسرة في النفوس، وتحدث النشوة في المشاعر؟
لقد حدثني ربع ساعة في تليفون المستشفى يوم الأربعاء ،فبشرني أن قلبه انتظم وجسمه صح ووجهه شبا(أضاء بعد تغير) ،وأن الأطباء سمحوا له بالرجوع إلى بيته ،وأن استقباله في الدار سيعود . وأنه سينتظرني يوم الجمعة في مكتبه ليقرأ عليّ النشيد الأول من ملحمة (اليرموك) التي اقترحتها عليه ،وربما خرج معي بعد القراءة إلى نزهة هادئة في طريق الأهرام.ثم ختم على حديثه الطويل بضحكة فيها أمل،وعبارة فكهة فيها تفاؤل!ولكنما كان بين يوم الأربعاء الذي حدثني فيه هذا الحديث ،ويوم الجمعة الذي ضرب لي فيه هذا الموعد،يوم الخميس الذي سكن فيه قلبه الطيب فما ينبض بحياة ولا حب وسكت لسانه الحلو فما ينطق بنثر ولا شعر : طلع صباحه الأسود المشئوم على غرفة علي وهو يلبس ثيابه ويداعب أصحابه ،وينظر في الداخل فيرى طاقات الزهر تزين المنضدة وفي الخارج فيرى ممرضات المستشفى يجمِّلن الممشى،فيهفو الشاعر المعبود إلى أزاهره التي تنفح قلبه بالعطور ،وإلى عرائسه التي تغمر شعره بالشعور،فيخرج ليؤدي ما عليه من المال للمصحة ،ومن الشكر للأطباء حتى إذا أبرأ ذمته من حقوق الناس أدار فيمن حوله من أصدقائه وذوي قرباء نظرة فاترة حائرة،ثم أسبل عينيه،وخر مغشياً عليه ! فخف إليه أساته الذين بشروه العافية ووعدوه السلامة ،وأخذوا يقلبونه ويفحصونه فإذا الجسد الجياش بالشباب والقوة هامد لا حراك به ولا حس فيه! وهكذا في مثل ارتداد الطرف ذهب من أرض الآدميين إنسان ،وغاب من سماء العبقريين فنان!”.
عمر بهاء الدين الأميري وكان في جناح طب القلب في مستشفى ابن سينا في الرباط ، نظم هذه القصيدة في الثالث من حزيران عام 1975م–(شعراء الدعوة الإسلامية –ج2):
أطلق عنانا يازمان فقد كفى كبح الجماح
هذا الذي يتجاوز الأفلاك يلتمس المراح
هو في الجناح-جناح طب القلب- مقصوص الجناح
صدرٌ يحيطُ به “جهاز” لا يكل ولا يُزاح
والبطن للوخزات من “إبر الإماعة” مستباح
قالوا: عليل فابتسمتُ ورحتُ أمعن في المزاح
والعزم فوق ذرى النجوم تروده هِمم صحاح
والهم – يا للهمّ- في قلبي له وخز الرماح
قالوا: عليل، قلت: بلى والله تثخنني جراح
قلبي العليل هناك يكدح في الهضاب وفي البطاح
قد يرتمي جسمي ضنى والعزم لا يرمي السلاح
كلا رويدك يا طبيب وقد سألت: أما استراح؟
هل يستريح الحر بوقر صدره العبء الرزاح
يده مع المسكين في الأرضين ،تسلكه النجاح
وجنانه ،خفق المنى العليا بمنبلج الصلاح
ومدى تطلعه معارج من سنا ، فوق الطماح
هذا “كياني ” ياطبيب له “ارتسام” و”ارتشاح”
فوق ” الجهاز”وفي “المخابر” والعلوم لها اقتراح
أنا عند رأي الطب هات علاجك المجدي القراح
ماذا علاجك يا طبيب مؤرق ،والديك صاح
من قلبه –المضنى الرهين بهمه- الإعياء فاح
وبفكره عبر المدى يزجي الهدى ، وغدا وراح
والروح في استشرافه العلوي جاز الكون … ساح
ماذا علاجك؟ والدنى ظلم وضاق بي البراح
والحدس حدثني بنور الليل أن الفجر لاح
هل في علاجك ،مايغذ خطاي أستبق الصباح
الله جل جلاله روحي ،وريحاني ،وراح
عمر بهاء الدين الأميري وقصيدته أزمة قلبية:
مالي وما للحسّ مار وكأنَّ أطرافي جليد
وتنفسُّي ،ما للتنفس فأغصّ بالصعداء مخنوقاً
وفمي تفاقم حرّه قد كنت منطلقلًا اُصلي
وشعرت في ذرات كُنهي واغرورقت شفتاي بالدمع
وابتلتا بقطيرةٍ وطلبت من تدعى ممرضة
رأت التعرق لا يكف فتوقفت ببلادة حيرى
ضغطي … ونبضي… وزجرتها …. فتململت
وقضيت ليلي في التقلب يارب عبدك قاصر
يقضي الحياة مرزاً فاغفر له ما مر من
يارب… وارحم ضعفه وأدر مدارج سعيه
واجعل معارج روحه في راحة ،علوية
يارب عبدك طامع ويحس من تفريط
لكن عزّة حبه تسمو به من حالك التفريط
والكونُ في عينيّ دار والجوى في القلب نار
لا يواتيه المسار وفي جسمي اخدرار
وجفافه، والريق غار حين حف بي الإسار
بانكفاء وانهيار الحبيس المستثار
كالملح بلله البخار فجاءت باغبرار
وقد علا وجهي اصفرار فصحت بلا خيار:
والطبيب ألا بدار .. ألا بدار ومضت بصمت وازورار
أستحث خطا النهار تدبيره .. وبك استجار
مابين سهو وادكار غفلاته وقه العثار
فالعمر كل عن اصطبار ماعاش في أسمى مدار
نرقى إليك بلا انحسار النفحات في دار القرار
بالعفو منك بلا حوار بمزيد ذل وانكسار
لك في خلاياه الحرار في أسنى منار
خليل مردم بك يرثي ابنه هيثم الذي مات في ريعان شبابه (20سنة)بروماتزم القلب :
طال صمتي حتى لقد ظنه النا س عزاء ولات حين عزاء
إنّ للحزن غصّة تمنع البا كي من رفع صوته بالبكاء
ألم الجرح حين يبرى والمذبو ح آلامه بطول الذماء
أحمد شوقي:
هل ترى الناسَ في طريقك إلا نعشَ كهلٍ تلاه نعشَ الوليد؟
إنّ أوهى الخيوطِ فيما بدا لي خَيْطَ عيشٍ مُعَلَّقُ بالوريد
مُضْغَةٌ بينَ خَفقةٍ وسُكونٍ ودَمٌ بينَ جَرْيةٍ وجُمود
احمد شوقي يرثي اسماعيل صبري الذي مات بالذبحة القلبية:
ذهب الذبيحُ السمحُ مثل سَمِيّه طُهْرَ المُكَفَّنِ ، طَيِّبَ الألفاف
(الكفن)
كم بات يذبحُ صدرَه لشكاته أتُراه يحسبها من الأضياف
نَزَلتْ على سَحْرِ السّماح ونَحْرِه وتقلَّبَتْ في أكرمِ الأكناف (السحر:الرئة)
لَجَّتْ على الصدر الرحيبِ وبرّحتْ بالكاظم الغيظ ،الصَّفوحِ، العافي
ما كان أقسى قلبَها من عِلّةٍ عَلِقت بأرحم حَبةٍ وشَغاف
(يقصد القلب)
قلبٌ لو انتظم القلوبَ حَنانهُ لم يبق قاسٍ في الجوانح جافي
حتى رماه بالمنيّة فانجلتْ من يَبتلى بقضائه ويُعافى
حافظ ابراهيم في اسماعيل صبري ومات بالذبحة :
طوت ذبحةُ الصّدرِ صَدرَ الندّى فلم تطوِ إلا سجِلَّ العِبَرْ
خليل مطران:
رجونا لهُ بالطبِّ بُرءاً يَسُّرنا به وإذا الطب المُؤمَلُّ خاذِلهْ
ومن قلبُهُ الداءُ الذي هو يشتكي فماذا تداويه وماذا وسائله
خليل مطران:
وقلبي مسموعُ الخفوق معلّقٌ بمنهدم الأركان أجوفَ معتلّ
علي محمود طه:
الا إنَّ لي قلباً طعيناً تحوطُهُ عصائِبُ تنزو من دمي ولفائِفُ
أبو فراس الحمداني:
ولو كان قلبي من حديد أذابه زفير الأسى بين الحشى والترائب
فكيف بقلبٍ إنما هو مضغة ولوعته جزء الهوى والمصائب
ضابئ بن الحارث:
ورُبَّ اُمورٍ لا تضيرُكَ ضَيرةً وللقلبِ من مخشاتهنَّ وجيبُ
جرير:
ليسَ البرِيُّ كمن يُمرَضُّ قلبُهُ فأنا المُشايعُ ،قلبُهُ لم يَمرضِ
جرير:
ولو شاءَ الأطِبّةُ أخبروني بداءٍ في قلوبهم المِراضِ
الفرزدق:
شفيتَ من الداءِ العراقَ كما شفت يدُ اللهِ بالفرقانِ من مرض القلبِ
بشار :
كأنَّ فؤاده كُرةٌ تُنزى حَذارِ البينِ إن نفعَ الحِذارُ
أبو يعقوب الخريمي:
بقلبي سقامٌ لستُ أحسن وصفه على أنّهُ ما كان فهو شديدُ
تَمرُّ به الأيام تسحبُ ذيلها فتبلى به الأيامُ وهو جديد
ابن الرومي:
هذا وإن عَفَّ فالأدواءُ مُعرِضةٌ من بين حُمّى وبِلسامٍ وطاعون (البلسام:التهاب يصيب الحجاب بين الكبد والقلب)
أشجع السلمي:
تناوبُ إتيانِ الجديدينِ لم يدعْ من الناسِ إلا ىلِمَ القلب موجعا
عدي بن الرِّقاع:
ألا منْ لقلبٍ لا يزال كأنّهُ يدا لامعٍ أو طائر يتصرَّف
قيس المجنون :
كأنَّ القلب ليلةَ قيل يُفدى بليلى العامرية أو يُراح
قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فباتتْ تجاذبهُ وقد علقَ الجناحُ
المجنون :
وداعٍ دعا إذ نحن بالخَيف من منىً فهيجَّ أحزانَ الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما أثار بليلى طائراً كان في صدري
حارثة بن بدر:
وقل للفؤاد إن نزا بك نزوة من الروع أفرخ اكثر الروع باطله
أبو اسحق الغزي:
القلبُ يصدا بالحقائقِ حَدُّهُ مللاً، فلولا الهزلُ يَصقلهُ نبا
أحدهم:
شديد مناطِ القلبِ في الموقفِ الذي بهِ لقلوبِ العالمينَ وَجيبُ
أمراض الرئة والقصبات
نظرة تشريحية وظيفية:
الرئة هي العضو الرئيسي في جهاز التنفس عند الإنسان،وتزن الرئة الطبيعية عند الكهل حوالي 300 ـ 400 غرام.
وهناك رئتان تتوضعان قرب العمود الفقري وعلى كل جانب من عضلة القلب.وتقع الرئتان ضمن تجويف الصدر والذي يتكون من الاضلاع وعظم القص من الأمام والعمود الفقري في الخلف،وهذا التجويف الصدري أو القفص الصدري يحمي الرئتين والقلب من الرضوض الخارجية.
وتعتبر الرئة اليمنى أكبر من اليسرى،وتحتوي اليمنى على ثلاثة فصوص رئوية:أعلى وأوسط وأسفل،واليسرى على فصين الفص العلوي الأعلى والفص العلوي الأسفل.
يحيط بالرئة غشاء الجنب بوريقتيه الجدارية والحشوية واللتان تحتويان بينهما على سائل مصلي رقيق يسمح للرئة بالتمدد أثناء حركات الشهيق والزفير.
يتكون الجهاز التنفسي من الجهاز التنفسي العلوي والذي يتكون من :الأنف والجيوب الأنفية، والبلعوم،وجزء من الحنجرة الواقع فوق الحبال الصوتية، والجهاز التنفسي السفلي ويضم القسم من الحنجرة أسفل الحبال الصوتية والرغامى والقصبات والأسناخ الرئوية،ومن الرئتين اليمنى واليسرى.
أما الحنجرة:Larynx
فإنها تتألف من أحد عشر غضروفاً،ثلاثة مفردة متوسطة،وأربعة مزدوجة متناظرة،وأهمها الغضروف الحلقي،والغضروف الدرقي وهو أكبر الغضاريف،ويوجد على الخط المتوسك منه بارزة تدعة تفاحة آدم.وهناك غضروف لسان المزمارEpiglotis،والغضروف الطرجحاليArytenoid.
ويوجد في الحنجرة الحبال الصوتية،ومنها الحبل الصوتي العلوي أو الانثناء الدهليزي،وهو حبل كاذب لا يساهم في التصويت.
والحبل الصوتي السفلي.وتوجد في الحافة الحرة منه بشرة مطبقة رصفية تعطيه لونه الضارب إلى البياض،وتمكنه من مقاومة العوامل الطبيعية أثناء الاهتزاز.بينما الغشاء المخاطي للحنجرة هو غشاء مخاطي اسطواني ذو أهداب.
ومما يساهم في اختلاف الأصوات عن بعضها ثلاثة عوامل:توتر وطول الحبال الصوتية السفلى،واتساع وضعية المزمار(المزمار هو المسافة بين الحبلين الصوتيين)،ومقدار وشدة الجهد الزفيري.والمزمار أوسع عند الرجال من النساء،ويكون ضيقاً عند الأطفال وهذا مايسبب حالات خطيرة في بعض الالتهابات التي تسبب وذمة الحبال الصوتية وخاصة عند الأطفال الرضع.
وأما عضلات الحنجرة فهي قسمان:العضلات الخارجية والتي تمتد بين غضاريف الحنجرة والعظم اللامي في الأعلى أو القص في الاسفل وتتعصب بشعبة من العصب تحت اللساني الكبير.والعضلات الداخلية والتي تقوم بتجريك الحبال الصوتية وهي إما مقربة للحبلين،أو موسعة للحبلين،أو موترة للحبلين.وتتعصب جميع هذه العضلات ماعدا العضلة الحلقية الدرقية بالعصب الحنجري السفلي(ويسمى أيضاً العصب الراجع)وأما العضلة الحلقية الدرقية فتتعصب بالعصب الحنجري العلوي والذي هو أيضاً عصب الحس بالنسبة للحنجرة.وكلا العصبان الحنجري السفلي والعلوي هما من شعب العصب المبهم.ووالحبل الصوتي الأيسر أكثر عرضة للإصابة بالشلل من الأيمن لأن العصب الحنجري السفلي الأيسر يدور حول الشريان الأبهر،بينما الايمن حول الشريان تحت الترقوة.
وأما من الناحية الوظيفية فإن للحنجرة وظيفتان:تنفسية،ووظيفة تصويتية.
وأما الوظيفة التصويتية فتنجم عن تقارب الحبلين الصوتيين من بعضهما مما يجعل الهواء المزفور يعطي صوتاً ثم يتم تحويل ذلك الصوت إلى كلام بفعل اللسان والخد والشفتين.
فالهواء الزفيري يسبب اهتزاز الحبال الصوتية،وهذه بالتالي تسبب اهتزاز عمود الهواء أعلى الحبال الصوتية،وأما البلعوم والفم والجيوب الأنفية فتلعب دوراً كأجواف طنين.وأما عضلات العنق والوجه واللسان والشفتين فتستخدم لتحويل الاهتزازات إلى كلمات.
وإن ازدياد حجم الصوت يعتمد على حجم وقوة الهواء المزفور،وعلى سعة اهتزازات الحبال الصوتية.وأما طبقة الصوت فيعتمد على عدد أو تواتر الاهتزازات في كل ثانية وعلى طول وتوتر الحبال الصوتية.وبما أن الأطفال والنساء لهم حبال صوتية أقصر من الرجال فإن أصواتهم ذات طبقة عالية اللحن بسبب ارتفاع التواتر.وعند البلوغ فإن الحنجرة عند الذكور تزداد حجماً ويصبح جوف الحنجرة أكبر،والغضروف الدرقي أكثر بروزاً نحو الأمام وهذا يسبب ازدياد طول وثخانة الحبال الصوتية،ويسبب تبدل طبقة وحجم الصوت عند الذكور البالغين.
وفي حالات استئصال الحنجرة(كما هو الحال في سرطان الحنجرة) فإن المريض لايستطيع أن يتكام بصورة ما،ولذا يلجأ إلى تعليمه الكلام عن طريق المري،وهذا النمط يعتمد على بلع الهواء إلى المري ومن ثم إخراجه إلى الخارج بالتجشؤ،وهذا الصوت الناتج يتحول بواسطة الحنك واللسان والشفتين إلى كلمات.
وجاء في مقال للدكتور سمير شريف ستيتية نشره في أحد مجلات مجمع اللغة العربية في دمشق تحت عنوان”ميكانيكية النطق”:
“يقصد بميكانيكية النطق مجموع العمليات التي تقوم بها أعضاء النطق،تلك العمليات التي يكمل بعضها بعضاً،لترجمة نبضات عصبية صادرة عن الجهاز العصبي المركزي،إلى أصوات منطوقة،يتصف كل منها بمجموعة من الخصائص،تميزه عن غيره من الأصوات.ويرتبط بهذه العمليات مايسمى”بدينامية الهواء”Aerodynamics،والتي تنتج عن تغير في الضغط الكائن في منطقة أعضاء النطق Vocal tract .
وميكالنيكية النطق ذات أهمية كبيرة بالنسبة لعالم الأصوات والباحثين في هذا العلم،لأنها هي التي تنتج الأصوات اللغوية(وغير اللغوية كذلك).ولهذا ،فإن فهم طبيعة الصوت اللغوي مرتبط بفهم ميكانيكية النطق.
عندما يُصدر الجهاز العصبي أوامره بنطق صوت معين،فإن هذا الصوت ينتقل على هيئة نبضات كهربية تنقلها أعصاب متخصصة إلى أعضاء النطق،وتتأهب هذه بدورها لاتخاذ أوضاع معينة.
وتختلف وظيفة كل عضو من أعضاء النطق عن وظائف سائر الأعضاء عند نطق صوت ما،إذ لا تقوم كلها بوظيفة واحدة.فبينما يتذبذب الوتران الصوتيان مثلاً عند نطق النظير المجهور للفاءV ،ويسمى بحسب أوصافه:الصوت الشفوي الأسناني المكجهور،تقوم الشفتان والأسنان بوظيفة أخرى،وهي تضييق مجرى الهواء،وذلك بأن تضغط الأسنان العليا على الشفة السفلى،ليمر الهواء من خلال منغذ ضيق نسبياً.وقبل هذا وذاك،فقد كانت حركة الهواء جزءاً أساسياً في نطق الصوت.فلولا الهواء الصادر من الرئتين،وهو الزفير،لما تم نطق الصوت.وهناك ما هو أكثر من ذلك،فإن عضلات اللسان وهي سبع عشرة عضلة قد تحركت حركات متوافقة،أدى توافقها إلى أن يتخذ اللسان وضعاً معيناً،تراجعت فيه قليلاً عن الأسنان واللثة.
يجدر أن نشير بلدىء ذي بدء إلى أن معظم الأصوات اللغوية التي يتكون منها جلّ الكلام،ليست في حقيقتها إلا اعتراضاً لهواء الزفير،أي الهواء الفاسد المطرود من الرئتين المشبع بثاني أوكسيد الكربون،واستغلال هذا الهواء الفاسد أفضل استغلال.وهذا يعني أن انتاج الكلام لا يتكلف الكثير من العناء.فالهواء الفاسد لم يعد لينفع الجسم،وهو خارج على كل حال،شئنا أم أبينا،وكل ما نفعله عند انتاج هذه الأصوات،وهي الأصوات الخارجة،أننا نعمل على اعتراض سبيل تيار الهواء”الزفير” اعتراضاً جزئياً أو كلياً،إما في منطقة الحنجرة،وإما في منطقة ما من المناطق النطقية التي فوقها حتى منطقة الشفتبن.وبذلك الاعتراض تتم المرحلة الأخيرة من مراحل انتاج الصوت.
تشمل ميكانيكية النطق عدداً من الموضوعات،وأهمها:
1 ـ تيار الهواء اللازم للنطق،ويرتبط به مايسمى بدينامية الهواء Aerodynamics
2 ـ التصويتPhonation
3 ـ الرنينResonance
أولاً:تيار الهواء:
أما تيار الهواء،فينظر إليه من خلال معيارين هما:مكان توليد الهواء،واتجاه حركته.فقد تكون الرئتات مكان توليد الهواء اللازم لإنتاج الصوت،وقد تكون الحنجرة مكان توليد الهواء،كما يمكن أن يكون الفم أو المري.(يكون من المري عند الأشخاص الذين تستأصل لديهم الحنجرة لمرض سرطاني).
وأما حركة الهواء فقد تكون طردية،أي من الداخل إلى الخارج.وقد تكون على العكس من ذلك،من الخارج إلى الداخل.
وبذلك نقسم الأصوات حسب منشأها إلى:
1 ـ الأصوات الرئوية الخارجة:
ويسميها البعض بالأصوات الرئوية الضغطية.ويمكن تسميتها أيضاً بالأصوات الزفيرية.وتكون الرئتان هما مصدر الهواء اللازم لإنتاج هذا النوع من الأصوات،إذ تخرج مصاحبة لهواء الزفير.وهنا لابد من فهم طبيعة عملية التنفس بشقيها:الشهيق والزفير.
يتحرك الحجاب الحاجز إلى الأسفل،وفي نفس الوقت تتمدد العضلات التي تحت جدار البطن،ويكون من نتيجة ذلك أن ينقص ضغط الهواء في تجويف الصدر،وذلك بسبب ازدياد الحجم بسبب حركة الحجاب الحاجز إلى الأسفل،وبحسب قانون بويلBoyle،يقل الضغط إذا ازداد الحجم،ويزداد الضغط إذا قلّ الحجم.وبالتالي فإن حركة الحجاب الحاجز للأسفل تؤدي إلى نقصان ضغط الهواء في الصدر،فتتمدد الرئتان،من أجل أن يتساوى الضغط فيهما مع الضغط الجديد في منطقة الصدر،فيدخل الهواء من الخارج إلى الداخل،عن طريق الأنف أو الفم،وهذا مايسمى عملية الشهيق.والمعروف أن كمية الهواء الداخلة تتناسب مع قوة الحركة لعضلات البطن،وهذا يمكن التحكم به إرادياً.
ومن ثم يتحرك الحجاب الحاجز إلى الاعلى،وتتقلص عضلات التنفس الأخرى،فيحدث ازدياد الضغط نتيجة النقص في الحجم.وتتقلص الرئتان،ويبدأ الهواء بالتحرك إلى الخارج،وهذا مايسمى عملية الزفير.
يتراوح حجم الهواء الناتج عن اختلاف الضغط في عملية التنفس بين 2000ـ 5000 سم مكعب.وأما مايمكن توليده من حجم الهواء في الثانية الواحدة فيصل إلى نحو 200 سم مكعب تقريباً.وهذا الحجم يعني أن قدرة الإنسان العادي على الاستمرار في إصدار الكلام تتراوح بين 10 ـ 21 ثانية.هذا من الناحية النظرية،ولكن الممارسة شىء آخر،إذ أن قدرة الإنسان العادي على الحديث بصورة طبيعية وتلقائية،دون تنفس تتراوح بين 2 ـ 10 ثوان.
إن أول منطقة يظهر فيها صوت ناتج عن التيار الرئوي الخارج هو الحنجرة.إذ تظهر هناك الهمزة،وفوقها بقليل الهاء.والحنجرة عند نطق هذين الصوتين هي موضع نطق،وليست مصدراً لتيار الهواء المنتج لهذين الصوتين.فهما صوتان رئويان خارجان.هذا من حيث مصدر الهواء المنتج لهما.ولكنهما حنجريان من حيث موضع النطق.
2 ـ الأصوات الرئوية الداخلة:
وتسمى أيضاً الأصوات الشهيقية.
3 ـ الأصوات الحنجرية الخارجة:
ومكان توليد الهواء اللازم لهذا النوع من الأصوات هو الحنجرة لا الرئتان.ويتم انتاج الهواء بإغلاق الأوتار(الحبال) الصوتية إغلاقاً محكماً،وذلك من أجل أن يتوقف تيار الهواء الصادر عن الرئتين في عملية الزفير توقفاً تاماً.ثم ترتفع الحنجرة إلى أعلى بوساطة العضلات الحنجرية الخارجية،ويتحرك الحنك الليت كذلك فيرتفع.وينضغط الهواء الموجود داخل الفم في المنطقة التي تقع بين موضع نطق الصوت والأوتار الصوتية.
4 ـ الأصوات الحنجرية الداخلة:
تقوم الحنجرة بتوليد الهواء اللازم لهذه الأصوات.
(انتهى الكلام).
وهناك ملاحظة هامة:يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{واغضض من صوتك إن أنكرَ الاصوات لصوت الحمير}[لقمان 19].
يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله:”والغض من الصوت فيه أدب وثقة بالنفس واطمئنان إلى صدق الحديث وقوته.وما يزعق أو يغلظ في الخطاب إلا سىء الأدب،أو شاك في قيمة قوله،أو قيمة شخصه،يحاول إخفاء هذا الشك بالحدة والغلظة والزعاق”.
ومن الناحية العلمية فإنه وإن كان المقصود بالآية الكريمة التواضع وعدم التكبر،إلا أن سوء استخدام الصوت برفعه يجهد الحبال الصوتية،ولذا يشاهد حدوث بحة الصوت عند الكثير من الناس الذين يشاركون في الأعراس ويستخدمون الصوت بشكل عالي ولساعات طويلة،حيث يصابون بإجهاد الحبال الصوتية وحدوث البحة التي تستمر عدة أيام.
ويُعتبر من العوامل المهيئة للإصابة بالعديد من أمراض الحنجرة،ومنها التهاب الحنجرة المزمن حيث يشكو المريض من بحة في الصوت وإحساس بعدم الارتياح في الحنجرة.كما أن الاستعمال السىء للصوت وإجهاده يمكن أن يسبب حدوث سليلات في الحنجرة وهي أورام حميدة تظهر على الحبال الصوتية وقد تكون كبيرة وتسبب بحة في الصوت وضيقاً في التنفس.كما أن إجهاد الصوت قد يكون السبب في ظهور عقيدات على الحبال الصوتية وتسمى عقد المغنين لأنها تظهر عندهم أكثر من سواهم.كما أن إجهاد الحبال الصوتية قد يكون مسبباً لسرطان الحنجرة والذي ينجم عن الالتهابات المزمنة،وخاصة إذا ماترافق مع التدخين وتناول المسكرات.
وأما الرغامى:
تنقسم الرغامى إلى القصبتين الرئيستين:القصبة اليمنى،والتي تكون ذات منحى شاقولي أكثر من اليسرى أي أنها متمادية تقريباً مع الرغامى،ولذا فإن مرور الأجسام الأجنبية المستنشقة يتم بمعدل أكبر من خلال القصبة اليمنى،وبالتالي فإن آفات الرئة اليمنى وخاصة باستنشاق المفرزات أو الأجسام الاجنبية يكون في الرئة اليمنى أكثر من اليسرى.
وتتشعب القصبتان الرئيسيتان إلى القصبات الكبار،فالقصبات الصغار، فالقصيبات الانتهائية.والقصبة الانتهائية ذات لمعة أقل من سم واحد،وهي مجردة من الغضاريف الداعمة،وتعطي القصبة الانتهائية القصيبات التنفسية،وابتداءً من هذه الأخيرة وتفرعاتها الأدق يتشكل معنا ما يسمى الوحدة الوظيفية،وهذه تشمل بالإضافة إلى القصيبات التنفسية القنيوات السنخية والجيوب السنخية والأسناخ الرئوية.
وإن وظيفة الغشاء المخاطي للقصبات يتضمن إفراز المخاط الدائم من الطبقة السطحية،والذي من خلال حركة الأهداب التنفسية في البشرة القصبية يتم نقله من الداخل إلى الخارج أي باتجاه الرغامى.وأضف إلى هذا فإن الغشاء المخاطي القصبي يعمل على ترطيب هواء الشهيق وبالتالي يمنع حدوث الجفاف في أنسجة الجهاز القصبي.كما أن الغشاء المخاطي له وظائق وقائية تجاه العديد من المواد العضوية واللاعضوية التي تدخل القصبات مع الهواء الخارجي.
يوجد في البشرة المخاطية للقصبات أنواع من الخلايا:
1 ـ الخلايا القاعدية:Basal Cells:وتوجد فوق الغشاء القاعدي مباشرة للغشاء المخاطي،ولا تصل إلى سطح البشرة،وهذه الخلايا القاعدية هي المنشئة للبشرة القصبية،فهي خلايا غير متميزة،يمكن أن ينشأ عنها الخلايا المهدبة والمخاطية الكأسية.
2 ـ الخلايا المهدبة:وهي تمثل أكبر نسبة خلوية من البشرة القصبية،وفي ذروتها توجد الأهداب،وهي تتحرك بشكل منتظم الواحد تلو الآخر،وهذا يفيد في تحريك المفرزات المستمر باتجاه الرغامى والخارج.
3 ـ الخلايا المخاطية:وتسمى أيضاً الخلايا الكأسية،وعددها يتناقص كلما اتجهنا نحو الاسناخ الرئوية.ويتشكل المخاط في القصبات من خلال مايسمى الغدد تحت المخاطية،وهذه تبدأ في التشكل ابتداءً من الشهر الرابع من عمر الجنين،ويتراجع عدد هذه الغدد كلما اتجهنا نحو الأسناخ،ومن ثم ينعدم.
أما الأسناخ الرئوية Alveoli فهي مضلعات ناقصة،تنفتح على الجيوب والقنيوات السنخية بثغور كبيرة،ومن المهم القول بأنه قد يحدث أحياناً تمزق في أحد جدر الأسناخ كما في انتفاخ الرئة وهذا يؤدي إلى بلبلة واختلاط بين الثغر المرضي والطبيعي.
وتحتوي الرئتان معاً على قرابة 2400كيلومتر من الطرق التنفسية،و300 ـ 500 مليون سنخ من الأسناخ الرئوية.
والمعلومات الحديثة تفضل تقسيم الرئة إلى قطاعات قصبية ـ رئوية،ولهذا أهميته لأن كل قطاع يمثل وحدة تشريحية وظيفية تامة،ويشمل كل قطاع ما ينجم عن انقسام القصبة الكبيرة إلى قصيبات وأسناخ،ولكل قطاع أوعيته الوريدية والشريانية الخاصة،ويفصل كل قطاع عن مجاوراته نسيج ضام،كما يفصل بين الفصوص الرئوية انغمادات من غشاء الجنب.
إن مفهوم القطاع الرئوي ـ القصبي على ناحية هامة سريرياً،فعندما تحدث آفة التهابية في القصبة الرئيسية فإن هذه الآفة تنتشر على كامل القطاع وبالتالي يفقد القطاع وظيفته وعمله،ولكن في نفس الوقت تبقى الوحدات الأخرى بمنأى عن الالتهاب.
تتلقى الرئة تروية مضاعفة،فهي تتغذى بواسطة الشرايين الرئوية،ومن الشرايين القصبية التي تصدر عن الأبهر،ولذا فإن إصابة الرئة بالصمامة الرئوية لا تسبب دائماً إصابات خطيرة بسبب هذه التروية المضاعفة.
ومن الناحية النسيجية:وبغض النظر عن الحبال الصوتية في الحنجرة والتي تبطن ببشرة رصفية مطبقة،فإن الشجرة الرئوية هبوطاً من الحنجرة وحتى الأسناخ تبطن ببشرة اسطوانية مطبقة مهدبة،وتتبعثر من خلال هذه البشرة الخلايا المخاطية الكأسية.
وتلعب الأهداب في الشجرة الرئوية دوراً هاماً في نبذ الأجسام الأجنبية،وهي ذات حركة واحدة من الباطن نحو الظاهر،حيث تدفع بالأجسام باتجاه القصبات والرغامى،والتي تخرج من خلال منعكس السعال.
كما أن الخلايا المخاطية تفرز المخاط والذي يرطب الهواء المستنشق ويمنع تجفف الأسناخ،كما أنه يقتنص الغبار والأجسام الغريبة.وتوجد الغدد المخاطية في الطبقة تحت المخاطية للرغامى والقصبات والقصيبات،وهي تفسر لنا إصابة الرئة بالسرطانات الغدية الرئوية.كما أن المخاط يحتوي على العديد من المركبات المضادة للعوامل الممرضة ومنها مضادات البروتياز ومضادات الأكسدة.
كما أن الخلايا المبطنة للرئة تفرز الغلوبولين المناعي A والذي يحمي الرئة من العوامل الممرضة.
أما الأسناخ الرئوية فهي عبارة عن مضلعات سداسية ناقصة أي مبتورة أحد الاضلاع،ويتألف جدار السنخ الرئوي من نموذجين رئيسيين من الخلاياالرئوية:
1 ـ الخلايا الرئوية ذات النموذج الأول:Pneumocytes Type 1
2 الخلايا الرئوية ذات النموذج الثاني:وهي تشكل البالعات الكبيرة متى وصلت إلى لمعة السنخ الرئوي،ولا تشاهد إلا بالمجهر الالكتروني،وهي تشارك في إفراز مادة السرفاكتانت.وهذه المادة تقوم بالمحافظة على التوتر السطحي في جوف السنخ بحيث يعود إلى حجمه الطبيعي بعد انتهاء الشهيق،وحتى الشهيق القسري،كما يعود إلى حجمه بعد انتهاء الزفير القسري.وبالإضافة إلى هذا يدعم جدر الأسناخ نسيج ضام من ألياف مرنة،وشبكية،مع بعض الأوعية الدموية الدقاق.وتلعب الألياف المرنة دوراً هاماً في مرونة الجدار السنخي أثناء الشهيق والزفير.ويفصل الأوكسجين الموجود في الأفضية السنخية عن الوعاء الشعري حاجز يتألف من:الجدار السنخي البطاني،الغشاء القاعدي للوعاء الشعري،الخلايا البطانية للوعاء الشعري. وهذه الجدر السنخية ليست بالجدر الصماء،بل إنها تحتوي على مسامات عديدة تصل ما بين الافضية والأسناخ فيما بينها.
من الناحية الفيزلوجية:
إن حركة الهواء من وإلى الرئتين تحدث بسبب التبدلات المتعاقبة في حجم الجوف الصدري،وإن الرئتين تتبعان هذه الحركات،والتبدلات تحدث كعمل منفعل وليس فاعل.فعندما يتسع جوف الصدر أثناء الشهيق فإن الرئتين تتسعان أيضاً بشكل منفعل،وذلك لأن الوريقة الحشوية لغشاء الجنب لا تستطيع أن تنفصل عن الوريقة الجدارية.
ويدخل الهواء من الأنف إلى الرئتين أثناء الشهيق لأن الضغط الخارجي أعلى من الضغط داخل الرئتين،ويحدث الزفير بتبدلات معاكسة لما يحدث أثناء الشهيق.وإن العضلة الرئيسية في الشهيق هي عضلة الحجاب الحاجز،فعندما تتقلص هذه العضلة ينخفض التوتر المركزي ويرتفع الضغط داخل البطن.
ميكانيكية الشهيق:
1 ـ عمل عضلة الحجاب الحاجز:
إن عضلة الحجاب هي عضلة شهيقية،فعندما تتقلص الألياف اللحمية يزول تحدبها وينخفض المركز الحاجزي قليلاً فيحدث من جراء ذلك تطاول القطر الصدري العمودي،ثم يحدث بعد هذا أن الألياف العضلية تأخذ نقطة ارتكازها الثابت من مركز الحجاب الحاجز المثبت على التأمور والأحشاء البطنية فتؤثر على الأضلاع بتقلصها فتدفعها إلى الوحشي وتدفع عظم القص إلى الأمام فيتسع القطران الصدريان الأمامي ـ الخلفي والمعترض.
2 ـ عمل الأضلاع:
ترتفع الأقسام الأمامية من الأضلاع وذلك حول محاور المفاصل الضلعية ـ الفقرية،وهذا يسبب ازدياد القطر السهمي للصدر،والقطر المعترض وبالتالي ينقص الضغط داخل الصدر ويدخل الهواء إلى الرئتين.
ميكانيكية الزفير:
إن الزفير يعتبر حادثة تعود بصورة رئيسية إلى مرونة الرئتين،وفي الزفير القسري فإن هذا الزفير يمكن أن تتعاون فيه مع الرئتين جميع العضلات التي تخفض من الأقسام الأمامية الضلعية أو تزيد من الضغط داخل جوف البطن،وهذا يسبب استرخاء عضلة الحجاب الحاجز واندفاعه نحو الأعلى،وفي بعض الحالات المرضية فإن الرئتين تفقدان مرونتهما،ولذا فإن الصدر يبقى غالباً في وضعية الشهيق،وهذا يسبب صعوبةً في التنفس،وإجهاداً في الزفير.
العضلات الوربية والتنفس:
إن العضلات الوربية الظاهرة تتجه نحو الأسفل والأمام أي مسايرة للأضلاع،وترتكز على الحافة الوحشية من الضلعين المتجاورين،ممتدة من الحدبة الضلعية في الخلف وحتى بداية الغضروف الضلعي في الأمام ويُعصب هذه العضلات الأعصاب الوربية وهي الشعب الباطنية من الأعصاب الصدرية الإحدى عشر العليا.وهذه العضلات هي عضلات شهيقية.
وأما العضلات الوربية الباطنة فهي تماثل الظاهرة ولكن أليافها تتجه نحو الخلف والأسفل من سقف الميزابة الضلعية لإحد الأضلاع وحتى الحافة العليا للضلع الأسفل،وهي عضلات زفيرية.
في الشهيق العادي فإن عضلة الحجاب الحاجز قد تكون العضلة الفاعلة الوحيدة في الشهيق،ومع ذلك فإنه يمكن شلّ هذه العضلة بقطع العصب الحاجزي من دون أن تحصل اضطرابات خطيرة في التنفس.
ويختلف وضع الحجاب الحاجز حسب وضع الجسم،فهو أكثر ارتفاعاً في وضعية الاستلقاء،وينزل قليلاً في وضعية الوقوف،وأكثر هبوطاً في وضعية الجلوس،وذلك بسبب استرخاء عضلات البطن.ولذا فإن المرضى بأمراض الجهاز التنفسي يشعرون بالإرتياح أكثر عند الجلوس بسبب هبوط عضلة الحجاب الحاجز وبالتالي تلقي كمية أكبر من الهواء.وإن عضلة الحجاب الحاجز هي آخر عضلة تصاب بالتخدير بعد إجراء التخدير العام.
وأثناء الاضطجاع فإن عضلات جدار البطن الأمامي لا تبدي أثناء الشهيق أي فعالية كهربائية،ولكن عضلات البطن تعتبر عضلات فاعلة أثناء الزفير ومع ذلك فإن هذه الفاعلية ضئيلة أثناء التنفس الطبيعي،ولكنها تبدي نشاطاً ملحوظاً أثناء الزفير الجهدي أو عند السعال أو عند التغوط.
وإن العضلات التي يمكن أن تشارك بدورها في الشهيق هي الأخمعيات Scaleni والقصية الخشائية(القترائية).وإن العضلات الأخمعية قد تصبح ذات وظيفة تنفسية عالية عند بعض الأشخاص وحتى أثناء التنفس العادي،أما القترائية فإنها تستخدم فقط أثناء التنفس الجهدي وفي حالة وجود زلة تنفسية.
إن الجهد الزفيري أعظم دوماً من الجهد الشهيقي وذلك مما يساعد على الكلام بصوت مرتفع وإفراغ الأجزاء الغريبة أثناء السعال،كما أن الضحك هو جهد زفيري أيضاً.
تمدد وتوسع الرئتين:
أثناء الشهيق تبتعد الحبال الصوتية عن بعضها(اتساع المزمار) وتتوسع القصبات،وبسبب تمدد الرئة فإن الشجرة القصبية تتمدد أيضاً.وتصبح الأسناخ أكثر اتساعاً وتسطحاً.وفي نفس الوقت فإن هناك ازدياداً في كمية الدماء في الدورة الرئوية الوعائية.وإن تغير قطر القصبات أثناء التنفس قد يكون منفعلاً بصورة تامة،ولكن جزئياً قد يكون ناجماً عن السيالات العصبية المُقبضة أو الموسعة التي تمر عبر العصب المبهم أو العصب الودي.
وبما أن تمدد الرئتين هو عمل منفعل فإن الأجزاء من الرئة القريبة من الأجزاء المتحركة من القفص الصدري تتمدد أكثر من الأجزاء القريبة من المنصف.وعند تمدد الرئتين فإنها تشغل بهذا الفراغ الفعال والذي يوجد بين الحجاب الحاجز والضلع السفلي بسبب غشاء الجنب،أي الجيب الضلعي الحاجزي،وعلى ذلك فإن الجيب الضلعي الحاجزي يبدو واضحاً في الصورة الشعاعية أثناء الشهيق لامتلاء الرئتين بالهواء،ويصعب رؤية الجيب أثناء الزفير بسبب نقصان الهواء والتصاق وريقتي غشاء الجنب أثناء الزفير.
معدل التنفس:
يختلف معدل التنفس أثناء الراحة من شخص لآخر ولكن يبلغ وسطياً 12 ـ 20 حركة في الدقيقة،ويكون المعدل أكبر عند الأطفال بحيث يصل إلى 30.وهذا المعدل يزداد أثناء الجهود والانفعالات والخوف،وينقص أثناء النوم.
الضغط المستبطن للجنب:
إن الفراغ الجنبي بين الوريقتين الجدارية والحشوية يحتوي على سائل مصلي قليل والذي يجعل من الصعب فصل وريقتي غشاء الجنب عن بعضهما.وإن تبدلات حجم الرئة أثناء التنفس هو حادث منفعل،بسبب حركات جدار الصدر،وأثناء تمدد الرئتين فإن النسيج المرن للرئة يتعرض للتمدد والشد وهذا يجعله يرد بفعل معاكس أي السعي نحو انغلاف الرئة،وهذا الرد يطلق عليه الضغط المستبطن للجنب السلبي،وكلما ازداد تمدد الرئة كلما ازداد رد الفعل.
ويجب أن لايغيب عن البال أنه أثناء الزفير فإن المرونة الرئوية عليها أن تقاوم تمدد الرئة من جهة،وعمود الهواء الذي يشغل المجاري الهوائية التنفسية،بحيث أنه في نوبات الربو وبسبب التشنج القصبي فإن مقاومة المجاري الهوائية تزداد بصورة كبيرة،وكذلك في انتفاخ الرئة فإن فراغات كيسية كبيرة تشغل الرئة وهذا يزيد الحجم الباقي،ويتداخل خلط الهواء الجاري مع هواء الرئتين.وإن شعور الشخص بازدياد المقاومة الرئوية لتضيق مجاري التنفس يجعله يحس بمقدار من هذه الزيادة،وهذا ما يسبب الزلة التنفسية.
الضغوط المهيئة للتنفس:
1 ـ الضغط الجوي:وهو الضغط الذي يؤثر على جميع أنحاء الجسم بواسطة الهواء المحيط،ويبلغ هذا الضغط 760مم زئبق عند مستوى سطح البحر ،ويسمى أي ضغط أقل من الضغط الجوي باسم الضغط تحت الجوي أو السلبي.
2 ـ الضغط داخل الرئوي:ويمثل ضغط الهواء داخل الشجرة القصبية والأسناخ.وخلال الدورة التنفسية فإن هذا الضغط يتبدل أقل أو أكثر من الضغط الجوي وذلك حسب دخول الهواء وخروجه من الرئتين.
3 ـ الضغط المستبطن للجنب
ملاحظة:سماعة الصدر:
تم اكتشاف سماعة الصدر في الربع الأول من القرن التاسع عشر،وكان صاحب الاكتشاف طبيب فرنسي من أهل الشمال بفرنسا،واسمه لاينك(1781 ـ 1826م)،وتم اكتشاف السماعة عام 1818م.
حيث كانت عادة الأطباء في ذلك الزمان أن يتسمعوا إلى قلب الإنسان مباشرة بأن يضعوا أذنهم على صدر المريض،فيسمعوا دقات القلب مباشرة،ثم حدث لهذا الطبيب أن جاءته فتاة شابة تشكو قلبها،وكانت بدينة،وكان الطبيب في حرج أن يضع أذنه على صدرها،من ناجيتين:كونها أنثى،ومن جهة أخرى فإن البدانة تشكا عائقاً أمام سماع دقات القلب.وهنا ظهرت له فكرة اكتشاف السماعة الصدرية،ونشر رسالة عن استخدامها.
ومن الناحية الوظيفية:
لاتحافظ المسالك الهوائية للشجرة التنفسية على أقطارها أثناء الحركات التنفسية الطبيعية والمرضية:
ـ أثناء الشهيق:تتطاول القصبات وتزداد أقطارها عرضاً،كما أن الجدار الخلفي الغشائي للرغامى يندفع نحو الخلف.
ـ أثناء الزفير:تحدث أفعال معاكسة،حيث يحدث تضيق في لمعة القصبات مع حدوث وهط في الجدار الخلفي للرغامى.
ـ أثناء الزفير القسري:يزداد الضغط داخل تجويف الصدر،وهذا الضغط المرتفع يضغط على الجدار الخلفي للرغامى،وتضيق لمعة المجاري الهوائية،وهذا هو التعليل المقبول للأصوات الصفيرية التي تسمع أثناء الزفير القسري الاشتدادي عند الأشخاص السليمين وعند المصابين بالربو.
إن وظيفة الرئة المثالية تعتمد على عدة عوامل:
1 ـ التهوية:Ventilation:
ويشرف على هذه الوظيفة العضلات التنفسية وخاصة عضلة الحجاب الحاجز،والعضلات الوربية بين الأضلاع واختلاف حجم الرئتين يشارك في هذا أيضاً .وهناك بعض المصطلحات التنفسية الهامة هنا لابد من التنويه عنها:
ـ الهواء الجاري:Tidal Volume:وهو حجم الهواء الذي يمر ويخرج من الرئتين أثناء الشهيق والزفير العاديين ويقدر في كل شهيق وزفير بحوالي 300 ـ 500سم مكعب.
ـ السعة الحيوية:Vital Capacity: وهو مجموع الكميات التي يستطيع الإنسان الكهل إخراجها وإدخالها من خلال الزفير والشهيق الجهديين،وبما أن السعة الشهيقية تبلغ 2500مل والحجم المتمم يبلغ 1300مل فالمجموع 3800مل.
إن السعة الحيوية تعتمد على الجنس والسن والعمر.
إن النقص الطفيف في قيمة السعة الحيوية أثناء الاستلقاء يمكن أن يكون بسبب ازدياد كمية الدماء في السرير الشعري الرئوي،ولكن التبدلات التي تحدث عند السعة الشهيقية والهواء المتمم تعود بسبب تغيرات وضعية عضلة الحجاب الحاجز،حيث تستقر أعلى الصدر عندما يكون الإنسان بوضعية الاستلقاء.
إن قيمة السعة الحيوية تنقص في الحالات التي تؤثر على حركات الصدر،وفي الأمراض التي يحدث فيها استبدال الهواء الرئوي بسائل أو ذرات صلبة،أو عندما يحدث إعاقة في تمدد الرئة لوجود هواء أو سائل بين وريقتي غشاء الجنب.
إن المصابين بالأمراض القلبية قد تنقص لديهم السعة الحيوية بمقدار 10 ـ 30% وذلك لتجمع الدم في الأوعية المحتقنة في النظام الوريدي.وبصورة ثانية بسبب ارتشاح سوائل الأوعية إلى الأفضية السنخية.
وإذا ما نقصت قيمة السعة الحيوية بمقدار 40% فإن الشخص لا يستطيع القيام بالجهود البسيطة بدون أن يحدث لديه زلة جهدية.وإن بعض المصابين يعانون من اللهاث وضيق النفس أثناء الوقوف أو الاستلقاء،وعلى العكس يشعرون بالارتياح أثناء الجلوس بسبب وضعية الحجاب الحاجز،وهذا ما يسمى الزلة الانتصابية.
إن السعة الحيوية(3800مل) بالإضافة إلى حجم الهواء الباقي(1600مل) ويطلق على المجموع السعة الرئوية الشاملة وتبلغ 5400مل.
ـ الهواء الباقي:Residual Vogume:وهو حجم الهواء الباقي بعد الزفير الجهدي القسري ويقدر بحوالي 1200سم مكعب.وهذا الهواء هو المسؤول عن طفو الرئتين على سطح الماء ويعبر عن هذا بالمشعر الطفوي.
ـ المسافة العاطلة أو الفراغ الميت:
إن كمية ال500 مل من الهواء الجاري لا تصل جميعاً إلى الأسناخ الرئوية،إذ أن القسم الأكبر يصل،ولكن هناك جزء بسيط يبقى في تجاويف الفم والبلعوم والرغامى(25 ـ 30مل)وفي المسالك الهوائية الصدرية أعلى القصيبات الانتهائية وهذا يسمى تشريحياً المسافة العاطلة.وهذا الهواء يعتبر بلا فائدة لأنه لايحصل تبادل للغازات في المسافة العاطلة.وأثناء الزفير فإن هواء المسافة العاطلة غير المتجدد يزفر إلى الخارج أولاً ومن ثم يتلوه هواء الأسناخ،وعلى ذلك فإن هواء الزفير يحتوي كلاً من:هواء المسافة العاطلة والهواء السنخي.
ـ السعة الباقية الوظيفية:(Function residual capacity(FRC:وهي كمية الهواء في الرئتين بعد الزفير ويقدر حجم السعة هذه بحوالي2,5إلى 3 ألتار.
وفي حالات التنفس الشديد كما في التمارين البدنية فإنه يشترك في التنفس عدد كبير من العضلات الإضافية في العنق والبطن.وفي هذه الحالة لا يكون الزفير حدثاً منفعلاً،بل يحدث بسبب سحب القفص الصدري إلى أسفل والجوانب عبر العضلات البطنية،وبسبب دفع الأحشاء البطنية للحجاب الحاجز إلى أعلى،مما يؤدي إلى نقص حجم الصدر.يكون حجم الهواء الرئوي في نهاية الزفير القسري أقل من السعة الباقية الوظيفية في حالة الراحة.وتبقى السعة الباقية اوظيفية دائماً في الأسناخ بعد الزفير الطبيعي.
ـ الحيز الميت:هي كمية الهواء في الطرق الهوائية والتي لا يحدث عايها أي تبادل غازي وتقدر بحوالي 150مل.كما يكون هذا الهواء أول هواء يدخل الاسناخ في الاستنشاق التالي.
حجم الهواء التنفسي:
إن كمية الهواء التي تدخل بالشهيق وتخرج بالزفير تسمى الهواء الجاريTidal Air،ومقدارها في الشخص الكهل 500مل،في التنفس الطبيعي.ويستطيع الإنسان بالشهيق الجهدي أن يأخذ حوالي 2500مل وهذا يسمى السعة الشهيقيةInspir Capacity،وهي تشمل الهواء الجاري أثناء الراحة،مع الحجم الشهيقي المتممInspir Reserve.كما يستطيع الإنسان بالزفير الجهدي إطلاق 1300مل ويطلق على الجزء الإضافي الهواء المدخر Expir Reserve Volume.وحتى بعد الزفير القسري فإن الرئتين والمجاري التنفسية يظل فيها حجم من الهواء يقدر 1600 مل من الهواء وهذا يسمى الحجم الباقي Residual V.وعند نهاية الزفير الطبيعي فإن الرئتين تحتويان على الهواء المدخر والحجم الباقي وهما معاً يطلق عليهما السعة الوظيفية الباقية Function Residuag Cap،وإن هذا الحجم الكبير يمنع التغيرات السريعة في تركيب الأسناخ الرئوية.
إن كمية الهواء التنفسي في كل دقيقة يطلق عليها اسم الحجم التنفسي الأدنى أو التهوية الرئوية.وبما أن سرعة التنفس تعادل حوالي 12 مرة في الدقيقة وإن حجم الهواء الجاري 500مل فإن الحجم التنفسي الأدنى يبلغ ستة ألتار ويصل أثناء الجهود حتى 70 لتراً.
2 ـ التبادل الغازي:
ويشرف على ذلك الجدر السنخية،وسلامتها،واتساع أفضيتها،التي تسمح للأوكسجين بالمرور نحو الدوران الدموي، وخروج غاز ثاني أوكسيد الفحم من الدوران إلى الأفضية السنخية.وتتعطل هذه الوظيفة في الحصار الشعري ـ السنخي ويترتب على هذا نتائج سريرية هامة.
يحدث الزراق عندما تصل كمية الخضاب المرجع في المصورة الدموية إلى 5غرام في كل 100سم مكعب(يحتوي الدم على 15غرام من الخضاب لكل 100 سم مكعب)أي إذا كان ثلث الخضاب في حالة عطالة.ونميز هنا بين الزراق التنفسي المنشأ أو القلبي المنشأ،بأن الأول يزول عند إعطاء الأوكسجين بينما يبقى في الزراق القلبي المنشأ.
إن المضخة التنفسية تتألف من:مركز التنفس في الدماغ،وجدار الصدر مع عضلات الشهيق،والاتصالات العصبية،والقفص الصدري العظمي.وإن أهم عضلات التنفس هي عضلة الحجاب الحاجز،والتي هي مسؤولة عن حوالي 75% من الجهد التنفسي أثناء الراحة،وإضافة إلى ذلك العضلات الوربية بين الاضلاع وبعض العضلات الأخرى ومنها عضلات البطن..
يتم كل دقيقة ضخ حوالي عشرة ألتار من الهواء إلى الرئتين،وهذا يمكن زيادته حتى 100 ـ 150 لتر في الدقيقة ،وفي كل شهيق فإنه يجب على عضلات التنفس الشهيقية أن تظهر قوة تعادل 1،Kpa،وهذا يمثل فقط 1% من الجهد الأعظمي لها،وعلى العكس تماماً إذا كان المريض مصاباً بالتشوهات العظمية مثل الحدب الجنفي،فإنه يكوت لديه ضعف عضلي،أو أن العضلات التنفسية تتعب بشكل سريع وخاصة بسبب ارتفاع المقاومة الهوائية المستمر.
إن الإجهاد المستمر للمضخة التنفسية يؤدي إلى إجهادها وهذا يؤدي بدوره إلى قصور التهوية المزمن والذي يتظاهر بفرط غاز ثاني أوكسيد الكربون ونقص الأوكسجين في الدم.وكلاهما له علاقة طردية مع درجة الإجهاد العضلي التنفسي.
وأثناء الراحة يبلغ استهلاك عضلات التنفس من الأوكسجين حوالي 1 ـ 3%من مجمل استهلاك الأوكسجين في كامل البدن،وفي الحالات المجهدة الشديدة للعضلات التنفسية قد تصل النسبة حتى 25%،وعضلات التنفس هي من العضلات المخططة الحمراء.
وإن مصدر الطاقة للعضلات على المدى البعيد والمزمن يعتمد على أكسدة الحموض الدسمة،وإذا استمر الإعياء العضلي فإنها تلجأ إلى حل الغليكوجين العضلي،وإن هذا الحلّ الذي يتم بالطريق الهوائي واللاهوائي يشكل مصدراً آخراً للطاقة يُمكن العضلات من معاوضة الإجهاد.
وإن إجهاد العضلات التنفسية المزمن يشاهد لدى مجموعتين من المرضى:
1 ـ التالِ لمرض رئوي مزمن مع فرط إجهاد العضلات التنفسية مثل التهاب القصبات الساد المزمن الشديد وانتفاخ الرئة،وفي أمراض العمود الفقري مثل الحدب والجنف الشديدين.
2 ـ الامراض العصبية العضلية المنشأ:كما في شلل الأطفال،والحثل العضلي،والتصلب الجانبي الضموري.
إن زيادة غاز ثاني أوكسيد الفحم بسبب قصور التهوية هي عملية معاوضة ذكية من الجسم تهدف إلى تخفيف الجهد على المضخة التنفسية.
وكمثال على ذلك:فإن المريض المصاب بالحدب الجنفي الشديد،وبسبب الإجهاد المزمن للعضلات التنفسية بسبب سوء وضعية العمود الفقري،فإن هذا يستدعي زيادة الاستهلاك للطاقة من العضلات المصبة والتأثر من الوضعية السيئة للعمود الفقري وعضلاته،وهذا يؤدي لنقص مداخر الطاقة فيها وهذا يستدعي إلى نقص العمل التنفسي لتجنب تجاوز عتبة الإفلاس العضلي.وهذا يستدعي حصول تنفس سطحي وسريع والذي يخفف من استهلاك مداخر الطاقة العضلية.ولكنه من جهة أخرى يسبب ازدياداً في الحجم الميت وبالتالي فرط غاز ثاني أوكسيد الفحم ونقص الأوكسجين.
ولذا فإن المعالجة بالأوكسجين لدى هؤلاء المرضى قد تزيد من فرط غاز ثاني أوكسيد الكربون وهذا يعني زيادة في نقص التهوية،ولكنه يخفف أيضاً العبء على العضلات التنفسية.
كما أن النوم آلية معاوضة أخرى.حيث أن النوم وبسبب عدم وجود فعالية بدنية يزيد من نقص التهوية،وبالتالي يقلل من استهلاك العضلات للطاقة.ولذا قد لا يظهر فرط غاز ثاني أوكسيد الفحم إلا أثناء النوم أحياناً،وإن الحماض التالِ لفرط هذا الغاز يعاوض كلوياً من خلال احتباس البيكربونات.
وإن نقص الأوكسجين المزمن يستدعي احميرار الدم الثانوي بزيادة انتاج الكريات الحمراء،وزيادة لزوجة الدم،وبسبب منعكس اويللر ـ ليللي ـ شتراند يحدث تقبضاً في الأوعية الرئوية ونقص الجريان الرئوي الوعائي وهذا يسبب فرط التوتر الرئوي وإجهاد البطين الأيمن وحدوث القلب الرئوي المزمن.
وفي هذه الحالات يفيد إجراء التنفس البيتي وبواسطة أجهزة IPPv،وهذا يخفف العبء على العضلات التنفسية ويجعلها قادرة على العمل أثناء النهار واليقظة بفعالية أكبر ويزيد من مداخر الطاقة فيها.
التنفس عند الجنين والوليد:
إن الجنين وحتى الاسبوع الثاني عشر من الحمل تبدو لديه بعض الحركات التنفسية العرضية.وإذا حقنت مادة مشعة ظليلة في السائل الأمنيوسي(الصائي) فإن الصورة الشعاعية للوليد بعد الولادة مباشرة تظهر ظلالاً في الرئة والأمعاء،وهذا يدل على أن الماء في السائل الصائي لابد وأن يمتص من خلال الرئة إلى الدوران الجنيني.
وأثناء الحياة داخل الرحم فإن الحركات التنفسية تكون متقطعة وغير منظمة.
أما عند الولادة حيث يستبدل الهواء بدلاً من السائل الصائي فإن الحركات التنفسية تصبح أعمق وأكثر انتظاماً.
وعندما يدخل الهواء إلى الرئتين عند أول تنفس فإن مرحلة وسطى تتشكل من الهواء ـ السائل في الأسناخ الرئوية،وإن البكاء الذي يظهر على الوليد بعد الولادة مباشرة ناجم عن ارتفاع تركيز ثاني أوكسيد الفحم لديه في الدم،بالإضافة إلى وجود بقايا من السائل الصائي في الشجرة الهوائية.
إن سرعة التنفس عند الوليد تبلغ 30 في الدقيقة،ويكون التنفس غير منتظم في الأيام الأولى بعد الولادة،ولكن لا تلبث أن تنتظم فيما بعد.
الإشراف المركزي على التنفس:
إن الإشراف المركزي على التنفس صعب جداً،بحيث أن المركز التنفسي يتلقى التعليمات من الدماغ والعضلات والأنسجة عن طريق مجموعة من الألياف العصبية ومن قبل الدم بواسطة المنبهات الكيميائية.ويقع مركز التنفس في البصلة الدماغية،ويرسل مركز التنفس سيالات عصبية عبر الأعصاب الحاجزية والوربية.
منعكس السعال:
السعال فعل زفيري انعكاسي يسبب انفتاح المزمار تحت ضغط عالٍ ويسبب اندفاع الهواء إلى الخارج.وأثناء هذا الجهد الزفيري قد يرتفع الضغط داخل الصدر إلى حوالي 100 ـ 300 مم زئبق.ويحدث تضيق في الرغامى والقصبات مثل أي زفير جهدي.والسعال منعكس طبيعي يحدث لطرح الأجسام الغريبة من القصبات إلى الخارج.
منعكس الفواق:
هو عبارة عن تقلصات تشنجية ومتكررة في عضلة الحجاب الحاجز،مع انغلاق مفاجىء في المزمار(المسافة بين الحبلين الصوتيين)وهذا يسبب منع دخول الهواء.وإن التوقف المفاجىء لعمود الهواء من الدخول إلى الصدر،يسبب حدوث الصوت الخاص بالفواق.أي أن وجود التقلصات التشنجية والتي تكون غير منظمة تسبب تقلص الحجاب أثناء انغلاق المزمار وهذا التقلص يسبب اندفاع الهواء،لأن التقلص مرتبط بالشهيق ولكن هذا الهواء يصطدم بالمزمار المغلق وهكذا يتراكم عمود من الهواء أعلى المزمار وعند حدوث الزفير يرتطم هواء الزفير مع هذا العمود وتحدث الأصوات الخاصة بالفواق.
منعكس التثاؤب:
هو يحدث بسبب تقلصات لا إرادية في المجاري التنفسية،تترافق مع “مطمطة” في الأطراف والوجه،وتمتاز بالتوسع في البلعوم.وبغض النظر عن الانقباض الوعائي المؤقت الذي يترافق مع الشعيق الكبير،فإنه لا يحدث تبدل وعائي دوراني في الدماغ.وإن سبب وكيفية حدوث التثاؤب لازال مجهولاً.
الوسائط التشخيصية في أمراض الصدر:
1 ـ القصة السريرية والفحص الحكمي:السؤال عن السعال،والقشع،والزلة،والألم الصدري،والزراق،وأصايع مطرقة الطبل،والمهنة،والتدخين،والقصة الوراثية…..
ومن خلال الفحص السريري بالتأمل:الكشف عن الزراق وأصابع مطرقة الطبل،وشكل الصدر(خاصة في انتفاخ الرئة) أو وجود الحدب والجنف في العمود الفقري الظهري،والكشف عن وجود الزلة على الراحة أو الجهد،ووجود بعض أشكال التنفس ومنها الضباحStridor،بسبب إصابة الحبال الصوتية،….
ومن خلال القرع(أول من أدخل القرع في فحص الصدر النمساوي أوينبورجر)والقرع يفيد في حال وجود انصباب الجنب بشكل خاص …
ومن خلال الإصغاء(أول من اكتشف سماعة الصدر الطبيب الفرنسي لاينكة عام 1918م)وهنا يمكن الكشف بالإصغاء عن الأصوات التنفسية الطبيعية،والمرضية مثل وجود الوزيز والصفير، والتي تدل على التشنج القصبي،ووجود الخراخر الرطبة الفقاعية والتي تدل على ذات الرئة،وكذلك خفوت الأصوات كما هو الحال في انتفاخ الرئة الشديد وانصبابات الجنب…
2 ـ فحص القشع:جرثومياً،وخلوياً.وسرطانياً(الخلايا السرطانية)
3 ـ وظائف الرئة وغازات الدم:
إن اختبارات وظائف الرئة تسهل تشخيص ومراقبة ومعالجة أمراض الرئة والقصبات بأشكالها المختلفة.
وأهم استطبابات إجراء وظائف الرئة ما يلي:
1 ـ وجود أعراض مستمرة أو مزمنة ومنها: ضيق التنفس وخاصة إذا ترافق مع السعال أو القشع.
2 ـ الشك بوجود مرض في القصبات أو الرئة أو الصدر أو القلب.
3 : المراقبة وتحديد الانذار وخطة المعالجة في حال تأكيد أمراض مزمنة في الرئة والقصبات
4 ـ إجراء وظائف الرئة قبل العمل الجراحي وخاصة في عمليات الصدر أو القلب لتحديد عوامل الخطورة قبل العمل الجراحي
5 ـ إجرائها بشكل دوري في بعض الأمراض المهنية وخاصة تغبرات الرئة.
6 ـ ينصح بإجرائها بشكل دوري وخاصة عند المدخنين للكشف المبكر عن أمراض الرئة والقصبات السادة المزمنة.
ويتم بوظائف الرئة الكشف عما يلي:
1 ـ اضطرابات التهوية بشكليها:
ـ اضطرابات التهوية السادة:وهي الأكثر شيوعا،ومنها الربو القصبي،والتهاب القصبات الساد المزمن.وانتفاخ الرئة الساد….
ـ اضطرابات التهوية الحاصرة:وتشاهد في العديد من الآفات:
ـ الآفات الرئوية:تليفات الرئة،وبعد الاستئصال الجراحي لأجزاء من الرئة.
ـ الآفات الجنبية:مثل وجود التسمكات والتليفات والالتصاقات الشديدة…
ـ آفات جدار الصدر:وخاصة بعد الرضوض الشديدة،الحدب والجنف،وداء بيشتريف..
ـ القلبية المنشأ:مثل قصور القلب الأيسر..
2 ـ اضطرابات تبادل الغازات:
ـ بسبب عدم التجانس في التهوية ـ التروية.
ـ بسبب صعوبة النفوذية.
ـ بسبب وجود مسرب رئوي ـ وعائي(شرياني ـ وريدي)
ـ بسبب نقص التهوية السنخي.
ويمكن عيار غازات الدم أثناء الراحة،أو بعد الجهد.ويفيد هنا إجراء عيار غازات الدم بالطريق الشعري أي عن طريق شحمة الاذن،ولكن هذا لاينصح به في حالات الصدمة وإنما لابد من عيار الغازات عن طريق الدم الشرياني.
الأجهزة المستعملة في التشخيص:
1ـ Peak Flow:هو جهاز يقيس الجريان الهوائي الأعظم بعد زفير جهدي قصير يسبقه شهيق قسري أعظم ،ويقاس باللتر في الثانية.
وهو يفيد خاصة كفحص منزلي يقوم به المريض وخاصة في أمراض الربو ويفيد في مراقبة المرض ووضع خطة المعالجة.ويجرى القياس ما امكن 3 ـ 4 مرات يومياً ويسجل في دفتر خاص.كما يفيد في الكشف عن الربو الجهدي ،حيث يجرى القياس قبل وبعد الجهد الجسمي.
2 ـ Spiro metrie: ويفيد في قياس وظائف الرئة وخاصة
1ـ السعة الوظيفية الحيوية:VC:أي ماهي كمية الهواء العظمى التي يمكن للمريض أن يستنشقها.وينصح بإجراء السعة الحيوية في وضعية الشهيق،وذلك لأن السعة الحيوية الزفيرية القسرية FVC تكون في حالات اضطرابات التهوية السادة أقل بشكل واضح من الشهيقية.وإذا تعذر قياس السعة الحيوية الشهيقية ،فإنه لا بد من قياسها ليس بالزفير القسري فقط،بل بالزفير الطويل البطىء.
وهنا نفرق مابين قياسين:فإذا كان هناك هبوطاً في هذه النسبة وكان أكثر أو معادلاً للحجم الزفيري القسري في الثانية يقال بوجود آفة حاصرة في الرئة مثل أدواء الأسناخ وتليفات الرئة.
1 ـ السعة الوظيفية بالذات:وهنا سيان إذا أجري القياس أثناء الشهيق أو الزفير،والمهم أن يجرى أثناء التنفس العادي.
2 ـ السعة الوظيفية أثناء الزفير الجهدي:FVC:وهذه يجب قياسها أثناء الزفير القسري.
2 ـ وقياس مايسمى الحجم الزفيري القسري في الثانية:FEv1:أي ماهي كمية الهواء الذي يمكن للمريض خلال ثانية أن يزفرها بالزفير القسري.وبشكل أبسط هي حجم الهواء المزفور في الثانية الأولى من الزفير.وتبلغ قيمتها عند الاصحاء حوالي 75% أو أكثر من السعة الحيوية خلال الثانية الأولى.
ووجود هبوط في هذا القياس يدل على وجود داء انسدادي في القصبات مثل الربو،والتهاب القصبات الساد المزمن..وفي المراحل الأولى من هذه الادواء السادة ينقص هذا المشعر بينما تبقى السعة الوظيفية طبيعية،ولكن في الأشكال الشديدة والمترقية من الأدواء السادة ينقص المشعران،ولكن تبقى النسبة بينهما ناقصة أيضاً.وإجراء التناسب مابين الإثنين أي FEV1/VC،هذه النسبة وتسمى السعة النسبية في الثانية هي المشعر الهام في تحديد أدواء القصبات والرئة إذا كانت سادة أو حصرية.(وتسمى أيضاً مشعر التيفينو Tiffeneau Index )
ولابد عند إجراء القياس ورسم المخطط للفحص التأكد من مشاركة المريض بإجراء الفحص بشكل تام،ولذا ينصح بإجراء القياس ثلاث مرات.
وهذه القياسات لها علاقة مع سن وجنس ووزن وطول المريض.
3 ـ Bodyplethmographie:وهذا يمكن بواسطته إجراء القياسات السابقة يضاف لها قياس المقاومة الهوائية.وهذا الفحص لايعتمد على إتقان المريض وتجاوبه أثناء القياس.
و كذلك قياس الحجم داخل الصدر أو مايسمى الحجم الباقي وهذا فحص هام جداً في حالات انتفاخ الرئة .حيث يوجد هنا تحدد في السعة الحيوية والذي لابد أن يفرق عن الأسباب الأخرى لتحددها كالادواء الحاصرة.
وكذلك إجراء فحص سعة التفشي أو الانتشار أو مايسمى:Diffusion Capcit،وهذا يفيد من أجل معرفة النفوذية الغازية عبر الأسناخ،ويستعمل فيه غاز أول أوكسيد الفحم،وهذا يفيد خاصة في أمراض تليفات الرئة مثلاً والساركوئيد…وأمراض الرئة المتنية.
ويمكن بالأجهزة السابقة إجراء مايسمى اختبار حل التشنج القصبي Bronchospasmolyse Tes،حيث تعطى مادة حالة للتشنج القصبي مثل السالبوتامول،ويجرى الفحص قبل وبعد إعطاء المادة لمعرفة وجود التحسن أو عدمه في التشنج القصبي،وما إذا كان الأنسداد القصبي عكوساً أو لا.
وكذلك يمكن إجراء اختبار التحريض القصبيBronchial Provocation Test.
وذلك بإعطاء مادة مثل الأستيل كولين أو الميثاكولين أو الهستامين أو الكارباكول لمعرفة وجود فرط الفعالية القصبية أو لا،ولايجرى هذا الفحص إلا تحت المراقبة التامة لأنه قد يسبب لدى بعض المرضى حدوث هجمة ربوية حادة.
وفي بعض الحالات تعطى مادة نوعية يشك بأنها تسبب الربو عند المريض مثل غبار الطلع أو غبار المنزل،أو بعض المؤرجات المهنية في حال الشك بوجود مرض مهني.
كما يمكن إجراء هذه الفحوصات قبل الجهد الجسمي وبعده في حال الشك بالربو المحرض بالجهد.
في الأمراض باضطراب التهوية الساد مثل الربو وانتفاخ الرئة والتهاب القصبات الساد المزمن فإن أهم معالم التشخيص من حيث وظائف الرئة مايلي:
1 ـ نقص FEV1
2ـ نقص مشعر التيفينو.
3 ـ ازدياد المقاومة القصبية.
3 ـ نقص ما يسمى MEF50 أو MEF25:وهي عبارة عن معدلات الجريان الأعظمي الزفيري للسعة الحيوية الزفيرية.وهذه القياسات تعني مثلاً MEF75،أنه يوجد 75% من السعة الحيوية الزفيرية في الرئة.
4 ـ ارتفاع الحجم الباقي الوظيفي FRC
5 ـ ارتفاع الحجم داخل الصدر ITGV:وهذا يتم قياسه بعد نهاية زفير طبيعي
إن الانسداد والتضيق في المجاري التنفسية المركزية داخل الصدر يسبب ارتفاعاً ملحوظاً في المقاومة القصبية،وفي حالات الانسداد القصبي المحيطي فإنه يسبب نقصاً ملحوظاً في FEV1 و MEF 50أو MEF25.
ويمكن القول بوجود انتفاخ الرئة إذا كان الحجم الباقيRV،والجزء من الحجم الباقي في السعة الكلية TLCمرتفعين.
أما الانسداد في المجاري الهوائية الكبيرة خارج الصدر مثل الحنجرة والرغامى فإنه يشاهد مايسمى علامة عروة المقاومة أو التشوه السيني.
بعض المصطلحات في وظائف الرئة:
السعة الحيوية:VC Vital Capacity
السعة الشهيقية:IRV
الحجم الزفيري الاحتياطي:ERV
السعة الوظيفية الباقية:FRC
الحجوم الباقية:RV
السعة الكلية:TC
الحجم الزفيري القسري في الثانية الاولى:FEV1
الحجم الزفيري القسري في الثواني الثلاثة الأولى:FEV3
المقاومة الهوائية:Raw:والتعريف:هو الضغط اللازم والضروري الذي يُحتاج إليه من أجل تمرير تيار هوائي يُدخل إلى المجاري التنفسية بمعدل لتر كل ثانية.
ويتم قياس المقاومة الكلية(Total Resistance(Rt،والأفضل قياس مايسمى المقاومة النوعيةSpecific Res (sRaw).
قياس الضغط الشهيقي الأقصى(Pi max )Press Inspiration Max:
تحصل التهوية الرئوية بفضل المضخة التنفسية وهذه تعمل من خلال توجيه المركز التنفسي وبالإشراف العصبي وبمساعدة جدار الصدر وما فيه من عضلات تنفسية وعظام القفص الصدري.
إن العضلات التنفسية الشهيقية هي عضلات مماثلة في صفاتها للعضلات الهيكلية الصقلية،وبالتالي فإنها تتعرض للإجهاد وهذا يعني قلة أو ضعف الوظيفة.
وهذا الإجهاد العضلي يتعلق من جهة بالمطلوب الحالي من العضلات بالمقارنة مع السعة الوظيفية القصوى للعضلات.
فمثلاً بالنسبة لعضلات الطرف السفلي من الجسم فإن الإجهاد يحصل لها إذا تجاوزت اوظيفة 15% من السعة الوظيفية القصوى للعضلات في وضعية معينة (مثلاً الوقوف).وبالنسبة لعضلات الشهيق يحصل الإعياء أو الإجهاد خلال عدة دقائق إذا تجاوز الضغط أثناء الشهيق 35 ـ 40% من الضغط الشهيقي الاقصى،والإعياء العضلي يؤدي إلى نقص التهوية السنخي وارتفاع غاز ثاني أوكسيد الكربون.
وفي حالات الإجهاد الحاد الشديد والمترق كما في نوبة الربو الحاد يحدث إفلاس عضلي للمضخة التنفسية مع تسرع التنفس وفرط غاز ثاني أوكسيد الكربون،ومن ثم توقف التنفس.
أما في الحالات المزمنة وحيث يتطور المرض ببطء فإنه يحدث إجهاد مزمن وهنا تتدخل آليات معاوضة بحيث يحدث نوع من التكيف والتلاؤم بحيث لا نشاهد هنا إرهاق شديد في العضلات التنفسية ولكن يشاهد إجهادمزمن مع نقص التهوية السنخي.
وإن تشخيص وظيفة عضلات التنفس يجب أن يجيب على ما يلي:
! ـ هل هناك تحدّد أو قصور في الجهد التنفسي الشهيقي الأقصى؟
2 ـ هل هناك إجهاد وفرط عمل للعضلات الشهيقية؟
طريقة الفحص:يتم قياس الضغط الاقصى الشهيقي الأعظمي عن طريق الفم أثناء الشهيق القسري الجهدي بالمقارنة مع الحجم الباقي،تجاه مقاومة لصمام مسدود وهذا يفيد في معرفة واختبار الوظيفة العضلية التنفسية،وهذا مايسمى الضغط الشهيقي الأعظم .
4ـ اختبارات التحسس:الفحص الجلديPrick Test،والفحوص المصلية وخاصة الكشف عن الاضداد النوعية وهذا يسمىRAST Test،واختبارات التحريض بمختلف أشكالها:العينية،والأنفية،والقصبية.
5ـ الصورة الشعاعية للصدر بالوضعين:حيث يمكن الكشف عن البنيات والتكوينات بقطر أكبر من 5مم،والتصوير الشعاعي بالوضعين يعطي معلومات واسعة وخاصة الكشف عن ذوات الرئة وانصبابات الجنب،والريح الصدرية،والأورام السليمة والخبيثة والانتقالات السرطانية،وكذلك عن أمراض مثل انتفاخ الرئة والفقاعات الرئوية والكيسات الرئوية الهوائية أو المليئة بالسوائل كما في الكيسة المائية،وكذلك تغبرات الرئة وأمراض الرئة الخلالية وتليفات الرئة …..ويمكن إتمام الفحص الشعاعي بإجراء التنظير الشعاعي،والذي يفيد خاصة في الكشف عن حركات الحجاب الحاجز.
والتصوير الطبقي المحوري:
إن التصوير الطبقي المحوري واسطة تشخيصية هامة،أدخلت في التشخيص أوائل السبعينات من القرن الماضي،وكانت في البداية للرأس فقط،ثم لكامل الجسم.ويمكن بواسطته الكشف عن آفات المنصف،والأورام الشاغلة للحيز،ومعرفة توضعها ومدى انتشارها،والتفريق بينها وبين الأورام السليمة أو الخبيثة،وهي واسطة ناجحة جداً في التمييز بين الأورام الشحمية والتي تتوضع غالباً في الزاوية القلبية ـ الحاجزية،وكذلك تمييز أورام المنصف الشحمية عن غيرها،وكذلك كشف الكيسات الرئوية،ومنها الكيسات التأمورية،والتي تتميز بتوضعها في الزاوية القلبية الحاجزية اليمنى.
وكذلك الكشف عن الآفات السرطانية:من حيث التوضع والانتشار وإصابتها الأوعية الدموية،والمجاورات،والانتقالات السرطانية وحيدة أو ثنائية الجانب في الرئتين.
كما يمكن الكشف عن الأورام الدموية والخراجات الرئوية.
كما يمكن الكشف عن العقد اللمفية المنصفية والسرية.
وكذلك تشخيص أمراض الرئة الأخرى ومنها الساركوئيد،وتليفات الرئة،وتغبرات الرئة،وانصبابات الجنب،وذوات الرئة بأشكالها المختلفة؟وكذلك الكشف عن العلامات النموذجية في داء الأسبتس الرئوي وخاصة تسمكات وتكلسات غشاء الجنب المتناظرة.
وكذلك تشخيص الصمامة الرئوية واحتشاء الرئة.
ومن أشكال التصوير الطبقي المحوري نذكر(HR CT( High Resoution،حيث تعطى هنا حزم شعاعية كثيفة بحيث نحصل على صور طبقية بسماكة 1 ـ 2 مم وهذا يفيد خاصة في أمراض الرئة المتنية مثل تليفات الرئة.
وقبل إجراء التصوير الطبقي بإعطاء المادة الظليلة فلا بد من الانتباه لعدم وجود مضادات استطباب ومنها فرط نشاط الدرق،والقصور الكلوي ولذا يجرى عيار الكرياتنين وهرمونات الدرق قبل الفحص،كما لابد من التأكد من عدم وجود التحسس للمادة الظليلة.
ومن مساوىء التصوير الطبقي المحوري التعرض للأشعة وهذا لايشاهد في حال التصوير المسىMRT حيث يتم التصوير بالحقول المغناطيسية وليس الشعاعية.
6 تنظير القصبات وغسيل القصبات:
في عام 1870 لاحظ تايندالس بأن الألياف الزجاجية يمكن أن تنقل الضوء.
وفي عام 1964م كان Ikedas أول من ذكر استعمال المنظار اللين في تشخيص سرطان القصبات.
إن تنظير القصبات بالمنظار المرن وبالتخدير الموضعي قد استطاع إلى حد بعيد أن يبعد التنظير بالمنظار القاسي الذي لا يجرى عادة إلا بالتخدير العام،وإن كان التنظير بالمنظار القاسي لا يزال مستطباً عند الأطفال،وفي حالات النزوف الشديدة،والمعالجة بالليزر،واستئصال الأجسام الأجنبية الكبيرة.
أما استطبابات التنظير بالمنظار المرن من الناحية التشخيصية فهي:
1 ـ الشك بالأورام القصبية.
2 ـ الحصول على المفرزات للفحص الجرثومي والخلوي،وخاصة في داء السل.
3 ـ إجراء البزل والخزعة للقصبات وعبر القصباتTransbronchial،وخاصة في أمراض الأسناخ والرئة الخلالية والساركوئيد مثلاً.
4 ـ إجراء غسيل القصبات BAL
5ـ تصوير القصبات (التوسع القصبي)أو الشك بالنواسير القصبية.
6 ـ نفث الدم مجهول السبب:هنا ينصح باستعمال المنظار القاسي.
7 ـ خذل أو شلل العصب الحاجزي أو الراجع مجهول السبب،وذلك من أجل نفي الأورام القصبية المركزية.
8 ـ ذوات الرئة لدى تثبط المناعة.
9 ـ السعال المزمن مجهول السبب.
وأما استطبابات تنظير القصبات علاجياً فهي:
1 ـ إرقاء النزيف.
2 ـ مص المفرزات في حالات ذات الرئة الاستنشاقية أو حالات الانخماص الرئوي.
3 ـ غسيل القصبات.
4 ـ المعالجة بالليزر.
5 ـ المساعدة في التنفس الاصطناعي والتنبيب الرغامي.
7ـ تنظير الصدر والمنصف
8 ـ الومضان الرئوي:للكشف عن اضطرابات التهوية ـ التروية،وهذا يفيد خاصة في تشخيص الصمامة الرئوية.
9 ـ فوق الصدى للقلب(الإيكو) ،وقثطرة القلب الأيمن.
10 ـ فوق الصدى للرئة وخاصة في حالات انصباب الجنب بكميات يسيطة.
أهم أمراض الرئة والقصبات السادة:Obstructive lung disease
1 ـ انتفاخ الرئة:Emphysema
هو عبارة عن توسع المسافات الرئوية التنفسية في الجزء من الرئة الذي يتلو القصيبات الانتهائية.وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية:فهو عبارة عن توسع لا عكوس يصيب الأفضية الهوائية في القصيبات النهائية بسبب تخرب جدرانها.
وأهم العوامل المسببة لذلك التدخين المستمر.والتدخين السلبي،والتعرض للمخرشات مثل تلوث البيئة،والتعرض للأغبرة الضارة كما في بعض المهن،وفي حالات نادرة وجود عوز خمائري في خميرة ألفا أنتي تربسين وهو داء وراثي.
ومن أبرز الأعراض:الزلة الجهدية المترقية مع أو بدون وجود السعال.
الآلية الإمراضية في انتفاخ الرئة:
حسب المعلومات الحديثة فإن انتفاخ الرئة يحدث بسبب عدم التوازن ما بين الخمائر الحالة للبروتين Proteolyse،والخمائر المضادة لذلكAnti Protease،وإن ازدياد إطلاق وتحرير خمائر Elastase من الكريات البيض (المعتدلات وبالعات الكبار) يؤدي إلى ازدياد الحلّ البروتيني،وهذه الخمائر تطلق بشكل خاص أثناء وجود العمليات الالتهابية المستمرة في القصبات والاسناخ وهي تخرب ألياف الكولاجين والإيليستاز في نسيج بارانشيم القصبات.كما أن خميرة الإستلاز تسبب تشكل مخاط لزج وتعطل عمل الأهداب في البشرة المخاطية للقصبات وهذا يؤهب للإنتانات المعاودة والمتكررة.
وإن وسائل الوقاية تتضمن وجود مايسمى الألفا أنتي تربسين وهي تشكل في الكبد وتسير في الدوران الدموي،بالإضافة لوجود وسائط وقائية موضعية أخرى.
وإن دخان السجائر يحتوي على مواد عديدة تؤثر في هذا التوازن،فإن المواد الاستنشاقية الخارجية من نوع المؤكسدات تعطل عمل ألفا أنتي تربسين،وتزيد من نشاط الخمائر الأخرى وخاصة الالستاز الحالة للمرنين والمخربة للأنسجة.كما أن دخان السجائر ينشط عمل بالعات الكبار والتي تشكل الخمائر الحالة للبروتينات،كما أنها تشكل مواداً أخرى مثل اللوكترين وهذا يحرض مجموعة من التفاعلات تسبب تخرب القصيبات والأسناخ.
ويقسم انتفاخ الرئة سريرياً إلى:
1 ـ انتفاخ الرئة الموضع:وهذا ينقسم بدوره إلى:
ـ انتفاخ الرئة الموضع الحاد:ويشاهد عند الأطفال المصابين بالتهاب القصبات أو ذات الرئة والقصبات حيث يشاهد انخماص في بعض مناطق الرئة وحدوث انتفاخ معاوض في مناطق أخرى من الفصيص الواحد بسبب الالتهاب،والوذمة ويمكن أن تعود الرئة للحالة الطبيعية بعد زوال المرض.
ـ انتفاخ الرئة الموضع المزمن:وهذا يشاهد في مناطق تشريحية محددة بعد حدوث التهاب مزمن يترافق مع تضيق مزمن في القصبات أو القصيبات مع حدوث تضيق في لمعة القصبات المصابة،وهذا قد يشاهد خاصة في المناطق المجاورة للندبات الرئوية.
ـ انتفاخ الرئة المجاور للشقوق الفصية أو الفصيصية Paraseptal:وهو يتوضع في المناطق من الرئة الواقعة تحت الوريقة الحشوية للجنب مباشرة وسببه عادة ضمور في القصيبات التي تغذي تلك المناطق المحيطية من الرئة.وهذا قد يؤهب للريح الصدرية.
ـ انتفاخ الرئة الفصي:ويشاهد عند الولدان في الأشهر الأولى من العمر والسبب الغالب هو وجود دسام خلقي أو وعاء هاجر أو جسم أجنبي أو ورم خارجي يضغط على لمعة القصبة فيؤدي إلى حالة ما تحت الانسداد فيها،وذلك بدوره يسبب حدوث انتفاخ حاد وسريع في ذلك الفص الرئوي،وأكث ما يشاهد هذا في الفص العلوي الأيسر.
ـ انتفاخ الرئة المعاوض:ويشاهد في الجزء من الرئة الذي بقي فعالاً بعد استئصال جزء آخر من تلك الرئة أو انخماصه .
ـ الرئة الوحيدة الجانب النيرة جداً(أو متلازمة سواير جيمس):حيث يشاهد شعاعيا رئة نيرة جداً وحيدة الجانب دون وجود انخماص رئوي،مع نقص في التهوية،ونقص في التروية،وهي تنجم عن تدمير جزء من المجاري التنفسية لالتهابات حدثت إبان الطفولة،أي أن الداء ليس شذوذاً خلقياً.
2 ـ انتفاخ الرئة المعمم:وهذا ينقسم إلى:
ـ المركزي:Centri Acinar:وهو انتفاخ يصيب الأقسام المركزية من القصيبات التنفسية فقط من الرئة Bronchioli وتبقى الأقسام المحيطية من الرئة سليمة،ويطلق على هذا الانتفاخ أيضاً الفصيصي المركزي.أو انتفاخ الرئة الانسدادي ،وتبدو القصيبات التنفسية المؤوفة بشكل كيسات غير منظمة.ويمتد من المركز إلى المحيط ويصيب خاصة الفص العلوي من الرئة.
وهذا الشكل ينجم غالباً عن الأذيات الاستنشاقية وخاصة دخان السجائر.
ـ انتفاخ الرئة المنتشر أو المتعمم:Pan lobular:ويصيب هذا الشكل الوحدات الفيزلوجية الرئوية التي تشمل القصيبات والقنيوات والأفضية السنخية والأسناخ.أي أنه يصيب العنبات والأسناخ الرئوية وتكون الإصابة بشكل متجانس،وليس له علاقة مع المجاري التنفسية الهوائية الأخرى،ويشاهد هذا الشكل غالباً في الأقسام الرئوية البعيدة المحيطية،كما يشاهد في عوز ألفا أنتي تربسين.
ـ انتفاخ الرئة الشيخي عند المسنين:يشاهد انتفاخ بسيط عند الكهول بعد سن الأربعين وسببه استحالات وتنكسات تصيب الأسناخ وخاصة الألياف المرنة من جدرها.
ـ انتفاخ الرئة الفقاعي:Bulous:عبارة عن تشكل فقاعات وحيدة على الأغلب أو عديدة كبيرة ومختلفة الحجوم في رئة طبيعية أو على الأغلب مصابة بانتفاخ الرئة والسبب هو تحطم الجدر بين الأسناخ مع فرط انتفاخ البقية الباقية من الأسناخ وقد تصل الفاعات إلى حجوم كبيرة يسبب معه انخماص الأقسام الباقية من الرئة.وتشاهد الفقاعات في محيط الرئة وتأخذ شكل البالون وإن تمزق إحدى الفقاعات قد يسبب الريح الصدرية.
وفي عام 1963م كشف عن وجود داء وراثي له علاقة مع نقص ألفا أنتي تربسين،وهذه المادة ذات تأثير حافظ وواق للرئة،حيث أنها خميرة ترتبط وتندمج مع الخمائر المسماة Estelase وهي تنطلق من الخلايا الالتهابية. وفي حال عوز خميرة ألفا أنتي تربسين يحدث رجحان لعمل خمائر Protease وهذا يؤدي إلى تخريب الألياف الكولاجينية والمرنة وحدوث انتفاخ الرئة لدى الشباب في مقتبل العمر وخاصة عند المدخنين منهم.
وفي عام 1989م تم معالجة نقص الخميرة في هذا المرض بإعطاء خلاصات منها عن طريق الوريد،وتعطى بشكل اسبوعي في حالات الإصابة الشديدة.
2 ـ الربو القصبي:Bronchial Asthma
وهو داء يمتاز بحدوث هجمات مترددة من التشنج القصبي بسبب فعل مُخرش أو مُحسس،وهذه الهجمات اشتدادية على الأغلب يفصل بينها فترات هجوع لا عرضية غالباً،وفي بعض الحالات يكون المرض مزمناً،وفي حالات نادرة قد تستمر الهجمات وبشكل شديد لعدة أيام أو أسابيع وهذا مايسمى الحالة الربوية.Status asthmaticus
ويقدر عدد الإصابات عالمياً بالربو بحوالي 5% من تعداد السكان،وفي ألمانيا حوالي 10% عند الأطفال،و5% عند الكبار.
وحوالي 60% من الإصابات تشاهد في سن الطفولة وعند اليفعان.وإن الإصابة متساوية لدى الجنسين.وقد لوحظ زيادة عدد الإصابات بالربو على المستوى العالمي في السنوات الأخيرة،حيث ارتفعت نسبة الإصابات في نيوزيلندا من 7% إلى حوالي13% خلال السنوات من 1968م وحتى 1982م.
ويموت في ألمانيا سنوياً حوالي 6000آلاف مريض،وهذه النسبة ثابتة تقريباً رغم تحسن وسائط التشخيص والمراقبة والمعالجة.
ويمكن تعريف الربو:
أنه تشنج عكوس يصيب المجاري الهوائية أي القصبات،وسببه وذمة في الغشاء المخاطي بدرجات مختلفة مترافقاً مع تشنج في القصبات وفرط إفراز المخاط.
وهناك تعريف آخر لجمعية الصدر الأمريكية:
هو عبارة عن زيادة فعالية المجاري التنفسية تجاه مختلف المخرشات،وما ينجم عن هذا من تطاول الزفير الجهدي والذي يتراجع عفوياً أو دوائياً.
أي أن الربو يحدث بسبب ثلاثة عوامل لابد من معالجتها جميعاً حتى تكون المعالجة ناجحة:
1 ـ تقلص في العضلات الملساء في جدر القصبات والقصيبات: وهنا تبرز أهمية المعالجة بحالات التشنج القصبي،قصيرة وطويلة مدى التأثير.
ومن المعروف أن تعصيب العضلات الملس في القصبات يتم عن طريق الجملة العصبية الذاتية بفرعيها، فالتعصيب نظير الودي عن طريق ألياف العصب المبهم Vagus،يؤدي تنبيهها إلى زيادة تشنج القصبات وزيادة الإفراز المخاطي،وعلى العكس من ذلك فإن التعصيب الودي(السمباثي) يسبب استرخاء العضلات الملس.
2 ـ الوذمة في الغشاء المخاطي:وهنا يبرز دور المعالجة بالستيروئيدات الإنشاقية أي مركبات الكورتيزون بشكل إستنشاقي.
3 ـ الإفراز الزائد للإفرازات المخاطية :والتي قد تسبب سدادات مخاطية لزجة تمنع انفتاح القصبات الصغيرة وهنا يأتي دور المعالجة الدائمة والمستمرة بالستيروئيدات الإستنشاقية.
وهذه العوامل الثلاثة مرتبطة إلى حد كبير بوجود ما يسمى فرط الفعالية القصبية لدى مرضى الربو Hyperreactivity،ولا نعرف حتى اليوم لماذا تنشأ وتحدث فرط الفعالية هذه،ولكن من المعروف بأنه وبسبب بعض المنبهات وخاصة الإنتانات أو التحسس أو بعد الجهود الجسمية تتفاعل القصبات بالأعراض الثلاثة السابقة التي ذكرناها.
يصيب الربو الجنسين ويصادف في كل الأعمار.
أهم أسباب الربو:هناك عدة أسباب ومنها:
1ـ العامل التحسسي:الربو التحسسي:Allergic asthma
ويسمى الربو التحسسي أو الربو الخارجي المنشأ :Extrinsic وذلك ناجم عن مجموعة من العوامل المُحسسة ونذكر منها:قراد غبار المنزل، أغبرة الطلع في أشهر الربيع والصيف،أشعار الحيوانات وخاصة الكلاب والقطط أو الأرانب،..أو بسبب مأكولات معينة، أو بسبب دوائي وخاصة الأسبرين ومضادات الالتهاب والمسكنات غير الستيروئيدية مثل الديكلوفيناك والإيبو بروفين…أو قد يكون بسبب مهني كما هو الحال بسبب التعرض لأغبرة الدقيق عند صانعي الخبز والطحانين،أو بسبب بعض الأصبغة الشعرية عند الحلاقين،….وهذا الربو التحسسي يمكن الكشف عنه من خلال القصة السريرية وبعض اختبارات التحسس الجلدية والمصلية…
غبار الطلع والتحسس:Pollen
وغبار الطلع هو لقاح الأزهار وهو المسحوق الموجود في الزهور،وهذا المسحوق يعلق في الأهداب في جسم النحلة.
أول ما وصف الداء عند العرب في العصور الوسطى،وسمي داء أو حمى الورد،ثم وصف من بعد ذلك في انجلترا من قبل جون بوستوك عام 1819م،ويقدر نسبة الإصابة فيه في العالم المتمدن حوالي 5 ـ 10 % من السكان.
ومن أهم أعراض الداء في الربيع أو الصيف حدوث زكام وعطاس شديدين مع حكة أنفية شديدة،،واحمرار العينين والدماع، وانتفاخ الأجفان أحياناً،وحرقة شديدة فيهما، والتحسس للضياء، والإحساس بجسم أجنبي في الحلق،وفي الحالات الشديدة تحدث نوبات الربو.
والمصابون بالتحسس يعانون غالباً من تفاعلات متصالبة مع الأغذية والأطعمة،حيث يشاهد حدوث أعراض موضعية شديدة في الحلق من عسرة البلع والحكة الشديدة في نهاية تجويف الفم مع الشعور أحياناً بضيق التنفس بعد تناول بعض الأطعمة والفواكه وخاصة التفاح(الأخضر أكثر من الاحمر) والمكسرات وخاصة البندق،وبعض أنواع الفواكه مثل الدراق والمشمش،والكرز…كذلك تشاهد أحياناً بعد تناول أو التماس مع بعض الخضروات مثل البندورة أو البطاطا.
إن غبار الطلع يلعب دوراً هاماً في الربو التحسسي في فصلي الربيع والصيف،وإن نبتة واحدة من بعض الأشجار قد تطلق مايزيد عن 20 مليون حبة طلع،وإذا كانت الريح ملائمة يمكن لحبات الطلع أن تطير حتى مسافة 350 كم.وإن انتشار الغبار في الجو يزداد في الساعات المبكرة من الصباح وخاصة ما بين الساعة الرابعة والعاشرة.
إن زيادة الرطوبة الجوية تجعل حبات الطلع أثقل وطيرانها أصعب،والمطر ينظف وينقي الهواء من المُحسسات الاستنشاقية،وهنا يلعب مدة زمن هطول المطر دوراً أهم من كمية المطر بحد ذاته،وعند وجود رياح ضعيفة أو معتدلة فإنه يرتفع تركيز غبار الطلع في الجو.
ومما يساعد على التخفيف من الأعراض تجنب الحقول والبساتين،وإغلاق النوافذ وخاصة في الصباح المبكر والمساء وخاصة في الأرياف،وعدم فتح النوافذ أثناء قيادة السيارات،والاستحمام مساءً قبل النوم لتنظيف الجسم مما علق عليه من غبار الطلع.
وينصح أن تكون الإجازة في أماكن يقل فيها غبار الطلع وخاصة عند البحار والمرتفعات العالية ابتداء من 1500متر.
وإن قراد أو عث غبار المنزل( Dust Mite( Dermatophagoides pteronyssinus
تحدث الحساسية عن طريق براز هذه الحيوانات المجهرية من القراد أو العث (قطرها 170 ـ 500 مكرومتر)،وهي من الحيوانات العنكبية لها ثمانية أرجل ،تعيش حشرة العث فقط لشهر واحد،ولكن الأنثى تضع 20 ـ 30 بيضة في المرة،ويؤدي التناسل إلى أكوام من العث عند توفر البيئة الداخلية شروط جيدة لذلك.
يزداد حدوثه ونشاطه في حالة ارتفاع الرطوبة(55 ـ 90%) في المنزل(خاصة الرطوبة الناجمة عن المطبخ والغسيل،والاستحمام..)،وازدياد درجة حرارة الغرف (20 ـ25)وخاصة غرفة النوم ولذا ينصح أن تكون درجة حرارة الغرفة أثناء النوم دون العشرين درجة،حيث أن القراد يتغذى على وسوف الجلد الإنساني،وينصح بتهوية الغرف بشكل مستمر ويمكن الاستعانة ببعض أجهزة التهوية،وهناك الآن أغطية للأسرة والمخدات ضد الحساسية وتقلل الإصابة بهذا النوع من الحساسية(الملاحف المقاومة للتحسس).وهي ملاحف تمنع نفوذ الحيوانات ومشتقاتها إليها وثقوبها أقل من 7 مكرو وتسمح بالتهوية والرطوبة،ويجب أن تغطي هذه الملاحف الفراش تماماً ويجب أن تغسل باستمرار.وتعتبر هذه الملاحف المضادة للتحسس من أفضبل الوسائط لتجنب التحسس.
كما ينصح بأن تكون الألعاب المنزلية قابلة للغسيل ،كما ينصح أن يكون العفش والأثاث المنزلي قابلاً للمسح مثل الجلدي لا من القماش.
وكذلك يمكن لهذه الأغبرة وماتحمله من هذه الحيوانات المجهرية أن تتواجد في أشعار الحيوانات المنزلية وخاصة القطط والكلاب.
كما أنه لايشاهد وجود هذه الحيوانات المجهرية على ارتفاع 1200متر، لذا يندر حدوث التحسس بها عند سكان المرتفعات العالية.وهذا ينطبق أيضاً على أغبرة الطلع،والتحسس للفطور.
وعلى الرغم من تنظيف المنزل المكثف بشافطات الغبار فإنه يمكن لحوالي 100 وحتى عشرة آلاف من هذا القراد Dust Mite،أن تعيش في متر مربع واحد.وأهم المنابع الغذائية لهذه الحيوانات المجهرية أنها تعيش على قشور وتوسفات جلد الإنسان.وأهم أماكن تجمع هذه الحيوانات:الأسرة،والسجاد،والوسائد.ولذا ينصح بعدم وجود السجاد وخاصة في غرف النوم.وهنا ينصح أن تكون أرضية الغرف من البلاط وخاصة القابل للمسح.
وأما مايسمى المصافي أو المراشح فإنها لاتفيد غالباً لأن المواد المستنشقة المسببة للتحسس تكون مرتبطة مع جزيئات بقطر أقل من 10 مكرو مم ولذا فإنها لاتبقى طويلاً في الهواء.
وهناك الربو التحسسي من منشأ فطريMold allerg
حيث أن بعض الفطور قد تسببه،وهناك العشرات من هذه الفطور التي تسبب الربو التحسسي،وأهمها الرشاشيات وخاصة النوع المسمى الرشاشية الدّخناءAspergillus fumigatus،وهناك فطور أخرى أقل أهمية ومنها::Cladosporium، (Alternaria )،وإن الأبواغ لهذه الفطورSpore،هي التي تسبب التحسس.
وهذه الفطور تعيش غالباً في الأماكن ذات الرطوبة العالية كالمكيفات المائية،ومرشحات المكيفات(الفيلتر)،والحمامات والمطابخ حيث الرطوبة العالية،وسلات القمامة المتروكة مفتوحة داخل المنزل،أو الكتب القديمة،وكذلك الأحواض المنزلية الزراعية….
والربو المهني:Occupational asthma
هو أحد أشكال الربو التحسسي،ينجم عن عدة عوامل(يقال أنه توجد أكثر من 400 مادة تسبب الربو المهني):
1 ـ أشعار الحيوانات:وخاصة عند أطباء الحيوانات والعاملين معهم،وساكني الارياف،والعاملين في المخابر والطب التجريبي على بعض الحيوانات…وكذلك الذين يربون حيوانات منزلية وخاصة القطط والكلاب…والتحسس ينجم عن بعض البروتينات التي توجد في شعر ووبر وقشر الجلد واللعاب وفضلات الجسم ومنها البول(حيث أن بعض الحيوانات مثل الفئران تنجم الحساسية عن بروتينات في الشعر والللعاب والبول).
2 ـ أغبرة الدقيق والطحين :عند عمال المخابز أو مايسمى ربو الخباز وهو أكثر أنواع الربو المشاهدة لأسباب مهنية.ويترافق غالباً مع الزكام والعطاس والسعال وضيق التنفس بسبب التعرض لغبار الدقيق والطحين.
3 ـ غبار الأدوية:عند العاملين في مصانع الأدوية أو الصيدلانيات،..
4 ـ التماس مع مادة الإيزوسيانات وبعض المواد الكيميائية الأخرى:والموجودة خاصة في صناعة المواد اللاصقة،والراتنجات،وطلاء السيارات،والمركبات المطاطية،وطلاء السيارات ولذا تكثر الإصابات في العاملين في مصانع السيارات…وهناك نوعان من مركبات الإيزوسيانات.وهي مواد تمتص أيضاً عن طريق الجلد.بالإضافة عن طريق جهاز التنفس.
5 ـ ربو الحلاقين:بسبب استعمال المركبات الصباغية وخاصةالحنة،وبعض أنواع البخاخات.
6 ـ التحسس للاتكس:يشاهد اللاتكس الطبيعي في الكابلات الكهربائية والمواد اللاصقة للطوابع،وفي اللهيات عند الرضع،وزجاجات التدفئة، والكوندومات (الواقيات الجنسية)وكذلك في أقنعة التنفس الاصطناعي وزجاجات المصول الطبية وخراطيم أجهزة التنفس وفي القفازات الطبية بشكل خاص.ولذا تشاهد أكثر الحالات عند الطاقم الطبي.
والتحسس ينجم عن البروتينات المنحلة في الماء في اللاتكس وهو من نوع التفاعل الفوري أي النموذج ألاول حيث تظهر أعراض التحسس بعد حوالي 5 ـ 30 دقيقة من التماس بحدوث تفاعلات موضعية جلدية ومن ثم يتطور إلى أعراض عينية وأنفية ومن ثم نوب ربوية وقد يتطور إلى الصدمة التأقية.
وهناك تحسس متصالب مابين اللاتكس وبعض الأغذية ومنها:الموز،أفوكادو،الكستناء،التين،المانغو،الماراكويا.
7 ـ الخمائر والإنزيمات المستخدمة في المنظفات ومحسنات الطحين.
8 ـ المواد النباتية ومنها البروتينات الموجودة في المطاط الطبيعي والطحين والقطن والكتان والقنب والقمح والبابايين(انزيم هضمي مشتق من فاكهة البابايا).
9 ـ مهيجات الجهاز التنفس مثل غاز الكلور وثاني أوكسيد الكبريت.
ويقدر أنه يوجد حوالي 400 سبب للربو المهني.وهذه تؤثر من خلال آليتين:آلية مناعية،وآلية غير مناعية.
ومن الناحية السريرية يقال بوجود أسباب مناعية إذا كانت هناك فترة كمون مابين التعرض للمادة المُحسسة وظهور الاعراض،وحدوث الأعراض مجدداً عند التعرض لنفس المادة ولو بكميات بسيطة.وهذه الاسباب يمكن الكشف عنها من خلال الفحوص المناعية وخاصة الكشف عن الأضداد النوعية الخاصة تجاه المادة المحسسة وهي من نوع IGE.
ومن العوامل المؤرجة المهنية نذكر ذات الوزن الجزيئي العالي مثل أشعار الحيوانات، وأغبرة الطحين عند الخبازين.وهناك المؤرجات ذات الوزن الجزيئي الصغير ومنها بعض المعادن ،والإيزوسيانات..
وأما الاسباب اللامناعية:فإنها تنجم عن التعرض لإستنشاق بعض المواد بجرعات عالية مما يؤدي لحدوث تخريش في الغشاء المخاطي للقصبات والأسناخ الرئوية،وهذا ينطبق على كثير من الغازات المخرشة والسامة ودخان بعض المركبات الغازية والتعرض لبعض الأبخرة…
2ـ الربو داخلي المنشأ:
لا علاقة له بالعوامل التحسسية،وهذا قد يشاهد بعد الإلتهابات الفيروسية خاصة في المجاري التنفسية،أو بسبب الجهد(الربو الجهدي)أو بسبب التهابات مزمنة وخاصة في الجيوب الأنفية،ويمكن أن تشتد الاعراض بعد الجهود النفسية والتوترات والشدات النفسية…وهناك شكل خاص من الربو يمتاز بالثالوث:الربو داخلي المنشأ،مع وجود مرجلات أنفية مزمنة،والتحسس للأسبرين.
كما أنه من الاسباب التي تحدث داء الربو القلس المعدي المريئي،والذي يشاهد غالباً بعد الاضطجاع أو تناول الطعام،والسبب هو حدوث التشنج القصبي التال لتنبيه العصب المبهم وذلك بسبب حموضة المعدة التي تدخل إلى المري بسبب القلص ،أو بسبب استنشاق كمية بسيطة من المحتوى الحمضي للمعدة.وهنا لابد من إعطاء مضادات الحموضة مع أدوية الربو بشكل متزامن.
وهناك شكل نادر للربو يترافق مع متلازمة Churg Strauss Syndrome،وهي متلازمة عبارة عن التهاب الأوعية النخري والمترافق مع الربو القصبي وارتفاع الحمضات في الدم.
اكتشف لأول مرة عام 1951م.ويبدأ الداء عادة بالتهاب قصبات معاود ومتكرر تشنجي،وارتفاع حمضات الدم بحيث يظن في البدء أنه ربو تحسسي.ومن ثم تزداد الأعراض وتحدث ارتشاحات رئوية والتهاب في الأعصاب أو المفاصل،وارتشاحات وطفح جلدي.
ويكون التشخيص بالفحص النسيجي حيث يشاهد التهاب أوعية نخري،مع أورام حبيبية ابتليالية مع ارتشاح في الحمضات.
أعراض الربو:
ويمتاز الربو عند حدوثه بوجود ضيق تنفس حاد مع تنفس وزيزي صفيري،ويكون هناك صعوبة شديدة في الزفير.ويترافق مع سعال قد يكون منتجاً مع إفرازات مخاطية غزيرة .
الربو الشديد أو الربو المعند على المعالجة:
هناك عدة تسميات للربو الشديد،ومنها الربو المعند على المعالجة،أو الربو الشديد الحاد،أو الربو المعند على الكورتيزون،أو الربو المهدد للحياة،…
وهذا النوع من الربو الشديد يتميز بوجود أعراض مستمرة ودائمة،مع وجود انسداد قصبي مستمر،مع فرط استعمال البخاخات الموسعة للقصبات،بالرغم من تناول ادوية الربو الأخرى وخاصة الكورتيزون سواء الإنشاقي أو عن طريق الفم،وموسعات القصبات مديدة التأثير،وربما أيضاً مضادات اللوكترين ومركبات الثيوفيلين.وتشخيص هذا النوع من الربو يحتاج إلى مراقبة ومعالجة المريض لفترة لا تقل عن 6 ـ 12 شهر.
وأما القرائن التي تدل على وجود الربو الشديد فهي متعددة وإن وجود ثلاثة من هذه القرائن يدل على وجود الربو الشديد والمعند على المعالجة وهي:
1 ـ معالجة المريض من قبل إخصائي صدري في السنوات الأخيرة وعلى الأقل سنتان بشكل مستمر ودائم.
2 ـ وجود أعراض مستمرة،مع تحدّد الفعالية الحياتية للمريض.
3 ـ المعالجة القصوى المتعارف عليها وخاصة إعطاء الكورتيزون بشكل إنشاقي بالجرعات العالية مع التأكد من تجاوب المريض مع المعالجة واستعمالها بشكل منتظم ومستمر.
4 ـ وجود نوبات من القصور التنفسي الشديد والمترافق مع نقص الأوكسجين في الدم وخاصة إذا كان في سوابق المريض التعرض للتنفس الاصطناعي بسبب مرض الربو الشديد.
5 ـ وجود تحدد في وظائف الرئة المتكرر وخاصة إذا كان FEV1 أقل من 70%.
الربو الليلي:
إن مرضى الربو القصبي يعانون غالباً من نوب الربو وخاصة في الليل وساعات الصباح المبكرة(مابين منتصف الليل والساعة السادسة صباحاً).وإذا لم يتناول المريض المعالجة بشكل مستمر ومنتظم فإنه في حوالي 75% من الحالات يصاب بهذه النوب الليليلة بمعدل نوبة على الأقل اسبوعياً،وهناك 30% من المرضى غير المعالجين يشكون من نوب ليليلة دائمة.وإنه في حوالي 50% من حالات الوفاة بسبب النوب الربوية الشديدة والمميتة يشاهد أثناء ساعات الليل والصباح المبكرة.ولذا فإنه لتفادي حدوث هذه الهجمات الليلية ينصح مريض الربو بتناول الأدوية بشكل مستمر ومنتظم.
وإلى الآن لازلنا نجهل الألية والسبب في حدوث النوبات في الليل غالباً،ولكن من المقبول به أنه توجد عدة عوامل تلعب دوراً في هذا الموضوع.
ومن هذه العوامل وجود الاضطرابات الدورية في تركيز الكورتيزول والأدرنالين ووجود نقص في تركيزهما أثناء الليل.مع ارتفاع تركيز الهستامين وازياد تراكيز العوامل التي تزيد من التشنج القصبي ومنها نشاط الجملة نظير الودية والأستيل كولين.
ومن العوامل الأخرى وجود القلس المعدي ـ المريئي،ونقص فعالية التطهير القصبي للخلايا الهدبية المخاطية،ووجود تفاعلات التهابية في الغشاء المخاطي للقصبات.كما يقال أنه بعض أدوار النوم وطبيعتها قد تؤهب لذلك.
والأعراض التي تنجم عن ذلك تتراوح مابين السعال البسيط وحس ضيق في الصدر وحتى حدوث نوبة ربوية شديدة.
ولذا عند مراجعة مريض الربو للطبيب فلابد من السؤال عن وجود أعراض النوبات الربوية الليلية.وإن وجود هذه الأعراض اليليلة واستمرارها يدل على عدم كفاية المعالجة.
ربو الأطفال:
قد يكون السعال فيه هو العرض الوحيد أو الرئيسي وليس الزلة التنفسية،وهذا السعال يزداد على الجهد واستنشاق الهواء البارد،ويحدث غالباً في الليل،وهو سعال جاف.ومن الأعراض الأخرى الأزيز والصفير الصدري وخاصة أثناء النوم أو الجهد .
ويمكن أن يسبب الربو في فترة الطفولة أعراضاً يومية مرهقة تمنع الطفل من اللعب وممارسة الرياضة والذهاب إلى المدرسة والنوم.ويمكن إذا لم يعالج بشكل دائم ومستمر ومراقبة طبية مستمرة أن يصيب الطفل بنوبات شديدة وقد تكون خطيرة وقاتلة.
ومن أكثر الأسباب المؤدية لحدوث الأعراض عند الأطفال بالربو حدوث الانتانات التنفسية وخاصة الفيروسية،ومن ثم العامل التحسسي وخاصة بسبب التحسس لحيوانات المنزل كالقطط أو الكلاب،أو التحسس لعت الغبار،أو أغبرة الطلع،وكذلك أيضاً التعرض لدخان السجائر وخاصة من قبل الوالدين أو أحدهما.وعند الأطفال الكبار يعتبر الجهد (الرياضة أو اللعب) من العوامل الرئيسية.
وغالباً مايتراجع مرض الربو في معظم الحالات عندما يصل الطفل إلى سن البلوغ،وخاصة إذا عولج منذ البداية بشكل مستمر ومنتظم.
الربو والحمل:
إن مرض الربو عند الحامل يجب أن يعالج بشكل جيد مع المراقبة المستمرة أثناء فترة الحمل :سريرياً ومن خلال وظائف الرئة وإجراء المراقبة المنزلية المستمرة من خلال Peak Flow،حيث أن حدوث هجمات الربو وما يرافقها من نقص الأوكسجين في دم الحامل يؤدي إلى اختلاطات تصيب الجنين.وقد تبين أن حوالي 25% من الحوامل تزداد أعراض الربو عندهن أثناء الحمل،وفي ثلثي الحالات يحدث تحسن في الأعراض لدى الحامل وذلك بسبب ازدياد إفراز الكورتيزون لدى الحامل،ولكن يجب الانتباه بشكل خاص إلى مرحلة ما قبيل الولادة والوضع حيث يرتفع تركيز البروستاغلاندينات عند الحامل،وهي في بعض أنواعها تزيد من تشنج القصبات،ولذا لا ينصح بإعطاء البروستاغلاندين لتحريض المخاض عند الحوامل المصابات بالربو.كما يتجنب إعطاء المورفين أو Meperidin،عند المخاض لأنها تحرر الهستامين.
والمعالجة الصحيحة تضمن عدم حدوث اختلاطات وعقابيل بالنسبة للحامل وجنينها.ولا يوجد أي عائق أو مضاد استطباب لإعطاء الكورتيزون الإنشاقي لدى الحامل طيلة فترة الحمل(بشرط أن لاتتجاوز الجرعة الاستنشاقية 1500مكغ)،كما يمكن إعطاء موسعات القصبات قصيرة وطويلة أمد التأثير،ومنها Salbutamol أو Formoterol.(مقلدات بيتا)،وباختصار لا يوجد أي دراسات تمنع إعطاء مقلدات بيتا2 أثناء الحمل بشرط الانتباه إلى عدم تجاوز الجرعات الدوائية اللازمة.لأن هذا قد يسبب اضطرابات النظم لدى الجنين.
ولا يوجد أي خطر من إعطائها على الجنين،أو إحداث تشوهات لديه.وينطبق نفس الأمر على إعطاء مضادات الكولينرجية بشكل إستنشاق ومنها مركبات الإيبراتروبين(Berodual).
وأما المعالجة بالستيروئيدات الجهازية،فلا يوجد ضرر في المعالجة القصيرة الأمد،ولكن في حال المعالجة المستمرة والمديدة يخشى من حدوث اضطراب النمو لدى الجنين.
وأما المعالجة بإزالة التحسس فيجب أن توقف لدى الحامل،خوفاً من حدوث تفاعلات تأقية مع هجمات الربو وهبوط الضغط التي تشكل خطراً على الحامل والجنين.
وينصح الحامل بالإبتعاد تماماً عن التدخين،وتجنب التعرض للمؤرجات،وعوامل التحسس.
إن المعالجة الكافية والمراقبة المستمرة للحوامل المصابات بمرض الربو تهدف إلى عدة أهداف:
1 ـ ولادة وليد سوي سليم
2 ـ عدم حدوث أعراض سريرية للربو لدى المريضة أثناء النهار أو الليل
3 ـ تأمين وظائف الرئة بشكل أفضل ما يمكن:وينصح بإجراء وظائف الرئة أثناء الحمل بشكل مستمر،وينصح كل أربعة أسابيع إن أمكن.مع عيار غازات الدم.والمراقبة المنزلية بواسطة Peak Flow.
4 ـ تحسين الجهد الجسمي للحامل ما أمكن
5 ـ الوقاية من الهجمات الحادة
6 ـ تجنب التأثيرات الجانبية للمعالجة الدوائية
الربو والعمل الجراحي:
لا مانع من إجراء العمل الجراحي مع التخدير العام لمرضى الربو إذا كانت الحالة مستقرة ولا توجد أعراض مستمرة أو شديدة.ولكن يجب الانتباه لأنه قد يحدث أحياناً بعد التخدير والعمل الجراحي حدوث التشنج القصبي،وتراكم المفرزات في القصبات بعد التنفس الاصطناعي والتنبيب الرغامي،ولذا لابد من معالجة هذه الاختلاطات وبسرعة.وهناك بعض المواد المخدرة مثل الثيوبينتول يمكن أن تزيد إفراز الهستامين ولذا يفضل تجنبها عند مرضى الربو.
الربو والطقس:
إن بعض أشكال الطقس ذات تأثير سلبي على مرضى الربو وقد تسبب زيادة الأعراض وخاصة إذا كان الطقس بارداً مع تشكل الضباب،وكان شديد الرياح.والهواء البارد يؤدي استنشاقه أحياناً لحدوث هجمات من الربو.
وإن نوبات الربو وأعراضه تزداد نتيجة عوامل جوية عدة ومنها:ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة،وارتفاع مستوى الرطوبة في الجو،وتقلبات الطقس المفاجئة،ووجود العواصف الرعدية.
وبالتالي يمكن أن تزداد الأعراض في حالات البرودة الشديدة في الشتاء القارس، وفي حالات ارتفاع درجات الحرارة في الصيف القائظ.ويلعب هنا بالإضافة إلى درجات الحرارة العالية وجود مسببات أخرى ومنها عامل التحسس وخاصة لأغبرة الطلع وبعض الفطور التي يزداد نشاطها في الجو في حالات ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة.وفي حالات الطقس البارد فإن وجود بعض الأمراض الفيروسية وخاصة الزكام والرشوحات يزيد من ذلك.
الربو والعامل النفسي:
لا يوجد هناك ربو منشأه أو سببه العامل النفسي،ولكن العامل النفسي وخاصة الانفعالات قد تسبب حدوث نوب من الربو عن طريق الجملة العصبية الذاتية.كما أنه قد يشاهد حدوث نوبات من الربو بعد نوب من الضحك المستمر(كما هو الحال في مشاهدة بعض الأفلام الكوميدية) وهذا ينجم عن الجملة العصبية الذاتية أيضاً.كما أن مريض الربو يعاني غالباً من التوتر ومن القلق وعصاب الخوف بسبب مرضه،وهي عوامل تلعب دوراً هاماً في إنذار المرض وتطوره.
الربو والوراثة:
لا علاقة للربو بالعوامل الوراثية أي الصبغيات،ولكن هناك غالباً استعداد عائلي للإصابة.وتدل الإحصائيات أن الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالربو إذا كان أحد الوالدين مصاباً به.
الربو المحرض بالجهد:
وهنا تحدث نوبات الربو بعد الجهد الجسمي كالرياضة مثلاً،ويصل ضيق النفس ذروته بعد حوالي عشرة دقائق من الجهد،ويتكرر بتكر الجهد،ويتراجع بعد الراحة والهدوء وذلك غالباً بعد نصف الساعة وحتى الساعتين من نوقف الجهد الجسمي(الرياضة مثلا).ويشاهد الربو الجهدي خاصة عند الأطفال واليافعين(حوالي 80 ـ 100%)وعند الكهول بنسبة 50 ـ 80%.ويستحسن إعطاء موسعات القصبات بشكل بخاخ قبل الجهد بحوالي عشرة دقائق،ويمكن تكرار إعطائها إذا حصل ضيق النفس أثناء أو بعد ممارسة الجهود.
والربو الجهدي ينجم عن حدوث فرط التهوية الرئوية،والتي حسب طبيعة الهواء المستنشق تسبب برودة في الجهاز القصبي وحدوث نوع من الجفاف في مخاطية القصبات وبالتالي جفاف المفرزات القصبية،وينجم عن برودة الجملة القصبية وازدياد الحلوليةOsmolar في المفرزات المخاطية القصبية إلى تحرير بعض الوسائط الكيميائية والتي تسبب زيادة التشنج القصبي.
أثناء بداية الجهد الرياضي يحدث تحرير لهرمون الأدرنالين وهذا يلعب في البداية دوراً واقياً في منع التشنج القصبي،ومن ثم يحدث تحرير لوسائط كيميائية أخرى ذات تأثير عكسي مسببة التشنج القصبي وحدوث الربو.ويلاحظ في بعض الحالات ومع استمرار الجهد الجسمي تراجع أعراض الربو وهذا مايسمى ظاهرة”Running through Phenomen
الربو والمسكنات:
هناك نسبة لا تقل عن 10% من المصابين بالربو الداخلي المنشأ تحدث لهم هجمات الربو بعد تناول المسكنات عن طريق الفم أو الحقن العضلية أو الوريدية،وهذا لا علاقة له بالتفاعلات التحسسية المعروفة،أو الغلوبولينات المناعية،وبالتالي لا يمكن كشفه عن طريق الاختبارات الجلدية،وإنما ينجم عن تثبيط عمل خميرة السيكلو اوكسي جيناز.
ولذا يجب تجنب هذه المسكنات لأنها قد تسبب مضاعفات خطيرة ومهددة للحياة،وأهم هذه المسكنات:الاسبرين،والديكلو فيناك،والإيبوبروفين،والإندوميثازين، والنوفالجين…وتوجد تفاعلات متصالبة بينها.وتشاهد الأعراض بعد تناول المسكنات عن طريق الفم بعد حوالي 30 دقيقة.
وغالباً مايترافق ربو المسكنات مع المرجلات الأنفية.ووذمة كوينكه.
وفي حالة حدوث الألم أو الترفع الحروري يمكن لهؤلاء المرضى من الربو استعمال:الباراسيتامول،أو الترامادول.
الربو وحاصرات بيتا:
إن هذه الأدوية تستعمل في مكافحة ارتفاع التوتر الشرياني واضطرابات نظم القلب،وفي بعض حالات مرض الشقيقة وفي بعض أنواع رجفان الأيدي وخاصة عند المسنين…
وهذه الأدوية لها تأثيرات سلبية على مرضى الربو(بغض النظر إن كانت حاصرات نوعية أو غير نوعية)،وقد تبين أنها تسبب زيادة التشنج القصبي،وبالتالي زيادة أعراض الربو،وقد تسبب نوبات شديدة وخطيرة من الربو.
وقد تبين أن حاصرات بيتا والتي تعطى بشكل قطرات للعيون في معالجة داء الزرق قد تسبب هذا التشنج القصبي وحدوث السعال أو ضيق التنفس.
ولقد لوحظ أن حاصرات بيتا النوعية أقل ضرراً على المرضى من حاصرات بيتا اللانوعية.
ولذا ينصح مرضى الربو بالاستعاضة عن حاصرات بيتا إذا كان هناك بديلاً ملائماً،وفي حال عدم توفر البديل تعطى الحاصرات النوعية مثل الأتينولول،أو البيسوبرولول،أو الميتوبرولول.
وأما في التهاب القصبات المزمن الساد فإن الخطورة هنا أقل من الربو،وعند المعالجة بحاصرات بيتا هنا لابد من المراقبة السريرية المنتظمة.
التشخيص:
القصة والفحص السريري من أهم العوامل المشخصة للربو،وخاصة وجود نوبات من ضيق التنفس أثناء الليل أو النهار المحرضة بعد حدوث الجهد الجسمي أو الانتانات،أو التعرض للعوامل المحسسة وخاصة أشعار الحيوانات أو غبار الطلع..
ومن أهم وسائط التشخيص إجراء الفحوص التحسسية،وإجراء فحوص الوظائف الرئوية،وهذه لها أهمية خاصة في عدة مجالات:
1 ـ إذا كان الانسداد القصبي عكوساً أو لا.
2 ـ تقدير درجة الإنسداد،ولهذا قيمته في تحديد شدة المرض.
3 ـ المراقبة أثناء المعالجة.
4 ـ عيار غازات الدم يكون هاماً وخاصة في الحالات الشديدة.
ومن وسائط المراقبة في مرض الربو وهي واسطة منزلية وسهلة الإستخدام وذات فائدة كبيرة إجراء المراقبة بواسطة Peak Flow.
ومن المهم جداً التفريق ما بين نوبات الربو ومايسمى متلازمة فرط التهوية Hyperventilation،وهي عبارة عن حدوث ضيق التنفس المصحوب مع ارتفاع معدل التواتر التنفسي والذي يؤدي لنقص ملحوظ في غاز ثاني أوكسيد الكربون في الدم وما يؤدي إليه من حدوث تشنج وتكزز في الجسم مع حدوث الخدر(أي حس التنمل في الأطراف وحول الشفاه) مع الشعور الشديد بالخوف والقلق، وهو يحدث غالباً لأسباب نفسية وخاصة عند الإناث في سن المراهقة.
وكذلك التشخيص التفريقي مع ما يسمى تشنج الحنجرة الوظيفي Funct Laryngospasm،وهو اضطرابات في الحركية الوظيفية في الحنجرة ،ويتميز بحدوث اضطرابات تنفسية شهيقية مع بحة في الصوت،بينما في حالات الربو أو داء Pseudokrup فإنه يكون أثناء الزفير.وهذا التشنج الوظيفي يشاهد خاصة لدى الإناث في سن المراهقة وله أسباب نفسية عصابية.
المعالجة في داء الربو:
في الماضي كانت تعطى بعض مركبات الأعشاب والبيلادونا لمعالجة الربو،ولا يمكن القول بوجود علاج ناجح للربو قبل اكتشاف مادة الأدرنالين عام 1904م وهذا كان ساعة ميلاد المركبات الحديثة لمعالجة الربو.وبقيت ولسنوات عديدة يعالج الربو بإعطاء الأدرنالين بشكل زرقات تحت الجلد كعلاج ناجح لهجمات داء الربو.وكان من مساوىء العلاج قصر فترة التأثير العلاجي،وحدوث بعض الاختلاطات ومنها ارتفاع سرعة النبض والضغط،وفي عام 1941 تم إجراء تعديلات على جزىء الأدرنالين وأمكن اصطناع مادة الإيزوبرينالين،والذي أعطي عن طريق الإنشاق وعن طريق الفم.ومن ثم مركب الأورسي برينالين،ولكنهما معاً ذو تأثيرات جانبية على القلب والضغط.كما أنهما قصيرا أمد التأثير.
وفي الستينات من القرن الماضي أمكن اصطناع مركبات أفضل تأثيراً وأقل تأثيرات جانبية ومنها السلبوتامول،والتيربوتالين،والفينوتيرول. وهي ماتسمى مقلدات بيتا2 الاصطفائية.ومن ثم اكتشفت مشتقات للأتروبين وهي مادة الإيبراتروبين،وهذه أيضاً تعطى بشكل بخاخ .وهي لا توسع القصبات فقط،ولكنها تسهل تنظيف القصبات من الإفرازات المخاطية وتنشط عمل الأهداب الشعرية في الغشاء المخاطي للقصبات،وبالتالي فهي ذات تأثير موسع للقصبات وذات تأثير مقشع.ومن المهم عند استعمال هذه المركبات بالشكل الاستنشاقي تعليم المريض كيفية استعمالها الصحيح،وعدم تجاوز الجرعات العلاجية منعاً لحدوث التأثيرات الجانبية ومنها تسرع القلب وارتفاع الضغط والرجفان الشديد في اليدين.
وحالياً يمكن معالجة الربو بشكل ناجح وسريع ولكن المعالجة مزمنة ولابد من الاستمرار في العلاج والابتعاد عن العوامل المحسسة والابتعاد عن المخرشات وخاصة التدخين.وهناك في الربو التحسسي المعالجة بإزالة التحسس عن طريق الزرقات تحت الجلد أو بشكل قطرات تحت اللسان وخاصة في غبار الطلع وقراد غبار المنزل.وأما بالنسبة للربو بسبب أشعار الحيوانات وخاصة القطط أو الكلاب أو الأرانب أو غيرها من الحيوانات فلا بد من الابتعاد عنها.
وإن المعالجة الناجحة في الربو تهدف إلى مايلي:
انقاص هجمات الربو الحادة،وتخفيف حدة الأعراض المزمنة،وتحسين وظائف الرئة،والتخفيف من فرط فعالية الغشاء المخاطي للقصبات وخاصة تجاه الالتهابات،والمخرشات والعوامل الأخرى,وتحسين نوعية حياة المريض بالربو.
وإن أفضل الأدوية التي تعطى لمريض الربو وبشكل دائم الستيروئيدات (الكورتيزون) الإنشاقية،وهي تعطى للأطفال والحوامل،وليس لها تأثيرات جانبية جهازية كما هو الحال في المعالجة بالكورتيزون بشكل حبوب أو زرق عضلية مديدة التأثير،بشرط أن لاتتجاوز جرعة الكورتيزون الإنشاقي عند الكهول 1000مغ يومياً.
ومن الوسائط العلاجية الفعالة في الربو التحسسي وخاصة بغبار الطلع المعالجة بإزالة التحسس عن طريق الزرق تحت الجلد أو عن طريق الفم،والمعالجة تستمر 3 ـ 5 سنوات وهي غالباً ذات نتائج جيدة.ولا ينصح بإجراء المعالجة إلا من قبل طبيب مختص.
وهناك بعض الأغذية الغنية بمادة الهستامين وهذه قد تزيد من الأعراض التحسسية ومنها:الأغذية المحفوظة لفترة طويلة،والفريز،والبندورة،والموز،والنبيذ،وبعض أنواع الجبن والشوكولاته.
ومما يسىء إلى انذار مرض الربو كون المصاب به من المدخنين،حيث أن التدخين يسبب ازدياد الفعالية القصبية،ولاحقاً يتشارك الربو مع التهاب القصبات الساد المزمن ويجعل إنذار المرض سيئاً جداً.
الربو والرياضة:
الإصابة بالربو لا تمنع من ممارسة الرياضة،بل يستحسن القيام ببعض الأعمال الرياضية وخاصة السباحة والمشي الخفيف، لدى مرضى الربو،ولكن يجب الانتباه للنقاط التالية:
1 ـ أن تتم الرياضة بعيداً عن الجو البارد،والملوث،وخاصة في أماكن تلوث البيئة وارتفاع نسبة الأوزون أو الغازات الأخرى،وإذا كان معدل الحرارة دون 15 درجة لا ينصح بالرياضة لمرضى الربو.
2 ـ بالنسبة لمرضى التحسس بغبار الطلع تجنب الرياضة في الحقول والبساتين وخاصة في أشهر الحساسية.
3 ـ عند حدوث ضيق النفس أثناء الرياضة التوقف فوراً عن العمل الرياضي وتناول البخاخ الإسعافي المضاد للربو وهو غالباً مركب “السالبوتامول”.وفي بعض الحالات يمكن تناول هذا البخاخ بشكل وقائي قبل ربع ساعة من الرياضة،ومدة تأثير البخاخ حوالي4 ـ 6 ساعات.
وقد ظهر في إحدى الدراسات على أن عدد المشاركين في ألعاب القوى في الدورة الأولمبية عام 1984 من الامريكان حوالي 597مشاركاً،وكان بينهم 67 مصابون بالربو،واستطاع بعضهم أن يحصل على حوالي 41 ميدالية.
3 ـ التهاب القصبات الساد المزمن:COPD:
وهو مرض شائع الحدوث ويتصف بحدوث سعال مزمن جاف أو مع قشع مخاطي وخاصة في ساعات الصباح المبكرة،ويتميز في البدء بضيق النفس الجهدي والذي يتطور فيما بعد ليحدث مع أقل جهد،والسبب الرئيسي فيه التدخين،والذي له علاقة مع عدد السجائر المدخنة يومياً وعدد سنوات التدخين،كما أن المرض ترتبط شدته مع التدخين بشكل مبكر وخاصة في سن المراهقة.ويعتبر هذا المرض السبب الثالث وربما السبب الثاني للوفيات في أوروبا،والرابع في أمريكا.ويعزى وفرة حوادثه في السنوات الاخيرة للتدخين،وخاصة ارتفاع نسبة المدخنين بين اليفعان والشباب،وخاصة عند الإناث.ويقدر عدد المصابين به في ألمانيا مابين 4 ـ 5 مليون شخص.ومن الأسباب الأخرى تلوث البيئة وخاصة في بلدان العالم الثالث وخاصة بسبب الغازات السامة ومنها ثاني أوكسيد الكبريت،وأيضاً ارتفاع نسبة الأوزون،وكذلك التعرض للأغبرة العضوية (مثل غبار الخشب وصناعة القطن)واللاعضوية …وهناك التعرض للعوامل المهنية مثل أغبرة الأسبتس والكوارتز والكادميوم والزنك…والإيزوسيانات…
وهناك ملاحظات أخرى حول هذا الداء:
1 ـ ازدياد نسبة الإصابات به وخاصة عند المدخنين بأعمار مبكرة وخاصة عند الإناث .
2 ـ تبين الدراسات أن المدخنين يعيشون وسطياً أقل 8 سنوات من غير المدخنين،وتبين أن المدخن يفقد سنوياً حوالي 70 ـ 100مل من FEV1،بينما غير المدخن يفقد فقط حوالي 25مل.
3 ـ تبلغ عدد أيام الغياب بسبب الأمراض الإنتانية والإجازات المرضية أضعافها عند المدخنين مقارنة مع غير المدخنين.
4 ـ تبلغ تكاليف معالجة هذا المرض في ألمانيا حوالي 7 مليار يورو سنوياً.
5 ـ تطور هذا المرض بطىء جداً وخلال عدة سنوات ولذا عند الكشف عنه يكون غالباً في مراحل متقدمة.وقد يكون مترافقاً مع اختلاطات خطيرة ومنها حدوث انتفاخ الرئة أو القلب الرئوي المزمن أو القصور التنفسي.
6 ـ يسبب هذا المرض الإعاقة الحركية بشكل مبكر وكذلك التقاعد المبكر.
ويعرف المرض بأنه مزمن إذا كان هناك سعال مستمر لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر في السنة وعلى مدار سنتين متتاليتين.(التعريف القديم)
وأما التعريف الحديث(عام 2001):وجود أعراض مثل السعال والقشع وضيق النفس مع وجود تعرض لبعض عوامل الخطورة التي تؤهب لحدوث الداء.ويؤكد التشخيص الفحص السريري ووظائف الرئة.
ويضاف للتعريف أيضاً:أن الانسداد القصبي غير عكوس تماماً،وأن هذا الانسداد القصبي يتطور نحو الأسوأ عادة،ويترافق مع تفاعل التهابي في القصبات بسبب التعرض للعوامل المؤذية الضارة أو الغازات.
ومن الناحية الباثوفسيولوجية:فإن سوء وظيفة الأهداب الرئوية يلعب دوراً هاماً في هذا الالتهاب المزمن،وإن المخرشات المستمرة وخاصة الدخان تسبب في البدء شللأ في عمل هذه الأهداب،ومن بعد تسبب زيادةً في الإفراز المخاطي بسبب حدوث تبدلات في الخلايا الكأسية المفرزة للمخاط في الغشاء المخاطي القصبي،كما يحدث تضخم في الغدد المخاطية تحت البشرة في هذا الغشاء مما يسبب زيادة في إفراز المخاط ذو اللزوجية العالية وينجم عن هذا السعال المزمن المترافق غالباً مع القشع المخاطي.
التصنيف:
يقسم التهاب القصبات الساد المزمن إلى عدة درجات:
1 ـ عوامل خطورة:حيث تكون هناك أعراض مزمنة مثل السعال والقشع،مع وظائف رئوية طبيعية.
2 ـ الشكل الخفيف أو البسيط:يكون FEV1 أكثر أو يعادل 80% ومشعر التيفينو أقل من 70%مع أو بوجود أعراض مزمنة مثل السعال أو القشع.
3 ـ الشكل المتوسط:يكون المشعر المذكور أعلاه أقل من 80% ولكن أعلى من 30% ومشعر التيفينو أقل من 70% مع أو بدون أعراض مزمنة.
4 ـ اشكل الشديد:ويكون المشعر المذكور أقل من 30% ومشعر التيفينو أقل من 50% مع وجود قصور تنفسي أو وجود قصور القلب الأيمن سريرياً.
وأهم مراحل تطور الداء ما يلي:
1 ـ المرحلة الأولى:القصور في عمل الأهداب المخاطية في الشجرة التنفسية والغشاء المخاطي للقصبات ويحدث هنا سعال متردد ومعاود وهي مرحلة عكوسة إذا أوقف العامل المسبب وهو غالباً الدخان.
2 ـ المرحلة الثانية:حدوث انتانات معاودة ومتكررة مع سعال وقشع قيحي وهي أيضاً مرحلة عكوسة إذا أوقف العامل المسبب.
3 ـ المرحلة الثالثة:يوجد هنا فرط الفعالية القصبية مع تضيق في القصبات ويحدث هنا ضيق النفس النوبي الجهدي بشكل يماثل مرض الربو.
4 ـ حدوث انتفاخ الرئة مع زلة جهدية مستمرة ومترقية.
5 ـ مرحلة انكسار المعاوضة مع وجود مضاعفات ومنها القلب الرئوي المزمن والقصور التنفسي الجزئي أو الشامل.
وأهم الأعراض الزلة الجهدية المترقية حتى تصبح على الراحة أو الجهد البسيط وخاصة في الحالات المتقدمة من الداء،وكذلك السعال الجاف أو المنتج،وهما العرضان الرئيسيان.
ويتميز المرض بحدوث هجمات حادة تنجم غالباً عن الانتانات وأحياناً لأسباب أخرى مثل تلوث البيئة أو التعرض للأغبرة أو بسبب الحساسية أو بسبب قصور القلب.وأكثر الجراثيم مشاهدة في الهجمات الحادة من منشأ انتاني:محبات الدم للنزلة الوافدة،والمكورات الرئوية،ونادراً الجراثيم سلبية الغرام مثل الكلبسيلا والانترو باكتر والعصيات الزرق.
ومن أهم عقابيل الداء حدوث انتفاخ الرئة،والقلب الرئوي المزمن،والذي يتميز بفرط نمو البطين الأيمن وتوسعه،والذي يتطور إلى قصور القلب الأيمن.
والتشخيص يعتمد على القصة والفحص السريريين،ويتمم بالصورة الشعاعية للرئة،ولكن واسطة التشخيص الرئيسية إجراء فحوص وظائف الرئة وغازات الدم.وبالاعتماد على وظائف الرئة يمكن تحديد شدة المرض وإنذاره.
وفي بعض الحالات قد يتطلب إجراء فحوص اختبارات التحسس ،والتصوير الطبقي للرئة،وأحياناً تنظير القصبات.
وهناك عدة أدوية تساعد في العلاج ولكن الابتعاد عن التدخين يعتبر من أحد أهم العوامل التي تساعد في تحسن الاعراض والإنذار.
والمرضى بالتهاب القصبات الساد المزمن عليهم الانتباه أثناء السفر بالطيران وخاصة لمسافات بعيدة وأوقات طويلة،حيث أن الضغط الهوائي في الطائرة يعادل على مايشاهد على ارتفاع جبل بعلو 2500متر،وبالتالي يحدث نقص الأوكسجين بنسبة مرتفعة،وهذا له عواقب خطيرة على المصابين بالقصور التنفسي المزمن،ولذا ينصح المصابون بأن يجروا عيار الضغط الأوكسجيني قبل السفر،والحذر الشديد إن كان دون 60 مم زئبق.
داء القلب الرئوي المزمن:Cor Pulmonale
التعريف:
هو فرط نمو البطين الأيمن التالِ لمرض رئوي والذي يؤدي إلى ارتفاع المقاومة الوعائية الرئوية.ولا يتبع التعريف فرط التوتر الرئوي المنفعل بسبب مرض في عضلة القلب أو مرض دسامي قلبي.
الأسباب:
أمراض الرئة السادة والحاصرة،وأمراض الأوعية الرئوية وخاصة الصمامات الرئوية المتكررة ،وأمراض الأسناخ الرئوية ويدخل ضمنها ما قد يشاهد عند سكان المرتفعات، وكذلك مرض انقطاع التنفس عند النوم،والأمراض العصبية العضلية.
وأهم الأسباب هو التهاب القصبات الساد المزمن COPD،والمترافق مع انتفاخ الرئة.
والآلية الرئيسية هنا هي حدوث التهابات مزمنة حول الأوعية وحول القصبات مع نقص في أوكسجين الدم وحدوث التقبض الوعائي.ومن الآليات الأخرى فرط لزوجية الدم والخثرات الدقاق المتكررة،وفرط حجمية الدم.
وإن فرط التوتر الرئوي في أدواء القصبات الساد المزمنة هو عامل الإنذار الأهم،والإنذار يتناسب مع درجة ارتفاع الضغط المتوسط الرئوي.
أما فرط التوتر الرئوي البدئي فإنه يقسم إلى:
1 ـ فرط التوتر البدئي الساد:وهذا ينجم عن بعض الأدوية .
2 ـ مجهول السبب
التشخيص:إن وظائف الرئة تحدد درجة الإصابة في المرض الرئوي المسبب ولكنها لا تكشف عن فرط التوتر الرئوي،وإن كان ارتفاع غاز ثاني أوكسيد الكربون وارتفاع المقاومة الهوائية في وظائف الرئة قد يوجهان كلاهما إلى احتمال وجود فرط التوتر الرئوي.
وأما التخطيط القلبي فإنه فقط في نصف الحالات قد يكشف عن فرط نمو البطين الأيمن.
والتشخيص في النهاية يعتمد على التصوير الطبقي المحوري Spiral CT وإجراء الإيكو لعضلة القلب والومضان الرئوي وقثطرة القلب الأيمن والتصوير الوعائي الرئوي.
توسع القصبات:Bronchiektasie
عرّف كارتاجينر عام 1956م المرض بأنه:توسع لا عكوس يصيب القصبات مع حدوث التهاب حاد ومزمن في جدار القصبات ومحيط النسيج الرئوي المجاور.ولا بد من التشخيص التفريقي مع توسع القصبات المرافق لالتهاب القصبات المزمن أو انتفاخ الرئة والذي يسمى التهاب القصبات المشوه أو المخرب Deformtide
وهو من أمراض الرئة المزمنة،وهو مرض خلقي المنشأ في حالات نادرة وخاصة بسبب الداء الكيسي الليفي وأمراض القصبات المترافقة مع إصابات في غضاريف الرغامى والقصبات،ولكنه غالباً كسبي تالٍ لأمراض في الرئة والقصبات وخاصة الأمراض الالتهابية المزمنة،ولقد تراجعت الحالات المكتسبة التال للإنتان وذلك بعد تحسن المعالجة الدوائية للسل،وبعد استعمال الصادات الناجعة في علاج الانتانات القصبية والرئوية،وخاصة عند الأطفال وخاصة تراجع حالات الإصابة بالسعال الديكي والحصبة بعد إدخال اللقاحات.وتعتبر الانتانات الرئوية المتكررة عند الأطفال وفي المراحل المبكرة من العمر أهم أسباب توسع القصبات حالياً.وكذلك يمكن مشاهدة توسع القصبات الموضعي لأسباب آلية ميكانيكية،كما هو الحال في التوسع القصبي التال للإنسداد بسبب ورم أو جسم أجنبي.
آلية تشكل توسع القصبات:
هناك آليتان هامتان لتشكل توسع القصبات:
1 ـ تخرب الجدر القصبية وخاصة الغضروفية وخاصة بسبب الانتانات الجرثومية،وهذا التخرب في الغضاريف يؤدي إلى حدوث وهط فيها وخاصة أثناء الزفير القسري،مثل السعال،وهذا يؤدي إلى انسداد القطاعات القصبية البعيدة ويؤدي لاحتباس المفرزات القصبية مما يؤهب للانتانات الجرثومية وتشكيل دارة معيبة.
ويضاف إلى ذلك حدوث اضطراب على مستوى التنقية المخاطية الهدبية والذي قد يكون بدئياً كما في الداء الكيسي الليفي،أو كسبياً عارضاً ومؤقتاً بسبب الانتانات الجرثومية أو الإصابات التحسسية، أو قد دائماً ومستمراً بسبب تخرب الأهداب في الخلايا القصبية واستبدال المخاطية القصبية ببشرة أخرى Metaplasie،وخاصة بسبب التدخين.
2 ـ وجود تيار هوائي ميكانيكي زائد في أماكن القصبات المتأذية المتخربة وخاصة إذا كان هناك انخماص رئوي مجاور.
أشكال توسع القصبات:
1 ـ الشكل المنتشر والشامل:وهو ينجم غالباً عن وجود نقص مناعي(خلقي غالباً)،أو بسبب الداء الكيسي الليفي والذي يترافق مع عسر عمل الأهداب الخلوية(التصفية الهدبية)
2 ـ التوسع الموضع :وهو يشكل النسبة الاعلى من الإصابات .
السريريات:
تنجم الأعراض عن وجود توسع قصبي دائم لا عكوس،وما يؤدي إليه من اضطرابات الوظيفة القصبية،وحدوث الانحباس للمفرزات.
والأعراض الوصفية:سعال مزمن مع قشع غزير صباحي غالباً،قيحي،وهناك حالات يحدث بها سعال جاف بدون قشع وهذا يشاهد غالباً في توسع القصبات التال للسل،ويسمى توسع القصبات الجاف ويشاهد غالباً في الفص العلوي الايمن.
وفي نصف الحالات يشاهد نفث الدم.ويتميز المرض بوجود ذوات رئة معاودة ومتكررة،وخاصة في نفس الموضع.
وبالإصغاء يسمع خراخر فقاعية ناعمة،ويمكن تحريض هذه الخراخر بتغيير وضعية المريض.أو من خلال الطلب له بالسعال.حيث لا تختفي بعد عدة نوبات من السعال وهذا من الموجودات الهامة للداء.
ومن الاختلاطات حدوث تجرثم الدم،وخراجات رئوية،وربما خراجات دماغية ،والتهاب ااشغاف الجرثومي…
التشخيص:
سريرياً،وشعاعياً،وبالتصوير الطبقي المحوري،والتشخيص المؤكد تنظير القصبات والتصوير الشعاعي للقصبات بالمادة الظليلة.
المعالجة:دوائية وخاصة بإعطاء الصادات الحيوية،وخاصة بعد معرفة الجراثيم أو الفطور المسببة.
وفيزيائية:وخاصة بإعطاء أجهزة الاستنشاق وموسعات القصبات،وكذلك المعالجة الفيزيائية بتغيير وضعية المريض لإخراج المفرزات واستعمال الأجهزة المسماة Vibration والتي تساعد في نضح المفرزات القصبية.
وجراحية: في حالات توسع القصبات الموضع،وخاصة المترافق مع نفث الدم المتكرر المهدد للحياة،أو وجود اصابات انتانية متكررة مع حدوث خراجات رئوية.أو اصابات فطرية مرافقة شديدة.
داء انقطاع النفس أثناء النوم:Sleeping Apnoe Syndrome
مقدمة:
تحدث تبدلات في التنفس أثناء النوم بالمقارنة مع اليقظة،وحتى عند الاصحاء.وحسب المعلومات الحديثة فإن النوم لم يعد كما كان يظن سابقاً تراجعاً في الوظائف الدماغية،وإنما النوم عبارة عن عملية فعالة تتميز بوجود تبدلات في الجملة العصبية المركزية،تختلف عنها أثناء اليقظة.ولمعرفة النوم وما يتم فيه لابد من الاستعانة بتخطيط الدماغ الكهربيEEG،ومخطط حركات العين أثناء النوم EMGو EOG.
ويقسم النوم بالاعتماد على المقوية العضلية وحركات العينين إلى نوعين:
1 ـ النوم من نوع :REm
2 ـ النوم من نوع:Non REM:وهذا يقسم بدوره إلى :
1 ـ النوم الخفيف:وهذا يقسم أيضاً إلى مرحلتين الأولى والثانية
2 ـ النوم العميق:ويقسم إلى المرحلة الثالثة والرابعة.
والنوم بطوريه الريم وغير الريم وبكل مراحلهم وأطوارها الأربعة يكون ما يسمى دورة النوم.
وفي النوم الطبيعي يحدث أثناء الليلة الواحدة وبشكل فسيولوجي تكرر دورة النوم هذه حوالي 4 ـ 5 مرات متتالية.وإن النوم العميق يقل زمانه ومدته من الليل وحتى الصباح ويحل محله النوم الخفيف،وأما النوم من نوع الريم فتزداد مدته على العكس من الليل وحتى الصباح.
(يمكن الرجوع إلى الموضوع وبالتفصيل في”الإعجاز الطبي في القرآن والسنة ـ آيات النوم ـ في الموقع).
التنفس والنوم:
من أهم العلامات المميزة للتنفس أثناء النوم وفي الظروف الطبيعية هو نقص الحجم التنفسي في طوري النوم المذكورين كلاهما،مع هبوط بسيط في تركيز الأوكسجين وارتفاع بسيط في غاز ثاني أوكسيد الكربون،ولكن هذه التبدلات تكون في طور الريم أشدّ من الناحية الكمية لوجود نقص التهوية السنخي المرافق.
وعلى الرغم من حدوث عدم انتظام في التنفس في طور النوم الخفيف،إلا أن عدم الانتظام هذا يكون على أشده في طور الريم حيث يتميز بوجود نقص تهوية مع انقطاع نفس مركزي.
ولدى مرضى التهاب القصبات الساد المزمن COPD فإنه يحدث انخفاض تركيز الأوكسجين أثناء النوم،وخاصة في طور الريم،والسبب يعود لنقص التهوية.
وإن نقص التهوية أثناء النوم ينجم عن عدة عوامل:
1 ـ ارتفاع المقاومة الهوائية القصبية في المجاري التنفسية العليا
2 ـ نقص المقوية العضلية وخاصة في طور الريم وخاصة في العضلات الوربية والعضلات التنفسية الأخر وهذه ذات طور وظيفي هام وخاصة في المراحل المتقدمة من التهاب القصبات الساد المزمن.
ماهو داء انقطاع التنفس أثناء النوم؟
يقال بوجود هذا الداء عند المرضى الذين ينقطع التنفس لديهم أثناء النوم لمدة لا تقل عن عشرة ثواني،وإذا تجاوز العدد أكثر من عشر مرات في الساعة.وهذا مايسمى مشعر انقطاع التنفس.وتقدر نسبة الإصابات عند الكهول بحوالي 1% وهو داء يصيب الجنسين ولكن بنسبة أعلى عند الذكور،أكثر بعشر مرات.ويشخص غالباً عندما يكون المريض قد تجاوز الخمسين من العمر.
الباثوفيسيولوجيا:
يوجد ثلاثة أشكال لهذا الداء:
1 ـ النموذج الانسدادي:
وهو الأكثر شيوعاً،وهو ينجم عن وهط المجاري التنفسية العليا،مما يؤدي إلى توقف جريان الهواء بالرغم من وجود الشهيق القسري.والذي يحدث هنا هو عدم التوازن ما بين عمل وفعالية العضلات الموسعة للقصبات في المجاري التنفسية العليا،وعمل العضلات الشهيقية في جدار الصدر.وينجم عن هذا حدوث نوب من انقطاع التنفس المعاود والمتكرر،والتي قد تستمر لعدة ثواني وحتى 3 دقائق في الحالات الشديدة(وسطياً 30 ـ 40 ثانية)،ويترافق هذا مع هبوط شديد في أوكسجين الدم بحيث قد يصل إلى التركيز الوريدي.وهذا يسبب اضطراب النوم وانقطاعه بحيث لا يصل المريض إلى مرحلة النوم العميق.
وهناك عدة أسباب تؤدي إلى هذا الشكل الانسدادي ومنها:
1 ـ وجود تبدلات تشريحية في المجاري التنفسية العليا تؤهب لحدوث الانسداد،ومنها فرط نمو وضخامة اللوزات،وانحراف وتيرة الأنف الشديد،ومرجلات الأنف الكبيرة،وصغر الفك ورجوعه للخلف،وضخامة اللسان كما في قصور الدرق وضخامة النهايات،وكذلك وجود التنشؤات.
2 ـ وجود نقص في المقوية العضلية وخاصة في المجاري التنفسية العليا والذي يحدث بشكل دوري أو طوري،وخاصة في طور النوم المسمىREM،وهذا يسبب الوهط والاسترخاء في العضلات في المجاري التنفسية العليا.وإن نقص الأوكسجين في الدم يستدعي حدوث منعكس اليقظة Arousa،وهي تفاعلات انعكاسية تهدف إلى إعادة فتح المجاري التنفسية وأخذ الأوكسجين من جديد.وظاهرة اليقظة هذه مع حدوث فرط التهوية السريع المصاحب لها تحدث دون أن يستيقظ المريض أو ينتبه لها أثناء النوم.
وهذا يسبب حدوث الشخير العالي أو التنفس المصوّت،والذي قد يترافق مع حركات شديدة في الجسم.
وإن توالي هذه الأمور أثناء النوم يؤدي إلى تخريب وتعطيل أطوار النوم الطبيعي الفسيولوجي وهذا ما يسمى ظاهرة”تجزؤ النوم أو تشطره”،وبالتالي لا يعد النوم لدى هؤلاء المرضى وسيطة للراحة ولذا يميل المريض للنوم أثناء النهار.
3 ـ عدم استقرار في تنظيم التنفس مركزياً
4 ـ نقص في استجابة وتنبه وفعالية المستقبلات الكيميائية أثناء النوم.
وينجم عن هذا المظاهر السريرية التالية:
1 ـ القلب الرئوي المزمن بسبب ارتفاع المقاومة الوعائية الرئوية.
2 ـ بطء القلب الشديد والحصارات القلبية،وتوقف القلب بسبب تفعيل عصب المبهم وذلك بسبب هبوط الضغط داخل الصدر.
3 ـ تسرعات القلب البطينية وحدوث خوارج الانقباض البطينية بسبب هبوط تركيز الأوكسجين في الدم،وربما الموت المفاجىء الليلي.
4 ـ ازدياد لزوجية الدم Polyglobulie والذي ينجم عن زيادة تركيز الكريات الحمراء في الدم بسبب نقص الأوكسجين.
5 ـ الميل للنوم أثناء النهار رغم ساعات النوم الطويلة أثناء الليل،وخاصة عند الجلوس المديد أو القراءة أو الكتابة وعند قيادة السيارات وهذا يؤهب لحدوث حوادث السيارات عند المرضى.مع الشعور بالتعب العام،وفي الحالات الشديدة لا يستطيع المريض البقاء صاحياً أثناء النهار من غير أن يشغل نفسه بالعمل والحركة.
6 ـ ارتفاع الضغط الشرياني،والصداع الصباحي والعنانة،والميل للإكتئاب والسوداوية.وتراجع القدرات الذهنية والعقلية مثل التركيز والذاكرة،كما قد تحدث تبدلات في الشخصية..التبول الليلي..والتعرق الليلي
7 ـ الشخير الشديد أثناء النوم وهو يختلف عن الشخير المألوف العادي بما يلي:
إن الشخير عادة عبارة عن ظاهرة صوتية تنجم عن الإنسداد غير التام في المجاري التنفسية العليا،مع حدوث اهتزازات في الاجزاء الرخوة من مكونات العنق.وقد تصل هذه الظاهرة الصوتية من حيث قوتها إلى حوالي 90 ديسبيل،وهذا يعني نفس الصوت الذي تحدثه شاحنة تمشي بسرعة وسطية على الطريق السريع.ويمكن أن يشاهد الشخير بشكل عرضي ومؤقت بعد:الزكام،وتناول الغول،والإجهاد النفسي أو الجسمي،كما يشاهد عند الأطفال وخاصة بوجود ضخامة اللوزات،أو وجود الناميات أو تضيقات مجرى الأنف،أو وجود تشوهات في الوجه مثل تشوهات الحنك والفك.ويزداد الشخير عند البدينين وذلك بسبب تراكم الشحوم في عضلات الرقبة وهذا يسبب رخاوتها وطراوتها.وأما الشخير في انقطاع النفس النومي فإنه يتميز:
هو شخير دوري،أي تحدث أصوات شخيرية متعاقبة،يعقبها فترة خالية من الشخير.
وإن وجود الشخير العالي غير المنتظم مع انقطاع النفس أثناء النوم توجه للتشخيص الدقيق والمبكر.
8 ـ البدانة غالباً ما تشاهد لدى غالبية المرضى ولكن قد تختفي في حوالي ثلث الحالات.
9 ـ إن تناول الخمر والمهدئات والمنومات قد تسبب تفاقم هذا المرض ويمكن تحريضه بإعطائها.
2 ـ النموذج المركزي:
وهذا يشكل نسبة 10% فقط من المتلازمة ويقال بوجوده إذا كانت نوب انقطاع التنفس تشكل أكثر من 55% من نوب انقطاع التنفس بسبب مركزي.وأهم أسباب الشكل المركزي:الأذيات الالتهابية او بسبب نقص التروية الدموية، وخاصة في جذع الدماغ،والقلاء الاستقلابي بفرط التهوية،وقصور القلب الشديد(متلازمة شتاين ـ ستوكس) .والشكل المركزي يعني وجود اضطراب شامل على مستوى العضلات التنفسية.
3 ـ النموذج المختلط:
وهنا يشاهد حدوث الشكل الانسدادي بعد الشكل المركزي وأهم أشكاله متلازمة بيك ويك،والتي تترافق بالبدانة المفرطة ونقص التهوية السنخي،والقلب الرئوي،واحميرار الدم الثانوي.
التشخيص:
بعد الفحص السريري واجراء وظائف الرئة وغازات الدم،وفحص الأنف والحنجرة والبلعوم،وإجراء الفحوص القلبية والمخبرية فإن واسطة التشخيص الرئيسية هي إجراء مايسمى Polysomnographie،وهذا الفحص يبين انقطاع التنفس التام: مدته وتواتره،أو وجود التنفس السطحيHypopnoe مدته وتواتره
والإشباع الأوكسجيني أثناء النوم،وشدة هبوط الأوكسجين وتواتره .كما يبين مدى الشخير وشدته وتواتره وعلاقته بوضعية الجسم أثناء النوم،كما يكشف عن وجود اضطرابات في نظم القلب،ووضعية الجسم أثناء النوم.
وعند الشك بوجود الداء يتم متابعة التشخيص في مشافي خاصة حيث يتم تأكيد التشخيص وإعطاء الجهاز للمعالجة بعد تطبيقه على المريض ومعرفة تجاوبه مع المعالجة.ومعرفة الضغط الذي يحتاجه الجهاز الذي سوف يعالج به.
المعالجة:
تخفيف الوزن،وتجنب تناول الغول والمنومات وخاصة من زمرة الباربيتورات والبنزوديازبام،لأنها تؤثر في مقوية عضلات البلعوم وقاع الفم،ولأنها تؤثر في عتبة اليقظة.
وفي بعض الحالات تخف الأعراض بالنوم على أحد شقي الجسم وتجنب النوم على الظهر.
وفي الحالات الشديدة لابد من اللجوء إلى جهاز (CPAp( Continnous Positive Airway Pres،أي المعالجة بالجهاز ذو الضغط المستمر الإيجابي عن طريق الأنف،حيث يغطى الأنف بقناع عازل للهواء وهذا يمنع وهط المجاري التنفسية،ويحصل التحسن بعد تطبيق الجهاز خلال فترة قصيرة بحيث يكون جواب المريض غالباً”كأنني ولدت من جديد”.وهذا الجهاز يعتمد من خلال القناع الأنفي على أخذ هواء الغرفة مع تطبيق ضغط إيجابي بحيث يسهل فتح المجاري التنفسية أثناء النوم.وقد أدخلت المعالجة بالجهاز عام 1981م من قبل سوليفان والنتائج ممتازة.
ومن الأجهزة الحديثة أيضاً في المعالجة ما يسمى (Bi CPAp،(Bi levelوالآلية هنا:وجد أن الضغط في المجاري التنفسية أثناء الزفير يكون أعلى منه أثناء الشهيق،وبما أن تطبيق الضغط المرتفع على المريض قد يسبب ازعاجاً لديه مع تخرش في مخاطية الأنف والمجاري التنفسية فإنه من خلال هذا الجهاز ثنائي الطور يعطى ضغطاً عالياً أثناء الشهيق ومنخفضاً أثناء الزفير.(IPPV Interme Positive Ventilation Press
كما يلحق هذا بإعطاء بعض المرطبات للأغشية المخاطية .وهناك أجهزة يتم فيها إعطاء الضغط بشكل بطىء ومتدرج أثناء النوم في بداياته حتى يصل إلى درجة معينة عندما يكون المريض قد استغرق في النوم.
تجرى المراقبة بعد تطبيق العلاج بعد 3 ـ 6 أشهر،ومن ثم مرة كل سنة.ولابد من فحص الجهاز تقنياً بشكل دوري (مرة في السنة) من قبل الشركة والمختصين بها.
ولكن هناك بعض التأثيرات الجانبية للمعالجة بهذا الجهاز ومنها:
ـ له علاقة بالقناع المستخدم:
1 ـ قرحات الضغط:وهو من أكثر الاختلاطات مشاهدة،وذلك بسبب التأثيرات المباشرة للقناع.وقد يكون الاختلاط بسيطاً بحيث يشاهد انطباعات بسيطة على جلد الوجه،وقد يكون شديداً ويسبب تقرحات عميقة مؤلمة،ونادراً تشوهات شديدة في غضاريف الوجه.وأكثر ما تشاهد هذه التقرحات في جذر الأنف.
فإذا كان الأمر بسيطاً كما يشاهد لدى حاملي النظارات الطبية فإن المريض يتحمله بدون صعوبات،وأما إذا حدثت إصابات شديدة مؤلمة فلابد من المعالجة.وذلك باستبدال القناع.
وقد تبين أنه في استعمال الأقنعة الحديثة يقل حدوث مثل هذه التقرحات.
2 ـ التسرب الهوائي:حيث يتسرب الهواء إذا كان القناع غير ملتصق تماماً بالوجه.وهذا يزعج المريض،وغالباً ما يترافق التسرب مع أصوات مزعجة من الجهاز بسبب هبوط الضغط فيه.وهذا التسرب قد يخرش ملتحمة العين وهو أمر غير خطير ولكنه مزعج للمريض،ولابد من معالجة هذا التسرب عند حدوثه.
3 ـ تفاعلات تحسسية:لمكونات القناع بحيث تسبب احمراراً في الجلد في أماكن التماس .
4 ـ المشاكل السنيّة:حيث تشاهد أحياناً مشاكل في ناحية الفك العلوي،وذلك بسبب ضغط القناع على الأسنان القواطع العليا،وأكثر المرضى إصابة من لديهم مشاكل سنيّة سابقة،وهذا يؤدي لحدوث آلام سنية وربما فقدان الأسنان وأذية الجسور والأسنان الصناعية وطقوم الأسنان المركبة،وإذا حدث هذا يمكن استعمال بعض الأقنعة الطرية ذات الضغط البسيط مع استشارة طبيب الأسنان.
ـ تأثيرات جانبية أخرى لا علاقة لها بالقناع:
1 ـ جفاف المجاري التنفسية العليا:وهذا يعتبر من أهم الاختلاطات في المعالجة بهذه الأجهزة.وخاصة الجفاف في ناحية الانف ونسبة حدوثه 30 ـ 66% ويسبب الرعاف.وأهم ما يعالج به إضافة المرطبات للجهاز حيث يرطب الهواء الداخل عن طريق الأنف باستعمال جهاز مائي مرطب،وفي بعض الحالات يكفي إعطاء مركبات الكورتيزون الموضعية بشكل بخاخ أنفي.
داء انقطاع النفس النومي عند الأطفال:
يختلف هذا المرض عند الأطفال بالمقارنة مع الكهول من حيث الأسباب والأعراض،والعقابيل التي تنجم من جرائه عند الأطفال من حيث النمو والتطور والتي قد تكون وخيمة جداً،وكذلك تختلف المعالجة عند الأطفال بالمقارنة مع الكهول.
فمن حيث الأسباب:
يشاهد هنا غالباً انسداداً جزئياً أو تاماً في المجاري التنفسية العليا،مما يؤدي لحدوث انقطاع التنفس التام أو الجزئي.
إن بقاء المجاري التنفسية العلوية مفتوحاً له علاقة بشكل خاص مع عوامل عصبية ـ عضلية،وتشريحية.
إن الأليات العصبية ـ العضلية تشرف على المقوية العضلية،وإن العوامل الوظيفية مثل نقص المقوية العضلية تؤثر في هذا،وكذلك الأليات الأخرى وخاصة اضطراب المنعكسات.والأليات الفيزيائية تؤثر أيضاً على الأليات العصبية العضلية.
وأما من النالحية التشريحية فمن أجل بقاء المجاري التنفسية العلوية مفتوحة فإنه يجب أن تكون العظام الغضروفية،والنسيج الضام والألياف العضلية،والبشرة المخاطية للنسيج القصبي كلها من ناحية سليمة، وإن أهم الأسباب التشريحية لحدوث هذا الداء عند الاطفال هو فرط نمو الناميات واللوزات (وهذا هو أهم الأسباب)،والتشوهات الوجهية القحفية،واعتلال الحنجرة والرغامى،وخاصة ما يسمى رخاوة الحنجرة والرغامى،واللسان العرطل والبدانة.
إن الانسداد في المجاري التنفسية يستدعي زيادة الجهد التنفسي وحدوث الهيبوكسميا وفرط غاز ثاني أوكسيد الكربون،وهذا قد يؤدي فيما بعد إلى ارتفاع التوتر الرئوي وإجهاد البطين الأيمن وتوسعه ومن ثم البطين الأيسر،وإن تمدد الأذينات في القلب يؤدي إلى تحرر هرمون ANF،وهذا يسبب البيلة الليلية وسلس البول عند الأطفال.
الأعراض:
أهم الأعراض حدوث الشخير،ويشاهد ما يسمى متلازمة فرط الحركية أثناء اليقظة Hypermobility،واضطراب عند الطفل في التركيز والتعلم واضطرابات في السلوك ومنها الميل للعدوانية.مع نقص قابلية الانتباه.ويشاهد أيضاً التعرق الغزير الليلي،والميل للنوم نهاراً،…
المعالجة:حسب السبب .
أدواء الصدر والطيران:
إن السفر بالطيران قد يكون بالنسبة لبعض المرضى مزعجاً،ولا ننسى أن الطيران بالنسبة للمسافر وكأنه في أعالي القمم.وهذا ذو أهمية قصوى للمصابين بأمراض القلب والدوران وأمراض الرئة المزمنة.
إن البيئة داخل الطائرة تتميز بما يلي:
1 ـ إن مجمل الضغط الهوائي داخل الطائرة بالمقارنة مع الضغط الهوائي على سطح الأرض هو أقل،وبالتالي فإن تركيز الأوكسجين هو أقل أيضاً.
2 ـ بسبب وجود المكيفات الهوائية فإن نسبة الرطوبة النسبية تبلغ 6 ـ 15 %.
3 ـ الحرارة داخل الطيارة وأثناء رحلة الطيران تكون ثابتة مهما اختلفت الظروف.
4 ـ وفي الرحلات الطويلة لا بد من التذكير بقلة حركة المسافر وما يتبع من عدم الحركة من التأثير الصحي عليه.
5 ـ وجود الضجيج والاهتزاز قد يؤثران من الناحية النفسية.
6 ـ وجود المطبات الهوائية قد يكون لها تأثيرات سلبية.
7 ـ الخوف من الطيران وما يتبع ذلك من ارهاق نفسي بالنسبة لبعض المسافرين.
وبشكل خاص فإن المصابين بأمراض الصدر المزمنة عليهم الانتباه إلى عدة نواحي:
1 ـ إن نقص الأوكسجين أثناء الطيران قد يشكل عامل خطورة لدى البعض منهم.
2 ـ إن الهواء داخل الطائرة هو جاف نسبياً وهذا قد يؤهب للربو.
3 ـ إن ضيق المكان قد يؤهب أيضاً لضيق التنفس.ولذا لابد أن تكون الأدوية الإسعافية وخاصة بخاخ الربو في متناول يد المسافر المصاب.
4 ـ بالنسبة لمرضى انتفاخ الرئة يخشى لدى البعض منهم من تمزق الفقاعات الهوائية Bulle،وحدوث الريح الصدرية.
أدواء القصبات المزمنة والتلقيح:
1 ـ ينصح بإعطاء لقاح الانفلونزا بشكل دوري وكل عام لأمراض القصبات السادة والمزمنة وخاصة عند المرضى المسنين والذين لديهم وظائف رئة سيئة أو لديهم أمراض مزمنة قلبية أو كبدية أو كلوية أو استقلابية(السكري مثلاً).
ولقاح الانفلونزا له نوعان:
1 ـ اللقاح الميت العاطل:وهو لقاح يُحصل عليه من مزارع الفيروسات(أجنة الدجاج)وهي تحتوي على مستضد الهيماتوغلوتنين.ونسبة الفعالية عند الأصحاء 70 ـ 100%(إذا كان هناك توافق تام مابين مستضدي اللقاح والفيروس الحي)وتنزل حتى 30 ـ 60% في حال عدم التوافق التام.ومع أن الفعالية غير عالية إلا أنه ينصح بإعطاء اللقاح للمجموعات المؤهبة للخطورة وخاصة عند المسنين والمصابين بالأمراض المزمنة،والتي قد تحد من الاصابات الخطيرة للفيروس.ويعطى اللقاح مرةً سنوياً،وبالعضل،وهو جيد التحمل،وقد يسبب ألماً موضعياً بسيطاً.ويعطى في فصل الخريف أي في شهر إيلول أو تشرين الأول.
ومضاد الاستطباب للقاح هو التحسس للبيض.والانتانات الحادة ،والحمل، ويمكن إعطائه للمرضعات.ويمكن إعطائه للرضع ابتداء من الشهر السادس من العمر،ويعطى للأطفال الكبار ابنداء من الثلاث سنوات.وأما الأطفال دون سن الثالثة من العمر فيعطى اللقاح بشكل جرعتين بفاصل شهر حيث تعطى في كل مرة نصف الكمية من اللقاح.
2 ـ اللقاح الحي:وهو لقاح فعال ويمكن أن يعطى بشكل بخاخ عن طريق الأنف،وهذا يعطى خاصة للأطفال.
2 ـ لقاح ذات الرئة بالمكورات الرئوية:
في تموز عام 2001 نصحت مؤسسة روبرت كوخ في ألمانيا بإعطاء لقاح ذات الرئة وخاصة للمسنين فوق سن الستين،وللأطفال أو الكبار إذا كان لديهم مرض مزمن مؤثر على الصحة،وخاصة أمراض المناعة الكسبية أو الوراثية،والأمراض المزمنة وخاصة أمراض الرئة والقصبات،كما ينصح بإعطائه للمواليد الخدج وللأطفال ناقصي الوزن عند الولادة.
ويعطى اللقاح للكبار بالعضل،ويكرر كل ستة سنوات.ويمكن إعطائه تحت الجلد في حال وجود اضطراب في التخثر الدموي.
واللقاح يقي من الإصابة بالمكورات الرئوية وخاصة الإصابة السحائية.ونسبة الوقاية من الإصابة بالمكورات الرئوية تصل حتى 90%.وهو نادر التأثيرات الجانبية.ويبدأ تأثير اللقاح بعد حوالي ثلاثة أسابيع من إعطائه.
أدواء الرئة الخلالية المتنية المتفشية:
تعتبر الرئة العضو الأكثر تماساً مع عوامل البيئة حيث أن سطح تماس جهاز القصبات أكبر بحوالي 50 مرة من الجلد،وبالتالي يتم تعرض الرئة لعوامل البيئة المخرشة والسمية.
وإن الأغبرة التي يتعرض لها الإنسان مهنياً أو بسبب بعض الهوايات قد تكون ذات تأثير مخرش ـ سمي،وقد تكون ذات تأثير تحسسي.
هناك أسباب عديدة لأدواء الرئة الخلالية المتفشية،وقد تكون الأسباب بها حرضية تحسسية،ومنها استنشاق بعض العوامل التحسسية العضوية واللاعضوية،وقد تكون الأسباب سمية،أو قد تكون عن طريق مجرى الدم كما هو الحال بالنسبة للتأثيرات الجانبية الرئوية لبعض الأدوية،وقد تكون بسبب أمراض جهازية عامة وشاملة.
التصنيف:في علم 1998م وضع تصنيف لأمراض الرئة الخلالية بحيث تقسم إلى:
1 ـ UIP Usual Interstial Pneumonia ذوات الرئة الخلالية الاعتيادية
2 ـ BOOP Bronchiolitis Obliterans with Organizing Pneumonia التهاب القصيبات الساد والمترافق مع ذات الرئة المتعضية
3 ـ AIP Acute Interstiag Pneumonia التهابات الرئة الخلالية الحادة
4 ـ NSIP Non Specific Interstiah Pneemonia التهابات الرئة الخلالية اللانوعية
5 ـالتهابات الرئة الخلالية ذات النمط الخلوي اللمفاوي
6ـ تليفات الرئة بالتسمم بالمعادن الثقيلة
أهم الأسباب:
1 ـ الأدوية:التي تؤثر بشكل سمي خلوي وأشهرها:الصادات الحيوية وخاصة البليومايسين والميتومايسين،وقاتلات الخلايا وخاصة الميثو تريكسات،والأذاثيوبرين،…
2 ـ الأدوية ذات التأثير غير السمي الخلوي:ومنها بعض الصادات مثل النتروفورانتئين،والأمفوتريسين والسلفاسالازين.وبعض المسكنات ومنها الأسبرين.وبعض المخدرات مثل الهيروئين والميثادون.وبعض المهدئات مثل الكلور ديازبوكسيد.وبعض مضادات الاختلاج مثل الهيدانتوئين والكارباميزبين.وبعض المدرات مثل الهيدرو كلور ثيازيد.وبعض المهدئات مثل الهالوبيريدول.وبعض مضادات عدم الانتظام القلبي مثل الأميودارون والليدو كائين.وبعض الأدوية المضادة للروماتيزم مثل أملاح الذهب،والبنسيلين أمين،والكولشيسين،والميثوتريكسات،…
3 ـ بعض الأمراض الجهازية العامة:ونذكر منها الساركوئيد،والتهاب المفاصل الرثياني،والتصلب الجلدي المنتشر،وداء الذئبة الحمامية المنتشر،ومتلازمة شارج شتراوس،والتهاب الشرايين العقِد،ومتلازمة غود باستور،والداء الحبيبي لفيغنر.
4 ـ عوامل مجهولة:ومنها التليف الرئوي مجهول السبب،والتهاب القصيبات الساد المنتشر،وداء الهستو سيتوز،والداء الهيموسيدروز المنتشر،…
5 ـ أسباب أنتانية:
ومنها الداء السلي الدخني،وبعض الانتانات الفيروسبة،وبعض الانتانات بالكلاميدياـوداء الليغونيللا،
6 ـ تغبرات الرئة:بأشكالها المختلفة
7 ـ الأسباب المناعية المنشأ:مثل التهاب الأسناخ التحسسي الخارجي بسبب الأغبرة العضوية(ومنها داء مربي الطيور حيث يوجد التحسس لبراز وريش الطيور)،ومتلازمة لوفغرين أي الساركوئيد الحاد،والداء السنخي البروتيي،وذات الرئة المزمنة المترافقة بارتفاع تركيز الحمضات.
إن استنشاق بروتينات بعض الحيوانات وخاصة الطيور،أو الفطور أو الجراثيم أو الحشرات أو المستضدات النباتية وأيضاً المستضدات اللاعضوية يسبب التهاب الاسناخ التحسسي.
والتفاعلات المشاهدة هنا هي من نوع التفاعل المناعي النموذج الثالث أي تفاعلات المعقدات المناعية Immun complex أي ارتباط الاضداد المناعية من نوع IGG بالمشاركة مع الخلايا اللمفية المتحسسة ضد المستضدات.وهذا التفاعل المناعي يشاهد على مستوى الاسناخ والنسيج الخلالي الرئوي،وفي ربع الحالات يصيب أيضاً القصيبات النهائية.
وأهم أشكال التهاب الأسناخ التحسسي نذكر:
1 ـ داء رئة المزارع Farmer Lung:وهو ينجم عن استنشاق العلف الملوث بالفطور،وخاصة إذا تم حفظ العلف في ظروف طقس سيئة ورطبة فيصاب بفطور من نوع Thermo actinomycete
2 ـ داء مربي الطيور:وخاصة الحمام وطائر العاشق والمعشوق والببغاء،والعوامل المحسسة توجد في ريش وبراز الطيور .
3 ـ داء المكيفات: وهذا يشاهد من لديهم التماس المستمر مع بعض أجهزة التكييف أو المرطبات الهوائية وهذه الاجهزة يمكن أن نتثر أبواغ بعض الفطور والجراثيم.
8 ـ أسباب مختلفة:مثل داء الأميلويد،والأوريميا البولية،..
9 ـ بعض الأمراض السرطانية الخبيثة:مثل السرطان السنخي،واللمفومات الخبيثة،وابيضاضات الدم،والانتقالات السرطانية.
10 أسباب قلبية:مثل الصمامات الرئوية المعاودة والناكسة،وقصور القلب الأيسر.
الأعراض:وأهمها:ضيق النفس والسعال،وهذه تحصل بشكل حاد أو متدرج.
التشخيص:
1 ـ وظائف الرئة:تبدي وجود اضطرابات من النوع الحاصر وخاصة نقص السعة الوظيفية الحيوية والسعة الوظيفية الكاملة.مع وجود اضطرابات في غازات الدم وخاصة نقص الأوكسجين على الراحة أو الجهد.وكذلك يفيد هنا التشخيص بإجراء التيادل الغازي بواسطة Diffusion Capacity.وتفيد وظائف الرئة في التشخيص وتقدير شدة المرض والإنذار كما تفيد في تحديد خطة المعالجة والمراقبة.
2 ـ شعاعياً:التصوير الشعاعي للصدر بالوضعين ويتمم بالتصوير الطبقي المحوري وخاصةHR CT،حيث يعطي معلومات بالتفصيل عن النسيج الخلالي السنخي،ووجود التليفات،أو التسمكات ووجود الكيسات أو منظر أقراص النحل.
3 ـ تنظير القصبات والخزعة من الغشاء المخاطي وأحياناً الجرعة من خلال الغشاء المخاطي Transbronchial،وغسيل القصباتBAL وفي بعض الحالات إجراء خزعة الرئة المفتوحة من خلال تنظير الصدر.
المعالجة المديدة بالأوكسجين:
الأوكسجين:
جاء في دائرة المعارف الإسلامية السفير:
“الأوكسجين:كلمة معرّبة أُدخلت على العربية في العصر الحديث.و”الأوكسجين” هو غاز عديم اللون والطعم والرائحة،غير أنه يتحوّل إلى سائل ذي لون أزرق باهت بتبريده عند درجة حرارة183 تحت الصفر،ويتجمد على هيئة مادة صلبة عند درجة حرارة 218 تحت الصفر،والاوكسجين قليل الذوبان في الماء،حيث يذوب بنسبة 3% في درجة حرارة 20 مئوية،وهذه الكمية الضئيلة تُعتبر في غاية الأهمية،حيث إنها المسئولة عن حياة الأسماك والكائنات الحية الأخرى التي تعيش تحت سطح البحر.
ويوجد الأوكسجين على سطح الأرض أكثر من أي عنصر آخر،إذ يمثل نصف وزن القشرة الأرضية تقريباً،و88% من وزن المحيطات،بينما يتوافر الأوكسجين في الجو بنسبة 23% وزناً،ويفوق عدد ذرات الأوكسجين في قشرة الأرض عدد ذرات العناصر الأخرى مجتمعة.
ويدخل الأوكسجين في كثير من المركبات الكيميائية،مثل:الماء،والأحماض،والقواعد،والكحولات،وغيرها،كما أنه هو المسئول الرئيسي عن كثير من العمليات التي تحدث يومياً مثل:الاحتراق والتأكسد،والاختزال والتمثيل الضوئي والتنفسي،وغيرها.
ويُحضر الأوكسجين بإسالة الهواء(أي بتحويله إلى سائل،بتبريده وزيادة ضغطه)،وهذه هي الطريقة الصناعية لتحضير الأوكسجين والنتروجين،ويمكن تحضير عينات من الأوكسجين النقي بالتحليل الكهربائي لبعض المحاليل المائية،ولكن هذه الطريقة أكثر تكلفة.
ومن العجيب أن نسبة الأوكسجين في الهواء ثابتة تماماً،على الرغم من استهلاك الأوكسجين في عمليات التنفس لجميع الكائنات الحية،وهنا نستشعر معنى قول الحقّ تبارك وتعالى:{إنّا كل شىءٍ خلقناهُ بقدر}[القمر 49].
وتتم المحافظة على نسبة الاوكسجين الثابتة في الهواء باتزان يشمل التمثيل الضوئي الذي تقوم به النباتات،وينتج الأوكسجين من جهة،والتنفس والاحتراق الذي يستهلك الأوكسجين من جهة أخرى،لذا فإن أي تغيير في البيئة يؤدّي إلى تغيير في معدل أي من هذه العمليات،وتكون نتائجه خطيرة على الكائنات الحية العليا التي تعتمد على الأوكسجين.
ويُعتبر الأوكسجين من العناصر النشطة كيميائياً،حيث أنه يتحد بمعظم العناصر المعروفة،ويكون تأثير الأوكسجين وهو في صورته النقية أكبر من تأثيره وهو في الهواء،لاحتواء الأخير على نسبة عالية من النتروجين،ويتحد الأوكسجين في درجات الحرارة العادية ببطء مع كثير من المعادن في ظل ظروف معينة،وما صدأ الحديد المعروف إلا نتيجة اتحاد الأوكسجين مع الحديد.
أما الفضة والذهب والبلانين فيصعب اتحادها بالأوكسجين في درجة الحرارة العادية في ظل ظروف معينة ولذلك تسمى هذه العناصر بالعناصر النبيلة أو النفيسة.
واتحاد الأوكسجين مع بعض الفلذات،مثل الكربون وكثير من المركبات العضوية مثل البنزين يمثل المصدر الرئيسي للطاقة في حياتنا اليومية.
وما الغاز الطبيعي الذي نستخدمه (البوتجاز)إلا خليط من الغازات العضوية التي عندما تشتعل(أي مع الأوكسجين) ينتج غاز ثاني أوكسيد الكربون مع الماء مع كمية كبيرة من الطاقة.
ومن تفاعلات الأوكسجين المشهورة :تفاعله مع عنصر المغنزيوم الذي تكون نتيجته إصدار كمية كبيرة من الحرارة على هيئة ضوء ساطع يُستخدم كثيراً في التصوير”الفلاش”.
والأوكسجين من أكثر العناصر فائدة،حيث يستخدم في مجالات عديدة،مثل:الصناعة،والطب،وكثير من وسائل انتاج الطاقة،ومن أشهر استخداماته في الصناعة:اتحاده مع الاستيلين للحام المعادن،أما في الطب فيخلط الاوكسجين وغاز أوكسيد النتروز ويستخدم في التخدير،كما يمكن استخدامه وهو سائل كوسيلة من وسائل التخدير،ويستخدم الاوكسجين السائل أيضاً في عمل بطاريات الوقود في سفن الفضاء وغيرها.
ومن صور الاوكسجين:الأوزون،حيث ينتج جزيئان من الاوزون باتحاد 3 جزيئات من الاوكسجين ويكون ذلك في درجات حرارة عالية.
والأوزون غاز أزرق باهت غير ثابت في درجات الحرارة العالية،ويوجد بنسبة ضئيلة جداً في الهواء العادي،حوالي واحد في المليون.
ويؤثر الأوزون تأثيراً مهماً في حفظ درجة حرارة الارض،وذلك بامتصاصه كمية كبيرة من الاشعة فوق البنفسجية التي تصدرها الشمس قبل سقوطها على الأرض ويتم ذلك بأن يتحوّل الأوكسجين في طبقات الجو العليا إلى أوزون باستهلاكه كمية كبيرة من أشعة الشمس،ولولا هذه العملية لاحترق كل مافي الأرض بأشعة الشمس واندثرت الحياة بأكملها،وما يُثار الآن حول مايسمى”بثقب الأوزون”ماهو إلا نقصان في تركيز هذا الغاز في طبقات الجو العليا،نتيجة تفاعلات كيميائية مع بعض المركبات الصناعية،مثل الفريون ويكون نتيجة ذلك ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض،لنفاد كمية كبيرة من أشعة الشمس إلى الأرض دون أن تُمتص بالأوزون،نتيجة نقص تركيز الأوزون.
ومن أهم استخدامات الأوزوم استخدامه في تنقية المياه،حيث يعمل كعامل مؤكسد ومعقم للمواد العضوية والكائنات الحية في المياه”(انتهى كلام السفير).
منذ أن اكتشف لافوازييه قبل أكثر من 200 عام بأن الكائنات الحية الحيوانية تحتاج للأوكسجين،حاول الإنسان أن يطبق المعالجة بالأوكسجين في أمراض نقصه.
إن الأمراض التي تترافق مع نقص الأوكسجين المستمر في الدم رغم المعالجة الكافية والمراقبة المستمرة،تؤدي إلى اضطرابات في كيفية ونوعية الحياة.كما أنها تؤثر في الفاعلية والقدرة البدنية.وتؤهب لإرتفاع ملحوظ في بعض الأمراض الأخرى وخاصة على مستوى القلب والدوران والجملة العصبية.
وفي حالة التهاب القصبات المزمن والشديد والمترافق مع نقص الأوكسجين في الدم بشكل مستمر ومن خلال إجراء فحوصات متكررة ومنتظمة فإنه ينصح المعالجة بالأوكسجين،وخاصة إذا كان ضغط الأوكسجين دون 60 مم زئبق أثناء الراحة(بعد فترة راحة لا تقل عن 15 دقيقة).وبعد إجراء عدة قياسات مستمرة،ولعدة مرات،وبعد التأكد من استكمال المعالجة المحافظة الكافية،واستبعاد الأسباب المؤدية للداء وخاصة التدخين.
إن نقص الأوكسجين في الدم(الهيبوكسيميا) إذا حصل بشكل حاد فإنه يسبب أذيات شديدة لا عكوسة وخاصة في الجملة العصبية المركزية حيث توجد مراكز التنفس والقلب،وإن نقص الأوكسجين المزمن والمشاهد في الأمراض المزمنة في الرئة والقصبات وخاصة التهاب القصبات الساد بمراحله المتقدمة أو في حال تليفات الرئة،يؤدي نقص التهوية السنخي على تنبيه منعكس اويللر ـليللي شتراند وهذا يؤدي لارتفاع التوتر في الأوعية الرئوية وحدوث فرط التوتر الرئوي الوعائي وحدوث القلب الرئوي المزمن.
ويجب أن نميز هنا أسباب نقص الأوكسجين هل هي بسبب الأمراض السادة المزمنة كما هو الحال في التهاب القصبات الساد المزمن وانتفاخ الرئة،وهنا يفيد إعطاء الأوكسجين المستمر،وأما إذا كان السبب في نقص الأوكسجين هو أمراض الأسناخ الرئوية مع وجود فرط غاز ثاني أوكسد الفحم المرافق لنقص الأوكسجين فقد لا يفيد إعطاء الأوكسجين وحده بل المعالجة بما يسمى التنفس البيتي من خلال جهاز CPAp.وينصح بالتنفس البيتي وبشكل خاص في أدواء الرئة الحاصرة،وخاصة الأمراض التي تصيب جدار الصدر والعمود الفقري مثل الجنف الشديد،ومتلازمة مابعد السل الشديد،ومتلازمة ما بعد شلل الأطفل،والأمراض العصبية العضلية التي تسبب نقصاً في التهوية السنخية،وذلك بسبب القصور العضلي التنفسي البدئي أو الثانوي.وفي بعض الحالات الشدية يمكن مشاركة التنفس البيتي مع إعطاء الأوكسجين معاً.
وهذه المعالجة يجب أن تتضمن ما يلي:
1 ـ إعطاء الأوكسجين لمدة لا تقل عن عشرين ساعة يومياً،وبمعدل 2 ـ 3 لتر في الدقيقة عن طريق القثطرة الانفية.
2 ـ هدف المعالجة أن يرتفع أوكسجين الدم أكثر من 65 مم زئبق،لمنع حدوث الاختلاطات القلبية والدورانية والعصبية الناجمة عن نقص الأوكسجين المزمن في الدم.وخاصة حدوث زيادة لزوجة الدم بسبب ارتفاع تركيز الكريات الحمراء والخضاب والذي قد يستدعي المعالجة بالفصادة.كما أن نقص الأوكسجين المستمر قد يسبب فرط التوتر الرئوي وقصور القلب.
3 ـ زيادة جرعة الأوكسجين أثناء الجهد وخاصة أثناء العمل المنزلي والخروج خارج المنزل،وهناك أجهزة أوكسجين قابلة للحمل أو المتحركة Mobile من أجل المعالجة خارج المنزل.,وهذه يمكن أن توفر حوالي 5 ـ 6 ألتار في الدقيقة.
ويمكن الكشف عن نقص الأوكسجين المحرض بالجهد من خلال عيار الأوكسجين في الدم أثناء الجهد،وهناك مايسمى المشي لمدة ستة دقائق يمكن الاعتماد عليه.
4 ـ الانتباه لتركيز غاز ثاني أوكسيد الفحم وعدم ارتفاعه أثناء المعالجة وخاصة أثناء الليل والنوم.وهذا يحدث بسبب نقص التهوية السنخية أثناء النوم.
وهذا يتطلب عيار غازات الدم بشكل مستمر ومراقبتها.وخاصة أثناء النوم.
5 ـ تزداد الحاجة للأوكسجين عند المرضى بشكل خاص في الحالات التالية:أثناء النوم،أو بسبب الجهود،وفي حالات الرحلات الجوية وخاصة لمسافات طويلة،وفي السكن أو الإجازة في المرتفعات العالية.
ولقد أظهرت الدراسات أن إعطاء الأوكسجين المستمر يحسن الإنذار في أمراض التهاب القصبات الساد المزمن وانتفاخ الرئة،وتتحسن نوعية حياة المريض.وقد يلاحظ عند بدء المعالجة ارتفاع طفيف في غاز ثاني أوكسيد الفحم،ويعلل هذا بأن إعطاء الأوكسجين يؤدي إلى نقص تحسس المستقبلات التنفسية المركزية لنقص الاوكسجين وهذا يؤدي إلى نقص التهوية الرئوية وحدوث نقص التهوية السنخية وبالتالي ارتفاع غاز ثاني أوكسيد الفحم،وهذا لا يخيف،لأن المعالجة بالأوكسجين تترافق مع نقص الجهد التنفسي وبالتالي تخفيف العبء على العضلات التنفسية والذي يحميها من الإجهاد والإعياء.
الأجهزة المستعملة في المعالجة المديدة بالأوكسجين:
1 ـ المكثفات:Konzentrator:
وهي أجهزة تأخذ الاوكسجين من هواء الجو،وبشكل مستمر.وهي أجهزة كبيرة الحجم،ووزنها حوالي 18 ـ 30 كغ،وتحتاج إلى منبع كهرباء(120 ـ 450 فولت)أي أنها تصلح فقط للاستعمال الموضعي.ومن مساوىء هذه الأجهزة الأصوات التي تصدر عنها،بالإضافة إلى تكاليف الكهرباء.
2 ـ الأوكسجين السيّال:
وهي أجهزة تفيد للاستهلاك المنزلي بشكل مدخرات،حيث يعطى الأوكسجين السائل من قبل إحدى الشركات،وإن لتراً واحداً من الأوكسجين السائل يعادل 853 لتراً من الأوكسجين الغازي.ويمكن بواسطة الأوكسجين السائل تعبئته في اسطوانات من أجل تنقل المريض والاستعمال عند الحركة،وحجم هذه الاسطوانات حوالي 3 كغ،وإذا استعمل المريض 2 لتر في الدقيقة فإن الاسطوانة تكفي لمدة 4 ـ 8 ساعات.وتوجد أجهزة لنقل هذه الاسطوانات،وهي تستعمل خاصة في الحركة والجهد.
3 ـ اسطوانات الأوكسجين:
وهي بأحجام مختلفة،ومن مساوئها وزنها الشديد،ولم تعد تستعمل للاستعمالات المنزلية إلا في حالات نادرة.وخاصة في الهجمات الحادة للأمراض التي تسبب نقص الأوكسجين العارض والطارىء.وهناك اسطوانات صغيرة الحجم حتى 2 لتر،من الأوكسجين الغازي ووزنها 2 ـ 2،70كغ.
4 ـ المرطبات:
في حال استعمال الأوكسجين بكمية أكبر من 2 لتر في الدقيقة،ولتجنب تخريش الغشاء المخاطي للأنف بسبب الجفاف تستعمل المرطبات.
المعالجة بالستيروئيدات القشرية في أمراض القصبات والرئة:
استعملت الستيروئيدات القشرية لأول مرة عام 1950م لمعالجة الربو،وذلك عندما توفر أول مستحضر تركيبي من هرمونات قشر الكظر.
والستيروئيدات القشرية المضادة للالتهاب هي عبارة عن مركبات تركيبية مماثلة لهرمونات قشر الكظر الطبيعية،أعني بها الهيدرو كورتيزون،أو الكورتيزول.وهذه المركبات المستعملة تتميز بأنها ترتبط مع مستقبلات سكرية بحيث تقلد عمل الهيدرو كورتيزون،وبالتالي فإن معظم أنسجة وخلايا الجسم تتأثر بعمل هذه الستيروئيدات.
ومن المعالم الهامة أن هذه الستيروئيدات ومن خلال تأثيرها يجب أن تعمل على إحداث وإنشاء للبروتينات،وهذا يفسر تأخر بدء تأثيرها وعملها،وبالتالي فإنها لاتؤثر بشكل واضح إلا بعد إعطائها بمدة لا تقل عن 1 ـ 4 ساعات،حتى يعطي الدواء تأثيره الأقصى.
التأثيرات الاستقلابية:
إن الستيروئيدات القشرية تؤثر على عدد من خمائر الجسم والتي لها علاقة مع استقلاب الغلوكوز،فهي تنقص القنص الخلوي للغلوكوز واستعماله داخل الخلية،وتزيد من جهة أخرى تشكيل الغلوكوز من الطلائع الاستقلابية الأخرى،وبالتالي فهي تعاكس عمل الإنسولين.وبالتالي ترفع سكر الدم وتؤدي إلى حدوث الداء السكري المحرض بالكورتيزون.
كما أنها تسبب حل الدسم،وتؤثر في استقلاب البروتينات،بحيث يكون عملها مضاداً للترمم،وتسبب زيادة تقويض البروتين في مداخره.وبالتالي تساعد على تقويض العضلات والمساعدة على حدوث هشاشة وترقق العظام.
كما أنها تؤثر على نقل شوارد الكالسيوم داخل الخلية،وهذا يؤدي إلى تراكمه في بعض الخلايا.
الستيروئيدات والتأثير المضاد للالتهاب
كما أنها تثبط إطلاق الهستامين من الخلايا الأسسة(الباسوفيل) والبدينة(Mast Cell)،
وهذا التأثير يجعلها ذات قدرة على تثبيط الإلتهاب.ومن المعروف أن فرط الفعالية القصبية يترافق مع بعض التفاعلات الالتهابية في الغشاء المخاطي للقصبات وهذا له دور واضح في حدوث الربو وأعراضه.
والستيروئيدات القشرية تثبط التفاعلات الالتهابية الحادة والمزمنة بغض النظر عن العامل المسبب فيها،وهي تثبط تقريباً كل مرحلة من مراحل التفاعل الالتهابي:فهي تؤثر على الكريات البيض من خلال تثبيط تشكيلها أو ارتكاسها على العناصر الالتهابية،كما أنها تسبب اختفاء الكريات البيض الأسسة ووحيدات النوى والحمضات،وكذلك الخلايا اللمفية المعتمدة على التيموس،وذلك في الدوران الدموي،بينما تسبب ازدياد المعتدلات بشكل واضح في الدوران الدموي ونقص تركيزها في أماكن الالتهاب من النسج والأعضاء المصابة.
وبشكل آخر :فإن الستيروئيدات تنقص من استنفار وفاعلية وحيدات النوى وبالعات الكبار في الالتهابات المزمنة،وتنقص وتثبط العديد من وظائف الكريات البيض في التفاعلات المناعية والالتهابية.
التأثيرات على مرضى الربو:
إن إعطاء الستيروئيدات بجرعات كبيرة بالفم أو عن طريق الزرق العضلية أو الوريدية يسبب تحسناً ملحوظاً في الوظائف الرئوية ويبدأ بعد حوالي الساعتين من الإعطاء ويصل ذروة تأثيره بعد 8 ساعات،ثم يتراجع تدريجياً.ويشاهد تأثيرات مماثلة عند إعطاء الستيروئيدات القشرية عن طريق الاستنشاق حيث لها تأثيرات موضعية على الغشاء المخاطي للقصبات.
كما أنها تقوي عمل مقلدات بيتا الادرنالجية،وهذا يبدأ خلال ساعتين.
وهي بالتالي تخفف من فرط الفعالية القصبية،والتي هي العامل الرئيسي في باثولوجية حدوث الربو.
إن الستيروئيدات القشرية الموضعية الإنشاقية تعتبر اليوم أفضل المركبات في معالجة مرض الربو،وهي تنقص معدل الوفيات،وتحسن وظائف الرئة،وتسبب تحسن الحالة السريرية للمريض.وهي ذات تأثيرات موضعية،ويندر أن تسبب تأثيرات جهازية عامة إذا أعطيت بالجرعات المناسبة.وقد يكون لها تأثيرات موضعية مثل :بحة الصوت،والالتهابات الفطرية وخاصة بالطوقيات(المونيليا) في ناحية الحلق والبلعوم،ولذا ينصح بإعطائها قبل الطعام مباشرة،والغرغرة الجيدة بالماء بعد تناولها.وهي تأثيرات يمكن معالجتها بسهولة ولا تستدعي إيقاف المعالجة.
وفي حالات الهجمات الحادة من الربو والحالة الربوية تعطى عن طريق الفم بجرعات عالية أو عن طريق الحقن الوريدي.
التنفس الصناعي المنزلي:NIV
وهذه الواسطة وتسمى التنفس الصناعي المنزلي غير المجهدأو التهوية الميكانيكية المساعدة،وهي تستعمل وبنجاح لدى بعض المرضى وخاصة في حالات الهجمات الشديدة من القصور التنفسي والمترافقة مع نقص الأوكسجين الشديد وارتفاع غاز ثاني أوكسيد الكربون في الدم(القصور التنفسي الشامل) وذلك لفترة قصيرة،أو بشكل مستمر ودائم في حالات القصور التنفسي الشامل وخاصة لدى المرضى في الحالات المتقدمة من أدواء القصبات السادة والمزمنة وانتفاخ الرئة في مراحله الأخيرة،وفي أمراض الشلل العضلي التنفسي كما هو الحال في داء التصلب الجانبي الضموريALS وفي إصابات النخاع الشوكي وماينجم عنها من شلل عضلي….ويمكن بواسطة هذه الواسطة الاستعاضة عن التنبيب الرغامي والتنفس الاصطناعي وما يعنيه ذلك من تجنب الإنتانات التنفسية،وقصر الإقامة في المشافي.
وإن استعمال “النيفا”NIV،يعني التنفس عن طريق استعمال القناع وليس عن طريق التنبيب الرغامي.وإن النيفا يؤدي على المدى البعيد إلى تخفيف الجهد على العضلات التنفسية،كما أنها تقلل من حدوث الانخماصات الرئوية.ومبدأ عمل هذا الجهاز كما هو الحال في CPAP والمستعمل في انقطاع التنفس أثناء النوم.
يتم التنفس الصناعي المنزلي من خلال قناع محكم يتم تثبيته على الأنف أو الفم أو كلاهما.ويتم توصيل ذلك عبر أنبوب بجهاز التنفس الصناعي المنزلي الذي ينفخ الهواء في الرئتين للمساعدة على التنفس من خلال دعم العضلات التنفسية.
ويتم استعمال الجهاز أثناء الليل ولمدة ستة ساعات متواصلة على الأقل،وفي بعض الحالات يستعمل خلال النهار.
القصور التنفسي:
هناك نوعان من القصور التنفسي :
1 ـ القصور التنفسي بسبب اضطراب التبادل الغازي أي اضطرابات التهوية ـ التروية.
وهذا يتظاهر بحدوث الهيبوكسميا،وفيما بعد يترافق مع فرط غاز ثاني أوكسيد الفحم في الدم.وهذا قد يشاهد في حالات ذات الرئة الحادة الشديدة،أو متلازمة القصور التنفسي الحاد ARDS،وهنا لايحدث تحسن في الهيبوكسميا إذا لم يحصل إصلاح ومعالجة السبب الرئيسي وهو إعادة انفتاح الأسناخ الرئوية المصابة بالإنخماص،وهذا يتطلب وجود ضغط شهيقي مرتفع ووجود ضغط زفيري مرتفع من أجل بقاء الأسناخ الرئوية مفتوحة.
2 ـ القصور التنفسي بسبب قصور المضخة التنفسية.وهذا مايسمى قصور التهوية.
وهو ينجم عن قصور عمل العضلات التنفسية وهذا القصور قد يكون حاداً أو مزمناً.والعرض الرئيسي الموجه هو وجود الهيبوكسميا المتوسطة الشدة مع وجود فرط غاز ثاني أوكسيد الفحم في الدم.
إن الإنسان السليم يحتاج فقط إلى 1% من الطاقة العظمى المتوفرة لقدرة العضلات التنفسية من أجل وجود واستمرار الحركات التنفسية،وأثناء الجهود يرتفع هذا الرقم إلى 5 ـ 7% فقط.ولا يوجد عندها خطر أبداً من حدوث نقص التهوية السنخي،وفرط غاز ثاني أوكسيد الفحم.
وأما إذا كان هناك ضعف في عضلات التنفس بسبب مرضي ما فإنه تزداد الحاجة أثناء الحركات التنفسية حتى نسبة 40% وهذه الحاجة المتزايدة لا يمكن لعضلات التنفس أن تتحملها لفترة طويلة،وبالتالي يحدث وهن وضعف في عمل هذه العضلات وهذا يؤدي لأن تكون الحركات التنفسية سطحية وضعيفة مع ارتفاع غاز ثاني أوكسيد الفحم.
إن المثال النموذجي لقصور العضلات التنفسية أو المضخة التنفسية هو الهجمة الحادة لالتهاب القصبات المزمن والشديدCOPD(الكوبد)،حيث يوجد انسداد قصبي شديد على مستوى القصبات الكبيرة والوسطى والصغيرة،وهذا يتظاهر خاصة أثناء الزفير،وخاصة في نهاية الزفير حيث يزداد الضغط الإيجابي(PEEP( Positve end expiratory Pressure،وهذا يسبب ازدياد الانتفاخ الرئوي.وانتفاخ الرئة هذا يجبر عضلة الحجاب الحاجز أن يأخذ شكلها الشكل المسطح ويسبب على المدى البعيد تباعد الاضلاع وحدوث مايسمى الصدر البرميلي،وهذا يؤدي أيضاً لسوء عمل العضلات التنفسية الأخرى،وهذا الاضطراب الوظيفي في عضلات التنفس يزداد أيضاً بسبب بعض الأدوية التي تعطى لعلاج “الكوبد” وخاصة مركبات الكورتيزون عن طريق الفم،وإن القصور المترق والمتزايد لمضخة العضلات التنفسية يُعاوض من قبل المرضى بازدياد الحركات التنفسية لمعاوضة تقص التهوية السنخية المتزايد،ولكن الحركات التنفسية تكون سطحية وضعيفة وسريعة وهذا يؤدي لزيادة الاستقلاب في العضلات التنفسية وعلى المدى البعيد يحدث فرط ثاني أوكسيد الفحم،والقصور التنفسي الشامل.
ومن الأمثلة الأخرى لأمراض تترافق مع قصور المضخة العضلية التنفسية المزمن وجود الأمراض العصبية ـ العضلية ولها عدة أشكال وأسباب ومنها الحثول العضلية الوراثية أو تال لمرض شلل الأطفال،أو بسبب التشوهات الشديدة في جدار الصدر والفقرات…والمعالجة هنا تكون بالدرجة الأولى إعادة التهوية بشكل مقبول وكاف ومن جهة أخرى إراحة المضخة التنفسية العضلية.وهنا وفي هذه الحالات لسنا بحاجة إلى إعطاء ضغوطات عالية أثناء التنفس لأنه لا يوجد انخماص في الأسناخ الرئوية كما هو الحال في اضطرابات التهوية ـ التروية،فإذا كان المريض متعاوناً يمكن تطبيق النيفا عن طريق القناع،وبالتالي تجنب التنفس الاصطناعي عن طريق التنبيب الرعامي.
التقنية:
إن تطبيق النيفا لا يمكن أن يتم إلا إذا كان المريض واعياً ومتجاوباً،وتكون منعكسات البلع والغثيان سليمة لديه.وبالتالي لا يمكن تطبيق النيفا على المرضى غير المتجاوبين وغير الواعين والذين يخشى حدوث خطر الاستنشاق لديهم.
الصمامة الرئوية:Pulmonary embolism
إن الصمامة الرئوية الحادة تعتبر من أكثر الأمراض أو الاختلاطات التي لا تشخص باكراً من قبل الكثير من الأطباء.ويقدر نسبة حدوثها في ألمانيا حوالي 200 ألف كل عام.وحوالي 30 ألف ذات مسير قاتل.وبسبب المعالجة الكافية المناسبة فقد هبطت نسبة الوفيات من 30% إلى 8%.وتنجم الصمامة عن انسداد في أحد شرايين الرئتين بمادة انتقلت عن طريق مجرى الدم إلى شرايين الرئة وخاصة خثرات الطرف السفلي للجسم.
إن من أهم الأعراض التي تشير إلى حدوث الصمامة الرئوية:
تسرع القلب المفاجىء مجهول السبب،الزلة المفاجئة،الألم الصدري الشديد،وقد يكون السعال مع نفث الدم.
ومما يوجه نحو حدوث الصمامة الرئوية مايلي:
العمليات الجراحية قبل فترة قصيرة من الإصابة،قصة رض وخاصة الكسور،أو حدوث فالج مع استراحة طويلة في الفراش،أو السفر لعدة ساعات مع عدم الحركة،وعند النساء استعمال مانعات الحمل،أو وجود اصابة خثرية وعائية في الأطراف السفلى.
إن السبب الرئيسي في حدوث الصمامة الرئوية هو وجود الخثرة الوريدية،والتي تكون وتنشأ غالباً من فروع الوريد الأجوف السفلي،وأوردة الساقين العميقة،وخاصة أوردة الفخذين والحوض.
وهناك بعض الأمراض التي قد تترافق مع الصمامة الرئوية ومنها:
ازياد لزوجة الدم،أحميرار الدم،وحالات التجفاف،ومرضى السرطان وخاصة سرطان البروستات،والراحة المديدة في الفراش،واستعمال الأدوية الحاوية على الاستروجين،وكذلك الحمل والبدانة والتدخين….
ويتم التشخيص من خلال الفحص الدموي المعروف باسمD dimerو بإجراء الومضان الرئوي أو التصوير الطبقي المحوري.وخاصة Spiral CT
أو التصوير الوعائي الرئوي وهو الفحص المؤكد النوعي.
سرطان الرئة والقصبات:
وهو من أكثر السرطانات حدوثاً عند الذكور والإناث.وهو أكثر السرطانات المسببة للوفاة عند الذكور.وتبين الإحصائيات في السنوات الاخيرة تماثل الإنذار عند الذكور والإناث .
وتبلغ عدد حالات الوفاة به على مستوى العالم حوالي المليون سنوياً.
ويموت سنوياً في ألمانيا أكثر من 45 ألف مريض به.ونسبة حدوثه حوالي 50 لكل 100ألف.ولا يوجد سرطان ازدادت عدد حوادثه في السنوات الخمسين الأخيرة مثل سرطان الرئة والقصبات.
وأهم أسبابه الدخان(85%)من الحالات،وبعض الاسباب المهنية(8%) وخاصة التعرض المهني والمنزلي لغبار الأسبتس،أو الزرنيخ أو الكرومات،ومشتقات احتراق الفحم…ومن الاسباب الأخرى:تلوث البيئة،والندبات الرئوية،وتشعيع الصدر(المعالجة الشعاعية)…
ويمكن القول أن هناك مواد مسببة للسرطان الرئوي والقصبي.
1 ـ المواد المسرطنة بشكل أكيد للإنسان:
ومنها مركبات الزرنيخ،وأغبرة الأسبست،وقطران الفحم،والنيكل ومركباته،وكرومات الزنك.
والزرنيخ ومشتقاته تسبب أوراماً موضعية في جهاز التنفس،وهذا مايلاحظ من حدوث سرطان القصبات عند عمال مصافي النفط.كماتسبب أوراماً جلدية،وهذا يشاهد خاصة عند تناول وشرب المياه الملوثة بالزرنيخ لعدة سنوات.
كما أن مركبات النيكل تسبب سرطان الرئة والأنف وهذه كانت تشاهد عند عمال مصافي النفط.
وكرومات الزنك تسبب سرطان في الجهاز التنفسي.وكذلك قطران الفحم والتي تشاهد حوادثها عند العاملين بالتماس معها.
ويبقى التدخين العامل الرئيسي في سرطان الرئة والقصبات .
ويشاهد عند المدخنين بنسبة تعادل 22 مرة من غير المدخنين،والأمر له علاقة مع عدد السجائر المدخنة يومياً،وعدد سنوات التدخين،كما أن الخطورة أكبر عند من يدخنون في سن مبكرة.كما أن نسبة حدوثه في حالات التدخين السلبي(أي التعرض للدخان من خلال الأقارب لأناس غير مدخنين مباشرة) هو أكثر من غيرهم.
يبدأ السرطان بحدوث طفرة تصيب إحدى الخلايا قي القصبات،وتجعلها تنقسم وتتكاثر بشكل عشوائي،وبدون ضبط،وإن ورماً قطره سم واحد يحتوي على مليار خلية.ويحتاج الورم عادة إلى 2 ـ 4 سنوات حتى يتظاهر سريرياً،وفي هذا الوقت يكون حوالي ثلثي المرضى لديهم انتقالات سرطانية مجهرية،وهذه يصعب كشفها.
تصنيف السرطان القصبي:
حسب التصنيف المعتمد من منظمة الصحة العالمية عام 1981م:
1 ـ أورام الرئة البشروية:Epitheliode وهذه تضم:السرطان ذو الخلايا الرصفية Plattenepithel
2 ـ السرطان ذو الخلايا الصغييرة Small Cells
3 ـ السرطان الغديAdeno carcinom
4 ـ السرطان ذو الخلايا الكبيرة:Large Cells
أهم الأعراض:
السعال الجاف والذي يستمر عدة أسابيع،ونفث الدم،وآلام الصدر,والزلة التنفسية،والأعراض العامة وخاصة نقص الوزن،والتعرق الليلي…
وكقاعدة عامة:إذا استمر السعال لمدة تتجاوز الستة أسابيع عند الكهل فإنه لا بد من إجراء الفحوص التامة لمعرفة سبب السعال وعدم الانتظار.
التشخيص:سريرياً،وشعاعياً(التصوير الشعاعي العادي للصدر والتصوير الطبقي المحوري)،وإجراء وظائف الرئة لها أهميتها القصوى لمعرفة خطورة العمل الجراحي بالنسبة لوظائف الرئة،ومعرفة الباقي من الوظائف بعد العمل الجراحي.ويمكن استئصال الرئة بالكامل إذا كان FEV1 قبل العمل الجراحي أكثر من لترين ونصف،ويمكن استئصال أحد الفصوص المصابة إذا كان أعلى من 1،75لتراً،ويمكن إجراء الاستئصال القطعيSegmentإذا كان أكثر من لتر ونصف.
وأهم وسائط التشخيص:التنظير القصبي وأخذ الخزعات.
العلاج:
جراحياً أو المعالجة الكيماوية أو المعالجة الشعاعية حسب نوع السرطان ودرجة انتشاره وانتقالاته السرطانية ووضع وظائف الرئة قبل العمل الجراحي
الانذار
في سرطان الرئة والقصبات سىء جداً،حيث أن العيش لمدة 5سنوات بعد التشخيص لا يتجاوز غالباً 10% من الحالات،ويلعب في الإنذار عدة عوامل:نوع السرطان نسيجيا،وانتشاره التشريحي،ودرجة الخبث،وسرعة نمو وتكاثر السرطان،ووجود إصابات وعائية مرافقة،ووجود الأعراض العامة وخاصة نقص الوزن ،وسن المريض،والأمراض المرافقة،والحالة النفسية للمريض…
أورام المنصف:
من الناحية التشريحية:يحد المنصف في الأمام عظم القص والغضاريف الضلعية،ومن الخلف العمود الفقري ورؤوس الأضلاع.ومن الجانبين غشاء الجنب المنصفي،ومن الأسفل الحجاب الحاجز،ومن الأعلى القبة الصدرية.
ولتسهيل توضيع الاورام يقسم المنصف إلى أمامي ومتوسط وخلفي.أما المنصف المتوسط فيحده من الأمام الوجه الأمامي للقلب والأبهر،ومن الخلف الوجه الخلفي للرغامى والوجه الخلفي للتأمور.ويتوضع في المنصف المتوسط كلاً من:القلب والأوعية الكبيرة والرغامى والمري والعصب الراجع والعصب الحاجزي.
أورام المنصف الأمامي:
إن أورام المنصف الأمامي العلوي تنشأ غالباً من الغدة الدرقية،وأما الأمامي الأوسط فهي غالباً أورام غدة الصعتر(التيموس)والأورام العجائبية(التيراتوم)،والكيسة Dermatoid.
أما في المنصف الأوسط
وعلى مستوى تشعب الرغامى وقوس الأبهر فإنه يشاهد أوراماً وضخامات في العقد اللمفية لأسباب عديدة(اللمفوما،الساركوئيد، الانتقالات السرطانية…)وإلى الأسفل تشاهد كيسات تأمورية والفتوق الحاجبية،والكيسات الرغامية القصبية.
وأما في المنصف الخلفي: فتشاهد غالباً الأورام العصبية.
والمهم جداً تفريق الأورام الحقيقية عما يسمى الأورام الكاذبة،ومنها أم دم الأبهر،أو تطاول الأبهر،أو توسع الجذع العضدي الرأسي،وتوسع الوريد الأجوف العلوي،..
ومما يدل أحياناً على أورام المنصف حدوث أعراض شلل العصب الراجع وخاصة البحة الصوتية،وشلل العصب الحاجزي وحدوث الفواق وشلل عضلة الحجاب الحاجز.
زرع الرئة:
تاريخياً:
ما بين عام 1963 ـ 1974م تم زرع حوالي 36 رئة لمرضى بأمراض الصدر،ولم يبقى على قيد الحياة منهم سوى اثنان عاشا لمدة شهر واحد وأما الباقي فماتوا بعد العملية مباشرة بسبب قصور المفاغرة القصبية(الوصلة مابين قصبة المُعطي والآخذ).
وفي بداية الثمانينات من القرن العشرين وبعد إعطاء السيكلوسبورين تحسنت النتائج برفض الزرع،وتخفيض جرعة الكورتيزون المعطاة.
وابتداء من عام 1986م وبسبب تحسن نتائج زرع الرئة الأحادي من قبل العالم الكندي كوبر ازدادت أهمية عمليات زرع الرئة.ومن ذلك الوقت وحتى عام 1999م تم في العالم كله زرع حوالي 2500 قلب مع رئة،و6000عملية زرع الرئة الأحادي،وحوالي 4000 عملية زرع رئة في الجانبين.
إن الرئة المزروعة هي أقل الأعضاء المزروعة استمراراً بالمقارنة مع الأعضاء الأخرى المزروعة كالقلب والكلية والكبد.والسبب في ذلك حدوث اختلاط شديد ومهم وهو مايسمى التهاب القصبات الشعري الساد،وهو مجهول السبب،وأكثر مايشاهد هذا الاختلاط في الأشهر الثلاثة الأولى من الزرع،ويشاهد بنسبة 30% من الحالات.ونسبة الوفيات25%.ويتميز هذا الداء بنقص الوظائف الرئوية المتدرج والمتتابع،وأهم الأعراض الزلة التنفسية والسعال المزمن.ومن الناحية النسيجية يشاهد حدوث تليف في الطبقة تحت المخاطية مع تصلب وعائي وانسداد المجاري التنفسية الصغيرة.ولا يكشف الداء شعاعياً في مراحله الأولى،وإنما من خلال إجراء فحوص وظائف الرئة المستمر والمنتظم.ويعالج الداء أحيااً بإعطاء البرينيزولون بجرعات عالية مع السيكلوسبورين .
استطبابات زرع الرئة:
يستطب الزرع إذا كان المريض مصاباً بمرض رئوي في مراحله الأخيرة،مع فشل المعالجات المحافظة،وتوقع تحسن حالة المريض بعد الزرع.ومن أكثر الاستطبابات لزرع الرئة هو داء انتفاخ الرئة.والتهاب القصبات الساد الشديد COPD،وتليفات الرئة،والداء الكيسي الليفي،وفرط التوتر الرئوي البدئي…
ونوع العمل الجراحي يعتمد على طبيعة المرض الاصلي:
1 ـ زرع رئة واحدة مع ترك الأخرى:
كما في تليفات الرئة(بغض النظر عن سبب التليف)،والتهاب القصبات الساد المزمن الشديد(هو أكثر استطباب لزرع الرئة وحيد الجانب)،وفرط التوتر الرئوي البدئي أو الثانوي(هنا يقرر نوع العملية وظيفة ومعاوضة البطين الأيمن).وينصح أن لايتجاوز عمر المريض 60 عاماً.
2 ـ زرع الرئتين معاً:
كما في الداء الكيسي الليفي،وتوسع القصبات ثنائي الجانب كما في متلازمة كارتاجنر،حيث يجب الزرع ثنائي الجانب لأن هذين المرضين يترافقان مع النمو والاستيطان الجرثومي في الرئتين المصابتين.حيث يخشى هنا وبسبب الالتهاب الجرثومي المزمن المرافق وبسبب المعالجة بمثبطات المناعة من حدوث انتانات في الرئة المزروعة.
والاستطباب أيضاً في وجود التهاب القصبات المزمن الساد مترافقاً مع فرط التوتر الرئوي.وانتفاخ الرئة الشديد بسبب عوز ألفا أنتي تربسين حيث الزرع وحيد أو ثنائي الجانب.وينصح أن لايتجاوز عمر المريض هنا 50 عاماً.
3 ـ زرع الرئة والقلب معا:
كما في متلازمة أيزمنجر،وتشارك أمراض الرئة والقلب معاً،وارتفاع التوتر الرئوي .
تغبرات الرئة:
عرفت منظمة الصحة العالمية تغبرات الرئة :أنها أمراض رئوية تنجم عن استنشاق أغبرة لا عضوية،وأما أدواء الرئة بالأغبرة العضوية فإنها تقع تحت تصنيف آخر.
وحتى تحدث تغبرات الرئة وبالتالي ترسب ذرات هذه الأغبرة في الأسناخ الرئوية فإن الامر له علاقة مع:حجم هذه الذرات،فإذا كان حجمها أقل من خمسة مكرون فإنها يمكن أن تصل للأسناخ الرئوية.
هناك عدة أشكال وأسباب لتغبرات الرئة وأهمها:
1 ـ غبار الأسبست:
كان الأسبست معروفاً منذ القدم،وكان يحظى بعناية وأهمية لدى الحضارات القديمة،وكانت مستحضراته مقاومة للنيران،ومن بعد عرفت له خصائص أخرى جعلته لا يمكن الاستغناء عنه،ومنها مقاومته للائتكالات وأنه يؤدي إلى مقاومة التمدد في المواد التي يدخل في تركيبها.ولذا انتشر استخدامه في الصناعات الحديثة وقد بلغ ذروة استعماله في ألمانيا في منتصف السبعينيات من القرن العشرين.حتى وصل استهلاكه إلى حوالي 164ألف طن وخاصة في صناعة الإسمنت.
ومن الناحية المعدنية يعتبر الأسبست أحد عناصر عائلة السيليكات،وهنا يجب أن نميز بين نوعين:
1 ـ Serpentine:وأهم ما يمثلها الأسبست الأبيض
2 ـ Amphiboge:وأهم مايمثلها الأسبست الأزرق.وهذا من الناحية البيولوجية أخطر من الأبيض.
وإن الألياف التي يتم استنشاقها من الأسبست هي الخطيرة بالنسبة للإنسان،وإن توضع هذه الألياف في جهاز التنفس له علاقة مع قطر هذه الألياف،أكثر من علاقته بطولها.ويمكن أن تترسب هذه الألياف عند تشعب الرغامى وفي القصبات،ويمكن أن تنفذ من خلال الغشاء المخاطي،ويمكن أن تصل للأسناخ الرئوية،وفي الأسناخ الرئوية تهاجمها بالعات الكبار السنخية(الكريات البيض) وهذه ومن خلال الطرق اللمفية،أو من خلال جهاز التصفية الخلوية يمكن أن تنتقل خارج الرئة.ولكن إذا كان طول الألياف أكبر من قطر بالعات الكبار(أكثر من 10 مكرون) فإن هذه الخلايا تموت،وهذا يؤدي إلى انطلاق وسائط كيميائية وحيوية وهذا يحدث تفاعلات التهابية في الأسناخ،ويستدعي تنشيط الخلايا المسماة أرومات الليف وهذا ينجم عنه حدوث التليف،أي أن ألياف الأسبست محرضة للتليف،وإن قسماً من هذه الألياف يغطى بالبروتين وأصبغة الحديد ويشكل ما يسمى أجسام الأسبست.
وهذه الألياف ذات تأثير مسرطن أيضاً،ولكن هذا لايحدث عادة إلا بوجود عامل إضافي وهو غالباً التدخين.وإن هذه التبدلات الالتهابية والليفية والمحرضة على التسرطن تحتاج لعشرات السنين لحدوثها،وتقدر المدة بين التعرض وظهور السرطان حوالي 20 ـ 50 سنة.وهذا الأمر له علاقة مع تركيز الأسبست ونسبته.
وإن أمراض الجنب بسبب التعرض للأسبست تحدث ولو بعد التعرض لتراكيز بسيطة منها،بينما أمراض الرئة وسرطان الرئة فإنها تحتاج لجرعات عالية.
والتأثير المحدث للتليف لاعلاقة له مع التأثير المسرطن.وإن التأثير الممرض لألياف الأسبست له علاقة مع بعض العوامل الفيزيائية وخاصة:
1 ـ نوع الأسبست:فالأزرق أخطر من الأبيض.
2 ـ طول الألياف:وخاصة إذا كانت أطول من 10 مكرون.
3 ـ عدد الألياف التي تترسب في المجاري الهوائية.
4 ـ مدة التعرض لألياف الأسبست.
إن الأدواء الرئوية الناجمة عن التعرض لأغبرة الأسبست تختلف عن تغبرات الرئة الأخرى من عدة وجوه:إن الاسبتس يدخل في تركيب الكثير من المواد التي كان سابقاً ليس من الشرط التعريف بمركباتها.وإن الأسبتس يدخل في كثير من الصناعات التي لها علاقة مع المواد العازلة،وتركيب سقوف المنازل،وفي صناعة الملابس،وفي صناعة الفلترات،.
أمراض الجنب بالأسبست:
1 ـ اللويحات الجنبية:Plaques:
وهي عبارة عن تسمكات في النسيج الضام للوريقة الجنبية الجدارية،وهي غالباً لويحات ثنائية الجانب،ومتعددة،وما بين التعرض للأسبست وحدوث هذه اللويحات وتشكلها فإن الأمر يحتاج غالباً لحوالي العشرين سنة.وأما التكلسات في هذه اللويحات فإنها تشاهد بعد حوالي 30 سنة.
وتحدث هذه اللويحات ولو كان تركيز التعرض لألياف الأسبست قليلاً،ولذا يمكن مشاهدتها عند غير المتعرضين لها مهنياً،وهذه اللويحات لا تسبب أعراضاً سريرياً،وأما وظائف الرئة فتبدي نقصاً بسيطاً من النوع الحاصر.
وهذه اللويحات لاتبدي غالباً زيادة إلا بسيطة على مر السنين،مع الميل للتكلس.وهذه اللويحات لا تعتبر مؤهبة للتسرطن.وتكون أهميتها في حال وجود سرطان قصبي مع قصة مهنية بالتعرض للأسبست ،فوجود هذه اللويحات يساعد في الشك بكون السرطان بسبب الأسبست.
ويبدو الداء شعاعياً:بوجود تسمكات جنبية مع حدوث صفيحات تكلسية في غشاء الجنب وبشكل متناظر في الجانبين.وأفضل واسطة للتشخيص الشعاعي التصوير الطبقي المحوري.
2 ـ التهاب غشاء الجنب بالأسبست:
ويسمى أيضاً انصباب الجنب الحميد بسبب الأسبست.وهو اختلاط ليس نادر الحدوث،والفترة الكامنة ما بين التعرض وحدوث الالتهاب تقدر حوالي 30 سنة.وفي معظم الحالات لاتوجد أعراض سريرية،وأحياناً يشاهد آلام جنبية وحيدة الجانب مع أو بدون ضيق التنفس.
ويبدو الالتهاب شعاعياً بشكل انصباب بسيط في غشاء الجنب، وفي حوالي 10% من الحالات يكون ثنائي الجانب.وغالباً ما يكون الانصباب دموي.
والتشخيص من خلال إجراء تنظير الصدر:ونفي الأسباب الأخرى مثل السل والميزوثليوم…
وغالباً ما يحدث الشفاء العفوي خلال 3 ـ 4 شهور،ولكنه يتميز بالنكس والمعاودة.وقد يؤدي إلى التصاق وريقتي الجنب وفي حوالي 50% من الحالات حدوث تليف الجنب المنتشر.
3 ـ تليف الجنب المنتشر بسبب الأسبست:
وهو عبارة عن تسمك جنب شامل بأحجام مختلفة يؤدي إلى التصاق وريقتي الجنب،مع حدوث حزم ليفية،وشرائط تمتد من الجنب إلى النسيج الرئوي.وهو ما يسمى شعاعياً بمنظر “المخالب”.ويسبب سريرياً زلة جهدية.وتكون وظائف الرئة من نوع اضطرابات التهوية الحاصر ودرجته حسب التليف.ويتم تأكيد التشخيث بالتصوير الطبقي المحوري.ويمكن لهذا الشكل أن يؤهب للتسرطن.
4 ـ ميزوتليوم الجنب:
وإن داء الأسبست قد يؤهب لحدوث السرطان المسمى”الميزوثليوم”وهو من أشد السرطانات خبثاً في الرئة وغشاء الجنب.وهو ورم نادر الحدوث بشكل عام ولكنه يكثر حدوثه عند المتعرضين لهذه الأغبرة(حوالي ألف ضعف)وفترة الكمون أين مابين التعرض للأغبرة وظهور السرطان تستغرق وسطياُ 30 سنة،وعلى العكس من سرطان الرئة الذي له علاقة مع التدخين والتعرض للإبرة معاً،فإن الميزوتليوم لا علاقة له مع التدخين.
ومن الناحية السريرية تشاهد آلام صدرية،مع ضيق التنفس والسعال ونقص الوزن…
وشعاعياً:انصباب جنب وحيد الجانب،أو تسمك في غشاء الجنب.والتصوير الطبقي المحوري يساعد في التشخيص مع إجراء خزعة من غشاء الجنب بالتنظير الصدري.
والإنذار سىء جداً،ومعدل الحياة بعد التشخيص حوالي السنة.
أمراض الرئة بسبب أغبرة الأسبست:
1 ـ داء الرئة بالأسبست:
ونقصد به وجود ندبات في الرئة بشكل شلمل ومتعمم،ولكن بشكل خاص في الأقسام السفلى القاعدية من الرئتين وفي الوريقة الجنبية الحشوية.وهذا ينجم بسبب الاستنشاق الشديد لأغبرة الأسبست،وتبلغ فترة الكمون وسطياً 17 سنة،وما بين شدّة التليف وكمية الأغبرة المستنشقة توجد علاقة طردية.
والعرض المميز هنا حدوث السعال الجاف،والزلة الجهدية.وبالإصغاء يسمع خراخر فقاعية في القاعدتين.ووظائف الرئة تبدي اضطرابات من النوع الحاصر.مع اضطراب في غازات الدم حسب شدة المرض.
وشعاعياً:عقيدات غير منتظمة الحدود وتبدلات شبكية،مع وجود تشكلات بيوت النحل.والتصوير الطبقي المحوري وخاصة HR CTيساعد جداً في التشخيص.والذي يدعمه إجراء تنظير القصبات وغسيلها،حيث يكشف عن ألياف الأسبست،وقد يحتاج الأمر أحياناً إلى خزعة الرئة المفتوحة.
ولقد تحسن الإنذار في السنوات الأخيرة،ولكن حوالي النصف من المرضى يموتون بسبب السرطان الرئوي أو الميزوثليوم،و20% يموتون بسبب القصور التنفسي.
2 ـ سرطان القصبات المحرض بالأسبست:
مدة الكمون هنا أي بين التعرض للأغبرة وحدوث السرطان حوالي 25 سنة،والسرطان له علاقة مع عدة عوامل:نوع الألياف(أخطرها الزرقاء)وكمية الألياف المستنشقة وتركيزها،وشكل التعرض للاستنشاق،ولكن أكثر العوامل المؤهبة للسرطان هو تشارك الاستنشاق لأغبرة الأسبست مع التدخين.
والسرطان غالباُ من نوع السرطان الغدي،ويشاهد غالباً في الفص السفلي،والإنذار أسوأ من السرطان الغدي الذي لا علاقة له مع الأغبرة.
2 ـ غبار بللورات حمض السيليك المبللرة أو الكوارز:
والتعرض لهذه الأغبرة يسبب مايسمى “داء السيليكوز”،ويسمى أيضاً داء عمال المناجم.
فهذا الداء يشاهد خاصة عند عمال المناجم،والذين يعملون يصناعة السيراميك والبورسلان،وفي الصناعات الزجاجية،وفي معامل الحديد والصلب،وعمال البناء وفي بعض المعامل الكيميائية.
وإن الأغبرة الموجودة في بلورات حمض السليك ذات تأثير مليف وتسبب عقيدات سيليكية وهذه تشاهد خاصة في محيط الرئة،وهذه تكبر وتزداد حجماً،وبحيث أنها قد تكون من الكبر بحيث تشمل أكثر من ثلث الرئة.ويمكن لهذه الكثافات أن تصاب بالانصهار العقيم فينجم عنها كهوف وتجاويف،وعندما يسعل المريض يكون القشع حاوياً مادة نخرية سوداء اللون.
ومن النادر أن تسبب هذه الاغبرة حدوث سرطان في الرئة.ولكن وجد وفرة حدوث داء السل في التغبرات بالسيليكوز،وليس فقط بعصيات السل ولكن أيضاً بالعصيات اللانموذجية.
وأما استنشاق الأغبرة العضوية فإنه ينجم عن استنشاق بعض الأغبرة العضوية لبعض الكائنات أو البروتينات الحيوانية وهذا يؤدي لحدوث التهاب الأسناخ التحسسي خارجي المنشأ.وهي أمراض تسبب ارتشاحات رئوية،وضيق التنفس والسعال ولكنها لا تسبب تشنجاً في القصبات لأن الإصابة تكون على مستوى الأسناخ الرئوية وليس القصبات الهوائية.وأهم أشكال هذه التغبرات ما يسمى رئة المزارع والذي ينجم عن استنشاق بعض الفطور في العلف أو القش الذي يخزن عند المزارعين.
ذات الرئة:
تقسم ذات الرئة حسب المسببات إلى:
1 ـ ذات الرئة الجرثومية:
وتنجم بشكل رئيسي عن المكورات الرئوية،ومن الجراثيم الأخرى نذكر الكلبسييلا(وتشاهد غالباً عند مدمني الغول والمسنين،والمصابين بالأمراض المدنفة ونقص المناعة).وكذلك محبات الدم للنزلة الوافدة وهي تشاهد غالباً عند الأطقال دون الثالثة من العمر،ونادراً عند الكبار المصابين بالأمراض الرئوية أو القلبية المزمنة.ومن الجراثيم الأخرى نذكر الزوائف(البسودوموناس)وهي نادرة وتشاهد خاصة عند مرضى التنفس الاصطناعي أو المصابين بالأمراض المزمنة وتوسع القصبات الشديد.وهناك أيضاً المكورات العنقودية وتشاهد غالباً عند مرضى المشافي وبعد العمليات الجراحية،وبعد إعطاء الصادات واسعة الطيف.
ومن العوامل المؤهبة لذوات الرئة وخاصة الجرثومية نذكر على سبيل التعداد لا الحصر:
1 ـ الأمراض الرئوية المزمنة،وخاصة التهاب القصبات الساد المزمن الشديد،وتوسع القصبات،وسرطان الرئة.
2 ـ الإدمان الغولي.
3 ـ الأمراض المزمنة المدنفة:مثل تشمع الكبد،السكري غير المضبوط ،نقص المناعة.
4 ـ الأجسام الأجنبية:سواء منها المرئية شعاعياً أو غير المرئية،وخاصة في ذوات الرئة المعاودة وفي نفس المكان،وخاصة عند الأطفال الصغار.
5 ـ الاستنشاق:بعد غسيل المعدة،أو بعد التخدير أو بعد السبات(لتثبط منعكس السعال).
6 ـ التدخين:حيث أن التدخين يسبب زيادة الإفراز المخاطي وتراكمه في القصبات،ويعطل حركة الأهداب التنفسية في الغشاء المخاطي للقصبات،مما يؤهب للإنتانات.
7 ـ الغازات المخرشة:وخاصة النشادر وثاني أوكسيد الكبريت،وأول أوكسيد الأزوت.
8 ـ الإنتانات بالحمات الراشحة:حيث تؤهب للانتانات الثانوية بالجراثيم وخاصة بعد الإصابة بالنزلة الوافدة أو الحصبة أو الحماق.
2 ـ ذات الرئة بالحمات الراشحة(الفيروسية):
وأهم الفيروسات المسببة لذات الرئة نذكر:Cyncytial Virus وخاصة عند الرضع والأطفال الصغار،وحمات الانفلونزا،والحصبة عند الأطفال،والحماق عند الكبار.وفي حالات نقص المناعة تشاهد الإصابة بأنواع أخرى من الفيروسات وخاصة فيروس Zytomegalie،وهذا يشاهد غالباً بعد زرع الأعضاء وهو من أكثر المسببات للوفاة.
3 ـ ذات الرئة الاستنشاقية:
والتي تنجم عن استنشاق مفرزات المعدة وتسبب أذية رئوية بسبب انخفاض حموضة المعدة،مع حدوث وذمة رئوية وتشنج قصبي.
وهذه تشاهد خاصة في:
1 ـ اضطرابات البلع:مثل أمراض المري ورتوج المري
2 ـ تثبط منعكس السعال:والمشاهد بعد التخدير،أو بسبب الأمراض في الجملة العصبية المركزية،أو بسبب دوائي.
3 ـ اضطراب افراغ المعدة:مثل تضيق البواب الشديد، أو بعد غسيل المعدة.
4 ـ ذات الرئة الركودية:
وتشاهد عند طريحي الفراش ولمدة طويلة مع عدم التحرك على الفراش.
وأحد أشكال ذوات الرئة نذكر ذات الرئة اللانموذجية Ataypical،وهي تحدث بسبب عوامل مرضية أخرى وتسمى المتفطرات(الميكوبلاسما)،ومن الناحية السريرية والشعاعية قد تتشابه بعد الإصابة بالفيروسات أو المتدثرات(الكلاميديا) .
وهناك أيضاً وفي حالات نادرة ذوات الرئة بالفطور،وهذه تشاهد غالباً في حالات النقص المناعي (مثل داء الإيدز) ومن أكثر الفطور مشاهدة الطوقيات(المونيلا) والهستوبلاسما،والرشاشيات(اسبيرغيلوس).
وهناك أيضاً ذوات الرئة بالأوالي وتشاهد في حالات التثبط المناعي وأكثرها مشاهدة:Pneumocystis Carnii،والتوكسوبلاسموز.
الداء الكيسي الليفي:
هو داء وراثي يترافق مع اضطراب عمل الغدد الإفرازية الخارجية،ويتظاهر سريرياً باضطرابات هضمية(بسبب نقص خمائر البنكرياس في العفج)وارتفاع تركيز الأملاح في العرق،والتهابات قصبية مزمنة مع توسع القصبات والقصور التنفسي عند اليفعان والمراهقين.
إن الخلل الوراثي في الداء يكون على مستوى الصبغي السابع،ويكون بسبب غياب حمض أميني في الموضع 508 للبروتين،وهذا البروتين يسمى CFTR.
وهذا الداء يعتبر من أكثر الادواء الوراثية في العرق الأبيض مشاهدة،ونسبة حدوثه حوالي 2 لكل 4000مولود.ونسبة حملة الداء مورثياً حوالي 2 ـ 5%.والوراثة جسمية مقهورة.
وحتى عدة سنوات قليلة كان يموت معظم المرضى قبل تجاوز الستين من العمر،وقد تحسن الإنذار حالياً وابتداءً من ثمانينات القرن العشرين،ويفسر هذا بالمعالجة المبكرة بالصادات الحيوية والمعالجة الفيزيائية والتغذية الملائمة.
ويكشف الداء سريرياً من خلال اختبار فحص العرق،حيث بشاهد ارتفاع التركيز الملحي،والاختبارات المورثية الحديثة.
وأكثر الجراثيم التي تشاهد في القصبات في هذا الداء الزوائف(البسودوموناس).وقد تشاهد إصابات ببعض الفطور ومنها الرشاشيات .
التدخين مابين الطبِّ والدين
الوبائيات:
التدخين هو عملية يتم فيها حرق مادة والتي غالباً ما تكون التبغ ،وبعدها يتم تذوق الدخان أو استنشاقه.وتتم هذه العملية في المقام الأول باعتبارها ممارسة للترويح عن النفس عن طريق استخدام المخدرات،حيث يصدر عن احتراق المادة الفعالة في المخدر،مثل النيكوتين،مما يجعلها متاحة للامتصاص من خلال الرئة.
وهناك آلاف من المواد الكيمياية التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي وتعد السجائر هي أكثر الوسائل شيوعاً للتدخين في الوقت الراهن،سواء كانت السيجارة منتجة صناعياً أو ملفوفة يدوياً من التبغ السائب وورق لف السجائر،وهناك وسائل أخرى للتدخين تتمثل في الغليون،والسيجار،والشيشة،والغليون المائي(البونج).
يعد التدخين من أكثر المظاهر شيوعاً لاستخدام المخدرات الترويحية،وفي الوقت الحاضر يعد تدخين التبغ من أكثر أشكال التدخين شيوعاً حيث يمارسه أكثر من مليار شخص في معظم المجتمعات البشرية.
وكما تقول المجلة الطبية الألمانية(عدد اكتوبر عام 1981م):”إن تناول التبغ وبشكل خاص السجائر يؤدي في كافة أنحاء العالم إلى الموت المبكر للإنسان،وهو من أهم المسببات للوفاة بالسرطان بالمقارنة مع المسببات الأخرى”.
ورغم معرفة التأثير الضار على الصحة بسبب التدخين فإن استمرار الإدمان عليه لم يتوقف أبداً،وإنما مازال الكثير من الشباب يقبلون عليه بنهم”.
وتبين الدراسات أن عدد المدخنين يزداد عالمياً وبشكل سنوي بنسبة تصل إلى 2%.وفي السنوات مابين 1968 ـ 1988م ازداد استهلاك التبغ حوالي 75%.وفي ألمانيا بلغ عدد السجائر المدخنة عام 1985م إلى 150 مليار سيجارة،وبلغ عدد المدخنين حوالي 16 مليون شخص،أي أن كل مدخن يدخن حوالي 9400 سيجارة سنوياً،أي حوالي 16 سيجارة يومياً.
والخطورة تكمن في زيادة عدد المدخنين من اليفعان وفي سن المراهقة،فقد أجريت دراسة على إحدى المدارس الثانوية في جنوب ألمانيا وتبين أن عدد المدخنين بأعمار 12 ـ 18 سنة يزداد باضطراد،وغالباً ما يبدأوا بالتدخين حوالي سن السادسة عشرة،والاختلاف بسيط بين الإناث والذكور.وتبين كثير من الدراسات في ألمانيا أن عدد النساء المدخنات يعادل المدخنين من الذكور إن لم نقل أنه قد تجاوزه فعلاً.
ويعتبر التبغ حسب الإحصائيات العالمية الحديثة القاتل الاول في العالم.فبين عامي 1990 ـ 1999م أودى بحياة 21مليون إنسان نصفهم ما بين سن 35 ـ 65.وخلال مطلع القرن هذا يتوقع وفاة 10 مليون إنسان كل سنة.مما جعل التدخين وباءً عالمياً قاتلاً.
وتبين كثير من الدراسات أن حوالي خمس السكان في البلاد الصناعية يموتون من جراء عقابيل التدخين،وهذا ما وصلت إليه دراسات العلماء في جامعة أوكسفورد بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والجمعية الأمريكية لمكافحة السرطان.واستمرت الدراسة أكثر من ستة سنوات.وأن نصف هؤلاء يموتون في أواسط العمر.وأن نسبة الخطورة تزداد إذا ابتدأ المدخن التدخين في سن مبكرة.
وأنشأ الاتحاد الأوروبي جمعية أوروبا تكافح السرطان وهو مشروع مدته خمس سنوات مابين 1995 ـ 2000م وهو يهتم بالوقاية والتخفيف من السرطان وأسبابه وخاصة الدخان.وحسب الدراسات تبين أن 40% من الأوروبيين يدخنون،وإن ثلث أسباب الوفيات بالسرطان،وأن 80 ـ 85% بسبب سرطانات الرئة،وأن 80 ـ 90% من أمراض القصبات المزمنة،وحوالي 25 ـ 43% بسبب الأمراض القلبوعائية وأن السبب غالباً كان التدخين.كما أن حوالي 20 ـ 30 % من سرطانات الرئة عند غير المدخنين لها علاقة مع التدخين السلبي.وفي كل سنة يموت حوالي 800 ألف أوروبي من عقابيل التدخين،ونصف هؤلاء دون سن ال65 من العمر.وتبين الدراسات أن الدعايات للتدخين تكتسب يومياً حوالي 2200 زبون جديد.
ومن الناحية المالية فليس المدخن من يتحمل النفقات العالية وحده لإرضاء إدمانه،بل إن الحكومات تتحمل أيضاً مصاريف باهظة،وفي عام 1988م دفعت الحكومة الألمانية مايعادل 26 مليار مارك من أجل عقابيل الدخان الصحية.
وفي إحدى الدراسات التي قامت بها جامعة كالفورنيا بينت أن تكاليف الرعاية الصحية تنخفض بشكل ملموس وسريع عندما يقلع المدخنون عن التدخين،وتقول الدراسة أنه إذا أقلع عشرة بالمائة من المدخنين الأمريكيين عن هذه العادة،وخفض بقية المدخنين استهلاكهم بنسبة10% فإنه يمكن للولايات المتحدة الامريكية أن توفر 63 مليار دولار من تكاليف الرعاية الصحية سنوياً.
وفي العصور الحديثة وبعدما تبين الضرر الشديد من جراء تدخين التبغ فإن الكثير من الدول في العالم أظهرت مخاطر الإدمان عليه وفرضت ضرائب عالية على منتجات التبغ، بالإضافة إلى القيام بحملات توعية تحض المدخنين على الإقلاع عن التدخين.
تاريخ الاكتشاف:
يرجع تاريخ التدخين إلى حوالي خمسة آلاف قبل الميلاد،حيث وجد في العديد من الثقافات حول العالم.وقد لازم التدخين قديماً الاحتفالات الدينية مثل تقديم القرابين للألهة،وطقوس التطهير،أو لتمكين الشامان والكهنة من تغيير عقولهم لأغراض التكهن والتنوير الروحي.
وجاء الاستكشاف والغزو الأوروبي للأمريكيتين،لينشر تدخين التبغ في كل أنحاء العالم انتشاراً سريعاً.حيث كان الهنود يستخدمون التبغ بالطريقة نفسها التي نستخدمها اليوم على وجه التقريب وكانوا يعتقدون أن له استخدامات طبية،ويقبلون عليه في احتفالاتهم،وكان أحد الطقوس المهمة في اتفاقات السلام فيما بينهم أن يتم تدخين الغليون رمزاً للوفاق والسلام.
وفي عام 1612م بعد ست سنوات من إقامة مستوطنة جيمس تاون،أصبح جون رولف أول مستوطن ينجح في رفع مكانة التبغ إلى محصول نقدي.وزاد الطلب على التبغ والذي أصبح يوصف“بالذهب البني”،وتمت زراعة التبغ بشكل ملحوظ ليلبي احتياجات الناس المتزايدة،
والإسم العلمي للتبغ Tobaco،هو Nicotiana tabacumوهو من فصيلة Solanacea،والتسمية “توباكو”كلمة هندو أمريكية،تعني الماسورة أو الانبوبة،والتي كانوا يستخدمونها في استنشاق الدخان أو الاسطوانة الورقية التي يلف فيها الدخان.
والإسم النيكوتين: ينسب للإرسالي الفرنسي في البرتغال جان نيكوتJean Nicot de Villemain،وهذا أرسل عام 1560م أوراق التبغ من أجل أغراض قدسية إلى فرنسا وبين كيف يمكن زرع هذه العشبة وقد سميت في فرنسا بعد ذلك باسم Herbe Nicotiane.
ووصلت عشبة التبغ إلى ألمانيا عام 1565م من خلال أدولف أوكو وقد تم زرع هذه النبتة في مناطق ألمانيا المختلفة.وفي عام 1788م أقيم أول معمل للتبغ في ألمانيا في مدينة هامبورغ،وفي عام 1840م جلب الروس السجائر لألمانيا.
وقد حارب السلطان التركي مراد الرابع(1623 ـ 1640/)التبغ وحاول منع التدخين بدعوى أنه يمثل تهديداً للصحة،والأخلاقيات العامة.
كما قام امبراطور الصين شونجزين بإصدار مرسوم يقضي بمنع التدخين قبل وفاته بسنتين.
وفي عام 1634م قام بطريرك موسكو بحظر بيع التبغ وحكم على الرجال والنساء الذين يخالفون القرار بأن تشق فتحات أنوفهم طولياً وأن تجلد ظهورهم حتى ينسلخ عنها الجلد.وكذلك قام بابا الكنيسة الغربية إربان السابع بإدانة التدخين في بيان رسمي باباوي .
وقام الملك الإنجليزي جيمس الاول وكان من المعارضين بشدة للتدخين بفرض ضرائب شديدة على تجارة التبغ.
وعلى الرغم من كل ذلك انتشر التبغ وشاع بين الناس مما اضطر الحكومات إلى التراجع وحولوا الأمر إلى تحويل تجارة وزراعة التبغ إلى مشاريع حكومية احتكارية مربحة.
وبحلول منتصف القرن السابع عشر تعرفت كافة الحضارات على تدخين التبغ،وقد تم اصطلاح كلمة”التدخين”في الإنجليزية في أواخر القرن الثامن عشر،وقبل ذلك كان يطلق على تلك العملية”شرب الدخان”.
وفي عام 1881م قام أحد الحرفيين واسمه جيمس بونساك بإنتاج ماكينة للإسراع من إنتاج السجائر.
وأصبح تدخين التبغ وخاصة من خلال الشيشة من العادات المستحكمة في بلدان الشرق الاوسط وأصبح من التقاليد الملازمة للعادات والمناسبات وخاصة في الحفلات والاجتماعات والسهرات.
نشوء التيارات المعادية للتدخين في العصور الحديثة:
في العقد الثاني من القرن العشرين بدأت تظهر موجات معادية للتدخين بعد أن أصبحت الآثار السلبية للتدخين معروفة.
وفي ألمانيا قامت الجماعات المعارضة للتدخين مع الجماعات المعارضة لشرب الخمور بنشر مقالات تعبر عن وجهة نظرهم الرافضة لاستهلاك التبغ،ونشر المقال الاول في جريدة “معارضي التبغ”في عام 1912م.
وفي عام 1929م قام فريتز لينكينت دريسدن بنشر بحث يحتوي على إحصائيات رسمية تثبت أن هناك علاقة بين السرطان والتبغ.
وخلال الكساد الاقتصادي الكبير في ألمانيا،أدان أدولف هتلر عادة التدخين التي أقلع عنها واصفاً إياها بأنها مضيعة للمال،وعبرت السياسة النازية عن ذلك بأن النساء المدخنات لسن أهلاً لأن يكن زوجات وأمهات في الاسرة الألمانية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وخسارة الحزب النازي قامت الولايات المتحدة بشحن التبغ مجاناً إلى ألمانيا كجزء من خطة مارشال بكمية 24 ألف طن في عام 1948م،وحوالي 69 ألف طن عام 1949م.وارتفع نصيب الفرد السنوي من استهلاك السجائر في ألمانيا مابعد الحرب باطراد من 460 عام 1950م إلى 1523 عام 1963م.
وبحلول نهاية التسعينات لم تتمكن حملات مكافحة التدخين في ألمانيا من الحصول على نتائج إيجابية.
وفي عام 1950م نشر ريشارد دول بحوثاً في المجلة الطبية البريطانية تفيد بوجود صلة بين التدخين وسرطان الرئة.
وفي عام 1998م تم فرض الحظر على بعض إعلانات التبغ بموجب اتفاق التسوية مع شركات التبغ الامريكية،والذي تم توقيعه بين أكبر أربع شركات تبغ أمريكية والنواب العموميين لستة وأربعين ولاية،كما طالب ذلك الإتفاق بأن تقوم الشركات بدفع تعويضات صحية.
ومابين أعوام 1965 إلى 2006م انخفضت معدلات التدخين في أمريكا من 42% إلى 21%.
وعلى الرغم من هذا الانخفاض،فإن متوسط عدد السجائر المستهلكة لكل شخص يومياً ارتفع من 22 في عام 1954م إلى 30 في عام 1978م.
وعالمياً فإن أكثر دول العالم المستهلكة للتبغ هي روسيا تليها اندونيسيا،لاوس،أوكرانيا،روسيا البيضاء،اليونان،الأردن،والصين.
كيفية تأثير مركبات التبغ في الرئة:
إن استنشاق المواد في صورة غاز مبخر إلى الرئتين يعد طريقة سريعة وفعالة لسريان المخدرات في مجرى الدم،حيث تؤثر على المستخدم خلال ثوانٍ من أول استنشاق.وتتكون الرئتان من عدة ملاييين من الحويصلات الهوائية والتي تكون معاً مساحة تقدر بما يزيد عن 70 متر مربع أي تقريباً مساحة ملعب التنس.
ومن الممكن استخدام هذا البخار في إعطاء أدوية طبية مفيدة وكذلك إعطاء مخدرات بشكل الإيروسولات،أو كغاز ناتج عن حرق النبات بمواد منشطة،أو بأشكال نقية من المادة نفسها.
وتحدث المواد المستنشقة تفاعلات كيماوية في النهايات العصبية في المخ نظراً لتشابهها مع المواد التي تفرز طبيعياً مثل الإندورفين والدوبامين،والتي ترتبط بأحاسيس السعادة.وينتج عن ذلك حالة”علو” تتراوح بين المحفز المعتدل الذي يسببه النيكوتين،وبين حالة الخفة والشعور بالنشاط التي يسببها الهيروئين والكوكايين والميتامفيتامين.
وإن استنشاق الدخان إلى الرئتين بغض النظر عن المادة المستنشقة له تأثيرات سلبية على صحة الإنسان.ويصدر عدم الاحتراق الكامل النتاتج عن حرق نبات مثل التبغ أو الحشيش أول أوكسيد الكربون والذي يعيق بدوره قدرة الدم على حمل الاوكسجين عند استنشاقه إلى الرئتين.
أشكال التدخين المختلفة:
1 ـ دخان السجائر:ويدخل في تركيبها أوراق التبغ.
ـ التبغ :
يحتوي على حوالي 500 مركب من المواد الكيميائية والعضوية واللاعضوية، تختلف نسبها حسب نوع السيجارة،منها القار،والكربون المؤكسد،وأن من بينها 100 مادة سامة ،وحوالي 63 مادة مسرطنة تدخل في تركيب القطران.ومن المواد السامة التي تدخل في تركيب التبغ نذكر أيضاً:مبيدات حشرية،والزرنيخ،والسيانيد،والفورم ألدهايد،وبروميد الأمونيا(النشادر)والاسيتون،والميثان والبروبان والبيوتان وكلها غازات سامة.وكذلك من السموم نذكر أيضاً:الهيدرازين والنيكل والفلورانثين والنافثالين والنتروبيرلين والبنزوبيرين والميثيل كاربازول والكادميون
ولكن من أخطر المواد التي تحتوي عليها السيجارة هي النيكوتين والقطران وأول أوكسيد الكربون.
والتبغ عبارة عن نبات يزرع للحصول على أوراقه التي يصنع منها السجائر والسيجار،والنشوق(السعوط) والمضغة.ويعتبر التبغ مخدراً ويسبب الإدمان لوجود مادة النيكوتين به.
ـ النيكوتين:
وهي المادة الفعالة في السيجارة، وهو المادة التي تعطي النكهة للمدخن،وله تأثيرات ضارة جداً بالصحة،ناجمة عن تأثيره القابض للأوعية الدموية والسام للأعصاب.وهو إحدى مايسمى القلوئيدات الموجودة في نبتة التبغ.ويشكل نسبة 90% من هذه القلوئيدات.ومن القلوئيدات الأخرى الموجودة نذكر ما يسمى Nitroso ـ nornicotin،وهذا يعتبر من المواد المسرطنة وهو المستعمل في صناعة النشوق(العطيس).
والنيكوتين النقي سائل عديم اللون،شبه قلوي،وهو ينحل في الماء،وفي المحاليل المحبة للدسم،ويتلون عند تعلرضه للهواء باللون البني.ولقد عزل عام 1828م بشكله النقي.
يسبب النيكوتين تسرع التنفس ونبض القلب،ويرفع ضغط الدم،كما أنه ينشط مركز القيىء فيسبب الغثيان عند المبتدئين.كما أنه يثبط مراكز الشعور بالجوع قتقل الشهية للطعام عند المدخن،كما أنه ذو تأثيرات عصبية مختلفة تتراوح بين التنبيه الخفيف والتهدئة والشعور بالإنقباض وفقاً للجرعة وحال المدخن.وإن الكمية البسيطة من النيكوتين بمقدار 40 ـ 60 مغ إذا تعاطاها الإنسان دفعة واحدة تعد قاتلة.والسيجارة الواحدة تحوي مغ واحد في المتوسط من النيكوتين.والخوف الكبير على الأطفال الصغار الذين قد يتناولون ويأكلون بقايا السجائر أو السيجار أو تبغ الاستنشاق ويمكن أحياناً أن يكون أقل من نصف سيجارة إذا تناولها طفل صغير أن تسبب له أعراض التسمم.
والنيكوتين كما ذكرنا هو السبب في حصول الإدمان عند المدخنين.فالنيكوتين مثل الهيروئين والكوكائين والأمفيتامين من المواد المسببة للإدمان.ولذا يفشل الكثير من المدمنين في الإقلاع عن التدخين وإن نجحوا فإن النكس غالباً هو القاعدة.وكما قال مارك توين(1835 ـ 1910/):”ليس أسهل من الانقطاع عن التدخين،لقد فعلت ذلك آلاف المرات”!!!
بعد أخذ مصة واحدة من السيجارة يدخل إلى الجسم حوالي 100مكغ من النيكوتين،ويرتفع تركيزه في الدم الشرياني بشكل مضطرد مع كل رشفة أخرى من السيجارة،ويمتص النيكوتين بسرعة إلى الدم كأي غاز تخدير،وتقدر كمية النيكوتين المختزنة حوالي 90% من الكمية المستنشقة،وإن تركيز النيكوتين في الدم لايعتمد فقط على محتواه في السيجارة بل يعتمد عوامل أخرى.وخلال أقل من ثمانية ثوان يصل النيكوتين إلى المخ بعد جذب أنفاس السيجارة،وهذا يفسر سرعة تأثير النيكوتين على المخ ويسبب الاستمتاع والظواهر الأخرى.وينخفض معدل النيكوتين في الدم إلى النصف بعد حوالي 20 دقيقة من إطفاء السيجارة وهذا يفسر رغبة المدخن في إشعال سيجارة أخرى بعد مدة قصيرة من إطفاء السابقة.
ولقد دلت الأبحاث على أن النيكوتين يساعد على إفراز مورفينات المخ أو مايسمى الإندروفينات،كما يساعد على إفراز النورأدرنالين والدوبامين،وهذه المواد تنشط مراكز النشوة بالمخ وهذا مايسبب ظاهرة الاستمتاع بالنيكوتين.كما يعد إفراز هذه المواد سبباً رئيسياً في ظهور أعراض الحرمان بعد الإقلاع عن التدخين.
وفي الدم الوريدي يرتفع تركيز النيكوتين أثناء تدخين السجائر بشكل مستمر،حتى 30نانو غرام لكل مل(الأعظمي 50).كما أن التبغ المستعمل للعطاس(السعوط) يؤدي إلى ارتفاع تركيز النيكوتين في الدم بشكل سريع وقد يصل إلى 40 نانوغرام لكل مل.
وإن نصف العمر الحياتي للنيكوتين يعادل 2 ـ 4 دقائق ويتم إطراح النيكوتين من البدن بشكل تام خلال 85 ـ 110 دقيقة.
فإذا كان استنشاق الدخان بشكل جزئي وليس تام وهذا مايحدث عند تدخين السجائر والغليون فإن ارتفاع النيكوتين في الدم يكون بطيئاً،ولكنه يكون سريعاً عند استنشاق كامل دخان السيجارة.
إن امتصاص النيكوتين من مخاطية تجويف الفم يعتمد علىPH هذه المخاطية،فبالنسبة للسيجار ذو التفاعل القلوي فإن امتصاص النيكوتين يكون أسرع بالمقارنة مع السجائر ذات التفاعل الحمضي.
كما أن النيكوتين يمتص من الأمعاء وأيضاً من خلال الجلد السليم.
ويمر النيكوتين بسرعة إلى الجملة العصبية المركزية ويمتص بسرعة من خلال قشر الدماغ،والبصلة،ومنطقة المهاد وتحت المهاد،وشبكية العين.وخلال بضع دقائق يصل تركيز النيكوتين في السائل الدماغي الشوكي لنفس تركيزه في الدم.كما أن النيكوتين يمر من خلال مشيمة الحامل إلى الجنين،كما أنه يمر من حليب الأم المرضع إلى الطفل الرضيع.
ويتم إطراح النيكوتين من خلال استقلابه بشكل رئيسي،ويطرح قسم بسيط يعادل 10% مع البول بشكل غير متبدل.ومن أهم مستقلبات النيكوتين نذكرCotinin.ويمر النيكوتين من الدم إلى عصارة المعدة،وبالتالي يمتص قسم منه مرة أخرى من الامعاء.وأما المستقلب المطروح عن طريق العصارة الصفراوية للكبد فإنه يتم عليه عملية إرجاع من قبل جراثيم الأمعاء وينشأ عنه مرة أخرى النيكوتين الذي يمتص مرة أخرى من الأمعاء.
تأثيرات النيكوتين:
إن تأثير النيكوتين على العقد العصبية الذاتية معروف منذ عام 1889م والنيكوتين مثل الناقل العصبي الأستيل كولين يسبب زوال استقطاب الغشاء بعد الارتفاق في العقد الودية ونظير الودية.وهذا يسبب حدوث تنبيه في هذه العقد.وكذلك فإن الخلايا الكروموفينية في لب الكظر وفي أنحاء الجسم تتنبه أيضاً،وبالتالي يتم تحرير الأسيتيل كولين والأدرنالين والنورأدرينالين،ومع استمرار تأثير النيكوتين الطويل على هذه البني المذكورة يؤدي إلى حدوث زوال استقطاب تام وبالتالي حدوث حصار في نقل التنبيهات في العقد العصبية.
إن تأثير النيكوتين على القلب والدوران هو آلية معقدة.وهو لا يعتمد فقط على الجرعة،وإنما يعتمد أيضاً على الفعالية الودية ونظير الودية في لحظة التأثير المتواجدة.وإن نظم القلب وقوة تقلصه يمكن أن تنقص عند تنبيه العقد المبهمية أو قد يزداد التواتر وقوة التقلص عند تنبيه الودي.
وأما بالنسبة لأوعية الدم التي مرتبطة فقط بالعصب الودي فإن النيكوتين يسبب ارتفاعاً في ضغط الدم من خلال تنبيه العقد والأعصاب المحركة الوعائية،وتنشيط تحرير الكاتيكولامين من لب الكظر.وإن تأثير النيكوتين الرافع للضغط يمكن إزالته بإحدى المركبات الشالات للعقد المحيطية مثل الهيكساميثونين.وإن النيكوتين هو المسؤول عن التأثيرات الدموية الحركية واضطرابات الاستقلاب عند مدخني السجائر.
وأما في انبوب الهضم فإن تأثيرات النيكوتين تنجم عن تأثيره المنبه لنظير الودي،حيث أنه يزيد من حركية ومقوية عضلات الأمعاء الدقيقة وقد يسبب الإسهال.كما أنه يزيد من إفراز حموضة المعدة.وفي البدء يسبب أيضاً زيادة إفراز اللعاب والمفرزات القصبية،ولكن في فترة لاحقة يثبط إفراز اللعاب والمفرزات القصبية.
كما أن النيكوتين يسبب زوال استقطاب نهايات الأعصاب الودية ويسبب تحرير النورأدرنالين،وهذا يسبب انحلال السكر وانحلال الدسم،ولذا فإن المدخنين يتعرضون لنقص الشهية ونقص الوزن.
كما أن النيكوتين ينبه الجملة تحت المهاد ـ النخامى ويسبب تحرير هرمونADH.
كما أن تناول الدخان بشكل مفرط يسبب تنبه عصبي مركزي شديد ويسبب حدوث الرجفان وربما الاختلاجات.
إن النيكوتين يؤثر على كل أجزاء العين ولكن بشكل خاص الشبكية،وإن تناول النيكوتين المزمن يسبب نقصاً في حدة الرؤية بشكل واضح.وقد يسبب نقصاً واضحاً في حقل الرؤية وفي بعض الحالات النادرة حدوث الغطش النيكوتيني.كما أنه يرفع من ضغط داخل العين عند المصابين بالزرق.
التحمل والاعتياد والإدمان:
يعرف الاعتماد على مادة معينة:أنه يعني أن سحب تلك المادة من الجسم يؤدي إلى أعراض نفسية وجسمية تختلف مظاهرها وخطورتها بحسب تلك المادة.وهذا مايسمى “بظاهرة الحرمان”.وأهم أعراضها:الصداع،والنرفزة،والقلق،وضعف التركيز،والتعب،واضطرابات دورانية مثل الإمساك،وزيادة الوزن.وهذه الأعراض تشاهد مبكرة عند حوالي ثلث المرضى وتؤدي بهم إلى العودة مجدداً إلى التدخين.
وأما مايسمى التحمل:فإنه يعني أن نفس الجرعة بعد فترة من الاستعمال لا تؤدي إلى نفس التأثير،أي أن المدخن على سبيل المثال يرفع عدد السجائر كل فترة للحصول على ذات التأثير.
من المعروف أن ظاهرة الإدمان على التدخين من المظاهر الرئيسية للمدخنين،ويحصل لديهم بسبب وجود النيكوتين في التبغ ودخان السجائر.وإن المدخن الاعتيادي يحتاج إلى تركيز دموي من النيكوتين يبلغ 10 ـ 50 نانوغرام لكل مل دم.وهذا مايسبب لديه الاعتياد والإدمان فيما بعد.
وما يقال عن السجائر خفيفة أو معدومة النيكوتين ليس له حقيقة علمية،حيث أن معظم المدخنين وبسبب ظاهرة الاعتياد يلجأوون غالباً إلى أوراق السجائر التي تحقق لهم التركيز المناسب من النيكوتين في الدم.
وبشكل عام فإن تركيز النيكوتين في التبغ يتراوح مابين5،ـ 8%،وقد تحتوي السيجارة الواحدة على 6 ـ 8مغ،والسيجار يحتوي عادة 15 ـ 40 مغ.وأما مايسمى الدخان الخفيف فيكون تركيز النيكوتين فيه3مغ،والقطران 4 مغ.
ـ أول أوكسيد الكربون:
هو غاز عديم اللون،عديم النكهة،وعديم الرائحة.وينتج من عملية الأكسدة الجزئية أي الاحتراق غير التام للكربون،ويعتبر أحد نتائج احتراق التبغ كالسجائر أو الشيشة.ويوجد في البيئة بسبب التلوث،كما أنه لايةجد بشكل طبيعي في الغلاف الجوي.
له دور في تعطيل وظيفة الهيموغلوبين في نقل الاوكسجين في الدم إلى باقي أعضاء الجسم.حيث يتحد هذا الغاز مع الخضاب الدموي ويحل محل الاوكسجين.حيث أن نسبة ولع أول أوكسيد الفحم مع الخضاب أكبر بنسبة 200 ضعف من الأوكسجين.وهذا التأثير يكون عند المدخن وجميع المخالطين من حوله(التدخين السلبي).
ومن مظاهر التسمم بهذا الغاز:الصداع،والتشوش الذهني،والزلة التنفسية،والدوار والإرهاق،والغثيان والإقياء،وفي الحالات الشديدة فقدان الوعي.
كما أنه يشارك النيكوتين في زيادة ترسب الدهون والكوليستيرول في الشرايين ويؤهب لخثرات الدم.
ويمكن قياس هذا الغاز بجهاز خاص يقيس مستوى الغاز في الزفير ونسبة الهيموغلوبين الذي يحمل هذا الغاز،وهذا مؤشر جيد لمتابعة المدخنين،ولمعرفة هل دخنوا أو تعرضوا للتدخين خلال 24 ساعة الأخيرة.
ويجب الإشارة إلى أن تركيز هذا الغاز يكون مرتفعلً عند مدخني الشيشة إلى حوالي الثلاثة أضعاف مقارنة مع مدخني السجائر.
ـ القطران:أو القار
وهو خليط من السوائل العضوية عالية اللزوجة،وهو مايتبقى في قاع برج التقطير عقب التكرير للنفط.وهو أثقل منتجات النفط وأعلاها في درجة الغليان،وكان يستخدم في عملية رصف الطرقات ومن ثم حل محله الإسفلت.وهو يحتوي على الكبريت والنحاس والكثير من المعادن الثقيلة مثل النيكل،والفانديوم،والرصاص،والسلينيوم،وغيرها من العناصر السامة.
وهو مادة شديدة السمية والاذية حيث يترسب في الحويصلات والأسناخ الرئوية التي يحصل فيها التبادل الغازي في الرئة،كما أنه يحتوي على العديد من المواد الهيدروكربونية المسرطنة.وهي تعتبر من الهيدروكربونيات العطرية متعددة الحلقات.
والقطران في التبغ يتسبب في إتلاف الفم عن طريق تعفن واسوداد الأسنان،وإتلاف اللثة،وإزالة حساسية براعم الذوق.
وكما ذكرنا فإن هناك ثلاثة عناصر رئيسية في الدخان تسبب أضراراً صحية شديدة:النيكوتين وهو المسؤول عن الإدمان،وأول أوكسيد الكربون الذي ينافس الأوكسجين على خضاب الدم،ولكن القطران هو المسئول عن أكبر المخاطر الصحية.وبشكل خاص الإصابة بالعديد من أنواع السرطان،وخاصة سرطان الرئة والقصبات،والحنجرة والفم والحلق..كما أن القطران يسبب بتشكيله طبقة لزجة داخل الأسناخ الرئوية في حدوث أمراض الرئة والقصبات وانتفاخ الرئة،كما أنه يتلف الأهداب في الغشاء المخاطي للقصبات وهي المسئولة عن التنقية والتصفية القصبية.
وكذلك فإن القنب يسبب عند حرقه تشكل بقايا بيولوجية تشبه إلى حد كبير القطران الناتج عن دخان التبغ.
2 ـ السيجار:Cigar
وهو لفافة تبغ معدة بطريقة وعناية تستخدم فيها أوراق التبغ الكاملة فترطب وتعالج وتلف باليد من قبل عمال متخصصين بعملهم.
وأصل كلمة سيجار هو مصطلح”سيكار” بلغة حضارة المايا،والتي تعني تدخين أوراق تبغ ملفوفة.وقد تم اكتشاف السيجار من قبل الهنود الحمر أو السكان الأصليين للأمريكيتين.وينمو تبغ السيجار بكميات كبيرة في البرازيل،والكاميرون،والدومينيكان،والهندوراس…
ومن أشهر أنواع السيجار هي المصنوعة في هافانا بكوبا.
ومن مدخني السيجار المشهورين في العالم :ونستون تشرشل،وفريدريك نيتشه،وصدام حسين ومحمد حسنين هيكل.
3 ـ السعوط أو شم التبغ أو النشوق والمضغة:
السعوط:هو تبغ لايدخن مصنوع من أوراق التبغ المطحونة أو المسحوقة،يتم استنشاقه من خلال تجويف الانف،مما يوفر جرعة سريعة وعالية من النيكوتين ورائحة نكهة دائمة.ويعتقد كثير من الناس أن مضغ التبغ أو تنشقه أكثر أماناً من تدخينه،ولكن يعادل تناول التبغ غير المدخن معدل 3 ـ 4 سجائر.
يقدر أنه يوجد حوالي 10 مليون في أمريكا يستعملون التبغ بهذه الطريقة أي السعوط(الاستنشاق عن طريق الأنف) أو المضغ.وخاصة عند الشباب دون سن 21.وتدل الدراسات أن التبغ بشكل المضغ يساعد على حدوث سرطان تجويف الفم.
4 ـ الغليون(البايب):
وهو أداة للتدخين له أشكال وأحجام مختلفة،وسبب استخدام الغليون بأنه يقوم بتصفية وترشيح الدخان من النيكوتين والمواد القطرانية،ويعمل على تبريد الدخان قبل وصوله إلى الفم،وهذه التصفية لا تنقص من تأثير أو أضرار التبغ شيئاً.
5 ـ الشيشة أو النارجيلة:
والتبغ المستخدم في الشيشة يسمى بالمعسل،وله نكهات مختلفة بطعم الفواكه مثل التفاح والأناناس والفريز…وعادة مايكون التبغ المستخدم في الشيشة منكهاً.وعند تدخين الشيشة يُسخن التبغ بواسطة الفحم،ويحرق الفحم التبغ،وينتقل دخان التبغ إلى الوعاء المملوء بالماء،ويستخدم المدخن المبسم لسحب الدخان،وينتقل الدخان عبر الماء والانبوب المطاطي وصولاً إلى الجسم.
وهذا التبغ الموجود في أنبوب اشيشة ليس أقل سمية من الموجود في السجائر،إذ تقلل المياه الموجودة في الشيشة من درجة حرارة الدخان ولكنها لاترشح المكونات السامة الموجودة به.ويستنشق مدخنو الشيشة دخان تبغ أكثر من مدخني السجائر.وذلك لأن جلسة التدخين الواحدة تستغرق ساعة وأكثر.ويحتوي دخان الشيشة على مستويات مرتفعة من المركبات الكيميائية الضارة،ومنها القطران،وأول أوكسيد الكربون،والمعادن الثقيلة،والعديد من المواد المسرطنة.
والخطورة في هذا الشكل من تدخين التبغ شديدة جداً وخاصة أنه أصبح من الأشياء المألوفة والتعارف عليها في مجتمعاتنا الشرقية،وأنه لم يعد محصوراً في المسنين كما كان سابقاً بل أصبح عند الشباب من الجنسين،وللأسف أيضاً عند الصغار.
وهناك كثير من الدراسات تربط تدخين الشيشة وسرطان تجويف الفم،وسرطان الرئة،والمثانة،والمعدة،والمرىء،..
وتبين الدراسات الاعتقاد الخاطىء الذي يظنه مدخنو الشيشة بأنه أخف من تدخين السجائر،ولكن تبين أن الضرر أشد وتبين أن تدخين حجر الشيشة الواحد هو بمثابة تدخين 8 أعقاب سجائر.كما أن تدخين الشيشة يزيد من خطورة التدخين السلبي ومشاكله وأخطاره.
وبالإضافة إلى ذلك فإن تدخين الشيشة يرتبط مع امتصاص أكبر لغاز ثاني أوكسيد الكربون وهو من الغازات السامة.وهذا مايفسر حدوث الصداع والدوخة وغيرها من الأعراض عند مدخني الشيشة.
كما أن التأثير الضار للشيشة لايقتصر على تدخين التبغ أو المعسل،وإنما يمتد أيضاً لشيشة الفواكه وهي تحتوي على بعض قشور الفاكهة والتي يتم تخميرها ومعالجتها بالمولاس أي العسل الاسود أو الجليسرين وإن احتراق هذا الأخير عن طريق الفحم يؤدي إلى تكوين مادة الأكرولين وهي من المواد السامة وقد تسبب سرطان المثانة.
كما يزداد خطر الإصابة بالجراثيم أو العوامل الممرضة الأخرى عن طريق أنابيب الشيشة ومنها عصيات السل،والكورونا،والتهاب الكبد،والإنفلونزا….
6 ـ السيجارة الالكترونية:
هي عبارة عن رذاذ محمول يعمل ببطارية،وتحاكي عملية تدخين التبغ،من دون حرق التبغ.وقد تم استعمالها منذ عام 2003م.
ويتم استنشاق الهباء الجوي،المعروف باسم البخار،حيث أن السجائر الالكترونية تحتوي عادة على عنصر تسخين يعمل على بخ محلول سائل يسمى السائل الالكتروني.يقوم المستخدم تلقائياً بتنشيط السيجارة الالكترونية عن طريق النفث.
وهذه السجائر الالكترونية تحمل النيكوتين وغيره من المواد الكيماوية إلى الرئتين،وهذه المركبات قد يكون لها تأثيراتها الضارة والمستمرة على المدى البعيد.
المدخن من الناحية النفسية:
يبدأ معظم المدخنين التدخين خلال مرحلة المراهقة أو البلوغ المبكر،حيث يروق التدخين للشباب لما يحمله من عناصر المخاطرة والتمرد.كما أن وجود نماذج مرموقة المكانة وأيضاً أقرانهم الذين يدخنون يشجعهم على التدخين.ونظراً لتأثر المراهقين بأقرانهم أكثر من الكبار،فغالباً ماتبوء بالفشل محاولات الآباء والأمهات والمدارس والعاملين في المجال الصحي من الأطباء وغيرهم في منع المراهقين من تجربة تدخين السجائر.
وللأسف مما يساعد على انتشار التدخين بين الشباب في أوائل العمر وجود الكثير من الرموز الأدبية أو السينمائية والتي من خلال بعض القصص والروايات السينمائية تساعد على انتشار هذه العادة السيئة ومن أكبر الأمثلة ازدواج كأس الخمر مع لفافة السيجارة في أفلام جيمس بوند بأشكالها المختلفة حديثاً وقديماً ورمز الدعاية للتدخين الممثل الأمريكي جون واين وجيمس دين.
ونظراً لأن المدخنين يمارسون نشاطاً له آثار سلبية على الصحة فإنهم يلجأوون إلى تبرير سلوكهم،وهذا يعني أنهم يضعون أسباباً ليقنعوا بها أنفسهم إذا لم يكن لديهم أسباب منطقية للمارسة التدخين،فعلى سبيل المثال من الممكن أن يبرر المدخن سلوكه بأن يصل إلى نتيجة أن الموت هو مصير كل حي،وبالتالي فلن تغير السجائر شيئاً في هذه الحقيقة الواقعة.ومن الممكن أن يعتقد الشخص أن التدخين يريحه من الضغط وأنه لديه فوائد أخرى تبرر مخاطره.
الآثار الاجتماعية للتدخين:
إن تدخين التبغ يمارسه أكثر من مليار إنسان على وجه الأرض أي أكثر من ثلث السكان البالغين.ويبدأ الكثير ممارسة التدخين في المجالس الاجتماعية،حيث يعتبر عرض السجائر والمشاركة فيها طقساً هاماً أو ببساطة عذراً مقبولاً لبدء محادثة مع الغرباء في كثير من المجالس،وخاصة في الملاهي أو القهاوي أو أماكن العمل وفي الشارع….
التأثيرات الضارة للتدخين على الصحة العامة:
لايوجد جهاز أو عضو في جسم الإنسان لايصاب عند المدخنين لسنوات طويلة من الإصابة العارضة أو المستمرة،وقد تكون هذه الإصابات والأذيات مهددة للحياة أو تسبب إعاقات وظيفية أو حركية .وتبين معظم الدراسات أن متوسط عمر المدخن أقل بعشر سنوات من غير المدخن.وتقول منظمة الصحة العالمية بأن التدخين يقتل شخصاً واحداً كل ستة ثواني في العالم.
والتأثيرات الضارة للتدخين لها علاقة مع عدد السجائر المدخنة يومياً،وعدد سنوات التدخين،والسن الذي بدأ فيه التدخين.حيث أن التدخين بسن مبكرة كما هو الحال عند الشباب في سن المراهقة ذو تأثيرات سلبية جداً على الصحة.
ولنفصل:
1 ـ جهاز القلب والدوران:
يعتبر التدخين من الأسباب الرئيسية لأمراض القلب والأوعية وخاصة ارتفاع الضغط الشرياني واضطراب انتظام القلب(تسرع القلب بمختلف أشكاله)،والداء القلب الإكليلي أي خناق الصدر واحتشاء عضلة القلب.وهذا كله مرتبط بعاملين رئيسيين:التصلب الشرياني وارتفاع ضغط الدم الذي ينجم عن التدخين وخاصة النيكوتين.
كما أن التدخين يسبب نقص التروية الدموية في الأطراف وحدوث مايسمى داء بورجر Burerger والذي قد يؤدي في النهاية لاستئصال القدم بسبب نقص التروية الدموية الشديد والتصلب الشرياني.
كما أن التدخين وخاصة عند النساء الذين يتناولون مانعات الحمل قد يكون من الأسباب الرئيسية لحدوث الخثرات الوريدية والصمامات الرئوية التي قد تكون مهددة للحياة.ويؤهب أكثر لأمراض القلب والأوعية،وأمراض الدماغ الوعائية وخاصة نقص التروية والحوادث الوعائية الدماغية(الفالج).
كما أن التدخين وبسبب ارتفاع تركيز غاز أول أوكسيد الكربون في الدم والذي ينافس الأوكسجين على خضاب الدم ويزيحه عنه مما يسبب انعكاسياً فرط لزوجية الدم بسبب الإفراط في تشكيل الكريات الحمراء في نقي العظم للمعاوضة ،وهذه اللزوجية الشديدة في الدم تؤهب لحدوث الخثرات الوعائية في جميع أنحاء الجسم.
2 ـ الجهاز التنفسي:
يعتبر التدخين السبب الرئيسي لالتهاب القصبات الساد المزمن COPD وانتفاخ الرئة والذي يعتبر حالياً من أهم الأسباب للوفيات في معظم أنحاء العالم بعد السرطانات وأدواء القلب الإكليلية،كما أن التدخين عند مرضى الربو يزيد من وخامة الإنذار في المرض ويؤدي إلى هجمات ربوية شديدة بالمقارنة مع غير المدخنين،وإن تشارك التدخين مع الربو يسبب مايسمى Overlappen Syndrome وهو ذو انذار سيىء لمرضى الربو.ويمكن الرجوع إلى ذلك بالتفصيل في هذا الموقع.
وعند المدخنين تزداد الإصابة بأمراض التهاب القصبات والرئة المتكررة وذلك كما ذكرنا سابقاً بسبب تأثير التدخين على المفرزات القصبية،كما أنه يعطل عمل الأهداب الشعرية في خلايا الغشاء المخاطي للقصبات وهذا يؤثر بشكل مزمن على وظيفة التصفية في الغشاء المخاطي للقصبات،ويسبب معاودة الانتانات وطول مدتها وصعوبة معالجتها.
3 ـ الجملة العصبية المركزية والمحيطية:
من المعروف ازدياد حوادث نقص التروية الدماغية وحدوث الحوادث الوعائية الدماغية أي مايسمى الفالج الدماغي وارتفاع نسبة النزوف الدماغية عند المدخنين وخاصة بسبب ارتفاع التوتر الشرياني وازدياد التصلب الشرياني.كما يصبح إنذار داء الصرع وخيماً عند المدخنين.
كما أن التدخين يسبب الرجفان في الايدي،وحدوث اعتلال الأعصاب المحيطية…
4 ـ الحواس:
من المعروف أن التدخين يؤثر على العين بجميع أجزائها وخاصة شبكية العين،وقد يسبب نقص الرؤوية وفي بعض الحالات ضمور العصب البصري.
وكذلك فإن التدخين يؤثر على حاسة الشم وبدرجات مختلفة.وكذلك يؤثر بشكل سلبي كبير على حاسة الذوق.
5 ـ الجلد:
من المعروف أن النيكوتين يسبب تقبض الأوعية الدموية وهذا يتظاهر بشكل واضح عند المدخنين وخاصة الإناث حيث يسبب نقصاً في نضارة الجلد،ويؤدي إلى تخرب ألياف الكولاجين والمسؤولة عن مرونة الجلد.كما يلاحظ وجود اللون الشاحب المائل للرمادي عند المدخنين.وظهور أعراض تقدم البشرة في السن أكثر من غير المدخنين.
كما يزداد حدوث التجاعيد الجلدية وخاصة في منطقة أسفل الشفاه.
6 ـ جهاز الهضم:
حيث يشاهد لدى المدخنين ارتفاع حالات الإصابة بالتهابات المعدة والقرحات الهضمية.ومعظم تأثيرات النيكوتين في جهاز الهضم تنجم عن تنبيه العصب نظير الودي.ولذا قد يشاهد عند المدخنين الميل للإصابة بالإسهالات،وقد يحدث الإقياء والغثيان.
7 ـ الجهاز البولي التناسلي:
وجد ارتفاع نسبة العنانة والعجز الجنسي عند المدخنين من الذكور.وخاصة إذا ترافق التدخين مع عوامل أخرى كالداء السكري والتصلب الشرياني وارتفاع ضغط الدم.
وكذلك لوحظ عند النساء المدخنات حصول سن اليأس أو الضهي بشكل أبكر .
8 ـ تجويف الفم:
المدخنين أكثر عرضة للإصابة بالتهابات اللثة والانتانات البلعومية،ورائحة الفم الكريهة(البخر) وتسوس الاسنان.
ـ العلاقة بين التدخين والسرطان:
هناك علاقات مؤكدة وموثقة عن ارتباط التدخين بمجموعة من السرطانات عند الإنسان ومنها:سرطان الحنجرة والقصبات والرئة،سرطان المري والمعدة،وسرطان الكلية والمثانة(بسبب مستقلبات المواد المسرطنة في التبغ والتي تطرح عن طريق الجهاز البولي).وسرطان الشفة وتجويف الفم والبلعوم.وكذلك ارتفاع نسبة سرطان عنق الرحم عند النساء المدخنات.
ويعتبر التبغ من أكثر السموم التي درست وعلاقتها بالسرطان.وقد ازدادت حوادث سرطان القصبات في الخمسين سنة الاخيرة.ويعتبر سرطان القصبات والرئة أكثر السرطانات مشاهدة في أمريكا.وفي عام 1983م فإن حوالي 16% من وفيات السرطان في ألمانيا كانت بسبب سرطان القصبات.وأكثر دول أوروبا إصابة بالسرطان فنلندا،وبريطانيا.
منذ عشرات السنين عرفت العلاقة بين التدخين وبعض سرطانات الجسم وخاصة سرطان الرئة والقصبت والحنجرة،وفي عام 1964م أعلنت المؤسسات الأمريكية الصحية عن وجود علاقة مؤكدة بين سرطان الرئة والتدخين،وأنه بالإضافة إلى ذلك يسبب إصابات في الشرايين القلبية ويسبب التهاباً مزمناً في القصبات ،وهناك علاقة مابين التدخين بالغليون(البايب) وسرطان الشفاه.
وبناء على ذلك أصدر الكونجرس الأمريكي القانون الفيدرالي عام 1965م والذي يحدد فيه ضرورة وضع تحذير على علبة سجائر تباع اعتباراً من أول كانون الثاني 1966م وبدأت الحملات القومية ضد التدخين ومنعت الإعلانات عن السجائر اعتباراً من أول كانون الثاني عام 1971م.
ونسبة حدوث سرطان الرئة والقصبات عند المدخنين أكثر بحوال 11 ضعف بالمقارنة مع غير المدخنين.والإصابات بالسرطان لها علاقة مع عدد السجائر المستهلكة ومدة التدخين،فكلما زاد عدد السجائر اليومية،وسنوات التدخين كان خطر الإصابة بالسرطان أشد.
كما أن التدخين السلبي يؤثر على زوجات المدخنين(االلاتي لايدخن)وهذا يؤهب لحدوث التهابات القصبات وأمراض الرئة،كما أنهن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة بنسبة حوالي ثلاثة أضعاف من النساء الأخريات.
وهناك ملاحظة هامة جداً حيث تبين أن سرطان القصبات يتشكل من خلال تبدلات تستمر عدة سنوات في الغشاء المخاطي للقصبات وهذه لا يمكن كشفها بالوسائط التشخيصية المتاحة،وأن هذه التبدلات قد تستمر رغم التوقف عن التدخين حيث أنها تسبب السرطان بعد عدة سنوات،ولذا يقال بأنه يجب مراقبة المريض الذي أقلع عن الدخان لعدة سنوات بعد الإقلاع ويقال بأنه حوالي 7 سنوات،ويمكن القول بعدها أنه يصبح مثل غير المدخنين من حيث عامل الخطورة.وهناك من يقول بأنه ربما أكثر من ذلك.
وإن أحد أشد وأخبث سرطانات الجنب والرئة والمسمى “ميزوثليوم”والذي ينجم عن استنشاق أغبرة الأسبست يزداد حدوثه أضعافاً مضاعفة إذا تشارك استنشاق هذه الأغبرة مع التدخين.
ومن الملاحظات الهامة أيضاً في سرطان الرئة والقصبات أنه أصبح يشاهد بأعمار مبكرة أي في منتصف الأربعين إلى الخمسين،ويعزى ذلك إلى ارتفاع عدد المدخنين في مراحل مبكرة من العمر وخاصة في سن المراهقة والبلوغ،حيث يكون تأثير التدخين على الغشاء المخاطي للقصبات في هذه الأعمار أشد خطورة.
التدخين والحامل:
ينتقل النيكوتين عند الحامل من المشيمة إلى الجنين أثناء الحمل،وهذا قد يسبب تشوهات عند الجنين،ومن أهم الاضطرابات المشاهدة نقص نمو الوليد عند الولادة،وحدوث الخداج أي الولادة المبكرة.ويمكن أن يسبب الإجهاضات أو ولادة أجنة ميتة.والاسقاطات المتكررة.وتدل الإحصائيات أن نقص وزن الوليد عند المدخنات الحوامل يعادل 150 ـ 250غرام بالمقارنة مع غير المدخنات.
كما أن التدخين عند الحامل قد يؤهب لارتفاع التوتر الشرياني لديها،والإصابة بما يسمى الإرجاج النفاسي.
وبشكل مختصر فإن التدخين يعيق نمو الجنين،ويزيد نسبة الإجهاضات،والأختلاطات الحملية،وينقص مدة الحمل،ويرفع نسبة وفيات االأجنة.
والسبب الفيزلوجي في كل هذه الاضطرابات يعود بشكل خاص إلى تأثير النيكوتين الذي كما ذكرنا يعبر المشيمة إلى الجنين،ويسبب النيكوتين نقص التروية الدموية في منطقة المشيمة والتي تعتبر العضو الرئيسي في تغذية وتنفس الجنين.
وكذلك فإن التدخين يترافق مع ارتفاع تركيز أول أوكسيد الكربون وهذا يسبب نقص حمولة الخضاب من الأوكسجين في دم الأم والجنين.
وكذلك فإن النيكوتين يمر من حليب الأم المرضع إلى الرضيع،وهذا يسبب تأثيرات سلبية على نموه وتغذيته.
التدخين السلبي أو التدخين القسري:
ذكرت دراسة أصدرها المركز الألماني الدولي لبحوث السرطان في مدينة هايدليبرغ أن استنشاق غير المدخنين لدخان سجائر المدخنين بغير إرادة منهم وهذا مانسميه بالتدخين السلبي يتسبب في أمراض تؤدي إلى وفاة 3300 شخص في المانيا سنوياً.
ولقد بينت الدراسات جميعاً على خطورة التدخين السلبي وبشكل خاص على الأطفال والحوامل والمسنين.
وللأسف إن الكثير من الآباء يغفلون أو يتغافلون عن أن التدخين بالقرب من الأطفال يعرضهم لاستنشاق الدخان وما يحويه من مركبات ضارة،وهذا قد يسبب لدى هؤلاء الأطفال التهابات مزمنة في القصبات والرئة،ونوبات الربو،وقد يكون ذلك مستمراً ومزمناً بحيث أنه يؤثر على صحتهم ليس على المدى القريب بل والبعيد أيضاً.
كما تبين الدراسات ومنها الدورية الطبية البريطانية بأن التدخين السلبي يزيد خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة تتراوح من 50 ـ 60%.
كما تبين الدراسات أن التدخين السلبي يجعل مستوى الأطفال الذين يتعرضون للتدخين أسوأ من زملائهم الذين لا يتعرضون له.
الحكم الشرعي في التدخين:
يقول الشيخ الدكتور العلامة يوسف القرضاوي رحمه الله(موقع القرضاوي ـ التدخين من الخبائث ـ ):
“الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه،أما بعد:
فقد ظهر هذا النبات المعروف الذي يطلق عليه اسم”الدخان” أو”التبغ” أو”التمباك” أو”التتن”،في آخر القرن العاشر الهجري،وبدأ استعماله يشيع بين الناس،مما أوجب على علماء ذلك العصر أن يتكلموا في بيان حكمه الشرعي.
ونظراً لحداثته وعدم وجود حكم سابق فيه للفقهاء المجتهدين،ولا من لحقهم من أهل التخريج والترجيح في المذاهب،وعدم تصورهم لحقيقته ونتائجه تصوراً كاملاً،مبنياً على دراسة علمية صحيحة،اختلفوا فيه اختلافاً بينا فمنهم من ذهب إلى حرمته،ومنهم من أفتى بكراهته،ومنهم من قال بإباحته،ومنهم من توقف فيه وسكت عن البحث عنه،وكل أهل مذهب من المذاهب الأربعة السنية فيهم من حرمه وفيهم من كرهه،وفيهم من أباحه.ولهذا لا نستطيع أن ننسب إلى مذهب القول بإباحة أو تحريم أو كراهة.
ويبدو لي أن الخلاف بين علماء المذاهب عند ظهور الدخان،وشيوع تعاطيه،واختلافهم في إصدار حكم شرعي في استعماله،ليس منشؤه في الغالب اختلاف الأدلة،بل الاختلاف في تحقيق المناط.فمنهم من أثبت للتدخين عدة منافع في زعمه.ومنهم من أثبت له مضار قليلة تقابلها منافع موازية لها.ومنهم من لم يثبت له أية منافع،ولكن نفى عنه الضرر وهكذا.ومعنى هذا أنهم لو تأكدوا من وجود الضرر في هذا الشىء لحرموه بلاجدال.
وهنا نقول:إن إثبات الضرر البدني أو نفيه في “الدخان” ومثله مما يتعاطى ليس من شأن علماء الفقه،بل من شأن علماء الطب والتحليل.فهم الذين يسألون هنا،لأنهم أهل العلم والخبرة. قال تعالى:{فاسأل به خبيراً}[الفرقان 59]وقال تعالى:{ولا ينبئك مثل خبير}[فاطر 14].
أما علماء الطب والتحليل فقد قالوا كلمتهم في بيان آثار التدخين الضارة على البدن بوجه عام،وعلى الرئتين والجهاز التنفسي بوجه خاص،وما يؤدي إليه من الإصابة بسرطان الرئة مما جعل العالم كله في السنوات الأخيرة يتنادى بوجوب التحذير من التدخين.
وفي عصرنا ينبغي أن يتفق العلماء على الحكم وذلك أن حكم الفقيه هنا يبنى على رأي الطبيب،فإذا قال الطبيب إن هذه الآفة أي التدخين ضارة بالإنسان فلابد أن يقول الفقيه هذا حرام،لأن كل ما يضر بصحة الإنسان يجب أن يحرم شرعاً.على أن من أضرار التدخين مالايحتاج إثباته إلى طبيب اختصاصي ولا إلى محلل كيماوي،حيث يتساوى في معرفته عموم الناس،من مثقفين وأميين.
علّة التحريم:
أما ما يقوله بعض الناس:كيف تحرمون هذا النبات بلا نص؟
فالجواب:إنه ليس من الضروري أن ينص الشارع على كل فرد من المحرمات،وإنما هو يضع ضوابط أو قواعد تندرج تحتها جزئيات شتى،وأفراد كثيرة.فإن القواعد يمكن حصرها.أما الامور المفردة فلا يمكن حصرها.ويكفي أن يحرم الشارع الخبيث أو الضار،ليدخل تحته ما لا يحصى من المطعومات والمشروبات الخبيثة أو الضارة،ولهذا أجمع العلماء على تحريم الحشيشة ونحوها من المخدرات،مع عدم وجود نص معين بتحريمها على الخصوص.
وهذا الإمام أبو محمد بن حزم الظاهري،نراه متمسكاً بحرفية النصوص وظواهرها،ومع هذا يقرر تحريم ما يستضر بأكله،أخذاً من عموم النصوص.قال:”وأما كل ما أضر فهو حرام لقول النبي صلى اللله عليه وسلم:“إن الله كتب الإحسان على كل شىء”[رواه مسلم عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه] فمن أضر بنفسه أو بغيره فلم يحسن،ومن لم يحسن فقد خالف كتاب(أي كتابة الله الإحسان على كل شىء).
ويمكن أن يستدل لهذا الحكم أيضاً بقوله صلى الله ىعليه وسلم:”لاضرر ولا ضرار“[حديث صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه].كما يمكن الاستدلال بقوله تعالى:{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً}[النساء 29]،ومن أجود العبارات الفقهية في تحريم تناول المضرات عبارة الإمام النووي في روضته قال:”كل ما أضر أكله،كالزجاج والحجر والسم يحرم أكله.وكل طاهر لاضرر في أكله يحل أكله،إلا المستقذرات الطاهرات،كالمني والمخاط.فإنها حرام على الصحيح…ويجوز شرب دواء فيه قليل سم إذا كان الغالب السلامة،واحتيج إليه”.
ـ الضرر المالي:
لايجوز للإنسان أن ينفق ماله فيما لاينفعه لا في الدنيا ولا في الدين،لأن الإنسان مؤتمن على ماله مستخلف فيه.وكذلك فإن الصحة والمال وديعتان من الله ولذا لا يجوز للإنسان أن يضر صحته أو يضيع ماله.ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
والمدخن يشتري ضرر نفسه بحرِّ ماله,وهذا أمر لايجوز شرعاً.قال الله تعالى:{ولا تُسرفوا إنه لا يحبُّ المسرفين}[الأنعام 141]،ولا يخفى أن إنفاق المال في التدخين إضاعة له.فكيف إذا كان مع الإتلاف للمال ضرر متحقق يقيناً أو ظناً.أي أنه اجتمع عليه إتلاف المال وإتلاف البدن معاً.
ـ ضرر الاستعباد:
وهناك ضرر آخر يغفل عنه عادة الكاتبون في هذا الموضوع وهو الضرر النفسي،وأقصد به،أن الاعتياد على التدخين وأمثاله،يستعبد إرادة الإنسان،ويجعلها أسيرة لهذه العادة السخيفة،بحيث لا يستطيع أن يتخلص منها بسهولة إذا رغب في ذلك يوماً لسبب ما،كظهور ضررها على بدنه،أو سوء أثرها في تربية ولده،أو حاجته إلى ماينفق فيها لصرفه في وجوه أخرى أنفع وألزم،أو نحو ذلك من الأسباب.
ونظرأ لهذا الاستعباد النفسي،نرى بعض المدخنين،يجور على قوت أولاده،والضروري من نفقة أسرته،من أجل إرضاء مزاجه هذا،لأنه لم يعد قادراً على التحرر منه.وإذا عجز مثل هذا يوماً عن التدخين،لمانع داخلي أو خارجي،فإن حياته تضطرب،وميزانه يختل،وحاله تسوء،وفكره يتشوش،واعصابه تثور،لسبب أو لغير سبب.ولا ريب أن مثا هذا الضرر جدير بالإعتبار في إصدار حكم على التدخين.
التدخين محرم شرعاً:
ليس للقول بِحلّ التدخين أي وجه في عصرنا بعد أن أفاضت الهيئات العلمية الطبية في بيان أضراره،وسىء آثاره،وعلم بها الخاص والعام،وأيدتها لغة الأرقام.
وإذا سقط القول بالإباحة المطلقة،لم يبق إلا القول بالكراهة أو القول بالتحريم.وقد اتضح لنا مما سبق أن القول بالتحريم أوجه وأقوى حجة.وهذا هو رأينا.وذلك لتحقق الضرر البدني والمالي والنفسي باعتياد التدخين.لأن كل مايضر بصحة الإنسان يجب أن يحرم شرعاً.
والله تعالى يقول:{ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة}[البقرة 195]،ويقول جل جلاله:{ولاتقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيماً}[النساء29]،ويقول الله عز وجل:{ولا تُسرفوا إنّهُ لا يحبُّ المسرفين}[الأنعام 141]،ويقول تعالى:{ولا تُبذر تبذيراً *إنَّ المُبذرينَ كانوا إخوانَ الشياطين وكان الشيطانُ لربّهِ كفوراً}[الإسراء 26 ـ 27]،فهناك ضرر بدني ثابت وهناك ضرر مالي ثابت،فتناول كل مايضر الإنسان يحرم،لقوله تعالى:{ولا تقتلوا أنفسكمْ}من أجل هذا يجب أن نفتي بحرمة هذا التدخين في عصرنا.
والواقع الذي لاشك فيه هو أن الأطباء يجمعون على أن في التدخين ضرراً مؤكدا.صحيح أن ضرره ليس فورياً،ولكنه ضرر تدريجي.والضرر التدريجي كالضرر الفوري في التحريم،فالسم البطىء كالسم السريع كلاهما يحرم تناوله على الإنسان.
والانتحار محرم بنوعيه السريع والبطىء،والمدخن ينتحر انتحاراً بطيئاً.والإنسان لايجوز أن يضر أو يقتل نفسه،ولا أن يضر غيره.ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:”لاضرر ولاضرار”[حديث حسن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] أي لاتضر نفسك ولاتضر غيرك،فهذا ضرر مؤكد على نفس الإنسان بإجماع أطباء العالم،لهذا أوجبت دول العالم على كل شركة تعلن عن التدخين أن تقول إنه ضار بالصحة بعد أن استيقن ضرره للجميع،لهذا لايصح أن يختلف الفقهاء في تحريمه.
والضرورات الخمس التي ذكرها الأصوليون وفقهاء الدين،وأوجبوا الحرص على المحافظة عليها وعدم الإضرار بها هي:الدين والنفس والعقل والنسل والمال.وكلها تتأثر بهذه الآفة.,فدين الإنسان يتأثر،فمن الناس من لايصوم رمضان لأنه لايستطيع أن يمتنع عن التدخين.والنسل يتضرر بالتدخين،سواء كان المدخن أحد الأبوين أو كلاهما،بل إن الجنين يتضرر من تدخين أمه،بما يعني أن المدخن لايضر نفسه فقط وإنما يضر غيره،وهناك الآن مايسمى “التدخين القسري” أو”التدخين بالإكراه”،فيدخن الإنسان رغم أنفه وهو لايتناول السيجارة وإنما يتناولها قهراً عندما يجلس بجوار إنسان مدخن أو في بيئة فيها التدخين.
فأنت أيها المدخن تضر نفسك وتضر غيرك رغم إرادته وأنفه،فمن أجل هذا الضرر وغيره يجب أن يحرم التدخين وأن يجمع العلماء على تحريمه.
وينبغي للإنسان المسلم العاقل أن يمتنع عن هذه الآفة الضارة الخبيثة،فالتبغ لاشك من الخبائث،وليس من الطيبات،إذ ليس فيه أي نفع دنيوي أو نفع ديني.
ونصيحتي للشباب خاصة،أن ينزهوا أنفسهم عن الوقوع في هذه الآفة،التي تفسد عليهم صحتهم،وتضعف من قوتهم ونضرتهم،ولايسقطوا فريسة للوهم الذي يخيل إليهم أن التدخين من علامات الرجولة،أو استقلال الشخصية.
ومن تورط منهم في ارتكابها يستطيع التحرر منها،والتغلب عليها وهو في أول الطريق،قبل أن تتمكن هي منه،وتغلب عليه،ويعسر عليه فيما بعد النجاة من براثنها،إلا من رحم ربك.
وعلى أجهزة الإعلام أن تشن حملة منظمة بكل الأساليب على التدخين،وتبين مساوئه.وعلى مؤلفي ومخرجي ومنتجي الأفلام والتمثيليات والمسلسلات،أن يكفوا عن الدعاية للتدخين،بوساطة ظهور السيجارة بمناسبة وغير مناسبة في كل المواقف.
وعلى الدولة أن تتكاتف لمقاومة هذه الآفة،وتحرير الأمة من شرورها،وإن خسرت خزانة الدولة الملايين فإن صحة الأمة وأبنائها،الجسمية والنفسية،أهم واغلى من الملايين.والواقع أن الدولة هي الخاسرة مالياً عندما تسمح بالتدخين،لأن ماتنفقه في رعاية المرضى الذين يصيبهم التدخين بأمراض عديدة وخطيرة تبلغ أضعاف ماتجنيه من ضرائب تفرضها على التبغ،بالإضافة إلى ماتخسره من نقص الإنتاج بسبب زيادة تغيب المدخنين عن العمل نتيجة مايعانونه من أمراض.
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينير بصائرنا،وان يفقهنا في ديننا،وأن يعلمنا ما ينفعنا،وينفعنا بما علمنا،إنه سميع قريب.وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم”.(انتهى كلام الشيخ القرضاوي).
ومن الذين قالوا بتحريم التدخين في عصرنا الحاضر مجموعة كبير من علماء الدين ومنهم:
الإمام الأكبر وشيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق حيث قال:”بعد أن قرأت النشرات الطبية العديدة التي توضح آثار التدخين وأضراره الصحية والاجتماعية أقول إنه حرام قطعاً ويجب على المدخنين أن يقلعوا عنه،وعلى غير المدخنين أن يتحاشوه،والله أعلم”.
والدكتور عبد الجليل شلبي عضو مجمع البحوث الإسلامية حيث قال:”الحكم الشرعي الذي تطمئن إليه النفس أن التدخين حرام:الدخان من الخبائث لمذاقه المر،ورائحته الكريهة،وأضراره البالغة،وعواقبه الوخيمة،ويكون حراماً والله سبحانه وتعالى أعلم”.
والشيخ عطية صقر عضو لجنة الفتوى ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر:”إن تناول الدخان على أي وجه،يستتبع عاجلاً أو آجلاً أمراضاً شتى،أخطرها أمراض القلب والسرطان في الجهازين التنفسي والبولي كما ـأن فيه تبذيراً وإنفاقاً للمال في غير حقه،فلذلك يكون حراماً شرعاً وحيث كان أمر الدخان فيجب الامتناع عن تناوله شرعاً وعقلاً والله تعالى أعلم.
والدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ ورئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين جامعة الازهر:”ومن كل ما سبق نقول:”إن التدخين حرام،وإن واجب المسلمين أن يحاربوا هذه العادة الضارة المهلكة”.
الإقلاع عن التدخين:
إن عملية الإقلاع عن التدخين هي ليست بالعملية المستحيلة وخاصة إذا ترافقت مع الإرادة القوية،ومعرفة الاضرار الشديدة الصحية والمالية التي يتعرض لها المدخن.وقد يتم الأمر فردياً وقد يحتاج أحياناً إلى الاستشارة الطبية التي تساعد في إيجاد الوسائل المناسبة للإقلاع عن التدخين.وهناك وسائل عديدة دوائية وغير دوائية يمكن اللجوء إليها.
ومن المهم التذكير أن النتائج تكون أفضل كلما قصرت سنوات التدخين عند المدخن،وإن كنت في حياتي العملية وممارستي لطب أمراض الصدر منذ أكثر من أربعين سنة قد اجتمعت بحالات تمكن المريض فيها من الإقلاع عن التدخين بعد أكثر من أربعين سنة.
وقد تحدث بعض أعراض الحرمان عند الإقلاع عن التدخين في المراحل الأولى ونذكر منها:الأرق،والتوتر والغضب والانزعاج،وعدم الإحساس بالراحة،وصعوبة في التركيز،وزيادة الرغبة في تناول الطعام ومايلحق ذلك من زيادة الوزن،والتهيج،والصداع،والشوق إلى معاودة التدخين….
وتصل هذه الاعراض إلى ذروتها في الأيام الثلاثة الاولى من الامتناع،ومن ثم تخف تدريجياً،ولكن الرغبة في معاودة التدخين قد تستغرق فترة طويلة.
من الناحية الأدبية:
يقول الأستاذ الكاتب أحمد أنيس(كتاب مع نفسي):
“كنت أدخن وتوقفت.ويسألني الذين لا يعرفون كيف يتوقفون فأقول حاولت أن أجعل التدخين عادة فلم أفلح.ويكون السؤال:ولماذا عادة؟أحمد ربنا.
الحمد لله.ولكن كنت أريد أن أجعله عادة.منظر السيجارة والاهتمام بها وإشعالها ووضعها في الفم.وسحب الهواء وإطلاقه من الفم أو من الأنف..كما يفعل معظم الممثلين المبتدئين،منظر جميل لمن يراه…ومعنى ذلك أن الفرجة على الدخان ينطلق مدللاً ناعماً مائعاً مليصاً من الفم إلى مافوق الرأس.
اذن فمن الأفضل أن أتفرج على المدخنين لا أن أدخن مثلهم!
ولاحظت عند بدايتي للتدخين أن السجائر ذات الفلتر أجمل شكلاً وأطول…ودخنت…ولم أستطعم…وحاولت أن أدخن على فترات متباعدة لأجد للسجائر طعماً.ولم أجد الطعم.وحاولت أن أشعل سيجارة من سيجارة..ولم تترك السجائر إلا أثراً في أصابعي وفي حلقي وفي أسناني…ولكن لا طعم لها…وانتقلت من السجائر المصرية إلى الأمريكية إلى الفرنسية ثم إلى العراقية والاردنية.ويبدو أنني في حركة التنقلات هذه فقدت القدرة على التذوق.وكنت أندهش كلما رأيت انساناً يتلهف على السيجارة.ويسحب الهواء من خلالها ويملأ صدره وتتراخى أعصابه وعضلاته.وأسأل هل صحيح ما يحدث لكم من السجائر فيؤكدون أن السجائر نعمة.وإنهم يفضلون السجائر على الطعام والشراب وأشياء أخرى كثيرة…وكنت أندهش…
وتوقفت عن الاستمرار في المباراة التي ليست لها أية أهداف ولا نتائج فلا أنا عارف كيف أدخن…ولا أنا إذا دخنت استطعمت…
وعندما ذهبت إلى كوبا رأيت الزعيم كاسترو يدخن بصورة غريبة.فهو شاب وفي غاية الحيوية.ويدخن بحرارة ولهفة واحترام للسيجار.وكان كاسترو يدعونا إلى أن ندخن.وكان يعلمنا طريقة مسك السيجار بأن نضع طرفه في فنجان القهوة،ثم نكسر الطرف المبتل بأسنانا ونتمتع بالحياة بعد ذلك.وحملت معي من كوبا عشرات من علب السيجار…ودخنت…وأهديت الأصدقاء واستمتعوا.ولم أجد أية متعة.
وتلقيت أخيراً هدية من كوبا…وفرحت.ومددت يدي.واسترخيت في مقعدي.ووضعت كل إحساساتي في فمي.,أشعلت عود كبريت..وأدنيته من السيجار وتصاعد الدخان…وتسلل بعمق إلى صدري.وانتظرت النتيجة على مهل.وتوقعت أن أسمع تصفيقاً في داخلي وأصواتاً سعيدة تقول:الحرارة وصلت.الكهرباء جاءت.عادت المياه!
ولكن لا صوت ولا حس ولا خبر.
وإنما سعال شديد يمزق صدري.
ودموع من عيني وما يشبه الإغماء.
ولعنات:لا أعرف إن كنت أنا الذي ألعن السجائر،أو هي التي تلعنني!”.
يقول الشاعر معروف الرصافي في التدخين:
ورُبَّ بيضاءَ قيدِ الأصبع احترقت في الكفِّ وهي احتراق في الحشاشات
إن مرَّ بين شِفاهِ القومِ أسودها ألقى اصفراراً على بيضِ الثنيات
وليتها كان هذا حظّ شاربها بل قد تفتك بفكيه المرارات
عوائد عمّت الدنيا مصائبُها وإنما أنا في تلك المصيبات
إن كلّفتني السكارى شرب خمرتهم شربت لكن دخاناً من سكاراتي
واخترت أهون شرّ بالدخان وإن أحرقت ثوبي منه بالشرارات
وقلت يا قوم تكفيكم مشاركتي إياكم في التذاذ بالمُضرات
إني لأمتص جمراً لُفَّ في ورق إذ تشربون لهيباً ملءَ كاساتِ
كلاهما حُمق يفترّ عن ضرر يَسمُّ من دمنا تلك الكرياتِ
حسبي من الحُمقُ المعتاد أهونهُ إن كان لا بدّ من هذه الحماقات
يا منْ يُدخن مثلي في كلِّ آونةٍ لمني ألُمك ولاترض اعتذاراتي
إن العوائد كالأغلالِ تجمعنا على قوتٍ لنا منهنَّ أشتاتِ
مُقيدين بها نمشي على حذر من العيونِ فنأنى بالمُداجاةِ
قد ننكرُ الفعل لم تألفهُ عادتنا وإن علمناهُ من بعض المباحاتِ
ورُبَّ شنعاء من عاداتنا حسُنت في زعمها وهي من أجلى الشناعات
لو لم يكُ الدهرُ سوقاً راجَ باطلها ماراجت الخمر في سوق التجارات
ولا استمرَّ دخان التبغ منتشراً بين الورى وهو مطلوب كأقواتِ
لو استطعتُ جعلتُ التبغ محتكراً فوق احتقار له أضعافَ مراتِ
وزدت أضعافَ أضعافَ ضريبته حتى يبيعوهُ قيراطاً ببدرات
فيستريحُ فقير القوم منه ولا يبلى به غير مثرِ ذي سفاهات
يقول الشاعر يحيى بشير حاج:
سأل سيجارته بعد نوبة من السعال:
لماذا تفعلين بي ما تفعلين؟
فأجابت وهي تتحول إلى رماد:
أنا علبّ ملونة
ومنها أنت تختار!
هان لأجلي المال والدار
أعاديكم،وتحموني!!
وبالأموال تفدوني!!
وبالرئتين تُغذوني!!
فعلام تلوموني!؟
وأنتم لا تعادوني!؟
إلى الأمراض أدعوكم
تعالوا يا أحبائي
لأقتلكم بوبائي
وأهدافاً لأدوائي
لقد سمّمت أجوائك
وناري أصبحت دائك
فكم آذيت أبنائك
وكم أحرقت أحشائك
مقامي في الشرايين
كوسواس الشياطين
أنا الأمراض أجمعها
أنا السرطان والقار
أنا سلّ وأخطار
وعند الموت أشكال
الربو
ولي الدين يكن والربو (أعلام الأدب العربي الحديث – عيسى فتوح- ص14-15):وشعراء عرب معاصرون –نجيب البعيني ص38-
ولي الدين يكن 1873-1921 شاعر ولد في الأستانة بتركيا وابن أخت سلطان مصر محمد علي باشا يكتب رسالة الى صديقه في 12 شباط 1918 يصف معاناته من مرض الربو :
يصف مرضه الربو :
“أنا في يأس شديد من زوال هذا المرض الذي عجز الطب عن دفعه ،وهو المسمى “الربو”. اذا دجا الليل تكاثرت مخاوفي،فلا يغمض جفناي فَرَقاً لأني لا أغفو إغفاءة إلا وانتبه صارخاً مذعوراً، إذ تنقطع أنفاسي،ويشتدّ اضطراب قلبي ،وتبرد يداي ورجلاي،فأختلج مكاني،وأتلوى تلوي الأفعى ألقيت في النار،أريد تنفساً أستعيد به ما يوشك أن يذهب عني من الحياة فلا أجده،حتى إذا بللّني العرق وأنهكني التعب،عاودتني أنفاسي شيئاً فشيئاً، وذهبت النوبة على أن تعود بعد ساعة أو ساعتين،ومصير مثل هذا المرض معلوم وهو مذكور في كتب الطب لم يختلف فيه طبيبان،لا أدري أمن الموت وما أنتظر من أهواله يزداد جزعي؟ وما تطلع علي شمس يوم إلا زادتني قرباً من قبري،والهفي على آمال تحولت آلاماً،واحسرتي على أيام عمر ما ضحكت لي مرة إلا وجعلت دموعي لها ثمناً.أهذه عاقبة الصبر التي أطلت انتظارها ؟ ما أكثر ضلال الحكماء،وما أكبر غش القدماء ” .
ووجد بقرب سريره عند موته في 6 اذار 1921 بيتاً من الشعر :
يا جسداً قد ذاب حتى امحّى إلا قليلاً عالقاً بالشقاء
أعانك الله بصبر على ما ستعاني من قليل البقاء
أحمد حسن الزيات يتكلم عن وفاة الأديب محمد اسعاف النشاشيبي بداء الربو :(وحي الرسالة ج3 ص110-111):
“أهكذا،وفي أسرع من رجع النفَس يسكت اللسان الذليق،ويسكن العصب الثائر،ويخمد الذهن المتوقد،ويقف الفؤاد الذكي،ويصبح النشاشيبي نعياً في الصحف،وخبراً في البلاد وحديثاً في المجالس،لا يقول فنسمع ،ولا يكتب فنقرأ !؟
ويتابع:
“كنت ثالث ثلاثة استبقاهم الوفاء بجانب إسعاف في ساعاته الأخيرة،وكان الطبيب واقفاً يصف الدواء وينظم العلاج ويرشد الممرضة،وكان المريض جالساً في سريره حاضر الذهن حافل الخاطر يغالب انبهار النفَس من الربو ،ويجاذب العوّاد ما رقَّ من الحديث: فهو يضع لسانه من حيث شاء من نوادر اللغة وطرائف الأدب،فينتقل من الكلام في(ليس غير) إلى الكلام في ترجمة (جوته) لقصيدة خلف الأحمر،حتى إذا سمع الطبيب يصف له البنسلين قطع الحديث وقال بلهجته المعروفة : أنا أكره البنسلين لأنه أنقذ (تشرشل) ! فقلنا له : ونحن نحبه لأنه سينقذ أبا عبيدة ! وكانت مظاهر العزم في حديث(أبي عبيدة) توسع في أنظارنا فسحة الأمل،وتصرف عن أذهاننا فكرة الخوف،فلم يدر في خلدنا أن المنية كانت مرنقّة فوق سريره تنتظر أنفاسه المعدودة أن تنقضي،وألفاظه المسرودة أن تنفد،فلم يكد السامر ينفض والساهر ينام حتى ختمت على فمه المنون فسكت سكوت الأبد!”.
ابن شهيد:أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شهيد (382-426هجري) أديب أندلسي،كان أصماً،وكان يشكو من مرض الربو ،ومات به (تاريخ الادب العربي عمر فروخ ج4 ص455)
وجاء في أمالي القالي ج2 ص248:
“والعرب تستحّبُ سَعةَ المَنخَر في الفرس، لأنه إذا اتسع منخره لم يحبس الرَّبو في جوفه، قال امرؤ القيس:
لها مَنْخَرٌ كوِجَارِ الضِّباعِ فمنهُ تُريح إذا تَنبهِرْ
ولي الدين يكن يصف مرض الربو الذي كان مصابا به :
لولا الغرامُ وعهدهُ الأوفى ما سَهَّدَ الهجران لي طرفا
أُرمى كما يرمي العدو وكم أُقصى وكم أقلى وكم أجفى
وضنى لبستُ ثيابهُ زمناً فلبثتُ لا أقضي ولا أشفى
حَولٌ تكامل في مرارتهِ قد خلتهُ من طُولهِ ألفا
استلَّ نصفَ الجسمِ حين مضى ورمى إلى عُوادّهِ النصفا
تنبو النواظر عن ملابسهِ ويكاد إن تطلبه أن يخفى
هجر المضاجع خيفة وغدا متبوئاً كرسيَّهُ كهفا
يُمسي ويصبح فوقهُ أبداً لم يغتمض سِنةً ولا أغفى
وقال حين اشتداد المرض:
عُمر الشباب لقد مضيت مُحَبَّباً وتركت لي عمراً سِواكَ بغيضاً
أُمحى وتثبتني الشقاوة كارهاً مثل الكتابِ يكابد التبييضا
عودَّت أمراضي وطول تألمي حتى كأني قد ولدتُ مريضاً
وقال في قصيدة أخرى نشرها في مجلة الزهور سنة 1913 :
سقى الله دار “القرافة” ديمةً ترفُّ على قوم هنالك هُجّدِ
أحنُّ إلى تلك المراقدِ في الثرى ولو أستطيعُ اليوم لا خترت مرقدي
فأنزلتُ جسمي منزلاً لا يملهُ يكون بعيداً عن أعادٍ وحُسّدِ
وما يتمنى الحرُّ من ظل عيشةٍ تمرُّ لاحرارٍ وتحلو لأعبدِ
ذات الرئة وتقيحات الجنب
يقال: ـ بِجَنبهِ فلتكن الوَجْبَةُ -أي السقطة يقال عند الدعاء على الإنسان – أي رماه الله بداء الجنب وهو قاتل فكأنه دعاءٌ عليه بالموت (الأمثال للميداني ص93)
من الشهداء من مات بذات الجنب- كما ذكر ذلك الدكتور يوسف القرضاوي-موقع القرضاوي –الحكم على الناس بدخول الجنة أو النار-:”الموت بالحرق ،وذات الجنب، ومن أدلته أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصنافاً من الشهداء فذكر منهم الحريق ،وصاحب ذات الجنب:وهي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع.
مسكين الدارمي: خرجت للشاعر سعيد الدارمي (ت 150هجري) في أواخر حياته قرحة في جوفه (او في صدره) فبزق منها بزقة خضراء فتشاءم من ذلك وخاف ألا يعيش بعدها وهو صاحب قل للمليحة في الخمار الأسود(تاريخ الأدب العربي عمر فروخ ج7 ص72)
وجاء في البيان والتبيين – الجاحظ ج1 ص161:”قال الأصمعي : خرجت بالدارمي قرحة في جوفه ،فبزق بزقة خضراء فقيل له : قد برأت إذ قد بزقتها خضراء، قال : والله لو لم تبق في الدنيا زمردة خضراء إلا بزقتها لما نجوت .
جاء في زهر الآداب ج3-4 ص1000-1001 :
” لم تزل الخنساء تبكي على أخويها صخرٍ ومعاوية ،حتى أدركت الاسلام ،فأقبل بها بنو عمها وهي عجوز كبيرة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،فقالوا: يا أمير المؤمنين هذه الخنساء وقد قرَّحت آماقها من البكاء في الجاهلية والاسلام ،فلو نهيتها لرجونا أن تنتهي فقال لها عمر رضي الله عنه:اتقي الله وأيقني بالموت،قالت: أبكي أبي وخَيرَ بني مضر صخراً ومعاوية ،وإني لموقنة بالموت ،قال: أتبكين عليهم وقد صاروا جمرة في النار ؟ قالت: ذلك أشدَّ لبكائي عليهم . فرَّقَ لها عمر وقال: خلّوا عن عجوزكم لا أبا لكم ! فكل امرئ يبكي شَجوهُ،ونام الخليّ عن بكاء الشجي.
صخر بن عمرو الشريد أخو الخنساء:استطاع أبو ثور ربيعة بن ثور الأسدي أن يطعن صخراً طعنة دخل بها عدد من حلقات الدرع في جسم صخر،وقيل اندمل الجرح على هذه الحلقات مدة ،فنتأت قطعة من جنبه مثل اليد فمرض لها حولاً ثم اُشير عليه بقطعها ،فأحموا له شفرة ثم قطعوها ،فما عاش إلا قليلا.
وقيل بل جَوِىَ (فسد) جرح صخر فاغتسل منه نحو عام ثم مات.
وجاء في عيون الأخبار –ابن قتيبة – كتاب النساء ص118 واختيارات الاغاني ج2 ص108-109 ” كان صخر بن الشريد اخو الخنساء خرج في غزوة فقاتل فيها قتالاً شديداً ،فأصابه جرح رغيبٌ(واسع) فمرض،فطال به مرضه وعاده قومه،فقال عائدٌ من عواده يوماً لأمرأته سلمى : كيف أصبح صخرٌ اليوم ؟ قالت: لا حياً فيرجى،ولا ميتاً فينُسى . فسمع صخر كلامها فشقَّ عليه وقال لها أنت القائلة كذا وكذا ،قالت : نعم غيرَ معتذرة إليك،ثم قال عائدٌ آخر لأمه : كيف أصبح صخر اليوم؟ فقالت: أصبح بحمد الله صالحاً ولا يزال بحمد الله بخير ما رأينا سوادَه بيننا فقال صخر :
أرى اُمَّ صخرٍ ما تَملُّ عيادتي وملّت سُليمى مضجعي ومكاني
(رواية اخرى:ماتجف دموعها بدلا من ماتمل عيادتي)
وما كنت ُأخشى أن أكون جِنازةً عليكِ ومن يغترُّ بالحَدثانِ
(جنازة: كل ما أثقل على قوم واغتموا به)
فأيُّ امرئٍ ساوى باُمٍ حليلةً فلا عاشَ إلا في أذى وهوانِ
(رواية:شقا وهوان)
أهمُّ بأمرِ الحزمِ لو أستطيعهُ وقد حِيلَ بين العَيرِ والنزَّوانِ
لعمري لقد أنبهتُ من كان نائماً وأسمعتُ من كانت له اُذنانِ
(رواية : نبهتِ، وأسمعتِ)
فلما أفاق عمد إلى سلمى فعلقّها بعمود الفسطاط حتى فاضت نفسها ثم نُكس من طعنته فمات .
موفق الدين البغدادي : ذكر صاحب تاريخ الحكماء عند ترجمة الشيخ موفق الدين البغدادي أنه قال: لما اشتدّ بأستاذي المرض الذي مات فيه وكان ذات الجنب عن نزلة فأشرت عليه بالمداواة فأنشد :
لا أذود الطير عن شجر قد بلوت المرّ من ثمره
(الكشكول – العاملي ج1 ص295)
الفرزدق والخرّاج: معجم الأدباء –ياقوت الحموي ج5 ص604-605:
“أسنَّ الفرزدق حتى قارب المائة ،فأصابتهُ الدُّبَيلة (داء في الجوف أو خراج)وهو بالبادية فَقُدِمَ به إلى البصرة واُتي برجلٍ متَطَببٍ من بني قيس فأشار بأن يُكوى ويُسقى النِّفط الأبيض (دهن معدني سريع الاحتراق توقد به النار ويُتداوى به أيضاً ) فقال: اُتُعجلونَ لي طعام أهل النار في الدنيا ؟وجعل يقول :
أروُني من يَقومُ لكمْ مقامي إذا ما الأمرُ جَلَّ عن الخطابِ؟
ومات في مرضه سنة عَشرٍ ومائة ومات بعده جرير بستة أشه،ومات في هذه السنة الحسن البصري وابن سيرين ،فقالت امرأة من أهل البصرة : كيف يُفلحُ بلداً مات فقيهاه وشاعراه في سنة ؟
وجاء في اختيارات الأغاني ج3 ص373:
“قال أبو عكرمة : وحُكي لنا عن لَبَطة بن الفرزدق أن أباه أصابته ذاتُ الجَنبْ،فكانت سبب وفاته . وقال : ووصف له أن يشرب النفط الأبيض،فجعلناه له في قدحٍ وسقيناه إياه ،فقال: يابني عجلت لأبيك شراب أهل النار . فقلت له : يا أبت قل لا إله إلا الله ،فجعلت اُكررها عليه مراراً فنظر إليّ وجعل يقول:
فظلت تعالى باليفاع كأنها رِماحٌ نحاها وِجهة الريح راكز
(يفاع: مكان مرتفع، ركز الرمح: كانه أراد بذلك روحه التي تتصاعد شيئاً فشيئاً)
ابن جرير الطبري وذات الجنب:معجم الأدباء –ياقوت ج5 ص274-275:
“كان بأبي جعفر (محمد بن جرير الطبري المفسر والمؤرخ)ذات الجنب تعتاده وتنتفض عليه، فوجّه إليه علي بن عيسى طبيباً ،فسأل الطبيبُ أبا جعفرٍ عن حاله ،فعرَّفه حاله وما استعمل وأخذه لعلته،وما انتهى إليه في يومه ذاك وما كان رَسْمُهُ أن يعالج به وما عزم على أخذه من العلاج . فقال له الطبيب: ما عندي فوق ما وصفته لنفسك شئ ،والله لو كُنتَ في مِلتنا لَعُددتَ من الحواريين،وفقك الله . ثم جاء إلى علي بن عيسى فعرَّفه ذلك فأعجبه.
أحدهم :
مريضٌ ، لا يَصِحُّ ، ولا أبالي كأنَّ بشقهِ ، وجعَ الجُنابِ
(جاء في لسان العرب لابن منظور ج1 ص280 الجناب: ذات الجنب)
البحتري :
كم صحيحٍ قد ادَّعى السُّقمَ فيه وعليلٍ قد ادعَّى البرساما
(ذات الجنب)
مهيار الدّيلمي:
فلا شكروا فضلَ العتابِ فإنَّهُ فضالتُ داءِ الصدرِ، والداءُ يُكظمُ
وما فاضَ حتى ضاقَ عنهُ إناؤهُ وقد يملأُ القَطرُ الإناءَ فَيُفعَمُ
ابن الرومي:
وعزيزٌ عليَّ عَضِّيكَ باللو م ولكنْ أصبتَ صدري بداء
(صعب علي الحاق الضرر)
أنتَ أدويتَ صدر خِلِّكَ فاعذر هُ على النَّفْثِ إنّه كالدواء
لا تلومنّ لائماً وضع اللو م في كنه موضع اللّوماء
الخنساء:
ولا بِسعّالٍ إذا يُجتدى وضاقَ بالمعروفِ صدرُ البخيلِ
(العرب تزعم أن البخيل إذا سئل سعل وتنحنح طلبا للمعذرة)
المتنبي:
كلّ عليلٍ فوقها محتالِ يُمسِكُ فاهُ خشية السُعالِ
دعبل الخزاعي:
كأنكَ بالأضلاعِ قد ضاقَ رَحبُها لما ضُمّنتْ من شدّةِ الزفراتِ
يقول بدر شاكر السياب في قصيدة له بعنوان رئة تتمزق :
الداء يثلج راحتي ، ويطفئ الغد … في خيالي
ويشل أنفاسي ويطلقها كأنفاس الذبال
تهتز في رئتين يرقص فيهما شبح الزوال
مشدودتين لإلى ظلام القبر بالدّم والسعال
واحسرتا ؟! كذا أموت ؟ كما يجف ندى الصباح؟
ما كاد يلمع بين أفواف الزنابق والأقاحي
فتضوع أنفاس الربيع تهز أفياء الدوالي
حتى تلاشى في الهواء كأنه خفق الجناح
كم ليلة ناديت باسمك أيها الموت الرهيب
وودت لا طلع الشروق علي إن مال الغروب
بالأمس كنت أرى دجاك أحب من خفقات آل
راقصن آمال الظماء … فبلها الدم واللهيب
بالأمس كنت أصيح : خذني في الظلام إلى ذراعك
وأعبر بي الأحقاب يطويهن ظل من شراعك
خذني إلى كهف تهوم حوله ريح الشمال
نام الزمان على الزمان به وذابا في شعاعك
كان الهوى وهماً يعذبني الحنين إلى لقائه
ساءلت عنه الأمنيات وبت أحلم بارتمائه
زهراً ونوراً في فراغ من شكاة وابتهال
في ظلمة بين الأضالع تشرئب إلى ضيائه
واليوم حببت الحياة إلي وابتسم الزمان
في ثغرها وطفا على أهدابها الغد والحنان
سمراء تلتفت النخيل المساهمات إلى الرمال
في لونها وتفر ورقاء ويأرج أقحوان
سمراء يانجماً تألق في مسائي ابغضيني
وأقسي علي ولا ترقي للشكاة وعذبيني
خلي احتقار في العيون وقطبي تلك الشفاه
فالداء في صدري تحفز لافتراسك في عيوني
يا موت يارب المخاوف والدياميس الضريرة
اليوم تأتي؟ من دعاك؟ ومن أدراك أن تزوره؟
أنا ما دعوتك ايها القاسي فتحرمني هواها
دعني أعيش على ابتسامتها وإن كانت قصيرة
لا ! سوف أحيى سوف أشقى سوف تمهلني طويلا
لن تطفئ المصباح لكن سوف تحرقه فتيلا
في ليلة في ليلتين سيلتقي آها فآها
حتى يفيض سني النهار فيغرق النور الضئيلا
يا للنهاية حين تسدل هذه الرئة الأكيل
بين السعال على الدماء فيختم الفصل الطويل
والحفرة السوداء تفغر بانطفاء النور فاها
إني اخاف أخاف من شبح تخبئه الفصول
وغدا إذا ارتجف الشتاء على ابتسامات الربيع
وانحل كالظل الهزيل وذاب كاللحن السريع
وتفتحت بين السنابل وهي تحلم بالقطيع
والناي زنبقة مددت يدي إليها في خشوع
وهويت أنشقها فتصعد كلما صعد العبير
من صدري المهدوم حشرجة فتحرق العطور
تحت الشفاه الراعشات ويطفأ الحقل النضير
شيئاً فشيئاً … في عيوني ثم ينقلب الأسير
خليل مطران في قصيدته وفاء يتكلم عن زوج ماتت زوجته بداء الصدر ومات حزناً وراءها :
فقدتك بالداء الذي هو قاتلي فإن ساءنا بالفصل أسعد بالوصل
عليك سلام العاشق المدنف الذي يسير إلى قبر الحبيب على مهل
باحثة البادية:
من مبلغ عني طبيبك أنهُ يفري بمبضعه حشاي وأضلعي
يخبرك صدري بالحقيقة إذ بدا من إثر طعنته السعال مشايعي
فلئن سكتُّ فمن ضرورات الأسى ولئن سعلتُ فزفرةُ المتفجع
ولئن بكيتُ فإنما لتذكري عينيك تفتح بالسنان المشرع
عجباً جفونك دائماً مغموضة وأبيت محصية النجوم الطُّلع
مازلت أرقبها تروح وتغتدي بالليل حتى قد جفاني مضجعي
فاسلم أبي وانظر إليَّ برأفةٍ عيني فداؤك كي أقرَّ ومسمعي
جاء في كتاب عبقريات وأعلام ـ عبد الغني العطري ـ ص44:
“عرف جميل مردم بك أنه كان يصطنع عندما يفاجأ بأمر،سعالاً يستعيده ويكرره،حتى ينفد إلى ما يريد، وقد عُرف ابن مردم بهذا السعال حتى كان موضع تندر إخوانه وخصومه على السواء،ويا طالما دوى هذا السعال في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب أو في المفاوضات مع الفرنسيين أو في غيرها من مشاغل الدولة وتبعات الحكومة،فيبتسم المشاهدون ويعلمون أن ابن مردم يُعِدّ وهو في سعاله من الجواب ما يكون فصل الخطاب”.
قلب الرياضي
عيون الأخبار – ابن قتيبة –كتاب الحرب – باب أخبار الشجعان والعقد الفريد ج1 ص84:
“حدثني عبد الرحمن عن عمه قال: لما غرق شبيب( شبيب الحروري أحد فرسان العرب المشهورين قتله الحجاج)، أُخرج ،فشقّ بطنه ،فإذا مثل الكوز،فجعلوا يضربون به الأرض فينزو كما تنزو المثانة المنفوخة “.
ومثله ما جاء في نفس الكتاب والباب :”حدثني أبو حاتم قال حدثني الأصمعي قال سمعت الحَرسيّ يقول: رايت من الجبن والشجاعة عجباً ،استثرنا من مزرعة في بلاد الشام رجلين يُذريان حنطة ،أحدهما أصيفر أحيمس (ولعله أحيمش دقيق الساقين) والأخر مثل الجمل عِظما ،فقاتلنا الاصيفر بالمذِرْى لا تدنو منه دابة إلا نخس أنفها وضربها حتى شقّ علينا فقتل ،ولم نصل إلى الأخر حتى مات فَرَقاً ،فأمرت بهما فبقرت بطونهما ،فإذا فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة ،وإذا فؤاد الاصيفر مثل فؤاد الجمل يتخضخض مثل كوز من ماء “.
بحة الصوت
خليل مطران :
إن كنت ياصوتي غيرَ راجعٍ فتلكَ والله من الفواجعِ
يابُحَةً بُحِحتُها فأصبحتْ فصاحتي مذبوحةَ المقاطعِ
ألحَّتِ العِلّةِ إلحاحاً على حنجرتي هل من علاجٍ نافعِ
أيرجعُ العهدُ الذي يجري بهِ قولي هنيئاً في فؤاد السامعِ
الشرق بالماء
في المثل:شرِق بالريق،أي ضرّه أقرب الأشياء إلى نفعه.
أبو فراس الحمداني:
قد كنت عدتي التي أسطو بها ويدي إذا اشتدَّ الزمان وساعدي
فرميت منك بغير ما أملته والمرءُ يشرق بالزلال البارد
البحتري:
تداويتُ من ليلى بليلى فما اشتفى بماء الرُّبا من بات بالماءِ يَشْرَقُ
المعري:
فَرُبّما ضَرَّ خِلٌ نافِعٌ أبداً كالرّيقِ يحدثُ منهُ عارض الشَّرَقِ
مهيار الديلمي:
فكم من شرقةٍ بالماءِ تُردي وإن كانت به تُشفى الكروبُ
مهيار:
والماءُ يُشرَبُ تارةً من منهلٍ صافٍ ويُشرَقُ تارةً بأجونهِ
(الكدر)
الطغرائي:
إني لأذكركم وقد بلغ الظما مني فأشرق بالزلال البارد
وأقول ليت أحبتي عاينتهم قبل الممات ولو بيوم واحد
عدي بن زيد:
لو بغيرِ الماءِ حَلقي شرِقٌ كنتُ كالغصّانِ بالماءِ اعتصاري
(قال الأصمعي:هذا من أشرف أمثال العرب . يقول:إن كل من شرق بالماء لا مستغاث له نقلا عن العقد الفريد ج3 ص35)
امرؤ القيس:
وأفلتهن عِلباءٌ جريضاً ولو أدركنه صَفِر الوِطابُ
(جرض بريقه:ابتلعه عن جهد ومشقة . علباء : اسم شخص . صفر الوطاب: قتل الوطاب وهو جمع وطب وهو سقاء اللبن . صفر :فرغ)
محمود سامي البارودي:
قد يَضُرُّ الشئُ ترجو نَفعَهُ رُبَّ ظمآنَ بصفو الماءِ غَص
مَيِّزْ الأشياء تعرِفُ قَدرَها ليست الغُرّةُ من جنس البَرَصْ
الأعرج:
وكنا نستطب إذا مرضنا فصار سقامنا بيد الطبيب
فكيف نجيز غَصّتنا بشئ ونحن نغصُّ بالماء الشريب
أحدهم:
من غَصَّ بالزادِ ساغَ الماءُ غُصّتهُ فكيفَ يصنعُ من قد غَصَّ بالماءِ
رواية:
من غَصَّ داوى بشربِ الماء غُصّتهُ فكيف يصنع من قد غُصَّ بالماء
أحدهم :
ساغَ ليَ الطعامُ وكنتُ قبلاً أكادُ أغَصُّ بالماء القَراحِ
3 ـ بعض الأمراض العصبية والنفسية:
نظرة تشريحية ـ وظيفية:
تقسم الجملة العصبية عند الإنسان إلى:الجملة العصبية المركزية،والمحيطية.
الجملة العصبية المركزية: فتشمل الدماغ،الذي يتوضع ضمن تجويف القحف أو الجمجمة،والنخاع الشوكي الذي يقع ضمن القناة السيسائية من جهة أخرى.ويتألف الدماغ بدوره من المخ والمخيخ وجذع الدماغ.
وأما الجملة العصبية المحيطية: فتشمل 43 زوجاً من الأعصاب المحيطية التي تنشأ من المحور الدماغي الشوكي،لتتوزع في مختلف أنحاء الجسم،ومن هذه الأعصاب يوجد 12 زوجاً من الأعصاب القحفية.وكذلك 31 زوجاً من الأعصاب الشوكية.
ويمكن تقسيم الجملة العصبية المحيطية بالاستناد إلى جهة السيالات العصبية فيها إلى:
1 ـ الألياف العصبية الواردة أو الحسية:وهي تنقل السيالات العصبية من محيط الجسم إلى المراكز الدماغية العليا.
2 ـ الألياف العصبية الصادرة أو المحركة:وتنقل السيالات العصبية من المركز إلى العضلات والغدد.
ويمكن تقسيم الجملة العصبية المركزية فيزلوجياً إلى:
1 ـ الجملة العصبية الجسمية:أو الدماغية الشوكية،أو الإرادية.Somatic nervous system
2 ـ الجملة العصبية الحشوية أو الذاتية أو اللإرادية.Autonomic N S ،وهذه الجملة تنقسم إلى فرعين:
1 ـ الجملة العصبية الودية:Sympathetic:وهذه تتألف من سلسلتين من العقد تتوضعان على جانبي العمود الفقري،وعقدتين تتوضعان أمام الفقرات هما العقدة البطنية Celiac،والعقدة الخثلية أو الشرسوفية Hypogastric.والناقل الكيميائي فيها هو النورأدرنالين.وهي تسبب تقبض الأوعية الدموية،وتوسع الحدقة،وتقلص المصرات في الأمعاء،وتقلص المصرة المثانية،كما أنها تنبع عضلة القلب وتزيد من قابلية التقلص والناقلية.كما أنها توسع القصبات وترخي العضلات الملس في الرحم والقناة الهضمية.
ويعتبر لب الكظر غدة صماء للجملة الودية،ويفرز الأدرنالين والنور أدرنالين،ولهما تأثيراتهما القلبية والوعائية والاستقلابية.
2 ـ الجملة العصبية نظير الودية:Parasympathetic،والناقل أو الوسيط الكيميائي فيها هو الأستيل كولين.ويعمل الأستيل كولين على نمطين من المستقبلات هما:المستقبلات النيكوتينية،والمستقبلات الموسكارينية.
والمستقبلات الموسكارينية توجد في الخلايا الجدارية للمعدة وهي المسؤولة عن إفراز الحامض المعدي.
وتوجد أيضاً في عضلة القلب،وتنبيهها يؤدي لتثبيط فاعلية التقلص في القلب ونقص الناقلية العصبية.
وتوجد أيضاً في الخلايا خارجية الإفراز والغدد العرقية واللعابية وجدران العضلات الملس.
إن الجملة العصبية هي بمثابة الناظم والمشرف على كل حركات الجسم وارتكاساته تجاه العوامل المتبدلة في الوسط الداخلي وتجاه العوامل المتغيرة في الوسط الخارجي.فالألياف الواردة تحمل التعليمات من المحيط الخارجي وبواسطة مستقبلات خاصة بعضها يتحسس من النور أو الضياء كالخلايا العصبية في شبكية العين،وبعضها من الأصوات كما هو الحال في أعضاء كورتي في الأذن الباطنة،أو من الحرارة كما هو الحال من جسيمات روفيني في الأدمة العميقة من الجلد،أو من الضغط كما هو الحال في جسيمات باشيني في الجلد،وتنقلها إلى المركز.وكذلك هناك ألياف تحمل تعليمات من الوسط الداخلي مثل توتر العضلات،أو تمدد الأحشاء،ومنها إلى المركز.
ومن هذه الألياف الواردة وما تحمله يتفاعل المركز وما يحتويه من خلايا عصبية نبيلة تدعى العصبونات،ومن ثم يبعث الأوامر بالحركة أو الإفرازات إلى المستجيبات.والمركز هنا نعني به الدماغ بصورة رئيسية،أما النخاع الشوكي فإنه ليس إلا واسطة لنقل الألياف العصبية من وإلى المركز والمحيط.ولكن النخاع الشوكي في حالات مايسمى الأفعال الإنعكاسية يكون بمثابة المركز الحاكم والمدبر وليس الوسيط الناقل.
الجملة العصبية المركزية:
تحيط بالدماغ ثلاثة أغشية من السحايا:الجافية(Dura mater)،والعنكبوتية(Arachnoid)،والحنون(Pia mater).وهي تتصل مع السحايا المغطية للنخاع الشوكي من خلال الثقبة القفوية.والمسافة تحت الجافية هي فاصل شعري وعائي يفصل الأم الجافية عن العنكبوتية،وتحتوي كمية ضئيلة من سائل مصلي.
تتصل السحايا الموجودة داخل تجويف القحف مع السمحاق العظمي والذي يبطن عظام القحف من الداخل،وإن الأوعية الرئيسية للدماغ تتوضع شعبها الرئيسية في المسافة تحت الجافية،أي مابين السحايا العنكبوتية وسحايا الأم الحنون.
وتتألف الجملة العصبية نسيجياً وخلوياً من بلايين الخلايا العصبية أو العصبونات،وإن كل عصبون يحاط بحوالي عشرة خلايا دبقية،وعلى هذا فإنه يمكننا أن نقدر مدى كثافة النسيج العصبي الخلوية إذا عرفنا أن هناك ما يقارب عشرة آلاف مليون عصبون في الجملة العصبية المركزية تتخلق منذ الشهر السادس عند الجنين داخل الرحم،وهي ثابتة لا تبدي مظاهر الانقسام الخيطي والتكاثر بعد الولادة.
إن للخلايا الدبقية gliall cells،شأن عظيم في النسيج العصبي،فهي كما ثبت تساعد في انتقال المواد الضرورية من الدم إلى العصبون النبيل.
يروى نصف الكرة المخية في كل جانب من الدماغ فروع الشريان السباتي الباطن والذي ينشأ من الشريان السباتي الأصلي خلف زاوية الفك،ويصعد خلف البلعوم ليدخل القحف عبر القناة السباتية،ويمر كلا الشريانين السباتيين عبر الجيب الكهفي خلف السرج التركي،ويتفرع عن كل منهما فوق الجيب الكهفي الشريان العيني،ومن ثم ينقسم كل منهما إلى الشريان المخي الأمامي والمتوسط،ويروى هذا الجهاز الوعائي العصب البصري والشبكية في العين والفصوص الجبهية والجدارية وقسم من الفص الصدغي.
وينشأ الشريان الفقري من الشريان تحت الترقوة ويصعد عبر قناة عظمية في الفقرات الرقبية ليدخل الجمجمة من خلال ثقبة Magnumوينشأ عنه الشريان المخيخي الخلفي السفلي والشرايين الشوكية الأمامية الإنسية.
ويتحد الشريانان الفقريان عند الملتقى الحدبي البصلي ليشكلا الشريان القاعدي .
يروى الجهاز الفقري ـ القاعدي القسم العلوي الرقبي من النخاع الشوكي،وجذع الدماغ ،والمخيخ،والسرير البصري،والجهازين السمعي والدهليزي.
الاستقلاب في الجملة العصبية:
إن معظم احتياجات الدماغ تأتي عن طريق الأوعية الدموية،وإن النسيج العصبي من أكثر الأنسجة نشاطاً،وأنه حوالي 55مل من الدم يستهلك كل دقيقة لكل 100غرام من النسيج العصبي.فإذا قدرنا وزن هذا النسيج بحوالي 1400 غرام فإن حصيل الدماغ يقدر بحوالي 770مل كل دقيقة.
يغادر الدم الدماغ عن طريق الوريد الوداجي،فإذا حسبنا الفرق في كمية الأوكسجين بين الدم الشرياني السباتي والدم الوريدي الوداجي لوجدنا أنه يعادل 6مل من الأوكسجين لكل 100 مل دم.فيكون استهلاك 100 غرام من النسيج العصبي كل دقيقة يعادل 3،3 مل أوكسجين أو ما يعادل 46 مل من الأوكسجين في كل دقيقة لكامل الدماغ.وهذه الكمية تعادل خمس كمية الأوكسجين التي يستهلكها الجسم ككل في نفس الزمن.وعند الأطفال والرضع وحيث يكون وزن الدماغ كبيراً لديهم نسبياً بالنسبة لباقي الجسم فإن الاستهلاك يعادل الخُمسين.
والغلوكوز هو العنصر الضروري الأساسي في توليد الطاقة وتحرير القدرة في نسيج الدماغ،ولذا فإن نقص الغلوكوز كما هو الحال في حالات نقص سكر الدم يسبب اضطرابات واضحة في الدماغ قد تصل إلى الاختلاجات والسبات والوفاة.
تتطلب العصبنات في الدماغ من أجل الاستقلاب امداداً مستمراَ من الغلوكوز يقدر بحوالي 150غرام ومن الأوكسجين حوالي 72لتراً في اليوم.والدماغ ليس قادراً على تخزين هذه المواد ولذلك لا يستطيع العمل سوى دقائق قليلة بعد نقصانها.
يضخ القلب في كل تقلصة حوالي 70 مل في دم الشريان الأبهر ومنه إلى الدوران العام،ويذهب منها حوالي 10 ـ 15 مل إلى الدماغ.
عندما ينقطع الوارد الدموي لمدة 30 ثانية يحدث نقص التروية ويتبدل الاستقلاب،ويمكن أن يتوقف عمل العصبونات بعد دقيقة،ويبدأ انعدام الأكسجة النسيجية بعد خمس دقائق،حيث تحدث تبدلات لا عكوسة مؤدية للإحتشاء الدماغي.
أقسام الدماغ: يتألف من:
! ـ المخ:
وهو أكبر أقسام الدماغ(85% من الدماغ)، ويتألف من نصفي كرة،ويقسم نصف الكرة المخية إلى عدة تلافيف بواسطة أثلام،ولا يمكن رؤية التلافيف والأثلام إلا بعد نزع السحايا عنها.ويمكن القول أن توزع التلافيف والأثلام لا يتشابهان في البشر.كما أن نصف الكرة المخية اليسرى ذو إشراف أكثر من اليمنى ولذا في حالات إصابة هذا النصف الأيسر يشاهد فالج شقي مترافق مع حبسة(أي اضطراب النطق) بينما في إصابة النصف الأيمن لايشاهد إلا الفالج الشقي.والمخ هو المسؤول وظيفياً عن توجيه السمع والنظر واللمس والتفكير والإحساس والكلام والتعلم.
2 ـ مقدم الدماغ الأمامي:أو الدماغ المتوسط:
ويتألف من قسمين:
1 ـ الدماغ المتوسط الداخلي:
وهو يتألف من منطقة المهاد البصري،ومنطقة تحت المهاد.ويقع مابين نصفي كرة المخ ويسمى أيضاً الجهاز اللمبي،وتلعب منطقة ماتحت المهاد أو السرير دوراً كبيراً في الإشراف على الكثير من الفعاليات الجسمية،فهذه المنطقة تسيطر على كافة أنواع الاستقلاب في الجسم،فهي ذات أهمية خاصة في التغذية والاستقلاب،وهي مركز تنظيم الحرارة في الجسم،وهي تشرف على الجهاز القلبوعائي وجهاز الهضم،وهي تشرف على الفص الأمامي من الغدة النخامية،من خلال الدوران البابي ـ النخامي،وتسيطر على الفص الخلفي للنخامى بالطريق فوق البصري ـ النخامي.ولهذه المنطقة دوراً هاماً في حاستي الشهية والعطش،كما أنها تشرف على ضغط الدم،والعاطفة والانفعال،والنوم واليقظة،ولها دورهام في الجنس والبدانة وهذا يفسر لنا الكثير من الظواهر المترافقة مع آفات ما تحت المهاد.وإصابة هذه المنطقة تسبب مايلي:
فقدان الوعي،ولكنه يمتاز بأن المريض يتابعك بالرؤية عند فحصه،واميل للنوم،والبيلة التفهة،واضطرابات الجنس والبدانة.
3 ـ الدماغ المتوسط أو الدماغ المتوسط الخارجي أو مضيق الدماغ:
ويتألف من البصلة،والحدبة،و السويقتان المخيتان،وهما عبارة عن حزمتان من الألياف العصبية.وأهمية مضيق الدماغ:أنها محطة تسير فيها الحزم الحسية والحركية بما فيها الأفعال الانعكاسية البسيطة كالتوازن والقياس،وأنه يحتوي الأعصاب القحفية عدا الأول والثاني،ويحوي التشكلات الشبكية وهي المسؤولة عن الصحو واليقظة.
إن إصابة منطقة مضيق الدماغ تسبب مايلي:
1 ـ فقدان الوعي:على الرغم من سلامة نصف الكرة المخية وذلك لإصابة التشكلات الشبكية التي تقع في الحدبة والسويقتان ولها علاقة مع الصحو واليقظة.
2 ـ إصابة السويقة تؤدي لحول وحشي وذلك لإصابة العصب القحفي الثالث،وفالج شقي مقابل لإصابة الحزمة الهرمية.
3 ـ إصابة السويقة تسبب الحول الإنسي لإصابة العصب القحفي الرابع،والفالج في الجانب المقابل وأحياناً اللقوة المركزية في الجانب الموافق.
إن الفوالج المتصالبة تدل على إصابة مضيق الدماغ،وهي تشترك غالباً مع فقدان الوعي لإصابة التشكلات الشبكية.
4 ـ المخيخ:
وهو يتألف من نصفي كرة.ويقارب حجمه حجم البرتقالة.
5 ـ الحدبة:Pons:تتوضع مابين نصفي كرتي المخيخ.
6 ـ البصلة: Medullaتصل الحدبة مع النخاع الشوكي.
7 ـ الجذع الدماغي: يتكون من الدماغ المتوسط والحدبة والبصلة.
والمخيخ مسؤول وظيفياً عن التوازن عند الإنسان وينسق بين المعلومات الحسية وحركة العضلات.
ولاتظهر اضطرابات المخيخ عند إصابته إلا إذا ترافقت مع وجود حركة إرادية للمريض فلا يمكن الاستدلال على وجود إصابة في المخيخ إذا كان المريض في وضعية السكون وعدم الحركة.وأهم الأعراض والعلامات في إصابة المخيخ:
1 ـ فقدان الاتساق الحركي بين العضلات الباسطة والقابضة وهذا يكشف من خلال مايسمى عملية عد الأصابع
2 ـ عدم توافق الحركات:حيث لايستطيع المريض القيام بتلويح اليدين بشكل سليم.
3 ـ ارتخاء العضلات.
4 ـ وجود المنعكسات النواسية
5 ـ الرنح واضطرابات التوازن والسقوط لجهة الآفة.
6 ـ علامة رومبرغ
7 ـ الرأرأة والرجفان القصدي
وأما إصابة الجملة خارج الهرمية والذي يعتقد أن لها دوراً في المقوية العضلية فإن أهم وعلامات إصابتها:
1 ـ اشتداد المقوية العضلية كما في داء باركنسون،أو على العكس نقص المقوية العضلية كما في داء الرقص.
2 ـ الحركات اللإرادية:وأهم أشكالها:
ـ الرجفان اللاقصدي:كما في داء باركنسون حيث يظهر الرجفان في نهايات الأطراف وخاصة العليا ،مع وجودها أيضاً في اللسان والشفتين.وهي حركات رتيبة منتظمة(عد الدراهم) وقد تزداد شدة عند تناول الطعام.
ـ الرقص:Chorea:حركات سريعة شديدة وفجائية غير منظمة ليس لها غاية.
ـ الكنع:Athetosis:حركات بطيئة تشبه حركات تلوي الأفعى وتوجد في نهاية الأطراف.
ـ رقص الباليه:ويشاهد عند إصابة جسم لويس بحيث تشمل الطرف بكامله وتسبب الإنهاك.
ـ تشنج الالتواء:حركات بطيئة واسعة تشاهد في الجذع غالباً وتظهر أثناء الراحة وتزداد بالحركة(تشبه حركة الملوية)
النخاع الشوكي:
يمتد الحبل الشوكي عند الكهول من المفصل اللقمي الفقهي إلى الحافة العلوية من الفقرة القطنية الثانية،وعند الأطفال حتى الفقرة القطنية الرابعة،وبطول حوالي 43سم وقطر سم واحد.
وأهم أعراض وعلامات إصابة النخاع الشوكي:
1 ـ إصابة الحزمة القشرية ـ الشوكية:تسبب زوال الحركة الإرادية وبقاء الإنعكاسية(وخز الدبوس يؤدي للحركة).
2 ـ تناذر النورون السفلي:ويتظاهر بما يلي:ضعف أو انعدام الحركة أي الشلل،ونقص المقوية العضلية،والضمور العضلي،والرخاوة العضلية،وانعدام المنعكسات الوترية،وبقاء المنعكسات الجلدية،ولاتظهر المنعكسات المرضية،وإصابة المثانة هنا نادر الحدوث.
3 ـ تناذر النورون العلوي:ويتظاهر بما يلي:ضعف أو انعدام الحركة حسب الشدة،التشنج العضلي(علامة الموسى)والضمور العضلي لايشاهد هنا وإن لوحظ يكون متأخراً،واشتداد المنعكسات الوترية،وزوال المنعكسات الجلدية،وظهور المنعكسات المرضية،وإصابة المثانة يشاهد عادة.وتشتد المنعكسات في آفات النورون العلوي إلا في حالة صدمة النخاع،وذلك بالإصابات الحادة الالتهابية أو الرضية ولكنها لاتلبث بعد غيابها أن تعود وتشتد.
ومن أشكال إصابة النخاع الشوكي داء شلل الأطفال والذي ينجم عن إصابة القرون الأمامية للنخاع ويسبب الشلل ولكنه لايترافق مع اضطرابات حسية أبداً.
وتقسم الجملة العصبية المركزية أيضاً بحسب وظائفها إلى:
1 ـ الوظائف الحسية
يقسم الحس في الجسم إلى عدة أقسام:
1 ـ الحس الابتدائي:وهو يشمل حس الألم والحرور:ويأتي من النهايات العصبية المنتشرة في الجلد،ومن ثم تنتقل السيالات العصبية إلى الجذور الخلفية للنخاع الشوكي،ومن ثم إلى الحبل الجانبي للنخاع،وتتصالب في الملتقى الرمادي ومنه إلى الجانب المقابل باسم الحزمة الشوكية ـ المهادية فالشريط المتوسط فالمهاد البصري.ويقال أنه ليس من الضروري أن يكون لحس الألم أو الحرور تواقيع قشرية مركزية مخية.
2 ـ حس اللمس: تنتقل السيالات العصبية من المحيط وتسير من النخاع الشوكي ألياف متصالبة إلى الحبل المقابل الجانبي مع حزمة دجرين،ولكن القسم الأكبر من الألياف تسير مع الحبل الخلفي الموافق مع حزمتي كولد بورداك حيث تتصالب في البصلة ومنه إلى الشريط المتوسط فالمهاد البصري فالقشر الدماغي الحسي المدرك،أي أنه لابد من وجود تواقيع قشرية مخية فيما يتعلق بحس اللمس.
3 ـ الحس العميق:وهو حس المفاصل والأوتار،حيث تنتقل السيالات إلى النخاع الشوكي ومنه إلى حزمتي كولد بوردلك ومن ثم للحبل الخلفي الموافق.
والإصابات الحسية المرضية تقسم إلى عدة أنواع:
1 ـ إصابة العصب كاملاً تسبب فقدان كافة أنواع الحس على طول توزع العصب بالإضافة للإصابة الحركية.
2 ـ إصابة الحبال الخلفية للنخاع الشوكي:وهذا يشاهد خاصة في السهام الظهريTabesويشاهد في الداء الافرنجي أو في حالة التصلب المختلط والذي يشاهد بسبب فقر الدم الخبيث مثلاً،حيث يشاهد هنا زوال الحس العميق أي حس الأوتار والمفاصل وحس الاهتزازVibrationومن الأعراض السريرية المشاهدة هنا:
1 ـ الرنحAtaxia ويشاهد خاصة في الظلام عند غياب منعكسات الرؤية.
2 ـ المشية المهمازية أو مشية العسكر:حيث يرفع المريض ساقه أكثر من اللزوم وينزلها بشدة على الأرض.
3 ـ عدم معرفة وضعية المفاصل:وذلك بعطف الإبهام مثلاً أو بسطه.
4 ـ فقدان حس الاهتزاز
3 ـ زوال حس الألم والحرور:
ويشاهد هذا مثلاً في أورام مركز النخاع الشوكي أو مايسمى تجوف النخاع.فالمريض يصاب بالحروق دون أن يشعر بهاأو يتألم.ويشاهد هنا ما يسمى الفرقان الحسي حيث يزول حس الألم والحرور ويبقى حس اللمس والحس العميق.
4 ـ تناذر براون سكوار:وهو ينجم عن إصابة مايقرب من نصف النخاع الشوكي ويترافق مع:شلل حركي أسفل الإصابة في الجانب الموافق.مع فقدان حس اللمس والحس العميق في الجانب الموافق.وإصابة حس الألم والحرور في الجانب المقابل.
5 ـ فقدان كل أنواع الحس:يدل على إصابة منطقة المهاد أي السرير البصري .
2 ـ الوظائف الحركية:
الأعصاب القحفية:Cranial Nerves
يوجد هناك 12 زوجاً من الأعصاب القحفية وهي:
1 ـ العصب الشمي:Olfactory Nerve:
يتشكل من ألياف عصبية المنشأ تنشأ من الخلايا الشمية في البشرة الشمية لسقف الأنف.وهي ألياف غير مغمدة بالنخاعين ودقيقة جداً،وتنتهي في البصلة الشمية.وإصابته تسبب فقدان الشم أو مايسمى الخشم Ansomnia.ويشاهد هذا غالباً في أمراض الأنف وكسور قاعدة الدماغ،وأورام الفص الجبهي،ورضوض الجمجمة والتهاب السحايا القاعدية المشاهد في السل وداء الإفرنجي.
وعند فحص حاسة الشم يفضل عدم استعمال المواد القوية مثل النشادر لأنها قد تنبه ليس فقط ألياف العصب الشمي بل وأيضاً ألياف من العصب الخامس.
2 ـ العصب البصري:Optic Nerve:
عصب ثخين،اسطواني الشكل،يتألف من ألياف نخاعينية تنشأ من خلايا الشبكية في العين،ويمتد حتى التصالب البصري في الخلف.وبعد التصالب يتكون الشريط البصري وتنتهي الألياف العصبية في ثلاثة مراكز:
1 ـ الجسم الركبي الوحشي:Lateral genicular body:وهو جزء من منطقة المهاد أو السرير البصري،وتنتهي عنده معظم الألياف،ومن هنا تنطلق الألياف بشكل الإكليل المشع Corona radiatio ومنه إلى الفص الصدغي وقسم آخر إلى الفص الجداري لنتهي جميعاً في القشر القفوي.
2 ـ نواة العصب الثالث:وتشكل هذه الألياف الطريق الحسي للقوس الانعكاسية لتفاعل الحدقة تجاه الضوء.
3 ـ الجسيمات الرباعية:Quadra bodies:حيث يوجد مركز تنظيم حركة العينين والرأس.
الآفات التي تصيب العصب البصري:
1ـ إصابة العصب البصري بالذات:تسبب الغمش(ضعف البصر) في عين واحدة،أو الكمنة أي فقد الرؤية في عين واحدة،وفي الكمنة يزول تفاعل الحدقة المباشر للضياء ولكن يبقى التفاعل غير المباشر(بتسليط النور على العين السليمة).
ـ إصابة التصالب البصري:يصاب في الآفات المركزية كأورام الغدة النخامية،ويسبب عمى نصفي صدغي(عمى جانبي وحشي) في العينين.أما في الآفات الجانبية مثل أم دم الشريان السباتي الباطن فتؤدي لعمى نصفي أنفي(عمى جانبي أنسي) لضغط الألياف التي لم تتصالب.
ـ إصابة الشريط البصري:وتسبب عمى نصفي متوافق تماماً.
إصابة التشعع البصري:وتسبب عمى نصفي متوافق ولكن ليس تام.
2 ـ الوذمة الحليمية في العصب البصري:
ولها عدة أسباب:
ـ الكتل داخل ادماغ.
ـ فرط التوتر الشرياني الوخيم.وهو لايكون وخيماً إلا إذا ترافق بوذمة حليمة العصب البصري.
ـ عوائق عود الدوران الوريدي:كما هو الحال في أورام الحجاج،وخثرة الجيب الكهفي،وانضغاط الوريد الاجوف العلوي،وخثرة الوريد الشبكي المركزي.
ـ التهاب العصب البصري خلف المقلة.
ـ أسباب أخرى:فقر الدم الشديد،احميرار الدم،زيادة غاز ثاني أوكسيد الكربون،داء أديسون،قصور جارات الدرق،الحمل،تناول الكلور تتراسيكلين،حبوب منع الحمل،التسمم بالفيتامين A.
3 ـ التهاب العصب البصري:Optic neur:
وهذا يسبب ضعفاً شديداً في البصر ويتجلى بظهور عتمة مركزية(بقعة مظلمة في الساحة البصرية).
ومن أهم أسباب التهاب العصب البصري نذكر:التصلب اللويحي،عوز الفيتامينات B و B12،والتسمم بالنيكوتين،والتسمم بالكحول الميتيلي،وهناك أسباب مجهولة.
4 ـ ضمور حليمة العصب البصري:
ويشاهد بتنظير العين شحوب الحليمة،وله نموذجان:التال لوذمة الحليمة،والبدئي.
وأهم أسباب الضمور:الانضغاط الواقع على العصب أو التصالب أو الشريط البصري.رضوض العصب،العامل السمي:وخاصة الغول الميتيلي،والتهابات العصب،وداء الافرنجي،وعوز الفيتامين B12،ونقص التروية،انسداد الشريان الشبكي،العلل الوراثية،داء الزرق،..
3 ـ العصب محرك العين المشترك: Oculomotor:
هو عصب محرك، يعصب معظم عضلات العين.كما أنه يحتوي أليافاً إنباتية،تعصب مُقبضة الحدقة والقسم الحلقي للعضلة الهدبية.
ومن الناحية التشريحية:يظهر زوجا العصب الثالث في الدماغ المتوسط قرب السويقتين الدماغيتين،ويمر كل منهما بين الشريانين المخي الخلفي والمخيخي العلوي.يخترق العصب الثالث الأم الجافية في نواحي النواتىء السريرية الخلفية ليصل إلى الجيب الكهفي حيث يمر مع العصب الرابع والسادس إلى الوقب عبر الفرجة الوقبية العليا.
4 ـ العصب الاشتياقي أو البكري:Trachlear:
عصب محرك يعصب عضلة واحدة هي العضلة المنحرفة الكبيرة.
ومن الناحية التشريحية:يظهر زوجي العصب الرابع في الناحية الخلفية للدماغ المتوسط(الوحيدان اللذان يظهرا في الناحية الخلفية) بعد تصالبهما على نمط مغاير لجميع الأزواج القحفية الأخرى التي لاتتصالب.ويسير كل منهما مابين الشريانين المخي الخلفي والمخيخي العلوي,ليدخل الجيب الكهفي فالوقب عبر الفرجة الوقبية.
5 ـ العصب مثلث التوائم:Trigeminus
عصب مختلط حسي ـ حركي.ويسمى عصب العضلات والفوهات،يتألف من جذرين حسي وحركي،وهو يعصب تعصيباً حركياً العضلات الماضغة ويعص تعصيباً حسياً الوجه وجوف الحجاج،والفم والحفرة الأنفية.
ينشأ الجذر الحسي للعصب من خلايا عقدة كاسر،ويدخل السطح الجانبي للجسر من منصفه،وإن الألياف التي تحمل سيالات حس اللمس وحس الوضعية تنتهي في نواة كبيرة في الجسر تقع إلى الوحشي من النواة الحركية قرب سقف البطين الرابع،بينما ألياف الألم والحرور فإنها تنتهي في الجذر البصلي الشوكي أو الجذر النازل الذي يسير في الأسفل حتى الشدفة الرقبية الثانية من الحبل الشوكي،وبعد عقدة كاسر فإن العصب يتشعب لفروعه الثلاثة.
أما الجذر المحرك فإنه ينشأ من نواة صغيرة تقع أنسي النواة الحسية الرئيسية،ومن جذر ينشأ من خلايا عصبية مبعثرة حول قناة سلفيوس،وهو يخترق جانب الجسر أمام الجذر الحسي فعقدة كاسر ثم يتمادى مع الفكي السفلي.
وأما شعب العصب الخامس فهي:
1 ـ العصب العيني:
وهو يعصب الملتحمة(عدا ملتحمة الجفن السفلي)والغدة الدمعية،والقسم الإنسي من جلد الأنف وحتى ذروة الأنف،والجفن العلوي وفروة الرأس.
وإصابة العصب العيني تسبب فقدان حس الجلد وحس القرنية مع تبدلات ضمورية في قرنية العين.وزوال منعكس القرنية.
2 ـ العصب الفكي العلوي:Mandibular:
يعصب الوجه أمام الناحية الصدغية والجفن السفلي وملتحمة العين فيه،وجانب الأنف،والشفة العليا،والأسنان العليا،ومخاطية تجويف الأنف،والقسم العلوي من البلعوم،وسقف الفم ومعظم شراع الحنك واللوزة.
وإصابة العصب تسبب فقدان حس ما ذكر،مع فقد منعكس شراع الحنك أحياناً.
3 ـ الفكي السفلي:
وهو الشعبة المحركة من العصب الخامس،يعصب حسياً القسم السفلي من الوجه،والشفة السفلى،والأذن،واللسان والأسنان السفلى،ويعصب نظير ودياً الغدد اللعابية،وحركياً عضلات المضغ.
وإن شلل العصب الخامس كلياً يسبب:فقدان حس نصف الوجه،ومخاطية ذلك النصف والبلعوم الأنفي،مع نقص الإفرازات اللعابية والفموية والدمعية،مع تبدلات ضمورية.أما حس الذوق فيبقى سليماً ولكن نقص الإفرازات اللعابية والفموية يسبب شواشاً في حس الذوق.
وبالنسبة لحس الذوق:
فإن ألياف حس الذوق تسير مع العصب اللساني إلى عصب حبل الطبل فالعقدة الركبية للعصب الوجهي،فالبصلة،وفي حالات نادرة تدخل الألياف الذوقية مضيق الدماغ مع ألياف الفكي العلوي وليس مع ألياف حبل الطبل،فالعصب الوجهي.
وأما ألياف الذوق للثلث الخلفي من اللسان فتسير مع ألياف العصب التاسع.
وإن جميع ألياف حس الذوق تسير معاً مع الحزمة المنفردة فالنواة المنفردة فقدم التلفيف المركزي الخلفي.
وإن فقدان الذوق يشاهد في آفات الألياف المحيطية أو الآفات الحدبية المركزية .
6 ـ العصب المحرك الوحشي للعين:Abducent:
عصب حركي يعصب عضلة واحدة هي المستقيمة الوحشية.
ومن الناحية التشريحية:فإن نواة العصب السادس تقع في الجسر قرب نواة العصب السابع،ويمر هذا العصب في الزاوية الجسرية المخيخية،ومن ثم إلى رأس الصخرة قرب العصب الخامس،ليصل الجيب الكهفي فالوقب عبر الفرجة الوقبية.
آفات الأعصاب المحركة للعينين ونعني بها العصب الثالث والرابع والسادس:
لمحة تشريحية وظيفية:
تقع في الدماغ المتوسط نواتا العصب الثالث والرابع،مع مركزين لتنظيم حركات العينين المشتركة اللإرادية إلى الاعلى والأسفل.
ويقع في منطقة الجسر نواة العصب السادس مع مركزين لتنظيم حركات العينين المشتركة الجانبية اللإرادية.
ويصل مابين هذه النوى والمراكز الأخرى الحزمتان الطولانيتان الأنسيتان.
ويسيطر مركزين في قشري الفص الجبهي في كل ناحية على جميع حركات العينين الإرادية السريعة.
ويسيطر مركزين في قشري الفص القفوي في كل جانب على جميع حركات العينين الإرادية البطيئة.
ويعصب العصب السادس العضلة المستقيمة الوحشية،وهي تحرك العين باتجاه اللحاظ،وإصابة العصب تسبب الحول الأنسي(القَبل).
ويعصب العصب الرابع العضلة المنحرفة العلوية.
ويعصب العصب الثالث ما تبقى من عضلات العين الداخلية والخارجية:أي انحراف العين نحو اللحاظ،وتحرك العين نحو الاعلى بواسطة المستقيمة العلوية،ونحو الأسفل بواسطة المستقيمة السفلى.
أما عند انحراف العين نحو الموق فتتحرك إلى الأعلى بواسطة المنحرفة السفلى،ونحو الأسفل بواسطة المنحرفة العلوية.
كما أن العصب الثالث يعصب رافعة الجفن العلوي والعضلة الهدبية المنظمة لتحدب البلورة لمطابقة الرؤية القريبة،ومقبضة الحدقة بتأثير النور.
يسبب شلل العصب الثالث التام:
الإطراق،توسع الحدقة،الحول الوحشي،شلل عضلات العين كلها عدا المستقيمة الوحشية والمنحرفة العلوية.فتبدو العين متجهة إلى الوحشي والأسفل بتأثير العصب الرابع والسادس.كما أن إصابة العصب الثالث(المحرك المشترك) تؤدي للشفع.وهناك قاعدتان هامتان لتقييم الشفع:
1 ـ يصبح الشفع على أشده حين تحريك العين نحو الجهة التي كانت العضلة المؤوفة تحرك المقلة إليها.
2 ـ الصورة الكاذبة في الشفع هي دائماً إلى الوحشي وتكون عادة أقل وضوحاً من الصورة الحقيقية وتزول بإغماض العين المصابة.
وعلى ذلك فإن الأعصاب الثلاثة الثالث والرابع والسادس يمكن أن تتأثر في آفات على طول مسيرها ونذكر منها بالتفصيل:
1 ـ آفات جذع الدماغ:الوعائية أو الورمية،أو الالتهابية،أو بسبب التصلب اللويحي.
2 ـ آفات السحايا:وخاصة التهاب السحايا:ويصاب بشكل خاص العصب الثالث وبشكل خاص في الداء الإفرنجي والسل،والعصب السادس في التهاب السحايا القيحي.
وكذلك في أورام السحايا،والإفرنجي السحائي الوعائي،والانتقالات السرطانية للسحايا.
3 ـ خثرة الجيب الكهفي:وتنجم غالباً عن انتان وجهي في مثلث الأنف وخاصة بالدمامل،وتسبب شلل الأعصاب العيني ،والأعصاب المحركة للعينين،والجحوظ.
4 ـ آفات العظم الوتدي:
ويصيب عادة الأعصاب المحركة للعين مع أو بدون إصابة العصب البصري،ومن أهم هذه الآفات:انتان الجيب الوتدي،كسور الجمجمة،النزوف،الأورام ولاسيما الأورام السحائية،والورم البلعومي الأنفي.
5 ـ آفات الوقب:وتتأذى الأعصاب في:التهاب النسيج الخلوي والنزوف والأكياس،والأورام الانتقالية ولاسيما من الرئة والكلية والبلعوم الانفي .والأورام البدئية:العرقية والسحائية وورم العصب البصري الدبقي.
6 ـ أسباب أخرى:يمكن للأعصاب المحركة للعين أن تصاب بأمراض أخرى ومنها اعتلال الأعصاب العديد،والداء السكري،والوهن العضلي الوخيم.
7 ـ العصب الوجهي:Facial N:
وهو العصب المحرك لعضلات الوجه،والمسؤول عن إمارات الوجه.وفي نفس الوقت هو عصب حسّي،وإنباتي يحمل أليافاً إفرازية للغدد الدمعية والأنفية وغدة تحت الفك وتحت اللسان والغدد اللسانية المنتشرة على طول اللسان.
تقع نواة العصب الوجهي قرب نواة العصب السادس في الجسر من مضيق الدماغ،ويمر العصب بالزاوية الجسرية المخيخية في طريقه لمجرى السمع الباطن مع العصب الثامن وبالتالي فإن إصابة أحد العصبين تسبب إصابة الآخر،ثم إلى القناة الوجهية في عظم الصخرة حيث يعطي هناك شعبىة لعظم الركابة،ويدخل العقدة الركبية التي تتلقى ألياف حس الذوق من الثلثين الأماميين لنصف اللسان بواسطة عصب حبل الطبل،ويترك العصب الوجهي الجمجمة من الثقبة الإبرية الخشائية ليدخل الغدة النكفية،ويتوزع في عضلات الوجه بما فيها العضلة اللوحية في الرقبة.
تتلقى النواة في الحدبة مجموعتين من الألياف من العصبونات المحركة العلوية في الفص الجبهي،فالأولى تنشأ من القشر الدماغي في الجبهتين وتؤثر في حركة العضلات في القسم العلوي من الوجه،وهكذا فإن آفات العصبونات المحركة العليا في جهة واحدة تؤدي إلى شلل الحركة الإرادية في عضلات القسم السفلي للجهة المقابلة في الوجه دون تأثر عضلات القسم العلوي بسبب التعصيب المضاعف.أما في آفات العصبونات المحركة السفلى فإنها تسبب شلل نصف الوجه بكامله.
ومن الناحية الوظيفية:
فالعصب الوجهي عصب حركي يعصب عضلات الوجه وفروة الرأس كلها عدا رافعة الجفن العلوي،كما يعصب بعض عضلات العنق،كما يحمل ألياف الذوق مع عصب حبل الطبل،وقد تسبب إصابته أحياناً اضطرابات حسية لقربه من صيوان الأذن.
الإصابات:
1 ـ الحدبة:ويصاب معه الأعصاب السادس والخامس والحزمة الشوكية المهادية والهرمية قبل التصالب.
2 ـ الزاوية الجسرية المخيخية: ويصاب معه الأعصاب الثامن والسادس،فيزول حس الذوق في الثلثين الأماميين لنصف اللسان،مع فرط السمع لإصابة عضلة الركابة.
3 ـ القناة الوجهية:يتأذى العصب الخامس أثناء مروره في الأذن الوسطى ويؤدي هذا لنقصان حس الذوق.
4 ـ الثقبة الإبرية الخشائية والنكفة.
5 ـ شلل بل أو اللقوة المحيطية.
8 ـ العصب السمعي:Auditory N:
ويسمى العصب الدهليزي ـ الحلزوني.وهو عصب حسي.يتألف من العصب الحلزوني الذي يأتي بالإحساسات السمعية من الحلزون في الأذن الباطنة،والعصب الدهليزي الذي يأتي بإحساس التوازن من الدهليز والأقنية الهلالية في الأذن الباطنة.
9 العصب البلعومي اللساني:Glossopharangeal:
وهو عصب مختلط حسي ـ حركي.وهو يعصب الغشاء المخاطي للبلعوم وينقل حس الذوق من الثلث الخلفي من اللسان،ويعصب بعض عضلات البلعوم حركياً.
10 ـ العصب المبهم:Vagus:
عصب حركي ـ حسي.وهو عصب حشوي يعصب العنق والصدر والبطن.
11 ـ العصب الشوكي:Spinus
هو عصب للنخاع الشوكي.
12 ـ العصب تحت اللسان الكبير:Hypoglossal
يعصب عضلات اللسان
حس الألم
التعريف:هو عرض شخصي يعبر عنه المريض لفظاً وشعوراً،وهو الذي يدعو المريض في أغلب الحالات لمراجعة الطبيب ليخفف عنه هذا الشعور.
وحس الألم هو عمل دفاعي،وليس هناك علاقة مابين شدة الألم وخطورة العامل المسبب لحدوثه،وليس الألم دوماً عضوي المنشأ،فهناك الألم Painوهناك الشعور بالألم أو التألم Suffering ،فهناك من يشعر بالألم بسبب المعاناة من الوحدة والانعزال،أو بسبب القلق،أو لأسباب نفسية أخرى.
فلسفة الألم:
لم يكن الألم ضمن الحواس الخمس(البصر والسمع والشم والذوق واللمس) التي ذكرها أرسطوطاليس منذ أكثر من ألفي عام،كما أنه ليس الحاسة السادسة التي تحدث عنها البعض حيث يختلف المعنى باختلاف المناسبة.
وقال القدماء بأن الألم ماهو إلا حالة إحساس مضادة لحالة السرور،حيث اعتقدوا أن الطبيعة منذ خلق الإنسان وضعته تحت سيطرة إحدى حالتين:الألم أو السرور.
وفي العصور الحديثة بدأ العلماء يميلون إلى تفسير الألم بأنه ظاهرة فسيولوجية ذات أسباب محدودة،وأن الشعور بالألم إن هو إلا إدراك الإنسان لمؤثر ضار يدفعه إلى التخلص منه بأي وسيلة من الوسائل باستجابة مضادة.
وانطلاقاً من هذا المفهوم برزت في الطب الحديث نظريتان قد تبدوان لأول وهلة أنهما متعارضتان ولكنهما في الحقيقة متكاملتان.وهي:هل الألم ظاهرة صحية مفيدة؟أم أنه ضار بصحة الإنسان؟
1 ـ هل الألم ظاهرة صحية مفيدة؟:
يعتبر العالمان هيلتون وشرنجتون بأن الألم هو الضوء الأحمر الذي ينبه الإنسان إلى خطر يتعرض له،فهو عنصر هام من عناصر الدفاع في الجسم،أوجدها الخالق ليحفظ الكائن الحي من الأسوأ.وكلما كان الألم شديداً كانت الحالة المسببة له خطرة وقاتلة.وبهذا المعنى يصبح الألم مفيداً في معظم الأحيان.
2 ـ هل الألم ضار بصحة الإنسان؟
يقول العالم الطبيب زيجلر بأن اللفظ الاإنجليزي للألم Pain،يشبه في الرسم والنطق كل من الكلمة الفرنسيةPeinوالإيطالية Penuواللاتينيةpoena،وكلها تعني جميعاً في تلك اللغات العقوبة.
فالألم إذن نوع من العقوبة يحكم به على الإنسان مسبباً أضراراً نفسية وبدنية بلبغة،ومن المعلوم طبياً أن الألم إذا استمر فترة طويلة فإنه يتعدى وظيفته الدفاعية ويحدث بالجسم والنفس أضراراً عظيمة تفوق تلك التي نتج عنها.
وحول هذا المضمون كتب جراح الأعصاب الأمريكي ميتشل في نهاية القرن التاسع عشر ولأول مرة عن الألم كمرض بحد ذاته له خصائصه المميزة ويحتاج إلى علاج مستقل،وليس عرضاً يشير إلى مرض دفين يتعين على الطبيب اكتشافه.
وبعد استعراض النظريتين يتضح لنا أن الألم يعتبر ناقوس الخطر الذي يدق،والضوء الأحمر الذي ينبه إلى مواطن الخطر.ولكنه إذا استمر لفترة طويلة وكما هو الحال في الأمراض العضال المزمنة فإنه يصبح في هذه الحالة مصدراً مرضياً بدنياً ونفسياً جديداً وحينئذ يجب على الطبي من علاج الألم كحالة مستقلة إذا اقتضت الظروف ذلك آخذاً بعين الاعتبار المرض المسبب للألم بادىء ذي بدء.
ميكانيكية الألم:
هناك سيالات عصبية موجودة في كل أنحاء الجسم،في الجلد والأعضاء الداخلية على حد سواء،وهي تنقل الرسائل بعد تنبيهها مثلاً من خلال وخز الجلد أو ضربة عصا أو تقلص أمعاء…وهي تنتقل إلى النخاع الشوكي والمراكز الحسية القشرية العليا في المخ.والتي تؤثر وتسيطر في الشعور الواعي.
يبدأ الشعور بالألم من النهايات العصبية المنتشرة في كل أنحاء الجسم،وتسير السيالات العصبية مع الأعصاب المحيطية حتى تصل إلى القرن الخلفي من النخاع الشوكي،ومنها تنتقل إلى الحزمة الشوكية ـ المهادية،ومنه إلى منطقة المهاد ومنه إلى القشر العصبي الحسي الجداري(التلفيف الجداري في المخ).
أما فيما يتعلق بالإدراك الواعي للألم فإنه يتوضع في القشر الحسي الدماغي،وهذا يبدو جلياً في المصابين بآفة في الفص الجداري،فعندما ينبهون بالوخز بالدبوس مثلاً أو بالضغط فإنهم يتألمون ولكنهم لايستطيعون أن يحددوا مكان الألم وطبيعة المنبه الإيلامي.
وهناك نوعان من الألياف الناقلة لحس الألم:فهناك ألياف تنقل الألم بسرعة كبيرة،وألياف بسرعة أقل.فإذا عطلت الألياف ذات النقل السريع بالضغط أو نقص التروية،فإن الألم يصبح حارقاً في الناحية المصابة،وهذا يشاهد مثلاً في التهاب الأعصاب المحيطية حيث تصاب ألياف النقل السريع الكبيرة،أكثر من الصغيرة،فإذا ماخرشنا أخمص القدم أودى هذا لألم بسيط في البدء يعقبه بعد حوالي الثانية ألم شديد ومزعج وطويل الأمد.
وإن آفات النواة المهادية Thalamic nuclus يؤدي لنقص أو فقدان حس الألم في الجانب المقابل من البدن.
المنبهات الألمية:Pain stimuli:
إن الألم الحقيقي ينجم عن وجود أذية نسيجية،كإصابة الجلد (بالوخز أو الحرق أو الرض..).أو إصابة العضلات(التشنج الشديد المديد،التعب العضلي،الهرس…)أو الأعصاب(التهاب ،رض،..)أو العظام وهي بطبيعتها غير حساسة للألم ولكن السمحاق وهو الغني بالتعصيب هو الذي ينقل الألم،أو الأحشاء(وهي بطبيعتها غير متألمة ولكن إصابة النهايات العصبية فيها)والدماغ(وخاصة إصابة الأوعية والسحايا القاعدية).
وأما مايسمى الآلام المسندةReboundفنعني بها وجود الألم في ناحية والآفة في ناحية أخرى.
وينجم الألم عن انطلاق بعض المركبات الكيميائية في منطقة الاذية مثل الهستامين والبرادي كينين وغيرها من المركبات.
أسباب الألم:Causes:
1 ـ الآلام الجذرية والمحيطية:
وهي تنجم غالباً عن الانضغاطات الجذرية ويبدو فيها الألم على توزع الجذر المصاب وخاصة الجذور القطنية ـالعجزية للعصب الوركي.وهذه أهم أسبابها انفتاق النواة اللبية.أو إصابة وانضغاط الجذور الرقبية.
ويتصف الألم بأنه شديد يصفه المريض بالبرق أو اللمعان أو الوخز.وتكون الآلام في حالات نصف الانضغاط أكثر منها في حالات الانضغاط الكامل.
أما الآلام الناجمة عن إصابة الأعصاب المحيطية فتنجم غالباً عن الرضوض أو الالتهاب الفيروسي أو الجرثومي أو بسبب التسمم الغولي أو مصاحبة للداء السكري الوخيم أو بسبب العوز الغذائي وخاصة لبعض الفيتامينات..
2 ـ ألم العصب مثلث التوائم:
وهو من الآلام المجهولة السبب،ويصيب الوجه على مسير فرع أو أكثر من العصب مثلث التوائم،ويشاهد في كل الأعمار،وإن كان يكثر عند من تجاوز سن الاربعين،وله صفات خاصة ومميزة وأهمها:
ـ أنه اشتدادي:يحدث بشكل نوبي،وتستمر النوبة لعدة ثوان،وتتكرر غالباً خلال ساعة،ثم تختفي.وقد تعاود بعد أسابيع أو أشهر.وهو يظهر فجأة ويختفي فجأة.
ـ والألم يكون شديداً يصفه المريض بأنه كالبرق أو لسع الكهرباء،وهذه الصفة تشاهد عند جميع المرضى،وإن عدم وجودها ينفي وجود المرض،وإن كان البعض يصف الألم بأنه كطعنة الخنجر.
ـ يشمل الألم فرعاً أو أكثر من العصب الخامس.
وقد يثار الألم بلمس نقطة الزناد،وهي تقع غالباً قرب جناح الانف،وإذا كانت النقطة في تجويف الفم فإنها تمنع المريض من الأكل والشرب والكلام.
والألم وحيد الجانب في معظم الحالات.
3 ـ الألم الحارق:Causalgia
وهو تناذر خاص ينجم عن رض الأعصاب المحيطية بشكل جزئي،وخاصة العصب الوركي في الطرف السفلي والعصب المتوسط في الطرف العلوي.ويتظاهر بألم شديد جداً لا يعنو للمورفين،ويثيره أقل شىئ،ويترافق مع قصة رض حاد،واضطراب الحس،وبعض الأعراض الودية الذاتية حيث يكون الطرف مبللاً بالعرق وبارداً.
4 ـ الآلام المعندة: Intractable:
وتنجم عن إصابة غير قابلة للشفاء وخاصة في الحالات السرطانية.
5 ـ الألم المهادي: Thalamic:
وهو ينجم غالباً عن إصابة وعائية(خثرة أو صمامة) في منطقة المهاد،وخاصة إصابة الشريان المخي الخلفي،ويترافق الألم مع فقدان نصف الرؤية ،فإذا كانت الآفة في المهاد الأيسر حصل عمى في النصفين الأيمنين للعينين،وقد ينجم عن إصابة الفروع الثاقبة للشريان المخي المتوسط والخلفي،وأحياناً بسبب ورمي.
ويكون الألم شقياً يصيب نصف الوجه ونصف البدن،ولكنه ليس حاداً بشكل البرق أو اللمعان،وإنما كليلاً Dull،يشبهه المريض بدبيب النمل أو الشعور بزقزقة البدن عندما يفتح أحدهم الباب.ويرافقه نقص الحس.
من الناحية الأدبية:
يقول الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد (المجموعة الكاملة ـ ج25 ـ ص351) تحت عنوان:”الألم واللذة”:
“أما أن الألم موجود في هذه الدنيا فمما لا يختلف فيه اثنان،وأما أنه كثير فوق ما تقبل النفوس فمما لا يختلف فيه إلا القليل.وأما أنه نافع أو غير نافع ومقدم للحياة أو مثبط لها فذلك ما يختلف فيه الكثيرون.
ورأىي في هذا الخلاف أن الألم ضرورة من ضرورات الحياة وحسنة من حسناتها في بعض الأحيان وحالة لا تتخيل الحياة الإنسانية بدونها على وجه من الوجوه.
ويتابع:”إن أردت حياة لا ألم فيها فأنت تريد إحدى حياتين:فإما أن تكون وحدك في هذا الوجود وهذه حياة لا يتخيل العقل كيف تكون ولو تخيلها لما أطاق احتمالها.وكيف ونحن نرى أن الأديان الكبرى كلها تعلمنا أن الله خلق الخلق ليعرفه غيره بعد أن كان ولا شىء سواه؟فإذا كانت النفس البشرية لا تقوى على أن تتصور إلهاً منفرداً بالوجود فكيف تراها تطيق الحياة وحدها أو تعتد هذه الحياة المتوحدة غايتها وأمنيتها من السعادة والخلو من الألم؟
وأما أن يكون معك في الوجود غيرك على أن لا تحس به أو على أن لا يصدمك من هذه الاشياء صادم ولا يقابلك منها ماترى أن بينه وبين حياتك اختلافاً وفرقاً،وهذه هي أشبه الحالات”بالنيرفانا” البوذية أو هي الموت بذاته في صورة غير صورته المعهودة.
ولست أفترض لهاتين الحياتين حياة ثالثة إلا أن يتمنى المتمني أن تسره الأشياء الأخرى التي تصادمه في هذا الوجود فلا يكون إلا مبتهجاً بها راضياً عن جميع حالاتها،وهذا كالجمع بين المتناقضات لأن من سره قرب شىء ساءه البعد عنه ومن أرضاه أن يدرك أملاً أغضبه أن يحرمه،فإمّا حياة متشابهة من جميع الجوانب فيستوي فيها الخير والشر والحسن والقبيح بل لا يكون فيها خير ولاشر ولا حسن ولاقبيح،بل لا يكون فيها شىء تتمناه لأنك لاتحرم فيها شيئاً،فكيف تكون هذه الحياة هي رضى النفس وأمنيتها التي نتمناها؟وإما حياة تختلف جوانبها ففيها النقيض ونقيضه وفيها حينئذ مايسر وما يسوء وما يلذ وما يؤلم.
وخلاصة هذه الفروض أن النازل عن الألم نازل عن ذاته أو حياته في هذا العالم،وأن العقل الإنساني لن يستطيع أن يتخيل حياة مبرأة من الآلام وإن كان يتمناها أحياناً”.
الجنون
من الناحية الطبية:
الجنون:Madness هو عدم القدرة على السيطرة على العقل،أو هو مجموعة من السلوكيات الشاذة التي تميز أنماط من السلوك الشاذ،يقوم بها الأشخاص بدون وعي وإدراك.ورغماً عن إرادتهم.
وله أشكال عديدة ومنها
1 ـ الهوس Mania:ويتمثل بامتلاك الشخص المصاب درجة عالية من الطاقة والمزاج،وهو أحد أعراض الاضطراب ثنائي القطبBipolar،ويتميز بالأعراض التالية:امتلاك طاقة عالية،وفرط التفكير،وسهولة التشتت والانزعاج،وعدم النوم،والقلق النفسي الشديد،والانفصال عن الواقع،والشعور الشديد بالابتهاج(ايفوريا)،وسرعة الكلام.
2 ـ الوُهام:Delusion:ويتمثل بامتلاك الشخص المصاب لأفكار ومعتقدات راسخة،لاتمثل الواقع على الرغم من وجود أدلة تنفي هذه الأفكار.
ومن أهم الأعراض سرعة الغضب،والمزاج السىء،والتهيج،والهلوسات المرتبطة بالوهم الذي يعيشه المصاب مثل سماع أو رؤية أو الإحساس ببعض الأشياء غير الحقيقية.
3 ـ الخرف أو العته:Dementiaويترافق مع اضطراب في الذاكرة،والتواصل والتركيز،واضطراب الأكل ونقصان الوزن،وسلس البول،وتغيرات سلوكية.
وجاء في مقال للدكتور أسعد الحكيم نشره في مجلة المجمع العربي في دمشق بعنوان”ماهية الجنون وتاريخه”:
الجنون في اللغة العربية:
الجنون في اللغة الاستتار.وجن الشىء إذا استتر.وأجن الليل الشىء إذا ستره.والمجنون من الناس من كان مستور العقل.وقد أطلق العرب كلمة الجنون على جميع الآفات النفسية على اختلافها وتنوعها،فقالوا:الجنون فنون،ولا يخلو العاقل من ضرب من الجنون.
فالجنون والحالة هذه كلمة عامة أطلقها العرب على جميع الأحوال النفسية الشاذة.والمجنون عندهم كل من أصيب في نفسه فلم يأتلف مع البيئة عقلاً أو فعلاً أو انفعالا.وهذا أقصى ماوصل إليه العلم الحديث في تعريف الجنون في العصر الأخير.
وتتألف حياة الإنسان من أفعال عضوية حسية وحركية،ومن أفعال نفسية،منها العقل.وأهم عناصره:الذاكرة،والانتباه،والإدراك،والشعور،والقياس،والحكم.ومنها الفاعلية ومن عناصرها الإرادة.ومنها الانفعالية ومن عناصرها العواطف والشهوات والميول.
وكما أن الأفعال العضوية تختلّ وتمرض،كذلك يعتري الأفعال النفسية تغير،منه النقص،ومنه الازدياد المرضي،ومنه الفساد.فإذا نقص عقل المرء يصبح معتوهاً أو أبله أو أحمق،وإذا نقصت إرادته يصير موسوساً قلقاً وهن النفس،وإذا نقصت انفعاليته يمسي مجذوباً لا يبالي ولا يكترث بأمر من أمور الحياة.وكذلك يقال في ازدياد هذه الأفعال،فإذا وقع الاحتداد في الأفعال العقلية يصبح المرء نشطاً كثير الكلام سريع الجواب شديد الحركة لا يستقر على حال.يتحرش بالناس أشبه به(بزنبرك)الصندوق الحاكي إذا أفلت من عقاله،يكثر لفظه ويقل معناه.وإذا حصلت الحدة في الفاعلية يمسي صاحبها سريع الغضب بطاشاً متعجرفاً أزور.ويولد فرط الانفعالية:أنواع الخوف وشدة التأثر والهستريا.أما فساد هذه الأفعال فينشأ عنه الهذيان وأنواع الجرائم وسوء الخلق على تنوعه.
تلك هي الحالات النفسية الشاذة التي تطلق عليها كلمة الجنون.وقد جعل بعض الكتاب العبقرية أو النبوغ من أقسام الجنون بدعوى أنها زيادة في الأفعال العقلية،وهذا خطأ فادح،لأن الزيادة المقصودة في هذا البحث هي الزيادة المرضية التي تشبه سرعة حركة الصندوق الحاكي عندما يفلت زنبركه.
إن تاريخ الأمراض النفسية والمصابين بها مرتبط من حيث التطور العلمي والاجتماعي بتاريخ البشرية العام ارتباطاً محكماً يصح معه أن يقال:إن تاريخ الجنون والمجانين هو تاريخ العلم والاجتماع والعكس بالعكس.وعلى هذا يمكننا القول:إن أرقى عصور البشرية علماً هي التي عرفت ماهية الجنون وإن أبهى أيام البشرية حضارة هي التي عومل فيها المجنون معاملة المرضى بالرأفة والشفقة والإحسان.
الجنون والمجانين عند العرب:وهنا ننتقل إلى تلك الدهناء القاحلة لنشاهد المجنون يهيم في فلولتها على وجهه ولا رادع ولا زاجر،ثم لنراه ممسوساً ومن حوله الكهان والعرافون.وعليه التمائم والطلاسم،وأمامه النار يتصاعد منها دخان العود والند،يعزمون بها على الجني ليخرجوه من ذلك الجسم الضعيف،ثم لنبصره في مستشفيات بغداد ودمشق ومصر وقرطبة مضطجعاً على فراش من القطن اللين في ردهة يتنازع جوها الهواء والنور،وأمامه الرازي وابن سينا ومهذب الدين عبد الرحيم وابن زهرة وغيرهم ومن حولهم الخدام والمشارفون يتعهدونه بأنواع الأشربة المسكنة والمرطبة،ويغذونه بمرق الدجاج وأنواع الألبان بينا الموسيقى تصدح خلفه بألحانها الشجية.ثم لنلحظه وقد تحولت تلك المصحات إلى مجازلا مظلمة مكبلاً كالوحش الضاري بالسلاسل والأغلال عاري الجسد تنهال عليه زبانية العذاب بالسياط كلما تململ أو صاح والناس من حوله يقهقهون ويسخرون.
كان العرب في عصر جاهليتهم يعتقدون كسائر الأمم القدية بأن الجنون شيطاني فيعالجونه بالرقى والتمائم والنذور والسحر والعزائم،وقد طل هذا الاعتقاد سائداً عندهم حتى الصدر الأول من الإسلام.فقد جاء في شعر مجنون بني عامر:
وجاؤا إليه بالتعاويذ والرقى وصبوا عليه الماء من ألم النكس
وقالوا به من أعين الجن لحظة ولو عقلوا قالوا به أعين الأنس
وقد كان يقوم بمهام هذه الصناعة الكهان والعرافون،وكانوا يطلقون كلمة الجنون على جميع الآفات النفسية حتى على العشق،وينعتون بالجنون كل من يخالفهم لافي عاداتهم فيجىء بما ينكرون،ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يؤذون مجانينهم بغلهم وتعذيبهم بل كانوا يطلقونهم يهيمون على وجوههم حيثما شاؤا فيعترضهم الصبية يسخرون بهم ويضحون منهم كما هي الحال اليوم في كثير من المدن الشرقية.
ثم لما أضاء الإسلام بصائرهم ضربوا في طول الأرض وعرضها فقوضوا عروش القياصرة والأكاسرة وأسسوا في هنة من الزمن مملكة عظيمة ذات حضارة ومدنية رفيعة لم تسبقهم إلى مثلها أمة من الأمم.واتجهت أبصارهم إلى العلوم الطبيعية والعقلية فألفوها مهجورة منبوذة تفتك في صحفها عوامل الإهمال والنسيان،فاتجهوا إليها بكليتهم واستخدموا في سبيل جمعها وإحيائها كل ما أوتوه من سلطان شامخ،ومال زاخر،ومجد باذخ،فنبتت بذور العلم القاحل ثمة تزهو بألوان عربية جديدة في جميع الممالك الإسلامية،وشيدت فيها المستشفيات الواسعة الأرداء ودور الحكمة والصيدليات ومجالس الأدب والمناظرة.وعاد الطب النفسي إلى سيرته اليونانية الرومانية الأولى فعرف الناس أن الجنون مرض كسائر الأمراض الجسمية،وأن مركزه الدماغ،وعالجوه بالأدوية والتدابير الصحية والعوامل الطبيعية والتلقين،وجعلوه فرعاً من فروع الطب ممتزجاً بفرع الجهاز العصبي كما هو عليه اليوم،وأدخلوه المستشفيات العامة،وخصصوا له فيها غرفاً خاصة كانوا يسمونها غرف الممرورين،وألفوا في بعض أبحاثه كتباً خاصة.قال ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء:”شاهدت يوماً شيخي مهذب الدين عبد الرحيم في البيمارستان النوري في دمشق،وقد دخل قاعة الممرورين فرأى فيها رجلاً مصاباً بالمرض المعروف بالمانيا وهو الجنون السبعي فوصف بأن يضاف إلى ماء الشعير في وقت إسقائه إياه مقدار متوفر من الأفيون،فصلح ذلك الرجل وزال مابه من تلك الحال”.وذكر أيضاً:أن الطبيبموفق الدين عبد اللطيف البغدادي كتب مقالة في المزاج ومقالة في الرسام ومقالة في العلة المراقية.وأن جبريل بن بختيشوع شفى جارية للرشيد كانت مصابة بشلل هستريائي بصدمة نفسية.وقال أبو القاسم النيسابوري في كتابه عقلاء المجانين:دخلت البيمارستان في البصرة فشاهدت في المجانين الخ.. مما يدل دلالة واضحة على أنه كان يوجد في المستشفيات في ذلك العهد غرف خاصة بالامراض النفسية،وعلى إدراك الأطباء ماهية الجنون وعدم تفريقهم بينه وبين سائر الأمراض الجسمية من حيث الماهية،وعلى اهتمامهم بدرسه ومعالجته بالطرق العلمية الفنية مما لم يوفق الطب الحديث إلى مثله إلا منذ بضع سنين،هذا بالنظر لبلوغ الممالك الإسلامية في ذلك العهد درجة رفيعة في الحضارة والمدنية اللتين من لوازمهما النظام والامن لم يعد من الممكن ترك المجانين مطلقين يطوفون في المدن كما كانوا عليه في الزمن السابق وكما هو عليه اليوم في البلاد الشرقية،وذلك لما يظهرون به من المظاهر المخالفة للحشمة والآداب العامة،ولما يأتونه من الأعمال المخلة بالانظمة والإدارة والمقلقلة لراحة الناس،فأمر المنصور العباسي بأن تبنى لهم دور خاصة يحجر عليهم فيها منعاً لأضرارهم والإضرار بهم،فشيدت في كل بلد من البلاد الإسلامية دار للمجانين.
وقد نبغ في الطب في هذه الدور في البلاد الإسلامية أطباء عظام خلد التاريخ ذكرهم منهم الشيخ الرئيس ابن سينا والرازي وابن زهر وغيرهم.
ومن ثم أصاب المسلمين ما أصاب غيرهم من الاختلاف والتشعب في الطرق والمذاهب والتي كان من نتائجها السيئة انصراف الناس عن العلم واشتغالهم بالبدع،ونذكر من ذلك العود إلى الاعتقاد بأن الجنون روحاني أو شيطاني والأخذ بمعالجته بالطلاسم والحجب والتمائم والرقى والعزائم وغير ذلك مما حمل الغربي في العصر الأخير على القول بأن الإسلام ينظر إلى المجاذيب كأولياء مقدسين،بينما هذا الظن فاسد يدحضه على ما أتينا على ذكره مما كان عليه الجنون والمجانين عند المسلمين وخلفائهم في صدر الإسلام.
هذا وإن تاريخ الحضارة الإسلامية يطلعنا على أن الإسلام لم يهمل العناية بالمجانين البتة،ففي العصور التي كانت تعد فيها الأمراض النفسية في أوربة ناشئة عن أسباب فوق الطبيعة كانت معارف الأطباء العرب الذين ورثوا الطب اليوناني صحيحة صريحة فيما يتعلق بهذه الأمراض،ويرجح أن فكرة إسعاف المجانين قد انتقلت أخيراً إلى العالم المسيحي بواسطة الملاجىء التي أوجدها المسلمون في اسبانيا.
من الناحية الفقهية والدينية:
هو اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهجه إلا نادراً.
وجاء في مقال ماهية الجنون للدكتور أسعد الحكيم:
الجنون والشرع الإسلامي:
للشريعة الإسلامية فضل السبق على سائر الشرائع القديمة والحديثة بوضع أحكام للمجانين مطابقة لروح العدل والعلم والاجتماع على اختلاف الزمان والمكان.فهي تنزل المجنون في الحكم وفي المعاملات منزلة الصغير غير المميز أو المميز أحياناً حسب نوع جنونه ودرجته.وتقضي على السفيه والفاسق اللذين يعدهما العلم الحديث من المنفوسين بالحجر محافظة على أموالهم.وتحدد درجات المحجورين والمأذونين منهم وتعرفهم وتبين أنواعهم وتفصل أحكامهم بالنسبة لأنواع التصرفات مما لم تتوفق إليه الشرائع المدنية الحديثة إلا في القرن الاخير.فالمجنون في الشرع الإسلامي غير مكلف وهو محجور لذاته.وتصرفات المجنون في حال إفاقته كتصرف العاقل.(انتهى الكلام)
ومن أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم:”اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سىء الأسقام“[أخرجه أبو داود وأحمد واللفظ لهما والنسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه الألباني].
والجنون:هو فقدان العقل وعدم التمييز،فلا يفقه ولايفهم ولا يُدرك التكاليف.
والجنون:هو استتار العقل وزواله.وهو على درجات.
فالعقل هو مناط التكليف،وبه يعبد الإنسان ربه،وبه يتدبر ويتفكر في خلائق الله تعالى،وفي كلامه العظيم،فذهاب العقل هو ذهاب بالإنسان.والمجنون مرفوع عنه القلم،والناس ينفرون منه،لأن تصرفاته تجري على غير قصد أو حكمة أو منطق.
من الناحية الأدبية:
جاء في المستطرف للأبشيهي ص21: الحمق: قال ابن الأعرابي : الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت ،فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر من الأمور .
ومن صفات الأحمق: ترك النظر في العواقب،وثقته بمن لا يعرفه ،والعجب،وكثرة الكلام،وسرعة الجواب ،وكثرة الالتفات،والخلو من العلم ،والعجلة ،والخفة ،والسفه،والظلم، والغفلة ،والسهو والخيلاء . إن استغنى بطر،وإن افتقر قنط ،وإن قال أفحش ،وإن سئل بخل وإن سأل ألح ،وإن قال لم يحسن،وإن قيل له لم يفقه ،وإن ضحك قهقه، وإن بكى صرخ .
وممن يضرب بهم المثل عيّ باقل، وحديثه مشهور،وهو أنه اشترى ظبياً بأحد عشر درهماً ،فمرّ بقوم فقالوا له : بكم أخذت الظبي ؟ فمد يديه وأخرج لسانه ،يريد بأصابعه عشرة دراهم ،وبلسانه درهماً ،فشرد الظبي حين مدّ يديه وكان الظبي تحت ابطه ،فجرى المثل بعّيّه ،وقيل أشدّ عِياً من باقل كما قيل أبلغ من سحبان وائل (ثمار القلوب الثعالبي ص127).
عبد الحميد أديب والمارستان:
رعاك الله “مارستان”مصر فإنّكَ دار عقل لا جنون
حويتَ الصابرينَ على البلايا ومن نزلوا على حكم السنين
ومن هبطوا بهم من صَرْح عزٍّ إلى أغلال إذلال وهُون
تراهم خائفين .. فإن أثيروا بمهزلةٍ فآسادُ العرين
وإن سئلوا عن الأسرار كانوا كمن أخذوا عن الروح الأمين
ورُبّ مهرج منهم بقولٍ يُريكَ الجد في ثوب المجون
فإن يغضب بقارصةٍ تباكى فأبكى العين بالدمع الهتون
يعذبه عبادك كل يومٍ ويصلى الضيم حيناً بعد حين
احدهم:
وإن النوك للأحساب داء وأهون دائه داء العياء
أحدهم:
إيه ياليل لو دعيت نجائي حين يسري ولو رثيت لما بي
الهواجس وتأنيب النفس والظنون والشك
طه حسين يتحدث عن نفسه بصيغة الغائب :
“كان يرى نفسه إنساناً من الناس،ولد كما يولدون ،وعاش كما يعيشون ،يُقسّم الوقت والنشاط فيما يقسمون فيه وقتهم ونشاطهم،ولكنه لم يكن يأنس إلى أحد ،ولم يكن يطمئن إلى شئ ،قد ضرب بينه وبين الناس والأشياء حجاب ظاهره الرضا والأمن وباطنه من قبله السخط والخوف والقلق واضطراب النفس في صحراء موحشة لا تحدها الحدود ولا تقوم فيها الأعلام ولا يتبين فيها طريقه التي يمكن أن يسلكها ،وغايته التي يمكن أن ينتهي إليها”.
حافظ ابراهيم:
رمَيتُ بها على هذا التبابِ وما أوردتُها غيرَ السرابِ
(يقصد نفسه)
وما حَمّلتها إلا شقاءً تقاضيني به يومَ الحسابِ
جنيتُ عليكِ يا نفسي وقبلي عليك جنى أبي فدّعي عتابي
فلولا أنهم وأدوا بياني بلغتُ بك المُنى وشفيتُ ما بي
سعيتُ وكم سعى قبلي أديبٌ فآبَ بخيبةٍ بعد اغترابِ
وما أعذرتُ حتى كان نعلي دماً ووسادتي وجهَ الترابِ
وحتى صيرتني الشمسُ عبداً صبيغاً بعدما دبغَتْ إهابي
وحتى قَلمّ الإملاقُ ظُفري وحتى حَطَّمَ المقدارُ نابي
جميل صدقي الزهاوي:
طالت عليَّ الهواجس ليلتي هل بالصباحِ لليلتي إيذان
ادركت غيدان الشباب فلم يدم ذاك الشباب وذلك الغيدان
لا بدّ من يوم على كره به تتفارق الأرواح والأبدان
عمر أبو ريشة:
يؤرقني الماضي فأنشر طِرسَهُ وألسنةُ الآلامِ تُقراُ في الطرْسِ
وأهجسُ والأشباحُ تعتامُ ناظري فيرتدُّ إشفاقاً فأقصرُ من هجسي
وأزجرُ دمعي أن يثور وزفرتي فلا دمعتي تسلي ولا زفرتي تُنسي
تغرُّ ابتساماتي عيونَ أخي الهوى وخلف ابتساماتي جراحٌ من البؤسِ
طلعتُ على الأيامِ والطُهرُ حارسي يحوك على عِطفيَّ جلبابه القدسي
وضَجَّ باعطافي الغرورُ فلم ألِنْ لصرخةِ ولهانٍ تَمخَّضُ باليأسِ
كنرجسةٍ في الحقلِ تلثمُ ساقها ثغورٌ من الأزهارِ طيبة الغرسِ
ولكنها ، والكبرياءُ تهزّها أبت أن ترى في غيرها رفعة الجنسِ
حنتْ رأسها كيما تُقبِلُّ ظِلّها غروراً، فماتت وهي محنيّةُ الرأسِ
ولما رأيتُ الدهرَ ازبدَ فَكَّهُ وكَشَّرَ عن أنيابِ منهرتٍ طَلْسِ
صحوتُ فلم أبصر حواليَّ راحماً يُخفف من بؤسي ويطردُ من تعسي
وألقتني الأقدارُ في كفٍ أرعنٍ كما قبضتْ كَفُّ البخيلِ على الفَلْسِ
يَبثُّ لي النجوى فيطربني بها فأبني من الآمالِ أساً على اُسِ
يَهشُّ لها الراي فترقص حولَهُ فيلقمها الأعشابَ بالأنملِ الخمسِ
فما اكتنزتْ حتى تَخَطَّفَ عنقها بقبضةِ ذي حقدٍ ومديةِ ذي مسِّ
فدوى طوقان في المعري(الرسالة العدد 579):
أما زلت تسعى وراء اليقين فينأى به عنك عقل عسر
ظللت مدى العمر في أسره وما قاد يوماً إلى مستقر
فكم حيرتك خبايا الغيوب وأورثك الشكُّ سودَ الفكر
لقد فلسفتك حياة ألحت عليك بآلامها والغير
حياةٌ تمرُّ على جانبيها فهذا يُسئُّ وهذا يَسُرُّ
طوت عنك وجه بشاشاتها وأولتك وجهاً لها مكفهر
فأقفر قلبك وهو الخصيبُ وعاف الرّفاه وعاف الأشَر
عذرتك،ما أنصفتك الحياة فكيف يطيب لديها العمر
وكيف يروق،ولا نفسَ تهفو فتحنو عليك بقلب أبر ّ
الوساوس
من الناحية الطبية:
الوسواس المرضي:وله عدة أشكال أبرزها الوسواس القهري وهو اضطراب نفسي يشعر فيه المصاب أن فكرة معينة تلازمه دائماً وتحتل جزءاً من الوعي والشعور لديه وذلك بشكل قهري.أي أنه لا يستطيع التخلص أو الانفكاك منها،
وهو كذلك فكرٌ متسلط وسلوك جبري يظهر بتكرار لدى الفرد ويلازمه ويستحوذ عليه ولا يستطيع مقاومته،رغم وعيه بغرابته وعدم فائدته.
من الناحية الدينية:
إن الوساوس تصيب الناس كثيراً ومنهم أيضاً المسلمون،وقد اعترت بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه قائلين:إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: “وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم،قال: “ذلك صريح الإيمان“[رواه مسلم].وفي بعض الروايات قال النبي صلى الله عليه وسلم:”الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة”.[صحيح ابن حبان].
وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا،حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته”[صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه]
وهناك فرق كبير بين وساوس الشيطان التي تخطر على قلب العبد وهي غير مؤثرة في إيمانه،وبين الشك والريب الذي يذهب باليقين ويضر بالإيمان.
يقول الشيخ أبو محمد ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه”ذم الوسواس”:ثم إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان حتى اتصفوا بوسوسته،وقبلوا قوله وأطاعوه،ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته”.
والشيطان حريص على الكيد لأهل الإيمان بالوسوسة لهم والتلبيس عليهم،قال الله تعالى:{قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم*ثمَّ لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}[الأعراف 16 ـ 17].ولكن الله تعالى يقول:{إن كيد الشيطان كان ضعيفاً}[النساء 76].
إن ذكر الله تعالى يعد من أعظم الأساليب التي يلجأ إليها من يعاني من الوسوسة{الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكرِ الله تطمئنُّ القلوب}[الرعد 28].
وذلك بالأذكار المستحبة والمواظبة عليها في الصباح والمساء وقبل النوم فإن الذكر هو الحصن الحصين الذي يهرب منه الشيطان.
والإكثار من تلاوة القرآن.وخاصة سورة البقرة وخاصة آيات الكرسي والمعوذات.وخواتيم سورة البقرة وآل عمران.
والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
عن أبي العلاء أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً،قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عني“[صحيح مسلم].
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله في “إغاثة اللهفان”:لاريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس:فأهله قد أطاعوا الشيطان ولبوا دعوته،واتبعوا أمره ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
والإكثار من عمل الطاعات والعبادات كالصلاة والصيام،والصدقات،والإكثار من الدعاء.يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”صنائع المعروف تقي مصارع السوء،وصدقة السر تطفىء غضب الرب،وصلة الرحم تزيد في العمر“[رواه الطبراني وقال الألباني: حسن لغيره].
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:”فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله وفعله،وليعزم على سلوك طريقته،عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم،وأن ما خالفه هو من تسويل إبليس ووسوسته،ويوقن أنه عدو له لا يدعوه إلى خير:{إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}[فاطر 6].
د . يوسف القرضاوي-الموقع –مقالة العدالة الإلهية والتفاضل في الأرزاق:
“المؤمن ،قد تعرض له وساوس ،وقد تهجس في نفسه هواجس،ولكنه إذا كان صاحب إيمان ويقين وكان موفقاً من الله عز وجل ،سرعان ما تزول تلك الوساوس وتختفي الهواجس ويعود إليه منطق الإيمان ونور العقيدة القويمة .. والاطمئنان”.
من الناحية الأدبية:
الجوهري صاحب تاج اللغة :
وُسوِسَ أبو نصر الجوهري صاحب تاج اللغة والصحاح في أخر عمره فصعد إلى سطح الجامع في نيسابور وشدَّ إلى ذراعيه مصراعي باب ثم قذف بنفسه من سطح الجامع محاولاً أن يطير ولكنه سقط فمات سنة 398هجري(1008م) في الأرجح (عمر فروخ ج2 ص616)
شوقي:
لا تثبتُ العين شيئاً أو تحققه إذا تحيَّرَ فيها الدمعُ واضطربا
والصبحُ يُظلمُ في عينيك ناصعُهُ إذا سدلتَ عليه الشكَّ والرّيبا
خليل مطران يصور عاشقاً توهم انه مصاب بالداء الذي ماتت به حبيبته (الديوان ص100-101):
عَفاءً لهذا العيشِ مالي ومالَهُ وقد ساءَ عندي ما يَمُرُّ وما يُحلي
أأخشى لقاءَ الموتِ والموتُ مُنقذٌ وأحرِصُ في الدنيا على الضَّيمِ والغلِّ؟
عدمتُ إذاً قلبي ولو كانَ وافياً تلقى الرّدى كالخِلِّ يأنسُ بالخِلِّ
ولكنَّ بي داءً ألانَ عريكتي وأوهنَ من عزمي وأضعفَ من نُبلي
تواصلني الحُمّى وتُو شِكُ نارُها تأجَّجُ في وجهي وفي …… تُصلي
ورأسي مصدوعٌ وصدري ضائِقٌ وجسمي كشخصٍ قائمِ الرّسمِ
وقلبي مسموعُ الخفوقِ مُعَلّقٌ بِمنهدَمِ الأركانِ أجوفَ مُعتّلِّ
ورَقّتْ حواشي مهجتي وتلّطفتْ بعيني مألوفاتها حينَ أستجلي
أرى خَللَ الأشياءِ رَسْمَ مُطَّحٍ به الغيبُ عني في بعيدٍ من السبلِ
شِهابٌ اُنيرَ العمرَ حتى لقائه بآثارهِ الغرّاءِ في القلبِ والعقلِ
حبيبةُ قلبي إن تكوني سَبقتني فحزني لم يُسْبَقْ وما للهوى مثلي
فقدتكِ بالداءِ الذي هو قاتلي فإن ساءنا بالفصلِ ،أسعدَ بالوصلِ
كأني من قبلٍ بلوتُ عذابهُ وأنتِ التي عاينتهُ بكِ من قبلِ
فيا عهدَسعدي حين كنتِ بجانبي ويا عُمراً أبقيتِ للحزنِ والثُّكلِ
ويا شمسَ قبرٍ صار مطلعَ نُورِها ومغرِبَ صُبْحٍ قد تَحجَّبَ بالرملِ
عليكِ سلامُ العاشقِ المُدنَفِ الذي يسيرُ إلى قبرِ الحبيبِ على مهلِ
المجنون :
فقالوا: أمجنون؟ فقلتُ: موسوس أطوفُ بِظهرِ البيدِ قفراً إلى قفرِ
فلا ملك الموت المريح يريحني ولا أنا ذو عيش ولا أنا ذو صبرِ
عبيد بن أيوب :
لقد خفت حتى لو تمر حمامةٌ لقلت عدو أو طليعة معشر
وخفت خليلي ذا الصفاء ورابني وقالوا فلانٌ أو فلانة فاحذر
فمن قال خيراً قلتُ هذا خديعةٌ ومن قال شراً قلت نصحٌ فشمر
فأصبحتُ كالوحشي يتبع ما خلا ويترك موطوء البلاد المدعثر
أحدهم :
لقد خفت حتى كل نجوى سمعتها أرى أنني من ذكرها بسبيل
وحتى لويت السر من كل صاحبٍ وأخفيته من دون كل خليل
إيليا أبو ماضي:
أيها المشتكي وما بكَ داءٌ كيف تغدو إذا غدوتَ عليلا
إنَّ شرَّ النفوسِ نفسٌ يؤوسٍ يتمنى قبلَ الرحيل الرّحيلا
وترى الشوكَ في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا
والذي نفسهُ بغيرِ جَمالٍ لا يرى في الوجودِ شيئاً جميلا
وإذا ما أظلَّ رأسكَ هَمٌ قَصِّرِ البحث فيه كيلا يطولا
أيها المشتكي وما بك داءٌ كُنْ جميلاً ترَ الوجودَ جميلا
عصاب الخوف
من الناحية الطبية:
العصاب:Neurosis هو نوع من أنواع الخوف الذي يؤدي إلى اضطراب في الشخصية والتوازن النفسي.وهو اضطراب عصبي وظيفي غير مصحوب بتغير بنيوي في الجهاز العصبي.ترافقه في كثير من الأحيان أعراض هستيريا،وحصر نفسي،وهواجس مختلفة.
ومريض العصاب لا يعاني من الهلوسة أو من فقدان الصلة مع الواقع.وسلوك الأشخاص الذين يعانون من العصاب هو سلوك عادي وطبيعي.
ويعاني الشخص المصاب بالعصاب غالباً من الاكتئاب والخوف وغياب الشعور بالعواطف والأحاسيس،والقلق والوساوس.
وعصاب الخوف:هو خوف مرضي شاذ ودائم ومتكرر ومتضخم مما لا يخيف عادة،ولا يعرف المريض له سبباً.
وعصاب الخوف قد يكون عاماً غير محدد،وهمياً أو غير حسي،كالخوف من الأماكن المفتوحة،ويبدو في خوف المريض من البقاء في أماكن مفتوحة،فإذا ما دخل منزلاً فإنه لا يستريح إلا إذا أغلق الباب،وإذا جلس في غرفة فإنه يظل قلقاً حتى تغلق منافذها،وهناك ناس آخرين على العكس يخافون من الأماكن المغلقة،وهناك من يخاف من الأماكن المرتفعة،أو الخوف المرضي من رؤية الدم،أو الخوف من بعض أنواع الحيوانات المنزلية كالقطط،أو الخوف من الطيران أو ركوب البحر…
من الناحية الأدبية:
جاء في ثمار القلوب للثعالبي ص160:” عبد الله بن حازم السُّلَمي كان والي خُراسان لعبد الله بن الزبير ،ومن عجيب أمره أنه كان نهايةً في الشجاعة والنجدة ،وكان يخاف الفار أشدّ مخافة ،فبينما هو ذات يوم عند عبد الله بن زياد إذ أَدخلَ عليه جُرذاً أبيض، فتعجب منه ،فقال لعبد الله : يا أبا صالح ،هل رأيت أعجب من هذا؟ وإذا عبد الله قد تضاءل كأنه فرخ، واصفّر كأنه جرادة ،فقال عبيد الله : أبو صالح يرضي الرحمن ويتهاون بالسلطان ،ويقبض على الثعبان ،ويمشي إلى الأسد الوَرد، ويلقى الرماح بوجهه ،والسيوف بيده ،وقد اعتراه من جرذٍ ماترون ! أشهد أن الله على كل شئٍ قدير”.
ابن الرومي ورهاب ركوب البحر :
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كُلِّ مجتنىً من الشوكِ يزهد في الثمارِ الاطايبِ
فأصبحتُ في الإثراءِ أزهد زاهدٍ وإن كنتُ في الإثراءِ أرغبُ راغبِ
حريصاً جباناً أشتهي ثم أنتدي بلحظي جناب الرزق لحظ المراقبِ
تنازعني رغب ورهب كلاهما قوي وأعياني اطّلاع المغايبِ
فقدّمتُ رجلاً رغبة في رغيبةٍ وأخرتُ رجلاً رهبة للمعاطبِ
أخافُ على نفسي وأرجو مفازها وأستأن غيب الله دون العواقبِ
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي ومن أين والغايات بعد المذاهبِ
ومن نكبةٍ لا قيتها بعد نكبةٍ رهبتُ اعتسافَ الارضِ ذات المناكبِ
وصبري على الإقتار أيسرُ محملاً عليَّ من التغريرِ بعد التجاربِ
لقيتُ من البرّ التباريحَ بعدما لقيتُ من البحرِ ابيضاضَ الذوائبِ
سُقيتُ على ريٍّ به ألفَ مَطرةٍ شفعتُ لبغضيها بحُبِّ المجاوبِ
وأبعدُ أدواءِ الرجالِ ذوي الضنى من البرءِ داءُ المستطبِّ المكاذبِ
وأما بلاء البحر عندي فإنَّهُ طواني على روع من الروح واقبِ
فلو ثابَ عقلي لم أدع ذكر بغضه ولكنّهُ من هوله غير ثائبِ
وكيفَ ولو ألقيت فيه وصخرة لوافيت منه القعر أول راسبِ
ولم أتعلم قطّ من ذي سباحة سوى الغوص والمغلوبِ غير مغالبِ
وأيسرُ إشفاقي من الماء أنني أمرُّ به في الكوزِ مرَّ المجانبِ
وأخشى الردى منه على نفس شاربِ فكيفَ بأمنيه على نفس راكبِ؟
وهناك عصاب الخوف من مواجهة الناس ومخاطبتهم يقول أحدهم يعيب خطيباً:
ملئٌ ببُهرٍ والتفاتٍ وسُعلةٍ ومَسحةِ عُثنونٍ وفتلِ الأصابعِ
لحيم بن حفص :
نعوذ بالله من الإهمال ومن خطيب دائم السعال
الأخطل:
وإذا تَبوَّعَ للحِمالةِ لم يكنْ عنها بِمنبَهرٍ ولا سَعالِ
بشار يهجو خطيباً:
ومن عجب الأيام أن قمت ناطقاً وأنت ضئيل الصوت منتفخ السحر (الأوداج)
الحطيئة يصف بخيلاً:
تشاغل لما جئت في وجه حاجتي وأطرقَ حتى قلت: قد مات أو عسى
فقلت له: لا بأس ،لست بعائد فأفرخ تعلوه السمادير ملبسا
(افرخ:ذهب روعه . السمادير : ما يتراءى للمرء من رؤى حين يشتد به السُكر او المرض)
ابن دريد في المقصورة وهذا من الغلو في القول:
مارستُ مَنْ لو هوت الأفلاكُ مِنْ جوانب الجوَّ عليه ما شكا
(يقول الكرمي صاحب قول على قول ج6 ص112 “قيل إن الله ابتلاه بسبب هذا البيت بمرض كان فيه يخاف الذئب ان يقع عليه)
الانعزالية والميل للوحدة
من الناحية الطبية:
العزلة هي حالة من الإنعزال بمعنى عدم التواصل مع الناس،ولها أسباب عديدة:
فقدان الأحباء،العلاقات السيئة مع الناس،بعض الأمراض،اضطرابات نفسية،أو بسبب ظروف العمل.
فكثير من الاشخاص يميلون إلى العزلة والانطواء ويعود ذلك إلى مراحل الطفولة المبكرة،وهناك من يميلون للعزلة لأنهم لايجدون الصاحب المناسب أو الصديق الذي يتواصلون معه،وهناك من يميل للعزلة بسبب وجود مشاكل عائلية وخاصة على مستوى الآباء والأمهات،والبعض بسبب بعض المشاكل العاطفية،….
وهناك فرق بين العزلة والوحدة،حيث أن العزلة قد يشعر معها الشخص بالسعادة لكونه بمفرده،والوحدة تترافق مع الألم كون الشخص لوحده.
وهناك أشخاص يميلون للعزلة وغالباً المؤقتة من أجل التأمل أو التفكير ببعض الأمور والمسائل .
والعزلة التامة غالباً ماتترافق مع القلق،وإذا كانت لفترة طويلة فإنها تسبب إلى الاكتئاب.
ولذا كان من شروط السجن القاسية الحبس الإنفرادي،لما فيه من أثرمؤلم على الشخص المعاقب.
وقد تكون العزلة أحد أشكال بعض الأمراض النفسية.
من الناحية الدينية:
إن العزلة المقبولة في الإسلام هي التي يعيش صاحبها مرحلة من التأمل والتفكير،وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حراء قبل البعثة بثلاث سنوات،وكان تحنثه صلى الله عليه وسلم شهراً من كل سنة،وهو شهر رمضان.فكان يقيم في الغار ويقضي وقته في العبادة والتفكير والتأمل.
وهناك كثير من الأشخاص يلجؤون إلى العزلة المؤقتة من أجل التفكير والتأمل،ويتخذونها فترة للعبادة،يقول سعيد بن المسيب:”العزلة عبادة” فالعزلة خير من جليس السوء،ولكن الجليس الصالح خير من العزلة.
ولكن الإسلام يحض على معاشرة الناس وتحمل أخطائهم وأن لايتخلى الإنسان عنهم إلا بشروط معينة.
من الناحية الادبية:
أبو القاسم الشابي:
ليتَ لي أن اعيش في هذه الدنيا سعيداً بوحدتي وانفرادي
أصرف العمر في الجبال،وفي الغابات بين الصنوبر الميَّادِ
ليس لي من شواغل العيش ما يصرف نفسي عن استماع فؤادي
ارقبُ الموتَ،والحياةَ واُصغي لحديث الآزال والآبادِ
واُغني مع البلابل في الغاب واُصغي إلى خرير الوادي
واُناجي النجومَ والفجرَ والاطيارَ والنهرَ والضياء الهادي
عيشةٌ للجمالِ ،والفن ،أبغيها بعيداً عن اُمتي وبلادي
لا اُعنّي نفسي بأحزان شعبي فهو حيٌّ يعيش عيشَ الجمادِ
وبحسبي من الآسى ما بنفسي من طريفٍ مستحدَثٍ وتلادِ
وبعيداً عن المدينة والناسِ بعيداً عن لغو تلك النوادي
فهو من معدن السخافة والإفكِ ومن ذلك الهراء العادي
اين هو من خرير ِ ساقية الوادي وخفقِ الصدى وشدو الشادي
وحفيف الغصون نمقّها الطّلُّ وهمسُ النسيم للأورادِ
هذه عيشةٌ تقدسها نفسي وأدعو لمجدها واُنادي
ابراهيم ناجي:
يا وحدتي جئت كي أنسى وهائنذا مازلت أسمعُ أصداءً وأصواتا
مهما تصاممت عنها فهي هاتفةٌ يا أيها الهاربُ المسكينُ هيهاتا
جَرَّتْ عليّ الأماني من مجاهلها وجَمعَّتْ ذِكراً قد كنَّ أشتاتا
ما أسخفً الوحدة الكبرى وأضيعها إذا الهواتف قد أرجعن ما فاتا
بَعثن ما كان مطوياً بمرقدهِ ولم يزلنً إلى أن هبَّ ما ماتا
تلفّتَ القلبُ مطعوناً لوحدته وأين وجدتهُ؟ باتت كما باتا
حتى إذا لم يجد رَيّاً ولا شبعا أفضى إلى الأملِ المعطوب فاقتاتا
محمود حسن اسماعيل:
اتركوني وعزلتي يابني الطي نِ فإني في حماكم غريبُ
أنا صمتها صلاةٌ .. فخفوا واهجروا أرضها ، فأنتم ذنوبُ
واتركوني بظلها أتغنى فغنائي لما جرحتمُ طبيبُ
أنتم الهَمُّ في دمى، وهي الفر حة ، والصفو ، والمنى والحبيبُ
الصرع
من الناحية الطبية:
هو مجموعة من الاضطرابات العصبية التي تنتج عن اضطراب الإشارات الكهربائية في خلايا المخ وتتميز بحدوث نوبات متكررة.
وتعريف الصرع:هو وجود نوبات تتصف بما يلي:
1 ـ فقدان الوعي:أو على الأقل اضطراب الوعي وذلك حسب نوع النوبات الصرعية وشكل الصرع.
2 ـ نوبات اشتدادية:Paroxysmal:أي تحدث بشكل فواصل،ليست متساوية الفترات مابين النوب،وهذه النوب تحدث فجأة ،وتسبب سقوط المريض.
3 ـ اختلاجية:Convulsion:ولكن الاختلاج ليس عرضاً واسماً في كل أشكال الصرع.
4 ـ فجائية الحدوث:تصيب المريض فجأة وبدون سابق إنذار.
وأهم أشكال وأنواع الصرع:
1 ـ الصرع الكبير:Grand mal:
تبدأ النوبة هنا عادة بحدوث مايسمى النسمة Auraفي البدء،ونعني بها إحساس المريض بأنه سوف يصاب بالنوبة،وهي تشاهد عند بعض المرضى وليس كل المرضى.وتبدأ النسمة عادة برؤية السمادير(الذباب الطائر أمام العين)أو رؤية مايشبه اللهب،أو قد يحس المريض بوجود ثقل في الشرسوف،أو شم رائحة خاصة أو خدر ،ثم يسقط فجأة.
وتمر النوبة الصرعية هنا بثلاثة مراحل:
1 ـ الدور المقوي:Tonic Phase:حيث يسقط المريض على الأرض بحالة تشنج(يبوسة في الجسم)ويدوم هذا الدور حوالي 30 ـ 60 ثانية،ويترافق مع ازرقاق سحنة المريض،ويمكن للمريض في هذا الدور أن يعض لسانه.
2 ـ الدور الارتجاجي:Clonic:ويدوم 30 ـ 60 ثانية،ويترافق مع اختلاجات معممة،يتوقف فيها التنفس وتستمر زرقة الجسم،ويمكن للمريض أن يصاب في هذا الدور بفلتان المصرتين.
3 ـ دور السبات:Coma:حيث تتوقف الاختلاجات ويأخذ المريض نوماً عميقاً،ويبدو التنفس الثقيل الجهدي،بالإضافة إلى الإزباد وذلك بسبب تراكم اللعاب في البلعوم في الدور المقوي.
ومن ثم يعود المريض إلى حالته الطبيعية،ولايذكر المريض شيئاً مما حدث له أثناء النوبة ولكنه قد يتذكر أعراض النسمة.
2 ـ الصرع الصغير:Petit mal:وهذا يصيب في معظم الحالات الأطفال الصغار وله عدة أشكال:
ـ الغيبوبة:Abscence:وهذا الشكل الأكثر شيوعاً ويتصف سريرياً بتوقف فجائي في الوعي وفي الحركة،فإذا كان الطفل يلعب أو يتكلم توقف فجأة عن اللعب أو الكلام،ويبدو عليه الشحوب،وجحوظ العينين(يحدق بنظرة شاخصة)وينعزل عن المحيط تماماً وقد يسقط،ولاتستمر النوبة إلا عدة ثوانٍ وغالباً لاتتجاوز الثلاثين ثانية،ويمكن للطفل أن يبدي أثناء النوبة بعض حركات البلع،أو حركات في الفم والشفتين(يتلمظ)
ـ الاختلاج العضلي الوحيد:في هذه الحالة يصاب المريض باختلاج لمرة واحدة فقط(كأنه أصابته النقزة)ولايسقط الطفل ولكن يسقط مافي يديه.
ـ الاختلاج الكتلي أو نوب السلام:حيث يبدي الطفل حركات تشبه التي يقوم بها النبلاء(حركة التشريفات)وهذا الشكل من أسوأ أنواع الصرع الصغير.
ـ والشكل الرابع:يسقط الطفل فجأة ولكنه سرعام ماينهض بسرعة(كأنه طبّ)وهؤلاء الأطفال غالباً ماتشاهد لديهم كدمات في الرأس.
3 ـ النوب النفسية الحركية:Psychomotor:وتشاهد عند الكبار والصغار،حيث يصاب المريض بالشرود ويتيه في الارض،ويمتاز المرضى أثناء النوب أنهم سريعو الغضب ويمكن أن يرتكب بعض الجرائم.
والسبب غالباً غير معروف،وفي بعض الحالات بسبب أورام الدماغ،أو التهابات المخ ونقص التروية الدموية،أو بسبب بعض الأمراض الخلقية والوراثية.
ومن المشاهير الذين أصيبوا بالصرع نذكر:الاسكندر الأكبر،وهانيبال،ويوليوس قيصر،والملك لويس الثالث عشر،و القيصر بطرس الأول ونابليون بونابرت،والملك شارل الخامس،والرئيس تيودور روزفلت،والفيلسوف سقراط،وأرسطو،والفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه،والرياضي فيثاغورث،والمكتشف اسحق نيوتن،والمخترع ألفريد نوبل،والكاتب إدجار الان بو،والكاتب تشارلز ديكنز،والكاتب الروسي دوستوفسكي،والرسام فنسنت فان جوخ…
من الناحية الدينية:
عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما:ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟فقلت:بلى،قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع،وإني أتكشف،فادع الله تعالى لي،قال:“إن شئتِ صبرت ولك الجنة،وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك” فقالت:أصبر،فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف،فدعا لها“[متفق عليه]
أبان بن عثمان : أصيب بالصرع وهو ابن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه،ومات أبان بن عثمان بالمدينة المنورة عام 105هجري (دائرة المعارف الإسلامية)
صالح بن عبد القدوس وقيل صالح بن جناح اللخمي:
المرءُ يُصْرَعُ ثم يُشفى داؤُه والحمقُ داءٌ ليسَ منه شفاء
الفالج والشلل
من الناحية الطبية:
الفالج أو الشلل الشقي أو النصفيHemiplegia:هو حدوث خذل أو شلل في الجانب الأيمن أو الأيسر من الجسم.وله أسباب عديدة وأهمها الحوادث الوعائية الدماغية:مثل النزوف الدماغية،أو حالات نقص التروية الشديدة الدماغية،وخاصة في حالات التصلب الشرياني الدماغي ،أو بسبب الخثرات أو الصمامات الوعائية الدماغية،وفي حالات أخرى لأسباب رضية،أو بسبب التهابات السحايا أو خراجات الدماغ أو أورام الدماغ….
والفالج والشلل يدخل تحت نطاق مايسمى الحوادث الوعائية الدماغية،وهي من النادر أن تشاهد في النخاع الشوكي،وإنما تشاهد في الدماغ.وتقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الخثرة الشريانية: Thrombosis
ونعني بها من الناحية التشريحية المرضية وجود تصلب شرياني عصيدي داخل أحد الشرايين،وهذه تتميز بوجود كثافة تزداد تدريجياً ومع تقدم العمر.وأكثر ماتشاهد هذه الخثرات في الشريان السباتي،والشريان المخي المتوسط،والشريان المخي الأمامي،والشريان الفقري.ولا يمكن أن تشاهد الخثرة إلا بوجود شريان مصاب بالتصلب العصيدي مسبقاً.
وقد تكون العصيدة الوعائية بسبب مرض كالداء السكري،أو داء الافرنجي،وهنا قد تشاهد الإصابات في المراحل الشبابية من العمر،وبأقل عشر سنوات من العصيدة الشريانية لأسباب أخرى.
وتشكل الخثرات الشريانية حوالي 80% من الحوادث الوعائية الدماغية.
ويمكن أن تقسم الخثرة من حيث الأدواء التي تمر بها إلى:
1 ـ الخثرة بدون وجود أعراض واضحة.
2 ـ الخثرة في طريق التكون:حيث لاتشاهد الأعراض أثناء الراحة ولكنها تشاهد أثناء الجهد وهو مايسمى العرج المتقطع.
3 ـ الخثرة الكاملة:وتسبب الأعراض حسب توضع الانسداد الشرياني.
2 ـ الصمامة الوعائية:Embolus
وهي تشاهد في أكثر من 90% من الحالات بسبب أمراض قلبية وأهمها ثلاثة أمراض:
!1 ـ الرجفان الأذيني:
2 ـ التضيق التاجي.
3 ـ الاحتشاء القلبي الحديث.(خلال أسبوعين)
ومن الاسباب الأخرى النادرة:التهاب الشغاف الانتاني الحاد أو المزمن.
3 ـ النزوف الدماغية:يتميز النزف الدماغي إجمالاً بشكلين:
1 ـ نزف تال لتصلب الشرايين مضافاً إليه ارتفاع التوتر الشرياني،ولايمكن البتة أن يحدث نزيف ضمن بارانشيم الدماغ إلا بوجود عصيدة شريانية مضافاً إليها فرط التوتر الشرياني.
2ـ أسواء تشكل خلقية:وهذه تشاهد غالباً عند الشباب وأهم أسواء التشكل نذكرمنها:
1 ـ أمهات الدم: وهي إما كيسية توتية الشكل وتصادف غالباً في مسبع فيلليس ،أو مغزلية وهي دوماً انتانية وتتوضع خاصة في الشريان المخي المتوسط وفروعه.
2 ـ الناسور الشرياني الوريدي،أو الورم الوعائيAngioma
وأعراض النزيف الشرياني الدماغي:
إذا حصل مايسمى النزيف تحت العنكبوتي:فإن المريض إذا عاش بعد الإصابة يذكر أنه أحس بصداع شديد يترافق مع فقدان الوعي،ولايدوم فقدان الوعي إلا عدة دقائق إذا كان النزيف في منطقة غير هامة من الدماغ.ويتلو الصحو صداع شديد جداً ومميز،ومن ثم تبدو علامات التهاب السحايا العقيم بصلابة النقرة وارتفاع الحرارة.
إن النزيف ضمن بارانشيم الدماغ هو مميت غالباً،وذلك بسبب انضغاط مضيق الدماغ وهو لايحدث باكراً ولكن غالباً بعد 48 ـ 72 ساعة،ولاتكون الوفاة آنية إلا إذا انفتح النزيف على البطين الجانبي أو المسافة تحت العنكبوتية ويحدث مايسمى الطوفان البطيني.
أما النزيف تحت العنكبوتي فتكون الوفاة بنسبة 35% بعد الإصابة مباشرة،وتصل إلى 66% في نهاية الشهر الأول لإمكان معاودة النزيف.
أعراض التوضع وأهم التناذرات الشريانية:
1 ـ تناذر الشريان السباتي الباطن:
ومن تفرعاته الشريان المخي الأمامي والمتوسط والشريان العيني.ونسبة حدوثه حوالي 20% من الحوادث الوعائية الدماغية.
وفي حال كون الانسداد مزمناً قد لاتبدو أعراض الإصابة وخاصة إذا لم يكن هناك أسواء تشكل في مسبع فيلليس،وذلك بسبب وجود الدوران الجانبي المعاوض،لأنه يمكن أن يشاهد الدوران الجانبي المعاوض عن طريق الشريان الاشتراكي الخلفي لنفس الجانب.وأما الفوالج التي لاتتحسن بها الأعراض فهي التي يوجد بها أسواء تشكل وعائي في الشريان الاشتراكي الأمامي في هذه الحالة.
وفي بعض الحالات يترافق الانسداد المزمن مع وجود أعراض نوبية مثل الفالج الوجهي العضدي أو الفالج الوجهي الفخذي العارض،وقد تحدث نوبات من العمى العارض في عين واحدة.
وأما في الانسداد الحاد فإن الأعراض تبقى دائمة وهي غالباً:فالج شقي كامل(نصف وجه والطرف السفلي والعلوي)،مع فالج حسي كامل،ووجود حبسة حسية وحركية كاملة(إصابة منطقة بروكا والتلفيف الصدغي)،مع عمى بعين واحدة كامل لإصبة الشريان العيني،ونصف العين المقابل لإصابة التشعبات البصرية في الفص الصدغي.
2 ـ تناذر الشريان المخي الأمامي:Anterior cerebral A:
يسير هذا الشريان على الوجه الإنسي لنصف كرة المخ ولايغذي إلا قسماً صغيراً من نصف كرة المخ وهو يتوافق مع تروية المنطقة الحركية لمراكز حركة الطرف السفلي.وعلى هذا فإن انسداد الشريان يسبب فالجاً شقياً تكون إصابة الرجل فيه أكثر من الطرف العلوي،وعلى العكس فإن انسداد الشريان المخي المتوسط تكون إصابة الطرف العلوي أشد من الطرف السفلي.ويمكن أن تشاهد اضطرابات حسية وبصورة خاصة في الطرف السفلي المقابل،وليس هذا الاحتشاء شائعاً لأن الدوران الجانبي عبر الشريان الاشتراكي الأمامي كاف لتوعية الجانبين.
3 ـ تناذر الشريان المخي المتوسط:Middle cerebral A:
إن المنطقة التي يغذيها هذا الشريان أكثر المناطق عرضة للاحتشاء.
وكقاعدة عامة:إن وجود فالج شقي مقابل إصابة الطرف العلوي فيه أكثر من السفلي حسياً وحركياً يدل غالباً على إصابة الشريان المخي المتوسط.وإصابة تلفيف بروكا يؤدي للحبسة الحركية في النصف المسيطر،وإصابة الناحية الصدغية أو الجدارية يسبب الحبسة الحسية أيضاً،فوجود الحبسة الحركية والحسية معاً يدل على إصابة الشريان المخي المتوسط،مع فقدان نصف الساحة البصرية الموافق في الجهة المقابلة.
4 ـ تناذر انسداد الشريان المخي الخلفي:
يغذي هذا الشريان الفص القفوي والنوى القاعدية والقسم الأكبر من المهاد والنواة الحمراء،وإصابته تسبب عمى نصفي متوافق في الجهة المقابلة للآفة،ووجود حركات لا إرادية،ووجود تناذر المهاد بفقد الحس والحرور الموافق مع الألم الشديد المهادي.(أهم صفات العمى القشري أن المريض لايدرك أنه أعمى وينفي بشدة أنه أعمى).
5 ـ احتشاء مصيق الدماغ:
وهو لايشاهد بنفس الكثرة التي يشاهد فيها احتشاء نصف كرة المخ.ووجود الفوالج المتصالبة يدل على احتشاء مضيق الدماغ.وله عدة أشكال:
ـ احتشاء السويقة:ومن أهم تناذراته تناذر ويبر:إصابة العصب الثالث الموافق للآفة مع فالج شقي مقابل.
ـ احتشاء الحدبة:وخاصة بإصابة الشرايين الجانبية المتوسطة للشريان القاعدي ومن أهم تناذراته:تناذر ميلار ـ كوبلر:شلل العصب السادس والسابع الموافق مع فالج شقي مقابل.
ـ احتشاء البصلة:ويترافق مع 1 ـ تناذر ويليس:انحراف اللسان وإصابة شراع الحنك وعسرة البلع مع فالج مقابل.
2 ـ انحراف اللسان لإصابة العصب الثاني عشر القحفي،وإصابة شراع الحنك لإصابة نواة العصب العاشر،وإصابة نواة العصب الخامس مع حدوث فقد حس نصف الوجه،ومع إصابة النواة الدهليزية ويحدث هنا الرأرأة والدوار واضطراب التوازن،وإصابة العصب السمعي وحدوث الطنين،وهذا كله ينجم عن إصابة الشريان المخيخي الخلفي السفلي.أو مايسمى تناذر والدنبرغ،بالإضافة لتناذر كلود برنارد هورنر.
3 ـ تناذر الشريان المخيخي الخلفي العلوي:وتحدث فيه إصابة نواة العصب السابع والخامس مع تناذر كلود برنارد هورنر مع فقدان الحس المقابل.
الإنذار في الحوادث الوعائية الدماغية:
1 ـ نزوف بارانشيم الدماغ مميتة غالباً.
2 ـ نزوف تحت العنكبوتية:تشاهد الوفاة الآنية في ثلث الحالات،وفي الثلث الثاني تحدث الوفاة خلال شهر،والثلث الثالث يعيشون.
3 ـ أما بالنسبة للخثرات والصمامات:
ـ حوالي الربع إلى الخمس من الحالات تحدث الوفاة بسبب إصابة أحد الأوعية الكبيرة عند منشئه كالسباتي أو المخي المتوسط أو الأمامي،وذلك لإصابة قسم كبير من الدماغ بنقص التروية وحدوث وذمة شديدة،وهذه الوذمة الشديدة تتصرف كتصرف الكتلة في الدماغ فتسبب فتقاً أو انضغاط الجذع المخي وحدوث الوفاة بسبب توقف التنفس،وتحدث الوفاة غالباً خلال بضعة أيام.
أما ماتبقى من المرضى فيحدث لهم بعض التحسن الوظيفي ولكن هذا التحسن لايشاهد في حال وجود أسواء تشكل في الدوران الدماغي وبالتالي عدم وجود دوران جانبي معاوض.
من الناحية الأدبية:
الجاحظ والفالج : قول على قول –(الكرمي- ج2 ص40 )، والأمالي –(القالي- ج1 ص50 ):
كان الجاحظ في أواخر عمره قد أصابه الفالج ،فكان يَطلي نصفه الأيمن بالصَّندل والكافور لشدّة حرارته وكان النصف الآخر لو قُرِضَ بالمقاريض لمّا أحسَ به من خَدَره وشدّة برده،وكان يقول في مرضه : قد اصطلحت على جَسدي الأضداد ،إن أكلت بارداً أخذ بِرِجلي ،وإن أكلتُ حاراً أخذ برأسي،وكان يقول : جانبي الأيسر مفلوج ،فلو قُرِضَ بالمقاريض ما عَلمتُ به ،وجانبي الأيمنُ مُنْقَرِس،فلو مَرَّ به الذباب لألمت ،وأشدُّ ما عليَّ ست وتسعون سنة ، وكان ينشد البيتين :
أترجو أن تكون وأنت شيخٌ كما قد كُنتَ أيام الشّباب
لقد كَذَبتكَ نفسك ليس ثوبٌ خليقٌ كالجديد من الثيابِ
وجاء في كتاب اُمراء البيان _(محمد كرد علي- ص294):
“دخل على الجاحظ جماعة يوماً بسرَّ من رأى يعودونه وقد فلج،فلما أخذوا مجالسهم أتاه رسول المتوكل فقال:وما يصنع أمير المؤمنين بشقّ مائل ولعاب سائل ؟ ثم أقبل عليهم فقال: ما تقولون في رجل له شقان ،أحدهما لو غرز بالمسال ما أحسّ، والشقّ ال’خر يمر به الذباب فيغوث(يقول واغوثاه) وأكثر ما يشكوه الثمانون” .
فالج ابن أبي دُواد: -(ثمار القلوب الثعالبي –ص205-206):
“وهو أحمد بن أبي دُواد الإيادي ،قاضي قضاة المعتصم والواثق ،وكان من الشرف والكرم بالمنزلة العالية المشهورة ،وكان مصروف الهمة إلى استعباد الأحرار،وغَرضاً لمدائح الشعراء ،ولما أصابته عينُ الكمال فُلِجَ فصار فالجهُ مثلاً في ادواء الأشراف وعاهاتهم ،كما قيل: لقوة معاوية،وفالج ابان بن عثمان ،وبَخَر عبد الملك بن مروان ،وبَرَص أنس بن مالك ، وجُذام أبي قُلابة ،وعمى حسان ،وصمم ابن سيرين . وكان أهل المدينة يقولون لمن يدعون عليه : أصابه الله بفالج أبان . قال أبو هِفّان وقد نظر إلى رجل يضرب غلاماً مليحاً:
ألا يا ضارباً قمرَ العباد قصدتَ الحسنَ ويحكَ بالفسادِ
أتضربُ مثلهُ بالسوط عشراً ضُربتَ بفالج ابن ابي دُوادِ
ومن كلام الجاحظ فصل في أدواء الأشراف ، وهو رسالة إلى محمد بن عبد الملك في الشكر :نَعّمتني بتوطئة المطهّمات حتى أصابني النِقرس،وأتخمتني بأكل الطيبات حتى ضربني الفالج،ولولاك لكنتُ أبعد عن النقرس من فَيجْ (رسول الملك)، وأبعد عن الفالج من مُكارٍ، فأين شرف أدوائي من جَرَب الحسن بن وهب ،وداء أحمد بن أبي خالد ، وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السفلة والاغبياء ،من كان داؤه أفضل من صحة غيره ،وعيبه أجمل من براءة ضدّه، وما ظنك بغير ذلك من أمره “.
ابن دريد الأزدي: أصيب بالفالج في أخر عمره وشُفي ،ثم عاوده الفالج فأبطل نصفه الأسفل ،وطال عليه ذلك سنتين حتى توفي 18 شعبان سنة 321هجري(933م).
سيف الدولة الحمداني:أصيب بفالج نصفي خفيف ثم أصيب بقولنج(امساك مزمن)وباحتباس البول،وكانت وفاته باحتباس البول في حلب في 24 صفر 356هجري ودفن في ميا فارقين (تاريخ الادب العربي عمر فروخ ج2).
ابن شهيد الأندلسي:مرض في آخر أيامه وأصيب بالفالج في سنة 425هجري،فمنعه عن الحركة والتقلب،وكان يمشي على عصا،واعتماداً على إنسان إلى ما قبل وفاته بعشرين يوماً، فإنه صار حجراً لا يبرح ولا يتقلّب،ولا يحتمل أن يُحرّك(ظهر الإسلام ـ أحمد أمين ـ المجلد 3 ـ 4).ومن أشعاره يصف فالجه:
أنوحُ على نفسي وأندبُ نُبلها إذا أنا في الضرّاء أزمعتُ قتلها
رضيتُ قضاءَ الله في كلِّ حالةٍ عليَّ،وأحكاماً تيقنتُ عدلها
أظلُّ قعيدَ الدارِ تجنبني العصا على ضعفِ ساقٍ أوهنَ السّقمُ رجلها
ألا رُبَّ خصمٍ قد كفيتُ وكُربةٍ كشفتُ،ودارٍ كنتُ في المحل وبلها
ورُبَّ قريضٍ كالجريضِ بعثُهُ إلى خطبةٍ لا يُنكرُ الجمعُ فضلها
فمن مُبلغ الفتيانِ أنَّ أخاهمُ أخو فتكةٍ شنعاءَ ما كان شكلها
عليكم سلامٌ من فتىً عضّهُ الرّدى ولم ينسَ عيناً أثبتت فيه نبلها
يبينُ وكفُّ الموتِ يخلعُ نفسَهُ وداخلها حبٌّ يُهوِّنُ ثُكلها
وجاء في كتاب”المغُرب في حلى المغرب للدكتور شوقي ضيف”:
ابن شهيد الأندلسي أبو عامر أحمد بن عبد الملك مات بالفالج ورام أن يقتل نفسه لشدة ألمه وقال في تلك العلة:
تأملتُ ما أفنيتُ من طولِ مُدّتي فلم أرَهُ إلا كلمحة ناظرِ
وحصلّتُ ما أدركتُ من طول لذّتي فلم أُلفهِ إلا كصفقةِ خاسرِ
وما أنا إلا رهنُ ما قدّمت يدي إذا غادروني بين أهلِ المقابرِ
سقى الله فتياناً كأنّ وجوههم وجوهُ مصالبيح النجوم الزواهرِ
يقولون: قد أودى أبو عامر العلا أقلّوا فقدِماً مات آباءُ عامرِ
هو الموت لم يُصرف بأجراسِ خاطبٍ بليغٍ ولم يُعطف بأنفاسِ شاعرِ
مصطفى السباعي رحمه الله في مرض الشلل الذي أصابه:
“قال ذلك وهو يبتسم ابتسامة هادئة سكينة ،فبدت الدهشة على وجهي فقال:” قد تجد قولي غريباً لكني أقول الحق وسأفسر ذلك ،إني مريض أتألم ليس في ذلك ريب،وإنكَ لتشاهد الألم على وجهي وعلى يدي وفي حركتي،لكن انظرإلى حكمة الله في . إن الله قدير على أن يشلّ حركتي ،وقد شلّ بعضَ حركتي،فانظر ماذا شلّ ؟ لقد شلّ طرفي الأيسر وأبقى لي الطرف الأيمن،فما أعظم النعمة التي أبقاها لي . أكنتُ أستطيعُ أن أخطّ بالقلم لو شلّ اليمين مني ؟ إن الله قدير على أن يخمد قريحتي،ولكنه أبقى لي قدرة الفكر والعقل فما ألطفه بي . إن الله قدير على أن يشلّ لساني فيمنعني عن الكلام ،لكنه أكرمني ببقاء قدرتي على الكلام . أفليس ذلك منه منّةً وعفواً؟ لقد قضى الله عليّ بأن تشل حركتي في السياسة ،فشلّها لكنه ابدلها بنعمةٍ خيرٍ منها : أنه فتح لي سبيل العلم والعمل للعلم ،أكنت تراني كتبت وألفت ما كتبت لو أن صحتي بقيت على ما كانت عليه قوية شديدة ؟ فما أكثر لطف الله وكرمه ومننه ونعمته . افيحقّ لي بعد ذلك أن أشكو وأن أتذمر ؟ أولا يجب عليّ أن أشكر الله على نعمائه؟
وفي مرجع أخر:
“ذهب السباعي الى الحج للمرة الرابعة وهي الأخيرة عام 1964 حيث كان يعاني من المرض العضال والآلام المبرحة ؛ التي لم تكن تبارحه؛ ولكن فضل الله عليه في هذه المرحلة المباركة كان عظيما ،حيث يقول بنفسه:”لأول مرة منذ سبع سنوات يهدأ الألم في دماغي وأقوى على الصلاة واقفاً عل قدمين وأجلس للتشهد فيها،ولقد قدمت مكة المكرمة فطفت طواف العمرة محمولاً على المحفة ،ثم غادرتها وطفت طواف الوداع على قدمي،وأكرمني الله بزوال أثار مرض السكر منذ وصلت المدينة المنورة ،فكنت أتصّبح بسبع تمرات من تمرها إيماناً مني بالحديث لبصحيح الوارد في التمر وهو من الطب النبوي . واستمر المرض ثماني سنوات ضرب السباعي فيها أروع آيات الصبر على البلاء والتسليم لقضاء الله والرضا بحكم الله وكان كثير الحمد لله والتسبيح له والاستغفار آناء الليل وأطراف النهار ولم يمنعه هذا المرض العضال من النهوض بواجباته كصاحب دعوة حق وداعية مسلم.
وجاء في مرجع أخر:”لقد عاش مريضاٍ سبع سنوات،سنوياً ينخر المرض في جسمه نخراً،آلام مبرحة تزهق منها النفس وتسقط معها الهمة ويذهب العزم ،وكانت تشنجات أعصابه وعضلاته من النوب التي تصيبه ،فما أن تزول النوبة حتى يعود ضاحكاً لا يشكو ولا يتحسر يقول أحدهم : ولقد زرته مرة في مستشفى المواساة فأردت أن اُواسيه فالتفت إلي بوجه مصفر من ليلة قضاها في الآلام المُضنية وقال : أشكرك على حسن مواساتك ،لكنك لو تعلم كم أنا راضٍ بحالي لما أشفقت علي شفقتك التي تبدو عليك، إني بخير نعمة من الله.
وكان من مناجاة السباعي رحمه الله لربه : “يا حبيبي ! وحقك لولا يقيني بحبك لعتبت عليك، ولولا علمي برحمتك لشكوتك إليك،ولولا ثقتي بعدلك لاستعديتك عليك ،ولولا رؤيتي نعمك لأستبطأت كريم إحسانك ،ولكني ألجمت الشك باليقين،والتسخط بالرضى والتبرم بالصبر،فلك مني يا حبيبي رضا قلبي وإن شكا لساني ،وهدوء نفسي وإن بكت عيوني، وإشراق روحي وإن تجّهم وجهي ،وأمل يقيني وإن يئس جسمي” .
يا إلهي:أليس من عظيم إحسانك أن تبتلينا بالألم،وتمنحنا معه الأمل،وإن تقدر علينا المرض وتهبنا معه اليقين،وأن تحرمنا من المسرات وتعطينا الرضى،وأن تصرف عنا الناس وتؤنس قلوبنا بك،وأن تؤدبنا بالفقر إليك وتكرمنا بالترامي عليك،وأن تفتنا بالدنيا وتحبب إلينا طلب الجنة،أليس من عظيم إحسانك أن تعطي أكثر مما تأخذ وتمنح خيراً مما تسلب،وتُسر بأكثر مما تؤلم،وترضي بأحسن مما تحرم،وإنك لا تأخذ شيئاً ليس لك ولا تعطي شيئاً هو لنا . سبحانك إنك بالمؤمنين رحيم “.
أحمد أمين يصف اصابته بالفالج –(كتاب حياتي –ص341-344):
“وفي 5 يوليو سنة 1950 ذهبت إلى الاسكندرية لأصطاف ونزلت ببيتي في سيدي بشر وأخذت أستريح ونمت نوماً هادئاً لم أشعر فيه بشئ وقمت من نومي صباحاً كالعادة وأفطرت على عادتي بكوب من اللبن وقطعة من الجبن وفنجان من القهوة وذهبت أغسل يدي فوقعت فظننت أن رجلي عثرت بشئ فعاودت المشي ثانية فسقطت . ثم أحسست ان الجانب الشمالي كله من يد ورجل قد فقد حركته تماما واستدعيت الطبيب فقال إنها جلطة خفيفة وأنه يلزم السكون تماما ،فسألته عن السبب،فقال إن الجلطة تحدث في المخ فإذا تحرك الجسم تحركت فعاثت الجلطة في المخ وسببت مضاعفات –لاقدر الله- فوجب أن تبقى في مكانها حتى تصير كالاسفنج. وكان ذلك على أثر غلطات عملتها فقد أخذت حقنة من الانسولين من سنتين والجسم لا يحتمل إلا سنتياً واحداً وقمت بعد ساعتين من النوم وقد احترق السكر من دمي وطلبت ما عندهم من أكل فأكلت أكلا جما وكان يكفي لهذه الحالة كوب من ماء بسكر،وغلطت غلطة ثالثة فنمت فوراً بعد هذا الأكل فتحولت حركة الدم الى المعدة لتهضم فمضت بضع ثوان لم تتغذ فيها بعض خلايا المخ فماتت وقام مقامها خلايا اخرى لتحل محلها وهي تحتاج إلى ستة أسابيع أو ثلاثة أشهر على الأقل ليتم نموها . وهكذا مكثت أربعة أيام أشعر بنصفي الأيسر كانه وعاء فارغ ثم شعرت بأنه ممتلئ رملاً ثم شعرت بالقوة تدبّ فيه وكانت رجلي أسبق إلى الحركة من يدي . ولما تقدمت في الصحة وزال من المرض نحو 95 بالمائة في نحو ستة اسابيع بطؤ الشفاء في الأيام الأخيرة حتى احتاج إلى شهر أخر،لأن العمل على بناء الخلايا كان من عمل الشرايين ثم صار من عمل الشعيرات وهي بطبيعة الحال أبطأ عملاً وهكذا شاء القدر وعلى كل حال فقد استفدت من هذا المرض تجارب كثيرة إذ علمت أن حركة اليد والرجل عبارة عن عملية ميكانيكية مركبة لا يمكن أن تحسن إلا بسلامة أعضاء كثيرة،ولم أكن أستطيع إمساك علبة السجاير ولا علبة الكبريت ولا أن اشعل عوداً من الكبريت وهكذا “.
كثير :
وكنتُ كذي رجلين :رِجلٍ صحيحةٍ ورجلٍ رمى فيها الزمانُ فَشَّلتِ
وكنت كذات الظلع لما تحاملت على ظلعها بعد العثار استقلت
الشاعر القروي:
تبدي الكساح وأنت إن يدع الغنى تطو الدُنى عشرًا على الأقدام
جميل صدقي الزهاوي:
وقد أحاولُ أن أسعى فتمنعنب رجل رمتها يد الأقدارِ بالشلل
ذات السحايا
من الناحية الطبية:
التهاب أو ذات السحايا:هو التهاب حاد يصيب الأغشية التي تغلف الدماغ والتخاع الشوكي،وتحدثه مجموعة من العوامل الممرضة من الفيروسات أو الجراثيم أو غيرها من العناصر الممرضة.وهو داء خطير قد يسبب الوفاة.
ومن أهم الأعراض:
1ـ :الصداع الشديد:وهو عرض دائم،بدون توضع معين،شديد،يزداد بين آونة وأخرى،حتى يستصرخ المريض وهذا مايسمى صيحة التهاب السحايا والمشاهد عند الأطفال المصابين.
،2 ـ ويبوسة العنق والتقفع العضلي:ويبدو منذ الساعات الأولى للمرض،يبدأ في النقرة بشكل مقاومة بسيطة أو صعوبة في حركة الرأس في البسط والعطف،ويزداد التقفع بحيث يحدث تصلب الفقار،وبحيث يمكن معه رفع المريض عن الفراش كأنه قطعة واحدة يابسة،
،3 ـ والحمى،واضطراب الوعي،والإقياء،وفي بعض الحالات يكون هناك طفحاً جلدياً كما هو الحال بالإصابة بالمكورات السحائية.
وفي بعض الحالات يصبح داء مزمناً ويترافق مع أعراض مثل:الصمم والصرع والشلل،…
ويمكن الوقاية من بعض أشكاله وخاصة بسبب المكورات الرئوية أو السحائية أو الفيروسية مثل النكاف بإعطاء اللقاح المناسب.
من الناحية الأدبية:
طه حسين الأيام (ج1 ص118-121):
“أقبلت بوادر هذا العيد واصبحت الطفلة ذات يومٍ في شئٍ من الفتور والهمود لم يكد يلتفت غليه أحد .والأطفال في القرى ومدن الأقاليم مُعرضون لهذا النوع من الإهمال ،ولا سيّما إذا كانت الأسرة كثيرة العدد وربَّة البيت كثيرة العمل . ولنساء القرى ومدن الاقاليم فلسفةٌ آثمة وعلمٌ ليس أقل منها إثماً.يشكو الطفل ،وقلَّما تُعنى به اُمه…وأيُّ طفل لا يشكو !إنما هو يومٌ وليلةٌ ثم يُفيق ويُبِلُّ فإن عُنيت به اُمه فهي تزدري الطبيب أو تجهله،وهي تعتمد على هذا العلم الآثم،علم النساء وأشباه النساء . وعلى هذا النحو فقدَ صبينا عينيه ،أصابه الرّمد فأُهمل أياماً ،ثم دُعي الحلاق فعالجه علاجاً ذهب بعينيه . وعلى هذا النحو فقدت هذه الطفلة الحياة ،ظلّت فاترةً هامدةً محمومةً يوماً ويوماً ويوماً . وهي ملقاة على فراشها في ناحيةٍ من نواحي الدار،تُعنى بها اُمها أو اُختها من حينٍ إلى حين ،تدفع إليها شيئاً من الغذاء ،الله يعلم أكان جيداً أم رديئاً . والحركة متصلة في البيت : يُهيأ الخبز والفَطير في ناحية،وتُنظف المنظرة وحجرة الاستقبال في ناحية أخرى ،والصبيان في لهوهم وعبثهم والشبان في ثيابهم وأحذيتهم ،والشيخ يغدو ويروح ويجلس إلى أصحابه آخر النهار واول الليل .
حتى إذا كان عصر اليوم الرابع وقف هذا كلُّه فجأةً. وقف وعرفت أُم الصبي أن شبحاً مخيفاً يُحلِّق على هذه الدار .ولم يكن الموت قد دخل هذه الدار من قبل ،ولم تكن هذه الأم الحنون قد ذاقت لذع الألم الصحيح . نعم ! كانت في عملها وإذا الطفلة تصيح صياحاً منكراً، فتدع اُمها كلَّ شئ ٍ وتُسرعُ إليها . والصِياحُ يتَّصلُ ويزداد ،فتدع أخوات الطفلة كلَّ شئ ويسرعن إليها . والصياح يتصل ويشتدُّ، والطفلة تتلوى وتضطرب بين ذراعي اُمها ،فيدع الشيخ اصحابه ويسرع إليها . والصياح يتصل ويشتد ،والطفلة ترتعد ارتعاداً منكراً ويتقبّضُ وجهها ويتصبب العرق عليه ،فينصرف الصبيان والشبان عمَّا هم فيه من لهو وحديث ويسرعون إليها . ولكن الصياح لا يزداد إلا شدّةً، وإذا هذه الأسرة كلُّها واجمةُ مبهونه مُحيطةٌ بالطفلة لا تدري ماذا تصنع !ويتصل ذلك ساعةً وساعةً. فأما الشيخ فقد أخذه الضَّعفُ الذي يأخذ الرجال في مثل هذه الحال فينصرفُ مُهمهماً بصلواتٍ وآياتٍ من القرآن يتوسَّلُ بها إلى الله وأما الشبان والصبيان فيتسلّلون في شئٍ من الوجوم لا يكادون ينسون ما كانوا فيه من لهوٍ وحديث ،ولا يكادون يستأنفونه. هم كذلك حيارى في الدار ،واُمهم جالسةٌ واجمةٌ تُحدِّقُ إلى ابنتها وتسقيها ألواناً من الدواء لا أعرف ماهي ،والصياح متصلٌ مشتد ، والاضطراب مستمرٌ متزايد .
ما كنت أحسب أنّ في الأطفال ولمّا يتجاوزوا الرابعةَ قوةً تعدل هذه القوة . وتأتي ساعة العَشاء وقد مُدت المائدة ،مَدَّتها كبرى أخوات الصبي ،وأقبل الشيخ وبنوه فجلسوا إليها . ولكنّ صياح الطفلة متصلٌ فلا تُمدُّ يدٌ إلى طعام ،وإنما يتفرقون جميعاً ،وتُرفع المائدة كما مُدّت ،والطفلة تصيح وتضطرب ،واُمها تُحدِّق إليها حيناً وتبسط يدها إلى السماء حيناً آخر ، وقد كشفت عن رأسها وما كان من عادتها أن تفعل !ولكنّ أبواب السماء كانت قد أُغلقت في ذلك اليوم ،فقد سبق القضاء بما لابد منه . فيستطيع الشيخ أن يتلو القرآن ،وتستطيع هذه الأم أن تتضرع. ومن غريب الأمر أن أحداً من هؤلاء الناس جميعاً لم يفكر في الطبيب وتقدّم الليل وأخذ صياح الفتاة يهدأ ،وأخذ صوتها يخفت،وأخذ اضطرابها يخف، وخُيلّ إلى هذه الأم التعسة أن قد سمع الله لها ولزوجها ، وأن قد أخذت الأزمة تنحل . وفي الحق أنّ الأزمة كانت قد أخذت تنحل ،وأنّ الله كان قد رأف بهذه الطفلة، وأنّ خفوت الصوت وهدوء هذا الاضطراب كانا آيتي هذه الرأفة . تنظر الأم إلى ابنتها فيُخَّيلُ إليها أنها ستنام ثم تنظر فإذا هدوءٌ متصّلٌ لا صوت ولا حركة ،وإنما هو نَفَسٌ خفيفٌ شديد الخِفّة يترددُ بين شفتين مُفَتحتين قليلاً ،ثم ينقطع هذا النفس وإذا الطفلة قد فارقت الحياة .
ماذا كان عِلّتها ؟ كيف ذهبت بحياتها هذه العلة ؟ الله وحده يعلم هذا” .
السبات وغياب الوعي والموت الظاهري
من الناحية الطبية:
يقال بوجود موت الدماغ عند توفر العلامات التالية:
1 ـ السبات العميق.
2 ـ الحدقتان متوسعتان ولا تتفاعلان للضياء.
3 ـ غياب منعكسات القرنية.
4 ـ توقف التنفس.
5 ـ مخطط الدماغ الكهربائي،انعدام النشاط.
وإن اضطرابات الصحو وحدوث غياب الوعي يحدث من الناحية التشريحية المرضية لأحد سببين:
1 ـ إصابة مضيق الدماغ:أو السويقة المخية والحدبة وإصابة هذه المنطقة يسبب غياباً للوعي،ويكفي أن تصاب التشكلات الشبكية في مضيق الدماغ حتى يصاب الإنسان بغياب الوعي.
2 ـ إصابة الدماغ:ويجب أن تكون الآفة معممة حتى يغيب الصحو.
ومن الناحية الفسيولوجية كيف يمكن أن يصاب مضيق الدماغ؟
من المعروف أن الدماغ تحيط به الجمجمة،وتحيط به السحايا بأقسامها الثلاثة،وفي هذه العلبة العظمية المسماة القحف توجد ثقوب صغيرة تمر منها الأوعية الدموية والأعصاب،وتوجد فيها ثقبة أو فتحة كبيرة يمر منها الجذع الدماغي وتسمى الثقبة أو الفتحة القفوية،.والدماغ يتكون نسيجياً من مادة فسفو ليبيدية غير قابلة للانضغاط،وإذا زاد الضغط قد تغيب البطينات المخية أو تنضغط المسافة مابين العنكبوتية.والأسباب التي تؤدي لحدوث الانضغاط هي الكتل وفي مقدمتها الأورام والكيسات والخراجات والنزوف الدموية.وتتدرج الكتل في الكبر،ولاتوجد آفة تتكامل بسرعة سوى النزوف.ومهما كانت الآفة فإنها تؤدي إلى حدوث مايلي:
1 ـ الضغط بسبب كبر حجم الآفة.
2 ـ ارتكاس الدماغ تجاه هذه الآفة وهذا مايستدعي حدوث الوذمة حولها والتي قد تكون أكبر بعدة أضعاف من الكتلة ذاتها.وهذا يسبب ازدياد الضغط على قاعدة الدماغ،فلا يجد مخرجاً سوىال ثقبة المخية ـ المخيخية والثقبة القفوية.
وهذا الضغط يكون غالباً جانبي التوضع يقع على الفص الصدغي للدماغ ،حيث يضغط على كلابة حصان البحر وتنزل كاللسينة أو الاسفين بجانب أو فوق نواة العصب الثالث فيبدو العرض الأول للإصابة وهو اتساع الحدقة،في الجهة المصابة مترافقاً مع الأعراض الأخرى مثل الصداع.
ويزداد الضغط حتى يؤثر على التشكلات الشبكية فيحدث ضعف الوعي،والميل للنعاس،والخبل التدريجي،والسبات الخفيف،ومن ثم السبات العميق.
وإذا كانت الآفة قريبة من الخط المتوسط يقع الضغط من الأعلى للأسفل ويضطرب الوعي لنفس السبب وتحدث نفس الأعراض.ولكن إذا زاد الضغط أكثر فإن الكتلة تضغط على الجانب المقابل وبالتالي يحدث اتساع الحدقة في الجاني المقابل وهذا يدل على خطورة الآفة.وقد يحدث الضغط مباشرة على مضيق الدماغ كما هو الحال بسبب أورام أو خراجات ونزوف المخيخ،أي أن الآفة تحت الخيمة،وأكثر الآفات تحت الخيمة المسببة لذلك النزوف أو الالتهابات أو أورام الحفرة الخلفية.وأما آفات ما فوق الخيمة فإنها يجب أن تكون واسعة جداً حتى تسبب غياب الوعي.
وهناك الكثير من الآفات أو الأمراض الاستقلابية يمكن أن تسبب غياب الوعي إذا كانت شديدة كما هو الحال في السبات السكري لأن الدماغ يتغذى فقط بالأوكسجين والغلوكوز.فإذا انقطعت عنه التغذية لمدة دقيقة واحدة فإن وظيفة الدماغ تضطرب،لأنه لايختزن الغلوكوز في نسيجه،وإن توقف القلب أو التنفس لمدة دقيقة واحدة يؤدي إلى فقدان الوعي لعدم وصول الأوكسجين إلى الدماغ،وإذا زادت المدة عن الدقيقتين قد يحدث خللاً لايمكن إصلاحه.ولذا فإن كل مايسبب فقر التغذية الدماغي يمكن أن يسبب غياب الوعي.
كما أن الدماغ لايتحمل الرضوض بل يتأثر بها وبسرعة،ولذا قد يصاب بفقدان الوعي المؤقت أو العارض بسبب الرضوض،وإذا لم تحدث فيه آفات كاملة وتامة تشريحية فإنه يعود لوظيفته مجدداً.
أهم أسباب غياب الوعي:
1 ـ الرضوض الدماغية:وهي من أكثر الأسباب وتحتل المرتبة الأولى لكثرة الحوادث.
2 ـ الحوادث الوعائية الدماغية:Cerebro vascular Accident:ولها ثلاثة أشكال:
ـ الخثرات الوعائية:والمرافقة للتصلب العصيدي الشرياني.
ـ الصمامة الوعائية:وخاصة في حالات اضطراب نظم القلب مثل الرجفان الاذيني.
إن الخثرة الوعائية والصامة الشريانية لاتسببان عادة فقدان الوعي إلا إذا كان الشريان المصاب كبيراً.ومنها مثلاً إصابة الشريان السباتي الباطن حيث يتوقف نصف كرة الدماغ عن العمل ويحدث فقدان الوعي مع تشكل وذمة دماغية حادة وارتفاع التوتر داخل القحف.
ـ النزوف الدماغية:إن أي نزيف في الدماغ يترافق مع فقدان الوعي،وإذا كان النزيف بسيطاً فإن المريض يعود لوعيه،وأما إذا كان شديداً فإنه قد يترافق مع ماسبقنا من تشكل كتلة في الدماغ تزداد حجماً وقد تتطور بسرعة وتحدث الوفاة وغالباً خلال 72ساعة.
3 ـ التسممات:ولها شكلان:
1 ـ التسممات الداخلية المنشأ:مثل ارتفاع البولة الدموية في القصور الكلوي،وبسبب السبات السكري،أو السبات الكبدي.
2 ـ التسممات خارجية المنشأ:وأهم أسبابها:الغول،وتناول المخدرات،أو التسمم بالمهدئات كالديازبام،والتسمم بغاز أول أوكسيد الكربون،والتسمم بغاز البوتان،وهناك التسممات الجنائية.
4 ـ الالتهابات:وخاصة ذات السحايا أو التهاب المخ والدماغ.
5 ـ المراحل النهائية من قصور القلب والتنفس
6 ـ نقص سكر الدم:ويشاهد بسبب فرط إعطاء الانسولين مما يسبب سبات نقص سكر الدم.وتبدأ الأعراض بالتعرق البارد،والشحوب واشتداد المنعكسات،وتسرع النبض،وربما حدوث اختلاجات ومن ثم فقدان الوعي.
7 ـ السبات التال للصرع:وتختلف مدته من شخص لآخر.
ولابد من التشخيص التفريقي مابين السبات وفقدان الوعي ومايسمى الغشي Syncope
وتعريف الغشي:هو سقوط المريض على الارض وقد يفقد الوعي لعدة ثوان(غط على قلبه)ولايترافق مع اختلاجات.
والسبب غالباً هو فقر دم دماغي يحدث فجأة،ويسبب اضطراب التوازن في الجملة العصبية الذاتية.
وأهم أسباب الغشي:
1 ـ اضطراب الودي ونظيره:وهذا يشاهد في الحالات النفسية العصبية خاصة كالخوف من رؤية الدم ورهاب بعض الأشياء،…وأهم أشكاله الغشي الانتصابي(أي الوقوف فجأة بعد الاستلقاء).ويترافق غالباً مع الغثيان أو التعرق البارد والشحوب وبطء النبض.
2 ـ امراض قلبو وعائية:ومنها داء ستوكس آدامز:والذي يترافق مع بطء النبض ويكون دون 40 في الدقيقة،وقد يحدث الغشي على الراحة أو الجهد.
ومنها تضيق الدسام الأبهري،ولايحدث الغشي هنا إلا في حالات الجهد الجسمي.
3 ـ بطء العود الوريدي إلى القلب:كما في حالات فرط التوتر الوريدي لأسباب مختلفة.وهناك الغشي التال للسعال أو الضحك المديد.
4 ـ الغشي الهستريائي:
من الناحية الأدبية:
جاء في دائرة المعارف الإسلامية –مجموعة السفير-” يقال أن أحد أمراء العباسيين وهو ابراهيم بن صالح بن عبد الله بن عباس (ت سنة 176هجري=792م)مرض مرضاً شديداً حتى ظنوا وفاته ،فكفنوه ،وحين زاره الرشيد هو وطبيبه ،بكى الرشيد وجزع ،ولكن طبيبه حين فحصه قال:إنه لا يموت في علته، فوخزه بمسلة تحت ظفره ،فحرك ابراهيم يده ،فأمر الطبيب بنزع كفنه وعالجه بأن نفخ في أنفه بدواء خاص ،فعطس ابراهيم وفتح عينيه ،فقال له الرشيد : كيف حالك؟ قال: كنت في ألذِّ نومة فعضّ شئ اصبعي فآلمني ,وعوفي ،ثم زوجه الرشيد بأخته العباسة ،وولاه مصر وبها مات ، فكان يقال:رجل مات ببغداد ومات ودفن بمصر .
أمراض الجملة خارج الهرمية:Parapyramidal System
ومن أبرز الأمراض المشاهدة هنا نذكر:
1 ـ داء باركنسون أو الشلل الارتعاشيParalysis agita
الأسباب:غالباً مجهول السبب،وهناك بعض الأدوية قد تسبب حدوثه مثل مركبات الفينوثيازين،والرزربين،والبوتيروفينون،كما تكثر مشاهدته في حالات الرضوض المتكررة الخفية كما هو الحال عند الملاكمين(محمد علي كلاي)…
الأعراض:العرضان الرئيسيان في الداء هما:
1 ـ الصمل:Rigidity:وتنجم عنه مظاهر عديدة:
ـ السحنة الجامدة:كأن المريض يلبس قناعاً،ويبدو المريض أبلهاً ولكنه ليس بأبله.
ـ بطء الحركة:وخاصة في بدء الحركة،وتكون عضلاته كلها بوضعية الانعطاف،ثم يفلت ويندفع بسرعة كأنه يركض وراء مركز ثقله وهذا وصفي للداء.
ـ عدم امكان تملك الوضعة:إذا دفش أحدهم المصاب سقط على الارض بدون أن يتخذ وضعية التوازن مثل أن يهتز أو يجلس.
ـ الدولاب المسنن:حيث تبقى المقاومة العضلية حتى آخر لحظة بعكس التشنج حيث تكون المقاومة في البدء ثم تنهار(علامة الموسى) لاويرافق المقاومة الرجفان.
ـ عدم الحركة:إذا اشتد الصمل فإنه يسبب عدم القدرة على الحركة ومنها أن المصاب لايستطيع التقلب في الفراش.
2 ـ الرجفان:وهو عبارة عن حركات لا إرادية،رتيبة،منتظمة،متساوية الشدة،تظهر أثناء الراحة(الرجفان العفوي) وقد يأخذ أحياناً حركات خاصة مثل عدّ الدراهم،ويزول الرجفان بالحركة(الطلب إلى المصاب مد اليدين مثلاً)،وهو يبدأ غالباً في الطرف العلوي ثم الشق ثم الجانبين.
3 ـ ويرافق هذين العرضين البارزين أعراضاً أخرى ومنها الإلعاب،وفرط الإفراز الدهني..
أدواء الرقص:Chorea:وهما داءان:
! ـ داء الرقص الحاد:ويسمى داء سيدينهام:
يصادف عند الأطفال مابين 5 ـ 15 سنة،وهناك شكل يشاهد عند الحوامل،وخاصة في الثلث الأول من الحمل،ويقال أن سببه عند الأطفال رثوي(روماتزم) وعند الحوامل هرموني المنشأ.
الأعراض:هناك مجموعتان من الاعراض:
1 ـ الحركات الرقصية:وهي حركات لا إرادية غير متساوية وغير متشابهة،ليس لها غاية،وفجائية يمكن أن تصيب أي من عضلات البدن وحتى اللسان،تبدأ غالباً شقية،ثم تتعمم،وقد تكون شديدة لدرجة توقع معها المريض على الأرض.وكل الحركات اللإرادية تزول أثناء النوم.وقد يصعب كشفها ولكنها تظهر بسهولة إذا أشغلنا المريض،وإذا ظهرت في اللسان أعطت علامة هامة وهي عدم القدرة على الاحتفاظ باللسان خارجاً(يدخل ويخرج اللسان بشكل متكرر).
2 ـ نقص المقوية العضلية:
3 ـ يترافق مع اضطرابات نفسية وفي الطباع حيث يميل المريض أن يكون وقحاً.
4 ـ وفي بعض الحالات يترافق الداء مع آفات قلبية ورئوية واضحة.
والمرض قابل للشفاء،وقد يشفى عفوياً خلال شهور،ولكنه قابل للمعاودة،ويصبح الإنذار سيئاً إذا تقاربت النوب.
2 ـ داء الرقص المزمن:داء هونيغتون:يماثل السابق ويفترق عنه فيما يلي:
1 ـ أنه وراثي.
2 ـ يشاهد في العقد الرابع وما بعد من العمر.
3 ـ يترافق بتأخر عقلي وينتهي بالعته.
4 ـ تتوضع الحركات الرقصية غالباً في الجذع من الجسم.
5 ـ يصيب النوى القاعدية والقشر الدماغي معاً.
3 ـ داء ويلسون:أو التنكس الكبدي ـ العدسي:
وينجم عن سوء استقلاب النحاس،بسبب اضطرابات خلقية خمائرية،وهو المرض الوحيد من الأمراض التنكسية الوراثية الذي يخضع في حال المعالجة الباكرة.
وأهم الأعراض:
ـ خارج الهرمية:رجفان باركنسوني،مع تشنج الالتواء،والكنع،والرقص.
ـ حلقة كايسر فلليتشر:حول القرنية بسبب ترسب النحاس في غشاء ديسميه في القرنية بلون أصفر بني.
ـ يترافق مع تشمع الكبد:وهو باكر الحدوث يكشف مخبرياً وقد يصعب سريرياً.
وأهم الحركات اللإرادية التي تشاهد في آفات النوى القاعدية والجملة خارج الهرمية نذكر:
1 ـ الصرع
2 ـ الرمع:Myoclonus:
ويتظاهر بحركات سريعة غير منظمة في الطرف أو في كل البدن وتنجم غالباً عن منبه خارجي كالضجيج.
ومن الامثلة على الرمع ما قد يصيب بعض الاصحاء أثناء النوم.
3 ـ الرجفانTremer:ويشاهد في نهاية الأطراف،وهي حركات منتظمة وأهم أشكالها:
ـ رجفان القلق:Anxiety:وهو رجفان ناعم وسريع يماثل رجفان فرط نشاط الدرق.
ـ رجفان فرط نشاط الدرق:رجفان ناعم،يزداد برفع اليدين للأعلى.
ـ الرجفان الأساسي السليم:رجفان ناعم غير منتظم يشاهد أثناء الراحة والحركة.
ـ الرجفان المخيخي:هو رجفان قصدي فقط.
ـ الرجفان الباركنسوني:يراجع في الأعلى.
ـ الرجفان الهستريائي:يميل لأن يشمل الطرف وكامل البدن،يزيد سوءاً عند محاولة إيقافه.
4 ـ الكنع:Athetosis:
حركات بطيئة يشاهد في العضات القاصية أكثر من الدانية.
5 ـ الرقص:Chorea:يراجع في الاعلى.
6 ـ عسرة الحركة:Dysöinesie:يطلق على أي حركات لا إرادية.
7 ـ عسرة المقوية:Dystonie:وهي القدرة على المحافظة الشاذة على وضعية معينة ومن الأمثلة عليها الانعطاف الثابت في باركنسون،وحالات الرقص الكنعي،والوضعية في الفالج.
8 ـ الرقص النصفي:Ballismus
9 ـ العرات Tic:حركات سليمة من منشأ نفسي
10 ـ التكزز:Tetany
أنواع المشية في أمراض الجملة العصبية المركزية:
1 ـ المشية التشنجية:Spastic Gait:
وتشاهد في الآفات الهرمية،ويكون المشي على قاعدة ضيقة،مع صعوبة في عطف الركبة،مع جر القدم على الأرض،كما يرفع المريض القدم بتمييل الحوض،والقدم تعمل قوساً.والمشية الفالجية هي مشية تشنجية تصيب طرفاً واحداً.
2 ـ المشية الرنحية:Sessory Ataxia:
وتشاهد في داء السهام الظهري.حيث يرفع المريض القدم فجأة ويكون الارتفاع شاذاً ثم يقذفها للأمام،ويخبطها على الأرض بقوة وخاصة بالعق(مشية العسكر).وتشتد الأعراض عند إغلاق العينين والمشي في الظلام.
3 ـ المشية المخيخية:
وهي مشية ترنحية فالقاعدة عريضة وغير منتظمة والمشية رنحية سواء فتح العينين أو أغلقها.
4 ـ المشية الباركنسنية:يرجع إليها في الاعلى.
5 ـ المشية المتهادية:
وتشاهد في الوهن العضلي القريب للحوض وفي خلع الورك ثنائي الجانب وهي تشبه مشية البطة حيث يميل البدن نحو الخلف مع ازدياد البزخ القطني والقدمان متباعدتان عن بعضهما،وميل البدن لكل جهة أثناء المشي.
6 ـ مشية الخبب:وتشاهد في ضعف العضلات الباسطة للقدم
أمراض فقد النخاعين:Demyelinization Diseases:
يتكون غمد النخاعين في الجملة العصبية المركزية من قبل الخلايا قليلة التغصنات،بينما في الجملة العصبية المحيطية بواسطة خلايا شوان.وإن إصابة غمد النخاعين وتجزؤه تشاهد لاسباب عديدة كالالتهاب،والتحسس،والتنكس،والتسممات،والأمراض الجهازية العامة،وإن شدة الآفة تتعلق بشدة المؤثر.وأهم أشكال هذا المرض نوعان من الإصابة:
1 ـ التصلب اللويحي:أو المتعدد :Multiple sclerosis
التعريف:تشكل لويحات في المحور العصبي في كل منطقة تتواجد بها المنطقة البيضاء،ويمكن أن تصل اللويحات حتى الأعصاب المحيطية.ويتراوح حجم اللويحة بين العدسة وبين حجم الليرة الفضية.وتكون اللويحات في البدء ذات شكل التهابي،ويكون الداء عندها قابل للتراجع والتحسن،ويتصف الداء بفترات من التحسن العفوي،مع هجمات حتى تصبح اللويحات بشكل تصلبي ندبي.
الحدوث:يعتبر هذا الداء من أكثر الأمراض العصبية انتشاراً،ويصيب الإناث أكثر من الذكور،والسن المفضلة هي سن الشباب وخاصة مابين سن 20 ـ 45 في 70% من الحالات.
الأسباب: لازالت مجهولة ويظن أن له علاقة مع أمراض المناعة الذاتية،أو بسبب بعض الحمات الراشحة،…
الأعراض: قد يكون البدء فجائياً:بشكل حاد وإنذاره أفضل من غيره إذ أنه قابل للتحسن العفوي مع أو بدون نكس.
وقد يكون البدء تدريجياً:إلى أن يسبب إقعاد المريض وقد يستمر عدة سنوات.وقد يكون تدريجياً مع فترات من التحسن والمعاودة وهو الأكثر مشاهدة.
وقد يبدو المرض في البدء بحدوث أمارات ومنها الخدر الفجائي في الوجه،أو عتمات في الرؤية،أو فقدان بصر كامل،وهذه الأعراض تستمر لفترة وجيزة وتشفى عادة.
وأهم ماتتميز به الأعراض وجود إصابة الجملة الهرمية مع إصابة المخيخ،أي وجود مشية تشنجية مع اشتداد المنعكسات…وتحدث الإصابة غالباً في الأطراف الأربعة ولايشترط فيها التناظر.ويشاهد في معظم الحالات إصابة العصب البصري الذي يكشف عنه بتنظير قعر العين.
2 ـ التهاب الدماغ والنخاع التال للأمراض الاندفاعية:
أو تال للمعالجة ببعض المصول.حيث يشاهد عند الطفل المصاب بالمرض الاصلي الاندفاعي وخاصة بعد اسبوع من المرض الأصلي هجمة حرورية جديدة،مع اضطراب الوعي،واختلاجات،وحدوث شلول واضطرابات حركية.
أمراض النخاع الشوكي:Spinal cord Diseases
التصلب الجانبي الضموري:
مرض تنكسي مجهول السبب يشاهد غالباً بعد العقد الرابع من العمر ويتميز بما يلي:
حدوث ضمور عضلي مع تقلصلت حزمية واشتداد المنعكسات ووجود شلل تشنجي في الأطراف السفلى.ولاتصاب المصرتان فيه.
يبدأ عادة في الطرفين العلويين ومن ثم يصعد للأعلى ويصيب عضلات اللسان والبلع ومن ثم عضلات التنفس.وينجم عن إصابة القرن الأمامي للنخاع الشوكي،وإصابة الحزمة الهرمية.وهو من أخطر الأمراض العصبية ويقضي على المريض خلال 2 ـ 4 سنوات.
2 ـ التصلب المختلط الجهازي:
وهو اختلاط لمرض جهازي وهو غالباً فقرالدم الخبيث أو عوز الفيتامين B12،وحمض الورق.
يتظاهر في البدء باضطراب التوازن الليلي لإصابة الحس العميق،ويحدث الاضطراب عند فقد مراقبة البصر.وتصاب به الحبال الخلفية للنخاع ثم الجانبيةى.مع انعدام المنعكسات الوترية لإصابة الحبال العميقة.
إذا عولج المريض باكراً يحدث الشفاء،وذلك بإعطاء الفيتامين وحمض الورق معاً.
انتانات الجملة العصبية:
تعتبر الانتانات الحادة في الجملة العصبية المركزية بالعوامل الممرضة حالات إسعافية تتطلب تشخيصاً سريرياً ومخبرياً لا لإنقاذ حياة المريض فقط بل لمنع الاختلاطات والعقابيل التي قد تنجم عنها فيما بعد.
وتقسم هذه الانتانات إلى:انتانات الدماغ،وانتانات السحايا،وانتانات فوق الأم الجافية،والتسممات بالتوكسينات الخارجية.
وتصل الجراثيم إلى الجملة العصبية المركزية بعدة طرق:
1 ـ الرضوض النافذة.
2 ـ الانتشار من بؤرة مجاورة:وخاصة من الأذن الوسطى أو الجيوب الأنفية،وأكثر الجراثيم الملاحظة هنا محبات الدم للنزلة الوافدة،والمكورات العقدية،والمكورات الرئوية،والمكورات العنقودية المذهبة بعد ذات العظم والنقي في الجمجمة أو الفقرات.
3 ـ الانتشار الدموي:كما في النايسريا السحائية.
ومن المهم معرفة الطريق الذي أدى لوصول الجرثوم إلى الدماغ لمنع نكس الإصابة.
1 ـ انتانات الدماغ:Encephalitis:
يصاب الدماغ بالفيروسات أو الجراثيم أو الطفيليات والإصابة تكون موضعة أو معممة،حادة أو مزمنة.
ـ الانتانات الجرثومية:تسبب غالباً اصابة حادة ومعممة،حيث يصاب الدماغ المجاور للسحايا في سياق التهاب السحايا،وهذا يسبب اختلاط الذهن .وأما في الإصابات الموضعية غير المعممة فيشاهد حدوث خراجة دماغية بالجراثيم المقيحة.وقد يصبح الخراج الحاد مزمناً إذا عولج المريض بالصادات التي تحول الخراج إلى خراج عقيم.وقد تمنع الصادات الانتشار فيبقى الخراج موضعاً.
وتنشأ الخراجات غالباً من انتان مجاور في الجيوب الأنفية أو الخشاء.أو من بؤرة بعيدة تصل الجراثيم فيها عن طريق الدم كما في توسع القصبات والتهاب الشغاف الجرثومي.
وأما الانتان المزمن المتعمم فيشاهد عند الإصابة باللولبيات الشاحبة عامل الداء الافرنجي وتسبب الشلل العام العتهي.وأما الانتان المزمن الموضع فيشاهد مثلاً في داء السل .
ـ الانتانات بالطفيليات:وأبرز الطفيليات المسببة هي:
1 ـ الشكل اليرقي للدودة الشريطية الشوكاء عامل داء الكيسة المائية.
2 ـ الشكل اليرقي للدودة الشريطية الخنزيرية عامل الكيسات المذنبة والتي تعرف بالشريطية الوحيدة.
3 ـ الخراج بالمتحولات الأميبية.
وتؤدي هذه الادواء الثلاثة إلى استسقاء الدماغ وأعراض بؤرية.
4 ـ يرقات أسكاريد القطط والكلاب.وتستقر في الدماغ وتحدث نوب اختلاجية.
5 ـ داء التوكسوبلاسموز(المصورات القوسية):والذي تنتشر فيه العوامل الممرضة عن طريق القطط وتسبب عند الإنسان :انتانات خلقية وأهم صفاتها التهاب الشبكية والمشيمية،واستسقاء الرأس أو صغور الرأس،والتخلف الروحي الحركي،وتكلسات دماغية.
6 ـ المنشقات (الشيزوستوما) وتسبب أعراضاً بؤرية.
7 ـ المثقبيات:عامل داء النوم وتسبب داء النوم.
2 ـ الانتانات خارج الجافية:
يتأذى الدماغ من الانتانات فوق الجافية إما بسبب عامل الضغط المباشر،أو بالانتشار للسحايا والدماغ.وقد يؤدي التهاب العظم والنقي في الفقرات إلى حدوث خراجة خارج الجافية فتظهر أعراض وعلامات انضغاط الحبل الشوكي،وقد ينضغط الحبل الشوكي أيضاً أو الدماغ بالكيسات المائية خارج الجافية.
التسممات بالتوكسينات الخارجيةExotoxins:وأهمها ثلاثة:
1 ـ ذيفان الكزاز:Tetanus:
قد تصاب الجروح العميقة المتهتكة بجراثيم الكزاز،وتتكاثر هذه الجراثيم في بيئة لاهوائية،وينتج عنها ذيفاناً خارجياً ينتشر من مكان الإصابة ويصل إلى الجملة العصبية المركزية،ويحدث اضطراباً في تنظيم القوس الانعكاسية فينجم عنه تقلص العضلات المحركة والمضادة لها في آن واحد.وتزداد شدة الارتكاس بالإثارة فيحدث تشنج في الاطراف والجذع وقد تكون من الشدة بحيث تنهك المريض.
2 ـ الانسمام الوشيقي:Boutsulmus:
وهو من أشد التسممات الغذائية وأخطرها،ينجم عن تناول الطعام الملوث بذيفانات الجرثوم،والذي يتكاثر في بيئة لاهوائية في المعلبات التي لاتطهى،لأن الذيفان لايقاوم حرارة الغليان.
ويمنع الذيفان من إطلاق الأستيل كولين من نهايات الأعصاب،مما يؤدي لشلل في جميع العضلات بسبب إعاقة النقل العصبي.
ذيفان الخانوق:الدفتريا:
يؤثر الذيفان الخارجي لجراثيم الخانوق على غمد النخاعين للأعصاب المحيطية،ولاسيما قرب عقد الجذور الخلفية ويسبب حدوث شلل في شراع الحنك ويتظاهر هذا في مرحلة مبكرة من المرض لحدوث عسرة البلع وخروج الشراب والطعام من الأنف،ويسبب شلل المطابقة في الاسبوع الثالث إلى الرابع من المرض فيحدث صعوبة القراءة ،والتهاب الأعصاب العديدة والذي يسبب شلولاً حركية واضطرابات حسية.
اعتلال الأعصاب المحيطية:Peripheral Neuropathies:
ونعني بها الأمراض التي تصيب الأعصاب فتسبب خللاً حركياً أو حسياً أو كلاهما معاً.
الألية الإمراضية:هناك ثلاثة آليات:
1 ـ إصابة الخلية العصبية:نعتبر الخلية العصبية هي المركز الرئيسي للاستقلاب،ويتوزع نتاج الاستقلاب على طول محور الليف العصبي،وهكذا فقد يتجلى أي اضطراب استقلاب مركزي باعتلال الأعصاب المحيطية،وتصاب غالباً الألياف البعيدة عن الخلية العصبية(ومثاله الضمور الذي يبدأ في نهاية الطرف في شلل الأطفال لإصابة القرن الامامي).
2 ـ أدواء فقد النخاعين.
3 ـ نقص تروية العصب:وهذا مايسمى بآفة النسيج الخلالي للعصب حيث تصاب عروق العصب.
النماذج السريرية:توجد ثلاثة نماذج:
1 ـ اعتلال العصب العديد:Poly neuropathy:
وينجم عن عوز الفيتامينات،والاضطرابات الاستقلابية والتسممات،ومن ميزاته:
1 ـ على الرغم من أن الإصابة تقع في الخلايا العصبية إلا أن الأعراض السريرية تظهر أولاً في نهايات أطول الأعصاب لبعدها عن مركز الاستقلاب المؤوف وخاصة العصب الوركي.
2 ـ يصاب الطرفان السفليان عادة قبل العلويين وتكون الإصابة فيهما أشد.
3 ـ الإصابة متناظرة.
الأعراض والعلامات:
1 ـ الاضطرابات الحسية:وتتجلى بفرط الحسHyperasthesia أو الخدر أو النملPareasthesia،Numbs،أو تشوش الحس ومن النادر انعدام الحس.ومن ميزات هذه الاضطرابات:
ـ أنها تبدأ في نهايات أصابع القدم واليد وتنتشر نحو المركز.
ـ لا توافق الإصابة التوزع التشريحيب للعصب أو الجذر.
ـ يكون التوزع بشكل القفاز أو الجورب.
ـ قد يظهر الألم بضغط الكتلة العضلية والعصبية.
2 ـ الاضطرابات الحركية:ومن أهم صفاتها:
ـ يظهر الضعف أولاً في النهايات ثم يمتد نحو المركز.
ـ الشلول خفية ومن النوع الرخو Flaccid،وتتدرج من الضعف البسيط وحتى الشلل التام.فإذا كانت في باسطات القدم يحدث هبوط القدم فيما بعد ومنه مشية الخبب Gallop.
ـ ويجب التنويه إلى أن شدة الإصابة الحسية أو الحركية لاتكون متساوية عادة،فقد يصاب أحدها بشكل شديد،دون الآخر.وقد يصاب أحد أنواع الحس دون الآخر كإصابة حس اللمس دون الحس العميق أو العكس.
3 ـ اضطراب المنعكسات:حيث تختفي المنعكسات باكراً وقبل ظهور الضعف العضلي.
4 ـ الاضطرابات الاغتذائية:وينجم عن إصابة الجملة العصبية الذاتية المستقلة فتحدث تبدلات اغتذائية في الجلد والاظافر.
5 ـ لايرافق اعتلال العصب العديد اضطراب المصرتين ويكون فحص السائل الدماغي الشوكي طبيعياً.
2 ـ اعتلال الجذور:Radiculopathy:
تصاب الجذور في المسافة تحت العنكبوتية وقبل ظهورها من ثقب الانضمام.ويتأثر في البدء النخاعين فيحدث التنكس ثم يتنكس المحور العصبي.ويعتقد أن زوال النخاعين ينجم عن تفاعل تحسسي،أو لاضطراب مناعي ذاتي.
تشبه الاعراض والعلامات نظيرها في اعتلال الأعصاب العديد،وقد تكون الإصابة الحسية على شكل القفاز أو الجورب،وتضعف أو تنعدم المنعكسات،وقد يكون الضعف العضلي في العضل القريب والبعيد بشكل متساي.وقد يحدث الضمور العضلي ولكن بشكل أقل من اعتلال الاعصاب العديد.
3 ـ اعتلال العصب الواحد:Mono pathy:
وينجم عن خلل محيطي موضعي،منشأه الانتان،أو انضغاط أحد الاعصاب،أو نقص التروية.ويسبب اضطراباً حسياً حركياً حسب توزع العصب المؤوف.وقد تصاب عدة أعصاب محيطية في آن واحد،فينشأ اعتلال غير متناظر،وهو مايدعى باعتلال العصب الوحيد العديد ويشاهد هذا غالباً في:أمراض الكولاجين:كما في التهاب الشرايين العقِد الرثياني،أو التهاب الشرايين ذو الخلايا العرطلة.ويشاهد أيضاً في الداء السكري بسبب إصابة الأوعية المغذية للعصب.ويشاهد أيضاً في الجذام والساركوئيد.
الأسباب العامة لاعتلال الأعصاب المحيطية:
1 ـ عوز الفيتامينات:وخاصة حمض النيكوتينيك،والفيتامينات:B1 ،PP ،B6 ,B12،وحمض البانتو ثينيك.ويشاهد هذا غالباً في حالات سوء التغذية الشديد،والانسام الغولي.
2 ـ الأدواء الاستقلابية:ومنها خاصة السكري،والقصور الكلوي المزمن،والداء النشواني،والبرفريا،واعتلال الأعصاب السرطاني.
ـ الداء السكري:ويشاهد في المراحل المتقدمة من داء السكري غير المضبوط علاجياً.وتوجد أربعة نماذج للإصابة:
ـ اعتلال الأعصاب المحيطي:حيث يشكو المريض من الآلام،وفرط الحس،وفقدان حس الاهتزاز،وتضعف المنعكسات الوترية أو تزول،وقد يصاب المريض باعتلال المفاصل غير المؤلم بشكل يشابه داء شاركو،كما قد يصاب بالداء الثاقب في القدمين بسبب فقدان الحس ونقص التروية.
ـ الإصابة غير المتناظرة لفخذ واحدة:حيث يشكو المريض من آلام في فخذ واحدة،ويضمر عضلها،وهذا مايسمى ضمور العضل العصبي سكري المنشأ،ويعتقد أنه ينجم عن التهاب جذور العصب الفخذي.
ـ إصابة الجملة الذاتية:ويؤدي للعنة،والإسهال الليلي،واحتباس البول غير المؤلم،وهبوط الضغط الانتصابي.
ـ اعتلال العصب الواحد:ويشاهد خاصة في العصب الوركي أو أحد فرعيه،أو العصب المتوسط،أو العصب الثالث أو السادس(ويتميز هنا بعدم إصابة الحدقة وعدم توسعها وهذه علامة مميزة للداء السكري).
3 ـ التسممات:
وخاصة بالمعادن الثقيلة وخاصة الزرنيخ أو الذهب أو الزئبق أو الرصاص.أو التسمم بالمواد العضوية وخاصة مذيبات الشحوم أو بعض الادوية أو مبيدات الحشرات.
4 ـ التظاهرات التحسسية:وأهم أشكالها:
1 ـ تناذر غيلان ـ باره:يظن أن سببه مناعي ،يصيب الشباب والأطفال وقد يحدث بعد انتان أو حمى أو إعطاء لقاح أو المعالجة بالمصول،ويحدث فيه إصابة الالياف المحركة،ويحدث ضعف مفاجىء في الطرفين السفليين ثم يمتد للعلويين،ويحدث الشفاء غالباً ولكن لابد من الانتباه لتحريك المريض في الفراش وتجنب حدوث قرحات الفراش لديه.
2 ـ اعتلال الأعصاب الدفتريائي المتأخر:هناك نموذجان لالتهاب الأعصاب الدفتريائي:
ـ النموذج الباكر:ويحدث خلال 2 ـ 3 أسابيع من الإصابة وسببه ذيفان الجرثوم،ويصيب الأعصاب المحركة لشراع الحنك وعضلات البلعوم،وأحياناً إصابة العضلات الهدبية المنظمة لتحدب الجسم البلوري مما يسبب اضطراب المطابقة وصعوبة القراءة،وقد يصيب عضلات الوجه أيضاً.
ـ النموذج المتأخر:ويحدث بعد 6 ـ 8 أسابيع وسببه تحسسي يشبه سريرياً تناذر غيلان ـ باره،وهو اعتلال أعصاب محيطي متناظر،يصيب الأعصاب المحركة.
3 ـ التهاب الاعصاب بسبب المصول:ويشبه تناذر غيلان ـ باره.
4 ـ ضمور العضل العصابي.
5 ـ الانتانات:وأهمها:
ـ الخناق:الدفتريا.
ـ الجذام:يسبب التهاب الأعصاب المحيطية بسبب توضع عصيات الجذام(عصيات هانسن) في الألياف العصبية.وهناك نوعان للجذام:الجذام الورمي الجلدي:وينجم عنه آفات جلدية وحشوية ولاتصاب الأعصاب،وانذاره سىء.والجذام الدرني العقيدي:ويسبب إصابات عصبية مع ظهور بقع جلدية بهاقية فاقدة للحس.
6 ـ الاضطرابات الوراثية:حيث يكون العامل الوراثي سبباً لاعتلال الأعصاب المحيطية،وهذه الاضطرابات الوراثية تترافق أحياناً مع:
ـ إصابة العظام كالقدم الحدباء والشوك المشقوق.
ـ علامات هرمية.
ـ علامات مخيخية.
ومن أهم أشكالها السريرية:
! ـ ضمور العضل الشظوي أو داء شاركو ماري توف:ويتميز بما يلي:
ـ اعتلال الاعصاب يصيب الطرفين السفليين أولاً ثم العلويين،ويتظاهر بضعف وضمور في نهاية الطرفين.
ـ يتوقف الضمور في الطرفين السفليين في منتصف الفخذين(ساقي الديك أو اللقلق)
ـ فقد حس الاهتزاز حتى وتر العرقوب فقط.
ـ وهو مرض وراثي عائلي سائد أو مقهور،ومرتبط بالجنس.
2 ـ التهاب العصب الخلالي الضخامي:
حيث تضخم فيه الأعصاب ويشاهد تثخن في الأعصاب المحيطية،وقد يترافق بآلام برقية الشكل.وهو داء أسري عائلي يبدو عادة في الكهولة.
7 ـ انضغاط الأعصاب:وأهم أشكاله:
1 ـ تناذر القناة الرسغية:
إن العصب المتوسط يدخل اليد أمام أوتار قابضة الأصابع السطحية وخلف لفافة القابضات وهذا مايدعى النفق الرسغي.وقد ينضغط العصب من جراء وذمة لأجزاء التي تؤلف النفق أو من جراء وجود كتلة شحمية فيه،أو بسبب الحمل أو البدانة،وقصور الدرق،وفي أمراض ضخامة النهايات أو الداء الرثياني أو الداء النشواني البدئي.
وأهم الاعراض:آلم في اليد قد تنتشر إلى الساعد،وع خدر ونمل على مسار توزع العصب المتوسط.وتزداد الاعراض بعد الاعمال اليدوية مثل غسيل الثياب أو حياكة الصوف ويخف بالراحة.وتزداد الأعراض في الليل وتوقظ المريض،وفي بعض الحالات يحدث ضكور في عضل الإلية ماعدا مقربة الإبهام التي يعصبها العصب الزندي.
2 ـ اعتلال العصب الزندي:
يتعرض للانضغاط في المرفق من جراء تنكس المفصل أو بعد رض مباشر وخلع.ومن الاعراض:ضعف وضمور عصل اليد الصغير باستثناء عضلات الإلية.مع ضعف عطف الرسغ وعاطفتي الختصر والبنصر.واضطراب الحس في الخنصر ونصف البنصر.
3 ـ شواش حس الفخذ المؤلم:
يغادر العصب الجلدي الوحشي الفخذي الحوض تحت الرباط الحرقفي الإربي ثم يمر في اللفافة العريضة قبل وصوله للناحية الجانبية للفخذ،وقد ينضغط العصب وخاصة في حالات البدانة أو الحمل أو بعد الوقوف المديد.ويشتكي المريض من خدر وألم في الناحية الجانبية الأمامية للفخذ،مع نقص الحس في تلك المنطقة.وتزداد الأعراض بالمشي والوقوف وتخف بالراحة .
4 ـ تناذر مدخل الصدر:
ويصيب عادة النساء الكهلات بنقص المقوية العضلية فيتدلى زنار الكتف فيزداد انحناء الجذور السفلى للضفيرة العضدية فوق الأضلاع الظهرية الأولى في طريقها للذراع.
أورام الدماغ:
وهي أورام نادرة الحدوث.
التصنيف:تصنف حسب الخلايا التي تنمو عليها إلى:
1 ـ الأورام الدبقية:Gliomasوتقسم بدورها إلى:
ـ الأورام الكوكبية:Astrocytoms
الأورام قليلة التغصنات Oligodendromas
الأورام النخاعية Medulloblastomas
2 ـ الأورام السحائية:Meningiomas وتشكل نسبة 20% من أورام الدماغ،وهي أورام سليمة محاطة بالمحفظة ومفصولة عما يجاورها من النسيج الدماغي النبيل،ولكنها تؤثر بضغطها وتوضعها على المجاورات،فهي سليمة من حيث التكوين،ولكن خبيثة من حيث التوضع،وقد يكون استئصالها صعباً لالتصاقها بالجيوب الوريدية والأعصاب.
3 ـ الأورام العصبية:Neuromas:وأبرزها:
ـ ورم العصب السمعي:وهو ورم سليم بطىء السير،وهو أكثر الأورام العصبية حدوثاً،ولكنه صعب الإستئصال بصورة تامة،لأنه لايمكن استئصاله إلا داخل المحفظة وليس مع المحفظة لأنها تكتنف العصب السابع.
ـ ورم العصب البصري الدبقي:وهو ورم خبيث من النوع الدبقي،يختق العصب البصري محدثاً العمى.
4 ـ الأورام الغدية:وأهمها:
ـ أورام الغدة النخامية:وهي سليمة غالباً،لايتجاوز حجمها حبة الحمص.
ـ أورام الغدة الصنوبرية:وهي أورام غدية ذات توضع خبيث،لأنها تتوضع على بوابة قناة سلفيوس في الاعلى فتسبب استسقاء الدماغ بشكل باكر بدون حدوث أعراض توضع بعد.وأكثر الأعصاب إصابة هو العصب الثالث،وليس من النادر بل المألوف أن يكون العرض الأول لأورام الغدة الصنوبرية هو تناذر بارينو وهو عدم القدرة على رفع العين للأعلى بسبب إصابة العصب الثالث.
5 ـ الأورام Medulloblastomas،وهي من أخبث أنواع الأورام المخيخية وتصيب الاطفال غالباً والإنذار سىء جداً.
6 ـ الاورام الوعائية:وهي أورام شديدة النزف،ذات سير معتدل،قابلة للاستئصال،ولكن ليس بسهولة،أو بدون عقابيل دماغية.
7 ـ الأورام داخل البطينية:وهي تنشأ غالباً على حساب الضفائر المشيمية وهي أورام سليمة ومن أهم أعراضها ارتفاع التوتر داخل القحف.
8 ـ الأورام الانتقالية:وهي الانتقالات السرطانية وخاصة لسرطان الرئة أو الثدي.
الخرف
من الناحية الطبية:
الخرف أو العته:Dementia:هو تدهور مستمر في وظائف الدماغ،ينتج عنه اضطراب في القدرات الإدراكية مثل الذاكرة والاهتداء والتفكير السليم والحكمة.ويصبح المريض عاجزاً عن خدمة نفسه ويحتاج لرعاية الآخرين.
يشاهد الخرف غالباً عند المسنين بعد سن 65،وتقدر نسبة حدوثه بحوالي2% بين سن 65 ـ 69،وتصل إلى 5% مابين 75 و79،ثم تصل إلى نسبة 20%بين سن 85 ـ 89.
والخرف له شكلان رئيسيان:
1 ـ التدهور المستمر والمتواصل على مدى أشهر أو سنوات وهذا ما يشاهد في داء الزهايمر.ويعد داء الزهايمرأكثر أشكال الخرف شيوعاً،ويحدث في النساء أكثر من الرجال بثلاث مرات.
ومن أهم أعراضه:
ـ خلل في الذاكرة:اضطراب القدرة على اكتساب معلومات جديدة أو استرجاع معلومات قديمة.
ـ اضطراب في اللغة:الصمت أخطاء لفظية،قصر العبارات.
اضطراب القدرات الحركية:مثل العجز عن تفريش الأسنان أو التلويح بالذراع للوداع أو مضغ الطعام…
ـ اضطراب على معرفة الأشياء بأسمائها في حال عدم وجود مشكلات حسية مثل الصمم أو العمى
ـ اضطراب الوظائف العقلية العليا كالتخطيط والتنظيم والترتيب…
2 ـ تدهور متدرج في القدرات الإدراكية يفقد به المريض شيئاً من قدراته بشكل ملحوظ ثم يستقر مدة من الزمن ثم يحدث تدهور ملحوظ وهكذا..وهذا يشاهد غالباً في حالات الاحتشاء الدماغي المتعدد والمتكرر بسبب خثرات وعائية تصيب الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ.وهو يشاهد في الذكور أكثر من الإناث.
من الناحية الدينية:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز:{والله الذي خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يُردُّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً إن الله عليم قدير}[النحل 70].
وقال تعالى:{ومنكم من يُتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً}[الحج5].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اللهم إني أعوذ بك من البخل،وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أردَّ إلى أرذل العمر،وأعوذ بك من فتنة الدنيا،وأعوذ بك من عذاب القبر”[رواه الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو حديث صحيح].
وفي رواية أخرى يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا هؤلاء الكلمات،كما تُعَلّم الكتابة:اللهم إني أعوذ بك من البخل،وأعوذ بك من الجبن،وأعوذ بك من أن نردّ إلى أرذل العمر،وأعوذ بك من فتنة الدنيا،وعذاب القبر”[أخرجه البخاري].وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ منهن دبر الصلاة.
وفي حديث آخر لأنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ يقول:”اللهم إني أعوذ بك من الكسل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل”.
فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نتعوذ من أرذل العمر،وهو كبر السن المؤدي إلى ضعف القوى،وسبب استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم منه:مافيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم،والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها.
يقول الإمام الصنعاني في سبل السلام:”والمراد من الرد إلى أرذل العمر:هو بلوغ الهرم والخرف،حتى يعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية،ضعيف البنية،سخيف العقل،قليل الفهم”.
ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله:”والأرذل:تفضيل في الرذالة،وهي الرداءة في صفات الاستياء.والعمر:مدة البقاء في الحياة،لأنه مشتق من العَمر،وهو شغل المكان،أي عمر الأرض قال تعالى:{وأثاروا الأرض وعمروها}[الروم9].
فإضافة أرذل إلى العمر التي هي من إضافة الصفة إلى الموصوف على طريقة المجاز العقلي،لأن الموصوف بالأرذل حقيقة هو حال الإنسان في عمره لا نفس العمر.
فأرذل العمر هو حال هرم البدن وضعف العقل وهو حال في مدة العمر.وأما نفس مدة العمر فهي لا توصف برذالة ولاشرف.
والهرم لا ينضبط حصوله بعدد من السنين،لأنه يختلف باختلاف الأبدان والبلدان والصحة والاهتلال على تفاوت الامزجة المعتدلة،وهذه الرذالة رذالة في الصحة لا تعلق لها بحالة النفس،فهي مما يعرض للمسلم والكافر فتسمى أرذل العمر فيهما،وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يردّ إلى أرذل العمر”.
من الناحية الادبية:
جاء في البيان والتبيين –الجاحظ – ج2 ص156:
كان عامر بن الظرب العدواني حكيم العرب في الجاهلية،لما أسنَّ واعتراه النسيان أمر ابنته أن تقرع بالعصا إذا نسي وجار عن القصد،وكانت من حكيمات بنات العرب ،وكان يقال لعامر : ذو الحلم . ولذلك قال الحارث بن وعلة :
وزعمتم أن لا حلوم لنا إن العصا قرعت لذي الحلم
وقال المتلمس :
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وما علم الإنسان إلا ليعلما
وقال الفرزدق:
فإن كنت أستأني حلوم مجاشع فإن العصا كانت لذي الحلم تقرع
المعري:
ومن أمنتهُ خطوبُ المنونِ تخوّف من هرمٍ أو خَرفْ
موت الفجأة
من الناحية الطبية:
موت الفجأة أو متلازمة الموت المفاجىء:Sudden unexpected death:هو حدوث الموت بغتة وبشكل مفاجىء وبدون مقدمات، وبدون معاناة سابقة ويشاهد عند الرضع والأطفال و البالغين والراشدين،وخاصة أثناء النوم،ولم تعرف أسبابه بعد ويقال أن له علاقة باضطراب نظم القلب.
وقد زاد في العصر الحديث حوادث الموت الفجائي،وخاصة حسب الدراسات الأخيرة في السنوات الخمسين الماضية،وربما كان موجوداً من قبل،إلا أنه لم يكن بمثل هذه الكثافة والأعداد المتزايدة والتي تصيب جميع الأعمار وبدون استثناء.
من الناحية الدينية:
جاء في الحديث النبوي الشريف:”اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك،وتحول عافيتك،وفجاءة نقمتك،وجميع سخطك“[رواه مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما].
وفي الحديث الشريف:”إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة”.[رواه الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه وحسنه الألباني]
وموت الفجأة قد يصيب الكافر والمؤمن،فلا يصح أن يقال بأن موت الفجأة هو دلالة على سوء الخاتمة،فقد يكون الإنسان طيباً صالحاً طائعاً لأوامر الله،مجتنباً نواهيه ويموت فجأة،وبذلك يكون الموت هنا رحمة له فلا يشعر بألم أو شدة قبل موته.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو:”اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي،وأعوذ بك أن أغتال من تحتي“[رواه الترمذي].
وكان يعلمنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو:”ما من عبد يقول صبح كل يوم ومساء كل ليلة:بسم الله الذي لايضر مع اسمه شىء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم،لم يصبه فجأة بلاء“[رواه أبو داود].
(ويمكن الرجوع إلى الموضوع وبشكل مفصل في مقال”وجاءت سكرة الموت بالحق”)
من الناحية الأدبية:
مهيار الديلمي :
مشت المنونُ إليهِ غير مُحصّنِ الجنباتِ واغتالتهُ غير محاذرِ
ولو انتحته لأنذرته وإنمّا شبَّ الفجيعة أن اُصيبَ بعاثرِ
صرعتهُ مُسبلة الكِمامِ وإنمّا يقعُ التحفظُّ من ذراعي حاسرِ
خليل مطران:
كانوا ثمانية من الندماءِ مُتآلفينَ كأحسنِ الرُّفقاءِ
في مجلسٍ حَجبَ الشبابُ بأمرهمْ أبوابَهُ إلا على السّراءِ
مُتحدِّثينَ ولا يطيبُ لِمثلهمْ إلا حديثُ الحُسنِ والحسناءِ
حتى إذا اعتكرَ الظلامُ ومُزِّقتْ أحشاؤهُ فَدَمينَ بالأضواءِ
وتثاقلتْ أشباهُهمْ وتَخفَّفتْ أرواحهم من نشوةِ الصهباء
أصغوا لقولِ فتىً جرئٍ منهمُ غَضِّ الشبيبةِ جامحِ الأهواءِ
يا ايها الإخوانُ أسمعُ نِسوةً بجوارنا في حفلةٍ وغِناءِ
فَهَلمَّ نَحْتَلْ حِيلةً فيجِئننا لا خير في أُنسِ بغيرِ نساءِ
قالوا فما هيَ قالَ أرقُدُ مُوهماً أني قضيتُ مُعاجلاً بقضاءِ
فإذا انتحبتُمْ جِئتُكم فبرزتُ من كفني وفُزنا باجتماعِ وصفاءِ
فنعاهُ ناعٍ راعَهُنَّ فجئنَ في هَرَجٍ لتوديعِ الفقيدِ النائي
وبكينَهُ حتى إذا أدركنَ ما كادوا لهنَّ وثبنَ وثبَ ظِباءِ
يضحكنَ أشباهَ الشموسِ تألقّت عَقِبَ الحَيا وَضَّاءةَ الّلالاءِ
وحَفلنَ حولَ سريرهِ يَنهرنَهُ لكنْ أحطنَ بصخرةٍ صَمَّاءِ
فرفعنَ عنهُ غَطَاءَهُ فوجدنهُ بالميتِ أشبهَ منهُ بالأحياءِ
عالجنَهُ جُهدَ العِلاجِ ولم يكنْ شئٌ لِيوقظهُ من الإغماءِ
حتى إذا دُعيَّ الطبيبُ فَجَاءهم راعَ القلوبَ بنفي كُلَّ رجاء
فتبدلت أفراحهم في لحظةٍ بمناحةٍ وسرورُهم ببكاءِ
شجّة الدماغ وأمّ الرأس
لغوياً:الشِجة:والجمع شجات أو شِجاج:الجراحة في الرأس أو الوجه أو الجبين.والدامغة من الشجاج:هي التي تبلغ الدماغ فتقتل لوقتها.
روي عن عائشة وأم اسحق بنتي طلحة قالتا : جرح أبونا يوم أحد أربعاً وعشرين جراحة وقع منها في رأسه شجّة مربعة وقطع نساه(العرق) وشُلّت اصبعه وكان سار الجراح في جسده وغلبه الغشي.
جاء في ثمار القلوب-الثعالبي-ص95″شجّة عبد الحميد :
تضرب مثلاً للعورة تصيب الإنسان الجميل فلا تشينه ،بل تزيده حُسناً، فكان عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أجمل أهل دهره ،فأصابته شَجّة في وجهه ،فلم تَشنه،بل استحسنها الناس ،وكان النساء يثخططّن في وجوهنّ شَجّة عبد الحميد “.
الحطيئة:
همُ الآسُونَ اُمَّ الرأسِ لمّا تواكلها الأطبةُ والإسَاءُ
(الأساء: الدواء)
وإنَّ بلاءهمْ ما قد علمتمْ لدى الدّاعي إذا رُفِعَ اللواءُ
أوس بن غلفاء الهُجيمي:
وهم ضربوك ذاتَ الرأسِ حتى بَدتْ أُمُّ الدِّماغِ من العظامِ
الفرزدق:
ولقد نهيتك مرتين ولم أكن اُثني إذا حَمِقٌ ثنى مغرورُ
حتى يُداوي أهلهُ مأمومةً في الرأسِ تُدبرُ مرةً وتثورُ
(أم الراس)
الفرزدق:
وإني لأجري بعدما يَبلغُ المدى وأفقأ عيني ذي الباب وأجدَعُ
(ذو الباب الجنون)
وأكوي خياشيمَ الصداعِ وأبتغي مجامعَ داءِ الرأسِ من حيثُ يَنقَعُ
الفرزدق يصف شَجةً:
بعيدة أطراف الصدوع كأنها ركيّة لقمان الشبيهة بالدَّحل
إذا نظرَ الآسُونَ فيها تَقَلَّبتْ حماليقُهمْ من هول أنيابها الثعل (رواية: العصل أي المتعرجة )
إذا ما رأتها الشمس ظل طبيبها كمن مات تحت الليل مختلس العقل!
يود لك الأدنون لو متّ قبلها يرون بها شراً عليك من القتل
صغر الرأس
من الناحية الطبية:
صغر الرأس أو الصعل:Microcephaly:هو وصف للدلالة على حجم رأس بشري صغير بشكل ملحوظ.
وأهم الاسباب المرضية للصعل:متلازمة داون(مرض المنغولية)،وهناك أسباب نادرة لها علاقة مع الشذوذ في الصبغيات مثل وجود الصبغي 13 بشكل زائد،أو الصبغي 18،ومن الاسباب أيضاً إصابة الحامل بداء الحصبة الألمانية أثناء الحمل،أو داء المقوسات(التوكسوبلاسما)،أو فيروس داء الاندخال الخلوي العرطل،أو استعمال بعض العقاقير الدوائية أثناء الحمل….
وغالباً مايعاني المصاب من تأخر بالقدرات العقلية،وإصابات حركية ،وتشوهات عديدة…
من الناحية الأدبية:
تسمي العرب كل صغير الرأس “رأس العصا”، وكان عمر بن هبيرة صغير الرأس فقال سويد بن الحارث:
من مبلغ رأس العصا أن بيننا ضغائن لا تنسى وإن قدم الدهر
الأهوج=كثير الحركة
احمد شوقي:
لنا صاحبٌ قد مُسَّ إلا بقيةً فليسَ بمجنونٍ، وليسَ بعاقلِ
لهُ قَدَمٌ لا تستقرُ بموضعٍ كما يتنزى في الحصى غيرُ ناعلِ
(يثب)
إذا ما بدا في مجلسٍ ُظنَّ حافلاً من الصخَّبِ العالي وليسَ بحافلِ
ويُمطرنا من لفظهِ كلَّ جامدٍ ويُمطرنا من رَيلهِ شرَّ سائل
(اللعاب)
ويُلقى على السُّمارِ كفاً دِعابها كعضَّةِ بَردٍ في نواحي المفاصلِ
الدوار والدوخة
من الناحية الطبية:
الدوار:Vertigo:هو الشعور بالدوران أو الإحساس أن العالم حول المريض يدور،أو أن الأرض تميد به.
ويمكن أن يترافق مع الغشي أو الغثيان أو الإقياء.مع الشحوب والتعرق البارد.
ويترافق الدوار الدهليزي مع مايسمى الرأرأةNystagmusوهو تحرك العينين المضطرب.
وأهم أسبابه:
1 ـ الدوار الدهليزي المنشأ:حيث أن الأذن الداخلية يوجد فيها مايسمى جهاز الدوران والتوازن متمثلاً في التيه الدهليزيVestibular Labyrinth والذي يتألف بدوره من ثلاث أقنية نصف دائرية وأجهزة التوازن الأخرى.والذي يتصل من خلال الألياف العصبية إلى نواة الجهاز الدهليزي في جذع الدماغ ومن هناك إلى النويات العصبية التي تحرك عضلات مقلتي العينين.
ولعل من أهم الأمراض التي يحدث بها الدوار بشكله الوصفي هو داء منيير:Menniers Disease:ويتصف بالثالوث الوصفي:”
ـ الدوار الحقيقي:ومن صفاته:نوبي اشتدادي دوماً،ويزداد بتغيير وضعية المريض،ويترافق بالأعراض الودية مثل الغثيان والتعرق البارد..
ـ الطنين الاذني:Tinnus:والذي يشاهد أثناء النوبة،وغالباً في أذن واحدة،وهو طنين منخفض التواتر.
ـ نقص السمع:وهو من النوع العصبي المستقبل،ويكون في أذن واحدة غالباً،ويزداد مع تكررالنوب،وعند فقد السمع التام يغيب الدوار.
ومن الأسباب الأخرى للدوار نذكر:
ـ التهاب العصب الدهليزي:ويسبب دواراً حقيقياً بدون نقص السمع أو الطنين،وهو شائع الحدوث،وأسبابه مجهولة،ولكنه يحدث بكثرة عند التعرض للبرد.وانذاره دوماً حسن.
ـ دوار الوضعة:Position vertigo:وهو شائع الحدوث ويحدث عند اتخاذ المريض وضعية معينة،ويقال أن السبب فيه هو إصابة أحد الاقنية نصف الهلالية في الأذن الداخلية.
ـ دوار آفات مضيق الدماغ:تعنبر النواة الدهليزية أكبر النوى القحفية حيث تمتد من الحدبة وحتى أعلى النخاع الشوكي.والأسباب هنا وعائية أو ورمية.
ـ ورم الزاوية الجسرية ـ المخيخية:وهو غالباً ورم العصب السمعي.وأول الاعراض مشاهدة الترنح أثناء المشي بسبب اضطراب التوازن.ولايشاهد فيه الدوار الحقيقي الصريح.ويترافق مع الثالوث:الدوار والطنين ونقص السمع التدريجي.كما يترافق مع إصابة العصبين الخامس والسابع.والورم سليم بطىء النمو خلال عدة سنوات.
وهناك أمراض وأسباب عديدة تسبب هذا الدوار ومنها:أمراض الأذن الباطنة،وأمراض عصب التوازن،وأمراض الجهاز العصبي المركزي،ونقص التروية والأورام وأمراض التنكس. ..والتصلب اللويحي.
2 ـ أسباب نفسية:وخاصة في حالات العصاب ومنها عصاب الخوف.
من الناحية الأدبية:
المهلهل:
فدرتُ وقد عشي بصري عليه كما دارت بشاربها العُقارُ
العرّة
ابن الرومي وعرّة نتف الشعر :
ومن نكد الدنيا إذا ما تنكرتْ اُمورٌ وإن عُدّت صغاراً عظائمُ
إذا رُمتُ بالمنقاشِ نتفَ أشاهبي أتيحُ له من دونهنّ الأداهمُ
فأنتفُ ما أهوى بغيرِ إرادتي وأتركُ ما أقلى وأنفي راغمُ
اللقوة أو شلل العصب الوجهي
من الناحية الطبية:
وتسمى أيضاً شلل العصب الوجهي،أو شلل بيلBells palsy(نسبة للطبيب الاسكتلندي تشارلز بيل الذي وصف المرض وعلاقته مع إصابة العصب الوجهي في القرن التاسع عشر الميلادي).والسبب مجهول ويقال غالباً بسبب فيروس العقبول البسيط.ويتميز بحدوث شلل في نصف الوجه غالباً مع الصباح بعد الاستيقاظ من النوم،ويزداد خلال عدة ساعات،مما يسبب صعوبة في الابتسام أو اطباق الجفن،مع تدلي الوجه وصعوبة إظهار التعابير الوجهية.ويترافق مع قلة إفراز اللعاب والدموع في النصف المصاب..واضطراب التذوق.وقد يشكو المريض من ألم خلف الأذن ينتشر نحو الوجه.
ويشمل الشلل عضلات نصف الوجه،مع انحراف للجهة السليمة،ويزداد الانحراف وعدم التناظر مع الضحك والحركة الإرادية واللإرادية،وعدم القدرة على التصفير أو النفخ،وتعذر إغلاق العين فتبقى مفتوحة حتى أثناء النوم،مما يسبب حدوث قروح في قرنية العين إذا دام الشلل طويلاً.ومتى أراد المريض إغلاق جفنيه ذهبت المقلة إلى الأعلى والأنسي وهذا يسمى علامة بل.وينهمر الدمع من العين المصابة لتباعد الموق عن الدمع.
ومن النادر أن يكون الشلل مضاعفاً وتشاهد الشلول المضاعفة في تناذر غيلان باره،وفي داء العصبونات المحركة(التصلب الجانبي الضموري) وفي رضوض الجمجمة.
يصيب الشلل الجنسان وفي كل الأعمار،وتكثر الإصابة عند مرضى السكري،وفي 50% من الحالات هناك قصة التعرض لتيار هوائي.كما قد يكون شلل بل أحد مظاهر التصلب اللويحي.
ويعتقد أن الإمراضية في الإصابة تنجم عن انضغاط العصب الوجهي خلال المرور في قناته بسبب الوذمة حول الغمد.
يستمر الشلل على مدار أيام وقد يستمر لعدة أشهر،وفي معظم الحالات يتعافى تلقائياً.وإنذار الداء أسوأ عند مرضى السكري وفي حال الإصابة بداء المنطقة.
وأهم مايميز اللقوة المركزية عن المحيطية:
1 ـ القدرة على إغماض العينين ورفع الحواجب في المركزية وعدم القدرة في المحيطية.
2 ـ انحراف الفم نحو جهة الآفة في المركزية،ونحو الجهة السليمة في المحيطية.
3 ـ إصابة حس الذوق في اللسان في اللقوة المحيطية فقط.
4 ـ إصابة الألياف الدمعية في المحيطية فقط مع دماع مستمر لعدم تمكن المريض من تحريك الأجفان.
5 ـ إصابة عصب عضلة الركابى في المحيطية وحدوث فرط السمع.
6 ـ في اللقوة المركزية تنعدم الحركات الإرادية وتبقى اللإرادية،فإذا طلب من المريض أن يضحك انحرف فمه،ولكن إذا كان إنسان يكلم آخر وضحك فإنه يمكن أن يضحك انعكاسياً بدون انحراف الفم،بينما في اللقوة المحيطية وبسبب الشلل العضلي في عضلات الوجه فإنه يفقد الحركات الإرادية واللإرادية معاً.
والعصب الوجهي وهو سابع الأعصاب القحفية،يشبه في تركيبه سلك الهاتف الذي يحتوي حوالي 7000ليف عصبي تحمل الإشارات إلى عضلات الوجه،مما تستدعي الضحك أو الابتسام أو البكاء…أي أن العصب الوجهي هو عصب التعابير الوجهية.كما أن هذا العصب له علاقة مع إفراز الغدد الدمعية والغدد اللعابية،/ويعصب عضلة عظم الركابى في الاذن الوسطى وهو مسؤول أيضاً عن حاسة التذوق في مقدمة اللسان.
من الناحية الأدبية:
عُيَينة بن حصين الفزاري:سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحمق المطاع، وكان اسمه حذيفة ،وأصيب باللقوة وقد جحظت عينه ،وزال فمه فسمي عيينة .
معاوية بن أبي سفيان :أصابته اللقوة في أخر حياته .
جاء في البصائر والذخائر للتوحيدي ج1 ص17-18:
“قال الهيثم بن عدي : خرج معاوية يريد مكة ،حتى إذا كان بالأبواء (من أعمال الفرع من المدينة) اطلَّعَ في بئر عاديّة(نسبة الى عاد يعني قديمة)، فأصابته اللقوة(داء في الوجه يعوَّجُ منه الشدق وينجذب له شق الوجه الى جهة غير طبيعية،ولا يحسن التقاء الشفتين،ولا تنطبق احدى العينين)، فأتى مكة ‘فلما قضى نسكه ،وصار الى منزله ،دعا بثوبٍ فلفَّهُ على رأسه وعلى جانب وجهه الذي أصابه فيه ما أصابه ،ثم أذن للناس فدخلوا عليه ،وعنده مروان بن الحكم ،فقال:إن أكن ابتليتُ فقد أبتلي الصالحون قبلي،وأرجو أن أكون منهم ،وإن عوقبت ُفقد عوقب الظالمون قبلي ،وما آمنُ أن أكون منهم ،وقد ابتليتُ في أحسن ما يبدو مني،وما احصي صحيحي ،وما كان لي على ربي إلا ما أعطاني . والله إن كان عَتبَ عليّ بعضُ خاصتكم فقد كنتُ حَدِباً على عامتكم ،فرحم الله رجلاً دعا لي بالعافية . قال: فعَجَّ الناسُ له بالدعاء ،فبكى ،فقال مروان :ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فقال: كَبُرتْ سني ،وكثرَ الدمعُ في عيني ،وخشيت أن تكون عقوبةٌ من ربي ،ولولا يزيد لأبصرت قصدي وأنشد:
وإذا رأيتَ عجيبةً فاصبرْ لها فالدهرُ قد يأتي بما هو أعجبُ
ولقد أُراني والأسودُ تخافني فأخافني من بعد ذاك الثعلبُ
أيوب بن شعف النهشلي:
رمى اللهُ عينَ ابن الزبير بلقوةٍ تخلّجها حتى يطولَ سُهودُهّا
الصداع
من الناحية الطبية:
الصداع:هو ألم في الرأس أو الرقبة،والسبب فيه غالباً مجهول،وله عدة أنواع وأشكال.وهو من الأعراض الشائعة يصاب به معظم البشر في أحد مرحل العمر.
ومن المعروف أن النسيج الدماغي لاتوجد في مستقبلات للألم،كما أن الأم الجافية وهي أحد مكونات السحايا لاتحتوي مستقبلات الألم،وأما التركيبات التي توجد فيها هذه المستقبلات في الرأس وتشعر بالألم وبالتالي تحدث الصداع فهي:
1 ـ الأوعية بالدرجة الأولى وخاصة أوعية القاعدة داخل تجويف القحف.
2 ـ نسج قاعدة الدماغ بما فيها بعض أقسام السحايا.
3 ـ بعض الأعصاب القحفية تنقل الألم إلى الرأس وخاصة منها الأعصاب القحفية الخامس،والتاسع،والعاشر جزئياً.
وبالإضافة إلى ذلك قإن الألم من منشأ خارج القحف تنقله الأعصاب الرقبية الثلاثة الأولى.
أنواع الصداع:
يقسم الصداع إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الصداع من منشأ خارج القحف:Extracranial:ويشكل النسبة العالية من الأسباب،وآليته أنه حين يوجد الألم فإنه يرافق مع التشنج والذي يزيد من الألم،وإن كل منطقة محيطة بالرأس إذا أصيبت بآفة مؤلمة فإنها تسبب صداعاً،ولهذا نشاهد الصداع هنا في الحالات التالية:
ـ الصداع الناشىء عن أسباب سنية،وذلك بإصابة الأسنان بآفات مؤلمة.
ـ الصداع العيني المنشأ:كما في أمراض سوء الانكسار،وداء الزرق حيث يحدث ألما في العين ومايحيط بها مع الصداع،بالإضافة لتغيم القرنية وتوسع الحدقة،وغالباً مايكون الزرق وحيد الجانب.
ـ الصداع بسبب الجيوب الأنفية:وهو شائع الحدوث ويتصف بما يلي:أنه يشاهد بعد الزكام والرشوحات الشديدة،وأن الألم يقع غالباً في ناحية الجيب المصاب وخاصة في ناحية الجبهة،وأن الألم يزداد بالمنبهات الفيزلوجية مثل التعرض للشمس،أو البرودة،ويزداد الألم عند انحناء الرأس،ويكون اسوأ مايكون عند الاستيقاظ من النوم صباحاً،ويزداد الألم بالضغط على الناحية المصابة.
ـ الصداع الأذني المنشأ:كما في دمامل الأذن الخارجية،والتهاب الأذن الوسطى القيحي غالباً،والتهاب الخشاء.
ـ الصداع الرقبي المنشأ:ويشاهد في آفات الفقرات الرقبية مثل الانضغاط أو الالتهاب،أو التهابات روماتزمية،…ويزداد الألم بعطف وبسط الرقبة.
ـ الصداع الوعائي المنشأ:وخاصة في داء الشقيقة.وهو صداع نابض ويترافق مع قوة النبض في أوعية السباتي الظاهر وأحياناً أوعية السحايا.ومن أسباب الصداع الوعائي نذكر أيضاً:
1 ـ العوامل المؤهبة:Precipitating Factors:وأهمها:
ـ التحسس للمناخ:وخاصة في بعض حالات الطقس المترافق مع بعض الظواهر الطبيعية مثل الضباب وازدياد البرودة أو الرطوبة أو التغير المناخي المفاجىء…
ـ مدروجات الضغط:Gradients:مدروجات الحرارة وتبدلات الطقس.
ـ حالات الشدائدStress:كالإجهاد العقلي أو الفيزيائي أو التوتر العصبي،بعض العوامل المحيطة مثل الضوضاء والضجة الشديدة،…
ـ الحالات الحمية والتسممات:كما في الانفلونزا والتيفوئيد …
ـ بعض المركبات الدوائية والإدمان الدوائي.
ـ تناول الغول والنيكوتين.
ـ الطمث عند النساء أو عسرة الطمث.
ـ ارتفاع التوتر الشرياني
ويحدث الألم في الحالات السابقة بسبب تحسس الأوعية القحفية،أو بسبب تنبه مستقبلات الألم.
ومن أشهر أنواع الصداع الوعائي الشقيقة:وهو صداع نصفي يصيب جزءاً نصفياً من الرأس،ويشاهد عند النساء أكثر من الذكور،وخاصة بعد سن الإياس أو الضهي،ولايعرف السبب الحقيقي له بعد.والمصابون غالباً ذوو بنية نفسية خاصة (الدقة في التعامل،والحرص على أداء الواجبات،وأحياناً اضطرابات عاطفية،أو شدة التأثر..)وهناك غالباً قصة عائلية في الإصابة.
ويحدث بشكل نوبي،حيث تستمر النوبة 4 ـ 72ساعة،ويكون بشكل صداع نابض(مثل طرق المطرقة)، ويكون شقياً،مترافق مع الإقياء والغثيان. ومن العوامل المحرضة على الشقيقة:الإجهاد النفسي،والضغط العصبي،أو عدم النوم الكافي،أو تناول بعض أنواع الطعام والشراب كالجبن والنبيذ الأحمر والخمور،والأطعمة الحاوية ملح النترات مثل الهامبورجر،والسجق،…
2 ـ الصداع من منشأ داخل القحف:ونسبته بسيطة حوالي 5% من الاسباب وأهم أسبابه:
1 ـ أورام الدماغ:حيث تسبب الصداع وخاصة أورام قاعدة الدماغ كأورام النخامى،فعلى الرغم من كونها صغيرة ولكنها تسبب في 85% من الحالات الصداع.وفي البداية يكون الصداع في ناحية الورم،ولكن عندما يكبر الورم ويحدث ارتفاع التوتر داخل القحق يكون الصداع معمماً.
ومن صفات الصداع :أنه دائم:ولكن يشتد حيناً ويخف حيناً،ويزداد بالسعال.
2 ـ الالتهابات:مثل ذات السحايا حيث الصداع من الاعراض البارزة والباكرة.
3 ـ الصداع نفسي المنشأ:
ونسبه عالية جداً،وليس للصداع شكلاً معيناً،كالصداع النابض في الشقيقة،أو اللامع كما في آفات العصب الخامس أو التاسع.ويصفه المريض بعدة صفات ومنها:مطووش،دبيب النمل،…
من الناحية الدينية:
أم أنمار الخزاعية والصداع:
كانت أم أنمار الخزاعية سيدة خباب بن الأرت ،وكانت تعذبه عذاباً شديداً لإسلامه(سادس ستة) ،وكانت تأخذ حديدة محميّة من كيره(كان يصنع السيوف) وتضعها على رأسه حتى يدخّن رأسه ،ويغمى عليه ،وكان يدعو عليها ،وقد استجاب الله لدعائه،فقبل أن يهاجر إلى المدينة أصيبت أم أنمار بصداع لم يُسمع بمثلِ آلامه قط ،فكانت تعوي من شدّ’ة الوجع كما تعوي الكلاب،وقام أبناؤها يستطّبون لها في كل مكان فقيل لهم :إنه لاشفاء لها من أوجاعها إلا إذا دأبت على كيّ رأسها بالنار ،فجعلت تكوي رأسها بالحديد المحميّ،فتلقى من أوجاع الكيّ ما يُنسيّها آلام الصداع (صورة من حياة الصحابة د. عبد الرحمن رأفت الباشا).
من الناحية الأدبية:
بشار بن برد:؛
ولقد قلت يوم قالوا تشّكت بصداعٍ من صالبِ الأورادِ
ليتَ الصداع أمسى برأسي ثمَ كانت سعادُ من عُوّادي
عنترة”
وسيفي كان في الهيجا طبيب يداوي رأس من يشكو الصداعا
النابغة الجعدي:
ومأثورٍ من الهندي يشفى به رأسُ الكميّ من الصّداع
العباس بن الأحنف :
عَصَّبتْ رأسها فليتَ صُداعاً قد شكتهُ إليَّ كان براسي
ثمَّ لا تشتكي وكان لها الأجرُ وكنتُ السقامَ عنها أُقاسي
ذاكَ حتى يقولَ لي من رآني: هكذا يفعلُ المُحِبُّ المواسي
علقمة الفحل:
تشفي الصُداعَ ولا يؤذيكَ صالِبها ولا يُخالِطها في الرأسِ تدويمُ
ابو العيال الهذلي:
ذكرتُ أخي فعاودني صُداعُ الراسِ والوَصَبُ
الخدر:
من الناحية الطبية:
الخدر:هو فتور واسترخاء يصيب العضو من الجسم.
والخدر يشاهد مثلاً عند الجلوس لساعات طويلة على وضع واحد مما يسبب خدر في الساق أو القدم وربما تشنج عضلي فيهما ويطلق العامة عليه”نامت يدي أو نامت رجلي”أو تنميل الأطراف .Limb Numbness
وفي حالات الخدر المستمر قد تكون هناك اسباب عضوية ومنها :نقص التروية،أو نقص بعض الفيتامينات،أو داء السكري،أو اعتلال الأعصاب المحيطية،أو تناول الغول،أو لأسباب التهابية…أو داء التصلب اللويحي.
من الناحية الادبية:
العرب كانت تزعم أن المتحابين إذا شق كل واحد منهما ثوب صاحبه دامت مودتهما ولم تفسد ومنها قول عمر بن أبي ربيعة:
أهيمُ بها في كلِّ مُمسى ومصبح وأكثر دعواها إذا خدرت رجلي
لأنهم كانوا يزعمون أن الرجل إذا خدرت رجله وذكر من يحب أو دعاه ذهب خدرها.ومثله قول جميل بثينة:
وأنت لعيني قرة حين نلتقي وذكرك يشفيني إذا خدرت رجلي
منصور النميري يصف سيفاً:
وكأنَّ وقعتهُ بجمجمة الفتى خَدرُ المُدامةِ أو نُعاسُ الهاجعِ
4 ـ بعض أمراض البطن والجوف:
طحال البحرين : جاء في ثمار القلوب للثعالبي (ص551-552): قال الجاحظ في خصائص البلدان عن ثقاة التجار الذين نقبوا في البلاد : من أقام في البحرين مدّة ربا طحاله ،وانتفخ بطنه ،قال الشاعر :
ومن يسكن البحرين يَعظُمْ طحالهُ ويُغبطْ بما في بطنه وهو جائع
وأجمع أهل البحرين أن لهم تمراً يسمى النابحيّ وأن من فَضَخه وجعله نبيذاً ثم شربه وعليه ثوب أبيض صبغه عَرقه .
جاء في ثمار القلوب –(الثعالبي-ص342):
“داء البطن: يضرب مثلاً للشرِ المستور الذي لا يُقدر على مداواته . قال بعض السلف في فتنة عثمان بن عفان رضي الله عنه : إن هذه الفتنة كداءِ البطن الذي لا يُدرى من أين يُؤتى له .
عمرو بن العاص وداء البطن : جاء في كتاب فتوح مصر لإبن عبد الحكم ان عمرو بن العاص كان أصابه في بطنه شئ فتخلف في منزله ،وكان خارجة بن حذافة(أحد أصحاب عمرو) يغشى الناس،فضربه الحروري(أحد الخوارج الثلاثة) وهو يظن أنه عمرو،فلما علم أنه ليس عمراً قال: أردت عمراً وأراد الله خارجة ،فكان عمرو بن العاص يقول: ما نفعني بطني قط إلا ذلك اليوم .
الحجاج بن يوسف الثقفي : مات في رمضان 95 هجري(715م) لما وقعت في جوفه الأكله (السرطان أو القرحه) (عمر فروخ ج1 ص550).
جاء في ضحى الاسلام لأحمد أمين (ج1 ص267):
“جاء في الطبري عن علي بن محمد بن سليمان النّوفلي عن أبيه أنه كان يقول:”كان المنصور لا يستمرئ طعامه، ويشكو ذلك إلى المتطببين،ويسألهم أن يتخذوا له الجَوارشْنات، فكانوا يكرهون ذلك، ويأمرونه ان يقلّ من الطعام، ويخبرونه أن الجوارشنات تهضم في الحال ،وتحدث من العلة ما هو اشد منها عليه ،حتى قدم عليه طبيب من أطباء الهند ،فقال له كما قال له غيره ، فكان ياخذ له سَفُوفاً جوارشناً يابساً فيه الأفويه والأدوية الحارة ،فكان ياخذه فيهضم طعامه ،فأحمده”.
رفاعة بن أبي حجرية الفقعسي:
ومولى كداءِ البطنِ أخرجَ بَغيهُ دفاعي وعضى دُونهُ بالغواربِ
قيس بن الخطيم :
وما بعضُ الإقامةِ في ديارٍ يُهانُ بها الفتى إلا بلاءُ
وبعضُ خلائق الأقوام داءٌ كداءِ البطنِ ليسَ له دواءُ
أبو بكر بن دريد الازدي:
وغاضَ ماءَ شِرَّتي دهرٌ رمى خواطر القلبِ بتبريحِ الجوى
(غاض:نقص، الشرة:النشاط والشباب، الجوى:سقم في الجوف من طول المرض)
واتخذَ التسهيدُ عيني مالَفاً لما جفا أجفانها طيف الكرى
ولا أقول إن عرتني نكبةٌ قولَ القُنوط انقدَّ في البطن السلا
(انقد:انقطع، السلا : حبل المشيمة)
لا غَروَ إن لَحَّ زمانٌ جائرٌ فاعترقَ العظم الممُخَّ وانتقى
(ازال عن العظم اللحم، الممخ:مخ العظم)
الأسود بن الهيثم النخعي:
بني عَمِّنا إنَّ العداوة شرُّها ضغائِنُ تبقى في نفوسِ الأقاربِ
(رواية:في صدور)
تكونُ كداءِ البطنِ ليسَ بظاهرٍ فيبرا، وداءُ البطنِ من شَرِّ صاحب (رواية:فيُشفى)
بني عمنا إن الجناح يشله تنقص سل الريش من كل جانب
ابن الرومي:
بوطِنُ الحُبِّ أدهى من ظواهرهِ كما علمتَ، وشرُّ الداءِ ما اجتافا
(وصل للجوف)
ابن الرومي:
لا تَظُننَّ أن مالكَ شئ كدمِ الجوفِ خيرهُ محقون
(المال ليس كالدم إذا احتفظت به زادك صحة)
الشنتريني:
وصاحبٍ لي كداءِ البطن صُحبَتُهُ يَودَّني كودادِ الذئبِ للراعي
رافع بن هُريمْ اليربوعي:
وصاحبُ السُّوءِ كالداء الغميض إذا يَرْفَضُّ في الجوف يجري هاهنا وهنا
يُبدي ويُظهرُ عن عوراتِ صاحبه وما رأى من فَعالٍ صالح دَفنا
(القالي ج2 ص174)
أحدهم:
ومولى كداء البطن أما لقاؤه فحلم وأما غيبه فظنون
أبو عبد الله الحسن بن أحمد الحجاج في إنسان طبري مات بالقولنج (انسداد الأمعاء)نقلاً عن يتيمة الدهر للثعالبي ج3 ص48:
يا عضّة الموت افغري فاك لروح الطبري
حتى تمجيها على علاتها في سقر
يا أيها الثاوي الذي أفلح لو كان خري
لمثل ذا اليوم يقا ل من خري فقد بري
السلطان ابن محمود الشهيد والقولنج🙁 شذرات الذهب ج4 ص458):
” لما اُصيب الملك الصالح إسماعيل بن السلطان محمود الشهيد بالقولنج وصف له الأطباء قليل خمر،فقال : لا أفعل حتى أسأل الفقهاء . فسأل بعضهم قائلاً : إن كان الله قرَّبَ أجلي فهل يُؤخره شرب الخمر ؟ فقال: لا ، فقال: والله لا لقيت الله وقد فعلتُ ما حرَّم علي ،ومات ولم يشربه رحمه الله .
المقداد بن عمرو ابن الأسود وفتح البطن :ذكر ابن حجر في الإصابة عن المقداد بن عمرو بن الأسود أنه كان له غلام رومي ،فقال : أشق بطنك فاخرج من شحمه حتى تلطف (لأنه كان عظيم البطن )، فشق بطنه ثم خاطه ،فمات المقداد رضي الله عنه وهرب الغلام ، وكان موته سنة 33 هجري في خلافة عثمان وهو ابن سبعين سنة .
أدواء المرارة والكبد
المغيرة بن المهلب والمرارة:كان المغيرة ممروراً ،وكان عند الحجاج يوماً ،فهاجت به مرَّته ،فقال له الحجاج: ادخل المتوضأ ،وأمر من يقيم عنده حتى يتقيأ ويفيق (البيان والتبيين الجاحظ ج2 ص78)
عبيدة بن الحارث والصفراء: يوم بدر قطعت رجل عبيدة بن الحارث ،فلم يزل ضَمِناً ،حتى مات بالصفراء .
(والضمن : المريض الذي به ضمانة في جسده من زمانة أو بلاء أو كسر أو غيره) قال الشاعر:
ما خلتني زلتُ بَعَدكُم ضَمناً أشكو إليكم حُمُوَّةَ الألم
الشريف الرضي:
إنّي لأعجَبُ بعدَ اليومِ من كَبدٍ تدمى لهم كيف تندى وهي تحترقُ
الشريف:
ولي كَبدٌ من حُبِّ ظمياءَ اصبحتْ كذي الجُرحِ يُنكى بعدما رقأ الدّمُ
أصابَ الهوى قلباً بعيداً عن الهوى وما كُلُّ من يبغي السلامةَ يَسلمُ
مهيار الديلمي:
سلبتموني كبداً صحيحةً أمسِ فردّوها عليَّ قِطعا
مهيار:
أرى كبدي وقد بردت قليلاً أماتَ الهَمُّ أم عاش السرور
مهيار:
إذا ذُكرتْ نزتْ كبدي إليها هُبوبَ الداء نُبّه بالعِوادِ
جحظة البرمكي:
ولي كبدٌ لا يُصلِحُ الطِّبُ سُقمها من الوجدِ لا تَنفّكُ داميةً حَرى
ولي الدين يكن :
يا كبداً من مناطها انفصلت ما خلتُ أن الأكباد تنفصل
محمد مهدي الجواهري:
آهِ كم جررّتها عن كبدٍ من وقيدِ الآهِ سالت قِطعا
النزف الشرجي
الامام الشافعي :كان الشافعي مصاباً بداء البواسير،وكان يظن أن هذه العلة إنما نشأت بسبب استعماله اللُبان -وكان يستعمله للحفظ-وبسبب هذه العلة ما انقطع عنه النزيف وربما ركب فسال الدم من عقبيه . وكان لا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوة،وما لقي أحد من السقم مالقي
والعجيب في الأمر بل يكاد يكون معجزاً أن تكون هذه حال الشافعي ويترك في مدة أربعة سنوات كلها سقم من اجتهاده الجديد ما يملأ آلاف الورق مع مواصلة الدروس والأبحاث والمناظرات والمطالعات في الليل والنهار ،وكأنّ هذا الدأب والنشاط في العلم هو دواؤه الوحيد الشافي !وألحَّ على الشافعي المرض وأذابه السقم ووقف الموت ببابه ينتظر انتهاء الأجل . ودفن رحمه الله تعالى في القاهرة في أول شعبان يوم الجمعة سنة 204 هجري .
الفواق
من الناحية الطبية:
الفواق:أو الحزقة أو الزغطة:هو بسبب تقلص لا إرادي يصيب عضلة الحجاب الحاجزوالذي يتكرر عدة مرات في الدقيقة الواحدة.ويترافق مع انغلاق لسان المزمار في الحلق(المسافة مابين الحبلين الصوتيين في الحنجرة)،ويسبب الصوت المعروف في الفواق.
وهناك أسباب كثيرة تحدث الفواق ومعظمها ينجم عن تهيج الحجاب الحاجز أو العصب الحاجزي أو لسان المزمار ومن أهم الأسباب نذكر:
المشروبات الغازية أو الغول،نقص السوائل في الجسم(التجفاف)،تناول الأكل بسرعة،الضحك أو البكاء لمدة طويلة،تناول الأطعمة الحارة،التدخين،نقص الفيتامينات،التهابات في لسان المزمار أو الرئة أو في عضلة الحجاب الحاجز،القرحة المعدية،داء السكري،ارتفاع البولة الدموية كما في القصور الكلوي المزمن،…
من الناحية الدينية:
اصيب الشيخ محمد رفعت رحمه الله بمرض الفواق الذي منعه من تلاوة القران ،وكانت أزمة الفواق تستمر معه ساعات .وأصيب بورم في الحبال الصوتية منعه من تلاوة القران فيما بعد ومات في التاسع من الشهر الخامس عام 1950 عن ثمانية وستين عاما .
الاستسقاء
من الناحية الطبية:
الاستسقاء:هو احتباس السوائل في الجسم،ويسمى أيضاً بالوذمة Edema،وحسب تجمع السوائل فإنه توجد عدة أشكال للاستسقاء أو الوذمة ومنها:الوذمة المحيطية،والوذمة الدماغية،والوذمة الرئوية،والوذمة الجلدية، والوذمات حول العين…
الوذمة المحيطية:وتشاهد في الأطراف السفلى من الجسم وتنجم غالباً عن الوقوف أو الجلوس المديد،وكذلك بسبب قصور القلب الأيمن،وفي القصور الكلوي،كما تشاهد بسبب بعض الأدوية مثل الأميلوديبينAmilodipin والذي يعطى في حالات ارتفاع التوتر الشرياني…
وأحد الأشكال هو الاستسقاء البطني أو الحبن Ascites،وأهم أسبابه تشمع الكبد،وخاصة بسبب الغول أو الالتهابات الفيروسية…
من الناحية الأدبية:
أبو الفتح البستي :
إنّ الجهولَ تضُّرني اخلاقهُ ضرر السُّعالِ لمن به استسقاء
ابن الرومي:
قالوا: الخبيث قد استسقى ، فقلت لهم: لا يشفهِ طِبُّ ذي طبٍّ ولا راقِ
قد كان يكثر من هاضوم غلمته بجهده لو وقاه حتفَهُ واقي
لا يُرْجَ بعدكَ للهاضوم منقعةٌ إن مِتَّ في الماءِ يا وهب ابن اسحقِ
إذا دعا لك داعٍ قلتُ حينئذٍ: لا زال من وَصَبِ الشكوى على ساقِ
لا تعدم الماء من سُقيا ويُعقبهُ سقياك في النارِ من مُهلٍ وغَسَّاقِ
طرفة بن العبد :
لهُ شربتان بالنهار ، وأربعٌ من الليل حتى آضَ سُحذاً مورَّما
الإسهالات
أبو أيوب الأنصاري: توفي بالدوسنطاريا تحت أسوار القسطنطينية أثناء حصار المسلمين لها عام 52 هجري (672م) ودفن هناك (دائرة المعارف الإسلامية)
جاء في معجم الأدباء-ياقوت الحموي- ج2 ص 153-154″كان اسحق ابن ابراهيم الموصلي يسأل الله ألا يبتليه بالقُولَنج(مرض معوي مؤلم يعسر معه خروج الثفل والريح) لما رأى من صعوبته على أبيه ،فاُري في منامه ، كأن قائلاً يقول له: قد اُجيبت دعوتك ، ولست تموت بالقولنج ،ولكن تموت بّه ، فأصابه ذَرّب، فمات منه في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين ومائتين في خلافة المتوكل .
5 ـ بعض الأمراض الجلدية:
البرص والوضح
من الناحية الطبية:
وهو مرض جلدي ينجم عن وجود خلل في انتاج مادة الميلانين في خلايا الجلد،وهذا النقصان قد يكون جزئياً وهذا ينجم عنه داء البرص الموضعي،أو قد يكون شاملاً يصيب كامل الجلد ويسمى داء المهق.وقد تنقص الخلايا الصباغية في العينين والشعر (الشعر باللون الأبيض)،ويتعرض المصابون في ناحية الوجه للإصابة بالنمش وبعض الحروق الجلدية بعد التعرض لأشعة الشمس.وتكون الرموش والحواجب شاحبة اللون.
ولابد أن نفرق بين البرص الجلدي الحميد بسبب نقص الميلانين والذي سببه عوامل وراثية،ولا يسبب العدوى كما يظن بعض العامة،والبرص الخبيث كالمشاهد مثلاً في داء الجذام وهو شديد العدوى.
من الناحية الدينية:
هناك حديث شريف عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:كإن ثلاثة من بي إسرائيل : أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص ، فقال له : أي شئ أحب إليك ؟ فقال له لون حسن وجلد حسن وقد قذرني الناس . قال : فمسحه الملك : فذهب عنه فأعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً . …. [متفق عليه].
من الناحية الأدبية:
الشاعر القروي:
نصحتُكَ لا تمددْ إلى أبرص يدا ولو مطرت كفاه دُرّاً وعسجدا
لأمر يلقيك الفرنجيُّ باسماً فزِدْ حذراً ما زاد ذئب تودّدا
تراهُ صحيح الودِّ وهو سقيمه كما يُكسبُ الحمّى الخدودَ تورّدا
ابن حبناء يمدح البرص :
لا تحسَبَنَّ بياضاً فيَّ منقصةً إنَّ اللهاميمَ في أقرابها بَلَقُ
(اسخياء الناس)
(يقول الامام العسكري في محمع الأمثال (ج1 ص233-234): بعض العرب يتبرّك بالبرص ويمدحه. اللهاميم : ج لهموم وهو الجواد من الناس والخيل . الأقراب : ج قرب وهو الخاصرة)
وذكر أنّ جذيمة بن مالك الأبرش وكان أبرص فكنيَّ عنه فقيل الأبرش وكان يفتخر بالبرص وقال أحدهم :
أبرصُ فيَّاض اليدين أكلَفُ والبُرْصُ أندى باللُّهى وأعرَفُ
وزعموا أن بَلعاءَ بن قيس لما شاع في جلده البرص قيل له : ماهذا ؟ قال: سيفُ الله جلاه (نفس المرجع للعسكري).
جاء في وصف اُويس القرني : أنه كان معتدل القامة لونه شديد السمرة ،في عينيه حمرة ،قد أصابه البرص،ثم برئ منه إلا موضع درهم تحت منكبه .
وجاء في مجموعة السفير (ج29-30 ص159-160):
“عن اُسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمدادُ أهل اليمن سألهم افيكم اُويس بن عامر ؟ حتى أتى عليه اُويس فقال : انت اُويس بن عامر ؟ قال: نعم ، قال : من مُراد ثم من قَرَنْ ؟ قال: نعم ، قال: فكان بك برصٌ فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال: نعم . قال لك والدة ؟ قال : نعم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يأتي عليكم اُويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قَرَن ،كان به برص فبرئ منه إلا موضع درهم ،له والدة هو بها بَرٌ لو أقسمَ على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل ،فاستغفر لي ،فاستغفر له “.
جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي (ج4 ص4) :
” أصاب الكسائي الوَضَح(البرص=البرش) في وجهه وبدنه وكره الرشيد ملازمته أولاده(لأنه كان يعلمهم) فأمر أن يرتاد لهم من ينوب عنه ممن يرتضي به ،وقال : إنك قد كبرت ونحن نحب أن نودعك ولسنا نقطع عنك جارِيك”.
أبو الحسن علي بن جبلة الملقب بالعكوك كان من البرصان والعميان.
(والعكوك:السمين القصير مع صلابة) .
قطري بن الفجاءة كان من البرصان وكان من الخطباء والفرسان المشهورين عند الخوارج.
بَرِصَ أبو عَزَّةَ الجمحي(شاعر جاهلي أدرك الاسلام ولم يسلم ) بعدما أسنَّ، فكانت قريش لا تؤاكله ولا تجالسه (لانها تكره الأبرص وتخاف العدوى )، فقال : الموتُ خيرٌ من هذا ، فأخذ حديدةً، فدخل بعض شعاب مكة وصعد بها الى جبل حراء ،فطعن بها في مَعَدِّه، قال ابن جعدبة ،فمارتِ الحديدة بين الجلد والصّفاق فسال منه أصفر فبرأ فقال :
لا هُمَّ ربَّ وائلٍ ونَهْدِ والسَّهماتِ والجبالِ الجُرْدِ
(نهد:جد قضاعة، السهمات: الأرض المشرفة على البحر)
وربَ من يرعى بياضَ نَجدِ أصبحتُ عبداً لكَ وابنَ عبدِ
أبرأتني من وَضَحٍ بجلدي من بعد ما طعنتُ في مَعَدّي
(طبقات الشعراء –الجمحي –ص100)
الحارث بن حلّزة اليشكري كان من البرصان الذين فخروا بالبرص وقال مفتخراً بذلك:
يا أم عمرو لا تُغَرّي بالرَّوقْ ليس يضر الطرِّفَ توليع البَلَقْ
(الروق: الجمال،الطرف:الكريم،النوليع: التلميع من البرص،البلق: استطالة البياض وتفرقه)
وكان عمرو بن هند يكره ان ينظر إلى رجل به بلاء ،فلما قال الحارث بن حلزة قصيدته آذنتنا ببينها أسماء استخف عمرو بن هند الطرب وامر برفع الحجاب ثم اقعده على طعامه وصَيّره من سُماره.
لبيد بن ربيعة يهجو الربيع بن زياد (نديم النعمان بن المنذر):
نحن خيارُ عامر بن صعصعه الضاربون الهامَ تحت الخيضعه
(المعركة وجلبة الحرب)
والمطعمون الجفنه المدعدعه مهلاً أبيتَ اللعن لاتأكلْ معه
(المملوءة)
إنَّ استَهُ من بَرَصٍ مُلمعَّهْ وإنّهُ يُدخِلُ فيها اصبعَهْ
يدخلها حتى يواري اشجَعهْ كأنّهُ يطلبُ شيئاً ضَيعّه
(رواية: أودعه)
الشنفرى:
نفرَتْ سودةُ عني أن رأت صَلعَ الرأسِ وفي الِجلدِ وَضَحْ
(رواية:اذ رات)
قلتُ ياسَودةُ هذا والذي يُفَرِّجُ الكُربةَ عني والكَلَحْ
(رواية:يكشف الكربة عنَّا والتِّرْحْ)
هو زَينٌ لي في الوجهِ كما زَيَّنَ الطَرْفَ تحاسِينُ القَرَحْ
محمود سامي البارودي:
مَيِّزْ الأشياء تعرفُ قَدرها ليست الغُرَّةُ من جِنسِ البَرَصْ
الشاعر القروي:
وقالوا مليك العرب في الغرب مكّرمٌ فقلت إذن باتَ المليكُ مهددا
نصحتك لا تمدد إلى أبرص يدا ولو مطرت كفاه دراً وعسجدا
أحدهم :
يا كأسُ لا تستنكري نُحولي ووَضحاً أوفى على خصيلي
(كل لحم فيه عصب)
فإنَّ نَعْتَ الفرسِ الرَحيلى يكمُلُ بالغُرَّةِ والتحجيلي
أحدهم:
أبرصَ فَياضُ اليدينِ اكلَفُ والبرصُ أندى باللُهى وأعرَفُ
أحدهم :
ليس يضُرُّ الطَرْفَ توليعُ البَهَقْ إذا جرى في حلبةِ الخيلِ سَبقْ
البثور والطفح الجلدي
أبو لهب ومرض العَدَسة:
وهي بثرة قاتلة تخرج بالبدن كالطاعون ،أصيب بها فقتلته ،وتركه ابناءه ليلتين أو ثلاثاً لا يدفنانه حتى أنتن في بيته ،وكانت قريش تتقي العدسة كما يتقى الطاعون،حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما ،لا تستحييان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه ، فقالا : نخشى هذه القرحة . قال: فانطلقا فأنا معكما ،فما غسلوه إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد ما يمسونه ،فاحتملوه ،فدفنوه باعلى مكة على جدار وقذفوا عليه الحجارة حتى واروه”. (منتخبات الأغاني ج2 ص288-289)
جاء في كتاب السيرة –محمد أبو شهبة –ج2 ص157-158معقباً على ذلك:”كان أشدّ الكفار غيظاً وكمداً لهزيمة قريش في بدر ،ولم يمكث إلا بضع ليال حتى رماه الله بمرض العَدَسة فقضى عليه ،وهكذا شاء الله سبحانه وتعالى أن يموت هذه الميتة الشنيعة لعداواته للرسول صلى الله عليه وسلم ومناهضته للإسلام وعدم رعايته للرحم حرمة .
النابغة الشيباني واسمه عبد الله بن مخارق:
لها صحيفةُ وجه يُستضاء به لم يعل ظاهرَها بَثْرٌ ولا كَلَفُ
ابن زيدون:
قال لي: اعتلَّ من هويت، حسود قلتُ: أنت العليلُ ويحكَ لا هو
ما الذي أنكروهُ من بثراتٍ ضاعفت حُسنَهُ وزادتْ حُلاهُ
جسمهُ في الصفاء والرقة، الماء فلا غَرو أن حبالٌ علاهُ
قبلة الحُمّى: هي ما يثور بشفة المحموم من البثور ، وتسميها أهل اللغة العقابيل، قال الشاعر :
يا ليتَ حُمّاكَ بي أو كنتُ حُمّاك َ إني أغارُ عليها حين تغشاكا
حُمّاك حاسِدةٌ حماك عاشقةٌ لو لم تكن هكذا ما قبّلت فاكا
أدواء الحساسية
من الناحية الطبية:
مقدمة تاريخية:
عرفت أمراض التحسس منذ مئات السنين ولقد ذكرت في الطب القديم.
ويُقال إن أول من عرف إصابته بالتحسس تاريخياً هو الفرعون مينا والذي تقول الكتابات الهيروغليفية أنه مات بعد لذع إحدى الحشرات حوالي 2640 قبل الميلاد.
وأول قصة لحدوث الربو مع التهاب الأنف والإكزيما الحرضية تنسب إلى العائلة القيصرية أوغست كلاديوس.
وفي العصور الوسطى بدأ الحديث عن حمى الورد(غبار الطلع)ويقال أن ريتشارد الثالث من انكلترا كان مصاباً بالتحسس تجاه الفريز.
وأول من تكلم عن التحسس لغبار الطلع كان عام 1819م بوستوك
أول ما استعمل لفظ الأرج أي الحساسية من قبل السريري النمساوي فون بيركينت عام 1906م(Von Pirqnet).
التصنيف:
يوجد للتفاعلات التحسسية أربعة أنماط من الناحية السريرية كما جاء تصنيفها عام 1963م من قبل كومبس وجيل(Coombs و Gell):
1 ـ التفاعل الفوري المباشر:أو النمط التحسسي من النوع الأول:
وهي تفاعلات تحدث خلال دقائق من التعرض للعامل المُحسس،وتحدث أعراضاً سريعة ومباشرة،ولها أشكال سريرية عدة وأبرزها:الربو التحسسي،والتحسس لغبار الطلع،والصدمة التحسسية،وبعض أنواع الشرى التحسسي،وبعض حالات التحسس الطعامي والدوائي.
وهذه التفاعلات تنجم عن تماس العضوية مع العامل المحسس مما ينجم عنه تشكيل الأضداد من نوع IGE .وهي أضداد نوعية لكل مستضد نوع معين ويمكن الكشف عنها من خلال إجراء الفحص الدموي المسمى RASt Test.وهذه الأضداد تتفاعل مع المستضد على سطح الخلايا البدينة MASt ،أو الخلايا الأسسة(الباسوفيل)،وهذا التفاعل يسبب تفعيل بعض الخمائر وينجم عنها تحرير بعض الوسائط مثل الهستامين واللوكيوترين والبروستاغاندينات.والهستامين يصنع ويختزن في الخلايا البدينة والخلايا الأسسة،والهستامين يؤثر على نوعين من المستقبلات:النوع الأول H1 ويوجد في البطانة الوعائية والعضلات الملس وهو المسؤول عن الأعراض التحسسية.
والنوع الثاني: H2 فيوجد في المعدة وهو المسؤول عن إفراز الحموضة.
وأما البروستاغلاندينات:فهي حموض دسمة لا مشبعة كربونية ويثبط هذه المواد الأسبرين والإندوميثازين،ولها أربعة أنواع مختلفة التأثير عند الإنسان وتصنع بشكل رئيسي في الصفيحات الدموية ووحيدات النوى والخلايا البدينة.
وأما اللويكوترينات:فعرفت منذ عام 1979م وهي مركبات تسبب التشنج القصبي ولها دور في مرض الربو.
2 ـ التفاعل من النمط الثاني:ويسمى أيضاً التفاعلات السمية الخلوية:
وهنا يحصل اتحاد الضد مع المستضد الموجود على سطح الخلية مع توسط جملة المتممة،وهذا يؤدي لانحلال الخلية.
وهذا يشاهد بصورة خاصة في أمراض المناعة الذاتية،ورفض الأعضاء المزروعة.وبعض أشكال فقر الدم الانحلالي،ونقص الكريات المحببة البيضاء التحسسي،والفرفرية بنقص الصفيحات التحسسي.وتنافر الزمر الدموية.
3 ـ التفاعل من النمط الثالث:أو ظاهرة أرثوس:أو تفاعلات المعقدات المناعية
وهنا تتشكل معقدات الضد ـ المستضد في الدم،وتكون الاضداد المناعية من نوع IGG،مع تفاعل جملة المتممة.وهذه الجملة عبارة عن سلسلة من بروتينات المصورة الدموية،وهذه تُفّعل بعضها البعض بشكل مماثل لجملة التخثر الدموي.
وأبرز الأمثلة السريرية هو التهاب الأسناخ التحسسي الخارجي المنشأ ومنه: رئة المزارع،ورئة الطيور حيث تحدث التحسس تجاه براز وبول بعض الطيور وخاصة الحمام أو الكناري..أو بسبب بعض الفطور في العلف الحيواني.وهناك بعض أشكال التهاب الكبب الكلوية،أو التهاب الأسناخ الرئوية،وبعض أشكال التهاب المفاصل أو الأوعية.
في هذا الشكل من أنواع التحسس يحدث استنشاق لمادة عضوية كثيفة التركيز ويترافق مع تشكل الأضداد المرسبة،والشكل النموذجي فيه ما يسمى رئة المزارع:والذي ينجم عن بعض الفطور والموجودة في القش(العلف) ومن أبرز هذه الفطور نذكر:Thermophile Aötinomyzte،وأبواغ هذه الفطور هي المسؤولة عن إحداث المرض،ويبلغ قطرها دون 5 مكروغرام،وتصل إلى الاسناخ الرئوية محدثةً تفاعلاً تحسسياً،قد يتطور إلى تليف الرئة.
وهناك أيضاً التحسس الناجم عن فطور الرشاشيات Aspergilus Fumiatusوهذا يشاهد خاصة عن العاملين بالبيرة.
ولكن أكثر الأشكال المشاهدة وخاصة في أوروبا رئة الطيور،وذلك عند مالكي الطيور،والذي ينجم عن مستضدات في روث هذه الحيوانات وخاصة من الحمام أو الكاناريا،أو الببغاء،أو العاشق والمعشوق..
وهناك أشكال أخرى تنجم عن المعالجة بخلاصة النخامى عن طريق الأنف،أو بسبب دوائي ومنها إعطاء النتروفورانتوئين والثيازيدات…
4 ـ التفاعل من النمط الرابع:أو التفاعل ذو النمط المتأخر:
ومن أمثلته:اختبار السلين،واكزيما التماس.وبعض الأشكال للتحسس الدوائي.
وهنا لا تلعب الاضداد دوراً في الحدوث وإنما الخلايا اللمفية المتحسسة.
وأضيف لهذه الأنواع الأربعة شكلين آخرين:
5 ـ التفاعلات الحبيبية:
وهذه قد تنجم عن تناول بعض أنواع الحقن العضلية.أو بعد حقن بعض الأجسام الأجنبية.حيث تتشكل أورام حبيبية بعد 2 ـ 5 أسابيع من الزرق العضلي.
6ـ فرط التحسس المنبه:Stimulating
وهذا يشاهد في بعض أنواع الأمراض المناعية الذاتية وخاصة في الغدة الدرقية،والداء العضلي الوخيم. حيث تتشكل هنا بعض الأضداد تجاه مستقبلات الأستيل كولين في اللوحة النهائية للأعصاب.
وأما مايسمى الأرج الكاذب:
فهو يحدث بدون عدم مشاركة الجهاز المناعي،ويحدث بسبب بعض الحالات من التحسس الدوائي وخاصة للمخدرات الموضعية أو المواد الظليلة الشعاعية،أو بسبب بعض الأدوية كالمسكنات في بعض حالات الربو.وهنا تحدث تفاعلات تحسسية بدون مشاركة الجهاز المناعي وإنما تنجم عن إطلاق بعض الوسائط الكيماوية مثل الهستامين أو السيروتونين أو البرادي كينين…
دور الخلايا الحمضة في التفاعلات التحسسية:Eosinophil
تنشأ هذه الخلايا من نقي العظم مثل الخلايا المعتدلةNeutrophils،وتخنفي من الدم المحيطي خلال 5 ـ 24 ساعة لتستقر في أنسجة الجسم لمدة حوالي عشرة أيام.ومن الملاحظ أنها لاتمر بأطوار التشكل التي تمر بها المعتدلات.
يبلغ تعدادها حوالي 150 لكل مم مكعب،ويحدث هبوط في التعداد في منتصف النهار وارتفاع في منتصف الليل وهذا له علاقة مع تبدل تركيز الستيروئيدات القشرية في الدم.
حيث أن إعطاء الستيروئيدات يؤدي لاحتباس الحمضات في نقي العظم،بينما يؤدي حقن الأدرنالين إلى تحول الحمضات إلى الدم المحيطي.
ويرتفع تركيز الحمضات في الدم بشكل رئيسي في فئتين كبيرتين من الأمراض:الأمراض الأرجية،وأمراض الطفيليات.
1 ـ الأمراض الأرجية:
تزداد الحمضات في 85% من الأطفال المصابين بالربو،وكذلك ترتفع في قشع المريض المصاب بالربو وخاصة في حالات الهجمات الحادة للربو.
كما ترتفع الحمضات في الأمراض التحسسية الأخرى وخاصة التحسس لغبار الطلع،وداء الشرى،وداء المصل،والاكزيما،والوذمة العصبية الوعائية…وكذلك في حالات التحسس الطعامي والدوائي…
2 ـ أمراض الطفيليات:
من أمراض الطفيليات التي تسبب زيادة شديدة في الحمضات نذكر الشعرية الحلزونية،واليرقات المهاجرة الحشوية Visceral larva migran،والكيسة المائية،والبلهارزيا الدموية.
كما أن ديدان حيات البطن،والملقوات العفجية والديدان الاسطوانية والتي تهاجر يرقاتها إلى الرئة قبل توضعها في الأمعاء تترافق بزيادة كبيرة في الحمضات في الدم قبل الكشف عن بيوض الطفيليات في البراز.
التشخيص:
ويمكن تشخيص هذه الحالات بعدة وسائط ومنها التفاعلات الجلدية وخاصة ما يسمى اختبارPRick Test،وهذا يفيد في الكشف عن النوع الأول،ويدعم التشخيص بالكشف عن الاضداد النوعية IGEمن خلال فحصRAST.
وفي حالات النمط الثالث يمكن الكشف عن الأضداد النوعية بإجراء فحص الدم والكشف عن الأضداد النوعية وهي من نوعIGG،وفي بعض الحالات يرجى تفاعل التحريض القصبي من خلال استنشاق العامل المحسس وهذا يسمى اختبار التحريض القصبي
الأمراض التحسسية وظواهرها في أعضاء الجسم سريرياً:
1 ـ القلب والدوران:الصدمة التأقية،والتهاب الأوعية التحسسي.
2 ـ الرئة والقصبات:الربو،التهاب القصبات التحسسي،التهاب الأسناخ الرئوية التحسسي.
3 ـ المجاري التنفسية العلوية:التهاب الأنف التحسسي،التهاب الجيوب التحسسي،التهاب البلعوم التحسسي،وذمة المزمار،التهاب الحنجرة التحسسي.
4 ـ العين:التهاب الملتحمة ،التهاب القرنية والملتحمة،التهاب الجفن،وذمة الجفن .
5 ـ الأذن:التهاب الأذن الظاهرة،والتهاب الأذن الوسطى المصلي،الطنين والدوار لأسباب تحسسبة.
6 ـ الدم:فقر الدم الانحلالي من منشأ تحسسي،نقص الصفيحات الدموية من منشأ تحسسي،انعدام المحببات التحسسي .
7 ـ الجملة العصبية المركزية:الحمى،والتشنج، والشقيقة لأسباب تحسسية.
8 ـ الجلد:الشرى،وذمة كوينكة،الإكزيما،الطفح الدوائي.
9 ـ الفم:التهاب اللثة،القلاع،الاندفاعات الداخلية من منشأ تحسسي.
10 ـ الجهاز التناسلي: التهاب الفرج التحسسي المنشأ.
11 ـ المعدة والأمعاء:التحسس الغذائي،التهاب المعدة والأمعاء التحسسي المنشا.
12 ـ المفاصل:آلام المفاصل التحسسي المنشأ.
13 ـ الكلية:التهاب الكبب الكلوية التحسسي المنشأ.
التحسس الغذائي:
من الناحية الطبية:
يمكن للمستضدات الواردة عن طريق الفم أن تسبب بالتماس مع الأضداد النوعية الخاصة حدوث تفاعلات أرجية،تتجلى عرضياً على مستوى انبوب الهضم بحدوث الغثيان والآلام البطنية والتشنجات والاسهالات.
وإذا وصل المستضد إلى الدوران الدموي فإنه يسبب تفاعلات تأقية:مثل الشرى والصدمة والتشنج القصبي.وهنا لا بد أن نفرق مابين التفاعلات الأرجية الحقيقية التي يسببها الغذاء،والتفاعلات الأرجية الكاذبة التي لاعلاقة لها بالتحسس،وإنما تسببها عوامل أخرى مثل عدم التحمل الغذائي بسبب نقص خميرة اللاكتوز وهذا سببه عوز خمائري،أو عدم التحمل الغذائي بسبب تلوث الطعام الجرثومي،أو لأسباب عصبية أو نفسية.
إن أبرز الأطعمة التي تسبب التحسس الغذائي هي:
حليب البقر، بيض الدجاج(الآح أكثر من المح)،السمك،والمكسرات وخاصة البندق،واللحم،والخضار.والفواكه وخاصة التفاح.والبهارات.
حليب البقر:
تبلغ نسبة البروتين فيه 30 ـ 35 غرام في اللتر،ويتكون غالباً من جزئين:الكازئين ويشكل نسبة 80% والمولكا وتشكل النسبة الباقية.
والكازئين يحتوي على عدة مكونات .والتحسس لحليب البقر ينجم عن عدة بروتينات في الحليب،ويمكن لاي بروتين في الحليب أن يسبب التحسس بدون استثناء،ولذا عند التشخيص يجرى عيار IGE لعدة بروتينات في حليب البقر.
البيض:
إن المواد المحسسة توجد في بياض البيض أي الآح،ونادرا في صفاره أي المح.
السمك:
إن بروتينات السمك قد تسبب تفاعلات تحسسية مهددة للحياة.
القشريات والصدفيات:
وهذه فد تسبب تفاعلات تحسسية خطيرة أيضاً.
المكسرات وخاصة الفستق والبندق :
قد تسبب تفاعلات خطيرة وتشاهد تفاعلات متصالبة من التحسس لغبار الطلع.
وهناك تفاعلات متصالبة بحيث يحدث التحسس الطعامي مرافقاً لأمراض أخرى ومنها:التحسس الطعامي المرافق للتحسس لأغبرة الطلع،حيث يشاهد هنا ترافق التحسس الربيعي مع التحسس الغذائي وخاصة للمكسرات كالبندق واللوز…وكذلك التحسس للفواكه وخاصة التفاح والمشمش والدراق…ويشاهد مع التحسس الصيفي غالباً التحسس تجاه البطاطا والبندورة والبقدونس..والبطيخ الأصفر .
وقد يشاهد التحسس الغذائي بسبب الأغذية التي تحرر وتطلق الهستامين ومنها:التمر،الاناناس،البندورة،الفريز،الفستق،والنبيذ،والشوكولا،وبعض أنواع السمك.
وقد يشاهد بالأغذية الغنية بالهستامين:ومنها:النبيذ الأحمر،السلق،سمك الطون،وبعض أنواع الجبنة وخاصة من الكاودا.
وقد يشاهد بسبب أغذية تحوي السيروتونين ومنها:الموز والجبنة الصفراء.
أو بعض الأغذية الحاوية على التيرامين (طليعة السيروتونين) ومنها الشوكولا.
التحسس الدوائي:
من الناحية الطبية:
هي تفاعلات غير مرغوبة وغير متوقعة تنجم سريرياً عند إعطاء بعض الأدوية بالجرعات العلاجية.
وهذه التفاعلات سببها أحد الأشكال السابقة لتصنيف كومبس وجيل,
وهناك أدوية معينة تميل لإحداث التحسس الدوائي أكثر من غيرها،مثل المعالجة بالمصول أو اللقاحات،أو المعالجة بنقل الدم أو بعض الخمائر أو الهرمونات.
كما أن هناك بعض الصادات تسبب أكثر من غيرها التحسس الدوائي مثل البنسلين والأمبسيلين والسلفوناميد والاريثرومايسين.ولا يوجد هناك مادة دوائية لا تسبب تحسساً بشكل قاطع.
وكما ذكرنا فإن آليات حدوث هذه التفاعلات تتبع التصنيف السابق لكومبس وجيل:أي تفاعلات تأقية من النموذج الفوري الأول،أو تفاعلات سمية خلوية،أو تشكل المعقدات المناعية،ومن النوع الرابع المرتبط بالخلايا اللمفية.
وحتى يكون الدواء مُحسساً يشترط فيه أن يكون ذو قابلية ممنعة،كما هو الحال بالنسبة للبروتينات الغريبة،وهذه لا تكون محسسة إلا إذا احتوت على لا يقل من سبعة حموض أمينية في تركيبها،أما الذرات الاصغر فتؤثر من خلال كونها نواشب،تنشب مع بروتينات الجسم الخاصة وبالتالي تجعلها ذات صفة محسسة.كما هو الحال في التحسس للبنسلين.
إن التحسس للبنسلين يعتبر من أبرز الأمثلة على التحسس الدوائي،والتحسس للبنسلين يشاهد في كل أنواع التفاعلات التحسسية المعروفة،ونسبة الحدوث 5 ـ 10%.
ولابد من التفريق بين التحسس الدوائي من منشأ مناعي، والتحسس الدوائي الكاذب أي ليس من منشأ مناعي،وأهم مثال عليه التفاعلات التحسسية بعد إعطاء المواد الظليلة شعاعياً،أو التحسس للمخدرات الموضعية،أو المخدرات عن طريق الوريد،أو مرخيات العضلات،أو معيضات البلاسما….أو بعد إعطاء بعض المسكنات…
إن بعض أشكال اعتلالات الكبد الدوائية تنجم عن التفاعلات التحسسية الكاذبة وخاصة حدوث الركودة الصفراوية وخاصة بعد إعطاء الفينوثيازين،أو اليرقان الكبدي الخلوي بسبب الامفوتريسين أو بعد الإيزونيازيد.
وإن بعض فاقات الدم الانحلالية تشاهد عند بعض المرضى الذين لديهم عوز خميري معين،وهذا يسبب فاقات الدم الانحلالية عندهم بعد إعطاء بعض الأدوية.
أشكال التفاعلات التحسسية الكاذبة:
1 ـ تحرير الهستامين الدوائي المنشأ:
هناك أدوية تطلق الهستامين من خلاياه مباشرة،وبدون توسط الجهاز المناعي،ومنها مركبات المورفين والكودئين والبيتيدين والسوكسنيل كولين،والمخدرات قصيرة أمد التأثير.ولذا لا ينصح بإعطاء المورفين لمرضى الربو.
2 ـ عدم تحمل الاسبرين والمسكنات:ويشاهد غالباً لدى المرضى المصابين بالثالوث:ربو لا تحسسي،ومرجلات الانف، وعدم تحمل المسكنات وخاصة الأسبرين.ويوجد تفاعلات متصالبة مع المسكنات من زمرة مضادات البروستاغلاندين ومنها الإيبو بروفين،والنابروكسين،والإندوميثازين،والبيرادولون، والديكلو فيناك.
3 ـ عدم تحمل البيرازولون:أي النوفالجين:
ويشاهد غالباً بعد إعطاء الدواء بطريق الحقن الوريدي أو العضلي.
4 ـ معيضات البلاسما:
وخاصة ألبومين المصل،والدكستران،والجيلانين.
5 ـ المواد الظليلة اليودية:
6 ـ التفاعلات السمية الصامية بعد إعطاء مشتقات البنسلين مديدة التأثير
7 ـ تفاعل هيكسهايمر: ويبدو بحدوث حمى وطفح جلدي وآلام مفصلية،واحمرار الجلد وينجم عن تحرير ذيفانات العوامل الممرضة،وقد يتشارك مع إعطاء الصادات مثل البنسلين والسيفالوسبورين.
وبالتالي فإن أهم الأدوية التي يجب التفكير بها في التفاعلات التحسسية الكاذبة هي:
1 ـ المواد الشعاعية الظليلة:
إن التفاعلات التحسسسية هنا ليس لها أصل مناعي،وإنما تستطيع المواد الظليلة مباشرة أن تطلق الهستامين والسيروتونين،كما أنها يمكن أن تفّعل جملة المتممة،وتصل نسبة الحوادث بالمواد الظليلة غلى 5 ـ 15%،ولذا ينصح في حال وجود الشك بالتحسس للمواد الظليلة إعطاء مضادات الهستامين والستيروئيدات بجرعات عالية قبل حقن المواد الظليلة.
2 ـ محاليل بروتينات المصورة:
يمكن بعد حقن الغاما غلوبولين أن تحدث تفاعلات تأقية شديدة ،ولذا لا تعطى إلا بشكل زرقات عضلية،وهذه التفاعلات لاعلاقة لها بالمنشأ المناعي،وإنما تنجم عن حدوث تراص للغاما غلوبولين مع تحريض جملة المتممة.
3 ـ المخدرات المركزية ومرخيات العضلات:
تسبب أيضاً تفاعلات تحسسية كاذبة أحياناً
4 ـ المخدرات الموضعية:
كما يحدث عند المعالجة السنية ،وهي تفاعلات كاذبة تحسسية.
5 ـ التحسس للمسكنات:
كما ذكرنا في ربو المسكنات وخاصة مع الأسبرين والمسكنات الأخرى.
داء الشرى:
من الناحية الطبية:
إن هذا الداء يشكل مشكلة ليس فقط للمريض المصاب به،ولكن أيضاً للطبيب الذي يعالجه.والسبب في ذلك أن الداء في كثير من الحالات لا يُعرف له سبباً،وإذا عرف السبب فالأسباب متعددة،وبسبب نكسه ومعاودته،ويتهم غالباً التحسس في إحداثه،وإن كان التحسس في معظم حالاته برىءٌ منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب!!
والشرى داء يتميز بوجود اندفاعات تصيب الجلد والأغشية المخاطية،ويترافق مع حكة شديدة،وقد يشمل جزءاً صغيراً أو كبيراً من الجلد والمخاطيات.ويقسم الشرى حسب مدة الإصابة والتطور إلى:
1 ـ الشرى الحاد:وهو قد يكون قصير الأمد إذا استمر حتى أربعة أسابيع،أو طويل الأمد إذا استمر أكثر من أربعة أسابيع.
2 ـ الشرى المزمن:ويتميز بنوب من هجمات الشرى قد تستمر ساعات أو أيام ولكنها تتكرر خلال سنوات.
أسباب الشرى:
ـ قد يكون الشرى من منشأ تحسسي،ويشاهد غالباً بسبب عدة عوامل منها:
1 ـ الشرى المحرض دوائياً: هناك أدوية قد تسبب الشرى ومنها:البنسلين،والسلفوناميد،والفورانتوئين، والأسبرين…
2 ـ الشرى المحرض بالطعام:وأكثر الأغذية المحدثة هي:الكرفس،والحليب،والسمك،والبيض،والمكسرات،والفريز،…
3 ـ لدغ الحشرات:
4 ـ المؤرجات الاستنشاقية:مثل أشعار الحيوانات،وأغبرة الخشب،وأغبرة الطلع،..
وقد يكون الشرى لأسباب فيزيائية لا علاقة لها بالتحسس ومنها مايسمى الشرى المحرض بالبرودة،أو بسبب زيادة الحرارة،أو بسبب الضياء،أو بسبب الضغط(بعد المساج مثلاُ)أو بعد الاستحمام،أو بعد الانفعال…
وقد يكون الشرى لأسباب انتانية:وخاصة بسبب بعض الفطور والطفيليات والفيروسات.
وقد يكون الشرى لأسباب وراثية:كما يشاهد في الوذمة العرقية العصبية،ويوجد هنا عوز في المتممة مع غياب C1 Esterase.
وقد يكون الشرى مرافقاً لأمراض جهازية:مثل التصلب الجلدي والذئبة الحمامية الجهازية.
وغالباً لا نعرف السبب!!
التحسس لسم الحشرات:
إن لذع العديد من الحشرات قد يسبب عند الإنسان تفاعلات سمية أو تحسسية،وأكثر الحشرات المسببة غالباً النحل،والزلاقط،والدبابير،وهناك حالات أخرى بسبب النمل أو حشرات أخرى.
إن الزلاقط أشد عدوانية من النحل، والنحل يتواجد عادة في الربيع وحتى الخريف،أما الزلاقط ابتداء من الصيف عادة،والنحل يكون قريباً من الورد والأزهار،بينما الزلاقط بالقرب من الطعام والقمامة،وشوكة النحل تبقى غالباً في الجلد وأما في الزلاقط فهذا يشاهد نادرا،وهذه أهم الفروق للتمييز بين لذع الحشرتين وهذا هام في المعالجة.
الأعراض:
1 ـ الموضعية:انتباج واحمرار مكان اللذع بسبب التأثير السمي للسم.أما إذا كان التفاعل الموضعي أكثر من 10 سم قطراً واستمر أكثر من 24 ساعة فالتفاعل تحسسي.
2ـ الأعراض العامة:وتنجم عن تفاعل الضد IGE مع سم الحشرات،وهذه الأعراض قد تكون شديدة تترافق مع ضيق النفس وهبوط الضغط الدموي وحدوث الصدمة التأقية،وقد تسبب تفاعلات سمية جهازية شديدة مثل انحلال الدم وقصور الكلية والكبد.
وتقسم الأعراض حسب شدتها إلى أربعة درجات:
1 ـ الدرجة الاولى:أعراض جلدية عامة شاملة منفصلة عن أعراض اللذع المحلية.
2 ـ الدرجة الثانية:أعراض جهازية بسيطة أو متوسطة مثل وجود بعض الاعراض الصدرية والقلبوعائية.
3 ـ الدرجة الثالثة: وجود أعراض الصدمة التأقية وغالباً مع فقدان الوعي
4 ـ توقف القلب والتنفس.
التشخيص:ا
اختبارات الجلد، والفحوص المصلية وخاصة الكشف عن الاضداد النوعية، وفي حالات نادرة إجراء اختبارات التحريض.
المعالجة:
في الحالات الإسعافية: إعطاء مضادات الهستامين سريعة التاُير،والكورتيزون حقناً بالوريد،وفي حالات الصدمة إعطاء زرق الأدرنالين.
والمعالجة الرئيسية للوقاية:هي إزالة التحسس ونتائجها ممتازة وتجرى بشكل زرقات تحت الجلد وتعطى غالباً لمدة 5 سنوات.
من الناحية الأدبية:
السيد الحميري والشَرى: أصيب الشاعر السَيد الحِميري(105-173هجري) بداء الشَرى ثم توفي في بغداد ايام الرشيد (عمر فروخ ج2 ص109)
جاء في معجم الادباء –ياقوت الحموي- (ج4 ص57):”كان أبو الفرج الأصبهاني –صاحب الأغاني- اذا ثَقُلَ الطعام في معدته – وكان أكولاً نهماً -يتناول خمسة دراهم فُلفلاً مدقوقاً فلا تؤذيه ولا تُدمغه-وإذا أراد أن يأكل حمصةً واحدة أو يصطبغ –اي يأتدم-بمرقةِ قِدرٍ فيها حِمّصٌ فَيُسْرهج بدنه-(سرهج الحبل: فتله فتلاً شديداَ)_والمراد أن أكل الحمص يضره ضرراً بليغاً ويجعله كالحبل المفتول اي حالة تشنج كلُّه من ذلك ، وبعد ساعة أو ساعتين يُفْصّد ، وربما فَصدَ لذلك دفعتين ، ويسأل عن ذلك فلا يكون عنده علم منه ، وقال غير مرة إنه لم يدع طبيباً حاذقاً على مرور السنين إلا سأله عن سببه فلا يجد عنده علماً ولا دواءً، فلما كان قَبلَ فالجه بسنوات ذهبت عنه العادة في الحمص فصار يأكله فلا يضره ،وبقيت عليه عادة الفلفل “.
جميل بثينة :
حَلفتُ يميناً يا بثينة صادقاً فإن كنتُ كاذباً فعميت
إذا كان جِلدٌ غيُر جِلدكِ مَسَّني لدى مضجعي حقاً إذا لشريتُ
(أصابه الشرى)
رواية:
إذا كان جلد غير جلدك مسني وباشرني دون الشِّعارِ شريتُ
ولو أن راقي الموتِ يرقي جنازتي بريقك يوماً يابثين ،حييت
وفي رواية أخرى:
إذا كان جِلدٌ غيرُ جلدكِ مسَّني وباشرني دون الشَّعارِ ، شريتُ
المتنبي:
بذي الغباوةِ من إنشادِها ضَررٌ كما تَضُّرُ رياحُ الورد بالجُعْلِ
(قصائده لا يفهمها الغبي وتزعجه كما تزعج الجعل رائحة الورد)
أبو تمام :
إساءةَ دهرٍ أذكرتْ حُسنَ فِعلْهِ إليَّ ، ولولا الشّرى لم يُعرفِ الشهدُ
البحتري:
ولقد سكنتُ إلى الصّدود من النوى والشرى أرْيٌ عند طعم الحنظل
ابن الرومي:
كَدأبِ النَّحلِ ارىٌ أوحُماتٌ ودابُ النخلِ شوكٌ أو جَرام
(الحمات: الأبرة التي يضرب بها العقرب والزنبور ، الجرام:التمر اليابس)
سديد الدين ابن رقيقة :
إنَّ العدوَّ وإن بدا لك ضاحكاً كالشّريّ تبدو غضّة أوراقه
وهو الزّعاف لمن تعمّد أخذه والمجتوي البشع الكريه مذاقه
واعلم بأنّ الضِّدَّ سمٌّ قربه والبعد عنه حقيقة ترياقه
امرؤ القيس:
أرى المرءَ ذا الأزوادِ يصبحُ محرضاً كأحراضِ بكر في الديار مريض
كأنَّ الفتى لم يَغنَّ في الناسِ ساعةٌ إذا اختلفَ اللحيانِ عند الجريضِ
محمد رشيد الرافعي:
اَرَجُ الربى عبقت به الأرجاء أهدى الدواء إليَّ وهو الداء
أبو الفتح البستي:
أنا كالوردِ فيه راحةُ قومٍ ثُمَّ فيه لآخرينَ زُكامُ
صفي الدين الحلي:
أقلِلْ المَزْحَ في الكلامِ احترازاً فبافراطهِ الدماءُ تُراقُ
قلّة السمِّ لا تضّرُ وقد يقتلُ مع فرطِ أكلهِ الدرياقُ
ابو ذؤيب الهذلي:
إذا لسعته النحلُ لم يَرْجُ لَسْعها وخَالفها في بيت نُوبٍ عَواسلِ
(لم يرج: لم يخف)
عبد الرحمن شكري:
كم ضاحكٍ هو مثل الزهر مبسمه وفيه حتفك من سُّمٍ وذيفان
محمد محمود الزبيري:
وكُنْ آمناً من لَعةِ النحل إنّهُ سيحميك ذئبٌ .. أو يداويك ارقمُ
القروح والتقرحات
الفرزدق:
يُداوونَ من قَرْحِ أدانيهِ قد عتا على الداءِ لم تُدْرَكْ أقاصيه بالفتلِ
وقد كانَ فيما قد تلوا من حديثهم شفاءٌ ، وكان الحلمُ يشفي من الحهلِ
(الأداني: أعالي القرح،عتا:اشتد، الفتل: واحد فتيل: يوضع على الجرح ليندمل)
جرير:
أفقأُ عَينَ الشانئَ البغيضِ فقءَالطبيبِ قُرحةَالمريضِ
أبو تمام :
حَسَدُ القرابة للقرابة قرحةٌ أعيت عوائدها وجرح أقدمُ
( يريد من العوائد النكسات التي تعود بها القروح)
أبو فراس:
يا قَرْحُ ، لم يندملِ الأولُ فهل بقلبي لَكُما مَحْمَلُ؟
جُرحانِ في جسمٍ ضعيفِ القوى حيثُ أصابا فَهوَ المقتلُ
عنترة:
عَلالُتنا في كُلِّ يومِ ِ كريهةٍ بأسيافنا والقرحُ لم يتقرّفِ
(علالتنا: بقية ما عندنا من القتال . والعلل :الشرب الشافي . القرح لم يتقرّف:لم يتقشر . أي أنهم لا يشاهدون حرباً إلا وقد شاهدوا قبلها اخرى فعليهم جراحات لم تبرا بعد)
الشريف الرضي:
قَرْحٌ على قَرْحٍ تقارب عهده إنّ القروح على القروحِ لأوجع
هشام أخو ذي الرُّمة :
ولم تُنسني أوفى المصيباتِ بعده ولكنَّ نكأَ القَرْحِ بالقرحِ أوجع(اذا قشرها قبل ان تبرأ)
مُتَممْ بن نويرة:
قَعيدكِ ان لا تسمعيني ملامةً ولا تنكئي قَرْحَ الفؤادِ ، فَييجعا
محمد مهدي الجواهري:
هم أنكأوا قرحاً فأعيت اساته وهم اوسعوا خَرْقاً فأعوزَ راقع
أحدهم :
ولا عيبَ فينا غيرُ عِرقٍ لمعشر كرامٍ ، وأنا لا نخطُّ على النمل
(جاء في العمدة لابن رشيق ج2 ص49 : قال ابن منظور : النمل: قروح في الجنب وغيره ودواؤه أن يرقى بريق ابن المجوسي من أخته . وقال الجوهري : النمل : بثور صغار مع ورم يسير ثم يتقرح فيسعى ويتسع ويسميها الاطباء الذباب وتقول المجوس ان ولد الرجل اذا كان من اخته ثم خطّ على النملة شفي صاحبها).
الدمامل
من الناحية الطبية:
الدمل أو الدمامل:هي التهاب يصيب الأجربة الشعرية في الجلد،وفي فروة الرأس،وتسببه مجموعة من الجراثيم وأهمها المكورات العنقودية المذهبة،ويبدو بشكل بثور جلدية محمرة حول بصيلة الأشعار وتحتوي القيح.وتمتاز الدمامل أنها طرية ومؤلمة بالجس ودافئة.وتكون بأحجام مختلفة.وقد تتطور وتسبب حدوث الخراجات الجلدية.
من الناحية الادبية:
دماميل الجزيرة:جاء في ثمار القلوب للثعالبي (ص551): الدماميل بالجزيرة كالحمى بالأهواز قال عبد الله بن همام :
أتيح لهُ من شُرْطةِ الحيِّ جانبٌ غليظُ القُصيرى لحمهُ متكاوِسُ
تراهُ إذا يمضي يحُكُّ كأنمّا بهِ من دماميل الجزيرة ناخِسُ
(لابرء فيه)
قال الجاحظ: أخبرني أبو زُرْعة قال : مات ضِرار بن عمرو وهو ابن تسعين سنة بالدماميل ، فقلت له : إنَّ هذا لَعجب . فقال : كلا ، إنما احتملها من الجزيرة .
جاء في كتاب تاريخ الادب العربي د عمر فروخ ج3 ص869-870:”خرج للشهاب الحجازي دُمّلٌ فكتب إلى الشريف صلاح الدين الأسيوطي يصف له حاله في مرضه هذا :”إنه حدث لي نازلةٌ، وهي طلوعُ دُمّلٍ كاد أن يُنزلني التراب ويفرق بيني وبين الأحباب والاتراب (ج تِرب: من هم في سن واحدة ). ولي عشر ليالٍ لا أكتحل بالمنام ،ولا اطعم الطعام ،فها أنا في هذا الشهر الشريف صائمُ الليل والنهار ،وطائر قلبي قد غشيتهُ نار هذا الدمل فكأنه السَّمندل(طائر يدخل النار فلا يحترق) وكيف لا ! وهو في النار
لقد طال ليلٌ ساءني فيهِ دُمّلٌ فأسهر أجفاني ولم أستطع صبرا
كأني بعلمِ الوقت مُغرىً فها أنا أُراعي نجوم الليل أرتقب الفجرا
فيا له من دمل خلته من حرارته جَمرة، وشبَّهته بفارسٍ عادٍ بغَّضَ إليّ الحياة فكرَّ في مهجتي كرّةً وكرّة. فلم أجد بُدّاً من استعمال الصبر مُذ وصف لي ، فما أحلاهُ وما أمرَّه… حتى أشبهتُ القول الشاذَّ، ومنعت به أن آلفَ الإخوانَ وألتذّ بمطعمٍ ومشربٍ.فمنعني في الحالين من الملاذِّ وهوّن عليّ الموت َ بهذه المشقة الصعبة ، ورخُصتْ مهجتي حتى كادت أن تباع –كما يقال-بِحبّة.ويئست من العافية فقلت على غلبة الظن لم يبق بيني وبينها مجاز إذ هو في احمرارهِ كالعقيق ، ودمعي ينبع من العيون ، وبيني وبين النوم حجاز –حاجز-.. على أن صاحب الدمل ضعيفٌ لا يزار . وكلما قصد استعارة الصبر –وتهجّم عليه الليل- رجع عن ذلك واستعار استعار-اشتعل –فتراني كلما جَنّ الليل سلسلتهُ بالدموع. ونَحَل جسمي في هذه العشر ليالي لِعَدَمِ المطعم والهجوع.والواقع أنّ البكاءَ لا يسمن ولا يغني من جوع . فأقسم بالفجر وليالٍ عشر، لقد فَطَّرَ هذا الصيام قلبي وقطعني عن المخاديم ورُميتُ بالنوى فطار لبي . وأعظمَ من لا يعرف الألم ولا يفرق بين البرء والسَقم ، إذ لم يرني مع الساجد والراكع ، ولا جمع بيني وبينه في هذا الشهر جامع ، وقال لي:”مثلك يُفرِّطُ في هذه العشر” ، وقراءة ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر “فلما رأيته جاهلَ دائي تلوت له : سلامٌ هي حتى مطلع الفجر “.
بشار بن برد:
وصاحبٍ كالدُّملِ المُمِدِّ حَمَلتهُ في رُقعةٍ في جِلْدِ
(امدّ الجرح: حصلت فيه المدّة)
البعيث:
إذا قانتها الآسي النِّطاسيُّ ادبرتْ غَثيثُها وازداد وَهياً هُزومها
(الغثيث: ما سال من الجرح من مِدّة او قيح)
الصلاح الصفدي يشكو الدمل:
أشكو إلى الله من أمور يمر دهري ولا تمر
ودمل مع دوام ليل مالهما ما حييت فجر
الجروح
جاء في البصائر والذخائر –التوحيدي – ج1 ص168 الهامش:
“اشتد بحصن بن حذيفة وجعه من طعنة كرز بن عامر إياه يوم بني عقيل ،فدعا ولده وسأل كلاً منهم أن يطعنه بسيفه ،فأبوا جميعاً إلا عيينة ،فإنه قال له : أليس لك فيما تأمرني به راحة ،ولي بذلك طاعة ،وهو هواك ،فمرني كيف اصنع ؟ فلما قال ذلك قال حصن : أنت خليفتي ورئيس قومك بعدي.
في المثل العربي:التأم جُرحٌ والأساةُ غُيّبُ(يضرب لمن نال حاجة من غير منّة أحد)
شوقي:
هِجتُنَّ لي لوعةً في القلبِ كامِنةً والجُرحُ إنْ تعترِضْهُ نَسمةٌ يَثُرِ
شوقي:
وأست جراحتك القديمة راحة جرح الزمان بعرفها يلتام
أحمد شوقي:
أزرى به،وأزاله عن أوجهِ قدرٌ يَحطُّ البدرَ وهو تمام
جرحان تمضى الأمتان عليهما هذا يسيل،وذاك لا يلتام
بكما أصيبَ المسلمون،وفيكما دُفنَ اليراعُ وغُيّب الصمصام
حافظ ابراهيم:
على قَدْرِ الأذى والظُلمِ يعلو صِياحُ المشفقين من المزيدِ
جِراحٌ في النفوسِ نَغَرنَ نغراً وكُنَّ قد اندملنَ على صديدِ
إذا ما هاجَهُنَّ أسىً جديدٌ هتَكنَ سرائرَ القلبِ الجليدِ
حافظ ابراهيم:
دوى الجُرْحُ ولم يُقْدَر له بعد ثاوي “عين شمس” من طبيب
خليل مطران:
ما لِجرحٍ جُرحتهُ من ضمادِ نفذَ السهمُ في صميمِ فؤادي
خليل مطران:
وكم عاتبتُ فيَّ النفسَ لوماً (رواية: طوعاً) وإن عُوتبتُ راعني الملامُ
كَجُرحٍ قد ألطِفّهُ بلمسي (رواية:بمسّي) وإن هو مَسَّهُ غيري أضام
ظللتُ عليه أُخفيهِ وأشقى إلى أن بانَ وهو بنا سقام
ابراهيم ناجي:
لا تحسبوا البُرءَ قد ألمَّ فلم يزل جرحنا جديدا
يخدعنا أنّهُ التأمْ ولم يزل يخبئ الصَديدا
إبراهيم ناجي:
أيها الساهر تغفو تذكر العهد وتصحو
فإذا ما التأم جرحٌ جدَّ بالتذكار جرح
خليل مردم بك:
يا آسي الجرح بادْرْ ضَمْد سائِلهِ إذا تريثت لم تنجع ضمائده
عمر أبو ريشة:
ايُّ جُرْحٍ في إبائي راعفٍ فاتَهُ الآسي ، فلم يلتئمِ
أنور العطار:
في فؤادي اللهيف داء قد استع صى وجرح يمضّني تعذيبا
ايليا أبو ماضي:
مالي اُكِّلفُ مهجتي كتمَ الأسى إن طالَ عهدُ الجُرحِ صار صديدا
فدوى طوقان:
يا وطني ، مالك يُخنى على روحك معنى الموت، معنى العدم
أمضَّكَ الجرح الذي خانه أساته في المأزق المحتدم!؟
جرحك ، ما أعمق أغواره كم يتنزّى تحت ناب الألم
البحتري:
إذا ماالجرحُ رُمَّ على فسادٍ تبينَ فيه تفر يطُ الطبيبِ
المتنبي:
وأبعدُ ما ظفرتُ به حبيبٌ جراحتهُ تَصُّحُ بكلِّ سَبر
المتنبي/
وشكيّتي فقد السقام لأنّهُ قد كانَ لَمّا كان لي أعضاء
مثلتِ عينك في حشاي جراحة فتشابها كلتاهما نجلاء
نفذت عليَ السابريَّ ورُبما تندقُّ فيه الصَعدةُ السمراء
المتنبي:
وكن كالموتِ ، لا يرثي لباكٍ بكى منه ، ويَروى وهو صادي
فإنَّ الجُرْحَ يَنْغَرُ بعد حينٍ إذا كانَ البناءُ على فسادِ
(نغر الجرح: انفجر وسال منه الدم)
أبو فراس الحمداني:
مصابي جليل والعزاء جميل وظني بأنَّ الله سوف يديلُ
جراحٌ تحاماها الأساة مخوفة وسقمان بادٍ منهما ودخيلُ
(جراح داخلية نفسية وخارجية من طعن الأعداء بالاضافة الى الغربة)
أبو فراس:
يا قرحٌ ، لم يندمل الأولُ! فهل بقلبي لكما محملُ!
جُرحان في جسمٍ ضعيف القوى حيث أصابا فهو المقتلُ
تقاسم الأيام أحبابنا وقِسمها الأفضلُ والأجملُ
وليتها إذا أخذت قسمها عن قسمنا تُغمِضُ أو تغفِلُ
وُقيتَ في الآخرِ من صرفها الجائرِ ما جرّعكَ الأولُ
أبو فراس:
وإنّي للصبورُ على الرزايا ولكِنَّ الكِلامَ على الكِلامِ
جروحٌ لا يزلنَ يَرِدنَ مني على جُرْحٍ قريبِ العهدِ دامِ
البحتري:
وهلْ جُرْحٌ يُرَبُّ بغيرِ آسٍ وهل غَرْسٌ يطولُ بغيرِ ماء؟(يرب:يصلح)
“ابو بكر”فكم آسى جريحاً وكم عَمَّ الأعِلاَّ بالشفاء
المعري:
عجزَ الأطبةُ عن جروحِ نوائبٍ ليست بغيرِ قضاءِ ربك تُسبَرُ
المعري:
لو لم تكنْ في القومِ أصغرُهمْ ما بانَ فيكَ عليهم كِبْرُ
والداءُ يُطرَدُ بالأمَرِّ وصرفُ الخطبِ وقت نزولهِ الصّبرُ
والعيشُ سُقمٌ لا سآمَ لهُ وجراحهُ يعيا بها السَّبرُ
الشريف الرضي:
وكأني خَلَل الغيبِ ارى نَغرة من جرحها بعد اندمال
الشريف الرضي:
رفقاً بقلبي يا أبا حَسنٍ العينُ منك ، وأنت تَطرفها
في القلبِ منكَ جراحةٌ ابداً مازلتُ ادمُلها وتَقرِفها
الشريف الرضي:
كَلْمٌ بقلبي أُداويه ويقرِفهُ طُولُ ادّكاري لِمن لي منه نسيانُ
مهيار:
جُرحٌ تواكَلهُ الأساة على ولغِ المسابرِ فيه والفُتْلِ
مهيار :
قتيلٌ به ثار غِلّ النفوس كما نغِر الجرح حكُّ القروف
مهيار :
رماني زماني بما نابكم فأغرقَ في نزع أوتارهِ
وعمق يجرح ما لاتنا لُ كف الطبيب بمسبارهِ
فمن كَلْم قلبي وإحراقهِ إلى فقرِ ربعي وإفقارهِ
مهيار:
وقيل لو عُلِّلَ مستأمناً والداءُ إن مُوطِلَ يوماً سرى
والتحم الجُرحُ فقد طُرّحتْ جنباهُ بالمسبارِ واستنهزا(اتسع وجرى)
مهيار:
كان َ جُرحاً جائِفاً فاندملتْ قرحةٌ منخ، وكَسرٌ فجبر
مهيار:
يسومون كَفّكَ سَبر الجراح وقد أخذتْ في العظام المُدى
مهيار:
دَميتْ قروحُكَ يا جريحَ زمانهِ تحتَ الحمول؟ أما لخرقك راقعُ؟
مهيار الديلمي:
جُرْحٌ على جُرحٍ ولكن جائِفٌ ضلَّ الفتائِلُ فيه المسبار
(جائف: بلغ الجوف)
فجرتْ عمائِقُهُ العروقَ وغادرت قصبَ العظام وهُنَّ مُخُّ رار(ذائب)
فأغمز قناتييا زمانُ فإنّهُ ذاكَ المماكِسُ طائحٌ خوّار
النابغة الشباني:
فلا تجعل طعام الليل ذخراً حذار غدٍ، لكل غدٍ غداء
وكُلُّ جراحةٍ تُوسى فتبرى ولا تبرى إذا جَرحَ الهجاء
الشريف البياضي-قول على قول ج2 ص333:
ولقد ذكرتكِ والطبيبُ مُعَبِّس والجرحُ منغمسٌ به المِسبارُ
وأديمُ وجهي قد فراه حديده ويمينه حذراً عليَّ يَسارُ
فشغلتني عما لقيتُ وإنّه لتضيقُ منه بِرُحبها الأقطارُ
أحدهم:
مالي أكلف مهجتي كتم الأسى إن طال عهد الجرح صار صديدا
احدهم:
فِراقٌ اتى في إثرِ هجرٍ وما أذىً بأوجعَ من كَلْمٍ أصابَ على كَلْمِ
ولكنّ دهراً اثخنتني جراحُهُ إذا حزَّ في جلدي ألحَّ على عظمي
الآكلة=غانغرينا
من الناحية الطبية:
الغنغرينا:Gangrene:أو داء الموات أو الأكال هو نوع من تموت الانسجة الناجم عن نقص التروية الدموية الشديد.ولها أسباب عديدة وأهمها:
داء السكري غير المضبوط،وأمراض الشرايين المحيطية وخاصة داء بورغر عند المدخنين،والرضوض المهتكة،والتعرض للصقيع،ومتلازمة رينو،وإدمان الغول،وداء الإيدز….
من الناحية الأدبية:
جاء في جمهرة الأمثال للعسكري ج2 :”يقولون: لو كُنْتِ مِنَّا حَذوناكِ:أي أعطيناك. والحُذيا: العطَّية . والمثل لمرَّة بن شيبان ، أصابت الآكلة رِجلَهُ ،فأمر بنيه بقطعها ، فلما رأها قد بانت قال: لو كنت منك حذوناك ،فذهب مثلاً يضربه الرجل يحزن على أثر ما فارقه .
جاء في معجم الأدباء لياقوت الحموي ج5 ص489:” أصاب الزمخشري (صاحب كتاب التفسير المشهور) خُرَّاجٌ في رجله فقطعها واتخذ رجلاً من خشب ،وقيل أصابه بَرْدُ الثلج في بعض أسفاره بنواحي خُوارِزم فسقطت رجله، وحُكيَّ أن الدَّامغاني المتكلم الفقيه سأله عن سبب قطع رجله فقال:دعاءُ الوالدة، ذلك أني أمسكتُ عُصفوراً وأنا صبي صغير وربطتث بِرجلهِ خيطاً فأفلت من يدي ودخل خَرْقاً فجذبته فانقطعت رجله ، فتألمت له والدتي وقالت: قطعَ اللهُ رجلك كما قُطِعَتْ ، فلما رحلت إلى بخارى في طلب العلم سقطت عن الدابة في أثناء الطريق فانكسرت رجلي وأصابني من الألم ما أوجب قطعها.
وجاء في مقدمة كتاب أطواق الذهب للزمخشري:”أصابه في بعض أسفاره ببلاد خوارزم ثلج كثير وبرد شديد ،فعطبت رجله واضطر إلى قطعها ، واتخذ رِجلاً خشبية ، فكان إذا مشى ألقى عليها ثوابه الطوال ،فيظن بعض الناس أنه أعرج، وكان يصحب معه مَحْضراً بشهادة خلق كثير ممَّن اطلعوا على الحادث ،خوفاً من أن يظنَّ من يراه أنَّ رجله قطعت في ريبة ، فعل ذلك تحرزَّاً وورعاً.
من الناحية الدينية:
عروة بن الزبير والغنغرينا : هو أحد فقهاء المدينة السبعة ، وابوه أحد العشرة المبشرين بالجنة (الزبير بن العوام) وأمه ابنة أحد الخلفاء الراشدين (أسماء بنت أبي بكر الصديق)،وخالته اُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها . جاء في كتاب وحي القلم –مصطفى صادق الرافعي- ج2 ص95″
يقول الامام الشعبي :رأيت عروة بن الزبير وهو شيخٌ كبير عند الوليد بن عبد الملك ، وقد وقعت في رجله الاُكلة ، فأشاروا عليه بقطعها لا تفسد جَسده كلّه ، فَدُعي له من يقطعها ،فلما جاء قال له :نسقيك الخمر حتى لا تجد ألماً ، فقال عروة : لا أستعين بحرام الله على ما أرجو من عافيته !قال : فنسقيك المُرِقد: فقال عروة: ما اُحب أن اُسلبَ عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألمَ ذلك فا أحتسبه، ثم دخل رجالٌ أنكرهم عروة فقال: من هؤلاء؟ قالوا : يمسكونك ، فإن الألم رُبمّا عَزَبَ معه الصبر ، قال : أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي ، إنه انصرف بحسه إلى النفس فانبسطت روحه عليه وأخذ يكبر ويهلّل ليبقى مع روحه وحدها ، وخرج من دنيا ظاهرة إلى دنيا باطنة ، وغُمرت حواسه وأعصابه بالنور الإلهي من معنى التكبير والتهليل ،فقطع القاطع كعبه بالسكين وهو لا يلتفت ، حتى إذا بلغ العظم وضع عليها المنشار ونشرها وعروة في التكبير والتهليل ،ثم جئ بالزيت مغلياً في مغارف الحديد فَحُسِمَ به مكان القطع ، فَغُشي على عروة ساعة ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه ، ولم يُسمع منه في كل هذه الالام الماحقة أنّة ولا آهة “.
النجاشي :
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ورجل رَمَتْ فيها يدُ الحدثان
الخراجات
الحجاج بن يوسف الثقفي: دعا سعيد بن جبير على الحجاج فقال: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي . فأصاب الحجاج خُرَّاج في يده ، ثم انتشر في جسمه ، فأخذ يخور كما يخور الثور ، ثم مات في حالة مرزية.
الصلع
ابن الرومي:
تَعَممَّتُ إحصاناً لرأسيَ بُرْهةً من القّرِّ يوماً والحرُورِ إذا سَفَعْ
فلما دَهى طولُ التَّعمُمِ لِمتي وأودى بها بعدَ الإطالةِ والفَرَعْ
عزمتُ على لُبسِ العمامةِ حيلةً لتستر ما جَرَّتْ عليَّ من الصلعْ
فيالك من جانٍ عليَّ جنايةً جعلتُ إليهِ من جنايته الفزعْ
وأعجبُ شئ كان دائي جعلته دوائي على عمد وأعجب بأن نَفعْ
البحتري:
ما لعينيكَ تغزِلانِ إذا ما رأتا في الرؤؤسِ رأساً صليعا؟
إنَّ حُبَّ الصُّلعانِ يُبدي من المر ءِ لأهلِ التكشيفِ أمراً فظيعاً
لستَ عندي الوضبع بل أنت يا وغ دُ وضِيعٌ عن أن تكونَ وضيعا
(التكشيف: شعرات في الناصية ثائرة لاتكاد تسترسل ، والعرب تتشاءم به)
طرفة بن العبد:
وصلعُ الرؤوس عظامُ البطون جُفاةُ المحزِّ غلاظ القَصر
(يقول ان لبس البيض والمغافر قد صلع رؤوسه)
أسعد رستم –شاعر لبناني-يصف أصلعاً:
لِصديقنا في رأسهِ صحراءُ جَفَّتْ فلا عُشبٌ بها أو ماءُ
وكأنّها المَيدانُ من بعدِ الوغى فنيَ الجميعُ فما بها أحياءُ
كصحيفةِ البلّور يلمعُ سطحُها ولها بياضٌ ناصعٌ وضِياءُ
في الليل لا يحتاجُ قنديلاً فمن إشراقِها تتبدد الظُلماءُ
ولقد سمعناهُ يقول ودمعهُ يجري فَيعمي مقلتيهِ بكاءُ
كم من دوا للشّعرِ قد جرّبتهُ يوماً فراحَ سُدىً وظلَّ الداءُ
يا حسرتي ذهبَ الشبابُ وكان لي فيهِ مآثِرُ جَمَّةٌ غَرَّاءُ
أسفاهُ مالي في الحياةِ مطامعٌ فأنا وسكانُ القبورِ سَواءُ
قلنا له: مهلاً لِمَ هذا البكا فاسمعْ ففي هذا الكلامِ عزاءُ
إن زال شعركَ وابتُليتَ بصلعةٍ فلأن فيك نباهةٌ وذكاءُ
ورُبَّ أخٍ وفيتُ لهُ وفيِّ ولكن لا يدوم له الوفاءُ
أخلاءٌ إذا استغنيت عنهمْ وأعداءٌ إذا نزل البلاءُ
فأجابَ لا شرفاً اُريدُ ولا عُلا هل لديكمْ للشعورِ دواءث؟
قلنا: نعم زِبلٌ يُرَشُّ فإنما بالزِبلِ تحيا الروضةُ الغَنَّاءُ
أحدهم:
فإن عِبتَ قوماً بالذي فيكَ مثلُهُ فكيفَ يعيبُ الصُّلْعَ من هو أصلَعُ
الشعرانية
جاء في قول على قول –الكرمي –ج2 ص110 :”وأما نسبة الأشعريين فترجع إلى أشعر واسمه نَبْتُ بن اُدّ بن زيد بن يشجب ، وإنما قيل له أشعر لأن اُمه ولدته والشعر على بدنه ، ومن الأشعريين : أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وابو الحسن الأشعري .
القمل
من الناحية الطبية:
القمل:هو داء تسببه نوع من الحشرات تعيش على فروة الرأس عند المصاب أو في منطقة شعر العانة،أو تحت الإبط،وهي حشرة في حجم حبة السمسم،وتعيش على دم الإنسان.ويضع القمل بعد التزاوج بين الذكر والأنثى بيوضه على شعرات المصاب وهي تلتصق بالشعر بشدة،ويصعب انتزاعها.وتحدث العدوى بالاحتكاك المباشر مع المريض،أو عن طريق فراش المريض ووسائده،ويسبب حكة شديدة في الرأس والجسم.
من الناحية الدينية:
نزلت الآية الكريمة {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} ” [البقرة 196]، في الصحابي الجليل كعب بن عجرة رضي الله عنه ،شاهده الرسول صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية والهوام يتساقط عن وجهه فاقترب منه وسأله : أيؤذيك هوام رأسك ؟ قال : نعم يا رسول الله . قال: احلق ونزلت به هذه الأيات.
من الناحية الأدبية:
الأعشى :
قوماً يعالجُ قُمّلاً أبناؤهم وسلاسلا اُجُداً وباباً مؤصدا
5 ـ أدواء أخرى:
اللديغ
من الناحية الطبية:
لدغة الافعى:إن تأثير لدغات الأفاعي يعتمد على عدة عوامل ومنها:نوع الأفاعي،ومنطقة الجسم التي تعرضت للدغ،وكمية السم التي دخلت الجسم،والظروف الصحية للمريض.
من الناحية الدينية:
جاء في الحديث الشريف الذي أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر،فمروا بحيٍّ من أحياء العرب،فاستضافوهم فلم يُضيفوهم،فقالوا لهم:هل فيكم راقٍ؟فإنّ سيد الحيِّ لديغ،أو مصاب،فقال رجل منهم:نعم،فأتاه فرّقاه بفاتحة الكتاب، فبرأ الرجل،فأُعطي قطيعاً من غنم،فأبى أن يقبلها،وقال: حتى أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له،فقال:يا رسول الله،والله ما رقيتُ إلا بفاتحة الكتاب فتبسم وقال: وما أدراك أنها رُقية؟ثم قال: خذوا منهم،واضربوا لي بسهمٍ معكم.وفي رواية:بهذا الإسناد وقال في الحديث فجعل يقرأ أمَّ القرآن،ويجمع بُزاقه ويتفل فبرأ الرجل.
وفي جزء من الحديث الصحيح:“اللهم إني أعوذ بك أن أموت لديغا”.
والحديث كاملاً:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو:”اللهم إني أعوذ بك من الهدم وأعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغرق والحرق والهرم وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً وأعوذ بك أن أموت لديغاً”[صحيح أبو داود عن كعب بن عمرو وقال الألباني: حديث صحيح].
من الناحية الأدبية:
بشار بن برد:؛
كأنّي من تذكركم سليم اُضِلَّ دواؤهُ غيرَ السُّهادِ
النابغة الذبياني:
أتاني ابيتَ اللّعنَ أنكَ لُمتني وتلكَ التي تَستَكُ منها المسامِعُ
فبتُّ كأني ساوَرَتني ضئيلةٌ من الرُّقْشِ في أنيابها السُّمُ ناقِعُ
(ساورتني: واثبتني،لأن الافعى لا تلدغ الا وثبا.ضئيلة : دقيقة وهي أشد سما. الرقش: المنقطة بسواد والرقش من شرار الأفاعي)
يُسَهَّدُ من ليلِ التَّمامِ سليمُها لِحَلى النساءِ في يديه قعاقِعُ
(ليل التمام : أطول ليالي الشتاء.)
تناذَرَها الرَّاقونَ من سُوءِ سُمِّها تطلقهُ َطوراً ، وَطوراً تُراجعُ
(القعاقع: ج قعقعة وهو الصوت . السليم: اللديغ: سمي بذلك تفاؤلا له بالسلامة . وكان من عادة العرب اذا لدغ أحدهم علقوا عليه حلي النساء ليسمع صوتها فلا ينام ومن أمثالهم : السليم لا ينام ولا ينيم . (العمدة لابن رشيق ص237).
ومثلها قول احدهم:
فبت معنى بالهموم كأنني سليم نفى عنه الرقاد الجلاجل
نار السليم : توقد للملدوغ إذا سهر ،وللمجروح إذا نزف ،وللمضروب بالسياط ،ولمن عضه الكلب لئلا يناموا فيشتد بهم الأمر حتى يؤدي بهم الى التهلكة . قال المجروح:
أبا ثابتٍ انا إذا يسبقَوننا ستُركب خَيلٌ أو يُنتِبهُ نائمُ
والمنزوف إذا نام أصابه الكزاز (الأوائل للعسكري ص41)
ليلُ السَّليم:
يضرب به المثل في الطول والسهر فيه ،لأن السّليم لا ينام لِما به، ولا يترك والنوم إن غَشيه النعاس ،لئلا يسري السّمُ في بدنه، والعرب تُعلّق عليه الحليّ وتُسهره كما قال النابغة:
يُسهّد من نوم العِشاء سليمُها لحلي النساء في يديه قعاقِعُ
وقال السّري في وصف القلم :
لكَ القلمُ الذي يُضحي ويُمسي له الإقليمُ محميّ الحريمِ
هو الصّلّ الذي لو عضّ صِلاً لأسلمهُ إلى الليل السّليمِ
وفي كتاب المبهج:شتان مابين ليل السّليم ،وليل النائم في فراشِ النعيم (ثمار القلوب للثعالبي ص635-636)
الأعشى :
ألم تغتمض عيناكَ ليلة ارمدا وعادَكَ ما عادَ السليمَ المُسهَّدا
(رواية:وبت كما بات السليم)
وما ذاك من عشق النساء وإنّما تناسيتَ قبل اليوم خُلةَ مَهدَدا
(اسم امرأة)
الممزّق العبدي:
أرِقتُ فلم تخدع بعينيَّ وسْنةٌ ومن يَلْقَ ما لاقيتُ لا بدَّ يأرَقِ
تبيتُ الهمومُ الطارقاتُ يَعُدنني كما تعتري الأهوالَ رأسَ المُطَلَّقِ
(التطليق: ان ينفس عن الملدوغ ساعة ،فاذا عاوده الألم عاد الى حالته الاولى)
المتنبي:
إليكِ فإني لستُ مِمّن إذا اتقى عِضاضَ الأفاعي نامَ فوقَ العقاربِ
(الأولى للموت السريع والثانية للموت البطئ)
المتنبي:
يُحاذرُني حتفي كأنيَ حتُفهُ وَتنكُزُني الأفعى فيقُتلُها سُّمي
(نكزته:لسعته)
جرير:
نامَ الخَليُّ وما تنامُ همومي وكأنَّ ليليَ باتَ ليلَ سليم
الفرزدق:
لعمري لقد كان ابنُ ثَوْرٍ لنهشَلٍ غَروراً، كما غرَّ السليمَ تمائِمُه
الشريف الرضي:
أهون عليك إذا امتلأت من الكرى أني أبيت بليلة الملسوع
الشريف الرضي:
وما ينجي اللديغَ بهِ تداوٍ وقد امسى بداءٍ أيِّ داءِ
الشريف الرضي:
يُعارِضني بذكرِكَ كُلُّ شئٍ عِدادَ الداءِ غَبَّ على السَّليمِ
الشريف الرضي:
أقول لركب رائحين لعلّكم تحلُّون من بعدي العقيق اليمانيا
خذوا نظرة مني فلاقوا بها الحمى ونجداً وكثبان اللوى والمطاليا
ومُرّوا على أبيات حيٍّ برامةٍ فقولوا لديغٌ يبتغي اليوم راقيا
عدِمتُ دوائي بالعراقِ فربما وجدتم بنجدٍ لي طبيباً مداويا
مهيار الديلمي:
سوى ذكرى نَزَتْ بجوىً دفينٍ كما كرَّ العِدادُ على السليم
(العداد: هياج وجع اللديغ لوقت معلوم ، يقال سبعة أيام)
مهيار الديلمي:
كم يُمطَلُ المل